الجنس : العمر : 36 كوكب الأشباح التسجيل : 06/09/2011عدد المساهمات : 512
موضوع:  « أسس بناء المجتمع وعناية الإسلام بها » الأحد 27 نوفمبر 2011, 8:30 am
أسس بناء المجتمع وعناية الإسلام بها
يمكن القول إن الأسس العامة التي قام عليها بناء المجتمع الإسلامي – بعد الأساس العقدي المهيمن عليها- هي: الإنسان، والروابط الاجتماعية، والضبط الاجتماعي، والأرض.
الإنسان
عنى الإسلام بالإنسان الفرد عناية لا مثيل لها، بغية أن يهيئه ليكون اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وبرزت هذه العناية الإلهية منذ الخلق والتكوين، حين خلقه الله تعالى ونفخ فيه من روحه ومنحه العقل والحواس، فبان بهذا أنه مخلوق كريم على الله، ثم تبعته العناية الإلهية حين قضى الله تعالى يكون خليفة في الأرض، وقد توجت هذه العناية بشريعة الإسلام وبما تضمنته من هداية وتوجيهات تخص الفرد المسلم، كادت تستغرق العهد المكي كله ولم يغفلها العهد المدني، وهدفت كلها إلى بناء شخصية للفرد المسلم متزنة مستقلة تجمع بين ما استودع فيها من رغبات ونزعات، وبين ما أنيط بها من مسؤوليا على مستوى الفرد والجماعة، وهذا ما جعل الإنسان مخلوقاً متميزاً وحرياً بأن يصبح خليفة في الأرض وأهلاً للقيام بواجباته تجاه نفسه وتجاه مجتمعه.
ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل بحكمته حاجة الفرد إلى الفرد كحاجة العضو إلى العضو والخلية إلى الخلية، ويفهم من هذا أن سلوك الفرد ورغباته كالحب والوفاء والتميز والفخر، لابد لها من محيط اجتماعي تمارس فيه.
يضاف إلى هذه الدوافع الفطرية، دوافع مكتسبة أوجدها الشارع الحكيم من خلال تشريعات وتكاليف خوطب بها الفرد، لها اتصال مباشر بالمجتمع، وهذا ملحوظ في العبادات كلها ذلك لأن الحياة داخل المجتمع تمنح الفرد قوة فوق قوته.
إن المتأمل في مكانة الفرد في الإسلام وما أحيط به من عناية وتهيئة يدرك أنه أهل لأن يكون الأساس الأول في بناء المجتمع باعتباره اللبنة الأولى في الأسرة، تلك الأسرة التي تؤلف مع مثيلاتها المجتمع الرباني.
الروابط الاجتماعية
فطر الإنسان على حب الانتماء إلى المجتمع، فهو يميل بطبيعته إلى بني جنسه ويكره العزلة، ذلك أن الاجتماع ما هو إلا تعبير عن غريزة مستكنة في أعماق نفس الإنسان والجماعة، صفة لازمة من صفاته٦. وحيثما وجد مجتمع إنساني برزت - بلا شك - روابط اجتماعية وصلات وهي عبارة عن فكر وسلوك وتعمل في ظل التفاعل الاجتماعي بين الأفراد. ويرى البعض أن هذه الروابط قد تكون علاقات اجتماعية، مثل الصداقة والمصاهرة، وقد تكون عمليات اجتماعية أشد تعقيداً، مثل الجوار والصراع، ومنهم من يقسم هذه الروابط إلى فطرية، كالقرابة، وإلى مكتسبة كالجوار٧.
وعلى كل فهي روابط اجتماعية نمت في ظل الاجتماع وتولدت منه بسبب شعور كل فرد بحاجته إلى التعاون مع الآخرين والارتباط بهم، تحقيقاً للمصالح المشتركة. يجدر بنا أن نذكر في هذا المقام تميز المجتمع الإسلامي عن غيره في مجال الروابط الاجتماعية، فهو وإن أقر كثيراً من الروابط ورعاها حق رعايتها، إلا أنه جعل الرابطة العظمى والعروة الوثقى العقيدة وما يفيض عنها من تشريعات وهدايات، لأنها المرجعية الأولى والعليا لأبناء المجتمع الإسلامي في ما يصدر عنهم من سلوك وتصرفات، فكان للعقيدة والحال هذه دور ظاهر في إيجاد روابط اجتماعية، وفي تهذيب روابط أخرى كان قد أقرها العرف من قبل٨. إن الإسلام يعتمد في بناء مجتمعه على قوة الرابطة التي يضعها بين المسلمين ويجعل منهم جسماً واحداً يتجه – بقوة – إلى غاية واحدة، ذلك ما يصوره الحديث النبوي المشهور: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى٩". فحق في ضوء هذه المفاهيم أن تكون الروابط الاجتماعية أحد الأسس التي يبنى عليها المجتمع ولا نبعد عن الصواب إذا قلنا إن المجتمع نسيج مكون من صلات اجتماعية١٠.
الضبط الاجتماعي
عندما يضم المجتمع العديد من الأفراد فلا شك أن هؤلاء الأفراد سيؤثر بعضهم في بعض من خلال الصلات الاجتماعية التي تربطهم، فينشأ من هذا مجموعة من السلوكيات والأحاسيس والتصورات، ولا شك أن حاجة المجتمع ماسة لوجود ضوابط وأنظمة تطلق نشاط الأفراد في مجالات، وتحبس نشاطهم في مجالات أخرى، وتضع لهم مقاييس للسلوكيات والأحاسيس تقوم الأمور تبعاً لها، فتعتبر بعض الأمور كريمة محببة وتعتبر بعضها كريها مذموماً١١. لقد تنبه المعنيون بشؤون المجتمع إلى أهمية هذا الأساس في بنائه، وكان غاية ما توصلوا إليه من أجل تحقيق هذا الغرض ما يسمى بنظرية العقد الاجتماعي، والتي اتضحت معالمها على يد العالم الشهير (روسو) وهي فكرة مادية تقوم حقيقتها على تبادل المصالح والتعايش بين الناس لينال كل منهم حقوقه، وهي محاولة لا بأس بها لكف نوازع العدوان والتسلط١٢ لكنها لا تقوى هي ولا مثيلاتها بحال على التأليف بين قلوب أفراد المجتمع ولا بث المحبة بينهم ولا زرع روح التسامح في المجتمع، فهي لا تزيد عن كونها محاولة للتوفيق بين الرغائب، والملائمة بين المصالح، حتى لا يحدث تصارع ولا اختلاف. وللإسلام منهج في هذا المجال لم تعرف البشرية في تاريخها الطويل منهجاً يوازنه أو يدانيه، وسلك فيه مسالك متنوعة، فآتت ثمارها، وكان من ذلك أن زين لأفراد المجتمع طريق سهلاً موصلاً للجنة ولرضوان الله تعالى عن طريق محبة الآخرين، قال الرسول : "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحبوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم١٣". فجعل انتشار المحبة بين الأفراد علامة على تحقق الإيمان ورتب على ذلك دخول الجنة وهذا من أعظم الحوافز التي توضع بين يدي المسلم اليقظ، ولا شك أن المحبة في الله إذا فشت بين أفراد المجتمع كان لها من الآثار والثمار ما هو كفيل بتجاوز كثير من الأزمات ونمو التسامح في المعاملات١٤.
كذلك رغب الإسلام أبناءه في العناية بقضايا المجتمع وحاجات أفراده، ورتب على ذلك مكاسب عظيمة بينها النبي بقوله: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله عزوجل في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم اليامة١٥". لقد أوجدت هذه النصوص الشرعية ومثيلاتها رقابة ذاتية لدى الإنسان المسلم وحافزاً داخليا يحمله على التفاعل الإيجابي مع أبناء مجتمعه، ويجعله يستحضر المسؤولية المنوطة به تجاههم، وتكون ثمرة هذا كله أن تقوى أواصر المحبة والتسامح والنصح والإيثار وحسن العشرة وكف الأذى بين أفراد المجتمع، وهو ما يسند نظم المجتمع ويبرز معالم الانضباط فيه. لم يركن الإسلام في ضبط السلوك وحفظ الأمن الاجتماعي إلى هذا المنهج على الرغم من أهمية أثره الإيجابي، وإنما تعداه إلى إيجاد تشريعات يحتكم إليها أفراد المجتمع عن رضى وطيب نفس لكونها ربانية المصدر، فقد نظم الإسلام العلاقة بين أفراد المجتمع المسلم، وأوجد نظماً تخص الأسرة الصغيرة والكبيرة، ونظم أمور المعاملات، ليقف كل فرد على ماله وما عليه، وهو منهج يتسم بالواقعية، ويستخدم في ضبط الأمور في المجتمع. دعت الحاجة - إضافة إلى ذلك كله - إلى وجود بعض الروادع تمثلت في تشريعات تتعلق بالعقوبات على أنواعها، تقوم اعوجاج بعض الأفراد وتردهم إلى الصواب حماية لهم من شرور أنفسهم وصيانة لأمن المجتمع١٦.
الأرض
تعد الأرض واحدة من الأسس التي ينبني عليها المجتمع، وبيان ذلك أن الله سبحانه وتعالى أنزل الإسلام بأحكامه وتشريعاته ليحكم في الأرض، ويطبق على أرض الواقع ويمتثله الناس في شؤون حياتهم من أجل تقديم أنموذج حي ومثالي لمجتمع مسلم متميز. لا يخفى أن الغاية الكبرى تستدعي بعض العوامل المساعدة على تحقيقها، منها توافر حرية التصرف لدى الأفراد، والسلامة من التأثير الخارجي، ووجود مناخ ملائم لإقامة أحكام الله وتشريعاته، ثم وجود سلطة تملك سلطة اتخاذ القرا وتنفيذه، ويتعذر وجود هذه العوامل أو يكاد إذا لم توجد بقعة من الأرض تجمع المسلمين وتكون الكلمة فيها لهم. وتتضمن سيرة الرسول وأتباعه الكرام إشارات توضح هذا المعنى فإن النبي لما بعث قي مكة وصار له أتباع، حرصوا على الالتفاف حول النبي وتكوين تجمع خاص بهم، متميز في كثير من نواحي الحياة عن المجتمع الجاهلي الكبير الذي كانوا يعيشون فيه، فأمكنهم التميز في جوانب كالعبادات والأخلاق وتعذر التميز في جوانب أخرى كالمعاملات العامة ولم يكن للإسلام يومئذ قانون نافذ، ولكم تكن له قوة يستطيع بها تنفيذ تعاليمه، فكان الوازع الداخلي لدى المسلمين آنذاك مغنيا عن القانون والسلطان. لقد بحث النبي منذ وقت مبكر عن أرض يقيم بها هو وأصحابه لينشئ مجتمعا خاصا، فقصد أهل الطائف فلم يجيبوه، ثم عرض دعوته على أهل المدينة فاستجاب أهلها الكرام لدعوته وفتحوا أبوب مدينتهم أمام رسول الله وجموع المسلمين من كل مكان، فكانت الهجرة من أعظم أحداث التاريخ الإسلامي، لأنها هي الأرض ووفرت المناخ المناسب لإقامة مجتمع إسلامي مستقل ومتميز، فبدأت معالم هذا المجتمع تبرز للعيان، وتتابعت التشريعات في شتى المجالات، وخاصة تلك التي تنظم العلاقات والمعاملات بين أفراد المجتمع الواحد. ومتميز، فبدأت معالم هذا المجتمع تبرز للعيان، وتتابعت التشريعات في شتى المجالات، وخاصة تلك التي تنظم العلاقات والمعاملات بين أفراد المجتمع الواحد. لقد تضمن القرآن الكريم ربطاً بين إقامة الأحكام الشرعية وبين التمكين في الأرض حين قال تعالى: الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور الحج:٤١ وإذا فهم هذا، تبينت الحاجة التي من أجلها شنع القرآن الكريم على أولئك الذين آثروا البقاء في أرض الكفر، ولم يهاجروا إلى أرض الإسلام للانضمام إلى المجتمع المسلم، وذلك في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا النساء:٩٧
وفي ضوء ما تقدم، يمكن القول بأن الأرض من أسس بناء المجتمع الإسلامي، وتتعذر إقامة مجتمع واضح المعالم ما لم يكن للمسلمين أرض لهم فيها القول والفصل١٧.
الخلاصة
عنى الإسلام بالإنسان الفرد عناية لا مثيل لها، بغية أن يهيئه ليكون اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وبرزت هذه العناية الإلهية منذ الخلق والتكوين، وقد توجت هذه العناية بشريعة الإسلام وبما تضمنته من هداية وتوجيهات تخص الفرد المسلم. فُطر الإنسان على حب الانتماء إلى المجتمع، فهو يميل إلى بني جنسه ويكره العزلة، وقد أدى ذلك إلى نشوء روابط اجتماعية وصلات بين الأفراد في المجتمع الواحد، وقد جعل الإسلام الرابطة العظمى والعروة الوثقى بين أفراد المجتمع الإسلامي العقيدة الإسلامية، لأنها المرجعية الأولى والعليا لأبناء المجتمع الإسلامي في كل ما يصدر عنهم. لا بد من وجود ضوابط وأنظمة تطلق نشاط الأفراد في مجالات، وتحبس نشاطهم في مجالات أخرى، وتضع لهم مقاييس للسلوكيات والأحاسيس. استخدم الإسلام منهجاً مميزاً في زرع التألف بين قلوب أفراد المجتمع و بث المحبة بينهم وزرع روح التسامح، حيث جعل انتشار المحبة بين الأفراد علامة على تحقق الإيمان ورتب على ذلك دخول الجنة وهذا من أعظم الحوافز التي توضع بين يدي المسلم، كذلك رغب الإسلام أبناءه في العناية بقضايا المجتمع وحاجات أفراده. تعد الأرض واحدة من الأسس التي ينبني عليها المجتمع، وبيان ذلك أن الله سبحانه وتعالى أنزل الإسلام بأحكامه وتشريعاته ليحكم في الأرض، ويطبق على أرض الواقع.