۞ منتديات كنوز الإبداع ۞
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

۞ منتديات كنوز الإبداع ۞


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 [◙]◄ « الفرار إلى اللّه » ►[◙]

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
سيف الدين

عضو جديد  عضو جديد
سيف الدين


الجنس : ذكر
العمر : 37
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 11/03/2012
عدد المساهمات : 23

[◙]◄ « الفرار إلى اللّه » ►[◙]  Empty
مُساهمةموضوع: [◙]◄ « الفرار إلى اللّه » ►[◙]    [◙]◄ « الفرار إلى اللّه » ►[◙]  Icon_minitimeالجمعة 16 مارس 2012, 10:25 pm


[◙]◄ « الفرار إلى اللّه » ►[◙]  186jj4dx0


[◙]◄ « الفرار إلى اللّه » ►[◙]


إن الفرار إلى الله من أهم الأمور التي يجب أن يحرص عليه كل مسلم ومسلمة لينعم بقربه من ربه- سبحانه وتعالى- ، ولكي يتخلص من خطوات عدوه ووسوسته، ويسعد في الدنيا والآخرة .

الفرار لغة:

مصدر قولهم: فرّ يفرّ وهو مأخوذ من مادّة (ف ر ر) الّتي تدلّ على الانكشاف وما يقاربه من الكشف عن الشّيء [انظر مقاييس اللغة (4/ 438) ] . يقال: فرّ يفرّ فرارا أي هرب، وتفارّوا أي تهاربوا، وفرس مفرّ: يصلح للفرار عليه.

والمفرّ: الموضع، وقال الرّاغب: أصل الفرّ: الكشف عن سنّ الدّابّة، ومن ذلك الافترار: وهو ظهور السّنّ من الضّحك، وأفررته: جعلته فارّا، وقول اللّه تعالى: (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ) [الأحزاب: 16] إنّما الفرار من الحرب، وقال ابن منظور: الفرّ والفرار: الرّوغان والهرب. فرّ يفرّ فرارا: هرب. ورجل فرور وفرورة وفرّار: غير كرّار، وفرّ، وصف بالمصدر، فالواحد والجمع سواء. يقال منه: رجل فرّ ورجلان فرّ، لا يثنّى ولا يجمع. وقوله تعالى: (أَيْنَ الْمَفَرُّ) [القيامة: 10] أي أين الفرار، وقرىء: أَيْنَ الْمَفَرُّ، أي أين موضع الفرار؟ [انظر لسان العرب (5/ 50- 51)، والصحاح (3/ 780)، ومقاييس اللغة (4/ 438)، والمفردات (374)، ونزهة الأعين النواظر (463) ] .

واصطلاحا:

لم تذكر كتب الاصطلاح عبارة «الفرار إلى اللّه» على أنّها مصطلح خاصّ، ولكنّ كتب التّفسير قد ذكرت ذلك عند تفسير قوله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات: 50]، فقال الطّبريّ- عند تفسير هذا الجزء من الاية الكريمة-: «اهربوا أيّها النّاس من عقاب اللّه إلى رحمته بالإيمان به واتّباع أمره والعمل بطاعته» [تفسير الطبري (11/ 473) ] . وقال القرطبيّ في معنى هذه الاية الكريمة: قل لهم يا محمّد، أي لقومك: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات: 50] أي فرّوا من معاصيه إلى طاعته. وذكر عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قوله في هذه الاية: فرّوا إلى اللّه بالتّوبة من ذنوبكم، وروي عن ابن عبّاس أيضا في هذه الاية: فرّوا منه إليه واعملوا بطاعته، وقال بعضهم: فرّوا من طاعة الشّيطان إلى طاعة الرّحمن، وقيل: فرّوا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، وقيل: فرّوا إلى ما سبق لكم من اللّه، ولا تعتمدوا على حركاتكم [تفسير القرطبي (17/ 36- 37) باختصار وتصرف يسير] .

وقال الشّوكانيّ: فرّوا إلى اللّه بالتّوبة من ذنوبكم عن الكفر والمعاصي، وقيل معنى ففرّوا إلى اللّه: اخرجوا من مكّة.

وقال الحسين بن الفضل: احترزوا من كلّ شيء غير اللّه فمن فرّ إلى غيره لم يمتنع منه، وقيل: فرّوا من طاعة الشّيطان إلى طاعة الرّحمن، وقيل: فرّوا من الجهل إلى العلم [فتح القدير (5/ 91) ] .وقال أبو حيّان: فرّوا إلى اللّه: أمر بالدّخول في الإيمان وطاعة اللّه، وجعل الأمر ذلك بلفظ الفرار لينبّه على أنّ وراء النّاس عقابا وعذابا وأمرا حقّه أن يفرّ منه، فجمعت لفظة ففرّوا بين التّحذير والاستدعاء، وقال الزّمخشريّ: فرّوا إلى طاعته وثوابه من معصيته وعقابه ووحّدوه ولا تشركوا به شيئا [البحر المحيط (8/ 142) ] .

ونستخلص من جملة هذه الأقوال وغيرها أنّ الفرار إلى اللّه اصطلاحا يعني:

أن يفزع الإنسان ويهرب من عقاب اللّه ومن الشّيطان والمعاصي والجهل وكلّ ما عدا اللّه إلى طاعة الرّحمن والدّخول في الإيمان.

قال ابن القيّم- رحمه اللّه-: من منازل (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5]: منزلة الفرار: قال اللّه تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) وحقيقة الفرار: الهرب من شيء إلى شيء، وهو نوعان: فرار السّعداء، وفرار الأشقياء. ففرار السّعداء: الفرار إلى اللّه- عزّ وجلّ- وفرار الأشقياء الفرار منه لا إليه. وأمّا الفرار منه إليه: ففرار أوليائه.

قال صاحب المنازل: هو الهرب ممّا لم يكن إلى من لم يزل. وهو على ثلاث درجات: فرار العامّة من الجهل إلى العلم عقدا وسعيا. ومن الكسل إلى التّشمير جدّا وعزما. ومن الضّيق إلى السّعة ثقة ورجاء. يريد بما لم يكن «الخلق»، وبما لم يزل «الحقّ». وقوله: (فرار العامّة من الجهل إلى العلم عقدا وسعيا): فالفرار المذكور: هو الفرار من الجاهلين: من الجهل بالعلم إلى تحصيله، اعتقادا ومعرفة وبصيرة. ومن جهل العمل إلى السّعي النّافع، والعمل الصّالح قصدا وسعيا. وقوله: (ومن الكسل إلى التّشمير جدّا وعزما): أي يفرّ من إجابة داعي الكسل إلى داعي العمل والتّشمير بالجدّ والاجتهاد. والجدّ ههنا هو صدق العمل، وإخلاصه من شوائب الفتور، ووعود التّسويف والتّهاون، وهو تحت السّين وسوف، وعسى ولعلّ، فهي أضرّ شيء على العبد، وهي شجرة ثمرها الخسران والنّدامات.

وقوله: (من الضّيق إلى السّعة ثقة ورجاء): يريد هروب العبد من ضيق صدره بالهموم والغموم والأحزان والمخاوف الّتي تعتريه في هذه الدّار من جهة نفسه. وما هو خارج عن نفسه ممّا يتعلّق بأسباب مصالحه، ومصالح من يتعلّق به، وما يتعلّق بماله وبدنه وأهله وعدوّه. يهرب من ضيق صدره بذلك كلّه إلى سعة فضاء الثّقة باللّه تبارك وتعالى، وصدق التّوكّل عليه، وحسن الرّجاء لجميل صنعه به، وتوقّع المرجوّ من لطفه وبرّه.

وكلّما كان العبد حسن الظّنّ باللّه، حسن الرّجاء له، صادق التّوكّل عليه، فإنّ اللّه لا يخيّب أمله فيه ألبتّة، فإنّه سبحانه لا يخيّب أمل آمل، ولا يضيّع عمل عامل. وعبّر عن الثّقة وحسن الظّنّ بالسّعة، فإنّه لا أشرح للصّدر، ولا أوسع له- بعد الإيمان- من ثقته باللّه ورجائه له وحسن ظنّه به.

وبالجملة فصاحب هذا التّجريد: لا يقنع من اللّه بأمر يسكن إليه دون اللّه، ولا يفرح بما حصل له دون اللّه، ولا يأسى على ما فاته سوى اللّه، ولا يستغني برتبة شريفة، وإن عظمت عنده أو عند النّاس، فلا يستغني إلّا باللّه. ولا يفتقر إلّا إلى اللّه.

ولا يفرح إلّا بموافقته لمرضاة اللّه. ولا يحزن إلّا على ما فاته من اللّه. ولا يخاف إلّا من سقوطه من عين اللّه.

واحتجاب اللّه عنه. فكلّه باللّه، وكلّه للّه، وكلّه مع اللّه، وسيره دائما إلى اللّه. وقد رفع له علمه فشمّر إليه.

وتجرّد له مطلوبه فعمل عليه، تناديه الحظوظ: إليّ، وهو يقول: إنّما أريد من إذا حصل لي حصل لي كلّ شيء، وإن فاتني فاتني كلّ شيء، فهو مع اللّه مجرّد عن خلقه، ومع خلقه مجرّد عن نفسه، ومع الأمر مجرّد من حظّه، أعني الحظّ المزاحم للأمر، وأمّا الحظّ المعين على الأمر: فإنّه لا يحطّه تناوله عن مرتبته، ولا يسقطه من عين ربّه. وهذا أيضا موضع غلط فيه من غلط من الشّيوخ، فظنّوا أنّ إرادة الحظّ نقص في الإرادة.

والتّحقيق فيه: أنّ الحظّ نوعان: حظّ يزاحم الأمر، وحظّ يؤازر الأمر. فالأوّل هو المذموم، والثّاني ممدوح وتناوله من تمام العبوديّة، فهذا لون، وهذا لون [مدارج السالكين (1/ 504- 510) باختصار] .

يقول تعالى : { وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ * وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ } [الذاريات: 47- 50 ] .

أهمية الفرار إلى الله تعالى وفوائده منها :

1- أنه سبب لرضوان الله- سبحانه وتعالى- والفوز بالجنة والنجاة من النار .
2- ترك المعاصي والبعد عن الشبهات .
3- طهارة القلوب وصفاء النفس.
4- حب الناس والعطف عليهم.
5- البعد عن الدنيا وعدم الانشغال بمباحها ومآثرها المنهي عنها.

عن البراء بن عازب- رضي اللّه عنهما- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إذا أخذت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلاة. ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن، ثمّ قل: اللّهمّ إنّي أسلمت وجهي إليك. وفوّضت أمري إليك. وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك. لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك. آمنت بكتابك الّذي أنزلت. وبنبيّك الّذي أرسلت. واجعلهنّ من آخر كلامك. فإن متّ من ليلتك، متّ وأنت على الفطرة قال: فرددتهنّ لأستذكرهنّ فقلت: آمنت برسولك الّذي أرسلت. قال: «قل: آمنت بنبيّك الّذي أرسلت» [البخاري- الفتح 1 (247)، ومسلم (2710) واللفظ له] .

عن عليّ- رضي اللّه عنه- قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريّة، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه في شيء. فقال: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا له. ثمّ قال: أوقدوا نارا، فأوقدوا. ثمّ قال: ألم يأمركم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟. قالوا: بلى. قال: فادخلوها. قال: فنظر بعضهم إلى بعض. فقالوا: إنّما فررنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من النّار. فكانوا كذلك، وسكن غضبه، وأطفئت النّار، فلمّا رجعوا ذكروا ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها، إنّما الطّاعة في المعروف» [البخاري- الفتح 13 (7257)، ومسلم (1840) واللفظ له ] .

عن عطاء بن أبي رباح قال: زرت عائشة- رضي اللّه عنها- مع عبيد بن عمير اللّيثيّ، فسألناها عن الهجرة، فقالت: لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه إلى اللّه تعالى وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه، فأمّا اليوم فقد أظهر اللّه الإسلام، واليوم يعبد ربّه حيث شاء، ولكن جهاد ونيّة .[البخاري- الفتح 7 (3900) ] .

عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: خرجت يوم الخندق أقفو آثار النّاس، قالت: فسمعت وئيد الأرض ورائي- يعني حسّ الأرض- قالت: فالتفتّ فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنّه ، قالت: فجلست إلى الأرض، فمرّ سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوّف على أطراف سعد، قالت: فمرّ وهو يرتجز ويقول: ليت قليلا يدرك الهيجا جمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل قالت: فقمت، فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيهم عمر بن الخطّاب، وفيهم رجل عليه سبغة له- يعني مغفرا - فقال عمر: ما جاء بك لعمري، واللّه إنّك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوّز. قالت: فما زال يلومني حتّى تمنّيت أنّ الأرض انشقّت لي ساعتئذ، فدخلت فيها. قالت: فرفع الرّجل السّبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد اللّه، فقال: يا عمر، ويحك إنّك قد أكثرت منذ اليوم وأين التّحوّز أو الفرار إلّا إلى اللّه- عزّ وجلّ-. قالت: ويرمي سعدا رجل من المشركين من قريش، يقال له ابن العرقة بسهم له، فقال له: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله فقطعه، فدعا اللّه- عزّ وجلّ- سعد فقال: اللّهمّ لا تمتني حتّى تقرّ عيني من قريظة، قالت: وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهليّة، قالت: فرقي كلمه وبعث اللّه- عزّ وجلّ- الرّيح على المشركين فكفى اللّه- عزّ وجلّ- المؤمنين شرّ القتال، وكان اللّه عزيزا ... [أحمد (6/ 141، 142) وحسن إسناده الألباني، و قال الحافظ في الفتح ( 11 / 43 ) و سنده حسن ] .

سئل ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- عن الخائفين؟. فقال: قلوبهم بالخوف قرحة، وأعينهم باكية، يقولون: كيف نفرح والموت من ورائنا، والقبر أمامنا، والقيامة موعدنا، وعلى جهنّم طريقنا، وبين يدي اللّه ربّنا موقفنا . [إحياء علوم الدين (4/ 194) ] .

ذكر مقاتل أنّ: الفرار: التّوبة. ومنه قوله تعالى في الذّاريات: ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) [آية: 50][نزهة الأعين النواظر (464) ] .

قال مالك بن دينار: بينما أنا أطوف بالبيت إذ أنا بجويرية متعبّدة متعلّقة بأستار الكعبة، وهي تقول: يا ربّ، كم من شهوة ذهبت لذّاتها، وبقيت تبعاتها. وتبكي، فما زال ذلك مقامها حتّى طلع الفجر. قال مالك: فلمّا رأيت ذلك وضعت يديّ على رأسي صارخا أقول: ثكلت مالكا أمّه.[إحياء علوم الدين (4/ 194) ] .

قال النّيسابوريّ في قوله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) أي التجئوا إليه ولا تعبدوا غيره. أمر بالإقبال عليه والإعراض عمّا سواه.[حاشية السندي على تفسير ابن جرير الطبري (مج 7، ج 27، ص 16) ] .

قال ابن جرير الطّبريّ في تأويل قوله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)[ الذاريات: 50] يقول تعالى ذكره: فاهربوا أيّها النّاس من عقاب اللّه إلى رحمته، بالإيمان به، واتّباع أمره، والعمل بطاعته .[جامع البيان في تفسير القرآن (مج 11، ج 27، ص 6- 7) ] .

قال ابن كثير في قوله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) [الذاريات/ 50] أي الجأوا إليه واعتمدوا في أموركم عليه.[ تفسير ابن كثير (4/ 238) ] .

قال ابن القيّم- رحمه اللّه تعالى- تحت عنوان (الرّحلة إلى اللّه وما يعترضها): إذا عزم العبد على السّفر إلى اللّه تعالى وإرادته عرضت له الخوادع والقواطع، فينخدع أوّلا بالشّهوات والرّياسات والملاذّ والمناكح والملابس. فإن وقف معها انقطع وإن رفضها، ولم يقف معها وصدق في طلبه ابتلي بوطء عقبه ، وتقبيل يده، والتّوسعة له في المجلس، والإشارة إليه بالدّعاء ورجاء بركته، ونحو ذلك. فإن وقف معه انقطع به عن اللّه، وكان حظّه منه، وإن قطعه، ولم يقف معه ابتلي بالكرامات والكشوفات، فإن وقف معها انقطع بها عن اللّه وكانت حظّه، وإن لم يقف معها ابتلي بالتّجريد والتّخلّي ولذّة الجمعيّة، وعزّة الوحدة والفراغ من الدّنيا. فإن وقف مع ذلك انقطع به عن المقصود، وإن لم يقف معه وسار ناظرا إلى مراد اللّه منه، وما يحبّه منه، بحيث يكون عبده الموقوف على محابّه ومراضيه، أين كانت؟، وكيف كانت؟، تعب بها أو استراح، تنعّم أو تألّم، أخرجته إلى النّاس أو عزلته عنهم، لا يختار لنفسه غير ما يختاره له وليّه وسيّده، واقف مع أمره ينفّذه بحسب الإمكان، ونفسه عنده عليه أهون عليه أن يقدّم راحتها ولذّتها على مرضاة سيّده وأمره، فهذا هو العبد الّذي قد وصل ونفذ ولم يقطعه عن سيّده شيء ألبتّة . [الفوائد (172). ط. المكتبة الثقافية، بيروت، 1409 هـ/ 1989 م ] .

كيف يكون الفرار إلى الله وليس منه ؟

الكل في الحقيقة في حالة فرار … أما السعداء ففرارهم إلى الله سبحانه .. إلى رحابه .. طلبا لرضوانه ..
وأما الأشقياء ففرارهم منه لا إليه .. ينشغلون عنه بملهيات كثيرة تبعدهم عن ربهم جل جلاله .. فهؤلاء يفرون صعداء إلى السماء .. وهؤلاء يفرون سفولا إلى الوحل ..!!

الله يطالبنا أن نفر إليه لا منه .. (( ففروا إلى الله )) .. الفرار إلى الله العمل بطاعته .. والنفور من معصيته .. الفرار إلى الله شوق إلى الجنة ،وطلب حثيث لها .. وخوف من النار وفزع منها .

الفرار إلى الله فرار من الجهل إلى العلم .. ومن الشرك إلى التوحيد .. الفرار إلى الله فرار من الغفلة إلى اليقظة .. ومن ظلمة المعصية إلى نور الطاعة .. الفرار إلى الله فرار من الضيق إلى السعة .. ومن الكدر إلى الصفاء .. الفرار إلى الله فرار من الكسل إلى التشمير .. ومن التخليط إلى الإخلاص .. الفرار إلى الله فرار من الخلق إلى الخالق .. ومن الأرض إلى السماء .

الفرار إلى الله فرار من ضيق الصدر إلى طمأنينة القلب وقرة العين .. الفرار إلى الله فرار من سجن الدنيا ونكدها .. إلى نعيم الجنة وعبقها .. الفرار إلى الله فرار من ذل الشهوة ومرارتها .. إلى عز الطاعة وحلاوة الإيمان .. الفرار إلى الله فرار من حور الطين اللواتي يتلاعب بهن الشيطان ، إلى حور العين في جنة عرضها السموات والأرض .. مع ملاحظة أن المؤمنة الصادقة تكون أكثر جمالا من تلك الحوريات المخلوقات أصلا في الجنة ..!

عندما لا نعلم نكون جهلاء .. وعندما نعلم ثم لا نعمل يكون جهلنا مركباً ..!
الجهل مصيبة ، وعدم العمل بما نعلم كارثة .. أينا يحب أن يصفه الناس بالجهل ؟ لا أحد ..
ومع هذا نرى أكثر الناس كذلك وهم يدرون أو لا يدرون .. يا حسرة على العباد ..

فيا اختي وأخي الكرام في الله ,,,

الفرار إلى الله فرار من الجهل بكل أنواعه ، إلى العلم الذي يربطك بالله ويشدك إليه ، ، ولا أعني مجرد المعلومات ، لكني أعني العلم الذي يستنير به قلبك حتى يتوهج .. دع عنك سوف ولعل وربما وأخواتها ..
اذبح عجل التسويف وطول الأمل ، بسيف العزم والتشمير والمبادرة والتصميم وارحل طلبا لما عند الله تعالى ..فما عند الله خير وأبقى وأحلى وأرقى .. واعلم انك ابن يومك .. ولك ساعتك التي أنت فيها ..
فما مضى من يومك مات .. وما لم يأت لم يولد بعد .. وقد تموت أنت في هذه الليلة ، بل ربما في هذه الساعة التي أنت فيها ، فأحسن العمل لو كنت تعقل ..

قرر أن تفر إلى الله كما يطالبك هو بذلك ، ويلح عليك أن تفر إليه .. عاجلا لا آجلاً (( ففروا إلى الله )) أمر صريح ، فلماذا يراوغ هذا الإنسان ..؟؟

اعرف الطريق وقد بان لك .. وشمر للسير وقد لاحت لك معالمه .. وقرر السفر ما دامت أنفاسك تتردد في صدرك .. فلعلك تجد نفسك غدا محمولا على الأعناق ، لتوضع في حفرة ضيقة ، تنقلب عليك نيرانا تلظى تشويك .. وساعتها لن ينفعك الصياح حسرة وندامة : يا ليتني أعود إلى الدنيا ، فأعمل غير الذي كنت مشغولا به وفيه ومن أجله ..!! يا خيبة العمر الذي قضيته في جهل وحمق وأنا أضحك وأغني وأرقص ..!!

لقد منحك الله همة وعزيمة غير أنك لا تستثمرها على الوجه المطلوب .. فشد الآن المئزر ، وأحسن العمل ، وأحكم الأداء ، ليطوي الله لك الرحلة .. واجعل همك روح العمل لا ظاهره .. وتحقيق الحكمة من القيام بالأمر ، لا مجرد الأداء الصوري غير المثمر .. اجعل نصب عينيك منذ اليوم (( ففروا إلى الله )).. وعاد يكررها : اجعل نصب عينيك منذ اليوم (( ففروا إلى الله )) .. دع هذه الآية تحتل أكبر مساحة من قلبك وعقلك ..ثم انظر ماذا تصنع فيك ولك .

الفرار إلى الله حقاً .. يقذفك مباشرة إلى السماء ، لتحيا في مهرجاناتها الحافلة بكل بهجة ونعيم .. وكلما صح لك الفرار .. تذوقت ألواناً من أسرار العبادات تجعل قلبك يهتز ، وروحك تنتشي .. وعقلك يهدأ ، وعينك تقر .. ونفسك تطمئن .. الفرار إلى الله حقاً ، لا يجعلك تتعلق بقشور الدنيا ، ولا تتسقط على جيفها أعني شهواتها ..!

بل إنك حين تصدق الفرار إلى الله : تجد نفسك في يسر .. تستعلي على زخارفها وفتنها ، وتسمو فوق كل فخاخ الشيطان التي يحرص أن يسوقها بين يديك ، وعلى عينيك ليفتنك بها .. حقيقة الفرار إلى الله .. أن تشحن قلبك بالنور حتى يصبح كالكوكب الدري يوقد من شجرة مباركة .. أعني : أن يستوقد قلبك أنواره من شجرة الوحي حتى يتوهج .. الفرار إلى الله فرار من حظوظ النفس الظاهرة والخفية التي تقطعك عن الله جل جلاله .. وتصرفك عن بابه .. الفرار إلى الله جل جلاله فرار من صحبة سوء تحول بينك وبين مولاك وسيدك وحبيبك ، إلى صحبة خير تعينك على مزيد من التقرب إلى الله لتنال رضاه .. فرار من حظ نفسك وهواك ، إلى حظ الله ومراده حتى يرضى عنك .. وتحصيل رضاه غاية المنى .. كما قال القائل :
إذا رضيت فكل شيء هينُ ** وإذا حصُلتَ فكل شيءٍ حاصلُ

وخلاصة الأمر : أن ثمرات الفرار إلى الله كثيرة جدا منها : راحة قلب ، وقرة عين ، وسكينة نفس .. وجنة معجلة ، ونعيم يتجدد رغم المشقة التي يعانيها في البداية من عزم أن يقطع الطريق في همة { والذين جاهدوا لنهدينهم سبلنا } .. نعم .. الفرار إلى الله جنة معجلة ، ونعيم يتجدد ، وسعادة حقيقية .. ولكن أكثر الناس لا يعلمون .. وسوف يعلمون هذا كله ، في يوم لا ينفع فيه الندم أصحابه ..

إن الله ربنا جل جلاله يحب لنا الخير .. ومن ثم يهيب بنا أن نفر إليه .. ولو أننا فتشنا أنفسنا ، لأيقن أكثرنا أنه يفر من الله ، ولا يفر إليه .. فهل رأينا محسنا غيره سبحانه ؟؟ وهل لنا رب سواه ؟ وهل رأينا نور الدنيا إلا بتقديره وبكرمه ؟؟ فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ..!؟

(( ففروا إلى الله )) فروا من صوت الشيطان إلى صوت الرحمن !!
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }

إن الفرار إلى الله -عز وجل- سبيل إلى رضا الله -سبحانه- ودخول الجنة ،وهو أيضاً سبيل إلى النجاة من غضب الجبار، ومن الدخول إلى النيران، وهو من جملة العبادات الشرعية لأن الفرار إلى الله: توحيد وطاعة، وفيه تخليص للإنسان من ذنوبه وجرائمه وأخلاقه السيئة، وغير ذلك من المنافع الدنيوية والأخروية.

اللهم ارزقنا الفرار إليك يا رب، والفرار إلى دينك وإلى كتابك وسنة نبيك . اللهم آمين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النذير البشير.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الشبح

عضو فضي  عضو فضي
الشبح


الجنس : ذكر
العمر : 35
الموقع كوكب الأشباح
التسجيل : 06/09/2011
عدد المساهمات : 512

[◙]◄ « الفرار إلى اللّه » ►[◙]  Empty
مُساهمةموضوع: رد: [◙]◄ « الفرار إلى اللّه » ►[◙]    [◙]◄ « الفرار إلى اللّه » ►[◙]  Icon_minitimeالإثنين 19 مارس 2012, 11:58 pm

[◙]◄ « الفرار إلى اللّه » ►[◙]  8
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
[◙]◄ « الفرار إلى اللّه » ►[◙]
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۞ منتديات كنوز الإبداع ۞ :: ۞ المنتديات الإسلامية ۞ ::  ۩ الإسلام .. دين السلام ۩-
انتقل الى: