دعائم المجتمع الجديد المستقر
لقد ظهر بوضوح أن " الثورة الإنتاجية " كانت دعامتها الأساسية معرفة الزراعة وممارستها ، واستئناس الحيوان واستغلاله ، والارتباط بالأرض والانتفاع بمواردها وبناء المساكن والإحساس بالجيرة والشعور بالمشاركة فزراعة النباتات كان لها تأثير قوى على طريقة الحياة فى العصر الحجرى الحديث إذ ربطت الإنسان بالتربة ، ومن ثم كانت المحافظة على النباتات والأرض هو الشيء الذي لابد أن يضمن فى المكان الأول .
وقد تحدثا عن الزراعة واستئناس الحيوان . وسنتحدث عن القرية كدعامة للعصر الحجرى الحديث :-
كما استطاع إنسان العصر الحجرى القديم أن يتلاءم مع بيئته فيتخذ من الكهوف والمظلات الصخرية أو ما يشبه الأكواخ مأوى له ، تمكن أيضا إنسان العصر الحجرى الحديث من تشييد المحلات العمرانية التي عرفها التاريخ كضرورة اقتضتها ظروف الحياة المستقرة المرتبطة بالأرض والزراعة ونمو الرابطة العائلية والتعارف بين المجتمعات البشرية المتكتلة .
وليس معنى ذلك أن ظهور الاقتصاد الزراعي الجديد قد قضى كلية على سكنى الكهوف فهي مازالت موجودة حتى الآن فى بعض المناطق المنعزلة التي لم يصل بعض قبس من نور المدنية وكل ما حدث انه مع ازدياد عدد السكان وشدة الحاجة إلى الاستقرار إلى جانب الأرض المنزرعة ، حيث لا يوجد مأوى طبيعي – بدأ إنسان العصر الحجرى يضع اللبنات الأولى فى صرح الفن المعماري ببناء منزل له و لأسرته.
وقد بنيت هذه المنازل فى اغلب الأحيان من المواد المحلية التي اختلفت باختلاف المناطق التي وجدت بها ، ومن ثم فقد لعبت هذه المواد دوراُ كبيرا فى تشكيل خطة وتركيب المبنى فمثلا استخدمت جذوع الأشجار الضخمة والحصر مما أدى إلى وجود الخطة المستطيلة فى تشييد المباني بينما كان استخدام أي نسيج من ألياف الأشجار والعصي حول أعمدة خشبية قد نتج عنه فى اغلب الأحيان أبنية مستديرة . هذا وقد استخدمت الأحجار والطوب النيئ وغيرة من مشتقات الصلصال فى بناء المنازل المستطيلة والمستديرة على السواء.
على حين حفرت المنازل المحفورة فى الأرض وكان يتراوح شكلها بين الدائري والمستطيل نظراً لإنه كان من الصعب تحديد الشكل بدقه أثناء عملية الحفر بسبب بدائية الآلات التي استخدمها الإنسان لتحقيق هذا الغرض خير الأمثلة لتلك المنازل هذه التي وجدت في قرية يانج شاو بالصين .
وقد كان المناخ عاملا طبيعيا آخر إلى جانب المواد الطبيعية اثر بقوة في نظام تشييد المباني . ففي المناطق الحارة نشأت منازل بسيطة ليس بها تعقيد في تركبها أو نظام بنائها، بينما في المناطق التي تستقبل الأمطار بكثرة وتهب عليها العواصف في أوروبا وأسيا أقيمت المباني علي أنظمة خاصة حتى ا تصمد أمام الأعاصير ولا تنهار أمام سيول الأمطار .
أما في المناطق القارصة البرودة فقد لجأ الإنسان إلى التعمق بأرضية منازلة تحت مستوى السطح وتغطية مدخل المنزل بما يشبه الشرفة وذلك حتى يدفئ منزلة بقدر المستطاع ولم يقتصر اثر المناخ علي شكل المبنى بل لعب دوراً هاماً في اختيار المادة المستخدمة للبناء ففي جنوب غرب أسيا والصين وأفريقيا أقبل إنسان العصر الحجرى الحديث على استخدام الطوب المجفف تحت أشعة الشمس وذلك نظراً لسهولة صنعة تحت الظروف المناخية في تلك المناطق المعتدلة الباردة التي يسقط بها المطر بإستمرار لم تكن أشعة الشمس من القوة بحيث تمكن سكان هذه المنطقة من تجفيف الطوب أو الطين كما فعل معاصروهم في جنوب غرب أسيا .
*مثال للمنازل (منازل قرى وادي النيل )
بالنسبة لمصر حيث الدفء والأمطار القليلة والتربة المتجددة والفيضان السنوي لم يجد فلاحوا ما قبل الأسرات ثمة حاجة لإقامة منازل ثابتة . في المحلات التي قامت علي شاطئ بحيرة الفيوم كانت أكواخها بسيطة بحيث لم نجد من مخالفاتها شيء ينبئ عن وجودها سوى حفر لتخزين الغلال وحفر لإشعال النار و نفس الشيء يظهر في المنازل الأولى التي بنيت في مرمدة .غير انه في فترة لاحقة تمكن أهل مرمدة من استخدام الحصر في بناء أكواخهم بل عرفوا ايضاً كيف يشيدون أكواخا طينية علي شكل قباب .
ويبدو أن القرية المصرية كما توضحها مرمدة بنى سلامه كانت أكثر اتساعاً من تلك التي قامت في جنوب غرب أسيا . فلأكواخ هنا قد رجعت في صفوف ، وخصص لكل منزل حديقة خاصة أو فناء يتصل مباشرة بشوارع القرية .
وفي البداري فى مصر العليا عاش الفلاحون أيضا في أكواخ من الحصير تشبه تلك التي ظهرت متأخرة في مرمدة .