الجنس : العمر : 30 المدينة المنورة التسجيل : 12/03/2012عدد المساهمات : 53
موضوع: ۩₪۩ القوة في الإعتصام والاجتماع ۩₪۩ السبت 17 مارس 2012, 5:14 am
۩₪۩ القوة في الإعتصام والإجتماع ۩₪۩
لقد أمر الله الأمة بالاجتماع واتحاد الكلمة وجمع الصف على أن يكـون أساس هذا الاجتماع الاعتصام بالكتاب والسنة ، ونهى عن التفرق وبـين خطورته على الأمة في الدارين . ولتحقيق ذلك أمرنا بالتحاكـم إلى كتـاب الله تعالى في الأصول والفروع ونهينا عن كل سبب يؤدي إلى التفرق .
يقول ابن كثير: يقول الله –تعالى- آمراً عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ، ومما أمر به الاجتماع ومما نهى عنه التفرق والاختلاف.
ففي هذه الآية يأمر الله -تعالى- عباده المؤمنين بالاعتصام بحبله المتين يعني القرآن.
فقد أمر الله تعالى بالاعتصام بحبل الله ، وحبل الله هو عـهد الله أو هو القرآن كما قال المفسرون ، إذ العهد الذي أخذه الله على المسـلمين هو الاعتصام بالقرآن والسنة . فقد أمر الله تعالى بالجماعة ونهى عن التفـرق والاختلاف . قال تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر : 7] . وهذا شامل لأصول الدين وفروعه الظاهرة والباطنـة .
قال ابن كثير: أي وصى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالائتلاف والجماعة ، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف.
قال قتادة : (كأنهم بنيان مرصوص) ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه، فكذلك الله -عز وجل- لا يحب أن يختلف أمره، وإن الله حث المؤمنين في قتلاهم وصفهم في صلاتهم، فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به)
قال ابن كثير: وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق، والأمر بالاجتماع والائتلاف ، كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : " إنّ اللّه يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرّقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال" [رواه مسلم (1715) ] .
ولقد ذم الله الاختلاف وأمر بالاجتماع ، فقال : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (105) سورة آل عمران.
قال ابن كثير: ينهى الله -تبارك وتعالى- في هذه الآية أن يكونوا كالأمم الماضية في افتراقهم واختلافهم، فقد قال عن الأمم الماضية : { وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد } (البقرة176).
فعلينا أن نكون صفاً واحداً كما أمرنا ربنا، وأن نسعى لتوحيد الأمة على كتاب الله وسنة رسول الله .
لم يوجد دين كدين الإسلام حث على الاجتماع ، وحذر من الافتراق ، بل لقد استطاع تحويل المجتمعات الممزقة المفرقة إلى مجتمع واحد متماسك متآزرٍ متآخٍ متآلفٍ ، يرحم بعضه بعضاً. ومن هنا لا بد أن يعلم الناس جميعاً أنهم كلما زاد تمسكهم بالدين كلما زادت وحدتهم وألفتهم ، وكلما بعدوا عن الدين تفرقوا وتمزقوا.
وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة، أنهم يحرصون أشد الحرص على وحدة المسلمين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ثم إنه -سبحانه وتعالى- بين أن هذا الأصل وهو الجماعة عماد لدينه وقد كره النبي -صلى الله عليه وسلم- من المجادلة ما يفضي إلى الاختلاف والتفرق، فوصف الفرقة الناجية بأنهم المتمسكون بسنته، وأنهم الجماعة.
عن مالك بن أنس- رحمه اللّه- بلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما: كتاب اللّه وسنّة رسوله"[رواه مالك في الموطأ وقال الألباني (حسن) المشكاة (47) ] .
وعن زيد بن أرقم- رضي اللّه عنه- قال: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوما فينا خطيبا، بماء يدعى خمّا بين مكّة والمدينة، فحمد اللّه وأثنى عليه، ووعظ وذكّر، ثمّ قال: " أمّا بعد، ألا أيّها النّاس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب اللّه، واستمسكوا به" فحثّ على كتاب اللّه، ورغّب فيه ثمّ قال: "وأهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي"[رواه مسلم (2408) ] .
وعن ابن مسعود- رضي اللّه عنه- قال فى قوله تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ } قال : حبل اللّه الجماعة. [الدر المنثور للسيوطي (2/ 285) ] .
كلمة ( جمع ) تدل على التضام والتآلف والترابط والوحدة والتلاحم ، إذاً اجتماع المسلمين وتآلفهم وارتباطهم ولم شملهم واتحاد صفهم ، مقصود شرعي ، بل إن الله سبحانه وتعالى بيَّن أن أهل الجماعة هم أهل الرحمة ، وأن أهل الافتراق هم أهل العذاب .
اجتماع الأمة لا يمكن أن يحصل لا بقومية ، ولا بعروبة ، ولا بعصبية قبلية ، ولا بأموال ، ولا بأي شيء من أغراض الدنيا { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]، يقول القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [آل عمران:103 ]، قال رحمه الله " يأمر الله سبحانه وتعالى بالاجتماع ، وينهى الأمة عن الافتراق ، لأن الفرقة هلكة والجماعة نجاة ولا أدل ولا أصدق من قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد ( الجماعة رحمة والفرقة عذاب ) .
وعن ابن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: إنّ هذا الصّراط محتضر، تحضره الشّياطين ينادون يا عبد اللّه هلمّ هذا هو الطّريق، ليصدّوا عن سبيل اللّه، فاعتصموا بحبل اللّه ، فإنّ حبل اللّه القرآن. [الدر المنثور للسيوطي (2/ 284) ] .
وعن أبي العالية في قوله تعالى { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ } قال: بالإخلاص للّهّ وحده { وَلا تَفَرَّقُوا } يقول : لا تعادوا عليه- يقول على الإخلاص- وكونوا عليه إخوانا. [الدر المنثور للسيوطي (2/ 286) ] .
وعن ابن زيد في { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ }، قال : الإسلام . [الدر المنثور للسيوطي (2/ 287) ] .
وقال ابن بطّال: لا عصمة لأحد إلّا في كتاب اللّه، أو في سنّة رسوله، أو في إجماع العلماء على معنى في أحدهما. [فتح الباري (13/ 246)] .
لقد وضَّح الله عز وجل في كتابه أعظم التوضيح ، وأدل البيان على خطر التفرق في دين الله سبحانه وتعالى ، بيَّن ذلك وبيَّن الوعيد الشديد لمن خرق في دين الله سبحانه وتعالى تفرقا ، قال تعالى { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } [النساء:115]
نستنتج من هذه الآيات والأحاديث وأقوال أهل العلم أن الإسلام دين الوحدة. وأن على الناس إذا أرادوا وحدة الصف أن يتمسكوا بالكتاب والسنة : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة الأنعام: 153].
الإسلام عظيم – تصوروا لو أن الأمة اجتمعت ماذا يكون حالها ؟ اسمعوا – يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي ( عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو مع الاثنين أبعد ) إذاً ما ظنكم بالثلاثة ؟ ما ظنكم بالألف ؟ ما ظنكم بالمليون ؟ ما ظنكم بمليار مسلم على وجه هذه الأرض لو اجتمعوا ؟ إذا كان الشيطان مع الاثنين أبعد ، فما ظنكم بملايين البشر من هذه الأمة ؟ ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن طريقة الاجتماع هي الطريقة الموصلة إلى الجنة ، قال في تتمة هذا الحديث ( فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة )
أذكر نماذج وأطرافا من الاجتماع على طاعة من الطاعات ، في صحيح مسلم ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال ( ما اجتمع ) انظروا في أمر من أمور العبادة ، فكيف لو اجتمعت الأمة على أمورها كلها ؟ قال (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم) ما الثمار ؟ ما الفوائد ؟ ما الآثار الطيبة ؟ ( إلا نزلت عليهم السكينة ) اطمئنان ، راحة ، سعادة ، استقرار ( إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهما الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده) بل إن الاجتماع على طاعة من الطاعات تقي العبد يوم القيامة من لهيب الشمس إذا دنت من الرؤوس مقدار ميل ، في الصحيحين ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) من بين هؤلاء السبعة ( رجلان تحابا في الله ) انقطعت هذه المحبة ؟ لا ،
( رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) بل إن البركة والنمو والزيادة تحصل مع الجماعة ، في سنن ابن ماجة من حديث وحشي بن حرب رضي الله عنه ( قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنا نأكل ولا نشبع ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اجتمعوا على طعامكم ) انظروا إلى أثر من آثار الاجتماع في جزء من جزئيات الاجتماع على أكل ، قال ( اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم )
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسَّرت أفرادا
يقول ابن حجر رحمه الله كما في الفتح ، يقول " لماذا حث الإسلام على صلاة الجماعة ولا سيما في صلاتي الفجر والعشاء وأخبر أن المتخلف عنهما من المنافقين ؟
قال رحمه الله : لأن الألفة تحصل للجيران بعضهم ببعض إذا اجتمعوا في هاتين الصلاتين " كيف ؟ يقول رحمه الله : " لأنهم يفتتحون نهارهم بالاجتماع على الطاعة ، ويختتمون نهارهم بالاجتماع على الطاعة " ما هي هذه الطاعة ؟ هي صلاة العشاء والفجر .
نسأل الله عز وجل أن يعيد للأمة وحدتها واجتماعها وعزها ومجدها
أن الأمة إذا اجتمعت تعي ثقافتها وقدرها وتحافظ على لغتها ، وهي لغة القرآن .
ومن فوائد اجتماع الأمة : أن الأمة تواجه التحديات التي تراد بها ، حتى إن الأعداء إذا علموا أن هذه الأمة الإسلامية قد اجتمعت ، خافت من شوكتها ومن قوتها ، لكن إذا علمت أنها ضعيفة ، نخرت في قواها ، كما هو مشاهد ومعلوم ومحسوس في واقعنا .
ومن فوائد اجتماع الأمة : أن الأمة تتحرر من التبعية ، تتحرر من أسر الثقافات ، بل بالاجتماع يحصل الإبداع ، تبدع الأمة وقد أبدعت الأمة في صدر هذه الأمة لما كانت مجتمعة ، الإبداع لا يحصل إلا باجتماع الأمة وتلاقح أفكارها ومعلوماتها وثقافتها .
ومن فوائد اجتماع الأمة : أنه يبرز الإسلام وعظمته ، وتظهر العدالة الإسلامية في أفراد المجتمع ، وتزول أو تنعدم أو على الأقل تقل الجريمة في المجتمع .
ومن فوائد اجتماع الأمة : أنه يقوي جانب العقيدة – نعم – ولذلك لو قرأتم في كتب العقيدة مما ألفه العلماء من السلف ما وجدتم متن عقيدة إلا وهو يتحدث عن الاجتماع ، لأن الاجتماع له صلة وثيقة وطيدة بالعقيدة ، النبي صلى الله عليه وسلم ، قال كما عند الترمذي ( يد الله مع الجماعة ) معية الله ، توفيق الله ، تسديد الله ، نصرة الله لعباده إنما هي بالجماعة ، وفي رواية ( يد الله على الجماعة ) [ على ] حرف استعلاء في اللغة يدل على أن الأمة الإسلامية لا يمكن أن تعلو و يرتفع قدرها إلا بالاجتماع .
ومن فوائد اجتماع الأمة : أن الأمراض النفسية والقلق تتلاشى من المجتمعات الإسلامية ، لأنه إذا حصل تفرق وشتات في الأمة أصبح في بعض الأمة قلقا ، لأن بعض أفراد الأمة قد لا يأمن من شر أخيه المنتسب للإسلام ومن ضرره ، ومن هنا قد يحصل قلق واضطراب .
ومن فوائد اجتماع الأمة : أن العصبية القبلية تزول ، وأن الدعوة إلى الانضمام إلى العروبة أو إلى القومية العربية أو ما شابه ذلك تضمحل ، ولا يمكن والله أن تجمع عروبة ولا قومية الأمة أبدا ، وقد دعوا إلى ذلك فيما سبق من سنين على أن تجتمع الأمة على عروبتها وعلى قوميتها ، ومع ذلك ما أفلحت ، فلا يمكن أن يجمع الأمة إلا هذا الدين .