الجنس : العمر : 54 إمبراطوريتي الخاصة التسجيل : 18/10/2011عدد المساهمات : 178
موضوع: ҖҖ دعائم المجتمع الصالح في نظر الإسلام ҖҖ الأحد 04 ديسمبر 2011, 6:14 pm
دعائم المجتمع الصالح في نظر الإسلام
للمجتمعات الإنسانية الراقية السعيدة دعائم قوية تقوم عليها ، هي في نظر الإسلام العظيم دعائم ستة . وسيجري الحديث في هذا الموضوع من خلال البنود التالية :
1 ـ الدين المتبع .
2 ـ الحكومة الرشيدة .
3 ـ العدل الشامل .
4 ـ الأمن العام .
5 ـ توفير أسباب اليسر .
6 ـ غرس الآمال في نفوس الناس .
7 ـ الإسلام ضمانة لتحقيق هذه الدعائم .
8 ـ لماذا كان محمد صلى الله عليه وسلم أشرفَ الخلق وحاملَ دعوة الإسلام ؟
قرر الإسلام أن المجتمع الإنساني لا يصلح إلا إذا اجتمعت أمور ستة :
الأول ـ دين متبع
لأن الدين هو الذي يصون النفوس عن ميولها ، ويصرفها عن إرادتها السيئة ، ويقهر السرائر ، ويزجر الضمائر ، وهو الرقيب على النفوس في خلواتها ، والناصح لها في ملماتها . قال بعض الحكماء : الأدب أدبان : أدب شريعة ، وأدب سياسة : فأدب الشريعة ما أدى الفرض ، وأدب السياسة ما عمر الأرض ، وكلاهما يرجع إلى العدل الذي به سلامة السلطان ،وعمارة البلدان ، لأن من ترك الفرض فقد ظلم نفسه ، ومن خرب الأرض فقد ظلم نفسه وغيره .
قال سعيد بن حميد : ( ما صحة أبداننا بنافعة حتى يصح الدين والخلق ) .
الثاني ـ حكومة رشيدة
ذلك بأن الحكومة تتألف برهبتها الأهواء المختلفة ، وتجتمع بهيبتها القلوب المتفرقة ، وتنقمع من خوفها النفوس المتعادية ، لأن في طباع الناس من حب المغالبة على ما آثروه ، والقهر لمن عاندوه ، مالا ينكفون عنه إلا بمانع قوي ، ورادع تنفيذي ، وأنواع الرادع أربعة :
ورهبة الحاكم أبلغها وأشدها زجراً ، وأقواها ردعاً ، فقد جاء في الحديث الشريف : ( إن الله ليزع بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن لله حراساً في السماء وحراساً في الأرض , فحراسه في السماء الملائكة , وحراسه في الأرض الذين يقبضون أرزاقهم ويذبون عن الناس ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( الإمام الجائر خير من الفتنة , وكل لا خير فيه , وفي بعض الشر خيار ) .
وقال بعض البلغاء : ( الحاكم في نفسه إمام متبوع ، وفي سيرته دين مشروع ، فإن ظلم لم يعدل أحد في حكم ، وإن عدل لم يجسر أحد على ظلم ) .
الحاكم : هو الذي يحرس الدين ، ويحث على العمل به من غير إهمال له ، ويدفع الأهواء منه ، ويحفظه من التبديل فيه ، ويزجر من شذ عنه بارتداد ، أو بغى فيه بعناد ، أو سعى فيه بفساد .
وهو الذي يقيم الحدود على مستحقيها ، من غير تجاوز فيها ، ولا تقصير عنها . وهو الذي يختار أعوانه ورجاله من أهل الكفاية فيها ، والأمانة عليها .
من استقل بهذه الشؤون حقاً من الحكام ، فهو مستوجب لطاعة رعيته ومناصحتهم ، مستحق لصدق ميلهم ومحبتهم . ومن قصر عنها ولم يقم بحقها وواجبها ، كان بها مؤاخذاً ، وعليها معاقباً ، ثم هو من الرعية على استبطان معصية ومقت ، يتربصون الفرص لإظهارها ، ويتوقعون الدوائر لإعلانها :
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( خير أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وشر أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنوهم ويلعنوكم ) . وهذا صحيح ، لأن الإمام أو الحاكم إذا كان ذا خير أحب رعيته وأحبوه ، وإذا كان ذا شر أبغض رعيته وأبغضوه .
وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : ( إن الله تعالى إذا أحب عبداً حببه إلى خلقه , فاعرف منزلتك من الله تعالى بمنزلتك بين الناس) .
وسبب هذا أن خشية الله تبعث على طاعته في خلقه ، وطاعته في خلقه تبعث على محبته ، فلذلك كانت محبتهم دليلاً على خيره وخشيته ، وبغضهم دليلاً على شره وقلة مراقبته .
وروى أن عمر بن الخطاب قال لأبي مريم السلولي ـ وكان هو الذي قتل أخاه زيد بن الخطاب ـ : ( والله إني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم ) . قال : ( أفيمنعنا ذلك حقاً ؟ ) قال : لا . قال : ( فلا ضير : إنما يأسى على الحب النساء ) .
الثالث ـ عدل شامل
عني الإسلام بإقامة العدل عناية عظيمة : فقال تعالى : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) . وقال تعالى : ( و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ) . ( يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ، أو الوالدين والأقربين ) . ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) .
وسر ذلك أن العدل الشامل يدعو إلى الألفة ، ويبعث على الطاعة ، وتعمر به البلاد ، وتنمي به الأموال .وليس شيء أسرع في خراب الأرض ، ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور ، لأنه لا يقف عند حد ،ولا ينتهي إلى غاية ، ولكل جزء منه قسط من الفساد حتى يستكمل . تأمل قوله صلى عليه وسلم : ( ثلاث منجيات وثلاث مهلكات : فأما المنجيات فالعدل في الغضب والرضا ، وخشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الغنى وفي الفقر . وأما المهلكات فشح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ) .
وانظروا قول الإسكندر لحكماء الهند ، وقد رأى قلة الشرائع بها : لم صارت سنن بلادكم قليلة ؟ . قالوا لإعطائنا الحق من أنفسنا ، ولعدل ملوكنا فينا . فقال لهم : أيما أفضل : العدل أم الشجاعة ؟ .قالوا : إذا استعمل العدل أغنى عن الشجاعة .
وتدبر قول بعض العلماء : إن العدل ميزان الله الذي وضعه للخلق ، ونصبه للحق : فلا تخالفه في ميزانه ، ولا تعارضه في سلطانه ، واستعن على العدل بخلتين : قلة الطمع ، وكثرة الورع .
ضروب العدل
للعدل ضروب شتى :
1. منها عدل الإنسان في نفسه : وذلك بحملها على الصالح ، وكفها عن الفضائح ، ثم بالوقوف في أحوالها على أعدل الأمرين من تجاوز أو تقصير ، فإن التجاوز فيها جور ، والتقصير فيها ظلم, ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم ، ومن جار عليها فهو على غيره أجور .
انظر إلى قول بعض الحكماء : من توانى في نفسه ضاع .
2. ومنها عدل الإنسان فيمن دونه : كالحاكم في رعيته ، والرئيس مع مرؤوسيه . وعدله فيهم يتحقق بأمور أربعة : إتباع الميسور ، وحذف المعسور ، وترك التسلط بالقوة ، وابتغاء الحق في السيرة ، لأن إتباع الميسور أدوم ، وحذف المعسور أسلم ، وترك التسلط أوجب للمحبة ، وابتغاء الحق أبعث على النصرة . ومن لم تجتمع له هذه الأمور من الحكام أو الرؤساء ، كان الفساد بنظره أكثر ، والاختلاف بتدبيره أظهر .
تأمل قوله صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذاباً يوم القيامة من أشركه الله في سلطانه فجار في حكمه ) .
وتأمل قول بعض الحكماء : أقرب الأشياء صرعة الظلوم ، وأنفذ السهام دعوة المظلوم .
وقول أزدشير بن بابك : إذا رغب الملك عن العدل ، رغبت الرعية عن طاعته .
وقول أنو شروان لما عوتب على ترك عقاب المذنبين : هم المرضى ونحن الأطباء , فإذا لم نداوهم بالعفو عنهم فمن لهم ؟ .
3 . ومنها عدل الإنسان مع من فوقه : كعدل المحكومين مع الحكام ، و المرؤوسين مع الرؤساء : وقوام ذلك إخلاص الطاعة ، وبذل النصرة ، وصدق الولاء : فإن إخلاص الطاعة أجمع للشمل ، وبذل النصرة أدفع للوهن ، وصدق الولاء أنفى لسوء الظن . ومن لم تتم له هذه الأمور من المرؤوسين ، تسلط عليه من كان يدافع عنه ، واضطر إلى اتقاء من كان يقيه . و في هذا يقول البحتري :
متى أحرجت ذا كرم تخطى إليك ببعض أخلاق اللئام
وما أبدع قول بعض الحكماء ! : إن الله لا يرضى عن خلقه إلا بتأدية حقه . وحقه شكر النعمة ، ونصح الأمة ، وحسن الصنيعة ، ولزوم الشريعة .
4 . ومنها عدل الإنسان مع إخوانه و نظرائه : وآية ذلك ترك الاستطالة ( التفضل والامتنان )، واجتناب الإدلال (مجاوزة الحد ثقة بالمحبة).، وكف الأذى : فترك الاستطالة أدعى إلى الألفة ، ومجانبة الإدلال أبقى للعطف و الرحمة ، وكف الأذى مروءة و نصفة .
تأمل بديع قوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بشرار الناس ؟ ) . قالوا : بلى . يا رسول الله ، قال : ( من نزل وحده ، ومنع رفده ، وجلد عبده ) . ثم قال : ( أفلا أنبئكم بشر من ذلك ؟ ) قالوا : بلى . يا رسول الله ، قال : ( من لا يرجى خيره ، ولا يؤمن شره ) . ثم قال : ( أفلا أنبئكم بشر من ذلك ؟ ) . قالوا : بلى . يا رسول الله ، قال : ( من يبغض الناس ويبغضونه ) .
وانظر إلى قول بعض الحكماء في بيان قبح الظلم في صوره المختلفة : الحاكم السوء يخيف البريء ، ويصطنع الدنيء . والبلد السوء يجمع السفل ، ويورث العلل . و الولد السوء يشين السلف ، ويهدم الشرف . و الجار السوء يفشي السر ، ويهتك الستر . فما أنفع العدل ! وما أضر الجور !