| ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 3:33 pm | |
| السادس : أن يرحل عن المنزل بكرة روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رحل يوم الخميس وهو يريد تبوك وقال اللهم بارك لأمتي في بكورها حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم رحل يوم الخميس يريد تبوك وقال اللهم بارك لأمتي في بكورها رواه الخرائطي وفي السنن الأربعة من حديث صخر العامري اللهم بارك لأمتي في بكورها قال الترمذي حديث حسن ويستحب أن يبتدئ بالخروج يوم الخميس فقد روى عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى سفر إلا يوم الخميس حديث كعب ابن مالك قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى سفر إلا يوم الخميس والسبت أخرجه البزار مقتصرا على يوم خميسها والخرائطي مقتصرا على يوم السبت وكلاهما ضعيف وروى أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم السبت وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها أول النهار حديث كان إذا بعث سرية بعثها أول النهار أخرجه الأربعة من حديث صخر العامري وحسنه الترمذي وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم خميسها حديث أبي هريرة اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم خميسها أخرجه ابن ماجه والخرائطي في مكارم الأخلاق واللفظ له وقال ابن ماجه يوم الخميس وكلا الإسنادين ضعيف وقال عبد الله بن عباس إذا كان لك إلى رجل حاجة فاطلبها منه نهارا ولا تطلبها ليلا واطلبها بكرة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم بارك لأمتي في بكورها حديث ابن عباس إذا كانت لك إلى رجل حاجة فاطلبها إليه نهارا الحديث أخرجه البزار والطبراني في الكبير والخرائطي في مكارم الأخلاق واللفظ له وإسناده ضعيف ولا ينبغي أن يسافر بعد طلوع الفجر من يوم الجمعة فيكون عاصيا بترك الجمعة واليوم منسوب إليها فكان أوله من أسباب وجوبها والتشييع للوداع مستحب وهو سنة قال صلى الله عليه وسلم لأن أشيع مجاهدا في سبيل الله فأكتنفه على رحله غدوة أو روحة أحب إلي من الدنيا وما فيها حديث لأن أشيع مجاهدا في سبيل الله فأكتنفه على رحله غدوة أو روحة أحب إلي من الدنيا وما فيها رواه ابن ماجه بسند ضعيف من حديث معاذ بن أنس. السابع : أن لا ينزل حتى يحمي النهار فهي السنة ويكون أكثر سيره بالليل قال صلى الله عليه وسلم عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار حديث عليكم بالدلجةالحديث تقدم في الباب الثاني من الحج ومهما أشرف على المنزل فليقل اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين ورب البحار وما جرين أسألك خير هذا المنزل وخير أهله وأعوذ بك من شر هذا المنزل وشر ما فيه اصرف عني شر شرارهم فإذا نزل المنزل فليصل فيه ركعتين ثم ليقل اللهم إني أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق فإذا جن عليه الليل فليقل يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك ومن شر ما فيك وشر ما دب عليك أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب ومن شر ساكني البلد ووالد وما ولد وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم ومهما علا شرفا من الأرض في وقت السير فينبغي أن يقول اللهم لك الشرف على كل شرف ولك الحمد على كل حال ومهما هبط سبح ومهما خاف الوحشة في سفره قال سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت السماوات بالعزة والجبروت. الثامن : أن يحتاط بالنهار فلا يمشي منفردا خارج القافلة لأنه ربما يغتال أو ينقطع ويكون بالليل متحفظا عند النوم كان صلى الله عليه وسلم إذا نام في ابتداء الليل في السفر افترش ذراعيه وإن نام في آخر الليل نصب ذراعيه نصبا وجعل رأسه في كفه حديث كان إذا نام في ابتداء الليل في السفر افترش ذراعيهالحديث تقدم في الحج والغرض من ذلك أن لا يستثقل في النوم فتطلع الشمس وهو نائم لا يدري فيكون ما يفوته من الصلاة أفضل مما يطلبه بسفره والمستحب بالليل أن يتناوب الرفقاء في الحراسة فإذا نام واحد حرس آخر حديث تناوب الرفقاء في الحراسة تقدم في الحج في الباب الثاني فهذه السنة ومهما قصده عدو أو سبع في ليل أو نهار فليقرأ آية الكرسي وشهد الله وسور الإخلاص والمعوذتين وليقل بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله حسبي الله توكلت على الله ما شاء الله لا يأتي بالخيرات إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله منتهى ولا دون الله ملجأ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز تحصنت بالله العظيم واستعنت بالحي القيوم الذي لا يموت اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واكنفنا بركنك الذي لا يرام اللهم ارحمنا بقدرتك علينا فلا تهلك وأنت ثقتنا ورجاؤنا اللهم اعطف علينا قلوب عبادك وإمائك برأفة ورحمة إنك أنت أرحم الراحمين. التاسع : أن يرفق بالدابة إن كان راكبا فلا يحملها ما لا تطيق ولا يضربها في وجهها فإنه منهي عنه ولا ينام عليها فإنه يثقل بالنوم وتتأذى به الدابة كان أهل الورع لا ينامون على الدواب إلا غفوة وقال صلى الله عليه وسلم لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي حديث لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي تقدم في الباب الثالث من الحج ويستحب أن ينزل عن الدابة غدوة وعشية يروحها بذلك حديث النزول عن الدابة غدوة وعشية تقدم فيه فهو سنة وفيه آثار عن السلف وكان بعض السلف يكتري بشرط أن لا ينزل ويوفي الأجرة ثم كان ينزل ليكون بذلك محسنا إلى الدابة فيوضع في ميزان حسناته لا في ميزان حسنات المكاري ومن آذى بهيمة بضرب أو حمل ما لا تطيق طولب به يوم القيامة إذ في كل كبد حراء أجر قال أبو الدرداء رضي الله عنه لبعير له عند الموت أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أك أحملك فوق طاقتك وفي النزول ساعة صدقتان إحداهما ترويح الدابة والثانية إدخال السرور على قلب المكاري وفي فائدة أخرى وهي رياضة البدن وتحريك الرجلين والحذر من خدر الأعضاء بطول الركوب وينبغي أن يقرر مع المكاري ما يحمله عليها شيئا شيئا ويعرضه عليه ويستأجر الدابة بعقد صحيح لئلا يثور بينهما نزاع يؤذي القلب ويحمل على الزيادة في الكلام فما يلفظ العبد من قول إلا لديه رقيب عتيد فليحترز عن كثرة الكلام واللجاج مع المكاري فلا ينبغي أن يحمل فوق المشروط شيئا وإن خف فإن القليل يجر الكثير ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه قال رجل لابن المبارك وهو على دابة احمل لي هذه الرقعة إلى فلان فقال حتى استأذن المكاري فإني لم أشارطه على هذه الرقعة فانظر كيف لم يلتفت إلى قول الفقهاء إن هذا مما يتسامح فيه ولكن سلك طريق الورع. العاشر : ينبغي أن يستصحب ستة أشياء قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر حمل معه خمسة أشياء المرآة والمكحلة والمقراض والسواك والمشط حديث عائشة كان إذا سافر حمل معه خمسة أشياء المرآة والمكحلة والمدرى والسواك والمشط وفي رواية ستة أشياء أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في سننه والخرائطي في مكارم الأخلاق واللفظ له وطرقه كلها ضعيفة وفي رواية أخرى عنها ستة أشياء المرآة والقارورة والمقراض والسواك والمكحلة والمشط وقالت أم سعد الأنصارية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفارقه في السفر المرآة والمكحلة حديث أم سعد الأنصارية كان لا يفارقه في السفر المرآة والمكحلة رواه الخرائطي وإسناده ضعيف وقال صهيب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالإثمد عند مضجعكم فإنه مما يزيد في البصر وينبت الشعر حديث صهيب عليكم بالإثمد عند مضجعكم فإنه يزيد في البصر وينبت الشعر أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق بسند ضعيف وهو عند الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث ابن عباس وصححه ابن عبد البر وقال الخطابي صحيح الإسناد وروي أنه كان يكتحل ثلاثا ثلاثا وفي رواية انه اكتحل لليمنى ثلاثا ولليسرى ثنتين حديث كان يكتحل لليمنى ثلاثا ولليسرى ثنتين أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر بسند لين وقد زاد الصوفية الركوة والحبل وقال بعض الصوفية إذا لم يكن مع الفقير ركوة وحبل دل على نقصان دينه وإنما زادوا هذا لما رأوه من الاحتياط في طهارة الماء وغسل الثياب فالركوة لحفظ الماء الطاهر والحبل لتجفيف الثوب المغسول ولنزع الماء من الآبار وكان الأولون يكتفون بالتيمم ويغنون أنفسهم عن نقل الماء ولا يبالون بالوضوء من الغدران ومن المياه كلها ما لم يتيقنوا نجاستها حتى توضأ عمر رضي الله عنه من ماء في جرة نصرانية وكانوا يكتفون بالأرض والجبال عن الحبل فيفرشون الثياب المغسولة عليها فهذه بدعة إلا أنها بدعة حسنة وإنما البدعة المذمومة ما تضاد السنن الثابتة وأما ما يعين على الاحتياط في الدين فمستحسن وقد ذكرنا أحكام المبالغة في الطهارات في كتاب الطهارة وأن المتجرد لأمر الدين لا ينبغي أن يؤثر طريق الرخصة بل يحتاط في الطهارة ما لم يمنعه ذلك عن عمل أفضل منه وقيل كان الخواص من المتوكلين وكان لا يفارقه أربعة أشياء في السفر والحضر الركوة والحبل والإبرة بخيوطها والمقراض وكان يقول هذه ليست من الدنيا. الحادي عشر : في آداب الرجوع من السفر كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة أو غيره يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده حديث كان إذا قفل من حج أو غزو أو غيره يكبرالحديث تقدم في الحج وإذا أشرف على مدينته فليقل اللهم اجعل لنا بها قرارا ورزقا حسنا ثم ليرسل إلى أهله من يبشرهم بقدومه كيلا يقدم عليهم بغتة فيرى ما يكرهه ولا ينبغي له أن يطرقهم ليلا حديث النهي عن طروق الأهل ليلا تقدم فقد ورد النهي عنه وكان صلى الله عليه وسلم إذا قدم دخل المسجد أولا وصلى ركعتين ثم دخل البيت حديث كان إذا قدم من سفر دخل المسجد أولا وصلى ركعتين تقدم وإذا دخل قال توبا توبا لربنا أوبا أوبا لا يغادر علينا حوبا حديث كان إذا دخل قال توبا توبا لربنا أوبا أوبا لا يغادر علينا حوبا أخرجه ابن السني في اليوم والليلة والحاكم من حديث ابن عباس وقال صحيح على شرط الشيخين وينبغي أن يحمل لأهل بيته وأقاربه تحفة من مطعوم أو غيره على قدر إمكانه فهو سنة فقد روي أنه إن لم يجد شيئا فليضع في مخلاته حجرا حديث إطراق أهله عند القدوم ولو بحجر أخرجه الدارقطني من حديث عائشة بإسناد ضعيف وكأن هذا مبالغة في الاستحثاث على هذه المكرمة لأن الأعين تمتد إلى القادم من السفر والقلوب تفرح به فيتأكد الاستحباب في تأكيد فرحهم وإظهار التفات القلب في السفر إلى ذكرهم بما يستصحبه في الطريق لهم فهذه جملة من الآداب الظاهرة وأما الآداب الباطنة ففي الفصل الأول بيان جملة منها وجملته أن لا يسافر إلا إذا كان زيادة دينه في السفر ومهما وجد قلبه متغيرا إلى نقصان فيقف ولينصرف ولا ينبغي أن يجاوز همه منزله بل ينزل حيث ينزل قلبه وينوي في دخول كل بلدة أن يرى شيوخها ويجتهد أن يستفيد من كل واحد منهم أدبا أو كلمة لينتفع بها لا ليحكي ذلك ويظهر أنه لقي المشايخ ولا يقيم ببلدة أكثر من أسبوع أو عشرة أيام إلا أن يأمره الشيخ المقصود بذلك ولا يجالس في مدة الإقامة إلا الفقراء الصادقين وإن كان قصده زيارة أخ فلا يزيد على ثلاثة أيام فهو حد الضيافة إلا إذا شق على أخيه مفارقته وإذا قصد زيارة شيخ فلا يقيم عنده أكثر من يوم وليلة ولا يشغل نفسه بالعشرة فإن ذلك يقطع بركة سفره وكلما دخل بلدا لا يشتغل بشيء سوى زيارة الشيخ بزيارة منزله فإن كان في بيته فلا يدق عليه بابه ولا يستأذن عليه إلى أن يخرج فإذا خرج تقدم إليه بأدب فسلم عليه ولا يتكلم بين يديه إلا أن يسأله فإن سأله أجاب بقدر السؤال ولا يسأله عن مسألة ما لم يستأذن أولا وإذا كان في السفر فلا يكثر ذكر أطعمة البلدان وأسخيائها ولا ذكر أصدقائه فيها وليذكر مشايخها وفقراءها ولا يهمل في سفره زيارة قبور الصالحين بل يتفقدها في كل قرية وبلدة ولا يظهر حاجته إلا بقدر الضرورة ومع من يقدر على إزالتها ويلازم في الطريق الذكر وقراءة القرآن بحيث لا يسمع غيره وإذا كلمه إنسان فليترك الذكر وليجبه ما دام يحدثه ثم ليرجع إلى ما كان عليه فإن تبرمت نفسه بالسفر أو بالإقامة فليخالفها فالبركة في مخالفة النفس وإذا تيسرت له خدمة قوم صالحين فلا ينبغي له أن يسافر تبرما بالخدمة فذلك كفران نعمة ومهما وجد نفسه في نقصان عما كان عليه في الحضر فليعلم أن سفره معلول وليرجع إذ لو كان لحق لظهر أثره قال رجل لأبي عثمان المغربي خرج فلان مسافرا فقال السفر غربة والغربة ذلة وليس للمؤمن أن يذل نفسه وأشار به إلى أن من ليس له في السفر زيادة دين فقد أذل نفسه وإلا فعز الدين لا ينال إلا بذلة الغربة فليكن سفر المريد من وطن هواه ومراده وطبعه حتى يعز في هذه الغربة ولا يذل فإن من اتبع هواه في سفره ذل لا محالة إما عاجلا وإما آجلا.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 3:50 pm | |
| الباب الثاني
فيما لا بد للمسافر من تعلمه من رخص السفر وأدلة القبلة والأوقات.
اعلم أن المسافر يحتاج في أول سفره إلى أن يتزود لدنياه ولآخرته ، أما زاد الدنيا فالطعام والشراب وما يحتاج إليه من نفقة فإن خرج متوكلا من غير زاد فلا بأس به إذا كان سفره في قافلة أو بين قرى متصلة وإن ركب البادية وحده أو مع قوم لا طعام معهم ولا شراب فإن كان ممن يصبر على الجوع أسبوعا أو عشرا مثلا أو يقدر على أن يكتفي بالحشيش فله ذلك وإن لم يكن له قوة الصبر على الجوع ولا القدرة على الاجتزاء بالحشيش فخروجه من غير زاد معصية فإنه ألقى نفسه بيده إلى التهلكة ولهذا سر سيأتي في كتاب التوكل وليس معنى التوكل التباعد عن الأسباب بالكلية ولو كان كذلك لبطل التوكل بطلب الدلو والحبل ونزع الماء من البئر ولوجب أن يصبر حتى يسخر الله له ملكا أو شخصا آخر حتى يصب الماء في فيه فإن كان حفظ الدلو والحبل لا يقدح في التوكل وهو آلة الوصول إلى المشروب فحمل عين المطعوم والمشروب حيث لا ينتظر له وجود أولى بأن لا يقدح فيه وستأتي حقيقة التوكل في موضعها فإنه يلتبس إلا على المحققين من علماء الدين . وأما زاد الآخرة فهو العلم الذي يحتاج إليه في طهارته وصومه وصلاته وعبادته فلا بد وأن يتزود منه إذ السفر تارة يخفف عنه أمورا فيحتاج إلى معرفة القدر الذي يخففه السفر كالقصر والجمع والفطر وتارة يشدد عليه أمورا كان مستغنيا عنها في الحضر كالعلم بالقبلة وأوقات الصلوات فإنه في البلد يكتفي بغيره من محاريب المساجد وأذان المؤذنين وفي السفر قد يحتاج إلى أن يتعرف بنفسه فإذن ما يفتقر إلى تعلمه ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : العلم برخص السفر والسفر يفيد في الطهارة رخصتين مسح الخفين والتيمم وفي صلاة الفرض رخصتين القصر والجمع وفي النفل رخصتين أداؤه على الراحلة وأداؤه ماشيا وفي الصوم رخصة واحدة وهي الفطر فهذه سبع رخص.
الرخصة الأولى : المسح على الخفين قال صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أو سفر أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن حديث صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه والنسائي في الكبرى وابن خزيمة وابن حبان فكل من لبس الخف على طهارة مبيحة للصلاة ثم أحدث فله أن يمسح على خفه من وقت حدثه ثلاثة أيام ولياليهن إن كان مسافرا أو يوما وليلة إن كان مقيما ولكن بخمسة شروط: الأول : أن يكون اللبس بعد كمال الطهارة فلو غسل الرجل اليمنى وأدخلها في الخف ثم غسل اليسرى فأدخلها في الخف لم يجز له المسح عند الشافعي رحمه الله حتى ينزع اليمنى ويعيد لبسه . الثاني : أن يكون الخف قويا يمكن المشي فيه ويجوز المسح على الخف وإن لم يكن منعلا إذ العادة جارية بالتردد فيه في المنازل لأن فيه قوة على الجملة بخلاف جورب الصوفية فإنه لا يجوز المسح عليه وكذا الجرموق الضعيف. الثالث : أن لا يكون في موضع فرض الغسل خرق فإن تخرق بحيث انكشف محل الفرض لم يجز المسح عليه وللشافعي قول قديم إنه يجوز ما دام يستمسك على الرجل وهو مذهب مالك رضي الله عنه ولا بأس به لمسيس الحاجة إليه وتعذر الخرز في السفر في كل وقت والمداس المنسوج يجوز المسح عليه مهما كان ساترا لا تبدو بشرة القدم من خلاله وكذا المشقوق الذي يرد على محل الشق بشرج لأن الحاجة تمس إلى جميع ذلك فلا يعتبر إلا أن يكون ساتراإلى ما فوق الكعبين كيفما كان فأما إذا ستر بعض ظهر القدم وستر الباقي باللفافة لم يجز المسح عليه . الرابع : أن لا ينزع الخف بعد المسح عليه فإن نزع فالأولى له استئناف الوضوء فإن اقتصر على غسل القدمين جاز. الخامس : أن يمسح على الموضع المحاذي لمحل فرض الغسل لا على الساق وأقله ما يسمى مسحا على ظهر القدم من الخف وإذا مسح بثلاث أصابع أجزأه والأولى أن يخرج من شبهة الخلاف وأكمله أن يمسح أعلاه وأسفله دفعة واحدة من غير تكرار حديث مسحه صلى الله عليه وسلم على الخف وأسفله أخرجه أبو داود والترمذي وضعفه وابن ماجه من حديث المغيرة وهكذا ضعفه البخاري وأبو زرعة كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه أن يبل اليدين ويضع رءوس أصابع اليمنى من يده على رءوس أصابع اليمنى من رجله ويمسحه بأن يجر أصابعه إلى جهة نفسه ويضع رءوس أصابع يده اليسرى على عقبه من أسفل الخف ويمرها إلى رأس القدم ومهما مسح مقيما ثم سافر أو مسافرا ثم أقام غلب حكم الإقامة فليقتصر على يوم وليلة وعدد الأيام الثلاثة محسوب من وقت حدثه بعد المسح على الخف فلو لبس الخف في الحضر ومسح في الحضر ثم خرج وأحدث في السفر وقت الزوال مثلا مسح ثلاثة أيام ولياليهن من وقت الزوال إلى الزوال من اليوم الرابع فإذا زالت الشمس من اليوم الرابع لم يكن له أن يصلي إلا بعد غسل الرجلين فيغسل رجليه ويعيد لبس الخف ويراعي وقت الحدث ويستأنف الحساب من وقت الحدث ولو أحدث بعد لبس الخف في الحضر ثم خرج بعد الحدث فله أن يمسح ثلاثة أيام لأن العادة قد تقتضي اللبس قبل الخروج ثم لا يمكن الاحتراز من الحدث فأما إذا مسح في الحضر ثم سافر اقتصر على مدة المقيمين ويستحب لكل من يريد لبس الخف في حضر أو سفر أن ينكس الخف وينفض ما فيه حذرا من حية أو عقرب أو شوكة فقد روي عن أبي أمامة أنه قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخفيه فلبس أحدهما فجاء غراب فاحتمل الآخر ثم رمى به فخرجت منه حية فقال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما حديث أبي أمامة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما رواه الطبراني وفيه من لا يعرف.
الرخصة الثانية : التيمم بالتراب بدلا عن الماء عند العذر إنما يتعذر الماء بأن يكون بعيدا عن المنزل بعدا لو مشى إليه لم يلحقه غوث القافلة إن صاح أو استغاث وهو البعد الذي لا يعتاده أهل المنزل في تردادهم لقضاء الحاجة التردد إليه وكذا إن نزل على الماء عدو أو سبع فيجوز التيمم وإن كان الماء قريبا وكذا إن احتاج إليه لعطشه في يومه أو بعد يومه لفقد الماء بين يديه فله التيمم وكذا إن احتاج إليه لعطش أحد رفقائه فلا يجوز له الوضوء ويلزمه بذله إما بثمن أو بغير ثمن ولو كان يحتاج إليه لطبخ مرقة أو لحم أو لبل فتيت يجمعه به لم يجز له التيمم بل عليه أن يجتزى بالفتيت اليابس ويترك تناول المرقة ومهما وهب له الماء وجب قبوله وإن وهب له ثمنه لم يجب قبوله لما فيه من المنة وإن بيع بثمن المثل لزمه الشراء وإن بيع بغبن لم يلزمه فإذا لم يكن معه ماء وأراد أن يتيمم فأول ما يلزمه طلب الماء مهما جوز الوصول إليه بالطلب وذلك بالتردد حوالي المنزل وتفتيش الرحل وطلب البقايا من الأواني والمطاهر فإن نسي الماء في رحله أو نسي بئرا بالقرب منه لزمه إعادة الصلاة لتقصيره في الطلب وإن علم أنه سيجد الماء في آخر الوقت فالأولى أن يصلي بالتيمم في أول الوقت فإن العمر لا يوثق به وأول الوقت رضوان الله تيمم ابن عمر رضي الله عنهما فقيل له أتتيمم وجدران المدينة تنظر إليك فقال أو أبقى إلى أن أدخلها ومهما وجد الماء بعد الشروع في الصلاة لم تبطل صلاته ولم يلزمه الوضوء وإذا وجده قبل الشروع في الصلاة لزمه الوضوء ومهما طلب فلم يجد فليقصد صعيدا طيبا عليه تراب يثور منه غبار وليضرب عليه كفيه بعد ضم أصابعهما ضربة فيمسح بها وجهه ويضرب ضربة أخرى بعد نزع الخاتم ويفرج الأصابع ويمسح بها يديه إلى مرفقيه فإن لم يستوعب بضربة واحدة جميع يديه ضرب ضربة أخرى وكيفية التلطف فيه ما ذكرناه في كتاب الطهارة فلا نعيده ثم إذا صلى به فريضة واحدة فله أن يتنفل ما شاء بذلك التيمم وإن أراد الجمع بين فريضتين فعليه أن يعيد التيمم للصلاة الثانية فلا يصلي فريضتين إلا بتيممين ولا ينبغي أن يتيمم لصلاة قبل دخول وقتها فإن فعل وجب عليه إعادة التيمم ولينو عند مسح الوجه استباحة الصلاة ولو وجد من الماء ما يكفيه لبعض طهارته فيستعمله ثم ليتيمم بعده تيمما تاما .
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 3:51 pm | |
| الرخصة الثالثة : في الصلاة المفروضة القصر وله أن يقتصر في كل واحدة من الظهر والعصر والعشاء على ركعتين ولكن بشروط ثلاثة الأول أن يؤديها في أوقاتها فلو صارت قضاء فالأظهر لزوم الإتمام الثاني أي ينوي القصر فلو نوى الإتمام لزمه الإتمام ولو شك في أنه نوى القصر أو الإتمام لزمه الإتمام الثالث أي لا يقتدي بمقيم ولا بمسافر متم فإن فعل لزمه الإتمام بل إن شك في أن إمامه مقيم أو مسافر لزمه الإتمام وإن تيقن بعده أنه مسافر لأن شعار المسافر لا تخفى فليكن متحققا عند النية وإن شك في أن إمامه هل نوى القصر أم لا بعد أن عرف أنه مسافر لم يضره ذلك لأن النيات لا يطلع عليها وهذا كله إذا كان في سفر طويل مباح وحد السفر من جهة البداية والنهاية فيه إشكال فلا بد من معرفته والسفر هو الإنتقال من موضع الإقامة مع ربط القصد بمقصد معلوم فالهائم وراكب التعاسيف ليس له الترخص وهو الذي لا يقصد موضعا معينا ولا يصير مسافرا ما لم يفارق عمران البلد ولا يشترط أن يجاوز خراب البلدة وبساتينها التي يخرج أهل البلدة إليها للتنزه وأما القرية فالمسافر منها ينبغي أن يجاوز البساتين المحوطة دون التي ليست بمحوطة ولو رجع المسافر إلى البلد لأخذ شيء نسيه لم يترخص إن كان ذلك وطنه ما لم يجاوز العمران وإن لم يكن ذلك هو الوطن فله الترخص إذ صار مسافرا بالإنزعاج والخروج منه وأما نهاية السفر فبأحد أمور ثلاثة : الأول : الوصول إلى العمران من البلد الذي عزم على الإقامة به. الثاني : العزم على الإقامة ثلاثة أيام فصاعدا إما في بلد أو في صحراء . الثالث : صورة الإقامة وإن لم يعزم كما إذا أقام على موضع واحد ثلاثة أيام سوى يوم الدخول لم يكن له الترخص بعده وإن لم يعزم على الإقامة وكان له شغل وهو يتوقع كل يوم إنجازه ولكنه يتعوق عليه ويتأخر فله أن يترخص وإن طالت المدة على أقيس القولين لأنه منزعج بلقبه ومسافر عن الوطن بصورته ولا مبالاة بصورة الثبوت على موضع واحد مع انزعاج القلب ولا فرق بين أن يكون هذا الشغل قتالا أو غيره ولا بين أن تطول المدة أو تقصر ولا بين أن يتأخر الخروج لمطر لا يعلم بقاؤه ثلاثة أيام أو لغيره إذ ترخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصر في بعض الغزوات ثمانية عشر يوما على موضع واحد حديث قصره صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات ثمانية عشر يوما على موضع واحد أخرجه أبو داود من حديث عمران بن حصين في قصة الفتح فأقام بمكة ثمانية عشر ليلة لا يصلي إلا ركعتين وللبخاري من حديث ابن عباس أقام بمكة تسعة عشر يوما يقصر الصلاة ولأبي داود سبعة عشر بتقديم السين وفي رواية له خمسة عشر وظاهر الأمر أنه لو تمادى القتال لتمادى ترخصه إذ لا معنى للتقدير بثمانية عشر يوما والظاهر أن قصره كان لكونه مسافرا لا لكونه غازيا مقاتلا هذا معنى القصر وأما معنى التطويل فهو أن يكون مرحلتين كل مرحلة ثمانية فراسخ وكل فرسخ ثلاثة أميال وكل ميل أربعة آلاف خطوة وكل خطوة ثلاثة أقدام ومعنى المباح أن لا يكون عاقا لوالديه هاربا منهما ولا هاربا من مالكه ولا تكون المرأة هاربة من زوجها ولا أن يكون من عليه الدين هاربا من المستحق مع اليسار ولا يكون متوجها في قطع طريق أو قتل إنسان أو طلب إدرار حرام من سلطان ظالم أو سعى بالفساد بين المسلمين وبالجملة فلا يسافر الإنسان إلا في غرض والغرض هو المحرك فإن كان تحصيل ذلك الغرض حراما ولولا ذلك الغرض لكان لا ينبعث لسفره فسفره معصية ولا يجوز فيه الترخص وأما الفسق في السفر بشرب الخمر وغيره فلا يمنع الرخصة بل كل سفر ينهى الشرع عنه فلا يعين عليه بالرخصة ولو كان له باعثان أحدهما مباح والآخر محظور وكان بحيث لو لم يكن الباعث له المحظور لكان المباح مستقلا بتحريكه ولكان لا محالة يسافر لأجله فله الترخص والمتصوفة الطوافون في البلاد من غير غرض صحيح سوى التفرج لمشاهدة البقاع المختلفة في ترخصهم خلاف والمختار أن لهم الترخص.
الرخصة الرابعة : الجمع بين الظهر والعصر في وقتيهما وبين المغرب والعشاء في وقتيهما فذلك أيضا جائز في كل سفر طويل مباح وفي جوازه في السفر القصير قولان ثم إن قدم العصر إلى الظهر فلينو الجمع بين الظهر والعصر في وقتيهما قبل الفراغ من الظهر وليؤذن للظهر وليقم وعند الفراغ يقيم للعصر ويجدد التيمم أولا إن كان فرضه التيمم ولا يفرق بينهما بأكثر من تيمم وإقامة فإن قدم العصر لم يجز وإن نوى الجمع عند التحرم بصلاة العصر جاز عند المزني وله وجه في القياس إذ لا مستند لا لإيجاب تقديم النية بل الشرع جوز الجمع وهذا جمع وإنما الرخصة في العصر فتكفي النية فيها وأما الظهر فجار على القانون ثم إذا فرغ من الصلاتين فينبغي أن يجمع بين سنن الصلاتين أما العصر فلا سنة بعدها ولكن السنة التي بعد الظهر يصليها بعد الفراغ من العصر إما راكبا أو مقيما لأنه لو صلى راتبة الظهر قبل العصر لانقطعت الموالاة وهي واجبة على وجه ولو أراد أن يقيم الأربع المسنونة قبل الظهر والأربع المسنونة قبل العصر فليجمع بينهن قبل الفريضتين فيصلي سنة الظهر اولا ثم سنة العصر ثم فريضة الظهر ثم فريضة العصر ثم سنة الظهر الركعتان اللتان هما بعد الفرض ولا ينبغي أن يهمل النوافل في السفر فما يفوته من أبوابها أكثر مما يناله من الربح لا سيما وقد خفف الشرع عليه وجوز له اداءها على الراحلة كي لا يتعوق عن الرفقة بسببها وإن أخر الظهر إلى العصر فيجري على هذا الترتيب ولا يبالي بوقوع راتبة الظهر بعد العصر في الوقت المكروه لأن ما له سبب لا يكره في هذا الوقت وكذلك يفعل في المغرب والعشاء والوتر وإذا قدم أو أخر فبعد الفراغ من الفرض يشتغل بجميع الرواتب ويختم الجميع بالوتر وإن خطر له ذكر الظهر قبل خروج وقته فليعزم على أدائه مع العصر جميعا فهو نية الجمع لأنه إنما يخلو عن هذه النية إما بنية الترك أو بنية التأخير عن وقت العصر وذلك حرام والعزم عليه حرام وإن لم يتذكر الظهر حتى خرج وقته إما لنوم أو لشغل فله أن يؤدي الظهر مع العصر ولا يكون عاصيا لأن السفر كما يشغل عن فعل الصلاة فقد يشغل عن ذكرها ويحتمل أن يقال إن الظهر إنما تقع أداء إذا عزم على فعلها قبل خروج وقتها ولكن الأظهر أن وقت الظهر والعصر صار مشتركا في السفر بين الصلاتين ولذلك يجب على الحائض قضاء الظهر إذا طهرت قبل الغروب ولذلك ينقدح أن لا تشترط الموالاة ولا الترتيب بين الظهر والعصر عند تأخير الظهر أما إذا قدم العصر على الظهر لم يجز لأن ما بعد الفراغ من الظهر هو الذي جعل وقتا للعصر إذ يبعد أن يشتغل بالعصر من هو عازم على ترك الظهر أو على تأخيره وعذر المطر مجوز للجمع كعذر السفر وترك الجمعة أيضا من رخص السفر وهي متعلقة أيضا بفرائض الصلوات ولو نوى الإقامة بعد أن صلى العصر فأدرك وقت العصر في الحضر فعليه أداء العصر وما مضى إنما كان مجزئا بشرط أن يبقى العذر إلى خروج وقت العصر.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 3:51 pm | |
| الرخصة الخامسة : التنفل راكبا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته أينما توجهت به دابته حديث كان يصلي على راحلته أينما توجهت به دابته وأوتر على الراحلة متفق عليه من حديث ابن عمر وأوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الراحلة وليس على المتنفل الراكب في الركوع والسجود إلا الإيماء وينبغي أن يجعل سجوده أخفض من ركوعه ولا يلزمه الإنحناء إلى حد يتعرض به لخطر بسبب الدابة فإن كان في مرقد فليتم الركوع والسجود فإنه قادر عليه وأما استقبال القبلة فلا يجب لا في ابتداء الصلاة ولا في دوامها ولكن صوب الطريق يدل عن القبلة فليكن في جميع صلاته إما مستقبلا للقبلة أو متوجها في صوب الطريق لتكون له جهة يثبت فيها فلو حرف دابته عن الطريق قصدا بطلت صلاته إلا إذا حرفها إلى القبلة ولو حرفها ناسيا وقصر الزمان لم تبطل صلاته وإن طال ففيه خلاف وإن جمحت به الدابة فانحرفت لم تبطل صلاته لأن ذلك مما يكثر وقوعه وليس عليه سجود سهو إذ الجماح غير منسوب إليه بخلاف ما لو حرف ناسيا فإنه يسجد للسهو بالإيماء.
الرخصة السادسة : التنفل للماشي جائز في السفر ويومئ بالركوع والسجود ولا يقعد للتشهد لأن ذلك يبطل فائدة الرخصة وحكمه حكم الراكب لكن ينبغي أن يتحرم بالصلاة مستقبلا للقبلة لأن الانحراف في لحظة لا عسر عليه فيه بخلاف الراكب فإن في تحريف الدابة وإن كان العنان بيده نوع عسر وربما تكثر الصلاة فيطول عليه ذلك ولا ينبغي أن يمشي في نجاسة رطبة عمدا فإن فعل بطلت صلاته بخلاف ما لو وطئت دابة الراكب نجاسة وليس عليه أن يشوش المشي على نفسه بالاحتراز من النجاسات التي لا تخلو الطريق عنها غالبا وكل هارب من عدو أو سيل أو سبع فله أن يصلي الفريضة راكبا أو ماشيا كما ذكرناه في التنفل.
الرخصة السابعة : الفطر وهو في الصوم فللمسافر أن يفطر إلا إذا أصبح مقيما ثم سافر فعليه إتمام ذلك اليوم وإن أصبح مسافرا صائما ثم أقام فعليه الإتمام وإن أقام مفطر فليس عليه الإمساك بقية النهار وإن أصبح مسافرا على عزم الصوم لم يلزمه بل له أن يفطر إذا أراد والصوم افضل من الفطر والقصر أفضل من الإتمام للخروج عن شبهة الخلاف ولأنه ليس في عهدة القضاء بخلاف المفطر فإنه في عهدة القضاء وربما يتعذر عليه ذلك بعائق فيبقى في ذمته إلا إذا كان الصوم يضر به فالإفطار أفضل فهذه سبع رخص تتعلق ثلاث منها بالسفر الطويل وهي القصر والفطر والمسح ثلاثة أيام وتتعلق اثنتان منها بالسفر طويلا كان أو قصيرا وهما سقوط الجمعة وسقوط القضاء عند أداء الصلاة بالتيمم وأما صلاة النافلة ماشيا وراكبا ففيه خلاف والأصح جوازه في القصير والجمع بين الصلاتين فيه خلاف والأظهر اختصاصه بالطويل وأما صلاة الفرض راكبا وماشيا للخوف فلا تتعلق بالسفر وكذا أكل الميتة وكذا أداء الصلاة في الحال بالتيمم عند فقد الماء بل يشترك فيها الحضر والسفر مهما وجدت أسبابها فإن قلت فالعلم بهذه الرخص هل يجب على المسافر تعلمه قبل السفر أم يستحب له ذلك فاعلم أنه إن كان عازما على ترك المسح والقصر والجمع والفطر وترك التنفل راكبا وماشيا لم يلزمه علم شروط الترخص في ذلك لأن الترخص ليس بواجب عليه وأما علم رخصة التيمم فيلزمه لأن فقد الماء ليس إليه إلا أن يسافر على شاطىء نهر يوثق ببقاء مائه أو يكون معه في الطريق عالم يقدر على استفتائه عند الحاجة فله أن يؤخر إلى وقت الحاجة أما إذا كان يظن عدم الماء ولم يكن معه فيلزمه التعلم لا محالة فإن قلت التيمم يحتاج إليه لصلاة لم يدخل بعد وقتها فكيف يجب علم الطهارة لصلاة بعد لم تجب وربما لا تجب فأقول من بينه وبين الكعبة مسافة لا تقطع إلا في سنة فيلزمه قبل أشهر الحج ابتداء السفر ويلزمه تعلم المناسك لا محالة إذا كان يظن أنه لا يجد في الطريق من يتعلم منه لأن الأصل الحياة واستمرارها وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب وكل ما يتوقع وجوبه توقعا ظاهرا على الظن وله شرط لا يتوصل إليه إلا بتقديم ذلك الشرط على وقت الوجوب فيحب تقديم تعلم الشرط لا محالة كعلم المناسك قبل وقت الحج وقبل مباشرته فلا يحل إذن للمسافر أن ينشىء السفر ما لم يتعلم هذا القدر من علم التيمم وإن كان عازما على سائر الرخص فعليه أن يتعلم أيضا القدر الذي ذكرناه من علم التيمم وسائر الرخص فإنه إذا لم يعلم القدر الجائز لرخصة السفر لم يمكنه الاقتصار عليه فإن قلت إنه إن لم يتعلم كيفية التنفل راكبا وماشيا ماذا يضره وغايته إن صلى أن تكون صلاته فاسدة وهي غير واجبة فكيف يكون علمها واجبا فأقول من الواجب أن لا يصلي النفل على نعت الفساد فالتنفل مع الحدث والنجاسة وإلى غير القبلة ومن غير إتمام شروط الصلاة وأركانها حرام فعليه أن يتعلم ما يحترز به عن النافلة الفاسدة حذرا عن الوقوع في المحظورات فهذا بيان علم ما خفف عن المسافر في سفره.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 3:56 pm | |
| القسم الثاني : ما يتجدد من الوظيفة بسبب السفر وهو علم القبلة والاوقات . وذلك أيضا واجب في الحضر ولكن في الحضر من يكفيه من محراب متفق عليه يغنيه عن طلب القبلة ومؤذن يراعى الوقت فيغنيه عن طلب علم الوقت والمسافر قد تشتبه عليه القبلة وقد يلتبس عليه الوقت فلا بد له من العلم بأدلة القبلة والمواقيت . أما أدلة القبلة فهي ثلاثة أقسام : أرضية كالاستدلال بالجبال والقرى والأنهار . وهوائية كالاستدلال بالرياح شمالها وجنوبها وصباها ودبورها. وسماوية وهي النجوم . فأما الأرضية والهوائية فتخلف باختلاف البلاد فرب طريق فيه جبل مرتفع يعلم أنه على يمين المستقبل أو شماله أو ورائه أو قدامه فليعلم ذلك وليفهمه وكذلك الرياح قد تدل في بعض البلاد فليفهم ذلك ولسنا نقدر على استقصاء ذلك إذ لكل بلد وإقليم حكم آخر. وأما السماوية فأدلتها تنقسم إلى نهارية وإلى ليلية ، أما النهارية فالشمس فلا بد أن يراعي قبل الخروج من البلد أن الشمس عند الزوال أين تقع منه أهي بين الحاجبين أو على العين اليمنى أو اليسرى أو تميل إلى الجبين ميلاأكثر من ذلك فإن الشمس لا تعدو في البلاد الشمالية هذه المواقع فإذا حفظ ذلك فمهما عرف الزوال بدليله الذي سنذكره عرف القبلة به وكذلك يراعي مواقع الشمس منه وقت العصر فإنه في هذين الوقتين يحتاج إلى القبلة بالضرورة وهذا أيضا لما كان يختلف بالبلاد فليس يمكن استقصاؤه وأما القبلة وقت المغرب فإنها تدرك بموضع الغروب وذلك بأن يحفظ أن الشمس تغرب عن يمين المستقبل أو هي مائلة إلى وجهه أو قفاه وبالشفق أيضا تعرف القبلة للعشاء الأخيرة وبمشرق الشمس تعرف القبلة لصلاة الصبح فكأن الشمس تدل على القبلة في الصلوات الخمس ولكن يختلف ذلك بالشتاء والصيف فإن المشارق والمغارب كثيرة وإن كانت محصورة في جهتين فلا بد من تعلم ذلك أيضا ولكن قد يصلى المغرب والعشاء بعد غيبوبة الشفق فلا يمكنه أن يستدل على القبلة به فعليه أن يراعى موضع القطب وهو الكوكب الذي يقال له الجدى فإنه كوكب كالثابت لا تظهر حركته عن موضعه وذلك إما أن يكون على قفا المستقبل أو على منكبه الأيمن من ظهره أو منكبه الأيسر في البلاد الشمالية من مكة وفي البلاد الجنوبية كاليمن وما والاها فيقع في مقابلة المستقبل فيتعلم ذلك وما عرفه في بلده فليعول عليه في الطريق كله إلا إذا طال السفر فإن المسافة إذ بعدت اختلف موقع الشمس وموقع القطب وموقع المشارق والمغارب إلا أن ينتهي في أثناء سفره إلى بلاد فينبغي أن يسأل أهل البصيرة أو يراقب هذه الكواكب وهو مستقبل محراب جامع البلد حتى يتضح له ذلك فمهما تعلم هذه الأدلة فله أن يعول عليها فإن بان له أنه أخطأ من جهة القبلة إلى جهة أخرى من الجهات الأربع فينبغي أن يقضي وإن انحرف عن حقيقة محاذاة القبلة ولكن لم يخرج عن جهتها لم يلزمه القضاء وقد أورد الفقهاء خلافا في أن المطلوب جهة الكعبة أو عينها وأشكل معنى ذلك على قوم إذ قالوا إن قلنا إن المطلوب العين فمتى يتصور هذا مع بعد الديار وإن قلنا إن المطلوب الجهة فالواقف في المسجد إن استقبل جهة الكعبة وهو خارج ببدنه عن موازاة الكعبة لا خلاف في أنه لا تصح صلاته وقد طولوا في تأويل معنى الخلاف في الجهة والعين ولا بد أولا من فهم معنى مقابلة العين ومقابلة الجهة فمعنى مقابلة العين أن يقف موقفا لو خرج خط مستقيم من بين عينيه إلى جدار الكعبة لا تصل به وحصل من جانبي الخط زاويتان متساويتان وهذه صورته والخط الخارج من موقف المصلى يقدر أنه خارج من بين عينيه فهذه صورة مقابلة العين وأما مقابلة الجهة فيجوز فيها أن يتصل طرف الخط الخارجي من بين العينين إلى الكعبة من غير أن يتساوى الزاويتان عن جهتي الخط بل لا يتساوى الزاويتان إلا إذا انتهى الخط إلى نقطة معينة هي واحدة فلو مد هذا الخط على الاستقامة إلى سائر النقط من يمينها أو شمالها كانت إحدى الزاويتان أضيق فيخرج عن مقابلة العين ولكن لا يخرج عن مقابلة الجهة كالخط الذي كتبنا عليه مقابلة الجهة فإنه لو قدر الكعبة على طرف ذلك الخط لكان الواقف مستقبلا لجهة الكعبة لا لعينها وحد تلك الجهة ما يقع بين خطين يتوهمهما الواقف مستقبلا لجهة خارجين من العينين فيلتقي طرفاهما في داخل الرأس بين العينين على زاوية قائمة فما يقع بين الخطين الخارجين من العينين فهو داخل في الجهة وسعة ما بين الخطين تتزايد بطول الخطين وبالبعد عن الكعبة وهذه صورته عليه السلام فإذا فهم معنى العين والجهة فأقول الذي يصح عندنا في الفتوى أن المطلوب العين إن كانت الكعبة مما يمكن رؤيتها وإن كان يحتاج إلى الاستدلال عليها لتعذر رؤيتها فيكفي استقبال الجهة فأما طلب العين عند المشاهدة فمجمع عليه وأما الاكتفاء بالجهة عند تعذر المعاينة فيدل عليه الكتاب والسنة وفعل الصحابة رضي الله عنهم والقياس أما الكتاب فقوله تعالى وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره أي نحوه ومن قابل جهة الكعبة يقال قد ولى وجهه شطرها وأما السنة فما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأهل المدينة ما بين المغرب والمشرق قبلة حديث ما بين المشرق والمغرب قبلة أخرجه الترمذي وصححه والنسائي وقال منكر وابن ماجه من حديث أبي هريرة والمغرب يقع على يمين أهل المدينة والمشرق على يسارهم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع ما يقع بينهما قبلة ومساحة الكعبة لا تفي بما بين المشرق والمغرب وإنما يفي بذلك جهتها وروي هذا اللفظ أيضا عن عمر وابنه رضي الله عنهما وأما فعل الصحابة رضي الله عنهم فما روي أن مسجد قباء كانوا في صلاة الصبح بالمدينة مستقبلين لبيت المقدس مستدبرين الكعبة لأن المدينة بينهما فقيل لهم الآن قد حولت القبلة إلى الكعبة فاستداروا في أثناء الصلاة من غير طلب دلالة حديث إن أهل قباء كانوا في صلاة الصبح مستقبلين لبيت المقدس فقيل لهم ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة فاستداروا الحديث أخرجه مسلم من حديث أنس واتفقا عليه من حديث ابن عمر مع اختلاف ولم ينكر عليهم وسمي مسجدهم ذا القبلتين ومقابلة العين من المدينة إلى مكة لا تعرف إلا بأدلة هندسية يطول النظر فيها فكيف أدركوا ذلك على البديهة في أثناء الصلاة وفي ظلمة الليل ويدل أيضا من فعلهم أنهم بنوا المساجد حوالي مكة وفي سائر بلاد الإسلام ولم يحضروا قط مهندسا عند تسوية المحاريب ومقابلة العين لا تدرك إلا بدقيق النظر الهندسي وأما القياس فهو أن الحاجة تمس إلى الاستقبال وبناء المساجد في جميع أقطار الأرض ولا يمكن مقابلة العين إلا بعلوم هندسية لم يرد الشرع بالنظر فيها بل ربما يزجر عن التعمق في علمها فكيف ينبني أمر الشرع عليها فيجب الاكتفاء بالجهة للضرورة وأما دليل صحة الصورة التي صورناها وهو حصر جهات العالم في أربع جهات فقوله صلى الله عليه وسلم في آداب قضاء الحاجة لا تستقبلوا بها القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا حديث لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا متفق عليه من حديث أبي أيوب وقال هذا بالمدينة والمشرق على يسار المستقبل بها والمغرب على يمينه فنهى عن جهتين ورخص في جهتين ومجموع ذلك أربع جهات ولم يخطر ببال أحد أن جهات العالم يمكن أن تفرض في ست أو سبع أو عشر وكيفما كان فما حكم الباقي بل الجهات تثبت في الاعتقادات بناء على خلقة الإنسان وليس له إلا أربع جهات قدام وخلف ويمين وشمال فكانت الجهات بالإضافة إلى الإنسان في ظاهر النظر أربعا والشرع لا يبنى إلا على مثل هذه الاعتقادات فظهر أن المطلوب الجهة وذلك يسهل أمر الاجتهاد فيها وتعلم به أداة القبلة فأما مقابلة العين فإنها تعرف بمعرفة مقدار عرض مكة عن خط الاستواء ومقدار درجات طولها وهو بعدها عن أول عمارة في المشرق ثم يعرف ذلك أيضا في موقف المصلى ثم يقابل أحدهما بالآخر ويحتاج فيه إلى آلات وأسباب طويلة والشرع غير مبني عليها قطعا فإذن القدر الذي عليه السلام لا بد من تعلمه من أدلة القبلة موقع المشرق والمغرب في الزوال وموقع الشمس وقت العصر فبهذا يسقط الوجوب فإن قلت فلو خرج المسافر من غير تعلم ذلك هل يعصى فأقول إن كان طريقه على قرى متصله فيها محاريب أو كان معه في الطريق بصير بأدلة القبلة موثوق بعدالته وبصيرته ويقدر على تقليده فلا يعصى وإن لم يكن معه شيء من ذلك عصى لأنه سيتعرض لوجوب الاستقبال ولم يكن قد حصل علمه فصار ذلك كعلم التيمم وغيره فإن تعلم هذه الأدلة واستبهم عليه الأمر بغيم مظلم أو ترك التعلم ولم يجد في الطريق من يقلده فعليه أن يصلي في الوقت على حسب حاله ثم عليه القضاء سواء أصاب أم اخطأ والأعمى ليس له إلا التقليد فليقلد من يوثق بدينه وبصيرته إن كان مقلده مجتهدا في القبلة وإن كانت القبلة ظاهرة فله اعتماد قول كل عدل يخبره بذلك في حضر أو سفر وليس للأعمى ولا للجاهل أن يسافر في قافلة ليس فيها من يعرف أدلة القبلة حيث يحتاج إلى الاستدلال كما ليس للعامي أن يقيم ببلدة ليس فيها فقيه عالم بتفصيل الشرع بل يلزمه الهجرة إلى حيث يجد من يعلمه دينه وكذا إن لم يكن في البلد إلا فقيه فاسق فعليه الهجرة أيضا إذ لا يجوز له اعتماد فتوى الفاسق بل العدالة شرط لجواز قبول الفتوى كما في الرواية وإن كان معروفا بالفقه مستور الحال في العدالة والفسق فله القبول مهما لم يجد من له عدالة ظاهرة لأن المسافر في البلاد لا يقدر أن يبحث عن عدالة المفتين فإن رآه لابسا للحرير أو ما يغلب عليه الإبريسم أو راكبا لفرس عليه مركب ذهب فقد ظهر فسقه وامتنع عليه قبول قوله فليطلب غيره وكذلك إذا رآه يأكل على مائدة سلطان أغلب ماله حرام أو يأخذ منه إدرارا أو صلة من غير أن يعلم أن الذي يأخذه من وجه حلال فكل ذلك فسق يقدح في العدالة ويمنع من قبول الفتوى والرواية والشهادة وأما معرفة أوقات الصلوات الخمس فلا بد منها فوقت الظهر يدخل بالزوال فإن كل شخص لا بد أن يقع له في ابتداء النهار ظل مستطيل في جانب المغرب ثم لا يزال ينقص إلى وقت الزوال ثم يأخذ في الزيادة في جهة المشرق ولا يزال يزيد إلى الغروب فليقم المسافر في موضع أو لينصب عودا مستقيما وليعلم على رأس الظل ثم لينظر بعد ساعة فإن رآه في النقصان فلم يدخل بعد وقت الظهر وطريقه في معرفة ذلك أن ينظر في البلد وقت أذان المؤذن المعتمد ظل قامته فإن كان مثلا ثلاثة اقدام بقدمه فمهما صار كذلك في السفر وأخذ في الزيادة صلى فإن زاد عليه ستة أقدام ونصفا بقدمه دخل وقت العصر إذ ظل كل شخص بقدمه ستة أقدام ونصف بالتقريب ثم ظل الزوال يزيد كل يوم إن كان سفره من أول الصيف وإن كان من أول الشتاء فينقص كل يوم وأحسن ما يعرف به ظل الزوال الميزان فليستصحبه المسافر وليتعلم اختلاف الظل به في كل وقت وإن عرف موقع الشمس من مستقبل القبلة وقت الزوال وكان في السفر في موضع ظهرت القبلة فيه بدليل آخر فيمكنه أن يعرف الوقت بالشمس بأن تصير بين عينيه مثلا إن كانت كذلك في البلد وأما وقت المغرب فيدخل بالغروب ولكن قد تحجب الجبال المغرب عنه فينبغي أن ينظر إلى جانب المشرق فمهما ظهر سواد في الأفق مرتفع من الأرض قدر رمح فقد دخل وقت المغرب وأما العشاء فيعرف بغيبوبة الشفق وهو الحمرة فإن كانت محجوبة عنه بجبال فيعرفه بظهور والكواكب الصغار وكثرتها فإن ذلك يكون بعد غيبوبة الحمرة وأما الصبح فيبدو في الأول مستطيلا كذنب السرحان فلا يحكم به إلى أن ينقضي زمان ثم يظهر بياض معترض لا يعسر إدراكه بالعين لظهوره فهذا أول الوقت قال صلى الله عليه وسلم ليس الصبح هكذا وجمع بين كفيه وإنما الصبح هكذا ووضع إحدى سبابتيه على الأخرى وفتحهما حديث ليس الصبح هكذا وجمع كفه إنما الصبح هكذا ووضع إحدى سبابتيه على الأخرى وفتحهما وأشار إلى أنه معترض أخرجه ابن ماجه من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح مختصر دون الاشارة بالكف والسبابتين ولأحمد من حديث طلق بن علي ليس الفجر المستطيل في الأفق لكنه المعترض الأحمر وإسناده حسن وأشار به إلى انه معترض وقد يستدل عليه بالمنازل وذلك تقريب لا تحقيق فيه بل الاعتماد على مشاهدة انتشار البياض عرضا لأن قوما ظنوا أن الصبح يطلع قبل الشمس بأربع منازل وهذا خطأ لأن ذلك هو الفجر الكاذب والذي ذكره المحققون انه يتقدم على الشمس بمنزلتين وهذا تقريب ولكن لا اعتماد عليه فإن بعض المنازل تطلع معترضة منحرفة فيقصر زمان طلوعها وبعضها منتصبة فيطول زمان طلوعها ويختلف ذلك في البلد اختلافا يطول ذكره نعم تصلح المنازل لأن يعلم بها قرب وقت الصبح وبعده فأما حقيقة أول الصبح فلا يمكن ضبطه بمنزلتين أصلا وعلى الجملة فإذا بقيت أربع منازل إلى طلوع قرن الشمس بمقدار منزلة يتيقن أنه الصبح الكاذب وإذا بقى قريب من منزلتين يتحقق طلوع الصبح الصادق ويبقى بين الصبحين قدر ثلثي منزلة بالتقريب يشك فيه أنه من وقت الصبح الصادق أو الكاذب وهو مبدأ ظهور البياض وانتشاره قبل اتساع عرضه فمن وقت الشك ينبغي أن يترك الصائم السحور ويقدم القائم الوتر عليه ولا يصلي صلاة الصبح حتى تنقضي مدة الشك فإذا تحقق صلى ولو أراد مريد أن يقدر على التحقيق وقتا معينا يشرب فيه متسحرا ويقوم عقبيه ويصلي الصبح متصلا به لم يقدر على ذلك فليس معرفة ذلك في قوة البشر أصلا بل لا بد من مهلة للتوقف والشك ولا اعتماد إلا على العيان ولا اعتماد في العيان إلا على أن يصير الضوء منشرا في العرض حتى تبدو مبادى الصفرة وقد غلط في هذا جمع من الناس كثير يصلون قبل الوقت ويدل عليه ما روى أبو عيسى الترمذي في جامعه بإسناده عن طلق بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كلوا واشربوا ولا يهيبنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر حديث طلق بن علي كلوا واشربوا ولا يهيبنكم الساطع المصعد وكلوا وشربوا حتى يعترض لكم الأحمر قال المصنف رواه أبو عيسى الترمذي في جامعه وقال حسن غريب وهو كما ذكر ورواه أبو داود أيضا وهذا صريح في رعاية الحمرة قال أبو عيسى وفي الباب عن عدي بن حاتم وأبي ذر وسمرة بن جندب وهو حديث حسن غريب والعمل على هذا عند أهل العلم وقال ابن عباس رضي الله عنهما كلوا واشربوا ما دام الضوء ساطعا قال صاحب الغريبين أي مستطيلا فإذا لا ينبغي أن يعول إلا على ظهور الصفرة وكأنها مبادىالحمرة وإنما يحتاج المسافر إلى معرفة الأوقات لأنه قد يبادر بالصلاة قبل الرحيل حتى لا يشق عليه النزول أو قبل النوم حتى يستريح فإن وطن نفسه على تأخير الصلاة إلى أن يتيقن فتسمح نفسه بفوات فضيلة أول الوقت ويتجشم كلفة النزول وكلفة تأخير النوم إلى التيقن استغنى عن تعلم علم الأوقات فإن المشكل أوائل الأوقات لا أوساطها.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 4:08 pm | |
| كتاب آداب السماع والوجد وهو الكتاب الثامن من ربع العادات من كتب إحياء علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أحرق قلوب أوليائه بنار محبته واسترق هممهم وأرواحهم بالشوق إلى لقائه ومشاهدته ووقف أبصارهم وبصائرهم على ملاحظة جمال حضرته حتى اصبحوا من تنسم روح الوصال سكرى وأصبحت قلوبهم من ملاحظة سبحات الجلال والهة حيرى فلم يروا في الكونين شيئا سواه ولم يذكروا في الدارين إلا إياه إن سنحت لأبصارهم صورة عبرت إلى المصور بصائرهم وإن قرعت أسماعهم نغمه سبقت إلى المحبوب سرائرهم وإن ورد عليهم صوت مزعج أو مقلق أو مطرب أو محزن أو مهيج أو مشوق أو مهيج لم يكن انزعاجهم إلا إليه ولا طربهم إلا به ولا قلقهم إلا عليه ولا حزنهم إلا فيه ولا شوقهم إلا إلى ما لديه ولا انبعاثهم إلا له ولا ترددهم إلا حواليه فمنه سماعهم وإليه استماعهم فقد أقفل عن غيره أبصارهم وأسماعهم أولئك الذين اصطفاهم الله لولايته واستخلصهم من بين اصفيائه وخاصته ، والصلاة على محمد المبعوث برسالته وعلى آله وأصحابه أئمة الحق وقادته وسلم كثيرا ، أما بعد ، فإن القلوب والسرائر خزائن الأسرار ومعادن الجواهر وقد طويت فيها جواهرها كما طويت النار في الحديد والحجر كما اخفى الماء تحت التراب والمدر ولا سبيل إلى استثارة خفاياها إلا بقوادح السماع ولا منفذ إلى القلوب إلى من دهليز الاسماع فالنغمات الموزونة المستلذة تخرج ما فيها وتظهر محاسنها أو مساويها فلا يظهر من القلب عند التحريك إلا ما يحويه كما لا يرشح الإناء إلا بما فيه فالسماع للقلب محك صادق ومعيار ناطق فلا يصل نفس السماع إليه إلا وقد تحرك فيه ما هو الغالب عليه وإذا كانت القلوب بالطباع مطيعة للأسماع حتى أبدت بوارداتها مكامنها وكشفت بها عن مساويها وأظهرت محاسنها وجب شرح القول في السماع والوجد وبيان ما فيهما من الفوائد والآفات وما يستحب فيهما من الآداب والهيئات وما يتطرق إليهما من خلاف العلماء في أنهما من المحظورات أو المباحات ونحن نوضح ذلك في بابين : الباب الأول : في إباحة السماع . الباب الثاني : في آداب السماع وآثاره في القلب بالوجد وفي الجوارح بالرقص والزعق وتمزيق الثياب.
الباب الأول
في ذكر اختلاف العلماء في إباحة السماع وكشف الحق فيه بيان أقاويل العلماء والمتصوفة في تحليله وتحريمه.
اعلم أن السماع هو أول الأمر ويثمر السماع حالة في القلب تسمى الوجد ويثمر الوجد تحريك الأطراف إما بحركة غير موزونة فتسمى الاضطراب وإما موزونة فتسمى التصفيق والرقص . فلنبدأ بحكم السماع وهو الأول وننقل فيه الاقاويل المعربة عن المذاهب فيه ثم نذكر الدليل على إباحته ثم نردفه بالجواب عما تمسك به القائلون بتحريمه : فأما نقل المذاهب فقد حكى القاضي أبو الطيب الطبري عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وسفيان وجماعة من العلماء ألفاظا يستدل بها على أنهم رأوا تحريمه ، وقال الشافعي رحمه الله في كتاب آداب القضاء إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته ، وقال القاضي أبو الطيب استماعه من المرأة التي ليست بمحرم له لا يجوز عند أصحاب الشافعي رحمه الله بحال سواء كانت مكشوفة أو من وراء حجاب وسواء كانت حرة أو مملوكة ، وقال قال الشافعي رضي الله عنه صاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته ، وقال وحكى عن الشافعي انه كان يكره الطقطقة بالقضيب ويقول وضعته الزنادقة ليشتغلوا به عن القرآن ، وقال الشافعي رحمه الله ويكره من جهة الخبر اللعب بالنرد اكثر مما يكره اللعب بشيء من الملاهي ولا أحب اللعب بالشطرنج وأكره كل ما يلعب به الناس لأن اللعب ليس من صنعة أهل الدين ولا المروءة ، وأما مالك رحمه الله فقد نهى عن الغناء وقال إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له ردها وهو مذهب سائر أهل المدينة إلا ابن سعد وحده، وأما أبو حنيفة رضي الله عنه فإنه كان يكره ذلك ويجعل سماع الغناء من الذنوب وكذلك سائر أهل الكوفة سفيان الثوري وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم فهذا كله نقله القاضي أبو الطيب الطبري ، ونقل أبو طالب المكي إباحة السماع من جماعة فقال سمع من الصحابة عبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير والمغيرة بن شعبة ومعاوية وغيرهم وقال قد فعل ذلك كثير من السلف الصالح صحابي وتابعي بإحسان وقال لم يزل الحجازيون عندنا بمكة يسمعون السماع في أفضل أيام السنة وهي الأيام المعدودات التي أمر الله عباده فيها بذكره كأيام التشريق ولم يزل أهل المدينة مواظبين كأهل مكة على السماع إلى زماننا هذا فأدركنا أبا مروان القاضي وله جوار يسمعن الناس التلحين قد أعدهن للصوفية قال وكان لعطاء جاريتان يلحنان فكان إخوانه يستمعون إليهما ، قال وقيل لأبي الحسن بن سالم كيف تنكر السماع وقد كان الجنيد وسرى السقطى وذو النون يستمعون فقال وكيف انكر السماع وقد أجازه وسمعه من هو خير مني فقد كان عبد الله بن جعفر الطيار يسمع وإنما أنكر اللهو واللعب في السماع ، وروى عن يحيى بن معاذ أنه قال فقدنا ثلاثة أشياء فما نراها ولا أراها تزداد إلا قلة حسن الوجه مع الصيانة وحسن القول مع الديانة وحسن الإخاء مع الوفاء ، ورأيت في بعض الكتب هذا محكيا بعينه عن الحارث المحاسبي وفيه ما يدل على تجويزه السماع مع زهده وتصاونه وجده في الدين وتشميره قال وكان ابن مجاهد لا يجيب دعوة إلا أن يكون فيه سماع ، وحكى غير واحد أنه قال اجتمعنا في دعوة ومعنا أبو القاسم ابن بنت منيع وأبو بكر ابن داود وابن مجاهد في نظرائهم فحضر سماع فجعل ابن مجاهد يحرض ابن بنت منيع على ابن داود في أن يسمع فقال ابن داود حدثني أبي عن احمد بن حنبل أنه كره السماع وكان أبي يكرهه وأنا على مذهب أبي فقال أبو القاسم ابن بنت منيع أما جدى احمد ابن بنت منيع فحدثني عن صالح بن احمد أن أباه كان يسمع قول ابن الخبازة فقال ابن مجاهد لابن داود دعني أنت من أبيك وقال لابن بنت منيع دعني أنت من جدك أي شيء تقول يا أبا بكر فيمن أنشد بيت شعر أهو حرام فقال ابن داود لا قال فإن كان حسن الصوت حرم عليه إنشاده قال لا قال فإن أنشده وطوله وقصر منه الممدود ومد منه المقصور أيحرم عليه قال أنا لم أقو لشيطان واحد فكيف أقوى لشيطانين ، قال وكان أبو الحسن العسقلاني الأسود من الأولياء يسمع ويوله عند السماع وصنف فيه كتابا ورد فيه على منكريه وكذلك جماعة منهم صنفوا في الرد على منكريه ، وحكى عن بعض الشيوخ أته قال رأيت أبا العباس الخضر عليه السلام فقلت له ما تقول في هذا السماع الذي اختلف فيه اصحابنا فقال هو الصفو الزلال الذي لا يثبت عليه إلا أقدام العلماء ، وحكي عن ممشاد الدينوري أنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت يا رسول الله هل تنكر من هذا السماع شيئا فقال ما أنكر منه شيئا ولكن قل لهم يفتتحون قبله بالقرآن ويختمون بعده بالقرآن ، وحكى عن طاهر بن بلال الهمداني الوراق وكان من أهل العلم أنه قال كنت معتكفا في جامع جدة على البحر فرأيت يوما طائفة يقولون في جانب منه قولا ويستمعون فأنكرت ذلك بقلبي وقلت في بيت من بيوت الله يقولون الشعر قال فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وهو جالس في تلك الناحية والى جنبة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وإذا أبو بكر يقول شيئا من القول والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع إليه ويضع يده على صدره كالواجد بذلك فقلت في نفسي ما كان ينبغي لي أن أنكر على أولئك الذين كانوا يستمعون وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع وأبو بكر يقول فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هذا حق بحق أو قال حق من حق أنا أشك فيه ، وقال الجنيد تنزل الرحمة على هذه الطائفة في ثلاثة مواضع عند الأكل لأنهم لا يأكلون إلا عن فاقة وعند المذاكرة لأنهم لا يتحاورون إلا في مقامات الصديقين وعند السماع لأنهم يسمعون بوجد ويشهدون حقا ، وعن ابن جريج انه كان يرخص في السماع فقيل له أيؤتى يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك فقال لا في الحسنات ولا في السيئات لأنه شبيه باللغو وقال الله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم . هذا ما نقل من الاقاويل ومن طلب الحق في التقليد فمهما استقصى تعارضت عنده هذه الاقاويل فيبقى متحيرا أومائلاإلى بعض الاقاويل بالتشهي وكل ذلك قصور بل ينبغي أن يطلب الحق بطريقه وذلك بالبحث عن مدارك الحظر والاباحة كما سنذكره
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 4:46 pm | |
| بيان الدليل على إباحة السماع اعلم أن قول القائل السماع حرام معناه أن الله تعالى يعاقب عليه وهذا أمر لا يعرف بمجرد العقل بل بالسمع ومعرفة الشرعيات محصورة في النص أو القياس على المنصوص وأعنى بالنص ما أظهره صلى الله عليه وسلم بقوله أو فعله وبالقياس المعنى المفهوم من ألفاظه وأفعاله فإن لم يكن فيه نص ولم يستقم فيه قياس على منصوص بطل القول بتحريمه وبقى فعلا لا حرج فيه كسائر المباحات ولا يدل على تحريم السماع نص ولا قياس ويتضح ذلك في جوابنا عن أدلة المائلين إلى التحريم ومهما تم الجواب عن أدلتهم كان ذلك مسلكا كافيا في إثبات هذا الغرض لكن نستفتح ونقول قد دل النص والقياس جميعا على إباحته أما القياس فهو أن الغناء اجتمعت فيه معان ينبغي أن يبحث عن افرادها ثم عن مجموعها فإن فيه سماع صوت طيب موزون مفهوم المعنى محرك للقلب فالوصف الاعم انه صوت طيب ثم الطيب ينقسم إلى الموزون وغيره والموزون ينقسم إلى المفهوم كالاشعار والى غير المفهوم كأصوات الجمادات وسائر الحيوانات أما سماع الصوت الطيب من حيث إنه طيب فلا ينبغي أن يحرم بل هو حلال بالنص والقياس أما القياس فهو أنه يرجع إلى تلذذ حاسة السمع بإدراك ما هو مخصوص به وللإنسان عقل وخمس حواس ولكل حاسة إدراك وفي مدركات تلك الحاسة ما يستلذ فلذة النظر في المبصرات الجميلة كالخضرة والماء الجاري والوجه الحسن وبالجملة سائر الألوان الجميلة وهي في مقابلة ما يكره من الألوان الكدرة القبيحة وللشم الروائح الطيبة وهي في مقابلة الأنتان المستكرهة وللذوق الطعوم اللذيذة كالدسومة والحلاوة والحموضة وهي في مقابلة المرارة المستبشعة وللمس لذة اللين والنعومة والملاسة وهي في مقابلة الخشونة والضراسة وللعقل لذة العلم والمعرفة وهي في مقابلة الجهل والبلادة فكذلك الأصوات المدركة بالسمع تنقسم إلى مستلذة كصوت العنادل والمزامير ومستكرهة كنهيق الحمير وغيرها فما أظهر قياس هذه الحاسة ولذتها على سائر الحواس ولذاتها. أما النص فيدل على إباحة سماع الصوت الحسن امتنان الله تعالى على عباده إذ قال يزيد في الخلق ما يشاء فقيل هو الصوت الحسن ، وفي الحديث ما بعث الله نبيا إلا حسن الصوت حديث ما بعث الله نبيا إلا حسن الصوت أخرجه الترمذي في الشمائل عن قتادة وزاد قوله وكان نبيكم حسن الوجه حسن الصوت ورويناه متصلا في الغيلانيات من رواية قتادة عن أنس والصواب الأول قاله الدارقطني ورواه ابن مردويه في التفسير من حديث علي بن أبي طالب وطرقه كلها ضعيفة ، وقال صلى الله عليه وسلم لله أشد أذنا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة لقينته حديث لله أشد أذنا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته تقدم في كتاب تلاوة القرآن ، وفي الحديث في معرض المدح لداود عليه السلام أنه كان حسن الصوت في النياحة على نفسه وفي تلاوة الزبور حتى كان يجتمع الإنس والجن والوحوش والطير لسماع صوته وكان يحمل في مجلسه أربعمائة جنازة وما يقرب منها في الأوقات حديث كان داود حسن الصوت في النياحة على نفسه وفي تلاوة الزبور الحديث لم أجد له أصلا ، وقال صلى الله عليه وسلم في مدح أبي موسى الأشعري لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود حديث لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود قاله في مدح أبي موسى تقدم في تلاوة القرآن ، وقول الله تعالى إن أنكر الأصوات لصوت الحمير يدل بمفهومه على مدح الصوت الحسن ولو جاز أن يقال إنما أبيح ذلك بشرط أن يكون في القرآن للزمه أن يحرم سماع صوت العندليب لأنه ليس من القرآن وإذا جاز سماع صوت غفل لا معنى له فلم لا يجوز سماع صوت يفهم منه الحكمة والمعاني الصحيحة وإن من الشعر لحكمة فهذا نظر في الصوت من حيث أنه طيب حسن.
الدرجة الثانية : النظر في الصوت الطيب الموزون فإن الوزن وراء الحسن فكم من صوت حسن خارج عن الوزن وكم من صوت موزون غير مستطاب والأصوات الموزونة باعتبار مخارجها ثلاثة فإنها إما أن تخرج من جماد كصوت المزامير والأوتار وضرب القضيب والطبل وغيره وإما أن تخرج من حنجرة حيوان وذلك الحيوان إما إنسان أو غيره كصوت العنادل والقمارى وذات السجع من الطيور فهي مع طيبها موزونة متناسبة المطالع والمقاطع فلذلك يستلذ سماعها والأصل في الأصوات حناجر الحيوانات وإنما وضعت المزامير على أصوات الحناجر وهو تشبيه للصنعة بالخلقة وما من شيء توصل أهل الصناعات بصناعتهم إلى تصويره إلا وله مثال في الخلقة التي استأثر الله تعالى باختراعها فمنه تعلم الصناع وبه قصدوا الإقتداء وشرح ذلك يطول فسماع هذه الأصوات يستحيل أن يحرم لكونها طيبة أو موزونة فلا ذاهب إلى تحريم صوت العندليب وسائر الطيور ولا فرق بين حنجرة وحنجرة ولا بين جماد وحيوان فينبغي أن يقاس على صوت العندليب الأصوات الخارجة من سائر الأجسام باختيار الآدمي كالذي يخرج من حلقه أو من القضيب والطبل والدف وغيره ولا يستثنى من هذه إلا الملاهي والأوتار والمزامير التي ورد الشرع بالمنع منها حديث المنع من الملاهي والأوتار والمزامير أخرجه البخاري من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير والمعازف صورته عند البخاري صورة التعليق ولذلك ضعفه ابن حزم ووصله أبو داود والاسماعيلي والمعازف الملاهي قاله الجوهري ولأحمد من حديث أبي أمامة إن الله أمرني أن أمحق المزامير والكيارات يعني البرابط والمعازف وله من حديث قيس بن سعد بن عبادة إن ربي حرم علي الخمر والكوبة والقنين وله في حديث لأبي أمامة باستحلالهم الخمور وضربهم بالدفوف وكلها ضعيفة ولأبي الشيخ من حديث مرسلا الاستماع إلى الملاهي معصية الحديث ولأبي داود من حديث ابن عمر سمع مزمارا فوضع أصبعيه على أذنيه قال أبو داود وهو منكر لا للذتها إذ لو كان للذة لقيس عليها كل ما يلتذ به الإنسان ولكن حرمت الخمور واقتضت ضراوة الناس بها المبالغة في الفطام عنها حتى انتهى الأمر في الابتداء إلى كسر الدنان فحرم معها ما هو شعار أهل الشرب وهي الأوتار والمزامير فقط وكان تحريمها من قبل الاتباع كما حرمت الخلوة بالأجنبية لأنها مقدمة الجماع وحرم النظر إلى الفخذ لاتصاله بالسوأتين وحرم قليل الخمر وإن كان لا يسكر لأنه يدعو إلى السكر وما من حرام إلا وله حريم يطيف به وحكم الحرمة ينسحب على حريمه ليكون حمى للحرام ووقاية له وحظارا مانعا حوله كما قال صلى الله عليه وسلم إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه حديث إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه تقدم في كتاب الحلال والحرام فهي محرمة تبعا لتحريم الخمر لثلاث علل إحداها أنها تدعو إلى شرب الخمر فإن اللذة الحاصلة بها إنما تتم بالخمر ولمثل هذه العلة حرم قليل الخمر. الثانية : أنها في حق قريب العهد بشرب الخمر تذكر مجالس الأنس بالشرب فهي سبب الذكر والذكر سبب انبعاث الشوق وانبعاث الشوق إذا قوى فهو سبب الإقدام ولهذه العلة نهى عن الانتباذ في المزفت والحنتم والنقير حديث النهي عن الحنتم والمزفت والنقير متفق عليه من حديث ابن عباس وهي الأواني التي كانت مخصوصة بها فمعنى هذا أن مشاهدة صورتها تذكرها وهذه العلة تفارق الأولى إذ ليس فيها اعتبار لذة في الذكر إذ لا لذة في رؤية القنينة وأواني الشرب لكن من حيث التذكر بها فإن كان السماع يذكر الشرب تذكيرا يشوق إلى الخمر عند من ألف ذلك مع الشرب فهو منهى عن السماع لخصوص هذه العلة فيه. الثالثة : الاجتماع عليها لما أن صار من عادة أهل الفسق فيمنع من التشبه بهم لأن من تشبه بقوم فهو منهم وبهذه العلة نقول بترك السنة مهما صارت شعارا لأهل البدعة خوفا من التشبه بهم وبهذه العلة يحرم ضرب الكوبة وهو طبل مستطيل دقيق الوسط واسع الطرفين وضربها عادة المخنثين ولولا ما فيه من التشبه لكان مثل طبل الحجيج والغزو وبهذه العلة نقول لو اجتمع جماعة وزينوا مجلسا وأحضروا آلات الشرب وأقداحه وصبوا فيها السكنجبين ونصبوا ساقيا يدور عليهم ويسقيهم فيأخذون من الساقي ويشربون ويحيى بعضهم بعضا بكلماتهم المعتادة بينهم حرم ذلك عليهم وإن كان المشروب مباحا في نفسه لأن في هذا تشبها بأهل الفساد بل لهذا ينهى عن لبس القباء وعن ترك الشعر على الرأس قزعا في بلاد صار القباء فيها من لباس أهل الفساد ولا ينهى عن ذلك فيما وراء النهر لاعتياد أهل الصلاح ذلك فيهم فبهذه المعاني حرم المزمار العراقي والأوتار كلها كالعود والصنج والرباب والبربط وغيرها وما عدا ذلك فليس في معناها كشاهين الرعاة والحجيج وشاهين الطبالين وكالطبل والقضيب وكل آلة يستخرج منها صوت مستطاب موزون سوى ما يعتاده أهل الشرب لأن كل ذلك لا يتعلق بالخمر ولا يذكر بها ولا يشوق إليها ولا يوجب التشبه بأربابها فلم يكن في معناها فبقى على أصل الإباحة قياسا على أصوات الطيور وغيرها بل أقول سماع الاوتار ممن يضربها على غير وزن متناسب مستلذ حرام أيضا وبهذا يتبين انه ليست العلة في تحريمها مجرد اللذة الطيبة بل القياس تحليل الطيبات كلها إلا ما في تحليله فساد قال الله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق فهذه الأصوات لا تحرم من حيث إنها أصوات موزونة وإنما تحرم بعارض آخر كما سيأتي في العوارض المحرمة .
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 4:48 pm | |
| الدرجة الثالثة : الموزون والمفهوم وهو الشعر وذلك لا يخرج إلا من حنجرة الإنسان فيقطع بإباحة ذلك لأنه ما زاد إلا كونه مفهوما والكلام المفهوم غير حرام والصوت الطيب الموزون غير حرام فإذا لم يحرم الآحاد فمن أين يحرم المجموع نعم ينظ فيما يفهم منه فإن كان فيه أمر محظور حرم نثره ونظمه وحرم النطق به سواء كان بألحان أو لم يكن والحق فيه ما قاله الشافعي رحمه الله إذ قال الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح ومهما جاز إنشاد الشعر بغير صوت وألحان جاز إنشاده مع الألحان فإن أفراد المباحات إذا اجتمعت كان ذلك المجموع مباحا ومهما انضم مباح إلى مباح لم يحرم إلا إذا تضمن المجموع محظورا لا تتضمنه الآحاد ولا محظور ههنا وكيف ينكر إنشاد الشعر وقد أنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث إنشاد الشعر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه من حديث أبي هريرة أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال قد كنت انشد وفيه من هو خير منك الحديث ولمسلم من حديث عائشة إنشاد حسان هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء القصيدة وإنشاد حسان أيضا وإن سنام المجد من آل هاشم بنو بنت مخزوم ووالدك العبد وللبخاري إنشاد ابن رواحة وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الفجر ساطع الأبيات وقال صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكمة حديث إن من الشعر لحكمة رواه البخاري من حديث أبي بن كعب وتقدم في العلم وأنشدت عائشة رضي الله عنها ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الاجرب وروي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما وكان بها وباء فقلت يا أبت كيف تجدك ويا بلال كيف تجدك فكان أبو بكر رضي الله عنه إذا أخذته الحمى يقول كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل قالت عائشة رضي الله عنها فأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حديث عائشة في الصحيحين لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال الحديث وفيه إنشاد أبي بكر كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله وإنشاد بلال ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل قلت هو في الصحيحين كما ذكر المصنف لكن أصل الحديث والشعر عند البخاري فقط ليس عند مسلم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل اللبن مع القوم في بناء المسجد وهو يقول هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر وقال أيضا صلى الله عليه وسلم مرة أخرى لا هم إن العيش عيش الآخرة فارحم الأنصار والمهاجره حديث كان صلى الله عليه وسلم ينقل اللبن مع القوم في بناء المسجد وهو يقول هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر وقال صلى الله عليه وسلم مرة أخرى اللهم إن العيش عيش الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة قال المصنف والبيتان في الصحيحين قلت البيت الأول انفرد به البخاري في قصة الهجرة من رواية عروة مرسلا وفيه البيت الثاني أيضا إلا أنه قال الأجر بدل العيش تمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي قال ابن شهاب ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذا البيت والبيت الثاني في الصحيحين من حديث أنس يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم يقولون اللهم لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة وليس البيت الثانى موزونا وفي الصحيحين أيضا أنه قال في حفر الخندق بلفظ فبارك في الأنصار والمهاجره وفي رواية فاغفر وفي رواية لمسلم فأكرم ولهما من حديث سهل بن سعد فاغفر للمهاجرين والأنصار وهذه في الصحيحين وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينافح ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث كان يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينافح الحديث أخرجه البخاري تعليقا وأبو داود والترمذي والحاكم متصلا من حديث عائشة قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح الإسناد وفي الصحيحين أنها قالت إنه كان ينافح عن رسول صلى الله عليه وسلم الله ولما أنشده النابغة شعره قال له صلى الله عليه وسلم لا يفضض الله فاك حديث أنه قال للنابغة لما أنشده شعرا لا يفضض الله فاك رواه البغوي في معجم الصحابة وابن عبد البر في الاستيعاب بإسناد ضعيف من حديث النابغة واسمه قيس بن عبد الله قال أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم بلغنا السماء مجدنا وجدودنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا الأبيات ورواه البزار بلفظ علونا العباد عفة وتكرما الأبيات وفيه فقال أحسنت يا أبا ليلى لا يفضض الله فاك وللحاكم من حديث خزيم بن أوس سمعت العباس يقول يا رسول الله إنى أريد أن أمتدحك فقال قل لا يفضض الله فاك فقال العباس من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق الأبيات وقالت عائشة رضي الله عنها كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناشدون عنده الأشعار وهو يتبسم حديث عائشة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناشدون الاشعار وهو يتبسم أخرجه الترمذي من حديث جابر بن سمرة وصححه ولم أقف عليه من حديث عائشة وعن عمرو بن الشريد عن أبيه قال أنشدت رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة قافية من قول أمية بن أبي الصلت كل ذلك يقول هيه هيه ثم قال إن كاد في شعره ليسلم حديث الشريد أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم مائة قافية من قول أمية بن أبي الصلت كل ذلك يقول هيه هيه الحديث رواه مسلم وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدى له في السفر وإن أنجشة كان يحدو بالنساء والبراء بن مالك كان يحدو بالرجال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير حديث أنس كان يحدى له في السفر وإن أنجشة كان يحدو بالنساء وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال الحديث رواه أبو داود الطيالسي واتفق الشيخان منه على قصة أنجشة دون ذكر البراء بن مالك ولم يزل الحداء وراه الجمال من عادة العرب في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان الصحابة رضي الله عنهم وما هو إلا أشعار تؤدى بأصوات طيبة وألحان موزونة ولم ينقل عن أحد من الصحابة إنكاره بل ربما كانوا يلتمسون ذلك تارة لتحريك الجمال وتارة للاستلذاذ فلا يجوز أن يحرم من حيث إنه كلام مفهوم مستلذ مؤدى بأصوات طيبة وألحان موزونة.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 4:49 pm | |
| الدرجة الرابعة : النظر فيه من حيث إنه محرك للقلب ومهيج لما هو الغالب عليه فأقول لله تعالى سر في مناسبة النغمات الموزونة للأرواح حتى إنها لتؤثر فيها تأثيرا عجيبا فمن الأصوات ما يفرح ومنها ما يحزن ومنها ما ينوم ومنها ما يضحك ويطرب ومنها ما يستخرج من الأعضاء حركات على وزنها باليد والرجل والرأس ولا ينبغي أن يظن أن ذلك لفهم معاني الشعر بل جار في الأوتار حتى قيل من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج ليس له علاج وكيف يكون ذلك لفهم المعنى وتأثيره مشاهد في الصبى في مهده فإنه يسكنه الصوت الطيب عن بكائه وتنصرف نفسه عما يبكيه إلى الإصغاء إليه والجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثرا يستخف معه الأحمال الثقيلة ويستقصر لقوة نشاطه في سماعه المسافات الطويلة وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه فتراها إذا طالت عليها البوادي واعتراها الإعياء والكلال تحت المحامل والأحمال إذا سمعت منادى الحداء تمد أعناقها وتصغى إلى الحادي ناصية آذانها وتسرع في سيرها حتى تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها وربما تتلف أنفسها من شدة السير وثقل الحمل وهي لا تشعر به لنشاطها فقد حكى أبو بكر محمد بن داود الدينوري المعروف بالرقي رضي الله عنه قال كنت بالبادية فوافيت قبيلة من قبائل العرب فأضافني رجل منهم وأدخلني خباءه فرأيت في الخباء عبدا أسود مقيدا بقيد ورأيت جمالا قد ماتت بين يدي البيت وقد بقى منها جمل وهو ناحل ذابل كأنه ينزع روحه فقال لي الغلام أنت ضيف ولك حق فتشفع في إلى مولاي فإنه مكرم لضيفه فلا يرد شفاعتك في هذا القدر فعساه يحل القيد عني قال فلما أحضروا الطعام امتنعت وقلت لا آكل ما لم أشفع في هذا العبد فقال إن هذا العبد قد أفقرني وأهلك جميع مالي فقلت ماذا فعل فقال إن له صوتا طيبا وإني كنت أعيش من ظهور هذه الجمال فحملها أحمالا ثقالا وكان يحدو بها حتى قطعت مسيرة ثلاثة أيام في ليلة واحدة من طيب نغمته فلما حطت أحمالها ماتت كلها إلا هذا الجمل الواحد ولكن أنت ضيفي فلكرامتك قد وهبته لك قال فأحببت أن أسمع صوته فلما أصبحنا أمره أن يحدو على جمل يستقى الماء من بئر هناك فلما رفع صوته هام ذلك الجمل وقطع حباله ووقعت أنا على وجهي فما أظن أني سمعت قط صوتا أطيب منه فإذن تأثير السماع في القلب محسوس ومن لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال بعيد عن الروحانية زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور بل على جميع البهائم فإن جميعها تتأثر بالنغمات الموزونة ولذلك كانت الطيور تقف على رأس داود عليه السلام لاستماع صوته ومهما كان النظر في السماع باعتبار تأثيره في القلب لم يجز أن يحكم فيه مطلقا بإباحة ولا تحريم بل يختلف ذلك بالأحوال والأشخاص واختلاف طرق النغمات فحكمه حكم ما في القلب قال أبو سليمان السماع لا يجعل في القلب ما ليس فيه ولكن يحرك ما هو فيه فالترنم بالكلمات المسجعة الموزونة معتاد في مواضع لأغراض مخصوصة ترتبط بها آثار في القلب وهي سبعة مواضع : الأول : غناء الحجيج فإنهم اولا يدورون في البلاد بالطبل والشاهين والغناء وذلك مباح لأنها أشعار نظمت في وصف الكعبة والمقام والحطيم وزمزم وسائر المشاعر ووصف البادية وغيرها وأثر ذلك يهيج الشوق إلى حج بيت الله تعالى واشتعال نيرانه إن كان ثم شوق حاصل أو استثارة الشوق واجتلابه إن لم يكن حاصلا وإذا كان الحج قربة والشوق إليه محمودا كان التشويق إليه بكل ما يشوق محمودا وكما يجوز للواعظ أن ينظم كلامه في الوعظ ويزينه بالسجع ويشوق الناس إلى الحج بوصف البيت والمشاعر ووصف الثواب عليه جاز لغيره ذلك على نظم الشعر فإن الوزن إذا انضاف إلى السجع صار الكلام أوقع في القلب فإذا أضيف إليه صوت طيب ونغمات موزونة زاد وقعه فإن أضيف إليه الطبل والشاهين وحركات الإيقاع زاد التأثير وكل ذلك جائز ما لم يدخل فيه المزامير والأوتار التي هي من شعار الأشرار نعم إن قصد به تشويق من لا يجوز له الخروج إلى الحج كالذي أسقط الفرض عن نفسه ولم يأذن له أبواه في الخروج فهذا يحرم عليه الخروج فيحرم تشويقه إلى الحج بالسماع بكل كلام يشوق إلى الخروج فإن التشويق إلى الحرام حرام وكذلك إن كانت الطريق غير آمنة وكان الهلاك غالبا لم يجز تحريك القلوب ومعالجتها بالتشويق. الثاني : ما يعتاده الغزاة لتحريض الناس على الغزو وذلك أيضا مباح كما للحاج ولكن ينبغي أن تخالف أشعارهم وطرق ألحانهم أشعار الحاج وطرق ألحانهم لأن استثارة داعية الغزو بالتشجيع وتحريك الغيظ والغضب فيه على الكفار وتحسين الشجاعة واستحقار النفس والمال بالإضافة إليه بالأشعار المشجعة مثل قول المتنبي فإن لا تمت تحت السيوف مكرما تمت وتقاس الذل غير مكرم وقوله أيضا يرى الجبناء أن الجبن حزم وتلك خديعة الطبع اللئيم وأمثال ذلك وطرق الأوزان المشجعة تخالف الطرق المشوقة وهذا أيضا مباح في وقت يباح فيه الغزو ومندوب إليه وقت يستحب فيه الغزو ولكن في حق من يجوز له الخروج إلى الغزو. الثالث : الرجزيات التي يستعملها الشجعان في وقت اللقاء والغرض منها التشجيع للنفس وللأنصار وتحريك النشاط فيهم للقتال وفيه التمدح بالشجاعة والنجدة وذلك إذا كان بلفظ رشيق وصوت طيب كان أوقع في النفس وذلك مباح في كل قتال مباح ومندوب في قتال مندوب ومحظور في قتال المسلمين وأهل الذمة وكل قتال محظور لأن تحريك الدواعي إلى المحظور محظور وذلك منقول عن شجعان الصحابة رضي الله عنهم كعلي وخالد رضي الله عنهما وغيرهما ولذلك نقول ينبغي أن يمنع من الضرب بالشاهين في معسكر الغزاة فإن صوته مرقق محزن يحلل عقدة الشجاعة ويضعف صرامة النفس ويشوق إلى الأهل والوطن ويورث الفتور في القتال وكذا سائر الأصوات والألحان المرققة للقلب فالألحان المرققة المحزنة تباين الألحان المحركة المشجعة فمن فعل ذلك على قصد تغيير القلوب وتفتير الآراء عن القتال الواجب فهو عاص ومن فعله على قصد التفتير عن القتال المحظور فهو بذلك مطيع . الرابع : أصوات النياحة ونغماتها وتأثيرها في تهييج الحزن والبكاء وملازمة الكآبة والحزن قسمان محمود ومذموم فأما المذموم فكالحزن على ما فات قال الله تعالى لكيلا تأسوا على ما فاتكم والحزن على الأموات من هذا القبيل فإنه تسخط لقضاء الله تعالى وتأسف على ما لا تدارك له فهذا الحزن لما كان مذموما كان تحريكه بالنياحة مذموما فلذلك ورد النهي الصريح عن النياحة حديث النهي عن النياحة متفق عليه من حديث أم عطية أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا ننوح وأما الحزن المحمود فهو حزن الإنسان على تقصيره في أمر دينه وبكاؤه على خطاياه والبكاء والتباكي والحزن والتحازن على ذلك محمود وعليه بكاء آدم عليه السلام وتحريك هذا الحزن وتقويته محمود لأنه يبعث على التشمير للتدارك ولذلك كانت نياحة داود عليه السلام محمودة إذ كان ذلك مع دوام الحزن وطول البكاء بسبب الخطايا والذنوب فقد كان عليه السلام يبكي ويبكي ويحزن حتى كانت الجنائز ترفع من مجالس نياحته وكان يفعل ذلك بألفاظه وألحانه وذلك محمود لأن المفضى إلى المحمود محمود وعلى هذا لا يحرم على الواعظ الطيب الصوت أن ينشد على المنبر بألحانه الأشعار المحزنة المرققة للقلب ولا أن يبكى ويتباكى ليتوصل به إلى تبكية غيره وإثارة حزنه . الخامس : السماع في أوقات السرور تأكيدا للسرور وتهييجا له وهو مباح إن كان ذلك السرور مباحا كالغناء في أيام العيد وفي العرس وفي وقت قدوم الغائب وفي وقت الوليمة والعقيقة وعند ولادة المولود وعند ختانه وعند حفظه القرآن العزيز وكل ذلك مباح لأجل إظهار السرور به ووجه جوازه أن من الألحان ما يثير الفرح والسرور والطرب فكل ما جاز السرور به جاز إثاره السرور فيه ويدل على هذا من النقل إنشاد النساء على السطوح بالدف والألحان عند قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث إنشاد النساء عند قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع أخرجه البيهقي في دلائل النبوة من حديث عائشة معضلا وليس فيه ذكر الدف والالحان طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع فهذا إظهار السرور لقدومه صلى الله عليه وسلم وهو سرور محمود فإظهاره بالشعر والنغمات والرقص والحركات أيضا محمود فقد نقل عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم حجلوا في سرور أصابهم حديث حجل جماعة من الصحابة في سرور أصابهم أخرجه أبو داود من حديث على وسيأتي في الباب الثاني كما سيأتي في أحكام الرقص وهو جائز في قدوم كل قادم يجوز الفرح به وفي كل سبب مباح من أسباب السرور ويدل على هذا ما روي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأمه حديث عائشة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد الحديث هو كما ذكره المصنف أيضا في الصحيحين لكن قوله إنه فيهما من رواية عقيل عن الزهري ليس كما ذكر بل هو عند البخاري كما ذكر وعند مسلم من رواية عمرو بن الحارث عنه فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو إشارة إلى طول مدة وقوفها وروى البخاري ومسلم أيضا في صحيحيهما حديث عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر رضي الله عنه فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه وقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وقالت عائشة رضى الله عنها رأيت صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمنا يا بني أرفدة حديث عائشة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بثوبه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمنا يا بني أرفدة تقدم قبله بحديث دون زجر عمر لهم إلى آخره فرواه مسلم من حديث أبي هريرة دون قوله أمنا يا بني أرفدة بل قال دعهم يا عمر زاد النسائي فإنما هم بنو أرفدة ولهما من حديث عائشة دونكم بني أرفدة وقد ذكره المصنف بعد هذا يعني من الأمن ومن حديث عمرو بن الحرث عن ابن شهاب نحوه وفيه تغنيان وتضربان حديث عمرو بن الحارث عن ابن شهاب نحوه وفيه يغنيان ويضربان رواه مسلم وهو عند البخاري من رواية الأوزاعي عن ابن شهاب وفي حديث أبي طاهر عن ابن وهب والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسترني بثوبه أو بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا الذي أنصرف حديث أبي طاهر عن ابن وهب والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم الحديث رواه مسلم أيضا وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وكان يأتيني صواحب لي فكن يتقنعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر لمجيئهن إلى فيلعبن معي حديث عائشة كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وهو في الصحيحين كماذكر المصنف لكن مختصر إلى قولها فيلعبن معى وأما الرواية المطولة التى ذكرها المصنف بقوله وفي رواية فليست من الصحيحين إنما رواها أبو داود بإسناد صحيح وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوما ما هذا قالت بناتي قال فما هذا الذي أرى في وسطهن قالت فرس قال ما هذا الذي عليه قالت جناحان قال فرس له جناحان قالت أو ما سمعت أنه كان لسليمان بن داود عليه السلام خيل لها أجنحة قالت فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه والحديث محمول عندنا على عادة الصبيان في اتخاذ الصورة من الخزف والرقاع من غير تكميل صورته بدليل ما روى في بعض الروايات أن الفرس كان له جناحان من رقاع وقالت عائشة رضي الله عنها دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر رضي الله عنه فانتهرني وقال مزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا حديث عائشة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث الحديث هو في الصحيحين كما ذكر المصنف والرواية التي عزاها لمسلم انفرد بها مسلم كما ذكر وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال تشتهين تنظرين فقلت نعم فأقامني وراءه وخدي على خده ويقول دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت قال حسبك قلت نعم قال فاذهبي وفي صحيح مسلم فوضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتى كنت أنا الذي انصرفت فهذه الأحاديث كلها في الصحيحين وهو نص صريح في أن الغناء واللعب ليس بحرام وفيها دلالة على أنواع من الرخص : الأول : اللعب ولا يخفى عادة الحبشة في الرقص واللعب . والثاني : فعل ذلك في المسجد . والثالث : قوله صلى الله عليه وسلم دونكم يا بني أرفدة وهذا أمر باللعب والتماس له فكيف يقدر كونه حراما. والرابع : منعه لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما عن الإنكار والتغيير وتعليله بأنه يوم عيد أي هو وقت سرور وهذا من أسباب السرور. والخامس : وقوفه طويلا في مشاهدة ذلك وسماعه لموافقة عائشة رضي الله عنها وفيه دليل على أن حسن الخلق في تطييب قلوب النساء والصبيان بمشاهدة اللعب أحسن من خشونة الزهد والتقشف في الامتناع والمنع منه. والسادس : قوله صلى الله عليه وسلم ابتداء لعائشة أتشتهين أن تنظري ولم يكن ذلك عن اضطرار إلى مساعدة الأهل خوفا من غضب أو وحشة فإن الإلتماس إذا سبق ربما كان الرد سبب وحشة وهو محذور فيقدم محذور على محذور فأما ابتداء السؤال فلا حاجة فيه. والسابع : الرخصة في الغناء والضرب بالدف من الجاريتين مع أنه شبه ذلك بمزمار الشيطان وفيه بيان أن المزمار المحرم غير ذلك. والثامن : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرع سمعه صوت الجاريتين وهو مضطجع ولو كان يضرب بالأوتار في موضع لما جوز الجلوس ثم لقرع صوت الأوتار سمعه فيدل هذا على أن صوت النساء غير محرم تحريم صوت المزامير بل إنما يحرم عند خوف الفتنة فهذه المقاييس والنصوص تدل على إباحة الغناء والرقص والضرب بالدف واللعب بالدرق والحراب والنظر إلى رقص الحبشة والزنوج في أوقات السرور كلها قياسا على يوم العيد فإنه وقت سرور وفي معناه يوم العرس والوليمة والعقيقة والختان ويوم القدوم من السفر وسائر أسباب الفرح وهو كل ما يجوز به الفرح شرعا ويجوز الفرح بزيارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم في موضع واحد على طعام أو كلام فهو أيضا مظنه السماع.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 4:49 pm | |
| السادس : سماع العشاق تحريكا للشوق وتهييجا للعشق وتسلية للنفس فإن كان في مشاهدة المعشوق فالغرض تأكيد اللذة وإن كان مع المفارقة فالغرض تهييج الشوق والشوق وإن كان ألما ففيه نوع لذة إذا انضاف إليه رجاء الوصال فإن الرجاء لذيذ واليأس مؤلم وقوة لذة الرجاء بحسب قوة الشوق والحب للشيء المرجو ففي هذا السماع تهييج العشق وتحريك الشوق وتحصيل لذة الرجاء المقدر في الوصال مع الإطناب في وصف حسن المحبوب وهذا حلال إن كان المشتاق إليه ممن يباح وصاله كمن يعشق زوجته أو سريته فيصغى إلى غنائها لتضاعف لذته في لقائها فيحظى بالمشاهدة البصر وبالسماع الأذن ويفهم لطائف معاني الوصال والفراق القلب فتترادف أسباب اللذة فهذه أنواع تمتع من جملة مباحات الدنيا ومتاعها وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وهذا منه وكذلك إن غضبت منه جارية أو حيل بينه وبينها بسبب من الأسباب فله أن يحرك بالسماع شوقه وأن يستثير به لذة رجاء الوصال فإن باعها أو طلقها حرم عليه ذلك بعده إذ لا يجوز تحريك الشوق حيث لا يجوز تحقيقه بالوصال واللقاء وأما من يتمثل في نفسه صورة صبي أو امرأة لا يحل له النظر إليها وكان ينزل ما يسمع على ما تمثل في نفسه فهذا حرام لأنه محرك للفكر في الأفعال المحظورة ومهيج للداعية إلى ما لا يباح الوصول إليه وأكثر العشاق والسفهاء من الشباب في وقت هيجان الشهوة لا ينفكون عن إضمار شيء من ذلك وذلك ممنوع في حقهم لما فيه من الداء الدفين لا لأمر يرجع إلى نفس السماع ولذلك سئل حكيم عن العشق فقال دخان يصعد إلى دماغ الإنسان يزيله الجماع ويهيجه السماع. السابع : سماع من أحب الله وعشقه واشتاق إلى لقائه فلا ينظر إلى شيء إلا رآه فيه سبحانه ولا يقرع سمعه قارع إلا سمعه منه أو فيه فالسماع في حقه مهيج لشوقه ومؤكد لعشقه وحبه ومور زناد قلبه ومستخرج منه احوالا من المكاشفات والملاطفات لا يحيط الوصف بها يعرفها من ذاقها وينكرها من كل حسه عن ذوقها وتسمى تلك الأحوال بلسان الصوفية وجدا مأخوذ من الوجود والمصادفة أي صادف من نفسه أحوالا لم يكن يصادفها قبل السماع ثم تكون تلك الأحوال اسبابا لروادف وتوابع لها تحرق القلب بنيرانها وتنقيه من الكدورات كما تنقى النار الجواهر المعروضة عليها من الخبث ثم يتبع الصفاء الحاصل به مشاهدات ومكاشفات وهي غاية مطالب المحبين لله تعالى ونهاية ثمرة القربات كلها فالمفضي إليها من جملة القربات لا من جملة المعاصي والمباحات وحصول هذه الأحوال للقلب بالسماع سببه سر الله تعالى في مناسبة النغمات الموزونة للأرواح وتسخير الأرواح لها وتأثرها بها شوقا وفرحا وحزنا وانبساطا وانقباضا ومعرفة السبب في تأثر الأرواح بالاصوات من دقائق علوم المكاشفات والبليد الجامد القاسي القلب المحروم عن لذة السماع يتعجب من التذاذ المستمع ووجده واضطراب حاله وتغير لونه تعجب البهيمة من لذة اللوزينج وتعجب العنين من لذة المباشرة وتعجب الصبي من لذة الرياسة واتساع أسباب الجاه وتعجب الجاهل من لذة معرفة الله تعالى ومعرفة جلاله وعظمته وعجائب صنعه ولكل ذلك سبب واحد وهو أن اللذة نوع إدراك والإدراك يستدعي مدركا ويستدعي قوة مدركة فمن لم تكمل قوة إدراكه لم يتصور منه التلذذ فكيف يدر لذة الطعوم من فقد الذوق وكيف يدرك لذة الألحان من فقد السمع ولذة المعقولات من فقد العقل وكذلك ذوق السماع بالقلب بعد وصول الصوت إلى السمع يدرك بحاسة باطنة في القلب فمن فقدها عدم لا محالة لذته ولعلك تقول كيف يتصور العشق في حق الله تعالى حتى يكون السماع محركا له فاعلم أن من عرف الله احبه لا محالة ومن تأكدت معرفته تأكدت محبته بقدر تأكد معرفته والمحبة إذا تأكدت سميت عشقا فلا معنى للعشق إلا محبة مؤكدة مفرطة ولذلك قالت العرب إن محمدا قد عشق ربه لما رأوه يتخلى للعبادة في جبل حراء واعلم أن كل جمال محبوب عند مدرك ذلك الجمال والله تعالى جميل يحب الجمال ولكن الجمال إن كان بتناسب الخلقة وصفاء اللون أدرك بحاسة البصر وإن كان الجمال بالجلال والعظمة وعلو الرتبة وحسن الصفات والأخلاق وإرادة الخيرات لكافة الخلق وإفاضتها عليهم على الدوام إلى غير ذلك من الصفات الباطنة أدرك بحاسة القلب ولفظ الجمال قد يستعار أيضا لها فيقال إن فلانا حسن وجميل ولا تراد صورته وإنما يعني به أنه جميل الأخلاق محمود الصفات حسن السيرة حتى قد يحب الرجل بهذه الصفات الباطنة استحسانا لها كما تحب الصورة الظاهرة وقد تتأكد هذه المحبة فتسمى عشقا وكم من الغلاة في حب أرباب المذاهب كالشافعي ومالك وأبي حنيفة رضي الله عنهم حتى يبذلوا أموالهم وأرواحهم في نصرتهم وموالاتهم ويزيدوا على كل عاشق في الغلو والمبالغة ومن العجب أن يعقل عشق شخص لم تشاهد قط صورته أجميل هو أم قبيح وهو الآن ميت ولكن لجمال صورته الباطنة وسيرته المرضية والخيرات الحاصلة من عمله لأهل الدين وغير ذلك من الخصال ثم لا يعقل عشق من ترى الخيرات منه بل على التحقيق من لا خير ولا جمال ولا محبوب في العالم إلا وهو حسنة من حسناته وأثر من آثار كرمه وغرفة من بحر جوده بل كل حسن وجمال في العالم أدرك بالعقول والأبصار والأسماع وسائر الحواس من مبتدإ العالم إلى منقرضه ومن ذروة الثريا إلى منتهى الثرى فهو ذرة من خزائن قدرته ولمعة من أنوار حضرته فليت شعري كيف لا يعقل حب من هذا وصفه وكيف لا يتأكد عند العارفين بأوصافه حبه حتى يجاوز حدا يكون إطلاق اسم العشق عليه ظلما في حقه لقصوره عن الإنباء عن فرط محبته فسبحان من احتجب عن الظهور بشدة ظهوره واستتر عن الأبصار بإشراق نوره ولولا احتجابه بسبعين حجابا من نوره لاحرقت سبحات وجهه أبصار الملاحظين لجمال حضرته ولولا أن ظهوره سبب خفائه لبهتت العقول ودهشت القلوب وتخاذلت القوى وتنافرت الأعضاء ولوركبت القلوب من الحجارة والحديد لأصبحت تحت مبادى أنوار تجليله دكادكا فأنى تطيق كنه نور الشمس أبصار الخفافيش وسيأتي تحقيق هذه الإشارة في كتاب المحبة ويتضح أن محبة غير الله تعالى قصور وجهل بل المتحقق بالمعرفة لا يعرف غير الله تعالى إذ ليس في الوجود تحقيقا إلا الله وأفعاله ومن عرف الأفعال من حيث إنها أفعال لم يجاوز معرفة الفاعل إلى غيره فمن عرف الشافعي مثلا رحمه الله وعلمه وتصنيفه من حيث إنه تصنيفه لا من حيث إنه بياض وجلد وحبر وورق وكلام منظوم ولغة عربية فلقد عرفه ولم يجاوز معرفة الشافعي إلى غيره ولا جاوزت محبته إلى غيره فكل موجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وفعله وبديع أفعاله فمن عرفها من حيث هي صنع الله تعالى فرأى من الصنع صفات الصانع كما يرى من حسن التصنيف فضل المصنف وجلالة قدره كانت معرفته ومحبته مقصورة على الله تعالى غير مجاوزة إلى سواه ومن حد هذا العشق أنه لا يقبل الشركة وكل ما سوى هذا العشق فهو قابل للشركة إذ كل محبوب سواه يتصور له نظير إما في الوجود وإما في الإمكان فأما هذا الجمال فلا يتصور له ثان لا في الإمكان ولا في الوجود فكان اسم العشق على حب غيره مجازا محضالا حقيقة نعم الناقص القريب في نقصانه من البهيمة قد لا يدرك من لفظة العشق إلا طلب الوصال الذي هو عبارة عن تماس ظواهر الأجسام وقضاء شهوة الوقاع فمثل هذا الحمار ينبغي أن لا يستعمل معه لفظة العشق والشوق والوصال والأنس بل يجنب هذه الألفاظ والمعاني كما تجنب البهيمة النرجس والريحان وتخصص بالفت والحشيش وأوراق القضبان فإن الألفاظ إنما يجوز إطلاقها في حق الله تعالى إذا لم تكن موهمة معنى يجب تقديس الله تعالى عنه والأوهام تختلف باختلاف الأفهام فليتنبه لهذه الدقيقة في أمثال هذه الألفاظ بل لا يبعد أن ينشأ من مجرد السماع لصفات الله تعالى وجد غالب يقطع بسببه نياط القلب فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر غلاما كان في بني إسرائيل على جبل فقال لأمه من خلق السماء قالت الله عز وجل قال فمن خلق الأرض قالت الله عز وجل قال فمن خلق الجبال قالت الله عز وجل قال فمن خلق الغيم قالت الله عز وجل قال إني لأسمع لله شأنا ثم رمى بنفسه من الجبل فتقطع حديث أبي هريرة إن غلاما كان في بني إسرائيل على جبل فقال لأمه من خلق السماء فقالت الله الحديث وفيه ثم رمى نفسه من الجبل فتقطع رواه ابن حبان وهذا كأنه سمع ما دل على جلال الله تعالى وتمام قدرته فطرب لذلك ووجد فرمى بنفسه من الوجد وما أنزلت الكتب إلا ليطربوا بذكر الله تعالى قال بعضهم رأيت مكتوبا في الإنجيل غنينا لكم فلم تطربوا وزمرنا لكم فلم ترقصا أي شوقناكم بذكر الله تعالى فلم تشتاقوا فهذا ما أردنا أن نذكره من أقسام السماع وبواعثه ومقتضياته
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 4:51 pm | |
| وقد ظهر على القطع إباحته في بعض المواضع والندب إليه في بعض المواضع فإن قلت فهل له حالة يحرم فيها فأقول إنه يحرم بخمسة عوارض : عارض في المسمع وعارض في آلة الإسماع وعارض في نظم الصوت وعارض في نفس المستمع أو في مواظبته وعارض في كون الشخص من عوام الخلق لأن أركان السماع هي المسمع والمستمع وآلة الإسماع .
العارض الأول : أن يكون المسمع امرأة لا يحل النظر إليها وتخشى الفتنة من سماعها وفي معناها الصبي الأمرد الذي تخشى فتنته وهذا حرام لما فيه من خوف الفتنة وليس ذلك لأجل الغناء بل لو كانت المرأة بحيث يفتتن بصوتها في المحاورة من غير ألحان فلا يجوز محاورتها ومحادثتها ولا سماع صوتها في القرآن أيضا وكذلك الصبي الذي تخاف فتنته فإن قلت فهل تقول إن ذلك حرام بكل حال حسما للباب : أولا : يحرم إلا حيث تخاف الفتنة في حق من يخاف العنت فأقول هذه مسألة محتملة من حيث الفقه يتجاذبها أصلان أحدهما أن الخلوة بالأجنبية والنظر إلى وجهها حرام سواء خيفت الفتنة أو لم تخف لأنها مظنة الفتنة على الجملة فقضى الشرع بحسم الباب من غير التفات إلى الصور . والثاني : أن النظر إلى الصبيان مباح إلا عند خوف الفتنة فلا يلحق الصبيان بالنساء في عموم الحسم بل يتبع فيه الحال وصوت المرأة دائر بين هذين الأصلين فإن قسناه على النظر إليها وجب حسم الباب وهو قياس قريب ولكن بينهما فرق إذ الشهوة تدعو إلى النظر في أول هيجانها ولا تدعو إلى سماع الصوت وليس تحريك النظر لشهوة المماسة كتحريك السماع بل هو أشد وصوت المرأة في غير الغناء ليس بعورة فلم تزل النساء في زمن الصحابة رضي الله عنهم يكلمن الرجال في السلام والاستفتاء والسؤال والمشاورة وغير ذلك ولكن للغناء مزيد أثر في تحريك الشهوة فقياس هذا على النظر إلى الصبيان أولى لأنهم لم يؤمروا بالاحتجاب كما لم تؤمر النساء بستر الأصوات فينبغي أن يتبع مثار الفتن ويقصر التحريم عليه هذا هو الأقيس عندي ويتأيد بحديث الجاريتين المغنيتين في بيت عائشة رضي الله عنها إذ يعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يسمع أصواتهما ولم يحترز منه ولكن لم تكن الفتنة مخوفة عليه فلذلك لم يحترز فإذن يختلف هذا بأحوال المرأة وأحوال الرجل في كونه شابا وشيخا ولا يبعد أن يختلف الأمر في مثل هذا بالأحوال فإنا نقول للشيخ أن يقبل زوجته وهو صائم وليس للشاب ذلك لأن القبلة تدعو إلى الوقاع في الصوم وهو محظور والسماع يدعو إلى النظر والمقاربة وهو حرام فيختلف ذلك أيضا بالأشخاص العارض الثاني : في الآلة بأن تكون من شعار أهل الشرف أو المخنثين وهي المزامير والأوتار وطبل الكوبة فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدف وإن كان فيه الجلاجل وكالطبل والشاهين والضرب بالقضيب وسائر الآلات العارض الثالث : في نظم الصوت وهو الشعر فإن كان فيه شيء من الخنا والفحش والهجو أو ما هو كذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم أو على الصحابة رضي الله عنهم كما رتبه الروافض في هجاء الصحابة وغيرهم فسماع ذلك حرام بألحان وغير ألحان والمستمع شريك للقائل وكذلك ما فيه وصف امرأة بعينها فإنه لا يجوز وصف المرأة بين الرجال وأما هجاء الكفار وأهل البدع فذلك جائز فقد كان حسان بن ثابت رضي الله عنه ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهاجى الكفار وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك حديث أمره صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت بهجاء المشركين متفق عليه من حديث البراء أنه صلى الله عليه وسلم قال لحسان اهجهم أو هاجهم وجبريل معك فأما النسيب وهو التشبيه بوصف الخدود والأصداغ وحسن القد والقامة وسائر أوصاف النساء فهذا فيه نظر والصحيح أنه لا يحرم نظمه وإنشاده بلحن وغير لحن وعلى المستمع أن لا ينزله على امرأة معينة فإن نزله فلينزله على من يحل له من زوجته وجاريته فإن نزله على أجنبية فهو العاصي بالتنزيل وإحالة الفكر فيه ومن هذا وصفه فينبغي أن يجتنب السماع رأسا فإن من غلب عليه عشق نزل كل ما يسمعه عليه سوء كان اللفظ مناسبا له أو لم يكن إذ ما من لفظ إلا ويمكن تنزيله على معان بطريق الإستعارة فالذي يغلب على قلبه حب الله تعالى يتذكر بسواد الصدغ مثلا ظلمة الكفر وبنضارة الخد نور الإيمان وبذكر الوصال لقاء الله تعالى وبذكر الفراق الحجاب عن الله تعالى في زمرة المردودين وبذكر الرقيب المشوش لروح الوصال عوائق الدنيا وآفاتها المشوشة لدوام الأنس بالله تعالى ولا يحتاج في تنزيل ذلك عليه إلى استنباط وتفكر ومهلة بل تسبق المعاني الغالبة على القلب إلى فهمه مع اللفظ كما روى عن بعض الشيوخ أنه مر في السوق فسمع واحدا يقول الخيار عشرة بحبة فغلبه الوجد فسئل عن ذلك فقال إذا كان الخيار عشرة بحبة فما قيمة الأشرار واجتاز بعضهم في السوق فسمع قائلا يقول يا سعتر برى فغلبه الوجد فقيل له على ماذا كان وجدك فقال سمعته كأنه يقول اسع ترى برى حتى إن العجمى قد يغلب عليه الوجد على الأبيات المنظومة بلغة العرب فإن بعض حروفها يوازن الحروف العجمية فيفهم منها معان أخر أنشد بعضهم وما زارني في الليل إلا خياله فتواجد عليه رجل أعجمي فسئل عن سبب وجده فقال إنه يقول ما زاريم وهو كما يقول فإن لفظ زار يدل في العجمية على المشرف على الهلاك فتوهم أنه يقول كلنا مشرفون على الهلاك فاستشعر عند ذلك خطر هلاك الآخرة والمحترق في حب الله تعالى وجده بحسب فهمه وفهمه بحسب تخيله وليس من شرط تخيله أن يوافق مراد الشاعر ولغته فهذا الوجد حق وصدق ومن استشعر خطر هلاك الآخرة فجدير بأن يتشوش عليه عقله وتضطرب عليه اعضاؤه فإذن ليس في تغيير أعيان الألفاظ كبير فائدة بل الذي غلب عشق مخلوق ينبغي أن يحترز من السماع بأي لفظ كان والذي غلب عليه حب الله تعالى فلا تضره الألفاظ ولا تمنعه عن فهم المعاني اللطيفة المتعلقة بمجاري همته الشريفة
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 4:52 pm | |
| العارض الرابع : في المستمع وهو أن تكون الشهوة غالبة عليه وكان في غرة الشباب وكانت هذه الصفة أغلب عليه من غيرها فالسماع حرام عليه سواء غلب على قلبه حب شخص معين أو لم يغلب فإنه كيفما كان فلا يسمع وصف الصدغ والخد والفراق والوصال إلا ويحرك ذلك شهوته وينزله على صورة معينة ينفخ الشيطان بها في قلبه فتشتعل فيه نار الشهوة وتحتد بواعث الشر وذلك هو النصرة لحزب الشيطان والتخذيل للعقل المانع منه الذي هو حزب الله تعالى والقتال في القلب دائم جنود الشيطان وهي الشهوات وبين حزب الله تعالى وهو نور العقل إلا في قلب قد فتحه أحد الجندين واستولى عليه بالكلية وغالب القلوب الآن قد فتحها جند الشيطان وغلب عليها فتحتاج حينئذ إلى أن تستأنف أسباب القتال لإزعاجها فكيف يجوز تكثير أسلحتها وتشحيذ سيوفها وأسنتها والسماع مشحذ لأسلحة جند الشيطان في حق مثل هذا الشخص فليخرج مثل هذا عن مجمع السماع فإنه يستضر به العارض الخامس : أن يكون الشخص من عوام الخلق ولم يغلب عليه حب الله تعالى فيكون السماع له محبوبا ولو غلبت عليه شهوة فيكون في حقه محظورا ولكنه أبيح في حقه كسائر أنواع اللذات المباحة إلا أنه إذا اتخذه ديدنه وهجيراه وقصر عليه أكثر أوقاته فهذا هو السفيه الذي ترد شهادته فإن المواظبة على اللهو جناية وكما أن الصغيرة بالإصرار والمداومة تصير كبيرة فكذلك بعض المباحات بالمداومة تصير صغيرة وهو كالمواظبة على متابعة الزنوج والحبشة والنظر إلى لعبهم على الدوام فإنه ممنوع وإن لم يكن أصله ممنوعا إذ فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هذا القبيل اللعب بالشطرنج فإنه مباح ولكن المواظبة عليه مكروهة كراهة شديدة ومهما كان الغرض اللعب والتلذذ باللهو فذلك إنما يباح لما فيه من ترويح القلب إذ راحة القلب معالجة له في بعض الأوقات لتنبعث دواعيه فيشتغل في سائر الأوقات بالجد الدنيا كالكسب والتجارة أو في الدين كالصلاة والقراءة واستحسان ذلك فيما بين تضاعيف الجد كاستحسان الخال على الخد ولو استوعبت الخيلان في الوجه لشوهته فما أقبح ذلك فيعود الحسن قبحا بسبب الكثرة فما كل حسن يحسن كثيره ولا كل مباح يباح كثيره بل الخبز مباح والاستكثار منه حرام فهذا المباح كسائر المباحات فإن قلت فقد أدى مساق هذا الكلام إلى أنه مباح في بعض الأحوال دون بعض فلم أطلقت القول أولا بالاباحة إذ إطلاق القول في المفصل بلا أو بنعم خلف وخطأ فاعلم أن هذا غلط لأن الإطلاق إنما يمتنع لتفصيل ينشأ من غير ما فيه النظر فأما ما ينشأ من الأحوال العارضة المتصلة به من خارج فلا يمنع الإطلاق ألا ترى أنا إذا سئلنا عن العسل أهو حلال أم لا قلنا إنه حلال على الإطلاق مع أنه حرام على المحرور الذي يستضر به وإذا سئلنا عن الخمر قلنا إنها حرام مع إنها تحل لمن غص بلقمة أن يشربها مهما لم يجد غيرها ولكن هي من حيث إنها خمر حرام وإنما ابيحت لعارض الحاجة والعسل من حيث إنه عسل حلال وإنما حرم لعارض الضرر وما يكون لعارض فلا يلتفت إليه فإن البيع حلال ويحرم بعارض الوقوع في وقت النداء يوم الجمعة ونحوه من العوارض والسماع من جملة المباحات من حيث إنه سماع صوت طيب موزون مفهوم وإنما تحريمه لعارض خارج عن حقيقة ذاته فإذا انكشف الغطاء عن دليل الإباحة فلا نبالي بمن يخالف بعد ظهور الدليل وأما الشافعي رضي الله عنه فليس تحريم الغناء من مذهبه أصلا وقد نص الشافعي وقال في الرجل يتخذه صناعة لا تجوز شهادته وذلك لأنه من اللهو المكروه الذي يشبه الباطل ومن اتخذه صنعة كان منسوبا إلى السفاهة وسقوط المروءة وإن لم يكن محرما بين التحريم فإن كان لا ينسب نفسه إلى الغناء ولا يؤتى لذلك ولا يأتى لأجله وإنما يعرف بأنه قد يطرب في الحال فيترنم بها لم يسقط هذا مروءته ولم يبطل شهادته واستدل بحديث الجاريتين اللتين كانتا تغنيان في بيت عائشة رضي الله عنها وقال يونس بن عبد الأعلى سألت الشافعي رحمه الله عن إباحة أهل المدينة للسماع فقال الشافعي لا أعلم أحدا من علماء الحجاز كره السماع إلا ما كان منه في الأوصاف فأما الحداء وذكر الأطلال والمرابع وتحسين الصوت بألحان الأشعار فمباح وحيث قال إنه لهو مكروه يشبه الباطل فقوله لهو صحيح ولكن اللهو من حيث إنه لهو ليس بحرام فلعب الحبشة ورقصهم لهو وقد كان صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ولا يكرهه بل اللهو واللغو لا يؤاخذ الله تعالى به إن عنى به أنه فعل ما لا فائدة فيه فإن الإنسان لو وظف على نفسه أن يضع يده على رأسه في اليوم مائة مرة فهذا عبث لا فائدة له ولا يحرم قال الله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فإذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء على طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم والمخالفة فيه مع أنه لا فائدة فيه لا يؤاخذ فكيف يؤاخذ به بالشعر والرقص وأما قوله يشبه الباطل فهذا لا يدل على اعتقاد تحريمه بل لو قال هو باطل صريحا لما دل على التحريم وإنما يدل على خلوه عن الفائدة فالباطل ما لا فائدة فيه فقول الرجل لامرأته مثلا بعت نفسي منك وقولها اشتريت عقد باطل مهما كان القصد اللعب والمطايبة وليس بحرام إلا إذا قصد به التمليك المحقق منع الشرع منه وأما قوله مكروه فينزل بعض المواضع التي ذكرتها لك أو ينزل على التنزيه فإنه نص على إباحة لعب الشطرنج وذكر أنى أكره لعب وتعليله يدل عليه فإنه قال ليس ذلك من عادة ذوي الدين والمروءة فهذا يدل على التنزيه ورده الشهادة بالمواظبة عليه لا يدل على تحريمه أيضا بل قد ترد الشهادة بالأكل في السوق وما يحرم المروءة بل الحياكة مباحة وليست من صنائع ذوي المروءة وقد ترد شهادة المحترف بالحرفة الخسيسة فتعليله يدل على أنه أراد بالكراهة التنزيه وهذا هو الظن أيضا بغيره من كبار الأئمة وإن أرادوا التحريم فما ذكرناه حجة عليهم بيان حجج القائلين بتحريم السماع والجواب عنها احتجوا بقوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال ابن مسعود والحسن البصري والنخعي رضي الله عنهم إن لهو الحديث هو الغناء وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها حديث عائشة إن الله حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف قال البيهقي ليس بمحفوظ فنقول أما القينة فالمراد بها الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب وقد ذكرنا أن غناء الأجنبية للفساق ومن يخاف عليهم الفتنة حرام وهم لا يقصدون بالفتنة إلا ما هو محظور فأما غناء الجارية لمالكها فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة بدليل ما روي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة رضي الله عنها وأما شراء لهو الحديث بالدين استبدالا به ليضل به عن سبيل الله فهو حرام مذموم وليس النزاع فيه وليس كل غناء بدلا عن الدين مشترى به ومضلا عن سبيل الله تعالى وهو المراد في الآية ولو قرأ القرآن ليضل به عن سبيل الله لكان حراما حكي عن بعض المنافقين أنه كان يؤم الناس ولا يقرأ إلا سورة عبس لما فيها من العتاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم عمر بقتله ورأى فعله حراما لما فيه من الإضلال فالإضلال بالشعر والغناء أولى بالتحريم واحتجوا بقوله تعالى أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الغناء بلغة حمير يعني السمد فنقول ينبغي أن يحرم الضحك وعدم البكاء أيضا لأن الآية تشتمل عليه فإن قيل إن ذلك مخصوص بالضحك على المسلمين لإسلامهم فهذا أيضا مخصوص بأشعارهم وغنائهم في معرض الاستهزاء بالمسلمين كما قال تعالى والشعراء يتبعهم الغاوون وأراد به شعراء الكفار ولم يدل ذلك على تحريم نظم الشعر في نفسه واحتجوا بما روى جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى حديث جابر كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى لم أجد له أصلا من حديث جابر وذكره صاحب الفردوس من حديث علي بن أبي طالب ولم يخرجه ولده في مسنده فقد جمع بين النياحة والغناء قلنا لا جرم كما استثنى منه نياحة داود عليه السلام ونياحة المذنبين على خطاياهم فكذلك يستثنى الغناء الذي يراد به تحريك السرور والحزن والشوق حيث يباح تحريكه بل كما استثنى غناء الجاريتين يوم العيد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغناؤهن عند قدومه صلى الله عليه وسلم بقولهن طلع البدر علينا من ثنيات الوداع واحتجوا بما روى أبو أمامة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله له شيطانين على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك حديث أبي أمامة ما رفع أحد عقيرته بغناء إلا بعث الله له شيطانين على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والطبراني في الكبير وهو ضعيف قلنا هو منزل على بعض أنواع الغناء الذي قدمناه وهو الذي يحرك من القلب ما هو مراد الشيطان من الشهوة وعشق المخلوقين فأما ما يحرك الشوق إلى الله أو السرور بالعيد أو حدوث الولد أو قدوم الغائب فهذا كله يضاد مراد الشيطان بدليل قصة الجاريتين والحبشة والأخبار التي نقلناها من الصحاح فالتجويز في موضع واحد نص في الإباحة والمنع في ألف موضع محتمل للتأويل ومحتمل للتنزيل أما الفعل فلا تأويل له إذ ما حرم فعله إنما يحل بعارض الإكراه فقط وما أبيح فعله يحرم بعوارض كثيرة حتى النيات والقصود واحتجوا بما روى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل شيء يلهو به الرجل فهو باطل إلا تأديبه فرسه ورميه بقوسه وملاعبته لامرأته حديث عقبة بن عامر كل شيء يلهو به الرجل فهو باطل إلا تأديبه فرسه ورميه بقوسه وملاعبته زوجته أخرجه أصحاب السنن الأربعة وفيه اضطراب قلنا فقوله باطل لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة وقد يسلم ذلك على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة خارج عن هذه الثلاثة وليس بحرام بل يلحق بالمحصور غير المحصور قياسا كقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث حديث لا يحل دم امرئ إلا بإحدى ثلاث متفق عليه من حديث ابن مسعود فإنه يلحق به رابع وخامس فكذلك ملاعبة امرأته لا فائدة له إلا التلذذ وفي هذا دليل على أن التفرج في البساتين وسماع أصوات الطيور وأنواع المداعبات مما يلهو به الرجل لا يحرم عليه شيء منها وإن جاز وصفه بأنه باطل واحتجوا بقول عثمان رضي الله عنه ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكرى بيميني مذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا فليكن التمني ومس الذكر باليمنى حراما إن كان هذا دليل تحريم الغناء فمن أين يثبت أن عثمان رضي الله عنه كان لا يترك إلا الحرام واحتجوا بقول ابن مسعود رضي الله عنه الغناء ينبت في القلب النفاق وزاد بعضهم كما ينبت الماء البقلحديث ابن مسعود الغناء ينبت النفاق في القلب ما ينبت الماء البقل قال المصنف والمرفوع غير صحيح لأن في إسناده من لم يسم رواه أبو داود وهو في رواية ابن العبد ليس في رواية اللؤلؤى ورواه البيهقى مرفوعا وموقوفا ورفعه بعضهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غير صحيح قالوا ومر على ابن عمر رضي الله عنهما قوم محرمون وفيهم رجل يتغنى فقال ألا لا أسمع الله لكم ألا لا أسمع الله لكم وعن نافع أنه قال كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما في طريق فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق فلم يزل يقول يا نافع أتسمع ذلك حتى قلت لا فأخرج أصبعيه وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنعحديث نافع كنت وابن عمر في طريق فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنية الحديث ورفعه أبو داود وقال هذا حديث منكر وقال الفضيل بن عياض رحمه الله الغناء رقية الزنا وقال بعضهم الغناء رائد من رواد الفجور وقال يزيد بن الوليد إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد الشهوة ويهدم المروءة وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعله السكر فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا فنقول قول ابن مسعود رضي الله عنه ينبت النفاق أراد به في حق المغنى فإنه في حقه ينبت النفاق إذ غرضه كله أن يعرض نفسه على غيره ويروج صوته عليه ولا يزال ينافق ويتودد إلى الناس ليرغبوا في غنائه وذلك أيضا لا يوجب تحريما فإن لبس الثياب الجميلة وركوب الخيل المهملجة وسائر أنواع الزينة والتفاخر بالحرث والأنعام والزرع وغير ذلك ينبت في القلب النفاق والرياء ولا يطلق القول بتحريم ذلك كله فليس السبب في ظهور النفاق في القلب المعاصي فقط بل المباحات التي هي مواقع نظر الخلق أكثر تأثيرا ولذلك نزل عمر رضي الله عنه عن فرس هملج تحته وقطع ذنبه لأنه استشعر في نفسه الخيلاء لحسن مطيته فهذا النفاق من المباحات وأما قول ابن عمر رضي الله عنهما ألا لا أسمع الله لكم فلا يدل على التحريم من حيث إنه غناء بل كانوا محرمين ولا يليق بهم الرفث وظهر له من مخايلهم أن سماعهم لم يكن لوجد وشوق إلى زيارة بيت الله تعالى بل لمجرد اللهو فأنكر ذلك عليهم لكونه منكرا بالإضافة إلى حالهم وحال الإحرام وحكايات الأحوال تكثر فيها وجوه الاحتمال وأما وضعه أصبعيه في أذنيه فيعارضه أنه لم يأمر نافعا بذلك ولا أنكر عليه سماعه وإنما فعل ذلك هو لأنه رأى أن ينزه سمعه في الحال وقلبه عن صوت ربما يحرك اللهو ويمنعه عن فكر كان فيه أو ذكر هو أولى منه وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يمنع ابن عمر لا يدل أيضا على التحريم بل يدل على أن الأولى تركه ونحن نرى أن الأولى تركه في أكثر الأحوال بل أكثر مباحات الدنيا الأولى تركها إذا علم أن ذلك يؤثر في القلب فقد خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الصلاة ثوب أبي جهم إذ كانت عليه أعلام شغلت قلبه حديث خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الصلاة ثوب أبي جهم إذ كان عليه أعلام شغلت قلبه تقدم في الصلاة أفترى أن ذلك يدل على تحريم الأعلام على الثوب فلعله صلى الله عليه وسلم كان في حالة كان صوت زمارة الراعي يشغله عن تلك الحالة كما شغله العلم عن الصلاة بل الحاجة إلى استثارة الأحوال الشريفة من القلب بحيلة السماع قصور بالإضافة إلى من هو دائم الشهود للحق وإن كان كمالا بالإضافة إلى غيره ولذلك قال الحصرى ماذا أعمل بسماع ينقطع إذا مات من يسمع منه إشارة إلى أن السماع من الله تعالى هو الدائم فالأنبياء عليهم السلام على الدوام في لذة السمع والشهود فلا يحتاجون إلى التحريك بالحيلة واما قول الفضيل هو رقية الزنا وكذلك ما عداه من الأقاويل القريبة منه فهو منزل على سماع الفساق والمغتلمين من الشبان ولو كان ذلك عاما لما سمع من الجاريتين في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما القياس فغاية ما يذكر فيه أن يقاس على الأوتار وقد سبق الفرق أو يقال هو لهو ولعب وهو كذلك ولكن الدنيا كلها لهو ولعب قال عمر رضي الله عنه لزوجته إنما أنت لعبة في زاوية البيت وجميع الملاعبة مع النساء لهو إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد وكذلك المزح الذي لا فحش فيه حلال نقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة كما سيأتى تفصيله في كتاب آفات اللسان إن شاء الله تعالى حديث مزاحه صلى الله عليه وسلم يأتي في آفات اللسان كما قال المصنف وأي لهو يزيد على لهو الحبشة والزنوج في لعبهم وقد ثبت بالنص إباحته على أنى أقول اللهو مروح للقلب ومخفف عنه أعباء الفكر والقلوب إذا أكرهت عميت وترويحها إعانة لها على الجد فالمواظب على التفقة مثلا ينبغي أن يتعطل يوم الجمعة لأن عطلة يوم تبعث على النشاط في سائر الأيام والمواظب على نوافل الصلوات في سائر الأوقات ينبغى أن يتعطل في بعض الأوقات ولأجله كرهت الصلاة في بعض الأوقات فالعطلة معونة على العمل واللهو معين على الجد ولا يصبر على الجد المحض والحق المر إلا نفوس الأنبياء عليهم السلام فاللهو دواء القلب من داء الإعياء والملال فينبغي أن يكون مباحا ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه كما لا يستكثر من الدواء فإذا اللهو على هذه النية يصير قربة هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة فينبغي أن يستحب له ذلك ليتوصل به إلى المقصود الذي ذكرناه نعم هذا يدل على نقصان عن ذروة الكمال فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين ومن أحاط بعلم علاج القلوب ووجوه التلطف بها لسياقتها إلى الحق علم قطعا أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غنى عنه .
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 5:07 pm | |
| الباب الثاني
آثار السماع وآدابه
اعلم أن أول درجة السماع فهم المسموع وتنزيله على معنى يقع للمستمع ثم يثمر الفهم الوجد ويثمر الوجد الحركة بالجوارح فلينظر في هذه المقامات الثلاثة :
المقام الأول في الفهم وهو يختلف باختلاف أحوال المستمع وللمستمع أربعة أحوال :
احداها : أن يكون سماع بمجرد الطبع أي لاحظ له في السماع إلا استلذاذ الالحان والنغمات وهذا مباح وهو أخسر رتب السماع إذ الإبل شريكه له فيه وكذا سائر البهائم بل لا يستدعي هذا الذوق إلا الحياة فلكل حيوان نوع تلذذ بالأصوات الطيبة .
الحالة الثانية : أن يسمع بفهم ولكن ينزله على صورة مخلوق إما معينا وإما غير معين وهو سماع الشباب وأرباب الشهوات ويكون تنزيلهم للمسموع على حسب شهواتهم ومقتضى أحوالهم وهذه الحالة أخس من أن نتكلم فيها إلا ببيان خستها والنهي عنها .
الحالة الثالثة : أن ينزل ما يسمعه على أحوال نفسه في معاملته لله تعالى وتقلب أحواله في التمكن مرة والتعذر أخرى وهذا سماع المريدين لا سيما المبتدئين فإن للمريد لا محالة مرادا هو مقصده ومقصده معرفة الله سبحانه ولقاؤه والوصول إليه بطريق المشاهدة بالسر وكشف الغطاء وله في مقصده طريق هو سالكه ومعاملات هو مثابر عليها وحالات تستقبله في معاملاته فإذا سمع ذكر عتاب أو خطاب أو قبول أو رد أو وصل أو هجر أو قرب أو بعد أو تلهف على فائت أو تعطش إلى منتظر أو شوق إلى وارد أو طمع أو يأس أو وحشة أو استئناس أو وفاء بالوعد أو نقض للعهد أو خوف فراق أو فرح بوصال أو ذكر ملاحظة الحبيب ومدافعة الرقيب أو همول العبرات أو ترادف الحسرات أو طول الفراق أو عدة الوصال أو غير ذلك مما يشتمل على وصفه الأشعار فلا بد أن يوافق بعضها حال المريد في طلبه فيجرى ذلك مجرى القدح الذي يورى زناد قلبه فتشتعل به نيرانه ويقوي به انبعاث الشوق وهيجانه ويهجم عليه بسببه أحوال مخالفة لعادته ويكون له مجال رحب في تنزيل الألفاظ على أحواله وليس على المستمع مراعاة مراد الشاعر من كلامه بل لكل كلام وجوه ولكل ذي فهم في اقتباس المعنى منه حظوظ ولنضرب لهذه التنزيلات والفهوم أمثلة كي لا يظن الجاهل أن المستمع لأبيات فيها ذكر الفم والخد والصدغ إنما يفهم منها ظواهرها ولا حاجة بنا إلى ذكر كيفية فهم المعاني من الأبيات ففي حكايات أهل السماع ما يكشف عن ذلك فقد حكى أن بعضهم سمع قائلا يقول قال الرسول غدا تزور فقلت تعقل ما تقول فاستفزه اللحن والقول وتواجد وجعل يكرر ذلك ويجعل مكان التاء نونا فيقول قال الرسول غدا نزور حتى غشى عليه من شدة الفرح واللذة والسرور فلما أفاق سئل عن وجده مم كان فقال ذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم إن أهل الجنة يزورون ربهم في كل يوم جمعة مرة حديث إن أهل الجنة يزورون ربهم في كل جمعة أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة وفيه عبد الحميد ابن حبيب بن أبي العشرين مختلف فيه وقال الترمذي لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال وقد روى سويد بن عمرو عن الاوزاعي شيئا من هذا وحكى الرقي عن ابن الدراج أنه قال كنت أنا وابن الفوطى مارين على دجلة بين البصرة والأبلة فإذا بقصر حسن له منظرة وعليه رجل بين يديه جارية تغني وتقول كل يوم تتلون غير هذا بك أحسن فإذا شاب حسن تحت المنظرة وبيده ركوة وعليه مرقعة يستمع فقال يا جارية بالله وبحياة مولاك إلا أعدت على هذا البيت فأعادت فكان الشاب يقول هذا والله تلوني مع الحق في حالي فشهق شهقة ومات قال فقلنا قد استقبلنا فرض فوقفنا فقال صاحب القصر للجارية أنت حرة لوجه الله تعالى قال ثمإن أهل البصرة خرجوا وهذا القصر للسبيل قال ثم رمى بثيابه واتزر بإزار وارتدى بآخر ومر على وجهه والناس ينظرون إليه حتى غاب عن أعينهم وهم يبكون فلم يسمع له بعد خبر والمقصود أن هذا الشخص كان مستغرق الوقت بحاله مع الله تعالى ومعرفة عجزه عن الثبوت على حسن الأدب في المعاملة وتأسفه على تقلب قلبه وميله عن سنن الحق فلما قرع سمعه ما يوافق حاله سمعه من الله تعالى كأنه يخاطبه ويقول له كل يوم تتلون غير هذا بك أحسن ومن كان سماعه من الله تعالى وعلى الله وفيه فينبغي أن يكون قد أحكم قانون العلم في معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته وإلا خطر له من السماع في حق الله تعالى ما يستحيل عليه ويكفر به ففي سماع المريد المبتدئ خطر إلا إذا لم ينزل ما يسمع إلا على حاله من حيث لا يتعلق بوصف الله تعالى ومثال الخطأ فيه هذا البيت بعينه فلو سمعه في نفسه وهو يخاطب به ربه عز وجل فيضيف التلون إلى الله تعالى فيكفر وهذا قد يقع عن جهل محض مطلق غير ممزوج بتحقيق وقد يكون عن جهل ساقه إليه نوع من التحقيق وهو أن يرى تقلب أحوال قلبه بل تقلب أحوال سائر العالم من الله وهو حق فإنه تارة يبسط قلبه وتارة يقبضه وتارة ينوره وتارة يظلمه وتارة يقسيه وتارة يلينه وتارة يثبته على طاعته ويقويه عليها وتارة يسلط الشيطان عليه ليصرفه عن سنن الحق وهذا كله من الله تعالى ومن يصدر منه أحوال مختلفة في أوقات متقاربة فقد يقال له في العادة إنه ذو بداوات وإنه متلون ولعل الشاعر لم يرد به إلا نسبة محبوبه إلى التلون في قبوله ورده وتقريبه وإبعاده وهذا هو المعنى فسماع هذا كذلك في حق الله تعالى كفر محض بل ينبغي أن يعلم انه سبحانه وتعالى يلون ولا يتلون ويغير ولا يتغير بخلاف عباده وذلك العلم يحصل للمريد بإعتقاد تقليدي إيماني ويحصل للعارف البصير بيقين كشفي حقيقي وذلك من أعاجيب أوصاف الربوبية وهو المغير من غير تغير ولا يتصور ذلك إلا في حق الله تعالى بل كل مغير سواه فلا يغير ما لم يتغير ومن أرباب الوجد من يغلب عليه حال مثل السكر المدهش فيطلق لسانه بالعتاب مع الله تعالى ويستنكر اقتهاره للقلوب وقسمته للأحوال الشريفة على تفاوت فإنه المستصفى لقلوب الصديقين والمبعد لقلوب الجاحدين والمغرورين فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولم يقطع التوفيق عن الكفار لجناية متقدمة ولا أمد الأنبياء عليهم السلام بتوفيقه ونور هدايته لوسيلة سابقة ولكنه قال ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين وقال عز وجل ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وقال تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون فإن خطر ببالك أنه لم اختلفت السابقة وهم في ربقه العبودية مشتركون نوديت من سرادقات الجلال لا تجاوز حد الأدب فإنه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ولعمري تأدب اللسان والظاهر مما يقدر عليه الأكثرون فأما تأدب السر عن إضمار الاستبعاد بهذا الاختلاف الظاهر في التقريب والإبعاد والإشقاء والإسعاد مع بقاء السعادة والشقاوة أبد الآباد فلا يقوى عليه إلا العلماء الراسخون في العلم ولهذا قال الخضر عليه السلام لما سئل عن السماع في المنام إنه الصفو الزلال الذي لا يثبت عليه إلا أقدام العلماء لأنه محرك لأسرار القلوب ومكامنها ومشوش لها تشويش السكر المدهش الذي يكاد يحل عقدة الأدب عن السر إلا ممن عصمه الله تعالى بنور هدايته ولطيف عصمته ولذلك قال بعضهم ليتنا نجونا من هذا السماع رأسا برأس ففي هذا الفن من السماع خطر يزيد على خطر السماع المحرك للشهوة فإن غاية ذلك معصية وغاية الخطأ ههنا كفر واعلم أن الفهم قد يختلف بأحوال المستمع فيغلب الوجد على مستمعين لبيت واحد واحدهما مصيب في الفهم والآخر مخطىءأو كلاهما مصيبان وقد فهما معنيين مختلفين متضادين ولكنه بالإضافة إلى اختلاف احوالهما لا يتناقض كما حكى عن عتبة الغلام انه سمع رجلا يقول سبحان جبار السما إن المحب لفي عنا فقال صدقت وسمعه رجل آخر فقال كذبت فقال بعض ذوي البصائر أصابا جميعا وهو الحق فالتصديق كلام محب غير ممكن من المراد بل مصدود متعب بالصد والهجر والتكذيب كلام مستأنس بالحب مستلذ لما يقاسيه بسبب فرط حبه غير متأثر به أو كلام محب غير مصدود عن مراده في الحال ولا مستشعر بخطر الصد في المآل وذلك لاستيلاء الرجاء وحسن الظن على قلبه فباختلاف هذه الأحوال يختلف الفهم وحكى عن أبي القاسم بن مروان وكان قد صحب أبا سعيد الخراز رحمه الله وترك حضور السماع سنين كثيرة فحضر دعوة وفيها إنسان يقول واقف في الماء عطشان ولكن ليس يسقى فقام القوم وتواجدوا فلما سكنوا سألهم عن معنى ما وقع لهم من معنى البيت فأشاروا إلى التعطش إلى الأحوال الشريفة والحرمان منها مع حضور أسبابها فلم يقنعه ذلك فقالوا له فماذا عندك فيه فقال أن يكون في وسط الأحوال ويكرم بالكرامات ولا يعطى منها ذرة وهذه إشارة إلى إثبات حقيقة وراء الأحوال والكرامات والاحوال سوابقها والكرامات تسنح في مباديها والحقيقة بعد لم يقع الوصول إليها ولا فرق بين المعنى الذي فهمه وبين ما ذكروه إلا في تفاوت رتبة المتعطش إليه فإن المحروم عن الأحوال الشريفة أولا يتعطش إليها فإن مكن منها تعطش إلى ما وراءها فليس بين المعنيين اختلاف في الفهم بل الاختلاف بين الرتبتين وكان الشبلى رحمه الله كثيرا ما يتواجد على هذا البيت ودادكم هجر وحبكم قلى ووصلكم صرم وسلمكم حرب وهذا البيت يمكن سماعه على وجوه مختلفة وبعضها حق وبعضها باطل وأظهرها أن يفهم هذا في الخلق بل في الدنيا بأسرها بل في كل ما سوى الله تعالى فإن الدنيا مكارة خداعة قتالة لأربابها معادية لهم في الباطن ومظهرة صورة الود فما امتلأت منها دار حبرة إلا امتلأت عبرة حديث ما امتلأت دار منها حبرة إلا امتلأت عبرة أخرجه ابن المبارك عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير مرسلا كما ورد في الخبر وكما قال الثعلبي في وصف الدنيا تنح عن الدنيا فلا تخطبنها ولا تخطبن قتالة من تناكح فليس يفي مرجوها بمخوفها ومكروهها أما تأملت راجح لقد قال فيها الواصفون فأكثروا وعندي لها وصف لعمري صالح سلاف قصاراها زعاف ومركب شهى إذا استذللته فهو جامح وشخص جميل يؤثر الناس حسنه ولكن له أسرار سوء قبائح . والمعنى الثاني : أن ينزله على نفسه في حق الله تعالى فإنه إذا تفكر فمعرفته جهل إذ ما قدروا الله حق قدره وطاعته رياء إذ لا يتقي الله حق تقاته وحبه معلول إذ لا يدع شهوة من شهواته في حبه ومن أراد الله به خيرا بصره بعيوب نفسه فيرى مصداق هذا البيت في نفسه وإن كان على المرتبة بالإضافة إلى الغافلين ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك حديث لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك رواه مسلم وقد تقدم وقال صلى الله عليه وسلم إني لاستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة حديث إني لاستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة تقدم في الباب الثاني من الاذكار وإنما كان استغفاره عن أحوال هي درجات بعد بالإضافة إلى ما بعدها وإن كانت قربا بالإضافة إلى ما قبلها فلا قرب إلا ويبقى وراءه قرب لا نهاية له إذ سبيل السلوك إلى الله تعالى غير متناه والوصول إلى أقصى درجات القرب محال . والمعنى الثالث : أن ينظر في مبادئ أحواله فيرتضيها ثم ينظر في عوافيها فيزدريها لاطلاعه على خفايا الغرور فيها فيرى ذلك من الله تعالى فيستمع البيت في حق الله تعالى شكاية من القضاء والقدر وهذا كفر كما سبق بيانه وما من بيت إلا ويمكن تنزيله على معان وذلك بقدر غزارة علم المستمع وصفاء قلبه .
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 5:21 pm | |
| الحالة الرابعة : سماع من جاوز الأحوال والمقامات فعزب عن فهم ما سوى الله تعالى حتى عزب عن نفسه واحوالها ومعاملاتها وكان كالمدهوش الغائص في بحر عين الشهود الذي يضاهي حاله حال النسوة اللاتي قطعن ايديهن في مشاهدة جمال يوسف عليه السلام حتى دهشن وسقط احساسهن وعن مثل هذه الحالة تعبر الصوفية بأنه قد فنى عن نفسه ومهما فنى عن نفسه فهو عن غيره أفنى فكأنه فنى عن كل شيء إلا عن الواحد المشهود وفنى أيضا عن الشهود فإن القلب أيضا إذا التفت إلى الشهود وإلى نفسه بأنه مشاهد فقد غفل عن المشهود فالمستهتر بالمرئي لا التفات له في حال استغراقه إلى رؤيته ولا إلى عينه التي بها رؤيته ولا إلى قلبه الذي به لذته فالسكران لا خبر له من سكره والمتلذذ لا خبر له من التذاذه وإنما خبره من المتلذذ به فقط ومثاله العلم بالشيء فإنه مغاير للعلم في حق المخلوق وتطرأ أيضا في حق الخالق ولكنها في الغالب تكن كالبرق الخاطف الذي لا يثبت ولا يدوم وإن دام لم تطقه القوة البشرية فربما اضطرب تحت أعبائه اضطرابا تهلك به نفسه كما روي عن أبي الحسن النوري أنه حضر مجلسا فسمع هذا البيت ما زلت أنزل من ودادك منزلا تتحير الالباب عند نزوله فقام وتواجد وهام على وجهه فوقع في أجمة قصب قد قطع وبقيت أصوله مثل السيوف فصار يعدو فيها ويعيد البيت إلى الغداة والدم يخرج من رجليه حتى ورمت قدماه وساقاه وعاش بعد ذلك أياما ومات رحمه الله فهذه درجة الصديقين في الفهم والوجد فهي أعلى الدرجات لأن السماع على الأحوال نازل عن درجات الكمال وهي ممتزجة بصفات البشرية وهو نوع قصور وإنما الكمال أن يفنى بالكلية عن نفسه واحواله أعنى أنه ينساها فلا يبقى له التفات إليها كما لم يكن للنسوة التفات إلى الأيدي والسكاكين فيسمع لله وبالله وفي الله ومن الله وهذه رتبة من خاض لجة الحقائق وعبر ساحل الأحوال والأعمال واتحد بصفاء التوحيد وتحقق بمحض الإخلاص فلم يبق فيه منه شيء أصلا بل خمدت بالكلبة بشريته وفنى التفاته إلى صفات البشرية رأسا ولست أعنى بفنائه فناء جسده بل فناء قلبه ولست أعنى بالقلب اللحم والدم بل سر لطيف له إلى القلب الظاهر نسبة خفية وراءها سر الروح الذي هو من أمر الله عز وجل عرفها من عرفها وجهلها من جهلها ولذلك السر وجود وصورة ذلك الوجود ما يحضر فيه فإذا حضر فيه غيره فكأنه لا وجود إلا للحاضر ومثاله المرآة المجلوة إذ ليس لها لون في نفسها بل لونها لون الحاضر فيها وكذلك الزجاجة فإنها تحكي لون قرارها ولونها لون الحاضر فيها وليس لها في نفسها صورة بل صورتها قبول الصور ولونها هو هيئة الاستعداد لقبول الألوان ويعرب عن هذه الحقيقة أعنى سر القلب بالإضافة إلى ما يحضر فيه قول الشاعر رق الزجاج ورقت الخمر فتشابها فتشاكل الأمر فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر وهذا مقام من مقامات علوم المكاشفة منه نشأ خيال من ادعى الحلول والاتحاد وقال أنا الحق وحوله يدندن كلام النصارى في دعوى اتحاد اللاهوت بالناسوت أو تدرعها بها أو حلولها فيها على ما اختلف فيهم عباراتهم وهو غلط محض يضاهي غلط من يحكم على المرآة بصورة الحمرة إذ ظهر فيها لون الحمرة مقابلها وإذا كان هذا لا غير لائق بعلم المعاملة فلنرجع إلى الغرض فقد ذكرنا تفاوت الدرجات في فهم المسموعات .
المقام الثاني : بعد الفهم والتنزيل الوجد وللناس كلام طويل في حقيقة الوجد أعنى الصوفية والحكماء الناظرين في وجه مناسبة السماع للأرواح فلننقل من اقوالهم الفاظا ثم لنكشف عن الحقيقة فيه، أما الصوفية فقد قال ذو النون المصري رحمه الله في السماع انه وارد حق جاء يزعج القلوب إلى الحق فمن أصغى إليه بحق تحقق ومن أصغى إليه بنفس تزندق فكأنه عبر عن الوجد بانزعاج القلوب إلى الحق وهو الذي يجده عند ورود وارد السماع إذ سمى السماع وارد حق ، وقال أبو الحسين الدراج مخبرا عما وجده في السماع الوجد عبارة عما يوجد عند السماع وقال جال بي السماع في ميادين البهاء فاوجدني وجود الحق عند العطاء فسقاني بكأس الصفاء فادركت به منازل الرضاء واخرجني إلى رياض التنزه والفضاء ، وقال الشبلي رحمه الله السماع ظاهره فتنة وباطنه عبرة فمن عرف الاشارة حل له استماع العبارة وإلا فقد استدعى الفتنة وتعرض للبلية ، وقال بعضهم السماع غذاء الأرواح لأهل المعرفة لأنه وصف يدق عن سائر الأعمال ويدرك برقة الطبع لرقته وبصفاء السر لصفائه ولطفه عند أهله ، وقال عمرو بن عثمان المكي لا يقع على كيفية الوجد عبارة لأنه سر الله عند عباده المؤمنين الموقنين ، وقال بعضهم الوجد مكاشفات من الحق ، وقال أبو سعيد بن الأعرابي الوجد رفع الحجاب ومشاهدة الرقيب وحضور الفهم وملاحظة الغيب ومحادثة السر وايناس المفقود وهو فناؤك من حيث أنت ، وقال أيضا الوجد أول درجات الخصوص وهو ميراث التصديق بالغيب فلما ذاقوه وسطع في قلوبهم نوره زال عنهم كل شك وريب ، وقال أيضا الذي يحجب عن الوجد رؤية آثار النفس والتعلق بالعلائق والاسباب لأن النفس محجوبة بأسبابها فإذا انقطعت الأسباب وخلص الذكر وصحا القلب ورق وصفا ونجحت الموعظة فيه وحل من المناجاة في محل قريب وخوطب وسمع الخطاب بأذن واعية وقلب شاهد وسر ظاهر فشاهد ما كان منه خاليا فذلك هو الوجد لأنه قد وجد ما كان معدوما عنده ، وقال أيضا الوجد ما يكون عند ذكر مزعج أو خوف مقلق أو توبيخ على زلة أو محادثة بلطيفة أو إشارة إلى فائدة أو شوق إلى غائب أو اسف على فائت أو ندم على ماض أو استجلاب إلى حال أو داع إلى واجب أو مناجاة بسر وهو مقابلة الظاهر بالظاهر والباطن بالباطن والغيب بالغيب والسر بالسر واستخراج مالك بما عليك مما سبق للسعي فيه فيكتب ذلك لك بعد كونه منك فيثبت لك قدم بلا قدم وذكر بلا ذكر إذ كان هو المبتدئ بالنعم والمتولى وإليه يرجع الأمر كله ، فهذا ظاهر علم الوجد وأقوال الصوفية من هذا الجنس في الوجد كثيرة ،
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 5:29 pm | |
|
وأما الحكماء: فقال بعضهم في القلب فضيلة شريفة لم تقدر قوة النطق على إخراجها باللفظ فأخرجتها النفس بالالحان فلما ظهرت سرت وطربت إليها فاستمعوا من النفس وناجوها ودعوا مناجاة الظواهر ، وقال بعضهم نتائج السماع استنهاض العاجز من الرأي واستجلاب العازب من الافكار وحدة الكال من الافهام والآراء حتى يثوب ما عزب وينهض ما عجز ويصفو ما كدر ويمرح في كل رأى ونية فيصيب ولا يخطىء ويأتي ولا يبطىء ، وقال آخر كما أن الفكر يطرق العلم إلى المعلوم فالسماع يطرق القلب إلى العالم الروحاني ، وقال بعضهم وقد سئل عن سبب حركة الأطراف بالطبع على وزن الألحان والإيقاعات فقال ذلك عشق عقلي والعاشق العقلي لا يحتاج إلى أن يناغي معشوقه بالمنطق الجرمي بل يناغيه ويناجيه بالتبسم واللحظ والحركة اللطيفة بالحاجب والجفن والإشارة وهذه نواطق أجمع إلا أنها روحانية وأما العاشق البهيمي فإنه يستعمل المنطق الجرمي ليعبر به عن ثمرة ظاهر شوقه الضعيف وعشقه الزائف ، وقال آخر من حزن فليسمع الألحان فإن النفس إذا دخلها الحزن خمد نورها وإذا فرحت اشتعل نورها وظهر فرحها فيظهر الحنين بقدر قبول القابل وذلك بقدر صفائه ونقائه من الغش والدنس .
والأقاويل المقررة في السماع والوجد كثيرة ولا معنى للاستكثار من إيرادها فلنشتغل بتفهيم المعنى الذي الوجد عبارة عنه فنقول : إنه عبارة عن حالة يثمرها السماع وهو وارد حق جديد عقيب السماع يجده المستمع من نفسه . وتلك الحالة لا تخلو عن قسمين : فإنها إما أن ترجع إلى مكاشفات ومشاهدات هي من قبيل العلوم والتنبيهات . وإما أن ترجع إلى تغيرات وأحوال ليست من العلوم بل هي كالشوق والخوف والحزن والقلق والسرور والاسف والندم والبسط والقبض. وهذه الأحوال يهيجها السماع ويقويها فإن ضعف بحيث لم يؤثر في تحريك الظاهر أو تسكينه أو تغيير حاله حتى يتحرك على خلاف عادته أو يطرق أو يسكن عن النظر والنطق والحركة على خلاف عادته لم يسم وجدا وإن ظهر على الظاهرسمى وجدا إما ضعيفا وإما قويا بحسب ظهوره وتغييره للظاهر وتحريكه بحسب قوة وروده وحفظ الظاهر عن التغيير بحسب قوة الواجد وقدرته على ضبط جوارحه فقد يقوى الوجد في الباطن ولا يتغير الظاهر لقوة صاحبه وقد لا يظهر لضعف الوارد وقصوره عن التحريك وحل عقد التماسك ، وإلى معنى الأول أشار أبو سعيد بن الأعرابي حيث قال في الوجد إنه مشاهدة الرقيب وحضور الفهم وملاحظة الغيب ، ولا يبعد أن يكون السماع سببا لكشف ما لم يكن مكشوفا قبله فإن الكشف يحصل بأسباب منها التنبيه والسماع منبه ومنها تغير الأحوال ومشاهدتها وإدراكها فإن إدراكها نوع علم يفيد ايضاح أمور لم تكن معلومة قبل الورود ومنها صفاء القلب والسماع يؤثر في تصفية القلب والصفاء يسبب الكشف ومنها انبعاث نشاط القلب بقوة السماع فيقوى به على مشاهدة ما كان تقصر عنه قبل ذلك قوته كما يقوى البعير على حمل ما كان لا يقوى عليه قبله وعمل القلب الاستكشاف وملاحظة أسرار الملكوت كما أن عمل البعير حمل الأثقال فبواسطة هذه الأسباب يكون سببا للكشف بل القلب إذا صفا ربما يمثل له الحق في صورة مشاهدة أو في لفظ منظوم يقرع سمعه يعبر عنه بصوت الهاتف إذا كان في اليقظة وبالرؤيا إذا كان في المنام وذلك جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وعلم تحقيق ذلك خارج عن علم المعاملة ، وذلك كما روى عن محمد بن مسروق البغدادي أنه قال خرجت ليلة في أيام جهالتي وأنا نشوان وكنت أغنى هذا البيت بطور سيناء كرم ما مررت به إلا تعجبت ممن يشرب الماء فسمعت قائلا يقول وفي جهنم ماء ما تجرعه خلق فأبقى له في الجوف أمعاء قال فكان ذلك سبب توبتي واشتغالي بالعلم والعبادة فانظر كيف أثر الغناء في تصفية قلبه حتى تمثل له حقيقة الحق في صفة جهنم في لفظ مفهوم موزون وقرع ذلك سمعه الظاهر ، وروى عن مسلم العباداني انه قال قدم علينا صالح المري وعتبة الغلام وعبد الواحد بن زيد ومسلم الأسواري فنزلوا على الساحل قال فهيأت لهم ذات ليلة طعاما فدعوتهم إليه فجاؤا فلما وضعت الطعام بين أيديهم إذا بقائل يقول رافعا صوته هذا البيت وتلهيك عن دار الخلود مطاعم ولذة نفس غيها غير نافع قال فصاح عتبة الغلام صيحة وخر مغشيا عليه وبكى القوم فرفعت الطعام وما ذاقوا والله منه لقمة ، وكما يسمع صوت الهاتف عند صفاء القلب فيشاهد أيضا بالبصر صورة الخضر عليه السلام فإنه يتمثل لأرباب القلوب بصور مختلفة وفي مثل هذه الحالة تتمثل الملائكة للأنبياء عليهم السلام إما على حقيقة صورتها وإما على مثال يحاكي صورتها بعض المحاكاة وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام مرتين في صورته وأخبر عنه بأنه سد الأفق حديث رأى جبريل عليه السلام مرتين في صورته فأخبر أنه سد الأفق متفق عليه من حديث عائشة وهو المراد بقوله تعالى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالافق الأعلى إلى آخر هذه الآيات ، وفي مثل هذه الأحوال من الصفاء يقع الاطلاع على ضمائر القلوب وقد يعبر عن ذلك الاطلاع بالتفرس ولذلك قال صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله حديث اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد وقال حديث غريب وقد حكى أن رجلا من المجوس كان يدور على المسلمين ويقول ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن فكان يذكر له تفسيره فلا يقنعه ذلك حتى انتهى إلى بعض المشايخ من الصوفية فسأله فقال له معناه أن تقطع الزنار الذي على وسطك تحت ثوبك فقال صدقت هذا معناه وأسلم وقال الآن عرفت أنك مؤمن وأن إيمانك حق ، وكما حكى عن إبراهيم الخواص قال كنت ببغداد في جماعة من الفقراء في الجامع فأقبل شاب طيب الرائحة حسن الوجه فقلت لأصحابي يقع لي أنه يهودي فكلهم كرهوا ذلك فخرجت وخرج الشاب ثم رجع إليهم وقال أي شيء قال الشيخ في فاحتشموه فألح عليهم فقالوا له قال إنك يهودي قال فجاءني وأكب على يدي وقبل رأسي وأسلم وقال نجد في كتبنا أن الصديق لا تخطىء فراسته فقلت أمتحن المسلمين فتأملتهم فقلت إن كان فيهم صديق ففي هذه الطائفة لأنهم يقولون حديثه سبحانه ويقرءون كلامه فلبست عليكم فلما اطلع على الشيخ وتفرس في علمت أنه صديق قال وصار الشاب من كبار الصوفية ، وإلى مثل هذا الكشف الاشارة بقوله عليه السلام لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء حديث لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء تقدم في الصوم وإنما تحوم الشياطين على القلوب إذا كانت مشحونة بالصفات المذمومة فإنها مرعى الشيطان وجنده ومن خلص قلبه من تلك الصفات وصفاه لم يطف الشيطان حول قلبه وإليه الاشارة بقوله تعالى إلا عبادك منهم المخلصين وبقوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ،
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الأربعاء 15 فبراير 2012, 5:30 pm | |
| والسماع سبب لصفاء القلب وهو شبكة للحق بواسطة الصفاء وعلى هذا يدل ما روى أن ذا النون المصري رحمه الله دخل بغداد فاجتمع إليه قوم من الصوفية ومعهم قوال فاستأذنوه في أن يقول لهم شيئا فأذن لهم في ذلك فأنشأ يقول صغير هواك عذبني فكيف به إذا احتنكا وأنت جمعت في قلبي هوى قد كان مشتركا أما ترثى لمكتئب إذا ضحك الخلى بكى فقام ذو النون وسقط على وجهه ثم قام رجل آخر فقال ذو النون الذي يراك حين تقوم فجلس ذلك الرجل وكان ذلك اطلاعا من ذي النون على قلبه أنه متكلف متواجد فعرفه أن الذي يراه حين يقوم هو الخصم في قيامه لغير الله تعالى ولو كان الرجل صادقا لما جلس فإذا قد رجع حاصل الوجد إلى مكاشفات والى حالات واعلم أن كل واحد منهما ينقسم إلى ما يمكن التعبير عنه عند الافاقة منه وإلى ما لا تمكن العبارة عنه أصلا ولعلك تستبعد حالة أو علما لا تعلم حقيقته ولا يمكن التعبير عنه عن حقيقته فلا تستبعد ذلك فإنك تجد في أحوالك القريبة لذلك شواهد أما العلم فكم من فقيه تعرض عليه مسألتان متشابهتان في الصورة ويدرك الفقيه بذوقه أن بينهما فرقا في الحكم وإذا كلف ذكر وجه الفرق لم يساعده اللسان على التعبير وإن كان من أفصح الناس فيدرك بذوقه الفرق ولا يمكنه التعبير عنه وإدراكه الفرق علم يصادفه في قلبه بالذوق ولا يشك في أن لوقوعه في قلبه سببا وله عند الله تعالى حقيقة ولا يمكنه الأخبار عنه لا لقصور في لسانه بل لدقة المعنى في نفسه عن أن تناله العبارة وهذا مما قد تفطن له المواظبون على النظر في المشكلات وأما الحال فكم من إنسان يدرك في قلبه في الوقت الذي يصبح فيه قبضا أو بسطا ولا يعلم سببه وقد يتفكر إنسان في شيء فيؤثر في نفسه اثر فينسى ذلك السبب ويبقى الأثر في نفسه وهو يحس به وقد تكون الحالة التي يحسها سرورا ثبت في نفسه بتفكره في سبب موجب للسرور أو حزنا فينسى المتفكر فيه ويحس بالأثر عقيبه وقد تكون تلك الحالة حالة غريبة لا يعرب عنها لفظ السرور والحزن ولا يصادف لها عبارة مطابقة مفصحة عن المقصود بل ذوق الشعر الموزون والفرق بينه وبين غير الموزون يختص به بعض الناس دون بعض وهي حالة يدركها صاحب الذوق بحيث لا يشك فيها أعني التفرقة بين الموزون والمنزحف فلا يمكنه التعبير عنها بما يتضح مقصوده لمن لا ذوق له وفي النفس أحوال غريبة هذا وصفها بل المعاني المشهورة من الخوف والحزن والسرور إنما تحصل في السماع عن غناء مفهوم وأما الأوتار وسائر النغمات التي ليست مفهومة فإنها تؤثر في النفس تأثيرا عجيبا ولا يمكن التعبير عن عجائب تلك الآثار وقد يعبر عنها بالشوق ولكن شوق لا يعرف صاحبه المشتاق إليه فهو عجيب والذي اضطرب قلبه بسماع الأوتار أو الشاهين وما أشبهه ليس يدري إلى ماذا يشتاق ويجد في نفسه حالة كأنها تتقاضى امرا ليس يدري ما هو حتى يقع ذلك للعوام ومن لا يغلب على قلبه لا حب آدمي ولا حب الله تعالى وهذا له سر وهو أن كل شوق فله ركنان أحدهما صفة المشتاق وهو نوع مناسبة مع المشتاق إليه والثاني معرفة المشتاق إليه ومعرفة صورة الوصول إليه فإن وجدت الصفة التي بها الشوق ووجد العلم بصورة المشتاق إليه كان الأمر ظاهرا وإن لم يوجد العلم بالمشتاق ووجدت الصفة المشوقة وحركت قلبك الصفة واشتعلت نارها اورث ذلك دهشة وحيرة لا محالة ولو نشأ آدمي وحده بحيث لم ير صورة النساء ولا عرف صورة الوقاع ثم راهق الحلم وغلبت عليه الشهوة لكان يحس من نفسه بنار الشهوة ولكن لا يدري انه يشتاق إلى الوقاع لأنه ليس يدري صورة الوقاع ولا يعرف صورة النساء فكذلك في نفسه الآدمي مناسبة مع العالم الأعلى واللذات التي وعد بها في سدرة المنتهى والفراديس العلا إلا أنه لم يتخيل من هذا الأمور إلا الصفات والاسماء كالذي سمع لفظ الوقاع واسم النساء ولم يشاهد صورة امرأة قط ولا صورة رجل ولا صورة نفسه في المرآة ليعرف بالمقايسة فالسماع يحرك منه الشوق والجهل المفرط والاشتغال بالدنيا قد أنساه نفسه وأنساه ربه وأنساه مستقره الذي إليه حنينه واشتياقه بالطبع فيتقاضاه قلبه أمرا ليس يدري ما هو فيدهش ويتحير ويضطرب ويكون كالمختنق الذي لا يعرف طريق الخلاص فهذا وامثاله من الأحوال التي لا يدرك تمام حقائقها ولا يمكن المتصف بها أن يعبر عنها فقد ظهر انقسام الوجد إلى ما يمكن إظهاره والى ما لا يمكن إظهاره واعلم أيضا أن الوجد ينقسم إلى هاجم والى متكلف ويسمى التواجد وهذا التواجد المتكلف فمنه مذموم وهو الذي يقصد به الرياء وإظهار الأحوال الشريفة مع الإفلاس منها ومنه ما هو محمود وهو التوصل إلى استدعاء الأحوال الشريفة واكتسابها واجتلابها بالحيلة فإن للكسب مدخلا في جلب الأحوال الشريفة ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يحضره البكاء في قراءة القرآن أن يتباكى ويتحازن حديث البكاء عند قراءة القرآن فإن لم تبكوا فتباكوا تقدم في تلاوة القرآن في الباب الثاني فإن هذه الأحوال قد تتكلف مباديها ثم تتحقق أواخرها وكيف لا يكون التكلف سببا في أن يصير المتكلف في الآخرة طبعا وكل من يتعلم القرآن أو لا يحفظه تكلفا ويقرؤه تكلفا مع تمام التأمل وإحضار الذهن ثم يصير ذلك ديدنا للسان مطردا حتى يجري به لسانه في الصلاة وغيرها وهو غافل فيقرأ تمام السورة وتثوب نفسه إليه بعد انتهائه إلى آخرها ويعلم أنه قرأها في حال غفلته وكذلك الكاتب يكتب في الابتداء بجهد شديد ثم تتمرن على الكتابة يده فيصير الكتب له طبعا فيكتب أوراقا كثيرة وهو مستغرق القلب بفكر آخر فجميع ما تحتمله النفس والجوارح من الصفات لا سبيل إلى اكتسابه إلا بالتكلف والتصنع أولا ثم يصير بالعادة طبعا وهو المراد بقول بعضهم العادة طبيعة خامسة فكذلك الأحوال الشريفة لا ينبغي أن يقع اليأس منها عند فقدها بل ينبغي أن يتكلف اجتلابها بالسماع وغيره فلقد شوهد في العادات من اشتهى أن يعشق شخصا ولم يكن يعشقه فلم يزل يردد ذكره على نفسه ويديم النظر إليه ويقرر على نفسه الأوصاف المحبوبة والاخلاق المحمودة فيه حتى عشقه ورسخ ذلك في قلبه رسوخا خرج عن حداختياره فاشتهى بعد ذلك الخلاص منه فلم يتخلص فكذلك حب الله تعالى والشوق إلى لقائه والخوف من سخطه وغير ذلك من الأحوال الشريفة إذا فقدها الإنسان فينبغي أن يتكلف اجتلابها بمجالسة الموصوفين بها ومشاهدة أحوالهم وتحسين صفاتهم في النفس وبالجلوس معهم في السماع وبالدعاء والتضرع إلى الله تعالى في أن يرزقه تلك الحلة بأن ييسر له اسبابها ومن أسبابها السماع ومجالسة الصالحين والخائفين والمحسنين والمشتاقين والخاشعين فمن جالس شخصا سرت إليه صفاته من حيث لا يدري ويدل على إمكان تحصيل الحب وغيره من الأحوال بالأسباب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه اللهم ارزقني حبك وحب من احبك وحب من يقربني إلى حبك حديث اللهم ارزقني حبك وحب من أحبك الحديث تقدم في الدعوات فقد فزع صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء في طلب الحب فهذا بيان انقسام الوجد إلى مكاشفات والى أحوال وانقسامه إلى ما يمكن الافصاح عنه والى ما لا يمكن وانقسامه إلى المتكلف والى المطبوع فإن قلت فما بال هؤلاء لا يظهر وجدهم عند سماع القرآن وهو كلام الله ويظهر عند الغناء وهو كلام الشعراء فلو كان ذلك حقا من لطف الله تعالى ولم يكن باطلا من غرور الشيطان لكان القرآن أولى به من الغناء فنقول الوجد الحق هو ما ينشأ من فرط حب الله تعالى وصدق إرادته والشوق إلى لقائه وذلك يهيج بسماع القرآن أيضا وإنما الذي لا يهيج بسماع القرآن حب الخلق وعشق المخلوق ويدل على ذلك قوله تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب وقوله تعالى مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله وكل ما يوجد عقيب السماع في النفس فهو وجد فالطمأنينة والاقشعرار والخشية ولين القلب كل ذلك وجد وقد قال الله تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وقال تعالى لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله فالوجل والخشوع وجد من قبيل الأحوال وإن لم يكن من قبيل المكاشفات ولكن قد يصير سببا للمكاشفات والتنبيهات ولهذا قال صلى الله عليه وسلم زينوا القرآن بأصواتكم حديث زينوا القرآن بأصواتكم تقدم في تلاوة القرآن وقال لأبي موسى الأشعري لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود عليه السلام حديث لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود قاله لأبي موسى تقدم فيه وأما الحكايات الدالة على أن أرباب القلوب ظهر عليهم الوجد عند سماع القرآن فكثيرة فقوله صلى الله عليه وسلم شيبتني هود وأخواتها حديث شيبتني هود وأخواتها أخرجه الترمذي من حديث أبي جحيفة وله وللحاكم من حديث ابن عباس نحوه قال الترمذي حسن وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري خبر عن الوجد فإن الشيب يحصل من الحزن والخوف وذلك وجد وروي أن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النساء فلما انتهى إلى قوله تعالى فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال حسبك وكانت عيناه تذرفان بالدموع حديث إن ابن مسعود قرأ عليه فلما انتهى إلى قوله فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال حسبك الحديث متفق عليه من حديثه وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قرأ هذا الآية أو قرئ عنده إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما فصعق حديث أنه قرئ عنده إن لدينا انكالا وجحيما وطعام ذا غصة وعذابا أليما فصعق رواه ابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب من طريقه من حديث أبي حرب بن أبي الأسود مرسلا وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قرأ إن تعذبهم فإنهم عبادك فبكى حديث إنه قرأ إن تعذبهم فإنهم عبادك فبكى أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو وكان صلى الله عليه وسلم إذا مر بآية رحمة دعا واستبشر حديث كان إذا مر بآية رحمة دعا واستبشر تقدم في تلاوة القرآن دون قوله واستبشر والاستبشار وجد وقد أثنى الله تعالى على أهل الوجد بالقرآن فقال تعالى وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل حديث أنه كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل من حديث عبد الله بن الشخير وقد تقدم وأما ما نقل من الوجد بالقرآن عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين فكثير فمنهم من صعق ومنهم من بكى ومنهم من غشي عليه ومنهم من مات في غشيته وروى أن زرارة بن أوفى وكان من التابعين كان يؤم الناس بالرقة فقرأ فإذا نقر في الناقور فصعق ومات في محرابه رحمه الله وسمع عمر رضي الله عنه رجلا يقرأ إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع فصاح صيحة وخر مغشيا عليه فحمل إلى بيته فلم يزل مريضا في بيته شهرا وأبو جرير من التابعين قرأ عليه صالح المري فشهق ومات وسمع الشافعي رحمه الله قارئا يقرأ هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون فغشى عليه وسمع على بن الفضيل قارئا يقرأ يوم يقوم الناس لرب العالمين فسقط مغشيا عليه فقال الفضيل شكر الله لك ما قد علمه منك وكذلك نقل عن جماعة منهم وكذلك الصوفية فقد كان الشبلي في مسجده ليلة من رمضان وهو يصلي خلف إمام له فقرأ الإمام ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك فزعق الشبلي زعقة ظن الناس أنه قد طارت روحه واحمر وجهه وارتعدت فرائصه وكان يقول بمثل هذا يخاطب الأحباب يردد ذلك مرارا وقال الجنيد دخلت على سري السقطي فرأيت بين يديه رجلا قد غشى عليه فقال لي هذا رجل قد سمع آية من القرآن فغشى عليه فقلت اقرءوا عليه تلك الآية بعينها فقرئت فأفاق فقال من أين قلت هذا فقلت رأيت يعقوب عليه السلام كان عماه من أجل مخلوق فبمخلوق أبصر ولو كان عماه من أجل الحق ما أبصر بمخلوق فاستحسن ذلك ويشير إلى ما قاله الجنيد قول الشاعر وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها وقال بعض الصوفية كنت أقرأ ليلة هذه الآية كل نفس ذائقة الموت فجعلت ارددها فإذا هاتف يهتف بي كم تردد هذه الآية فقد قتلت أربعة من الجن ما رفعوا رءوسهم إلى السماء منذ خلقوا وقال أبو علي المغازلي للشبلي ربما تطرق سمعي آية من كتاب الله تعالى فتجذبني إلى الإعراض عن الدنيا ثم أرجع إلى أحوالي والى الناس فلا أبقى على ذلك فقال ما طرق سمعك من القرآن فاجتذبك به إليه فذلك عطف منه عليك ولطف منه بك وإذا ردك إلى نفسك فهو شفقة منه عليك فإنه لا يصلح لك إلا التبري من الحول والقوة في التوجه إليه وسمع رجل من أهل التصوف قارئا يقرأ يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فاستعادها من القارىء وقال كم أقول لها ارجعي وليست ترجع وتواجد وزعق زعقة فخرجت روحه وسمع بكر بن معاذ قارئا يقرأ وأنذرهم يوم الآزفة الآية فاضطرب ثم صاح ارحم من أنذرته ولم يقبل إليك بعد الإنذار بطاعتك ثم غشى عليه وكان إبراهيم ابن أدهم رحمه الله إذا سمع أحدا يقرأ إذا السماء انشقت اضطربت أوصاله حتى كان يرتعد وعن محمد بن صبيح قال كان رجل يغتسل في الفرات فمر به رجل على الشاطىء يقرأ وامتازوا اليوم أيها المجرمون فلم يزل الرجل يضطرب حتى غرق ومات وذكر أن سلمان الفارسي أبصر شابا يقرأ فأتى على آية فاقشعر جلده فأحبه سلمان وفقده فسأل عنه فقيل له إنه مريض فأتاه يعوده فإذا هو في الموت فقال يا عبد الله أرأيت تلك القشعريرة التي كانت بي فإنها أتتني في أحسن صورة فأخبرتني أن الله قد غفر لي بها كل ذنب وبالجملة لا يخلو صاحب القلب عن وجد عند سماع القرآن فإن كان القرآن لا يؤثر فيه أصلا ف مثله كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون بل صاحب القلب تؤثر فيه الكلمة من الحكمة يسمعها قال جعفر الخلدي دخل رجل من أهل خراسان على الجنيد وعنده جماعة فقال للجنيد متى يستوي عند العبد حامده وذامه فقال بعض الشيوخ إذا دخل البيمارستان وقيد بقيدين فقال الجنيد ليس هذا من شأنك ثم أقبل على الرجل وقال إذا تحقق أنه مخلوق فشهق الرجل شهقة ومات فإن قلت فإن كان سماع القرآن مفيدا للوجد فما بالهم يجتمعون على سماع الغناء من القوالين دون القارئين فكان ينبغي أن يكون اجتماعهم وتواجدهم في حلق القراء لا حلق المغنين وكان ينبغي أن يطلب عند كل اجتماع في كل دعوة قارىء لأقوال فإن كلام الله تعالى أفضل من الغناء لا محالة فاعلم أن الغناء اشد تهييجا للوجد من القرآن من سبعة أوجه الوجه الأول أن جميع آيات القرآن لا تناسب حال المستمع ولا تصلح لفهمه وتنزيله على ما هو ملابس له فمن استولى عليه حزن أو شوق أو ندم فمن أين يناسب حاله قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وقوله تعالى والذين يرمون المحصنات وكذلك جميع الآيات التي فيها بيان أحكام الميراث والطلاق والحدود وغيرها وإنما المحرك لما في القلب ما يناسبه والأبيات إنما يضعها الشعراء إعرابا بها عن أحوال القلب فلا يحتاج في فهم الحال منها إلى تكلف نعم من يستولي عليه حالة غالبة قاهرة لم تبق فيه متسعا لغيرها ومعه تيقظ وذكاء ثاقب يتفطن به للمعاني البعيدة من الألفاظ فقد يخرج وجده على كل مسموع كمن يخطر له عند ذكر قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم حالة الموت المحوج إلى الوصية وان كل إنسان لا بد أن يخلف ماله وولده وهما محبوباه من الدنيا فيترك أحد المحبوبين للثاني ويهجرهما جميعا فيغلب عليه الخوف والجزع أو يسمع ذكر الله في قوله يوصيكم الله في أولادكم فيدهش بمجرد الاسم عما قبله وبعده أو يخطر له رحمة الله على عباده وشفقته بأن تولى قسم مواريثهم بنفسه نظرا لهم في حياتهم وموتهم فيقول إذا نظر لاولادنا بعد موتنا فلا نشك بأنه ينظر لنا فيهيج منه حال الرجاء ويورثه ذلك استبشارا وسرورا أو يخطر له من قوله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين تفضيل الذكر بكونه رجلا على الأنثى وأن الفضل في الآخرة لرجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأن من ألهاه غير الله تعالى عن الله تعالى فهو من الإناث لا من الرجال تحقيقا فيخشى أن يحجب أو يؤخر في نعيم الآخرة كما اخرت الانثى في أموال الدنيا فأمثال هذا قد يحرك الوجد ولكن لمن فيه وصفان أحدهما حالة غالبة مستغرقة قاهرة والآخر تفطن بليغ وتيقظ بالغ كامل للتنبيه بالأمور القريبة على المعاني البعيدة وذلك مما يعز فلأجل ذلك يفزع إلى الغناء الذي هو ألفاظ مناسبة للأحوال حتى يتسارع هيجانها وروي أن أبا الحسين النوري كان مع جماعة في دعوى فجرى بينهم مسألة في العلم وأبو الحسين ساكت ثم رفع رأسه وأنشدهم رب ورقاء هتوف في الضحى ذات شجو صدحت في فنن ذكرت إلفا ودهرا صالحا وبكت حزنا فهاجت حزني فبكائي ربما أرقها وبكاها ربما أرقني ولقد أشكو فما أفهمها ولقد تشكو فما تفهمني غير أني بالجوى أعرفها وهي أيضا بالجوى تعرفني قال فما بقي أحد من القوم إلا قام وتواجد ولم يحصل لهم هذا الوجد من العلم الذي خاضوا فيه وإن كان العلم جدا وحقا الوجه الثاني أن القرآن محفوظ للأكثرين ومتكرر على الاسماع والقلوب وكلما سمع أولا عظم أثره في القلوب وفي الكرة الثانية يضعف أثره وفي الثالثة يكاد يسقط أثره ولو كلف صاحب الوجد الغالب أن يحضر وجده على بيت واحد على الدوام في مرات متقاربة في الزمان في يوم أو اسبوع لم يمكنه ذلك ولو ابدل ببيت آخر لتجدد له أثر في قلبه وإن كان معربا عن عين ذلك المعنى ولكن كون النظم واللفظ غريبا بالإضافة إلى الأولى يحرك النفس وإن كان المعنى واحدا وليس يقدر القارئ على أن يقرأ قرآنا غريبا في كل وقت ودعوة فإن القرآن محصور لا يمكن الزيادة عليه وكله محفوظ متكرر وإلى ما ذكرناه أشار الصديق رضي الله عنه حيث رأى الأعراب يقدمون فيسمعون القرآن ويبكون فقال كنا كما كنتم ولكن قست قلوبنا ولا تظنن أن قلب الصديق رضي الله عنه كان اقسى من قلوب الاجلاف من العرب وانه كان اخلى عن حب الله تعالى وحب كلامه من قلوبهم ولكن التكرار على قلبه اقتضى المرون عليه وقلة التأثر به لما حصل له من الأنس بكثرة استماعه إذ محال في العادات أن يسمع السامع آية لم يسمعها قبل فيبكي ثم يدوم على بكائه عليها عشرين سنة ثم يرددها ويبكي ولا يفارق الأول الآخر إلا في كونه غريبا جديدا ولكل جديد لذة ولكل طارئ صدمة ومع كل مألوف أنس يناقض الصدمة ولذا هم عمر رضي الله عنه أن يمنع الناس من كثرة الطواف وقال قد خشيت أن يتهاون الناس بهذا البيت أي يأنسوا به ومن قدم حاجا فرأى البيت أولا بكى وزعق وربما غشي عليه إذ وقع عليه بصره وقد يقيم بمكة شهرا ولا يحس من ذلك في نفسه بأثر فإذا المغنى يقدر على الأبيات الغريبة في كل وقت ولا يقدر في كل وقت على أية غريبة الوجه الثالث أن لوزن الكلام بذوق الشعر تأثيرا في النفس فليس الصوت الموزون الطيب كالصوت الطيب الذي ليس بموزون وإنما يوجد الوزن في الشعر دون الآيات ولو زحف المغنى البيت الذي ينشده أو لحن فيه أو مال عن حد تلك الطريقة في اللحن لاضطرب قلب المستمع وبطل جده وسماعه ونفر طبعه لعدم المناسبة وإذا نفر الطبع اضطرب القلب وتشوش فالوزن إذن مؤثر فلذلك طاب الشعر الوجه الرابع أن الشعر الموزون يختلف تأثيره في النفس بالألحان التي تسمى الطرق والأستانات وإنما اختلاف تلك الطرق بمد المقصور وقصر المدود والوقف في أثناء الكلمات والقطع والوصل في بعضها وهذا التصرف جائز في الشعر ولا يجوز في القرآن إلا التلاوة كما أنزل فقصره ومده والوقف والوصل والقطع فيه على خلاف ما تقضيه التلاوة حرام أو مكروه وإذا رتل القرآن كما أنزل سقط عنه الأثر الذي سببه وزن الألحان وهو سبب مستقل بالتأثير وإن لم يكن مفهوما كما في الأوتار والمزمار والشاهين وسائر الاصوات التي لا تفهم الوجه الخامس أن الألحان الموزونة تعضد وتؤكد بإيقاعات وأصوات أخر موزونة خارج الحلق كالضرب بالقضيب والدف وغيره لأن الوجد الضعيف لا يستثار إلا بسبب قوى وإنما يقوى بمجموع هذه الأسباب ولكل واحد منها حظ في التأثير وواجب أن يصان القرآن عن مثل هذه القرائن لأن صورتها عند عامة الخلق صورة اللهو واللعب والقرآن جد كله عند كافة الخلق فلا يجوز أن يمزج بالحق المحض ما هو لهو عند العامة وصورته صورة اللهو عند الخاصة وإن كانوا لا ينظرون إليها من حيث إنها لهو بل ينبغي أن يوقر القرآن فلا يقرأ على شوارع الطرق بل في مجلس ساكن ولا في حال الجنابة ولا على غير طهارة ولا يقدر على الوفاء بحق حرمة القرآن في كل حال إلا المراقبون لأحوالهم فيعدل إلى الغناء الذي لا يستحق هذه المراقبة والمراعاة ولذلك لا يجوز الضرب بالدف مع قراءة القرآن ليلة العرس وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب الدف في العرس فقال أظهروا النكاح ولو بضرب الغربال حديث الأمر بضرب الدف في العرس تقدم في النكاح أو بلفظ هذا معناه وذلك جائز مع الشعر دون القرآن ولذلك لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت الربيع بنت معوذ وعندها جوار فسمع إحداهن تقول وفينا نبي يعلم ما في غد على وجه الغناء فقال صلى الله عليه وسلم دعي هذا وقولي ما كنت تقولين حديث دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت الربيع بنت معوذ وعندها جوار يغنين الحديث أخرجه البخاري من حديثها وقد تقدم في النكاح وهذه شهادة بالنبوة فزجرها عنها وردها إلى الغناء الذي هو لهو لأن هذا جد محض فلا يقرن بصورة اللهو فإذا يتعذر بسببه تقوية الأسباب التي بها يصير السماع محركا للقلب فواجب في الاحترام العدول إلى الغناء عن القرآن كما وجب على تلك الجارية العدول عن شهادة النبوة إلى الغناء الوجه السادس أن المغني قد يغني ببيت لا يوافق حال السامع فيكرهه وينهاه عنه ويستدعي غيره فليس كل كلام موافقا لكل حال فلو اجتمعوا في الدعوات على القارئ فربما يقرأ آية لا توافق حالهم إذ القرآن شفاء للناس كلهم على اختلاف الأحوال فآيات الرحمة شفاء الخائف وآيات العذاب شفاء المغرور الآمن وتفصيل ذلك مما يطول فإذا لا يؤمن أن لا يوافق المقروء الحال وتكرهه النفس فيتعرض به لخطر كراهة كلام الله تعالى من حيث لا يجد سبيلا إلى دفعه فالاحتراز عن خطر ذلك حزم بالغ وحتم واجب إذ لا يجد الخلاص عنه إلا بتنزيله على وفق حاله ولا يجوز تنزيل كلام الله تعالى إلا على ما أراد الله تعالى وأما قول الشاعر فيجوز تنزيله على غير مراده ففيه خطر الكراهة أو خطر التأويل الخطأ لموافقة الحال فيجب توقير كلام الله وصيانته عن ذلك وهذا ما ينقدح في علل انصراف الشيوخ إلى سماع الغناء عن سماع القرآن وههنا وجه سابع ذكره أبو نصر السراج الطوسي في الاعتذار عن ذلك فقال القرآن كلام الله وصفة من صفاته وهو حق لا تطيقه البشرية لأنه غير مخلوق فلا تطيقه الصفات المخلوقة ولو كشف للقلوب ذرة من معناه وهيبته لتصدعت ودهشت وتحيرت والألحان الطيبة مناسبة للطباع ونسبتها نسبة الحظوظ لا نسبة الحقوق والشعر نسبته نسبة الحظوظ فإذا علقت الألحان والأصوات بما في الأبيات من الاشارات واللطائف شاكل بعضها بعضاكان أقرب إلى الحظوظ وأخف على القلوب لمشاكلة المخلوق المخلوق فما دامت البشرية باقية ونحن بصفاتنا وحظوظنا نتنعم بالنغمات الشجية والأصوات الطيبة فانبساطنا لمشاهدة بقاء هذه الحظوظ إلى القصائد أولى من انبساطنا إلى كلام الله تعالى الذي هو صفته وكلامه الذي منه بدأ واليه يعود وهذا حاصل المقصود من كلامه واعتذاره وقد حكى عن أبي الحسن الدراج أنه قال قصدت يوسف بن الحسين الرازي من بغداد للزيارة والسلام عليه فلما دخلت الري كنت أسأل عنه فكل من سألته عنه قال أيش تعمل بذلك الزنديق فضيقوا صدري حتى عزمت على الانصراف ثم قلت في نفسي قد جبت هذا الطريق كله فلا أقل من أن أراه فلم أزل أسأل عنه حتى دخلت عليه في مسجد وهو قاعد في المحراب وبين يديه رجل وبيده مصحف وهو يقرأ فإذا هو شيخ بهي حسن الوجه واللحية فسلمت عليه فأقبل علي وقال من أين أقبلت فقلت من بغداد فقال وما الذي جاء بك فقلت قصدتك للسلام عليك فقال لو أن في بعض هذه البلدان قال لك إنسان أقم عندنا حتى نشتري لك دارا أو جارية أكان يقعدك ذلك عن المجيء فقلت ما امتحنني الله بشيء من ذلك ولو امتحنني ما كنت ادري كيف أكون ثم قال لي أتحسن أن تقول شيئا فقلت نعم فقال هات فأنشأت أقول رأيتك تبني دائما في قطيعتي ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني كأني بكم والليت أفضل قولكم ألا ليتنا كنا إذ الليت لا يغني قال فأطبق المصحف ولم يزل يبكي حتى ابتلت لحيته وابتل ثوبه حتى رحمته من كثرة بكائه ثم قال يا بني تلوم أهل الري يقولون يوسف زنديق هذا أنا من صلاة الغداة أقرأ في المصحف لم تقطر من عيني قطرة وقد قامت القيامة على لهذين البيتين فإذا القلوب وإن كانت محترقة في حب الله تعالى فإن البيت الغريب يهيج منها ما لا تهيج تلاوة القرآن وذلك لوزن الشعر ومشاكلته للطباع ولكونه مشاكلا للطبع اقتدر البشر على نظم الشعر وأما القرآن فنظمه خارج عن أساليب الكلام ومنهاجه وهو لذلك معجز لا يدخل في قوة البشر لعدم مشاكلته لطبعه وروي أن إسرافيل أستاذ ذي النون المصري دخل عليه رجل فرآه وهو ينكت في الأرض بأصبعه ويترنم ببيت فقال هل تحسن أن تترنم بشيء فقال لا قال فأنت بلا قلب إشارة إلى أن من له قلب وعرف طباعه علم أنه تحركه الأبيات والنغمات تحريكا لا يصادف في غيرها فيتكلف طريق التحريك إما بصوت نفسه أو بغيره وقد ذكرنا حكم المقام الأول في فهم المسموع وتنزيله وحكم المقام الثاني في الوجد الذي يصادف في القلب فلنذكر الآن أثر الوجد أعني ما يترشح منه إلى الظاهر من صعقة وبكاء وحركة وتمزيق ثوب وغيره فنقول المقام الثالث من السماع نذكر فيه آداب السماع ظاهرا وباطنا وما يحمد من آثار الوجد وما يذم فأما الآداب فهي خمس جمل الأول مراعاة الزمان والمكان والإخوان قال الجنيد السماع يحتاج إلى ثلاثة أشياء وإلا فلا تسمع الزمان والمكان والإخوان ومعناه أن الاشتغال به في وقت حضور طعام أو خصام أو صلاة أو صارف من الصوارف مع اضطراب القلب لا فائدة فيه فهذا معنى مراعاة الزمان فيراعى حالة فراغ القلب له وأما المكان فقد يكون شارعا مطروقا أو موضعا كريه الصورة أو فيه سبب يشغل القلب فيجتنب ذلك وأما الإخوان فسببه أنه إذا حضر غير الجنس من منكر السماع متزهد الظاهر مفلس من لطائف القلوب كان مستثقلا في المجلس واشتغل القلب به وكذلك إذا حضر متكبر من أهل الدنيا يحتاج إلى مراقبته والى مراعاته أو متكلف متواجد من أهل التصوف يرائي بالوجد والرقص وتمزيق الثياب فكل ذلك مشوشات فترك السماع عند فقد هذه الشروط أولى ففي هذه الشروط نظر للمستمع الأدب الثاني هو نظر الحاضرين أن الشيخ إذا كان حوله مريدون يضرهم السماع فلا ينبغي أن يسمع في حضورهم فإن سمع فليشغلهم بشغل آخر والمريد الذي يستضر بالسماع أحد ثلاثة أقلهم درجة هو الذي لم يدرك من الطريق إلا الأعمال الظاهرة ولم يكن له ذوق السماع فاشتغاله بالسماع اشتغال بما لا يعنيه فإنه ليس من أهل اللهو فيلهو ولا من أهل الذوق فيتنعم بذوق السماع فليشتغل بذكر أو خدمة وإلا فهو تضييع لزمانه الثاني هو الذي له ذوق السماع ولكن فيه بقية من الحظوظ والالتفات إلى الشهوات والصفات البشرية ولم ينكسر بعد انكسارا تؤمن غوائله فربما يهيج السماع منه داعية اللهو والشهوة فيقطع عليه طريقه ويصده عن الاستكمال الثالث أن يكون قد انكسرت شهوته وأمنت غائلته وانفتحت بصيرته واستولى على قلبه حب الله تعالى ولكنه لم يحكم ظاهر العلم ولم يعرف أسماء الله تعالى وصفاته وما يجوز عليه وما يستحيل فإذا فتح له باب السماع نزل المسموع في حق الله تعالى على ما يجوز وما لا يجوز فيكون ضرره من تلك الخواطر التي هي كفر أعظم من نفع السماع قال سهل رحمه الله كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل فلا يصلح السماع لمثل هذا ولا لمن قلبه بعد ملوث بحب الدنيا وحب المحمدة والثناء ولا لمن يسمع لأجل التلذذ والاستطابة بالطبع فيصير ذلك عادة له ويشغله ذلك عن عبادته ومراعاة قلبه وينقطع عليه طريقه فالسماع مزلة قدم يجب حفظ الضعفاء عنه قال الجنيد رأيت إبليس في النوم فقلت له هل تظفر من أصحابنا بشيء قال نعم في وقتين وقت السماع ووقت النظر فإني أدخل عليهم به فقال بعض الشيوخ لو رأيته أنا لقلت له ما أحمقك من سمع منه إذا سمع ونظر إليه إذا نظر كيف تظفر به فقال الجنيد صدقت الأدب الثالث أن يكون مصغيا إلى ما يقول القائل حاضر القلب قليل الالتفات إلى الجوانب متحرزا عن النظر إلى وجوه المستمعين وما يظهر عليهم من أحوال الوجد مشتغلا بنفسه ومراعاة قلبه ومراقبة ما يفتح الله تعالى له من رحمته في سره متحفظا عن حركة تشوش على أصحابه قلوبهم بل يكون ساكن الظاهر هادئ الأطراف متحفظا عن التنحنح والتثاؤب ويجلس مطرقا رأسه كجلوسه في فكر مستغرق لقلبه متماسكا عن التصفيق والرقص وسائر الحركات على وجه التصنع والتكلف والمراءاة ساكتا عن النطق في أثناء القول بكل ما عنه بد فإن غلبه الوجد وحركه بغير اختيار فهو فيه معذور غير ملوم ومهما رجع إليه الاختيار فليعد إلى هدوئه وسكونه ولا ينبغي أن يستديمه حياء من أن يقال انقطع وجده على القرب ولا أن يتواجد خوفا من أن يقال هو قاسي القلب عديم الصفاء والرقة حكي أن شابا كان يصحب الجنيد فكان إذا سمع شيئا من الذكر يزعق فقال له الجنيد يوماإن فعلت ذلك مرة أخرى لم تصحبني فكان بعد ذلك يضبط نفسه حتى يقطر من كل شعرة منه قطرة ماء ولا يزعق فحكي أنه اختنق يوما لشدة ضبطه لنفسه فشهق شهقة فانشق قلبه وتلفت نفسه وروي أن موسى عليه السلام قص في بني إسرائيل فمزق واحد منهم ثوبه أو قميصه فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام قل له مزق لي قلبك ولا تمزق ثوبك قال أبو القاسم النصراباذي لأبي عمرو بن عبيد أنا أقول إذا اجتمع القوم فيكون معهم قوال يقول خيرا لهم من أن يغتابوا فقال أبو عمرو الرياء في السماع وهو أن ترى من نفسك حالا ليست فيك شر من أن تغتاب ثلاثين سنة أو نحو ذلك فإن قلت الأفضل هو الذي لا يحركه السماع ولا يؤثر في ظاهره أو الذي يظهر عليه فاعلم أن عدم الظهور تارة يكون لضعف الوارد من الوجد فهو نقصان وتارة يكون مع قوة الوجد في الباطن لكن لا يظهر لكمال القوة على ضبط الجوارح فهو كمال وتارة يكون لكون حال الوجد ملازما ومصاحبا في الأحوال كلها فلا يتبين للسماع مزيد تأثير وهو غاية الكمال فإن صاحب الوجد في غالب الأحوال لا يدوم وجده فمن هو في وجد دائم ثم فهو المرابط للحق والملازم لعين الشهود فهذا لا تغيره طوارق الأحوال ولا يبعد أن تكون الإشارة بقول الصديق رضي الله عنه كنا كما كنتم ثم قست قلوبنا معناه قويت قلوبنا واشتدت فصارت تطيق ملازمة الوجد في كل الأحوال فنحن في سماع معاني القرآن على الدوام فلا يكون القرآن جديدا في حقنا طارئا علينا حتى تتأثر به فإذا قوة الوجد تحرك وقوة العقل والتماسك تضبط الظاهر وقد يغلب أحدهما الآخر إما الشدة قوته وإما لضعف ما يقابله ويكون النقصان والكمال بحسب ذلك فلا تظنن أن الذي يضطرب بنفسه على الأرض أتم وجدا من الساكن باضطرابه بل رب ساكن أتم وجدا من المضطرب فقد كان الجنيد يتحرك في السماع في بدايته ثم صار لا يتحرك فقيل له في ذلك فقال وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إشارة إلى أن القلب مضطرب جائل في الملكوت والجوارح متأدبة في الظاهر ساكنة وقال أبو الحسن محمد بن أحمد وكان بالبصرة صحبت سهل بن عبد الله ستين سنة فما رأيته تغير عند شيء كان يسمعه من الذكر أو القرآن فلما كان في آخر عمره قرأ رجل بين يديه فاليوم لا يؤخذ منكم فدية الآية فرأيته قد ارتعد وكاد يسقط فلما عاد إلى حاله سألته عن ذلك فقال نعم يا حبيبي قد ضعفنا وكذلك سمع مرة قوله تعالى الملك يومئذ الحق للرحمن فاضطرب فسأله ابن سالم وكان من أصحابه فقال قد ضعفت فقيل له فإن كان هذا من مضعف فما قوة الحال فقال أن لا يرد عليه وارد إلا وهو يلتقيه بقوة حاله فلا تغيره الواردات وإن كانت قوية وسبب القدرة على ضبط الظاهر مع وجود الوجد استواء الأحوال بملازمة الشهود كما حكي عن سهل رحمه الله تعالى أنه قال حالتي قبل الصلاة وبعدها واحدة لأنه كان مراعيا للقلب حاضر الذكر مع الله تعالى في كل حال فكذلك يكون قبل السماع وبعده إذ يكون وجده دائما وعطشه متصلا وشربه مستمرا بحيث لا يؤثر السماع في زيادته كما روي أن ممشاد الدينوري أشرف على جماعة فيهم قوال فسكنوا فقال ارجعوا إلى ما كنتم فيه فلو جمعت ملاهي الدنيا في أذني ما شغل همي ولا شفى بعض ما بي وقال الجنيد رحمه الله تعالى لا يضر نقصان الوجد مع فضل العلم وفضل العلم أتم من فضل الوجد فإن قلت فمثل هذا لم يحضر السماع فاعلم أن من هؤلاء من ترك السماع في كبره وكان لا يحضر إلا نادرا لمساعدة أخ من الإخوان وإدخالا للسرور على قلبه وربما حضر ليعرف القوم كمال قوته فيعلمون أنه ليس الكمال بالوجد الظاهر فيتعلمون منه ضبط الظاهر عن التكلف وإن لم يقدروا على الاقتداء به في صيرورته طبعا لهم وإن اتفق حضورهم مع غير أبناء جنسهم فيكونون معهم بأبدانهم نائين عنهم بقلوبهم وبواطنهم كما يجلسون من غير سماع مع غير جنسهم بأسباب عارضة تقتضى الجلوس معهم وبعضهم نقل عنه ترك السماع ويظن أنه كان سبب تركه استغناءه عن السماع بما ذكرناه وبعضهم كان من الزهاد ولم يكن له حظ روحاني في السماع ولا كان من أهل اللهو فتركه لئلا يكون مشغولا بما لا يعنيه وبعضهم تركه لفقد الإخوان قيل لبعضهم لم لا تسمع فقال ممن ومع من الأدب الرابع أن لا يقوم ولا يرفع صوته بالبكاء وهو يقدر على ضبط نفسه ولكن إن رقص أو تباكى فهو مباح إذا لم يقصد به المراءاة لأن التباكي استجلاب للحزن والرقص سبب في تحريك السرور والنشاط فكل سرور مباح فيجوز تحريكه ولو كان ذلك حراما لما نظرت عائشة رضي الله عنها إلى الحبشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يزفنون حديث نظرت عائشة إلى رقص الحبشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يزفنون تقدم في الباب قبله هذا لفظ عائشة رضي الله عنها في بعض الروايات وقد روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم حجلوا لما ورد عليهم سرور أوجب ذلك وذلك في قصة ابنة حمزة لما اختصم فيها علي بن أبي طالب وأخوه جعفر وزيد بن حارثة رضي الله عنهم فتشاحوا في تربيتها فقال صلى الله عليه وسلم لعلي أنت مني وأنا منك فحجل علي وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي فحجل وراء حجل علي وقال لزيد أنت أخونا ومولانا فحجل زيد وراء حجل جعفر ثم قال صلى الله عليه وسلم هي لجعفر لأن خالتها تحته والخالة والدة حديث اختصم علي وجعفر وزيد بن حارثة في ابنة حمزة فقال لعلي أنت مني وأنا منك فحجل وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي فحجل وقال لزيد أنت أخونا ومولانا فحجل الحديث أخرجه أبو داود من حديث علي بإسناد حسن وهو عند البخاري دون فحجل وفي رواية أنه قال لعائشة رضي الله عنها أتحبين أن تنظري إلى زفن الحبشة والزفن والحجل هو الرقص وذلك يكون لفرح أو شوق فحكمه حكم مهيجه إن كان فرحه محمودا والرقص يزيده ويؤكده فهو محمود وإن كان مباحا فهو مباح وإن كان مذموما فهو مذموم نعم لا يليق اعتياد ذلك بمناصب الأكابر وأهل القدوة لأنه في الأكثر يكون عن لهو ولعب وماله صورة اللعب واللهو في أعين الناس فينبغي أن يجتنبه المقتدى به لئلا يصغر في أعين الناس فيترك الاقتداء به وأما تمزيق الثياب فلا رخصة فيه إلا عند خروج الأمر عن الاختيار ولا يبعد أن يغلب الوجد بحيث يمزق ثوبه وهو لا يدري لغلبة سكر الوجد عليه أو يدري ولكن يكون كالمضطر الذي لا يقدر على ضبط نفسه وتكون صورته صورة المكره إذ يكون له في الحركة أو التمزيق متنفس فيضطر إليه اضطرار المريض إلى الأنين ولو كلف الصبر عنه لم يقدر عليه مع أنه فعل اختياري فليس كل فعل حصوله بالإرادة يقدر الإنسان على تركه فالتنفس فعل يحصل بالإرادة ولو كلف الإنسان أن يمسك النفس ساعة لاضطر من باطنه إلى أن يختار التنفس فكذلك الزعقة وتمزيق الثياب قد يكون كذلك فهذا لا يوصف بالتحريم فقد ذكر عند السرى حديث الوجد الحاد الغالب فقال نعم يضرب وجهه بالسيف وهو لا يدري فروجع فيه واستبعد أن ينتهي إلى هذا الحد فأصر عليه ولم يرجع ومعناه أنه في بعض الأحوال قد ينتهي إلى هذا الحد في بعض الأشخاص فإن قلت فما تقول في تمزيق الصوفية الثياب الجديدة بعد سكون الوجد والفراغ من السماع فإنهم يمزقونها قطعا صغارا ويفرقونها على القوم ويسمونها الخرقة فاعلم أن ذلك مباح إذا قطع قطعا مربعة تصلح لترقيع الثياب والسجادات فإن الكرباس يمزق حتى يخاط منه القميص ولا يكون ذلك تضييعا لأنه تمزيق لغرض وكذلك ترقيع الثياب لا يمكن إلا بالقطع الصغار وذلك مقصود والتفرقة على الجميع ليعم ذلك الخير مقصود مباح ولكل مالك أن يقطع كرباسه مائة قطعة ويعطيها لمائة مسكين ولكن ينبغي أن تكون القطع بحيث يمكن أن ينتفع بها في الرقاع وإنما منعنا في السماع التمزيق المفسد للثوب الذي يهلك بعضه بحيث لا يبقى منتفعا به فهو تضييع محض لا يجوز بالاختيار الأدب الخامس موافقه القوم في القيام إذا قام واحد منهم في وجد صادق من غير رياء وتكلف أو قام باختيار من غير إظهار وجد وقامت له الجماعة فلا بد من الموافقة فذلك من آداب الصحبة وكذلك إن جرت عادة طائفة بتنحية العمامة على موافقة صاحب الوجد إذا سقطت عمامته أو خلع الثياب إذا سقط عنه ثوبه بالتمزيق فالموافقة في هذه الأمور من حسن الصحبة والعشرة إذا المخالفة موحشة ولكل قوم رسم ولا بد من مخالقة الناس بأخلاقهم حديث مخالقة الناس بأخلاقهم أخرجه الحاكم من حديث أبي ذر خالقوا الناس بأخلاقهم الحديث قال صحيح على شرط الشيخين كما ورد في الخبر لا سيما إذا كانت أخلاقا فيها حسن العشرة والمجاملة وتطييب القلب بالمساعدة وقول القائل إن ذلك بدعة لم يكن في الصحابة فليس كل ما يحكم بإباحته منقولا عن الصحابة رضي الله عنهم وإنما المحذور ارتكاب بدعة تراغم سنة مأثورة ولم ينقل النهي عن شيء من هذا والقيام عند الدخول للداخل لم يكن من عادة العرب بل كان الصحابة رضي الله عنهم لا يقومون لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال حديث كانوا لا يقومون لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال كما رواه أنس تقدم في آداب الصحبة كما رواه أنس رضي الله عنه ولكن إذا لم يثبت فيه نهي عام فلا نرى به بأسا في البلاد التي جرت العادة فبها بإكرام الداخل بالقيام فإن المقصود منه الاحترام والإكرام وتطييب القلب به وكذلك سائر أنواع المساعدات إذا قصد بها تطييب القلب واصطلح عليها جماعة فلا بأس بمساعدتهم عليها بل الأحسن المساعدة إلا فيما ورد فيه نهي لا يقبل التأويل ومن الأدب أن لا يقوم للرقص مع القوم إن كان يستثقل رقصه ولا يشوش عليهم أحوالهم إذ الرقص من غير إظهار التواجد مباح والمتواجد هو الذي يلوح للجميع منه اثر التكلف ومن يقوم عن صدق لا تستثقله الطباع فقلوب الحاضرين إذا كانوا من أرباب القلوب محك للصدق والتكلف سئل بعضهم عن الوجد الصحيح فقال صحته قبول قلوب الحاضرين له إذا كانوا أشكالا غير أضداد فإن قلت فما بال الطباع تنفر عن الرقص ويسبق إلى الاوهام أنه باطل ولهو ومخالف للدين فلا يراه ذو جد في الدين إلا وينكره فاعلم أن الجد لا يزيد على جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى الحبشة يزفنون في المسجد وما أنكره لما كان في وقت لائق به وهو العيد ومن شخص لائق به وهم الحبشة نعم نفرة الطباع عنه لأنه يرى غالبا مقرونا باللهو واللعب واللهو واللعب مباح ولكن للعوام من الزنوج والحبشة ومن أشبههم وهو مكروه لذوي المناصب لأنه لا يليق بهم وما كره لكونه غير لائق بمنصب ذي المنصب فلا يجوز أن يوصف بالتحريم فمن سأل فقيرا شيئا فأعطاه رغيفا كان ذلك طاعة مستحسنة ولو سأل ملكا فأعطاه رغيفا أو رغيفين لكان ذلك منكرا عند الناس كافة ومكتوبا في تواريخ الأخبار من جملة مساويه ويعير به أعقابه وأشياعه ومع هذا فلا يجوز أن يقال ما فعله حرام لأنه من حيث إنه أعطى خبزا للفقير حسن ومن حيث أنه بالإضافة إلى منصبه كالمنع بالإضافة إلى الفقير مستقبح فكذلك الراقص وما يجري مجراه من المباحات ومباحات العوام سيئات الأبرار وحسنات الأبرار سيئات المقربين ولكن هذا من حيث الالتفات إلى المناصب وأما إذا نظر إليه في نفسه وجب الحكم بأنه هو في نفسه لا تحريم فيه والله أعلم فقد خرج من جملة التفصيل السابق أن السماع قد يكون حراما محضا وقد يكون مباحا وقد يكون مكروها وقد يكون مستحبا أما الحرام فهو لأكثر الناس من الشبان ومن غلبت عليهم شهوة الدنيا فلا يحرك السماع منهم إلا ما هو الغالب على قلوبهم من الصفات المذمومة وأما المكروه فهو لمن لا ينزله على صورة المخلوقين ولكنه يتخذه عادة له في أكثر الأوقات على سبيل اللهو وأما المباح فهو لمن لا حظ له منه إلا التلذذ بالصوت الحسن وأما المستحب فهو لمن غلب عليه حب الله تعالى ولم يحرك السماع منه إلا الصفات المحمودة والحمد لله وحده صلى الله عليه وسلم و على محمد وآله.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الإثنين 02 أبريل 2012, 6:49 am | |
| كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وهو الكتاب التاسع من ربع العادات الثاني من كتب إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا تستفتح الكتب إلا بحمده ولا تستمنح النعم إلا بواسطة كرمه ورفده والصلاة على سيد الأنبياء محمد رسوله وعبده وعلى آله الطيبين وأصحابه الطاهرين من بعده أما بعد فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الاعظم في الدين وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين ولو طوى بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد واتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد وقد كان الذي خفنا أن يكون فإنا لله وإنا إليه راجعون إذ قد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه وانمحق بالكلية حقيقته ورسمه فاستولت على القلوب مداهنة الخلق وانمحت عنها مراقبة الخالق واسترسل الناس في اتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم وعز على بساط الأرض مؤمن صادق لا تأخذه في الله لومة لائم فمن سعى في تلافي هذه الفترة وسد هذه الثلمة إما متكفلا بعملها أو متقلدا لتنفيذها مجددا لهذه السنة الداثرة ناهضا بأعبائها ومتشمرا في إحيائها كان مستأثرا من بين الخلق بإحياء سنة أفضى الزمان إلى إماتتها ومستبدا بقربة تتضاءل درجات القرب دون ذروتها وها نحن نشرح علمه في أربعة أبواب :
الباب الأول في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضيلته الباب الثاني في أركانه وشروطه الباب الثالث في مجاريه وبيان المنكرات المألوفة في العادات الباب الرابع في أمر الأمراء والسلاطين بالمعروف ونهيهم عن المنكر
الباب الأول
في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضيلته والمذمة في إهماله وإضاعته
ويدل على ذلك بعد إجماع الأمة عليه وإشارات العقول السليمة إليه الآيات والاخبار والآثار .
أما الآيات : - فقوله تعالى { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } ففي الآية بيان الإيجاب فإن قوله تعالى ولتكن أمر وظاهر الأمر الإيجاب وفيها بيان أن الفلاح منوط به إذ حصر وقال وأولئك هم المفلحون وفيها بيان أنه فرض كفاية لا فرض عين وأنه إذا قام به أمة سقط الفرض عن الآخرين إذ لم يقل كونوا كلكم آمرين بالمعروف بل قال ولتكن منكم أمة فإذا مهما قام به واحد أو جماعة سقط الحرج عن الآخرين واختص الفلاح بالقائمين به المباشرين وإن تقاعد عنه الخلق أجمعون عم الحرج كافة القادرين عليه لا محالة . - وقال تعالى { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين} فلم يشهد لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى اضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقال تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة فقد نعت المؤمنين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن هؤلاء المؤمنين المنعوتين في هذه الآية - وقال تعالى } لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون {وهذا غاية التشديد إذ علل استحقاقهم للعنة بتركهم النهي عن المنكر . - وقال عز وجل { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } وهذا يدل على فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ بين أنهم كانوا به خير أمة أخرجت للناس . - وقال تعالى { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } فبين أنهم استفادوا النجاة بالنهي عن السوء ويدل ذلك على الوجوب أيضا . - وقال تعالى { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر } فقرن ذلك بالصلاة والزكاة في نعت الصالحين والمؤمنين . - وقال تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } وهو أمر جزم ومعنى التعاون الحث عليه وتسهيل طرق الخير وسد سبل الشر والعدوان بحسب الإمكان . - وقال تعالى { لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون }فبين أنهم أثموا بترك النهي . - وقال تعالى { فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض .. الآية} فبين أنه أهلك جميعهم إلا قليلا منهم كانوا ينهون عن الفساد . - وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم أو الوالدين والاقربين } وذلك هو الأمر بالمعروف للوالدين والأقربين . - وقال تعالى { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما } . - وقال تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ..الآية } والاصلاح نهي عن البغي وإعادة إلى الطاعة فإن لم يفعل فقد أمر الله تعالى بقتاله فقال فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله وذلك هو النهي عن المنكر .
وأما الأخبار : - فمنها ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال في خطبة خطبها أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتؤولونها على خلاف تأويلها يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم حديث أبي بكر أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتؤولونها على خلاف تأويلها يا أيها الذين آمنوا عليكم انفسكم الحديث أخرجه أصحاب السنن وتقدم في العزلة وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من قوم عملوا بالمعاصي وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم فلم يفعل إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده . - وروى عن أبي ثعلبة الخشنى أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى لا يضركم من ضل إذا اهتديتم حديث أبي ثعلبة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى لا يضركم من ضل إذا اهتديتم الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه فقال يا أبا ثعلبة مر بالمعروف وانه عن المنكر فإذا رأيت شحا مطاعا وهوىمتبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك ودع عنك العوام إن من ورائكم فتنا كقطع الليل المظلم للمتمسك فيها بمثل الذي أنتم عليه أجر خمسين منكم قيل بل منهم يا رسول الله قال لا بل منكم لأنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون عليه أعوانا . - وسئل ابن مسعود رضي الله عنه عن تفسير هذه الآية فقال إن هذا ليس زمانها إنها اليوم مقبولة ولكن قد اوشك أن يأتي زمانها تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا وتقولون فلا يقبل منكم فحينئذ عليكم انفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم . - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم حديث لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم أخرجه البزار من حديث عمر بن الخطاب والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة وكلاهما ضعيف وللترمذي من حديث حذيفة نحوه إلا انه قال أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم قال هذا حديث حسن معناه تسقط مهابتهم من أعين الاشرار فلا يخافونهم . - وقال صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس إن الله يقول لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم حديث يا أيها الناس إن الله سبحانه يقول لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم أخرجه أحمد والبيهقي من حديث عائشة بلفظ مروا وانهوا وهو عند ابن ماجه دون عزوه إلى كلام الله تعالى وفي إسناده لين . - وقال صلى الله عليه وسلم ما أعمال البر عند الجهاد في سبيل الله إلا كنفثة في بحر لجي وما جميع أعمال البر والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثةفي بحر لجي حديث ما أعمال البر عند الجهاد في سبيل الله إلا كنفثة في بحر لجي رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس مقتصرا على الشطر الأول من حديث جابر بإسناد ضعيف وأما الشطر الأخير فرواه على بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية من رواية يحيى بن عطاء مرسلا أو معضلا ولا أدري من يحيى بن عطاء . - وقال صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى ليسأل العبد ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره فإذا لقن الله العبد حجته قال رب وثقت بك وفرقت من الناس حديث إن الله تعالى ليسأل العبد ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره الحديث أخرجه ابن ماجه وقد تقدم . - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والجلوس على الطرقات قالوا ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها قال فإذا أبيتم إلا ذلك فأعطوا الطريق حقها قالوا وما حق الطريق قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث إياكم والجلوس على الطرقاتالحديث متفق عليه من حديث أبي سعيد . - وقال صلى الله عليه وسلم كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله تعالى حديث كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف الحديث تقدم في العلم . - وقال صلى الله عليه وسلم إن الله لا يعذب الخاصة بذنوب العامة حتى يرى المنكر بين أظهرهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه حديث إن الله لا يعذب الخاصة بذنوب العامة حتى يروا المنكرالحديث أخرجه أحمد من حديث عدي بن عميرة وفيه من يسم والطبراني من حديث أخيه العرس بن عميرة وفيه من لم أعرفه . - وروى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كيف انتم إذا طغى نساؤكم وفسق شبانكم وتركتم جهادكم قالوا وان ذلك لكائن يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه يا رسول الله كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر قالوا وكائن ذلك يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكراوالمنكر معروفا قالوا وكائن ذلك يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه قال كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف قالوا وكائن ذلك يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون يقول الله تعالى بي حلفت لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيران حديث أبي أمامة كيف بكم إذا طغى نساؤكم وفسق شبابكم وتركتم جهادكم قالوا وإن ذلك كائن يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه قال كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا بإسناد ضعيف دون قوله كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ورواه أبو يعلي من حديث أبي هريرة مقتصرا على الاسئلة الثلاثة الأول واجوبتها دون الاخيرين وإسناده ضعيف . - وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقفن عند رجل يقتل مظلوما فإن اللعنة تنزل على من حضره ولم يدفع عنه ولا تقفن عند رجل يضرب مظلوما فإن اللعنة تنزل على من حضره ولم يدفع عنه حديث عكرمة عن ابن عباس لا تقفن عند رجل يقتل مظلوما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه أخرجه الطبراني بسند ضعيف والبيهقي في شعب الإيمان بسند حسن قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لامرئ شهد مقاما فيه حق إلا تكلم به فإنه لن يقدم أجله ولن يحرمه رزقا هو له حديث لا ينبغي لامرئ شهد مقاما فيه حق إلا تكلم به فإنه لن يقدم أجله ولن يحرمه رزقا هو له أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس بسند الحديث الذي قبله . - وروى الترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث أبي سعيد لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول الحق إذا علمه وهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز دخول دور الظلمة والفسقة ولا حضور المواضع التي يشاهد المنكر فيها ولا يقدر على تغييره فإنه قال اللعنة تنزل على من حضر ولا يجوز له مشاهدة المنكر من غير حاجة اعتذارا بأنه عاجز ولهذا اختار جماعة من السلف العزلة لمشاهدتهم المنكرات في الأسواق والاعياد والمجامع وعجزهم عن التغيير وهذا يقتضي لزوم الهجر للخلق ولهذا قال عمر ابن عبد العزيز رحمه الله ما ساح السواح وخلوا دورهم وأولادهم إلا بمثل ما نزل بنا حين رأوا الشر قد ظهر والخير قد اندرس ورأوا أنه لا يقبل ممن تكلم ورأوا الفتن ولم يأمنوا أن تعتريهم وان ينزل العذاب بأولئك القوم فلا يسلمون منه فرأوا أن مجاورة السباع وأكل البقول خير من مجاوره هؤلاء في نعيمهم ثم قرأ ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين قال ففر قوم فلولا ما جعل الله جل ثناؤه في النبوة من السر لقلنا ما هم بأفضل من هؤلاء فيما بلغنا أن الملائكة عليهم السلام لتلقاهم وتصافحهم والسحاب والسباع تمر بأحدهم فيناديها فتجيبه ويسألها أين أمرت فتخبره وليس بنبي . - وقال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حضر معصية فكرهها فكأنه غاب عنها ومن غاب عنها فأحبها فكأنه حضرها حديث أبي هريرة من حضر معصية فكرهها فكأنه غاب عنها ومن غاب عنها فأحيها فكأنه حضرها رواه ابن عدي وفيه يحيى بن أبي سلمان قال البخاري منكر الحديث ومعنى الحديث أن يحضر لحاجة أو يتفق جريان ذلك يديه فأما الحضور قصدا فممنوع بدليل الحديث الأول . - وقال ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعث الله عز وجل نبيا إلا وله حواري فيمكث النبي بين أظهرهم ما شاء الله تعالى يعمل فيهم بكتاب الله وبأمره حتى إذا قبض الله نبيه مكث الحواريون يعملون بكتاب الله وبأمره وبسنة نبيهم فإذا انقرضوا كان من بعدهم قوم يركبون رءوس المنابر يقولون ما يعرفون ويعملون ما ينكرون فإذا رأيتم ذلك فحق على كل مؤمن جهادهم بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليس وراء ذلك إسلام حديث ابن مسعود ما بعث الله عز وجل نبيا إلا وله حواري الحديث روى مسلم نحوه . - وقال ابن مسعود رضي الله عنه كان أهل قرية يعملون بالمعاصي وكان فيهم أربعة نفر ينكرون ما يعملون فقام أحدهم فقال إنكم تعملون كذا وكذا فجعل ينهاهم ويخبرهم بقبيح ما يصنعون فجعلوا يردون عليه ولا يرعوون عن أعمالهم فسبهم فسبوه وقاتلهم فغلبوه فاعتزل ثم قال اللهم إني قد نهيتهم فلم يطيعوني وسببتهم فسبوني وقاتلتهم فغلبوني ثم ذهب ثم قام الآخر فنهاههم فلم يطيعوه فسبهم فسبوه فاعتزل ثم قال اللهم إني قد نهيتهم فلم يطيعوني وسببتهم فسبوني ولو قاتلتهم لغلبوني ثم ذهب قام الثالث فنهاهم فلم يطيعوه فاعتزل ثم قال اللهم إني قد نهيتهم فلم يطيعوني ولو سببتهم لسبوني ولو قاتلتهم لغلبوني ثم ذهب ثم قام الرابع فقال اللهم إني لو نهيتهم لعصوني ولو سببتهم لسبوني ولو قاتلتهم لغلبوني ثم ذهب قال ابن مسعود رضي الله عنه كان الرابع أدناهم منزلة وقليل فيكم مثله وقال ابن عباس رضي الله عنهما قيل يا رسول الله أتهلك القرية وفيها الصالحون قال نعم قيل بم يا رسول الله قال بتهاونهم وسكوتهم على معاصي الله تعالى حديث ابن عباس قيل يا رسول الله أتهلك القرية وفيها الصالحون قال نعم قيل بم يا رسول الله قال بتهاونهم وسكوتهم عن معاصي الله أخرجه البزار والطبراني بسند ضعيف . - وقال جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوحى الله تبارك وتعالى إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها فقال يا رب إن فيهم عبدك فلانا لم يعصك طرفة عين قال اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط حديث جابر أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها قال فقال يا رب إن فيهم عبدك فلانا الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب وضعفه وقال المحفوظ من قول مالك بن دينار . - وقالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عذب أهل قرية فيها ثمانية عشر ألفا عملهم عمل الأنبياء قالوا يا رسول الله كيف قال لم يكونوا يغضبون لله ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر حديث عائشة عذب أهل قرية فيها ثمانية عشر ألفا عملهم عمل الأنبياء لم أقف عليه مرفوعا . - وروى ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن إبراهيم بن عمر الصنعاني أوحى الله إلى يوشع بن نون إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم قال يا رب هؤلاء الاشرار فما بال الأخيار قال انهم لم يغضبوا لغضبي فكانوا يؤاكلونهم ويشاربونهم وعن عروة عن أبيه قال قال موسى صلى الله عليه وسلم يا رب أي عبادك أحب إليك قال الذي يتسرع إلى هواي كما يتسرع النسر إلى هواه والذي يكلف بعبادي الصالحين كما يكلف الصبي بالثدي والذي يغضب إذا أتيت محارمي كما يغضب النمر لنفسه فإن النمر إذا غضب لنفسه لم يبال قل الناس أم كثروا وهذا يدل على فضيلة الحسبة مع شدة الخوف. - وقال أبو ذر الغفاري قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا رسول الله هل من جهاد غير قتال المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم يا أبا بكر إن لله تعالى مجاهدين في الأرض أفضل من الشهداء أحياء مرزوقين يمشون على الأرض يباهي الله بهم ملائكة السماء وتزين لهم الجنة كما تزينت أم سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله ومن هم قال الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والمحبون في الله والمبغضون في الله ثم قال والذي نفسي بيده إن العبد منهم ليكون في الغرفة فوق الغرفات فوق غرف الشهداء للغرفة منها ثلثمائة ألف باب منها الياقوت والزمرد الأخضر على كل باب نور وإن الرجل منهم ليزوج بثلثمائة ألف حوراء قاصرات الطرف عين كلما التفت إلى واحدة منهن فنظر إليها تقول له أتذكر يوم كذا وكذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر كلما نظر إلى واحدة منهن ذكرت له مقاما أمر فيه بمعروف ونهى فيه عن منكر حديث أبي ذر قال أبو بكر يا رسول الله هل من جهاد غير قتال المشركين قال نعم يا أبا بكر إن لله تعالى مجاهدين في الأرض أفضل من الشهداء فذكر الحديث وفيه فقال هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكرالحديث بطوله لم أقف له على أصل وهو منكر . - وقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قلت يا رسول الله أي الشهداء أكرم على الله عز وجل قال رجل قام إلى وال جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله فإن لم يقتله فإن القلم لا يجرى عليه بعد ذلك وإن عاش ما عاش حديث أبي عبيدة قلت يا رسول الله أي الشهداء أكرم على الله قال رجل قام إلى وال جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتلهالحديث أخرجه البزار مقتصرا على هذا دون قوله فإن لم يقتله إلى آخره وهذه الزيادة منكره وفيه أبو الحسن غير مشهور لا يعرف . - وقال الحسن البصري رحمه الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل شهداء أمتي رجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله على ذلك فذلك الشهيد منزلته في الجنة بين حمزة وجعفر حديث الحسن البصري مرسلا أفضل شهداء أمتي رجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله على ذلك فذلك الشهيد منزلته في الجنة بين حمزة وجعفر لم أره من حديث الحسن وللحاكم في المستدرك وصحح إسناده من حديث جابر سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله . - وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بئس القوم قوم لا يأمرون بالقسط وبئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر حديث عمر بئس القوم قوم لا يأمرون بالقسط وبئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر رواه أبو الشيخ ابن حبان من حديث جابر بسند ضعيف وأما حديث عمر فأشار إليه أبو منصور الديلمي بقوله وفي الباب ورواه على بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية من حديث الحسن مرسلا .
وأما الآثار : - فقد قال أبو الدرداء رضي الله عنه لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطانا ظالما لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم ويدعوا عليه خياركم فلا يستجاب لهم وتستنصرون فلا تنصرون وتستغفرون فلا يغفر لكم . - وسئل حذيفة رضي الله عنه عن ميت الأحياء فقال الذي لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه . - وقال مالك بن دينار كان حبر من أحبار بني إسرائيل يغشى الرجال والنساء منزله يعظهم ويذكرهم بأيام الله عز وجل فرأى بعض بنيه يوما وقد غمز بعض النساء فقال مهلا يا بني مهلا وسقط من سريره فانقطع نخاعة وأسقطت امرأته وقتل بنوه في الجيش فأوحى الله تعالى إلى نبي زمانه أن أخبر فلانا الخبر أني لا أخرج من صلبك صديقا أبدا أما كان من غضبك لي إلا أن قلت مهلا يا بني مهلا. - وقال حذيفة يأتي على الناس زمان لأن تكون فيهم جيفة حمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم وينهاهم . - وأوحى الله تعالى إلى يوشع بن نون عليه السلام إني مهلك من قومك أربعين الفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم فقال يا رب هؤلاء الاشرار فما بال الأخيار قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وواكلوهم وشاربوهم . - وقال بلال بن سعد إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها فإذا اعلنت ولم تغير اضرت بالعامة . - وقال كعب الأحبار لأبي مسلم الخولاني كيف منزلتك من قومك قال حسنة قال كعب أن التوراة لتقول غير ذلك قال وما تقول قال تقول إن الرجل إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ساءت منزلته عند قومه فقال صدقت التوراة وكذب أبو مسلم . - وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يأتي العمال ثم قعد عنهم فقيل له لو أتيتهم فلعلهم يجدون في أنفسهم فقال أرهب إن تكلمت أن يروا أن الذي بي غير الذي بي وان سكت رهبت أن آثم وهذا يدل على أن من عجز عن الأمر بالمعروف فعليه أن يبعد عن ذلك الموضع ويستتر عنه حتى لا يجري بمشهد منه . - وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ثم الجهاد بألسنتكم ثم الجهاد بقلوبكم فإذا لم يعرف القلب المعروف ولم ينكر المنكر نكس فجعل أعلاه اسفله . - وقال سهل بن عبد الله رحمه الله أيما عبد عمل في شيء من دينه بما أمر به أو نهى عنه وتعلق به عند فساد الأمور وتنكرها وتشوش الزمان فهو ممن قد قام لله في زمانه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معناه أنه إذا لم يقدر إلا على نفسه فقام بها وأنكر أحوال الغير بقلبه فقد جاء بما هو الغاية في حقه . - وقيل للفضيل ألا تأمر وتنهى فقال إن قوما أمروا ونهوا فكفروا وذلك أنهم لم يصبروا على ما أصيبوا . - وقيل للثوري ألا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فقال إذا انبثق البحر فمن يقدر أن يسكره فقد ظهر بهذه الأدلة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب وأن فرضه لا يسقط مع القدرة إلا بقيام قائم به فلنذكر الآن شروطه وشروط وجوبه
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الإثنين 02 أبريل 2012, 7:02 am | |
| الباب الثاني
في أركان الأمر بالمعروف وشروطه
أعلم أن الأركان في الحسبة التي هي عبارة شاملة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أربعة : المحتسب ، والمحتسب عليه ، والمحتسب فيه ، ونفس الاحتساب فهذه أربعة اركان ولكل واحد منها شروطه.
الركن الأول : المحتسب : وله شروط وهو أن يكون مكلفا مسلما قادرا فيخرج منه المجنون والصبي والكافر والعاجز ويدخل فيه آحاد الرعايا وإن لم يكونوا مأذونين ويدخل فيه الفاسق والرقيق والمرأة فلنذكر وجه اشتراط ما اشترطناه ووجه اطراح ما أطرحناه .
-- أما الشرط الأول : وهو التكليف فلا يخفى وجه اشتراطه فإن غير المكلف لا يلزمه أمر وما ذكرناه أردنا به شرط الوجوب فأما إمكان الفعل وجوازه فلا يستدعي إلا العقل حتى إن الصبي المراهق للبلوغ المميز وإن لم يكن مكلفا فله إنكار المنكر وله أن يريق الخمر ويكسر الملاهي وإذا فعل ذلك نال به ثوابا ولم يكن لأحد منعه من حيث إنه ليس بمكلف فإن هذه قربة وهو من أهلها كالصلاة والإمامة وسائر القربات وليس حكمه حكم الولايات حتى يشترط فيه التكليف ولذلك اثبتناه للعبد وآحاد الرعية نعم في المنع بالفعل وإبطال المنكر نوع ولاية وسلطنة ولكنها تستفاد بمجرد الإيمان كقتل المشرك وإبطال أسبابه وسلب أسلحته فإن للصبي أن يفعل ذلك حيث لا يستضر به فالمنع من الفسق كالمنع من الكفر. - وأما الشرط الثاني : وهو الإيمان فلا يخفى وجه اشتراطه لأن هذا نصرة للدين فكيف يكون من أهله من هو جاحد لاصل الدين وعدو له
- وأما الشرط الثالث وهو العدالة فقد اعتبرها قوم وقالوا ليس للفاسق أن يحتسب وربما استدلوا فيه بالنكير الوارد على من يأمر بما لا يفعله مثل قوله تعالى : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم } ، وقوله تعالى : { كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } ، وبما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " مررت ليلة اسرى بي بقوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من انتم فقالوا كنا نامر بالخير ولا ناتيه وننهى عن الشر وناتيه حديث مررت ليلة أسري بي بقوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار" الحديث تقدم في العلم ، وبما روى أن الله تعالى أوحى إلى عيسى صلى الله عليه وسلم ( عظ نفسك فان أتعظت فعظ الناس وألا فاستحي مني ) وربما استدلوا من طريق القياس بأن هداية الغير فرع للإهتداء وكذلك تقويم الغير فرع للاستقامة والإصلاح زكاة عن نصاب الصلاح فمن ليس بصالح في نفسه فكيف يصلح غيره ومتى يستقيم الظل والعود اعوج وكل ما ذكروه خيالات وانما الحق أن للفاسق أن يحتسب وبرهانه هو أن نقول هل يشترط في الإحتساب أن يكون متعاطيه معصوما عن المعاصي كلها فان شرط ذلك فهو خرق للاجماع ثم حسم لباب الاحتساب إذ لا عصمة للصحابة فضلا عمن دونهم والأنبياء عليهم السلام قد اختلف في عصمتهم عن الخطايا والقرآن العزيز دال على نسبة آدم عليه السلام إلى المعصية وكذا جماعة من الأنبياء ولهذا قال سعيد بن جبير إن لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر إلا من لا يكون فيه شيء لم يأمر أحد بشيء فأعجب مالكا ذلك من سعيد بن جبير وإن زعموا أن ذلك لا يشترط عن الصغائر حتى يجوز للابس الحرير أن يمنع من الزنا وشرب الخمر فنقول وهل لشارب الخمر أن يغزو الكفار ويحتسب عليهم بالمنع من الكفر فإن قالوا لا خرقوا الإجماع إذ جنود المسلمين لم تزل مشتملة على البر والفاجر وشارب الخمر وظالم الايتام ولم يمنعوا من الغزو لا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بعده فإن قالوا نعم فنقول شارب الخمر هل له المنع من القتل أم لا فإن قالوا لا قلنا فما الفرق بينه وبين لابس الحرير إذ جاز له المنع من الخمر والقتل كبيرة بالنسبة إلى الشرب كالشرب بالنسبة إلى لبس الحرير فلا فرق وإن قالوا نعم وفصلوا الأمر فيه بأن كل مقدم على شيء فلا يمنع عن مثله ولا عما دونه وإنما يمنع عما فوقه فهذا تحكم فإنه كما لا يبعد أن يمنع الشارب من الزنا والقتل فمن أين يبعد أن يمنع الزاني من الشرب بل من أين يبعد أن يشرب ويمنع غلمانه وخدمه من الشرب ويقول يجب على الانتهاء والنهي فمن أين يلزمني من العصيان بأحدهما أن أعصى الله تعالى بالثاني وإذا كان النهي واجبا على فمن أين يسقط وجوبه بإقدامي إذ يستحيل أن يقال يجب النهي عن شرب الخمر عليه ما لم يشرب فإذا شرب سقط النهى فإن قيل فيلزم على هذا أن يقول القائل الواجب على الوضوء والصلاة فأنا أتوضأ وإن لم أصل وأتسحر وإن لم أصم لأن المستحب لي السحور والصوم جميعا ولكن يقال أحدهما مرتب على الآخر فكذلك تقويم الغير مرتب على تقويمه بنفسه فليبدأ نفسه ثم بمن يعول والجواب أن التسحر يراد للصوم ولولا الصوم لما كان التسحر مستحبا وما يراد لغيره لا ينفك عن ذلك الغير وإصلاح الغير لا يراد لإصلاح النفس ولا إصلاح النفس لإصلاح الغير فالقول بترتب أحدهما على الآخر تحكم وأما الوضوء والصلاة فهو لازم فلا جرم أن من توضأ ولم يصل كان مؤديا أمر الوضوء وكان عقابه أقل من عقاب من ترك الصلاة والوضوء جميعا فليكن من ترك النهي والانتهاء اكثر عقابا ممن نهى ولم ينته كيف والوضوء شرط لا يراد لنفسه بل للصلاة فلا حكم له دون الصلاة وأما الحسبة فليست شرطا في الانتهاء والائتمار فلا مشابهة بينهما فإن قيل فيلزم على هذا أن يقال إذا زنى الرجل بإمرأة وهي مكرهة مستورة الوجه فكشفت وجهها باختيارها فأخذ الرجل يحتسب في أثناء الزنا ويقول أنت مكرهة في الزنا ومختارة في كشف الوجه لغير محرم وها أنا غير محرم لك فاستري وجهك فهذا احتساب شنيع يستنكره قلب كل عاقل ويستشنعه كل طبع سليم فالجواب أن الحق قد يكون شنيعا وأن الباطل قد يكون مستحسنا بالطباع والمتبع الدليل دون نفرة الاوهام والخيالات فإنا نقول قوله لها في تلك الحالة لا تكشفي وجهك واجب أو مباح أو حرام فإن قلتم إنه واجب فهو الغرض لأن الكشف معصية والنهي عن المعصية حق وإن قلتم إنه مباح فإذن له أن يقول ما هو مباح فما معنى قولكم ليس للفاسق الحسبة وإن قلتم إنه حرام فنقول وكان هذا واجبا فمن أين حرم بإقدامه على الزنا ومن الغريب أن يصير الواجب حراما بسبب ارتكاب حرام آخر وأما نفرة الطباع عنه واستنكارها له فهو لسببين أحدهما أنه ترك الاهم واشتغل بما هو مهم وكما أن الطباع تنفر عن ترك المهم إلى ما لا يعني فتنفر عن ترك الأهم والاشتغال بالمهم كما تنفر عمن يتحرج عن تناول طعام مغصوب وهو مواظب على الربا وكما تنفر عمن يتصاون عن الغيبة ويشهد بالزور لأن الشهادة بالزور أفحش وأشد من الغيبة التي هي إخبار عن كائن يصدق فيه المخبر وهذا الاستبعاد في النفوس لا يدل على أن ترك الغيبة ليس بواجب وأنه لو اغتاب أو أكل لقمة من حرام لم تزد بذلك عقوبته فكذلك ضرره في الآخرة من معصيته أكثر من ضرره من معصية غيره فاشتغاله عن الأقل بالاكثر مستنكر في الطبع من حيث إنه ترك الأكثر لا من حيث إنه أتى بالاقل فمن غصب فرسه ولجام فرسه فاشتغل بطلب اللجام وترك الفرس نفرت عنه الطباع ويرى مسيئا إذ قد صدر منه طلب اللجام وهو غير منكر ولكن المنكر تركه لطلب الفرس بطلب اللجام فاشتد الإنكار عليه لتركه الاهم بما دونه فكذلك حسبة الفاسق تستبعد من هذا الوجه وهذا لا يدل على أن حسبته من حيث إنها حسبة مستنكرة.
الثاني أن الحسبة تارة تكون بالنهي بالوعظ وتارة بالقهر ولا ينجع وعظ من لا يتعظ أولا ونحن نقول من علم أن قوله لا يقبل في الحسبة لعلم الناس بفسقه فليس عليه الحسبة بالوعظ إذ لا فائدة في وعظه فالفسق يؤثر في إسقاط فائدة كلامه ثم إذا سقطت فائدة كلامه سقط وجوب الكلام. فأما إذا كانت الحسبة بالمنع فالمراد منه القهر وتمام القهر أن يكون بالفعل والحجة جميعا وإذا كان فاسقا فإن قهر بالفعل فقد قهر بالحجة إذ يتوجه عليه أن يقال له فأنت لم تقدم عليه فتنفر الطباع عن قهره بالفعل مع كونه مقهورا بالحجة وذلك لا يخرج الفعل عن كونه حقا كما أن يذب الظالم عن آحاد المسلمين ويهمل أباه وهو مظلوم معهم تنفر الطباع عنه ولا يخرج دفعه عن المسلم عن كونه حقا فخرج من هذا أن الفاسق ليس عليه الحسبة بالوعظ على من يعرف فسقه لأنه لا يتعظ وإذا لم يكن عليه ذلك وعلم أنه يفضى إلى تطويل اللسان في عرضه بالإنكار فنقول ليس له ذلك أيضا فرجع الكلام إلى أن أحد نوعي الاحتساب وهو الوعظ قد بطل بالفسق وصارت العدالة مشروطة فيه
وأما الحسبة القهرية فلا يشترط فيها ذلك فلا حرج على الفاسق في إراقة الخمور وكسر الملاهي وغيرها إذا قدر وهذا غاية الإنصاف والكشف في المسألة وأما الآيات التي استدلوا بها فهو إنكار عليهم من حيث تركهم المعروف لا من حيث أمرهم ولكن أمرهم دل على قوة علمهم وعقاب العالم أشد لأنه لا عذر له مع قوة علمه وقوله تعالى لم تقولون ما لا تفعلون المراد به الوعد الكاذب وقوله عز وجل وتنسون انفسكم إنكار من حيث إنهم نسوا أنفسهم لا من حيث إنهم أمروا غيرهم ولكن ذكر أمر الغير استدلالا به على علمهم وتأكيدا للحجة عليهم وقوله يا ابن مريم عظ نفسك الحديث هو في الحسبة بالوعظ وقد سلمنا أن وعظ الفاسق ساقط الجدوى عند من يعرف فسقه ثم قوله فاستحي مني لا يدل على تحريم وعظ الغير بل معناه استحى مني فلا تترك الأهم وتشتغل بالمهم كما يقال احفظ اباك ثم جارك وإلا فاستحي فإن قيل فليجز للكافر الذمي أن يحتسب على المسلم إذا رآه يزني لأن قوله لا تزن حق في نفسه فمحال أن يكون حراما عليه بل ينبغي أن يكون مباحا أو واجبا قلنا الكافر إن منع المسلم بفعله فهو تسلط عليه فيمنع من حيث إنه تسلط وما جعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا وأما مجرد قوله لا تزن فليس بمحرم عليه من حيث إنه نهي عن الزنا ولكن من حيث إنه إظهار دالة الاحتكام على المسلم وفيه إذلال للمحتكم عليه والفاسق يستحق الإذلال ولكن لا من الكافر الذي هو أولى بالذل منه فهذا وجه منعنا إياه من الحسبة وإلا فلسنا نقول إن الكافر يعاقب بسبب قوله لا تزن من حيث إنه نهى بل نقول إنه إذا لم يقل لا تزن يعاقب عليه إن رأينا خطاب الكافر بفروع الدين وفيه نظر استوفيناه في الفقهيات ولا يليق بغرضنا الآن .
- الشرط الرابع : كونه مأذونا من جهة الأمام والوالي فقد شرط قوم هذا الشرط ولم يثبتوا للآحاد من الرعية الحسبة وهذا الاشتراط فاسد فإن الآيات والاخبار التي اوردناها تدل على أن كل من رأى منكرا فسكت عليه عصى إذ يجب نهيه اينما رآه وكيفما رآه على العموم فالتخصيص بشرط التفويض من الإمام تحكم لا أصل له والعجب أن الروافض زادوا على هذا فقالوا لا يجوز الأمر بالمعروف ما لم يخرج الإمام المعصوم وهو الإمام الحق عندهم وهؤلاء اخس رتبة من أن يكلموا بل جوابهم أن يقال لهم إذا جاءوا إلى القضاء طالبين لحقوقهم في دمائهم وأموالهم إن نصرتكم أمر بالمعروف واستخراج حقوقكم من أيدي من ظلمكم نهى عن المنكر وطلبكم لحقكم من جملة المعروف وما هذا زمان النهي عن الظلم وطلب الحقوق لأن الإمام الحق بعد لم يخرج فإن قيل في الأمر بالمعروف إثبات سلطنة وولاية واحتكام على المحكوم عليه ولذلك لم يثبت للكافر على المسلم مع كونه حقا فينبغي أن لا يثبت لآحاد الرعية إلا بتفويض من الوالي وصاحب الأمر فنقول أما الكافر فممنوع لما فيه من السلطنة وعز الاحتكام والكافر ذليل فلا يستحق أن ينال عز التحكم على المسلم وأما آحاد المسلمين فيستحقون هذا العز بالدين والمعرفة وما فيه من عز السلطنة والاحتكام لا يحوج إلى تفويض كعز التعليم والتعريف إذ لا خلاف في أن تعريف التحريم والايجاب لمن هو جاهل ومقدم على المنكر بجهله لا يحتاج إلى إذن الوالي وفيه عز الارشاد وعلى المعرف ذلك التجهيل وذلك يكفي فيه مجرد الدين وكذلك النهي.
وشرح القول في هذا أن الحسبة لها خمس مراتب كما سيأتي : - أولها التعريف - والثاني الوعظ بالكلام اللطيف - والثالث السب والتعنيف ولست أعنى بالسب الفحش بل أن يقول يا جاهل يا أحمق ألا تخاف الله وما يجري هذا المجرى - والرابع المنع بالقهر بطريق المباشرة ككسر الملاهي وإراقة الخمر واختطاف الثوب الحرير من لابسه واستلاب الثوب المغصوب منه ورده على صاحبه - والخامس التخويف والتهديد بالضرب ومباشرة الضرب له حتى يمتنع عما هو عليه كالمواظب على الغيبة والقذف فإن سلب لسانه غير ممكن ولكن يحمل على اختيار السكوت بالضرب وهذا قد يحوج إلى استعانة وجمع أعوان من الجانبين ويجر ذلك إلى قتال وسائر المراتب لا يخفى وجه استغنائها عن إذن الإمام إلا المرتبة الخامسة فإن فيها نظرا سيأتي
أما التعريف والوعظ فكيف يحتاج إلى إذن الإمام وأما التجهيل والتحميق والنسبة إلى الفسق وقلة الخوف من الله وما يجري مجراه فهو كلام صدق والصدق مستحق بل أفضل الدرجات كلمة حق عند إمام جائر حديث أفضل الجهاد كلمة حق عند إمام جائر أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري كما ورد في الحديث فإذا جاز الحكم على الإمام على مراغمته فكيف يحتاج إلى إذنه وكذلك كسر الملاهي وإراقة الخمور فإنه تعاطي ما يعرف كونه حقا من غير اجتهاد فلم يفتقر إلى الإمام وأما جمع الاعوان وشهر الاسلحة فذلك قد يجر إلى فتنة عامة ففيه نظر سيأتي واستمرار عادات السلف على الحسبة على الولاة قاطع بإجماعهم على الاستغناء عن التفويض بل كل من أمر بمعروف فإن كان الوالي راضيا به فذاك وإن كان ساخطا له فسخطه له منكر يجب الإنكار عليه فكيف يحتاج إلى اذنه في الإنكار عليه ويدل على ذلك عادة السلف في الإنكار على الأئمة كما روي أن مروان بن الحكم خطب قبل صلاة العيد فقال له رجل إنما الخطبة بعد الصلاة فقال له مروان اترك ذلك يا فلان فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا فلينكره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان حديث إن مروان خطب قبل الصلاة في العيد الحديث وفيه حديث أبي سعيد مرفوعا من رأى منكرا الحديث رواه مسلم فلقد كانوا فهموا من هذه العمومات دخول السلاطين تحتها فكيف يحتاج إلى إذنهم وروى أن المهدي لما قدم مكة لبث بها ما شاء الله فلما أخذ في الطواف نحى الناس عن البيت فوثب عبد الله بن مرزوق فلببه بردائه ثم هزه وقال له انظر ما تصنع من جعلك بهذا البيت أحق ممن أتاه من البعد حتى إذا صار عنده حلت بينه وبينه وقد قال الله تعالى سواء العاكف فيه والباد من جعل لك هذا فنظر في وجهه وكان بعرفه لأنه من مواليهم فقال أعبد الله ابن مرزوق قال نعم فأخذ فجىء به إلى بغداد فكره أن يعاقبه عقوبة يشنع بها عليه في العامة فجعله في اصطبل الدواب ليسوس الدواب وضموا إليه فرسا عضوضا سيىء الخلق ليعقره الفرس فلين الله تعالى له الفرس قال ثم صيروه إلى بيت وأغلق عليه وأخذ المهدي المفتاح عنده فإذا هو قد خرج بعد ثلاث إلى البستان يأكل البقل فأوذن به المهدي فقال له من أخرجك فقال الذي حبسني فضج المهدي وصاح وقال ما تخاف أن أقتلك فرفع عبد الله إليه رأسه يضحك وهو يقول لو كنت تملك حياة أو موتا فما زال محبوسا حتى مات المهدي ثم خلوا عنه فرجع إلى مكة قال وكان قد جعل على نفسه نذرا إن خلصه الله من أيديهم أن ينحر مائة بدنة فكان يعمل في ذلك حتى نحرها وروى عن حبان بن عبد الله قال تنزه هارون الرشيد بالدوين ومعه رجل من بني هاشم وهو سليمان بن أبي جعفر فقال له هارون قد كانت لك جارية تغني فتحسن فجئنا بها قال فجاءت فغنت فلم يحمد غناءها فقال لها ما شأنك فقالت ليس هذا عودي فقال للخادم جئنا بعودها قال فجاء بالعود فوافق شيخا يلقط النوى فقال الطريق يا شيخ فرفع الشيخ رأسه فرأى العود فأخذه من الخادم فضرب به الأرض فأخذه الخادم وذهب به إلى صاحب الربع فقال احتفظ بهذا فإنه طلبة أمير المؤمنين فقال له صاحب الربع ليس ببغداد أعبد من هذا فكيف يكون طلبة أمير المؤمنين فقال له اسمع ما أقول لك ثم دخل على هارون فقال إني مررت على شيخ يلقط النوى فقلت له الطريق فرفع رأسه فرأى العود فأخذه فضرب به الأرض فكسره فاستشاط هارون وغضب واحمرت عيناه فقال له سليمان بن أبي جعفر ما هذا الغضب يا أمير المؤمنين ابعث إلى صاحب الربع يضرب عنقه ويرم به في الدجلة فقال لا ولكن نبعث إليه ونناظره اولا فجاء الرسول فقال اجب أمير المؤمنين فقال نعم قال اركب قاللا فجاء يمشي حتى وقف على باب القصر فقيل لهارون قد جاء الشيخ فقال للندماء أي شيء ترون نرفع ما قدامنا من المنكر حتى يدخل هذا الشيخ أو نقوم إلى مجلس آخر ليس فيه منكر فقالوا له نقوم إلى مجلس آخر ليس فيه منكر اصلح فقاموا إلى مجلس ليس فيه منكر ثم أمر بالشيخ فأدخل وفي كمه الكيس الذي فيه النوى فقال له الخادم اخرج هذا من كمك وادخل على أمير المؤمنين فقال من هذا عشائي الليلة قال نحن نعشيك قال لا حاجة لي في عشائكم فقال هارون للخادم أي شيء تريد منه قال في كمه نوى قلت له اطرحه وادخل على أمير المؤمنين فقال دعه لا يطرحه قال فدخل وسلم وجلس فقال له هارون يا شيخ ما حملك على ما صنعت قال وأي شيء صنعت وجعل هارون يستحي أن يقول كسرت عودي فلما اكثر عليه قال إني سمعت اباك واجدادك يقرءون هذه الآية على المنبر إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وأنا رأيت منكرا فغيرته فقال فغيره فوالله ما قال إلا هذا فلما خرج أعطى الخليفة رجلا بدرة وقال اتبع الشيخ فإن رأيته يقول قلت لأمير المؤمنين وقال لي فلا تعطه شيئا وإن رأيته لا يكلم أحدا فأعطه البدرة فلما خرج من القصر إذا هو بنواة في الأرض قد غاصت فجعل يعالجها ولم يكلم احدا فقال له يقول لك أمير المؤمنين خذه هذه البدرة فقال قل لأمير المؤمنين يردها من حيث أخذها ويروى أنه أقبل بعد فراغه من كلامه على النواة التي يعالج قلعها من الأرض وهو يقول أرى الدنيا لمن هي في يديه هموما كلما كثرت لديه تهين المكرمين لها بصغر وتكرم كل من هانت عليه إذا استغنيت عن شيء فدعه وخذ ما أنت محتاج إليه وعن سفيان الثوري رحمه الله قال حج المهدي سنة ست وستين ومائة فرأيته يرمي جمرة العقبة والناس يخبطون يمينا وشمالا بالسياط فوقفت فقلت يا حسن الوجه حدثنا أيمن عن وائل عن قدامة بن عبد الله الكلابي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر على جمل لا ضرب ولا طرد ولا جلد ولا إليك إليك حديث قدامة بن عبد الله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر على جمل لا ضرب ولا طرد ولا جلد ولا إليك إليك رواه الترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن ماجه وأما قوله في أوله إن الثوري قال حج المهدي سنة ست وستين فليس بصحيح فإن الثوري توفي سنة إحدى وستين وها أنت يخبط الناس بين يديك يمينا وشمالا فقال لرجل من هذا قال سفيان الثوري فقال يا سفيان لو كان المنصور ما احتملك على هذا فقال لو اخبرك المنصور لقي لقصرت عما أنت فيه قال فقيل له إنه قال لك يا حسن الوجه ولم يقل لك يا أمير المؤمنين فقال اطلبوه فطلب سفيان فاختفى وقد روى عن المأمون أنه بلغه أن رجلا محتسبا يمشي في الناس يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ولم يكن مأمورا من عنده بذلك فأمر بأن يدل عليه فلما صار بين يديه قال له إنني بلغني أنك رأيت نفسك أهلا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير أن نأمرك وكان المأمون جالسا على كرسي ينظر في كتاب أو قصة فأغفله فوقع منه فصار تحت قدمه من حيث لم يشعر به فقال له المحتسب ارفع قدمك عن أسماء الله تعالى ثم قل ما شئت فلم يفهم المأمون مراده فقال ماذا تقول حتى أعاده ثلاثا فلم يفهم فقال إما رفعت أو أذنت لي حتى أرفع فنظر المأمون تحت قدمه فرأى الكتاب فأخذه وقبله وخجل ثم عاد وقال لم تأمر بالمعروف وقد جعل الله ذلك إلينا أهل البيت ونحن الذين قال الله تعالى فيهم الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر فقال صدقت يا أمير المؤمنين أنت كما وصفت نفسك من السلطان والتمكن غير أنا أعوانك وأولياؤك فيه ولا ينكر ذلك إلا من جهل كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف الآية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا متفق عليه من حديث أبي موسى وقد تقدم في الباب الثالث من آداب الصحبة وقد مكنت في الأرض وهذا كتاب الله وسنة رسوله فإن انقدت لهما شكرت لمن أعانك لحرمتهما وإن استكبرت عنهما ولم تنقد لما لزمك منهما فإن الذي إليه أمرك وبيده عزك وذلك قد شرط أنه لا يضيع اجر من أحسن عملا فقل الآن ما شئت فأعجب المأمون بكلامه وسر به وقال مثلك يجوز له أن يأمر بالمعروف فامض على ما كنت عليه بأمرنا وعن رأينا فاستمر الرجل على ذلك ففي سياق هذه الحكايات بيان الدليل على الاستغناء عن الإذن فإن قيل أفتثبت ولاية الحسبة للولد على الوالد والعبد على المولى والزوجة على الزوج والتلميذ على الأستاذ والرعية على الوالي مطلقا كما يثبت للوالد على الولد والسيد على العبد والزوج على الزوجة والأستاذ على التلميذ والسلطان على الرعية أو بينهما فرق فاعلم أن الذي نراه أنه يثبت أصل الولاية ولكن بينهما فرق في التفصيل ولنفرض ذلك في الولد مع الوالد فنقول قد رتبنا للحسبة خمس مراتب وللولد الحسبة بالرتبتين الاوليين وهما التعريف ثم الوعظ والنصح باللطف وليس له الحسبة بالسب والتعنيف والتهديد ولا بمباشرة الضرب وهما الرتبتان الأخيرتان وهل له الحسبة بالرتبة الثالثة حيث تؤدي إلى أذى الوالد وسخطه هذا فيه نظر وهو بأن يكسر مثلا عوده ويريق خمره ويحل الخيوط عن ثيابه المنسوجة من الحرير ويرد إلى الملاك ما يجده في بيته من المال الحرام الذي غصبه أو سرقه أو أخذه عن إدرار رزق من ضريبة المسلمين إذا كان صاحبه معينا ويبطل الصور المنقوشة على حيطانه والمنقورة في خشب بيته ويكسر أواني الذهب والفضة فإن فعله في هذه الأمور ليس يتعلق بذات الأب بخلاف الضرب والسب ولكن الوالد يتأذى به ويسخط بسببه إلا أن فعل الولد حق وسخط الاب منشؤه حبه للباطل وللحرام والأظهر في القياس انه يثبت للولد ذلك بل يلزمه أن يفعل ذلك ولا يبعد أن ينظر فيه إلى قبح المنكر والى مقدار الأذى والسخط فإن كان المنكر فاحشا وسخطه عليه قريبا كإراقة خمر من لا يشتد غضبه فذلك ظاهر وإن كان المنكر قريبا والسخط شديدا كما لو كانت له آنية من بلور أو زجاج على صور حيوان وفي كسرها خسران مال كثير فهذا مما يشتد فيه الغضب وليس تجري هذه المعصية مجرى الخمر وغيره فهذا كله مجال النظر فإن قيل ومن أين قلتم ليس له الحسبة بالتعنيف والضرب والارهاق إلى ترك الباطل والأمر بالمعروف في الكتاب والسنة ورد عاما من غير تخصيص وأما النهي عن التأفيف والإيذاء فقد ورد وهو خاص فيما لا يتعلق بارتكاب المنكرات فنقول قد ورد في حق الأب على الخصوص ما يوجب الاستثناء من العموم إذ لا خلاف في أن الجلاد ليس له أن يقتل أباه في الزنا حدا ولا له أن يباشر إقامة الحد عليه بل لا يباشر قتل أبيه الكافر بل لو قطع يده لم يلزمه قصاص ولم يكن له أن يؤذيه في مقابلته وقد ورد في ذلك أخبار وثبت بعضها بالإجماع الأخبار الواردة في أن الجلاد ليس له أن يجلد أباه في الزنا ولا أن يباشر إقامة الحد عليه ولا يباشر قتل أبيه الكافر وأنه لو قطع يده لم يلزم القصاص ثم قال وثبت بعضها بالإجماع قلت لم أجد فيه إلا حديث لا يقاد الوالد بالولد رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمر قال الترمذي فيه اضطراب فإذا لم يجز له إيذاؤه بعقوبة هي حق على جناية سابقة فلا يجوز له إيذاؤه بعقوبة هي منع عن جناية مستقبلة متوقعة بل أولى وهذا الترتيب أيضا ينبغي أن يجري في العبد والزوجة مع السيد والزوج فهما قريبان من الولد في لزوم الحق وإن كان ملك اليمين آكد من ملك النكاح ولكن في الخبر أنه لو جاز السجود لمخلوق لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها حديث لو جاز السجود لمخلوق لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها تقدم في النكاح وهذا يدل على تأكيد الحق أيضا وأما الرعية مع السلطان فالأمر فيها أشد من الولد فليس لها معه إلا التعريف والنصح فأما الرتبة الثالثة ففيها نظر من حيث إن الهجوم على أخذ الأموال من خزانته وردها إلى الملاك وعلى تحليل الخيوط من ثيابه الحرير وكسر آنية الخمور في بيته يكاد يفضي إلى خرق هيبته واسقاط حشمته وذلك محظور ورد النهي عنه كما ورد النهي عن السكوت على المنكر حديث النهي عن الإنكار على السلطان جهرة بحيث يؤدي إلى خرق هيبته أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث عياض بن غنم ألاشعري من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية وليأخذه بيده فليخل به فإن قبلها قبلها وإلا كان قد أدى الذي عليه والذي له قال صحيح الإسناد وللترمذي وحسنه من حديث أبي بكرة من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله في الأرض فقد تعارض فيه أيضا محذوران والأمر فيه موكول إلى اجتهاد منشؤه النظر في تفاحش المنكر ومقدار ما يسقط من حشمته بسبب الهجوم عليه وذلك مما لا يمكن ضبطه وأما التلميذ والاستاذ فالأمر فيما بينهما أخف لأن المحترم هو الأستاذ المفيد للعلم من حيث الدين ولا حرمة لعالم لا يعمل بعلمه فله أن يعامله بموجب علمه الذي تعلمه منه وروى انه سئل الحسن عن الولد كيف يحتسب على والده فقال يعظه ما لم يغضب فإن غضب سكت عنه . | |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الإثنين 02 أبريل 2012, 7:23 am | |
|
الشرط الخامس كونه قادرا ولا يخفى أن العاجز ليس عليه حسبة إلا بقلبه إذ كل من أحب الله يكره معاصيه وينكرها وقال ابن مسعود رضي الله عنه جاهدوا الكفار بأيديكم فإن لم تستطيعوا إلا أن تكفهروا في وجوههم فافعلوا واعلم انه لا يقف سقوط الوجوب على العجز الحسي بل يلتحق به ما يخاف عليه مكروها يناله فذلك في معنى العجز وكذلك إذا لم يخف مكروها ولكن علم أن إنكاره لا ينفع فليلتفت إلى معنيين أحدهما عدم إفادة الإنكار امتناعا والآخر خوف مكروه ويحصل من اعتبار المعنيين أربعة أحوال أحدهما أن يجتمع المعنيان بأن يعلم أنه لا ينفع كلامه ويضرب إن تكلم فلا تجب عليه الحسبة بل ربما تحرم في بعض المواضع نعم يلزمه أن لا يحضر مواضع المنكر ويعتزل في بيته حتى لا يشاهد ولا يخرج إلا لحاجة مهمة أو واجب ولا يلزمه مفارقة تلك البلدة والهجرة إلا إذا كان يرهق إلى الفساد أو يحمل على مساعدة السلاطين في الظلم والمنكرات فيلزمه الهجرة إن قدر عليها فإن الاكراه لا يكون عذرا في حق من يقدر على الهرب من الإكراه الحالة الثانية أن ينتفي المعنيان جميعا بأن يعلم أن المنكر يزول بقوله وفعله ولا يقدر له على مكروه فيجب عليه الإنكار وهذه هي القدرة المطلقة الحالة الثالثة أن يعلم أنه لا يفيد إنكاره لكنه لا يخاف مكروها فلا تجب عليه الحسبة لعدم فائدتها ولكن تستحب لإظهار شعائر الإسلام وتذكير الناس بأمر الدين الحالة الرابعة عكس هذه وهو أن يعلم انه يصاب بمكروه ولكن يبطل المنكر بفعله كما يقدر على أن يرمي زجاجة الفاسق بحجر فيكسرها ويريق الخمر أو يضرب العود الذي في يده ضربة مختطفة فيكسره في الحال ويتعطل عليه هذا المنكر ولكن يعلم انه يرجع إليه فيضرب رأسه فهذا ليس بواجب وليس بحرام بل هو مستحب ويدل عليه الخبر الذي اوردناه في فضل كلمة حق عند إمام جائر ولا شك في أن ذلك مظنة الخوف ويدل عليه أيضا ما روى عن أبي سليمان الداراني رحمه الله تعالى انه قال سمعت من بعض الخلفاء كلاما فأردت أن انكر عليه وعلمت أني أقتل ولم يمنعني القتل ولكن كان في ملأ من الناس فخشيت أن يعتريني التزين للخلق فأقتل من غير إخلاص في الفعل فإن قيل فما معنى قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قلنا لا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار ويقاتل وإن علم أنه يقتل وهذا ربما يظن أنه مخالف لموجب الآية وليس كذلك فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما ليس التهلكة ذلك بل ترك النفقة في طاعة الله تعالى أي من لم يفعل ذلك فقد أهلك نفسه وقال البراء بن عازب التهلكة هو أن يذنب الذنب ثم يقول لا يتاب علي وقال أبو عبيدة هو أن يذنب ثم لا يعمل بعده خيرا حتى يهلك وإذا جاز أن يقاتل الكفار حتى يقتل جاز أيضا له ذلك في الحسبة ولكن لو علم أنه لا نكاية لهجومه على الكفار كالأعمى يطرح نفسه على الصف أو العاجزفذلك حرام وداخل تحت عموم آية التهلكة وإنما جاز له الإقدام إذا علم أنه يقاتل إلى أن يقتل أو علم انه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جراءته واعتقادهم في سائر المسلمين قلة المبالاة وحبهم للشهادة في سبيل الله فتنكسر بذلك شوكتهم فكذلك يجوز للمحتسب بل يستحب له أن يعرض نفسه للضرب وللقتل إذا كان لحسبته تأثير في رفع المنكر أو في كسر جاه الفاسق أو في تقوية قلوب أهل الدين وأما إن رأى فاسقا متغلبا وعنده سيف وبيده قدح وعلم أنه لو أنكر عليه لشرب القدح وضرب رقبته فهذا مما لا أرى للحسبة فيه وجها وهو عين الهلاك فإن المطلوب أن يؤثر في الدين أثرا ويفديه بنفسه فأما تعريض النفس للهلاك من غير أثر فلا وجه له بل ينبغي أن يكون حراما وإنما يستحب له الإنكار إذا قدر على إبطال المنكر أو ظهر لفعله فائدة وذلك بشرط أن يقتصر المكروه عليه فإن علم أنه يضرب معه غيره من أصحابه أو أقاربه أو رفقائه فلا تجوز له الحسبة بل تحرم لأنه عجز عن دفع المنكر إلا بأن يفضى ذلك إلى منكر آخر وليس ذلك من القدرة في شيء بل لو علم انه لو احتسب لبطل ذلك المنكر ولكن كان ذلك سببا لمنكر آخر يتعاطاه غير المحتسب عليه فلا يحل له الافكار الأظهر لان المقصود عدم مناكير الشرع مطلقا لأمين زيد أو عمرو وذلك بأن يكون مثلا مع الإنسان شراب حلال نجس بسبب وقوع نجاسة فيه وعلم أنه لو أراقه لشرب صاحبه الخمر أو تشرب اولاده الخمر لإعوازهم الشراب الحلال فلا معنى لإراقة ذلك ويحتمل أن يقال إنه يريق ذلك فيكون هو مبطلا لمنكر وأما شرب الخمر فهو الملوم فيه والمحتسب غير قادر على منعه من ذلك المنكر وقد ذهب إلى هذا ذاهبون وليس ببعيد فإن هذه مسائل فقهية لا يمكن فيها الحكم إلا بظن ولا يبعد أن يفرق بين درجات المنكر المغير والمنكر الذي تفضى إليه الحسبة والتغيير فإنه إذا كان يذبح شاة لغيره ليأكلها وعلم أنه لو منعه من ذلك لذبح إنسانا وأكله فلا معنى لهذه الحسبة نعم لو كان منعه عن ذبح إنسان أو قطع طرقه يحمله على أخذ ماله فذلك له وجه فهذه دقائق واقعة في محل الاجتهاد وعلى المحتسب اتباع اجتهاده في ذلك كله ولهذه الدقائق نقول العامي ينبغي له أن لا يحتسب إلا في الجليات المعلومة كشرب الخمر والزنا وترك الصلاة فأما ما يعلم كونه معصية بالإضافة إلى ما يطيف به من الأفعال ويفتقر فيه إلى اجتهاد فالعامي إن خاض فيه كان ما يفسده أكثر مما يصلحه وعن هذا يتأكد ظن من لا يثبت ولاية الحسبة إلا بتعيين الوالي إذ ربما ينتدب لها من ليس أهلا لها لقصور معرفته أو قصور ديانته فيؤدي ذلك إلى وجوه من الخلل وسيأتي كشف الغطاء عن ذلك إن شاء الله فإن قيل وحيث أطلقتم العلم بأن يصيبه مكروه أو أنه لا تفيد حسبته فلو كان بدل العلم ظن فما حكمه قلنا الظن الغالب في هذه الابواب في معنى العلم وإنما يظهر الفرق عند تعارض الظن والعلم إذ يرجح العلم اليقيني على الظن ويفرق بين العلم والظن في مواضع آخر وهو أنه يسقط وجوب الحسبة عنه حيث علم قطعا أنه لا يفيد فإن كان غالب ظنه أنه لا يفيد ولكن يحتمل أن يفيد وهو مع ذلك لا يتوقع مكروها فقد اختلفوا في وجوبه والأظهر وجوبه إذ لا ضرر فيه وحدواه متوقعة وعموم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تقتضي الوجوب بكل حال ونحن إنما نستثني عنه بطريق التخصيص ما إذا علم أنه لا فائدة فيه إما بالإجماع أو بقياس ظاهر وهو أن الأمر ليس يراد لعينه بل للمأمور فإذا علم اليأس عنه فلا فائدة فيه فأما إذا لم يكن يأس فينبغي أن لا يسقط الوجوب فإن قيل فالمكروه الذي تتوقع إصابته إن لم يكن متيقنا ولا معلوما بغالب الظن ولكن كان مشكوكا فيه أو كان غالب ظنه أنه لا يصاب بمكروه ولكن احتمل أن يصاب بمكروه فهذا الاحتمال هل يسقط الوجوب حتى لا يجب إلا عند اليقين بأنه لا يصيبه مكروه أم يجب في كل حال إلا إذا غلب على ظنه أنه يصاب بمكروه قلنا إن غلب على الظن أنه يصاب لم يجب وإن غلب أنه لا يصاب وجب ومجرد التجويز لا يسقط الوجوب فإن ذلك ممكن في كل حسبة وإن شك فيه من غير رجحان فهذا محل النظر فيحتمل أن يقال الأصل الوجوب بحكم العمومات وإنما يسقط بمكروه والمكروه هو الذي يظن أو يعلم حتى يكون متوقعا وهذا هو الأظهر ويحتمل أن يقال إنه إنما يجب عليه إذا علم أنه لا ضرر فيه عليه أو ظن أنه لا ضرر عليه والأول أصح نظرا إلى قضية العمومات الموجبة للأمر بالمعروف فإن قيل فالتوقع للمكروه يختلف بالجبن والجراءة فالجبان الضعيف القلب يرى البعيد قريبا حتى كأنه يشاهده ويرتاع منه والمتهور الشجاع يبعد وقوع المكروه به بحكم ما جبل عليه من حسن الأمل حتى إنه لا يصدق به إلا بعد وقوعه فعلى ماذا التعويل قلنا التعويل على اعتدال الطبع وسلامة العقل والمزاج فإن الجبن مرض وهو ضعف في القلب سببه قصور في القوة وتفريط والتهور إفراط في القوة وخروج عن الاعتدال بالزيادة وكلاهما نقصان وإنما الكمال في الاعتدال الذي يعبر عنه بالشجاعة وكل واحد من الجبن والتهور يصدر تارة عن نقصان العقل وتارة عن خلل في المزاج بتفريط أو إفراط فإن من اعتدل مزاجه في صفة الجبن والجراءة فقد لا يتفطن لمدارك الشر فيكون سبب جراءته جهله وقد لا يتفطن لمدارك دفع الشر فيكون سبب جبنه جهله وقد يكون عالما بحكم التجربة والممارسة بمداخل الشر ودوافعه ولكن يعمل الشر البعيد في تخذيله وتحليل قوته في الإقدام بسبب ضعف قلبه ما يفعله الشر القريب في حق الشجاع المعتدل الطبع فلا التفات إلى الطرفين وعلى الجبان أن يتكلف إزالة الجبن بإزالة علته وعلته جهل أو ضعف ويزول الجهل بالتجربة ويزول الضعف بممارسة الفعل المخفوف منه تكلفا حتى يصير معتادا إذ المبتدىء في المناظرة والوعظ مثلا قد يجبن عنه طبعه لضعفه فإذا مارس واعتاد فارقه الضعف فإن صار ذلك ضروريا غير قابل للزوال بحكم استيلاء الضعف على القلب فحكم ذلك الضعيف يتبع حاله فيعذر كما يعذر المريض في التقاعد عن بعض الواجبات ولذلك قد نقول على رأي لا يجب ركوب البحر لأجل حجة الإسلام على من يغلب عليه الجبن في ركوب البحر ويجب على من لا يعظم خوفه منه فكذلك الأمر في وجوب الحسبة فإن قيل فالمكروه المتوقع ما حده فإن الإنسان قد يكره كلمة وقد يكره ضربة وقد يكره طول لسان المحتسب عليه في حقه بالغيبة وما من شخص يؤمر بالمعروف إلا يتوقع منه نوع من الأذى وقد يكون منه أن يسعى به إلى سلطان أو يقدح فيه في مجلس يتضرر بقدحه فيه فما حد المكروه الذي يسقط الوجوب به قلنا هذا أيضا فيه نظر غامض وصورته منتشرة ومجاريه كثيرة ولكنا نجتهد في ضم نشره وحصر أقسامه فنقول المكروه نقيض المطلوب ومطالب الخلق في الدنيا ترجع إلى أربعة أمور أما في النفس فالعلم وأما في البدن فالصحة والسلامة وأما في المال فالثروة وأما في قلوب الناس فقيام الجاه فإذا المطلوب العلم والصحة والثروة والجاه ومعنى الجاه ملك قلوب الناس كما أن معنى الثروة ملك الدراهم لأن قلوب الناس وسيلة إلى الأعراض كما أن ملك الدراهم وسيلة إلى بلوغ الأغراض وسيأتي تحقيق معنى الجاه وسبب ميل الطبع إليه في ربع المهلكات وكل واحدة من هذه الأربعة يطلبها الإنسان لنفسه ولأقاربه والمختصين به ويكره في هذه الأربعة أمران أحدهما زوال ما هو حاصل موجود والآخر امتناع ما هو منتظر مفقود أعني اندفاع ما يتوقع وجوده فلا ضرر إلا في فوات حاصل وزواله أو تعويق منتظر فإن المنتظر عبارة عن الممكن حصوله والممكن حصوله كأنه حاصل وفوات إمكانه كأنه فوات حصوله فرجع المكروه إلى قسمين أحدهما خوف امتناع المنتظر وهذا لا ينبغي أن يكون مرخصا في ترك الأمر بالمعروف أصلا ولنذكر مثاله في المطالب الأربعة أما العلم فمثاله تركه الحسبة على من يختص بأستاذه خوفا من أن يقبح حاله عنده فيمتنع من تعليمه وأما الصحة فتركه الإنكار على الطبيب الذي يدخل عليه مثلا وهو لابس حريرا خوفا من أن يتأخر عنه فتمتنع بسببه صحته المنتظرة وأما المال فتركه الحسبة على السلطان وأصحابه وعلى من يواسيه من ماله خيفة من أن يقطع إدراره في المستقبل ويترك مواساته وأما الجاه فتركه الحسبة على من يتوقع منه نصرة وجاها في المستقبل خيفة من أن لا يحصل له الجاه أو خيفة من أن يقبح حاله عند السلطان الذي يتوقع منه ولاية وهذا كله لا يسقط وجوب الحسبة لأن هذه زيادات امتنعت وتسمية امتناع حصول الزيادات ضررا مجاز وإنما الضرر الحقيقي فوات حاصل ولا يستثنى من هذا شيء إلا ما تدعو إليه الحاجة ويكون في فواته محذور يزيد على محذور السكوت على المنكر كما إذا كان محتاجا إلى الطبيب لمرض ناجز والصحة منتظرة من معالجة الطبيب ويعلم أن في تأخره شدة الضنا به وطول المرض وقد يفضي إلى الموت وأعني بالعلم الظن الذي يجوز بمثله ترك استعمال الماء والعدول إلى التيمم فإذا انتهى إلى هذا الحد لم يبعد أن يرخص في ترك الحسبة وأما في العلم فمثل أن يكون جاهلا بمهمات دينه ولم يجد إلا معلما واحدا ولا قدرة له على الرحلة إلى غيره وعلم أن المحتسب عليه قادر على أن يسد عليه طريق الوصول إليه لكون العالم مطيعا له أو مستمعا لقوله فإذا الصبر على الجهل بمهمات الدين محذور والسكوت على المنكر محذور ولا يبعد أن يرجح أحدهما ويختلف ذلك بتفاحش المنكر وبشدة الحاجة إلى العلم لتعلقه بمهمات الدين وأما في المال فكمن يعجز عن الكسب والسؤال وليس هو قوي النفس في التوكل ولا منفق عليه سوى شخص واحد ولو احتسب عليه قطع رزقه وافتقر في تحصيله إلى طلب إدرار حرام أو مات جوعا فهذا أيضا إذا اشتد الأمر فيه لم يبعد أن يرخص له في السكوت وأما الجاه فهو أن يؤذيه شرير ولا يجد سبيلا إلى دفع شره إلا بجاه يكتسبه من سلطان ولا يقدر على التوصل إليه إلا بواسطة شخص يلبس الحرير أو يشرب الخمر ولو احتسب عليه لم يكن واسطة ووسيلة له فيمتنع عليه حصول الجاه ويدوم بسببه أذى الشرير فهذه الأمور كلها إذا ظهرت وقويت لم يبعد استثناؤها ولكن الأمر فيها منوط باجتهاد المحتسب حتى يستفتي فيها قلبه ويزن أحد المحذورين بالآخر ويرجح بنظر الدين لا بموجب الهوى والطبع فإن رجح بموجب الدين سمى سكوته مداراة وإن رجح بموجب الهوى سمى سكوته مداهنة وهذا أمر باطن لا يطلع عليه إلا بنظر دقيق ولكن الناقد بصير فحق على كل متدين فيه أن يراقب قلبه ويعلم أن الله مطلع على باعثه وصارفه أنه الدين أو الهوى وستجد كل نفس ما عملت من سوء أو خير محضرا عند الله ولو في فلتة خاطر أو فلتة ناظر من غير ظلم وجور فما الله بظلام للعبيد وأما القسم الثاني وهو فوات الحاصل فهو مكروه ومعتبر في جواز السكوت في الأمور الأربعة إلا العلم فإن فواته غير مخوف إلا بتقصير منه وإلا فلا يقدر أحد على سلب العلم من غيره وإن قدر على سلب الصحة والسلامة والثروة والمال وهذا أحد أسباب شرف العلم فإنه يدوم في الدنيا ويدوم ثوابه في الآخرة فلا انقطاع له أبد الآباد وأما الصحة والسلامة ففواتهما بالضرب فكل من علم أنه يضرب ضربا مؤلما يتأذى به في الحسبة لم تلزمه الحسبة وإن كان يستحب له ذلك كما سبق وإذا فهم هذا في الإيلام بالضرب فهو في الجرح والقطع والقتل أظهر وأما الثروة فهو بأن يعلم أنه تنهب داره ويخرب بيته وتسلب ثيابه فهذا أيضا يسقط عنه الوجوب ويبقى الاستحباب إذ لا بأس بأن يفدي دينه بدنياه ولكل واحد من الضرب والنهب حد في القلة لا يكترث به كالحبة في المال واللطمة الخفيف ألمها في الضرب وحد في الكثرة يتعين اعتباره ووسط يقع في محل الاشتباه والاجتهاد وعلى المتدين أن يجتهد في ذلك ويرجح جانب الدين ما أمكن وأما الجاه ففواته بأن يضرب ضربا غير مؤلم أو بسبب على ملأ من الناس أو يطرح منديله في رقبته ويدار به في البلد أو يسود وجهه ويطاف به وكل ذلك من غير ضرب مؤلم للبدن وهو فادح في الجاه ومؤلم للقلب وهذا له درجات فالصواب أن يقسم إلى ما يعبر عنه بسقوط المروءة كالطواف به في البلد حاسرا حافيا فهذا يرخص له في السكوت لأن المروءة مأمور بحفظها في الشرع وهذا مؤلم للقلب ألما يزيد على ألم ضربات متعددة وعلى فوات دريهمات قليلة فهذه درجة الثانية ما يعبر عنه بالجاه المحض وعلو الرتبة فإن الخروج في ثياب فاخرة تجمل وكذلك الركوب للخيول فلو علم أنه لو احتسب لكلف المشي في السوق في ثياب لا يعتاد هو مثلها أو كلف المشي راجلا وعادته الركوب فهذا من جملة المزايا وليست المواظبة على حفظها محمودة وحفظ المروءة محمود فلا ينبغي أن يسقط وجوب الحسبة بمثل هذا القدر وفي معنى هذا ما لو خاف أن يتعرض له باللسان إما في حضرته بالتجهيل والتحميق والنسبة إلى الرياء والبهتان وأما في غيبته بأنواع الغيبة فهذا لا يسقط الوجوب إذ ليس فيه إلا زوال فضلات الجاه التي ليس إليها كبير حاجة ولو تركت الحسبة بلوم لائم أو باغتياب فاسق أو شتمه وتعنيفه أو سقوط المنزلة عن قلبه وقلب أمثاله لم يكن للحسبة وجوب أصلا إذ لا تنفك الحسبة عنه إلا إذا كان المنكر هو الغيبة وعلم أنه لو أنكر لم يسكت عن المغتاب ولكن أضافه إليه وأدخله معه في الغيبة فتحرم هذه الحسبة لأنها سبب زيادة المعصية وإن علم أنه يترك تلك الغيبة ويقتصر على غيبته فلا تجب عليه الحسبة لأن غيبته أيضا معصية في حق المغتاب ولكن يستحب له ذلك ليفدى عرض المذكور بعرض نفسه على سبيل الإيثار وقد دلت العمومات على تأكد وجوب الحسبة وعظم الخطر في السكوت عنها فلا يقابله إلا ما عظم في الدين خطره والمال والنفس والمروءة قد ظهر في الشرع خطرها فأما مزايا الجاه والحشمة ودرجات التجمل وطلب ثناء الخلق فكل ذلك لا خطر له وأما امتناعه لخوف شيء من هذه المكاره في حق أولاده وأقاربه فهو في حقه دونه لأن تأذيه بأمر نفسه أشد من تأذيه بأمر غيره ومن وجه الدين هو فوقه لأن له أن يسامح في حقوق نفسه وليس له المسامحة في حق غيره فإذا ينبغي أن يمتنع فإنه إن كان ما يفوت من حقوقهم يفوت على طريق المعصية كالضرب والنهب فليس له هذه الحسبة لأنه دفع منكر يفضي إلى منكر وإن كان يفوت لا بطريق المعصية فهو إيذاء للمسلم أيضا وليس له ذلك إلا برضاهم فإذا كان يؤدي ذلك إلى أذى قومه فليتركه وذلك كالزاهد الذي له أقارب أغنياء فإنه لا يخاف على ماله إن احتسب على السلطان ولكنه يقصد أقاربه انتقاما منه بواسطته فإذا كان يتعدى الأذى من حسبته إلى أقاربه وجيرانه فليتركها فإن إيذاء المسلمين محذور كما أن السكوت على المنكر محذور نعم إن كان لا ينالهم أذى في مال أو نفس ولكن ينالهم الأذى بالشتم والسب فهذا فيه نظر ويختلف الأمر فيه بدرجات المنكرات في تفاحشها ودرجات الكلام المحذور في نكايته في القلب وقدحه في العرض فإن قيل فلو قصد الإنسان قطع طرف من نفسه وكان لا يمتنع عنه إلا بقتال ربما يؤدي إلى قتله فهل يقاتل عليه فإن قلتم يقاتل فهو محال لأنه إهلاك نفس خوفا من إهلاك طرف وفي إهلاك النفس إهلاك الطرف أيضا قلنا يمنعه عنه ويقاتله إذ ليس غرضنا حفظ نفسه وطرفه بل الغرض حسم سبيل المنكر والمعصية وقتله في الحسبة ليس بمعصية وقطع طرف نفسه معصية وذلك كدفع الصائل على مال مسلم بما يأتي على قتله فإنه جائز لا على معنى أنا نفدي درهما من مال مسلم بروح مسلم فإن ذلك محال ولكن قصده لأخذ مال المسلمين معصية وقتله في الدفع عن المعصية ليس بمعصية وإنما المقصود دفع المعاصي فإن قيل فلو علمنا أنه لو خلا بنفسه لقطع طرف نفسه فينبغي أن نقتله في الحال حسما لباب المعصية قلنا ذلك لا يعلم يقينا ولا يجوز سفك دمه بتوهم معصية ولكنا إذا رأيناه في حال مباشرة القطع دفعناه فإن قاتلنا قاتلناه ولم نبال بما يأتي على روحه فإذا المعصية لها ثلاثة أحوال إحداها أن تكون متصرمة فالعقوبة على ما تصرم منها حد أو تعزير وهو إلى الولاة لا إلى الآحاد الثانية أن تكون المعصية راهنة وصاحبها مباشر لها كلبسه الحرير وإمساكه العود والخمر فإبطال هذه المعصية واجب بكل ما يمكن ما لم تؤد إلى معصية أفحش منها أو مثلها وذلك يثبت للآحاد والرعية الثالثة أن يكون المنكر متوقعا كالذي يستعد بكنس المجلس وتزيينه وجمع الرياحين لشرب الخمر وبعده لم يحضر الخمر فهذا مشكوك فيه إذ ربما يعوق عنه عائق فلا يثبت للآحاد سلطنة على العازم على الشرب إلا بطريق الوعظ والنصح فأما بالتعنيف والضرب فلا يجوز للأحاد ولا للسلطان إلا إذا كانت تلك المعصية علمت منه بالعادة المستمرة وقد أقدم على السبب المؤدي إليها ولم يبق لحصول المعصية إلا ما ليس له فيه إلا الانتظار وذلك كوقوف الأحداث على أبواب حمامات النساء للنظر إليهن عند الدخول والخروج فإنهم وإن لم يضيقوا الطريق لسعته فتجوز الحسبة عليهم بإقامتهم من الموضع ومنعهم عن الوقوف بالتعنيف والضرب وكان تحقيق هذا إذا بحث عنه يرجع إلى أن هذا الوقوف في نفسه معصية وإن كان مقصد العاصي وراءه كما أن الخلوة بالأجنبية في نفسها معصية لأنها مظنة وقوع المعصية وتحصيل مظنة المعصية معصية ونعني بالمظنة ما يتعرض الإنسان به لوقوع المعصية غالبا بحيث لا يقدر على الانكفاف عنها فإذا هو على التحقيق حسبة على معصية راهنة لا على معصية منتظرة .
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الإثنين 02 أبريل 2012, 7:28 am | |
|
الركن الثاني للحسبة : ما فيه الحسبة وهو كل منكر موجود في الحال ظاهر للمحتسب بغير تجسس معلوم كونه منكرا بغير اجتهاد فهذه أربعة شروط فلنبحث عنها .
الأول : كونه منكرا ونعني به أن يكون محذور الوقوع في الشرع وعدلنا عن لفظ المعصية إلى هذا لأن المنكر أعم من المعصية إذ من رأى صبيا أو مجنونا يشرب الخمر فعليه أن يريق خمره ويمنعه وكذا إن رأى مجنونا يزني بمجنونة أو بهيمة فعليه أن يمنعه منه وليس ذلك لتفاحش صورة الفعل وظهوره بين الناس بل لو صادف هذا المنكر في خلوة لوجب المنع منه وهذا لا يسمى معصية في حق المجنون إذ معصية لا عاصي بها محال فلفظ المنكر أدل عليه وأعم من لفظ المعصية وقد أدرجنا في عموم هذا الصغيرة والكبيرة فلا تختص الحسبة بالكبائر بل كشف العورة في الحمام والخلوة بالأجنبية واتباع النظر للنسوة الأجنبيات كل ذلك من الصغائر ويجب النهي عنها وفي الفرق بين الصغيرة والكبيرة نظر سيأتي في كتاب التوبة.
الشرط الثاني : أن يكون موجودا في الحال وهو احتراز أيضا عن الحسبة على من فرغ من شرب الخمر فإن ذلك ليس إلى الآحاد وقد انقرض المنكر واحتراز عما سيوجد في ثاني الحال كمن يعلم بقرينة حال أنه عازم على الشرب في ليلته فلا حسبة عليه إلا بالوعظ وإن أنكر عزمه عليه لم يجز وعظه أيضا فإن فيه إساءة ظن بالمسلم وربما صدق في قوله وربما لا يقدم على ما عزم عليه لعائق وليتنبه للدقيقة التي ذكرناها وهو أن الخلوة بالأجنبية معصية ناجزة وكذا الوقوف على باب حمام النساء وما يجري مجراه .
الشرط الثالث : أن يكون المنكر ظاهرا للمحتسب بغير تجسس فكل من ستر معصية في داره وأغلق بابه لا يجوز أن يتجسس عليه وقد نهى الله تعالى عنه وقصة عمر وعبد الرحمن بن عوف فيه مشهورة وقد أوردناها في كتاب آداب الصحبة وكذلك ما روي أن عمر رضي الله عنه تسلق دار رجل فرآه على حالة مكروهة فأنكر عليه فقال يا أمير المؤمنين إن كنت أنا قد عصيت الله من وجه واحد فأنت قد عصيته من ثلاثة أوجه فقال وما هي فقال قد قال تعالى ولا تجسسوا وقد تجسست وقال تعالى وأتوا البيوت من أبوابها وقد تسورت من السطح وقال لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها وما سلمت فتركه عمر وشرط عليه التوبة ولذلك شاور عمر الصحابة رضي الله عنهم وهو على المنبر وسألهم عن الإمام إذا شاهد بنفسه منكرا فهل له إقامة الحد فيه فأشار علي رضي الله عنه بأن ذلك منوط بعدلين فلا يكفي فيه واحد وقد أوردنا هذه الأخبار في بيان حق المسلم من كتاب آداب الصحبة فلا نعيدها فإن قلت فما حد الظهور والاستتار فاعلم أن من أغلق باب داره وتستر بحيطانه فلا يجوز الدخول عليه بغير إذنه لنعرف المعصية إلا أن يظهر في الدار ظهورا يعرفه من هو خارج الدار كأصوات المزامير والأوتار إذا ارتفعت بحيث جاوز ذلك حيطان الدار فمن سمع ذلك فله دخول الدار وكسر الملاهي وكذا إذا ارتفعت أصوات السكارى بالكلمات المألوفة بينهم بحيث يسمعها أهل الشوارع فهذا إظهار موجب للحسبة فإذن إنما يدرك مع تخلل الحيطان صوت أو رائحة فإذا فاحت روائح الخمر فإن احتمل أن يكون ذلك من الخمور المحترمة فلا يجوز قصدها بالإراقة وإن علم بقرينة الحال أنها فاحت لتعاطيهم الشرب فهذا محتمل والظاهر جواز الحسبة وقد تستر قارورة الخمر في الكم وتحت الذيل وكذلك الملاهي فإذا رؤي فاسق وتحت ذيله شيء لم يجز أن يكشف عنه ما لم يظهر بعلامة خاصة فإن فسقه لا يدل على أن الذي معه خمر إذ الفاسق محتاج أيضا إلى الخل وغيره فلا يجوز أن يستدل بإخفائه وأنه لو كان حلالا لما أخفاه لأن الأغراض في الإخفاء مما تكثر وإن كانت الرائحة فائحة فهذا محل النظر والظاهر أن له الاحتساب لأن هذه علامة تفيد الظن والظن كالعلم في أمثال هذه الأمور وكذلك العود ربما يعرف بشكله إذا كان الثوب السائر له رقيقا فدلالة الشكل كدلالة الرائحة والصوت وما ظهرت دلالته فهو غير مستور بل هو مكشوف وقد أمرنا بأن نستر ما ستر الله وننكر على من أبدى لنا صفحته والإبداء له درجات فتارة يبدو لنا بحاسة السمع وتارة بحاسة الشم وتارة بحاسة البصر وتارة بحاسة اللمس ولا يمكن أن يخصص ذلك بحاسة البصر بل المراد العلم وهذه الحواس أيضا تفيد العلم فإذن إنما يجوز أن يكسر ما تحت الثوب إذا علم أنه خمر وليس له أن يقول أرني لأعلم ما فيه هذا تجسس ومعنى التجسس طلب الأمارات المعرفة فالأمارة المعرفة إن حصلت وأورثت المعرفة جاز العمل بمقتضاها فأما طلب الأمارة المعرفة فلا رخصة فيه أصلا .
الشرط الرابع : أن يكون كونه منكرا معلوما بغير اجتهاد فكل ما هو في محل الاجتهاد فلا حسبة فليس للحنفي أن ينكر على الشافعي أكله الضب والضبع ومتروك التسمية ولا للشافعي أن ينكر على الحنفي شربه النبيذ الذي ليس بمسكر وتناوله ميراث ذوي الأرحام وجلوسه في دار أخذها بشفعة الجوار إلى غير ذلك من مجاري الاجتهاد نعم لو رأى الشافعي شافعيا يشرب النبيذ وينكح بلا ولي ويطأ زوجته فهذا في محل النظر والأظهر أن له الحسبة والإنكار إذ لم يذهب أحد من المحصلين إلى أن المجتهد يجوز له أن يعمل بموجب اجتهاد غيره ولا أن الذي أدى اجتهاده في التقليد إلى شخص رآه أفضل العلماء أن له أن يأخذ بمذهب غيره فينتقد من المذاهب أطيبها عنده بل على كل مقلد اتباع مقلده في كل تفصيل فإذن مخالفته للمقلد متفق على كونه منكرا بين المحصلين وهو عاص بالمخالفة إلا أنه يلزم من هذا أمر أغمض منه وهو أنه يجوز للحنفي أن يعترض على الشافعي إذا نكح بغير ولي بأن يقول له الفعل في نفسه حق ولكن لا في حقك فأنت مبطل بالإقدام عليه مع اعتقادك أن الصواب مذهب الشافعي ومخالفة ما هو صواب عندك معصية في حقك وإن كانت صوابا عند الله وكذلك الشافعي يحتسب على الحنفي إذا شاركه في أكل الضب ومتروك التسمية وغيره ويقول له إما أن تعتقد أن الشافعي أولى بالاتباع ثم تقدم عليه أو لا تعتقد ذلك فلا تقدم عليه لأنه على خلاف معتقدك ثم ينجر هذا إلى أمر آخر من المحسوسات وهو أن يجامع الأصم مثلا امرأة على قصد لزنا وعلم المحتسب أن هذه امرأته زوجه أبوه إياها في صغره ولكنه ليس يدري وعجز عن تعريفه ذلك لصممه أو لكونه غير عارف بلغته فهو في الإقدام مع اعتقاده أنها أجنبية عاص ومعاقب عليه في الدار الآخرة فينبغي أن يمنعها عنه مع أنها زوجته وهو بعيد من حيث إنه حلال في علم الله قريب من حيث إنه حرام عليه بحكم غلطه وجهله ولا شك في أنه لو علق طلاق زوجته على صفة في قلب المحتسب مثلا من مشيئة أو غضب أو غيره وقد وجدت الصفة في قلبه وعجز عن تعريف الزوجين ذلك ولكن علم وقوع الطلاق في الباطن فإذا رآه يجامعها فعليه المنع أعني باللسان لأن ذلك زنا إلا أن الزاني غير عالم به والمحتسب عالم بأنها طلقت منه ثلاثا وكونهما غير عاصيين لجهلهما بوجود الصفة لا يخرج الفعل عن كونه منكرا ولا يتقاعد ذلك عن زنا المجنون وقد بينا أنه يمنع منه فإذا كان يمنع مما هو منكر عند الله وإن لم يكن منكرا عند الفاعل ولا هو عاص به لعذر الجهل فيلزم من عكس هذا أن يقال ما ليس بمنكر عند الله إنما هو منكر عند الفاعل لجهله لا يمنع منه وهذا هو الأظهر والعلم عند الله فتحصل من هذا أن الحنفي لا يعترض على الشافعي في النكاح بلا ولي وأن الشافعي يعترض على الشافعي فيه لكون المعترض عليه منكرا باتفاق المحتسب والمحتسب عليه وهذه مسائل فقهية دقيقة والاحتمالات فيها متعارضة وإنما أفتينا فيها بحسب ما ترجح عندنا في الحال ولسنا نقطع بخطأ ترجيح المخالف فيها إن رأى أنه لا يجري الاحتساب إلا في معلوم على القطع وقد ذهب إليه ذاهبون وقالوا لا حسبة إلا في مثل الخمر والخنزير وما يقطع بكونه حراما ولكن الأشبه عندنا أن الاجتهاد يؤثر في حق المجتهد إذ يبعد غاية البعد أن يجتهد في القبلة ويعترف بظهور القبلة عنده في جهة بالدلالات الظنية ثم يستدبرها ولا يمنع منه لأجل ظن غيره لأن الاستدبار هو الصواب ورأى من يرى أنه يجوز لكل مقلد أن يختار من المذاهب ما أراد غير معتد به ولعله لا يصح ذهاب ذاهب إليه أصلا فهذا مذهب لا يثبت وإن ثبت فلا يعتد به فإن قلت إذا كان لا يعترض على الحنفي في النكاح بلا ولي لأنه يرى أنه حق فينبغي أن لا يعترض على المعتزلي في قوله إن الله لا يرى وقوله وإن الخير من الله والشر ليس من الله وقوله كلام الله مخلوق ولا على الحشوى في قوله إن الله تعالى جسم وله صورة وإنه مستقر على العرش بل لا ينبغي أن يعترض على الفلسفي في قوله الأجساد لا تبعث وإنما تبعث النفوس لأن هؤلاء أيضا أدى اجتهادهم إلى ما قالوه وهم يظنون أن ذلك هو الحق فإن قلت بطلان مذهب هؤلاء ظاهر فبطلان مذهب من يخالف نص الحديث الصحيح أيضا ظاهر وكما ثبت بظواهر النصوص أن الله تعالى يرى والمعتزلي ينكرها بالتأويل فكذلك ثبت بظواهر النصوص مسائل خالف فيها الحنفي كمسألة النكاح بلا ولي ومسألة شفعة الجوار ونظائرهما فاعلم أن المسائل تنقسم إلى ما يتصور أن يقال فيه كل مجتهد مصيب وهي أحكام الأفعال في الحل والحرمة وذلك هو الذي لا يعترض على المجتهدين فيه إذ لم يعلم خطؤهم قطعا بل ظنا وإلى ما لا يتصور أن يكون المصيب فيه إلا واحد كمسألة الرؤية والقدر وقدم الكلام ونفي الصورة والجسمية والاستقرار عن الله تعالى فهذا مما يعلم خطأ المخطىء فيه قطعا ولا يبقى لخطئه الذي هو جهل محض وجه فإذن البدع كلها ينبغي أن تحسم أبوابها وتنكر على المبتدعين بدعهم وإن اعتقدوا أنها الحق كما يرد على اليهود والنصارى كفرهم وأن كانوا يعتقدون أن ذلك حق لأن خطأهم معلوم على القطع بخلاف الخطأ في مظان الاجتهاد فإن قلت فمهما اعترضت على القدري في قوله الشر ليس من الله اعترض عليك القدري أيضا في قولك الشر من الله وكذلك في قولك إن الله يرى وفي سائر المسائل إذ المبتدع محق عند نفسه والمحق مبتدع عند المبتدع وكل يدعي أنه محق وينكر كونه مبتدعا فكيف يتم الاحتساب فاعلم أنا لأجل هذا التعارض نقول ينظر إلى البلدة التي فيها أظهرت تلك البدعة فإن كانت البدعة غريبة والناس كلهم على السنة فلهم الحسبة عليه بغير إذن السلطان وإن انقسم أهل البلد إلى أهل البدعة وأهل السنة وكان في الاعتراض تحريك فتنة بالمقاتلة فليس للآحاد الحسبة في المذاهب إلا بنصب السلطان فإذا رأى السلطان الرأي الحق ونصره وأذن لواحد أن يزجر المبتدعة عن إظهار البدعة كان له ذلك وليس لغيره فإن ما يكون بإذن السلطان لا يتقابل وما يكون من جهة الآحاد فيتقابل الأمر فيه وعلى الجملة فالحسبة في البدعة أهم من الحسبة في كل المنكرات ولكن ينبغي أن يراعى فيها هذا التفصيل الذي ذكرناه كيلا يتقابل الأمر ولا ينجر إلى تحريك الفتنة بل لو أذن السلطان مطلقا في منع كل من يصرح بأن القرآن مخلوق أو أن الله لا يرى أو أنه مستقر على العرش مماس له أو غير ذلك من البدع لتسلط الآحاد على المنع منه ولم يتقابل الأمر فيه وإنما يتقابل عند عدم إذن السلطان فقط
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الإثنين 02 أبريل 2012, 7:30 am | |
|
الركن الثالث : المحتسب عليه وشرطه أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوع منه في حقه منكرا وأقل ما يكفي في ذلك أن يكون إنسانا ولا يشترط كونه مكلفا إذ بينا أن الصبي لو شرب الخمر منع منه واحتسب عليه وإن كان قبل البلوغ ولا يشترط كونه مميزا إذ بينا أن المجنون لو كان يزني بمجنونة أو يأتي بهيمة منعه منه نعم من الأفعال ما لا يكون منكرا في حق المجنون كترك الصلاة والصوم وغيره ولكنا لسنا نلتفت إلى اختلاف التفاصيل فإن ذلك أيضا مما يختلف فيه المقيم والمسافر والمريض والصحيح وغرضنا الإشارة إلى الصفة التي بها يتهيأ توجه أصل الإنكار عليه لا ما بها يتهيأ للتفاصيل فإن قلت فاكتف بكونه حيوانا ولا تشترط كونه إنسانا فإن البهيمة لو كانت تفسد زرعا لإنسان لكنا تمنعها منه كما نمنع المجنون من الزنا وإتيان البهيمة فاعلم أن تسمية ذلك حسبة لا وجه لها إذ الحسبة عبارة عن المنع عن منكر لحق الله صيانة للممنوع عن مقارفة المنكر ومنع المجنون عن الزنا وإتيان البهيمة لحق الله وكذا منع الصبي عن شرب الخمر والإنسان إذا أتلف زرع غيره منع منه لحقين أحدهما حق الله تعالى فإن فعله معصية والثاني حق المتلف عليه فهما علتان تنفصل إحداهما عن الأخرى فلو قطع طرف غيره بإذنه فقد وجدت المعصية وسقط حق المجني عليه بإذنه فتثبت الحسبة والمنع بإحدى العلتين والبهيمة إذا أتلفت فقد عدمت المعصية ولكن يثبت المنع بإحدى العلتين ولكن فيه دقيقة وهو أنا لسنا نقصد بإخراج البهيمة منع البهيمة بل حفظ مال المسلم إذ البهيمة لو أكلت ميتة أو شربت من إناء فيه خمر أو ماء مشوب بخمر لم نمنعها منه بل يجوز إطعام كلاب الصيد الجيف والميتات ولكن مال المسلم إذا تعرض للضياع وقدرنا على حفظه بغير تعب وجب ذلك علينا حفظا للمال بل لو وقعت جرة لإنسان من علو وتحتها قارورة لغيره فتدفع الجرة لحفظ القارورة لا لمنع الجرة من السقوط فإنا لا نقصد منع الجرة وحراستها من أن تصير كاسرة للقارورة ونمنع المجنون من الزنا وإتيان البهيمة وشرب الخمر وكذا الصبي لا صيانة للبهيمة المأتية أو الخمر المشروب بل صيانة للمجنون عن شرب الخمر وتنزيها له من حيث إنه إنسان محترم فهذه لطائف دقيقة لا يتفطن لها إلا المحققون فلا ينبغي أن يغفل عنها ثم فيما يجب تنزيه الصبي والمجنون عنه نظر إذ قد يتردد في معنهما من لبس الحرير وغير ذلك وسنتعرض لما نشير إليه في الباب الثالث فإن قلت فكل من رأى بهائم قد استرسلت في زرع إنسان فهل يجب عليه إخراجها وكل من رأى مالا لمسلم أشرف على الضياع هل يجب عليه حفظه فإن قلتم إن ذلك واجب فهذا تكليف شطط يؤدي إلى أن يصير الإنسان مسخرا لغيره طول عمره وإن قلتم لا يجب فلم يجبالاحتساب على من يغصب مال غيره وليس له سبب سوى مراعاة مال الغير فنقول هذا بحث دقيق غامض والقول الوجيز فيه أن نقول مهما قدر على حفظه من الضياع من غير أن يناله تعب في بدنه أو خسران في ماله أو نقصان جاهه وجب عليه ذلك فذلك القدر واجب في حقوق المسلم بل هو أقل درجات الحقوق والأدلة الموجبة لحقوق المسلمين كثيرة وهذا أقل درجاتها وهو أولى بالإيجاب من رد السلام فإن الأذى في هذا أكثر من الأذى في ترك رد السلام بل لا خلاف في أن مال الإنسان إذا كان يضيع بظلم ظالم وكان عند الشهادة لو تكلم بها لرجع الحق إليه وجب عليه ذلك وعصى بكتمان الشهادة ففي معنى ترك الشهادة ترك كل دفع لا ضرر على الدافع فيه فأما إن كان عليه تعب أو ضرر في مال أو جاه لم يلزمه السعي في ذلك ولكن إذا كان لا يتعب بتنبيه صاحب الزرع من نوم أو بإعلامه يلزمه فإهمال تعريفه وتنبيهه كإهماله تعريف القاضي بالشهادة وذلك لا رخصة فيه ولا يمكن أن يراعى فيه الأقل والأكثر حتى يقال إن كان لا يضيع من منفعته في مدة اشتغاله بإخراج البهائم إلا قدر درهم مثلا وصاحب الزرع يفوته مال كثير فيترجح جانبه لأن الدرهم الذي له هو يستحق حفظه كما يستحق صاحب الألف حفظ الألف ولا سبيل للمصير إلا ذلك فأما إذا كان فوات المال بطريق هو معصية كالغصب أو قتل عبد مملوك للغير فهذا يجب المنع منه وإن كان فيه تعب ما لأن المقصود حق الشرع والغرض دفع المعصية وعلى الإنسان أن يتعب نفسه في دفع المعاصي كما عليه أن يتعب نفسه في ترك المعاصي والمعاصي كلها في تركها تعب وإنما الطاعة كلها ترجع إلى مخالفة النفس وهي غاية التعب ثم لا يلزمه احتمال كل ضرر بل التفصيل فيه كما ذكرناه من درجات المحذورات التي يخافها المحتسب وقد اختلف الفقهاء في مسئلتين تقربان من غرضنا إحداهما أن الالتقاط هل هو واجب واللقطة ضائعة والملتقط مانع من الضياع وساع في الحفظ والحق فيه عندنا أن يفصل ويقال إن كانت اللقطة في موضع لو تركها فيه لم تضع بل يلتقطها من يعرفها أو تترك كما لو كان في مسجد أو رباط يتعين من يدخله وكلهم أمناء فلا يلزمه الالتقاط وإن كانت في مضيعة نظر فإن كان عليه تعب في حفظها كما لو كانت بهيمة وتحتاج إلى علف واصطبل فلا يلزمه ذلك لأنه إنما يجب الالتقاط لحق المالك وحقه بسبب كونه إنسانا محترما والملتقط أيضا إنسان وله حق في أن لا يتعب لأجل غيره كما لا يتعب غيره لأجله فإن كانت ذهبا أو ثوبا أو شيئا لا ضرر عليه فيه إلا مجرد تعب التعريف فهذا ينبغي أن يكون في محل الوجهين فقائل يقول التعريف والقيام بشرطه فيه تعب فلا سبيل إلى إلزامه ذلك إلا أن يتبرع فيلتزم طبقا للثواب وقائل يقول إن هذا القدر من التعب مستصغر بالإضافة إلى مراعاة حقوق المسلمين فينزل هذا منزلة تعب الشاهد في حضور مجلس الحكم فإنه لا يلزمه السفر إلى بلدة أخرى إلا أن يتبرع به فإذا كان مجلس القاضي في جواره لزمه الحضور وكان التعب بهذه الخطوات لا يعد تعبا في غرض إقامة الشهادة وأداء الأمانة وإن كان في الطرف الآخر من البلد وأحوج إلى الحضور في الهاجرة وشدة الحر فهذا قد يقع في محل الاجتهاد والنظر فإن الضرر الذي ينال الساعي في حفظ حق الغير له طرف في القلة لا يشك في أنه لا يبالي به وطرف في الكثرة لا يشك في أنه لا يلزم احتماله ووسط يتجاذبه الطرفان ويكون أبدا في محل الشبهة والنظر وهي من الشبهات المزمنة التي ليس في مقدور البشر إزالتها إذ لا علة تفرق بين أجزائها المتقاربة ولكن المتقي ينظر فيها لنفسه ويدع ما يريبه إلا ما لا يريبه فهذا نهاية الكشف عن هذا الأصل
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الإثنين 02 أبريل 2012, 7:38 am | |
|
الركن الرابع نفس الاحتساب وله درجات وآداب . أما الدرجات : فأولها : التعرف ثم التعريف ثم النهي ثم الوعظ والنصح ثم السب والتعنيف ثم التغيير باليد ثم التهديد بالضرب ثم إيقاع الضرب وتحقيقه ثم شهر السلاح ثم الاستظهار فيه بالأعوان وجمع الجنود . - أما الدرجة الأولى وهي التعرف ونعني طلب المعرفة بجريان المنكر وذلك منهي عنه وهو التجسس الذي ذكرناه فلا ينبغي أن يسترق السمع على دار غيره ليسمع صوت الأوتار ولا أن يستنشق ليدرك رائحة الخمر ولا أن يمس ما في ثوبه ليعرف شكل المزمار ولا أن يستخبر من جيرانه ليخبروه بما يجري في داره نعم لو أخبره عدلان ابتداء من غير استخبار بأن فلانا يشرب الخمر في داره أو بأن في داره خمرا أعده للشرب فله إذ ذاك أن يدخل داره ولا يلزم الاستئذان ويكون تخطى ملكه بالدخول للتوصل إلى دفع المنكر ككسر رأسه بالضرب للمنع مهما احتاج إليه وإن أخبره عدلان أو عدل واحد وبالجملة كل من تقبل روايته لا شهادته ففي جواز الهجوم على داره بقولهم فيه نظر واحتمال والأولى أن يمتنع لأن له حقا في أن لا يتخطى داره بغير إذنه ولا يسقط حق المسلم عما ثبت عليه حقه إلا بشاهدين فهذا أولى ما يجعل مردا فيه وقد قيل أنه كان نقش خاتم لقمان الستر لما عاينت أحسن من إذاعة ما ظننت. - الدرجة الثانية التعريف فإن المنكر قد يقدم عليه المقدم بجهله وإذا عرف أنه منكر تركه كالسوادي يصلي ولا يحسن الركوع والسجود فيعلم أن ذلك لجهله بأن هذه ليست بصلاة ولو رضى بأن لا يكون مصليا لترك أصل الصلاة فيجب تعريفه باللطف من غير عنف وذلك لأن ضمن التعريف نسبة إلى الجهل والحمق والتجهيل إيذاء وقلما يرضى الإنسان بأن ينسب إلى الجهل بالأمور لا سيما بالشرع ولذلك ترى الذي يغلب عليه الغضب كيف يغضب إذا نبه على الخطأ والجهل وكيف يجتهد في مجاحدة الحق بعد معرفته خيفة من أن تنكشف عورة جهله والطباع أحرص على ستر عورة الجهل منها على ستر العورة الحقيقية لأن الجهل قبح في صورة النفس وسواد في وجهه وصاحبه ملوم عليه وقبح السوأتين يرجع إلى صورة البدن والنفس أشرف من البدن وقبحها أشد من قبح البدن ثم هو غير ملوم عليه لأنه خلقة لم يدخل تحت اختياره حصوله ولا في اختياره إزالته وتحسينه والجهل قبح يمكن إزالته وتبديله بحسن العلم فلذلك يعظم تألم الإنسان بظهور جهله ويعظم ابتهاجه في نفسه بعلمه ثم لذته عند ظهور جمال علمه لغيره وإذا كان التعريف كشفا للعورة مؤذيا للقلب فلا بد وأن يعالج دفع أذاه بلطف الرفق فنقول له إن الإنسان لا يولد عالما ولقد كنا أيضا جاهلين بأمور الصلاة فعلمنا العلماء ولعل قريتك خالية عن أهل العلم أو عالمها مقصر في شرح الصلاة وإيضاحها إنما شرط الصلاة الطمأنينة في الركوع والسجود وهكذا يتلطف به ليحصل التعريف من غير إيذاء فإن إيذاء المسلم حرام محذور كما أن تقريره على المنكر محذور وليس من العقلاء من يغسل الدم بالدم أو بالبول ومن اجتنب محذور السكوت على المنكر واستبدل عنه محذور الإيذاء للمسلم مع الإستغناء عنه فقد غسل الدم بالبول على بالتحقيق وأما إذا وقفت على خطأ في غير أمر الدين فلا ينبغي أن ترده عليه فإنه يستفيد منك علما ويصير لك عدوا إلا إذا علمت أنه يغتنم العلم وذلك عزيز جدا . - الدرجة الثالثة النهي بالوعظ والنصح والتخويف بالله تعالى وذلك فيمن يقدم على الأمر وهو عالم بكونه منكرا أو فيمن أصر عليه بعد أن عرف كونه منكرا كالذي يواظب على الشرب أو على الظلم أو على اغتياب المسلمين أو ما يجري مجراه فينبغي أن يوعظ ويخوف بالله تعالى وتورد عليه الأخبار الواردة بالوعيد في ذلك وتحكى له سيرة السلف وعبادة المتقين وكل ذلك بشفقة ولطف من غير عنف وغضب بل ينظر إليه نظر المترحم عليه ويرى إقدامه على المعصية مصيبة على نفسه إذ المسلمون كنفس واحدة وههنا آفة عظيمة ينبغي أن يتوقاها فإنها مهلكة وهي أن العالم يرى عند التعريف عز نفسه بالعلم وذل غيره بالجهل فربما يقصد بالتعريف الإدلال وإظهار التمييز بشرف العلم وإذلال صاحبه بالنسبة إلى خسة الجهل فإن كان الباعث هذا فهذا المنكر أقبح في نفسه من المنكر الذي يعترض عليه ومثال هذا المحتسب مثال من يخلص غيره من النار بإحراق نفسه وهو غاية في الجهل وهذه مذلة عظيمة وغائلة هائلة وغرور للشيطان يتدلى بحبله كل إنسان إلا من عرفه الله عيوب نفسه وفتح بصيرته بنور هدايته فإن في الاحتكام على الغير لذة للنفس عظيمة من وجهين أحدهما من جهة العلم والآخر من جهة دالة الاحتكام والسلطنة وذلك يرجع إلى الرياء وطلب الجاه وهو الشهوة الخفية الداعية إلى الشرك الخفي وله محك ومعيار ينبغي أن يمتحن المحتسب به نفسه وهو أن يكون امتناع ذلك الإنسان عن المنكر بنفسه أو باحتساب غيره أحب إليه من امتناعه باحتسابه فإن كانت الحسبة شاقة عليه ثقيلة على نفسه وهو يود أن يكفي بغيره فليحتسب فإن باعثه هو الدين وإن كان اتعاظ ذلك العاصي بوعظه وانزجاره بزجره أحب إليه من اتعاظه بوعظ غيره فما هو إلا متبع هوى نفسه ومتوسل إلى إظهار جاه نفسه بواسطة حسبته فليتق الله تعالى فيه وليحتسب أولا على نفسه وعند هذا يقال له ما قيل لعيسى عليه السلام يا ابن مريم عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني وقيل لداود الطائي رحمه الله أرأيت رجلا دخل على هؤلاء الأمراء فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر فقال أخاف عليه السوط قال إنه يقوى عليه قال أخاف عليه السيف قال إنه يقوى عليه قال أخاف عليه الداء الدفين وهو العجب . - الدرجة الرابعة السب والتعنيف بالقول الغليظ الخشن وذلك يعدل إليه عند العجز عن المنع باللطف وظهور مبادىء الإصرار والاستهزاء بالوعظ والنصح وذلك مثل قول إبراهيم عليه السلام أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ولسنا نعني بالسب والفحش بما فيه نسبة إلى الزنا ومقدماته ولا الكذب بل أن يخاطبه بما فيه مما لا يعد من جملة الفحش كقوله يا فاسق يا أحمق يا جاهل ألا تخاف الله وكقوله يا سوادي يا غبي وما يجري هذا المجرى فإن كل فاسق فهو أحمق وجاهل ولولا حمقه لما عصى الله تعالى بل كل من ليس بكيس فهو أحمق والكيس من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكياسة حيث قال الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله حديث الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت الحديث أخرجه الترمذي وقال حسن وابن ماجه من حديث شداد بن أوس ولهذه الرتبة أدبان أحدهما أن لا يقدم عليها إلا عند الضرورة والعجز عن اللطف والثاني أن لا ينطق إلا بالصدق ولا يسترسل فيه فيطلق لسانه الطويل بما لا يحتاج إليه بل يقتصر على قدر الحاجة فإن علم أن خطابه بهذه الكلمات الزاجرة ليست تزجره فلا ينبغي أن يطلقه بل يقتصر على إظهار الغضب والاستحقار له والازدراء بمحله لأجل معصيته وإن علم أنه لو تكلم ضرب ولو اكفهر وأظهر الكراهة بوجهه لم يضرب لزمه ولم يكفه الإنكار بالقلب بل يلزمه أن يقطب وجهه ويظهر الإنكار له . - الدرجة الخامسة التغيير باليد وذلك ككسر الملاهي وإراقة الخمر وخلع الحرير من رأسه وعن بدنه ومنعه من الجلوس عليه ودفعه عن الجلوس على مال الغير وإخراجه من الدار المغصوبة بالجر برجله وإخراجه من المسجد إذا كان جالسا وهو جنب وما يجري مجراه ويتصور ذلك في بعض المعاصي دون بعض فأما معاصي اللسان والقلب فلا يقدر على مباشرة تغييرها وكذلك كل معصية تقتصر على نفس العاصي وجوارحه الباطنة وفي هذه الدرجة أدبان أحدهما أن لا يباشر بيده التغيير ما لم يعجز عن تكليف المحتسب عليه ذلك فإذا أمكنه أن يكلفه المشي في الخروج عن الأرض المغصوبة والمسجدفلا ينبغي أن يدفعه أو يجره وإذا قدر على أن يكلفه إراقة الخمر وكسر الملاهي وحل دروز ثوب الحرير فلا ينبغي أن يباشر ذلك بنفسه فإن في الوقوف على حد الكسر نوع عسر فإذا لم يتعاط بنفسه ذلك كفى الاجتهاد فيه وتولاه من لا حجر عليه في فعله الثاني أن يقتصر في طريق التغيير على القدر المحتاج إليه وهو أن لا يأخذ بلحيته في الإخراج ولا برجله إذا قدر على جره بيده فإن زيادة الأذى فيه مستغنى عنه وأن لا يمزق ثوب الحرير بل يحل دروزه فقط ولا يحرق الملاهي والصليب الذي أظهره النصارى بل يبطل صلاحيتها للفساد بالكسر وحد الكسر أن يصير إلى حالة تحتاج في استئناف إصلاحه إلى تعب يساوي تعب الاستئناف من الخشب ابتداء وفي إراقة الخمور يتوقى كسر الأواني إن وجد إليه سبيلا فإن لم يقدر عليها إلا بأن يرمى ظروفها بحجر فله ذلك وسقطت قيمة الظرف وتقومه بسبب الخمر إذ صار حائلا بينه وبين الوصول إلى إراقة الخمر ولو ستر الخمر ببدنه لكنا نقصد بدنه بالجرح والضرب لنتوصل إلى إراقة الخمر فإذن لا تزيد حرمة ملكه في الظروف على حرمة نفسه ولو كان الخمر في قوارير ضيقة الرءوس ولو اشتغل بإراقتها طال الزمان وأدركه الفساق ومنعوه فله كسرها فهذا عذر وإن كان لا يحذر ظفر الفساق به ومنعهم ولكن كان يضيع في زمانه وتتعطل عليه أشغاله فله أن يكسرها فليس عليه أن يضيع منفعة بدنه وغرضه من أشغاله لأجل ظرف الخمر وحيث كانت الإراقة متيسرة بلا كسر فكسره لزمه الضمان فإن قلت فهلا جاز الكسر لأجل الزجر وهلا جاز الجر بالرجل في الإخراج عن الأرض المغصوبة ليكون ذلك أبلغ في الزجر فاعلم أن الزجر إنما يكون عن المستقبل والعقوبة تكون على الماضي والدفع على الحاضر الراهن وليس إلى آحاد الرعية إلا الدفع وهو إعدام المنكر فما زاد على قدر الإعدام فهو إما عقوبة على جريمة سابقة أو زجر عن لاحق وذلك إلى الولاة لا إلى الرعية نعم الوالي له أن يفعل ذلك إذا رأى المصلحة فيه وأقول له أن يأمر بكسر الظروف التي فيها الخمور زجرا وقد فعل ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيدا للزجر حديث تكسير الظروف التي فيها الخمور في زمنه صلى الله عليه وسلم أخرجه الترمذي من حديث أبي طلحة أنه قال يا نبي الله إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري قال أهرق الخمر واكسر الدنان وفيه ليث بن أبي سليم والأصح رواية السدي عن يحيى بن عباد عن أنس أن أبا طلحة كان عندي قاله الترمذي ولم يثبت نسخه ولكن كانت الحاجة إلى الزجر والفطام شديدة فإذا رأى الوالي باجتهاده مثل الحاجة جاز له مثل ذلك وإذا كان هذا منوطا بنوع اجتهاد دقيق لم يكن ذلك لآحاد الرعية فإن قلت فليجز للسلطان زجر الناس عن المعاصي بإتلاف أموالهم وتخريب دورهم التي فيها يشربون ويعصون وإحراق أموالهم التي بها يتوصلون إلى المعاصي فاعلم أن ذلك لو ورد الشرع به لم يكن خارجا عن سنن المصالح ولكنا لا نبتدع المصالح بل نتبع فيها وكسر ظروف الخمر قد ثبت عند شدة الحاجة وتركه بعد ذلك لعدم شدة الحاجة لا يكون نسخا بل الحكم يزول بزوال العلة ويعود بعودها وإنما جوزنا ذلك للإمام بحكم الاتباع ومنعنا آحاد الرعية منه لخفاء وجه الاجتهاد فيه بل نقول لو أريقت الخمور أولا فلا يجوز كسر الأواني بعدها وإنما جاز كسرها تبعا للخمر فإذا خلت عنها فهو إتلاف مال إلا أن تكون ضاربة بالخمر لا تصلح إلا لها فكان الفعل المنقول عن العصر الأول كان مقرونا بمعنيين أحدهما شدة الحاجة إلى الزجر والآخر تبعية الظروف للخمر التي هي مشغولة بها وهما معنيان مؤثران لا سبيل إلى حذفهما ومعنى ثالث وهو صدوره عن رأي صاحب الأمر لعلمه بشدة الحاجة إلى الزجر وهو أيضا مؤثر فلا سبيل إلى إلغائه فهذه تصرفات دقيقة فقهية يحتاج المحتسب لا محالة إلى معرفتها . - الدرجة السادسة التهديد والتخويف كقوله دع عنك هذا أو لأكسرن رأسك أو لأضربن رقبتك أو لآمرن بك وما أشبهه وهذا ينبغي أن يقدم على تحقيق الضرب إذا أمكن تقديمه والأدب في هذه الرتبة أن لا يهدده بوعيد لا يجوز له تحقيقه كقوله لأنهبن دارك أو لأضربن ولدك أو لأسبين زوجتك وما يجري مجراه بل ذلك إن قاله عن عزم فهو حرام وإن قاله من غير عزم فهو كذب نعم إذا تعرض لوعيده بالضرب والاستخفاف فله العزم عليه إلى حد معلوم يقتضيه الحال وله أن يزيد في الوعيد على ما هو في عزمه الباطن إذا علم أن ذلك يقمعه ويردعه وليس ذلك من الكذب المحذور بل المبالغة في مثل ذلك معتادة وهو معنى مبالغة الرجل في إصلاحه بين شخصين وتأليفه بين الضرتين وذلك مما قد رخص فيه للحاجة وهذا في معناه فإن القصد به إصلاح ذلك الشخص وإلى هذا المعنى أشار بعض الناس أنه لا يقبح من الله أن يتوعد بما لا يفعل لأن الخلف في الوعيد كرم وإنما يقبح أن يعد بما لا يفعل وهذا غير مرضي عندنا فإن الكلام القديم لا يتطرق إليه الخلف وعدا كان أو وعيدا وإنما يتصور هذا في حق العباد وهو كذلك إذ الخلف في الوعيد ليس بحرام . - الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل وغير ذلك مما ليس فيه شهر سلاح وذلك جائز للآحاد بشرط الضرورة والاقتصار على قدر الحاجة في الدفع فإذا اندفع المنكر فينبغي أن يكف والقاضي قد يرهق من ثبت عليه الحق إلى الأداء بالحبس فإن أصر المحبوس وعلم القاضي قدرته على أداء الحق وكونه معاندا فله أن يلزمه الأداء بالضرب على التدريج كما يحتاج إليه وكذلك المحتسب يراعي التدريج فإن احتاج إلى شهر سلاح وكان يقدر على دفع المنكر بشهر السلاح وبالجرح فله أن يتعاطى ذلك ما لم تثر فتنة كما لو قبض فاسق مثلا على امرأة أو كان يضرب بمزمار معه وبينه وبين المحتسب نهر حائل أو جدار مانع فيأخذ قوسه ويقول له خل عنها أو لأرمينك إن لم تخل عنها فله أن يرمي وينبغي أن لا يقصد المقتل بل الساق والفخذ وما أشبهه ويراعي فيه التدريج وكذلك يسل سيفه ويقول اترك هذا المنكر أو لأضربنك فكل ذلك دفع للمنكر ودفعه واجب بكل ممكن ولا فرق في ذلك بين ما يتعلق بخاص حق الله وما يتعلق بالآدميين وقالت المعتزلة ما لا يتعلق بالآدميين فلا حسبة فيه إلا بالكلام أو بالضرب ولكن للإمام لا للآحاد. - الدرجة الثامنة أن لا يقدر عليه بنفسه ويحتاج فيه إلى أعوان يشهرون السلاح وربما يستمد الفاسق أيضا بأعوانه ويؤدي ذلك إلى أن يتقابل الصفان ويتقاتلا فهذا قد ظهر الاختلاف في احتياجه إلى إذن الإمام فقال قائلون لا يستقل آحاد الرعية بذلك لأنه يؤدي إلى تحريك الفتن وهيجان الفساد وخراب البلاد وقال آخرون لا يحتاج إلى الإذن وهو الأقيس لأنه إذا جاز للآحاد الأمر بالمعروف وأوائل درجاته تجر إلى ثوان والثواني إلى ثوالث وقد ينتهي لا محالة إلى التضارب والتضارب يدعو إلى التعاون فلا ينبغي أن يبالي بلوازم الأمر بالمعروف ومنتهاه تجنيد الجنود في رضا الله ودفع معاصيه ونحن نجوز للآحاد من الغزاة أن يجتمعوا ويقاتلوا من أرادوا من فرق الكفار قمعا لأهل الكفر فكذلك قمع أهل الفساد جائز لأن الكافر لا بأس بقتله والمسلم إن قتل فهو شهيد فكذلك الفاسق المناضل عن فسقه لا بأس بقتله والمحتسب المحق إن قتل مظلوما فهو شهيد وعلى الجملة فانتهاء الأمر إلى هذا من النوادر في الحسبة فلا يغير به قانون القياس بل يقال كل من قدر على دفع منكر فله أن يدفع ذلك بيده وبسلاحه وبنفسه وبأعوانه فالمسألة إذن محتملة كما ذكرناه فهذه درجات الحسبة فلنذكر آدابها والله الموفق
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الإثنين 02 أبريل 2012, 7:42 am | |
| باب آداب المحتسب
قد ذكرنا تفاصيل الآداب في آحاد الدرجات ونذكر الآن جملها ومصادرها فنقول جميع آداب المحتسب مصدرها ثلاث صفات في المحتسب العلم والورع وحسن الخلق . - أما العلم فليعلم مواقع الحسبة وحدودها ومجاريها وموانعها ليقتصر على حد الشرع فيه - والورع ليردعه عن مخالفة معلومة فما كل من علم عمل بعلمه بل ربما يعلم أنه مسرف في الحسبة وزائد على الحد المأذون فيه شرعا ولكن يحمله عليه غرض من الأغراض وليكن كلامه ووعظه مقبولا فإن الفاسق يهزأ به إذا احتسب ويورث ذلك جراءة عليه - وأما حسن الخلق فليتمكن به من اللطف والرفق وهو أصل الباب وأسبابه والعلم والورع لا يكفيان فيه فإن الغضب إذا هاج لم يكف مجرد العلم والورع في قمعه ما لم يكن في الطبع قبوله بحسن الخلق وعلى التحقيق فلا يتم الورع إلا مع حسن الخلق والقدرة على ضبط الشهوة والغضب وبه يصبر المحتسب على ما أصابه في دين الله وإلا فإذا أصيب عرضه أو ماله أو نفسه بشتم أو ضرب نسي الحسبة وغفل عن دين الله واشتغل بنفسه بل ربما يقدم عليه ابتداء لطلب الجاه والاسم فهذه الصفات الثلاث بها تصير الحسبة من القربات وبها تندفع المنكرات وإن فقدت لم يندفع المنكر بل ربما كانت الحسبة أيضا منكرة لمجاوزة حد الشرع فيها .
ودل على هذه الآداب قوله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا رفيق فيما يأمر به رفيق فيما ينهى عنه حليم فيما يأمر به حليم فيما ينهى عنه فقيه فيما يأمر به فقيه فيما ينهى عنه حديث لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا رفيق فيما يأمر به رفيق فيما ينهى عنه الحديث لم أجده هكذا . وللبيهقي في الشعب من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف وهذا يدل على أنه لا يشترط أن يكون فقيها مطلقا بل فيما يأمر به وينهى عنه وكذا الحلم . قال الحسن البصري رحمه الله تعالى إذا كنت ممن يأمر بالمعروف فكن من آخذ الناس به وإلا هلكت وقد قيل لا تلم المرء على فعله وأنت منسوب إلى مثله من ذم شيئا وأتى مثله فإنما يزرى على عقله ولسنا نعني بهذا أن الأمر بالمعروف يصير ممنوعا بالفسق ولكن يسقط أثره عن القلوب بظهور فسقه للناس . فقد روي عن أنس رضي الله عنه قال قلنا يا رسول الله لا نأمر بالمعروف حتى نعمل به كله ولا ننهى عن المنكر حتى نجتنبه كله فقال صلى الله عليه وسلم بل مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله حديث أنس قلنا يا رسول الله لا نأمر بالمعروف حتى نعمل به كله ولا ننهى عن المنكر حتى نجتنبه كله فقال صلى الله عليه وسلم بل مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله أخرجه الطبراني في المعجم الصغير والأوسط وفيه عبد القدوس بن حبيب أجمعوا على تركه . وأوصى بعض السلف بنيه فقال إن إراد أحدكم أن يأمر بالمعروف فليوطن نفسه على الصبر وليثق بالثواب من الله فمن وثق بالثواب من الله لم يجد مس الأذى فإذن من آداب الحسبة توطين النفس على الصبر ولذلك قرن الله تعالى الصبر بالأمر بالمعروف فقال حاكيا عن لقمان يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ومن الآداب تقليل العلائق حتى لا يكثر خوفه وقطع الطمع عن الخلائق حتى تزول عنه المداهنة فقد روى عن بعض المشايخ أنه كان له سنور وكان يأخذ من قصاب في جواره كل يوم شيئا من الغدد لسنوره فرأى على القصاب منكرا فدخل الدار أولا وأخرج السنور ثم جاء واحتسب على القصاب فقال له القصاب لا أعطينك بعد هذا شيئا لسنورك فقال ما احتسبت عليك إلا بعد إخراج السنور وقطع الطمع منك وهو كما قال فمن لم يقطع الطمع من الخلق لم يقدر على الحسبة ومن طمع في أن تكون قلوب الناس عليه طيبة وألسنتهم بالثناء عليه مطلقة لم تتيسر له الحسبة قال كعب الأحبار لأبي مسلم الخولاني كيف منزلتك بين قومك قال حسنة قال إن التوراة تقول إن الرجل إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ساءت منزلته عند قومه فقال أبو مسلم صدقت التوراة وكذب أبو مسلم ويدل على وجوب الرفق ما استدل به المأمون إذا وعظه واعظ وعنف له في القول فقاليا رجل ارفق فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرفق فقال تعالى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى فليكن اقتداء المحتسب في الرفق بالأنبياء صلوات الله عليهم فقد روى أبو أمامة أن غلاما شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله تأذن لي في الزنا فصاح الناس به فقال النبي صلى الله عليه وسلم قربوه ادن فدنا حتى جلس بين يديه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتحبه لأمك فقال لا جعلني الله فداك قال كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم أتحبه لابنتك قال لا جعلني الله فداك قال كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم أتحبه لأختك حديث أبي أمامة أن شابا قال يا رسول الله ائذن لي في الزنا فصاح الناس به الحديث رواه أحمد بإسناد جيد رجاله رجال الصحيح وزاد ابن عوف حتى ذكر العمة والخالة وهو يقول في كل واحد لا جعلني الله فداك وهو صلى الله عليه وسلم يقول كذلك الناس لا يحبونه وقالا جميعا في حديثهما أعني ابن عوف والراوي الآخر فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه وحصن فرجه فلم يكن شيء أبغض إليه منه يعني من الزنا وقيل للفضيل بن عياض رحمه الله إن سفيان بن عيينة قبل جوائز السلطان فقال الفضيل ما أخذ منهم إلا دون حقه ثم خلا به وعذله ووبخه فقال سفيان يا أبا علي إن لم نكن من الصالحين فإنا لنحب الصالحين وقال حماد بن سلمة إن صلة بن أشيم مر عليه رجل قد أسبل إزاره فهم أصحابه أن يأخذوه بشدة فقال دعوني أنا أكفيكم فقال يا ابن أخي إن لي إليك حاجة قال وما حاجتك يا عم قال أحب أن ترفع من إزارك فقال نعم وكرامة فرفع إزاره فقال لأصحابه لو أخذتموه بشدة لقال لا ولا كرامة وشتمكم وقال محمد بن زكريا الغلابي شهدت عبد الله بن محمد بن عائشة ليلة وقد خرج من المسجد بعد المغرب يريد منزله وإذا في طريقه غلام من قريش سكران وقد قبض على امرأة فجذبها فاستغاثت فاجتمع الناس عليه يضربونه فنظر إليه ابن عائشة فعرفه فقال للناس تنحوا عن ابن أخي ثم قال إلي يا ابن أخي فاستحى الغلام فجاء إليه فضمه إلى نفسه ثم قال له امض معي فمضى معه حتى صار إلى منزله فأدخله الدار وقال لبعض غلمانه بيته عندك فإذا أفاق من سكره فأعلمه بما كان منه ولا تدعه ينصرف حتى تأتيني به فلما أفاق ذكر له ما جرى فاستحيا منه وبكى وهم بالانصراف فقال الغلام قد أمر أن تأتيه فأدخله عليه فقال له أما استحييت لنفسك أما استحييت لشرفك أما ترى من ولدك فاتق الله وانزع عما أنت فيه فبكى الغلام منكسا رأسه ثم رفع رأسه وقال عاهدت الله تعالى عهدا يسألني عنه يوم القيامة أني لا أعود لشرب النبيذ ولا لشيء مما كنت فيه وأنا تائب فقال ادن مني فقبل رأسه وقال أحسنت يا بني فكان الغلام بعد ذلك يلزمه ويكتب عنه الحديث وكان ذلك ببركة رفقه ثم قال إن الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويكون معروفهم منكرا فعليكم بالرفق في جميع أموركم تنالون به ما تطلبون وعن الفتح بن شخرف قال تعلق رجل بامرأة وتعرض لها وبيده سكين لا يدنو منه أحد إلا عقره وكان الرجل شديد البدن فبينا الناس كذلك والمرأة تصيح في يده إذ مر بشر بن الحارث فدنا منه وحك كتفه بكتف الرجل فوقع الرجل على الأرض ومشى بشر فدنوا من الرجل وهو يترشح عرقا كثيرا ومضت المرأة لحالها فسألوه ما حالك فقال ما أدري ولكن حاكني شيخ وقال لي إن الله عز وجل ناظر إليك وإلى ما تعمل فضعفت لقوله قدماي وهبته هيبة شديدة ولا أدري من ذلك الرجل فقالوا له هو بشر بن الحارث فقال واسوأتاه كيف ينظر إلى بعد اليوم وحم الرجل من يومه ومات يوم السابع فكذا كانت عادة أهل الدين في الحسبة وقد نقلنا فيها آثارا وأخبارا في باب البغض في الله والحب في الله من كتاب آداب الصحبة فلا نطول بالإعادة فهذا تمام النظر في درجات الحسبة وآدابها والله الموفق بكرمه والحمد لله على جميع نعمه
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الإثنين 02 أبريل 2012, 7:53 am | |
| الباب الثالث
في المنكرات المألوفة في العادات
فنشير إلى جمل منها ليستدل بها على أمثالها إذ لا مطمع في حصرها واستقصائها فمن ذلك منكرات المساجد اعلم أن المنكرات تنقسم إلى مكروهة وإلى محظورة فإذا قلنا هذا منكر مكروه فاعلم أن المنع منه مستحب والسكوت عليه مكروه وليس بحرام إلا إذا لم يعلم الفاعل أنه مكروه فيجب ذكره له لأن الكراهة حكم في الشرع يجب تبليغه إلى من لا يعرفه وإذا قلنا منكر محظور أو قلنا منكر مطلقا فنزيد به المحظور ويكون السكوت عليه مع القدرة محظورا فما يشاهد كثيرا في المساجد إساءة الصلاة بترك الطمأنينة في الركوع والسجود وهو منكر مبطل للصلاة بنص الحديث فيجب النهي عنه إلا عند الحنفي الذي يعتقد أن ذلك لا يمنع صحة الصلاة إذ لا ينفع النهي معه ومن رأى مسيئا في صلاته فسكت عليه فهو شريكه هكذا ورد به الأثر وفي الخبر ما يدل عليه إذ ورد في الغيبة أن المستمع شريك القائل حديث المغتاب والمستمع شريكان في الإثم تقدم في الصوم وكذلك كل ما يقدح في صحة الصلاة من نجاسة على ثوبه لا يراها أو انحراف عن القبلة بسبب ظلام أو عمى فكل ذلك تجب الحسبة فيه ومنها قراءة القرآن باللحن يجب النهي عنه ويجب تلقين الصحيح فإن كان المعتكف في المسجد يضيع أكثر أوقاته في أمثال ذلك ويشتغل به عن التطوع والذكر فليشتغل به فإن هذا أفضل له من ذكره وتطوعه لأن هذا فرض وهي قربة تتعدى فائدتها فهي أوشك من نافلة تقتصر عليه فائدتها وإن كان ذلك يمنعه عن الوراقة مثلا أو عن الكسب الذي هو طعمته فإن كان معه مقدار كفايته لزمه الاشتغال بذلك ولم يجز له ترك الحسبة لطلب زيادة الدنيا وإن احتاج إلى الكسب لقوت يومه فهو عذر له فيسقط الوجوب عنه لعجزه والذي يكثر اللحن في القرآن إن كان قادرا على التعلم فليمتنع من القراءة قبل التعلم فإنه عاص به وإن كان لا يطاوعه اللسان فإن كان أكثر ما يقرؤه لحنا فليتركه وليجتهد في تعلم الفاتحة وتصحيحها وإن كان الأكثر صحيحا وليس يقدر على التسوية فلا بأس له أن يقرأ ولكن ينبغي أن يخفض به الصوت حتى لا يسمع غيره ولمنعه سرا منه أيضا وجه ولكن إذا كان ذلك منتهى قدرته وكان له أنس بالقراءة وحرص عليها فلست أرى به باسا والله أعلم ومنها تراسل المؤذنين في الأذان وتطويلهم بمد كلماته وانحرافهم عن صوب القبلة بجميع الصدر في الحيعلتين أو انفراد كل واحد منهم بأذان ولكن من غير توقف إلى انقطاع أذان الآخر بحيث يضطرب على الحاضرين جواب الأذان لتداخل الأصوات فكل ذلك منكرات مكروهة يجب تعريفها فإن صدرت عن معرفة فيستحب المنع منها والحسبة فيها وكذلك إذا كان للمسجد مؤذن واحد وهو يؤذن قبل الصبح فينبغي أن يمنع من الأذان بعد الصبح فذلك مشوش للصوم والصلاة على الناس إلا إذا عرف أنه يؤذن قبل الصبح حتى لا يعول على أذانه في صلاة وترك سحور أو كان معه مؤذن آخر معروف الصوت يؤذن مع الصبح ومن المكروهات أيضا تكثير الأذان مرة بعد أخرى بعد طلوع الفجر في مسجد واحد في أوقات متعاقبة متقاربة إما من واحد أو جماعة فإنه لا فائدة فيه إذا لم يبق في المسجد نائم ولم يكن الصوت مما يخرج عن المسجد حتى ينبه غيره فكل ذلك من المكروهات المخالفة لسنة الصحابة والسلف ومنها أن يكون الخطيب لابسا لثوب أسود يغلب عليه الإبريسم أو ممسكا لسيف مذهب فهو فاسق والإنكار عليه واجب وأما مجرد السواد فليس بمكروه ولكنه ليس بمحبوب إذ أحب الثياب إلى الله تعالى البيض ومن قال أنه مكروه وبدعة أراد به أنه لم يكن معهودا في العصر الأول ولكن إذا لم يرد فيه نهي فلا ينبغي أن يسمى بدعة ومكروها ولكنه ترك للأحب ومنها كلام القصاص والوعاظ الذين يمزجون بكلامهم البدعة فالقاص إن كان يكذب في أخباره فهو فاسق والإنكار عليه واجب وكذا الواعظ المبتدع يجب منعه ولا يجوز حضور مجلسه إلا على قصد إظهار الرد عليه إما للكافة إن قدر عليه أو لبعض الحاضرين حواليه فإن لم يقدر فلا يجوز سماع البدع قال الله تعالى لنبيه فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ومهما كان كلامه مائلا إلى الإرجاء وتجرئة الناس على المعاصي وكان الناس يزدادون بكلامه جراءة وبعفو الله وبرحمته وثوقا يزيد بسببه رجاؤهم على خوفهم فهو منكر ويجب منعه عنه لأن فساد ذلك عظيم بل لو رجح خوفهم على رجائهم فذلك أليق وأقرب بطباع الخلق فإنهم إلى الخوف أحوج وإنما العدل تعديل الخوف والرجاء كما قال عمر رضي الله عنه لو نادى مناد يوم القيامة ليدخل النار كل الناس إلا رجلا واحدا لرجوت أن أكون أنا ذلك الرجل ولو نادى مناد ليدخل الجنة كل الناس إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا ذلك الرجل ومهما كان الواعظ شابا متزينا للنساء في ثيابه وهيئته كثير الأشعار والإشارات والحركات وقد حضر مجلسه النساء فهذا منكر يجب المنع منه فإن الفساد فيه أكثر من الصلاح ويتبين ذلك منه بقرائن أحواله بل لا ينبغي أن يسلم الوعظ إلا لمن ظاهره الورع وهيئته السكينة والوقار وزيه زي الصالحين وإلا فلا يزداد الناس به إلا تماديا في الضلال ويجب أن يضرب بين الرجال والنساء حائل يمنع من النظر فإن ذلك أيضا مظنة الفساد والعادات تشهد لهذه المنكرات ويجب منع النساء من حضور المساجد للصلوات ومجالس الذكر إذا خيفت الفتنة بهن فقد منعتهن عائشة رضي الله عنها فقيل لها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعهن من الجماعات فقالت لو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثن بعده لمنعهن حديث عائشة لو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثن أي النساء من بعده لمنعهن المساجد متفق عليه وأما اجتياز المرأة في المسجد مستترة فلا تمنع منه إلا أن الأولى أن لا تتخذ المسجد مجازا اصلا وقراءة القراء بين يدي الوعاظ مع التمديد والألحان على وجه يغير نظم القرآن ويجاوز حد التنزيل منكر مكروه شديد الكراهة أنكره جماعة من السلف ومنها الحلق يوم الجمعة لبيع الأدوية والأطعمة والتعويذات وكقيام السؤال وقراءتهم القرآن وإنشادهم الأشعار وما يجري مجراه فهذه الأشياء منها ما هو محرم لكونه تلبيسا وكذبا كالكذابين من طرقية الأطباء وكأهل الشعبذة والتلبيسات وكذا أرباب التعويذات في الأغلب يتوصلون إلى بيعها بتلبيسات على الصبيان والسوادية فهذا حرام في المسجد وخارج المسجد ويجب المنع منه بل كل بيع فيه كذب وتلبيس وإخفاء عيب على المشتري فهو حرام ومنها ما هو مباح خارج المسجد كالخياطة وبيع الأدوية والكتب والأطعمة فهذا في المسجد أيضا لا يحرم إلا بعارض وهو أن يضيق المحل على المصلين ويشوش عليهم صلاتهم فإن لم يكن شيء من ذلك فليس بحرام والأولى تركه ولكن شرط إباحته أن يجري في أوقات نادرة وأيام معدودة فإن اتخاذ المسجد دكانا على الدوام حرم ذلك ومنع منه فمن المباحات ما يباح بشرط القلة فإن كثر صار صغيرة كما أن من الذنوب ما يكون صغيرة بشرط عدم الإصرار فإن كان القليل من هذا لو فتح بابه لخيف منه أن ينجر إلى الكثير فليمنع منه وليكن هذا المنع إلى الوالي أو إلى القيم بمصالح المسجد من قبل الوالي لأنه لا يدرك ذلك بالاجتهاد وليس للآحاد المنع مما هو مباح في نفسه لخوفه أن ذلك يكثر ومنها دخول المجانين والصبيان والسكارى في المسجد ولا بأس بدخول الصبي المسجد إذا لم يلعب ولا يحرم عليه اللعب في المسجد ولا السكوت على لعبه إلا إذا اتخذ المسجد ملعبا وصار ذلك معتادا فيجب المنع منه فهذا مما يحل قليله دون كثيره ودليل حل قليله ما روي في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف لأجل عائشة رضي الله عنها حتى نظرت إلى الحبشة يزفنون ويلعبون بالدرق والحراب يوم العيد في المسجد ولا شك في أن الحبشة لو اتخذوا المسجد ملعبا لمنعوا منه ولم ير ذلك على الندرة والقلة منكرا حتى نظر إليه بل أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبصرهم عائشة تطييبا لقلبها إذ قال دونكم يا بني أرفدة كما نقلناه في كتاب السماع وأما المجانين فلا بأس بدخولهم المسجد إلا أن يخشى تلويثهم له أو شتمهم أو نطقهم مما هو فحش أو تعاطيهم لما هو منكر في صورته ككشف العورة وغيره وأما المجنون الهادىء الساكن الذي قد علم بالعادة سكونه وسكوته فلا يجب إخراجه من المسجد والسكران في معنى المجنون فإن خيف منه القذف أعني القيء أو الإيذاء باللسان وجب إخراجه وكذا لو كان مضطرب العقل فإنه يخاف ذلك منه وإن كان قد شرب ولم يسكر والرائحة منه تفوح فهو منكر مكروه شديد الكراهة وكيف لا ومن أكل الثوم والبصل هذا الحديث لم يخرجه العراقي وقد خرجه الشارح عن البخاري ومسلم وغيرهما فقد نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حضور المساجد ولكن يحمل ذلك على الكراهة والأمر في الخمر أشد فإن قال قائل ينبغي أن يضرب السكران ويخرج من المسجد زجرا قلنا لا بل ينبغي القعود في المسجد ويدعى إليه ويؤمر بترك الشرب مهما كان في الحال عاقلا فأما ضربه للزجر فليس ذلك إلى الآحاد بل هو إلى الولاة وذلك عند إقراره أو شهادة شاهدين فأما لمجرد الرائحة فلا نعم إذا كان يمشي بين الناس متمايلا بحيث يعرف سكره فيجوز ضربه في المسجد وغير المسجد منعا له عن إظهار أثر السكر فإن إظهار أثر الفاحشة فاحشة والمعاصي يجب تركها وبعد الفعل يجب سترها وستر آثارها فإن كان مستترا مخفيا لأثره فلا يجوز أن يتجسس عليه والرائحة قد تفوح من غير شرب بالجلوس في موضع الخمر وبوصوله إلى الفم دون الابتلاع فلا ينبغي أن يعول عليه منكرات الأسواق من المنكرات المعتادة في الأسواق الكذب في المرابحة وإخفاء العيب فمن قال اشتريت هذه السلعة مثلا بعشرة وأربح فيها كذا وكان كاذبا فهو فاسق وعلى من عرف ذلك أن يخبر المشتري بكذبه فإن سكت مراعاة لقلب البائع كان شريكا له في الخيانة وعصى بسكوته وكذا إذا علم به عيبا فيلزمه أن ينبه المشتري عليه وإلا كان راضيا بضياع مال أخيه المسلم وهو حرام وكذا التفاوت في الذراع والمكيال والميزان يجب على كل من عرفه تغييره بنفسه أو رفعه إلى الوالي حتى يغيره ومنها ترك الإيجاب والقبول والاكتفاء بالمعاطاة ولكن ذلك في محل الاجتهاد فلا ينكر إلا على من اعتقد وجوبه وكذا في الشروط الفاسدة المعتادة بين الناس يجب الإنكار فيها فإنها مفسدة للعقود وكذا في الربويات كلها وهي غالبة وكذا سائر التصرفات الفاسدة ومنها بيع الملاهي وبيع أشكال الحيوانات المصورة في أيام العيد لأجل الصبيان فتلك يجب كسرها والمنع من بيعها كالملاهي وكذلك بيع الأواني المتخذة من الذهب والفضة وكذلك بيع ثياب الحرير وقلانس الذهب والحرير أعني التي لا تصلح إلا للرجال أو يعلم بعادة البلد أنه لا يلبسه إلا الرجال فكل ذلك منكر محظور وكذلك من يعتاد بيع الثياب المبتذلة المقصورة التي يلبس على الناس بقصارتها وابتذالها ويزعم أنها جديدة فهذا الفعل حرام والمنع منه واجب وكذلك تلبيس انخراق الثياب بالرفو وما يؤدي إلى الالتباس وكذلك جميع أنواع العقود المؤدية إلى التلبيسات وذلك يطول إحصاؤه فليقس بما ذكرناه ما لم نذكره منكرات الشوارع فمن المنكرات المعتادة فيها وضع الاسطوانات وبناء الدكات متصلة بالأبنية المملوكة وغرس الأشجار وإخراج الرواشن والأجنحة ووضع الخشب وأحمال الحبوب والأطعمة على الطرق فكل ذلك منكر إن كان يؤدي إلى تضييق الطرق واستضرار المارة وإن لم يؤد إلى ضرر أصلا لسعة الطريق فلا يمنع منه نعم يجوز وضع الحطب وأحمال الأطعمة في الطريق في القدر الذي ينقل إلى البيوت فإن ذلك يشترك في الحاجة إليه الكافة ولا يمكن المنع منه وكذلك ربط الدواب على الطريق بحيث يضيق الطريق وينجس المجتازين منكر يجب المنع منه إلا بقدر حاجة النزول والركوب وهذا لأن الشوارع مشتركة المنفعة وليس لأحد أن يختص بها إلا بقدر الحاجة والمرعى هو الحاجة التي ترد الشوارع لأجلها في العادة دون سائر الحاجات ومنها سوق الدواب وعليها الشوك بحيث يمزق ثياب الناس فذلك منكر إن أمكن شدها وضمها بحيث لا تمزق أو أمكن العدول بها إلى موضع واسع وإلا فلا منع إذ حاجة أهل البلد تمس إلى ذلك نعم لا تترك ملقاة على الشوارع إلا بقدر مدة النقل وكذلك تحميل الدواب من الأحمال ما لا تطيقه منكر يجب منع الملاك منه وكذلك ذبح القصاب إذا كان يذبح في الطريق حذاء باب الحانوت ويلوث الطريق بالدم فإنه منكر يمنع منه بل حقه أن يتخذ في دكانه مذبحا فإن في ذلك تضييقا بالطريق وإضرارا بالناس بسبب ترشيش النجاسة وبسبب استقذار الطباع للقاذورات وكذلك طرح القمامة على جواد الطرق وتبديد قشور البطيخ أو رش الماء بحيث يخشى منه التزلق والتعثر كل ذلك من المنكرات وكذلك إرسال الماء من الميازيب المخرجة من الحائط في الطريق الضيقة فإن ذلك ينجس الثياب أو يضيق الطريق فلا يمنع منه في الطرق الواسعة إذ العدول عنه ممكن فأما ترك مياه المطر والأوحال والثلوج في الطرق من غير كسح فذلك منكر ولكن ليس يختص به شخص معين إلا الثلج الذي يختص بطرحه على الطريق واحد والماء الذي يجتمع على الطريق من ميزاب معين فعلى صاحبه على الخصوص كسح الطريق إن كان من المطر فذلك حسبة عامة فعلى الولاة تكليف الناس القيام بها وليس للآحاد فيها إلا الوعظ فقط وكذلك إذا كان له كلب عقور على باب داره يؤذي الناس فيجب منعه منه وإن كان لا يؤذي إلا بتنجيس الطريق وكان يمكن الاحتراز عن نجاسته لم يمنع منه وإن كان يضيق الطريق ببسطه ذراعيه فيمنع منه بل يمنع صاحبه من أن ينام على الطريق أو يقعد قعودا يضيق الطريق فكلبه أولى بالمنع منكرات الحمامات منها الصورة التي تكون على باب الحمام أو داخل الحمام يجب إزالتها على كل من يدخلها إن قدر فإن كان الموضع مرتفعا لا تصل إليه يده فلا يجوز له الدخول إلا لضرورة فليعدل إلى حمام آخر فإن مشاهدة المنكر غير جائزة ويكفيه أن يشوه وجهها ويبطل به صورتها ولا يمنع من صور الأشجار وسائر النقوش سوى صورة الحيوان ومنها كشف العورات والنظر إليها ومن جملتها كشف الدلاك عن الفخذ وما تحت السرة لتنحية الوسخ بل من جملتها إدخال اليد تحت الإزار فإن مس عورة الغير حرام كالنظر إليها ومنها الانبطاح على الوجه بين يدي الدلاك لتغميز الأفخاذ والأعجاز فهذا مكروه إن كان مع حائل ولكن لا يكون محظورا إذا لم يخش من حركة الشهوة وكذلك كشف العورة للحجام الذمي من الفواحش فإن المرأة لا يجوز لها أن تكشف بدنها للذمية في الحمام فكيف يجوز لها كشف العورات للرجال ومنها غمس اليد في الأواني النجسة في المياه القليلة وغسل الإزار والطاس النجس في الحوض وماؤه قليل فإنه منجس للماء إلا على مذهب مالك فلا يجوز الإنكار فيه على المالكية ويجوز على الحنفية والشافعية وإن اجتمع مالكي وشافعي في الحمام فليس للشافعي منع المالكي من ذلك إلا بطريق الالتماس واللطف وهو أن يقول له إنا نحتاج أن نغسل اليد أولا ثم نغمسها في الماء وأما أنت فمستغن عن إيذائي وتفويت الطهارة علي وما يجري مجرى هذا فإن مظان الاجتهاد لا يمكن الحسبة فيها بالقهر ومنها أن يكون في مداخل بيوت الحمام ومجاري مياهها حجارة ملساء مزلقة يزلق عليها الغافلون فهذا منكر ويجب قلعه وإزالته وينكر على الحمامي إهماله فإنه يفضي إلى السقطة وقد تؤدي السقطة إلى انكسار عضو أو انخلاعه وكذلك ترك السدر والصابون المزلق على أرض الحمام منكر ومن فعل ذلك وخرج وتركه فزلق به إنسان وانكسر عضو من أعضائه وكان ذلك في موضع لا يظهر فيه بحيث يتعذر الاحتراز عنه فالضمان متردد بين الذي تركه وبين الحمامي إذ حقه تنظيف الحمام والوجه إيجاب الضمان على تاركه في اليوم الأول وعلى الحمامي في اليوم الثاني إذ عادة تنظيف الحمام كل يوم معتادة والرجوع في مواقيت إعادة التنظيف إلى العادات فليعتبر بها وفي الحمام أمور أخر مكروهة ذكرناها في كتاب الطهارة فلتنظر هناك منكرات الضيافة فمنها فرش الحرير للرجال فهو حرام وكذلك تبخير البخور في مجمرة فضة أو ذهب أو الشراب أو استعمال ماء الورد في أواني الفضة أو ما رءوسها من فضة ومنها إسدال الستور وعليها الصور ومنها سماع الأوتار أو سماع القينات ومنها اجتماع النساء على السطوح للنظر إلى الرجال مهما كان في الرجال شباب يخاف الفتنة منهم فكل ذلك محظور منكر يجب تغييره ومن عجز عن تغييره لزمه الخروج ومن لم يجز له الجلوس فلا رخصة له في الجلوس في مشاهدة المنكرات وأما الصور التي على النمارق والزرابي المفروشة فليس منكرا وكذلك على الأطباق والقصاع لا الأواني المتخذة على شكل الصور فقد تكون رءوس بعض المجامر على شكل طير فذلك حرام يجب كسر مقدار الصورة منه وفي المكحلة الصغيرة من الفضة خلاف وقد خرج أحمد بن حنبل عن الضيافة بسببها ومهما كان الطعام حراما أو كان الموضع مغصوبا أو كانت الثياب المفروشة حراما فهو من أشد المنكرات فإن كان من فيها من يتعاطى شرب الخمر وحده فلا يجوز الحضور إذ لا يحل حضور مجالس الشرب وإن كان مع ترك الشرب ولا يجوز مجالسة الفاسق في حالة مباشرته للفسق وإنما النظر في مجالسته بعد ذلك وأنه هل يجب بغضه في الله ومقاطعته كما ذكرناه في باب الحب والبغض في الله وكذلك إن كان فيهم من يلبس الحرير أو خاتم الذهب فهو فاسق لا يجوز الجلوس معه من غير ضرورة فإن كان الثوب على صبي غير بالغ فهذا في محل النظر والصحيح أن ذلك منكر ويجب نزعه عنه إن كان مميزا لعموم قوله عليه السلام هذان حرام على ذكور أمتي حديث هذان حرامان على ذكور أمتي أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث علي وقد تقدم في الباب الرابع من آداب الأكل وكما يجب منع الصبي من شرب الخمر لا لكونه مكلفا لكن لأنه يأنس به فإذا بلغ عسر عليه الصبر عنه فكذلك شهوة التزين بالحرير تغلب عليه إذا اعتاده فيكون ذلك بذرا للفساد يبذر في صدره فتنبت منه شجرة من الشهوة راسخة يعسر قلعها بعد البلوغ أما الصبي الذي لا يميز فيضعف معنى التحريم في حقه ولا يخلو عن احتمال والعلم عند الله فيه والمجنون في معنى الصبي الذي لا يميز نعم يحل التزين بالذهب والحرير للنساء من غير إسراف ولا أرى رخصة في تثقيب أذن الصبية لأجل تعليق حلق الذهب فيها فإن هذا جرح مؤلم ومثله موجب للقصاص فلا يجوز إلا لحاجة مهمة كالفصد والحجامة والختان والتزين بالحلق غير مهم بل في التقريط بتعليقه على الأذن وفي المخانق والأسورة كفاية عنه فهذا وإن كان معتادا فهو حرام والمنع منه واجب والاستئجار عليه غير صحيح والأجرة المأخوذة عليه حرام إلا أن يثبت من جهة النقل فيه رخصة ولم يبلغنا إلى الآن فيه رخصة ومنها أن يكون في الضيافة مبتدع يتكلم في بدعته فيجوز الحضور لمن يقدر على الرد عليه على عزم الرد فإن كان لا يقدر عليه لم يجز فإن كان المبتدع لا يتكلم ببدعته فيجوز الحضور مع إظهار الكراهة عليه والإعراض عنه كما ذكرناه في باب البغض في الله وإن كان فيها مضحك بالحكايات وأنواع النوادر فإن كان يضحك بالفحش والكذب لم يجز الحضور وعند الحضور يجب الإنكار عليه وإن كان ذلك بمزح لا كذب فيه ولا فحش فهو مباح أعني ما يقل منه فأما اتخاذه صنعة وعادة فليس بمباح وكل كذب لا يخفى أنه كذب ولا يقصد به التلبيس فليس من جملة المنكرات كقول الإنسان مثلا طلبتك اليوم مائة مرة وأعدت عليك الكلام ألف مرة وما يجري مجراه مما يعلم أنه ليس يقصد به التحقيق فذلك لا يقدح في العدالة ولا ترد الشهادة به وسيأتي حد المزاح المباح والكذب المباح في كتاب آفات اللسان من ربع المهلكات ومنها الإسراف في الطعام والبناء فهو منكر بل في المال منكران أحدهما الإضاعة والآخر الإسراف فالإضاعة تفويت مال بلا فائدة يعتد بها كإحراق الثوب وتمزيقه وهدم البناء من غير غرض وإلقاء المال في البحر وفي معناه صرف المال إلى النائحة والمطرب وفي أنواع الفساد لأنها فوائد محرمة شرعا فصارت كالمعدومة وأما الإسراف فقد يطلق لإرادة صرف المال إلى النائحة والمطرب والمنكرات وقد يطلق على الصرف إلى المباحات في جنسها ولكن مع المبالغة والمبالغة تختلف بالإضافة إلى الأحوال فنقول من لم يملك إلا مائة دينار مثلا ومعه عياله وأولاده ولا معيشة لهم سواه فأنفق الجميع في وليمة فهو مسرف يجب منعه قال تعالى ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا نزل هذا في رجل بالمدينة قسم جميع ماله ولم يبق شيئا لعياله فطولب بالنفقة فلم يقدر على شيء وقال تعالى ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكذلك قال عز وجل والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا فمن يسرف هذا الإسراف ينكر عليه ويجب على القاضي أن يحجر عليه إلا إذا كان الرجل وحده وكان له قوة في التوكل صادقة فله أن ينفق جميع ماله في أبواب البر ومن له عيال أو كان عاجزا عن التوكل فليس له أن يتصدق بجميع ماله وكذلك لو صرف جميع ماله إلى نقوش حيطانه وتزيين بنيانه فهو أيضا إسراف محرم وفعل ذلك ممن له مال كثير ليس بحرام لأن التزيين من الأغراض الصحيحة ولم تزل المساجد تزين وتنقش أبوابها وسقوفها مع أن نقش الباب والسقف لا فائدة فيه إلا مجرد الزينة فكذا الدور وكذا القول في التجمل بالثياب والأطعمة فذلك مباح في جنسه ويصير إسرافا باعتبار حال الرجل وثروته وأمثال هذه المنكرات كثيرة لا يمكن حصرها فقس بهذه المنكرات المجامع ومجالس القضاة ودواوين السلاطين ومدارس الفقهاء ورباطات الصوفية وخانات الأسواق فلا تخلو بقعة عن منكر مكروه أو محذور واستقصاء جميع المنكرات يستدعي استيعاب جميع تفاصيل الشرع أصولها وفروعها فلنقتصر على هذا القدر منها المنكرات العامة اعلم أن كل قاعد في بيته أينما كان فليس خاليا في هذا الزمان عن منكر من حيث التقاعد عن إرشاد الناس وتعليمهم وحملهم على المعروف فأكثر الناس جاهلون بالشرع في شروط الصلاة في البلاد فكيف في القرى والبوادي ومنهم الأعراب والأكراد والتركمانية وسائر أصناف الخلق وواجب أن يكون في مسجد ومحلة من البلد فقيه يعلم الناس دينهم وكذا في كل قرية وواجب على كل فقيه فرع من فرض عينه وتفرغ لفرض الكفاية أن يخرج إلى من يجاور بلده من أهل السواد ومن العرب والأكراد وغيرهم ويعلمهم دينهم وفرائض شرعهم ويستصحب مع نفسه زادا يأكله ولا يأكل من أطعمتهم فإن أكثرها مغصوب فإن قام بهذا الأمر واحد سقط الحرج عن الآخرين وإلا عم الحرج الكافة أجمعين أما العالم فلتقصيره في الخروج وأما الجاهل فلتقصيره في ترك التعلم وكل عامي عرف شروط الصلاة فعليه أن يعرف غيره وإلا فهو شريك في الإثم ومعلوم أن الإنسان لا يولد عالما بالشرع وإنما يجب التبليغ على أهل العلم فكل من تعلم مسألة واحدة فهو من أهل العلم بها ولعمري الإثم على الفقهاء أشد لأن قدرتهم فيه أظهر وهو بصناعتهم أليق لأن المحترفين لو تركوا حرفتهم لبطلت المعايش فهم قد تقلدوا أمرا لا بد منه في صلاح الخلق وشأن الفقيه وحرفته تبليغ ما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن العلماء هم ورثة الأنبياء وللإنسان أن يقعد في بيته ولا يخرج إلى المسجد لأنه يرى الناس لا يحسنون الصلاة بل إذا علم ذلك وجب عليه الخروج للتعليم والنهي وكذا كل من تيقن أن في السوق منكرا يجري على الدوام أو في وقت بعينه وهو قادر على تغييره فلا يجوز له أن يسقط ذلك عن نفسه بالقعود في البيت بل يلزمه الخروج فإن كان لا يقدر على تغيير الجميع وهو محترز عن مشاهدته ويقدر على البعض لزمه الخروج لأن خروجه إذا كان لأجل تغيير ما يقدر عليه فلا يضره مشاهدة ما لا يقدر عليه وإنما يمنع الحضور لمشاهدة المنكر من غير غرض صحيح فحق على كل مسلم أن يبدأ بنفسه فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرمات ثم يعلم ذلك أهل بيته ثم يتعدى بعد الفراغ منهم إلى جيرانه ثم إلى أهل محلته ثم إلى أهل بلده ثم إلى أهل السوادي المكتنف ببلده ثم إلى أهل البوادي من الأكراد والعرب وغيرهم وهكذا إلى أقصى العالم فإن قام به الأدنى سقط عن الأبعد وإلا حرج به على كل قادر عليه قريبا كان أو بعيدا ولا يسقط الحرج ما دام يبقى على وجه الأرض جاهل بفرض من فروض دينه وهو قادر على أن يسعى إليه بنفسه أو بغيره فيعلمه فرضه وهذا شغل شاغل لمن يهمه أمر دينه يشغله عن تجزئة الأوقات في التفريعات النادرة والتعمق في دقائق العلوم التي هي من فروض الكفايات ولا يتقدم على هذا إلا فرض عين أو فرض كفاية هو أهم منه الباب الرابع في أمر الأمراء والسلاطين ونهيهم عن المنكر قد ذكرنا درجات الأمر بالمعروف وأن أوله التعريف وثانيه والوعظ وثالثه التخشين في القول ورابعه المنع بالقهر في الحمل على الحق بالضرب والعقوبة والجائز من جملة ذلك مع السلاطين الرتبتان الأوليان وهما التعريف والوعظ وأما المنع بالقهر فليس ذلك لآحاد الرعية مع السلطان فإن ذلك يحرك الفتنة ويهيج الشر ويكون ما يتولد منه من المحذور أكثر وأما التخشين في القول كقوله يا ظالم يا من لا يخاف الله وما يجري مجراه فذلك إن كان يحرك فتنة يتعدى شرها إلى غيره لم يجز وإن كان لا يخاف إلا على نفسه فهو جائز بل مندوب إليه فلقد كان من عادة السلف التعرض للأخطار والتصريح بالإنكار من غير مبالاة بهلاك المهجة والتعرض لأنواع العذاب لعلمهم بأن ذلك شهادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب ثم رجل قام إلى إمام فأمره ونهاه في ذات الله تعالى فقتله على ذلك حديث خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب ثم رجل قام إلى رجل فأمره ونهاه في ذات الله فقتله على ذلك أخرجه الحاكم من حديث جابر وقال صحيح الإسناد وتقدم في الباب قبله وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر حديث أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر تقدم ووصف النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال قرن من حديد لا تأخذه في الله لومة لائم وتركه قوله الحق ماله من صديق حديث وصفه صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب بأنه قرن من حديد لا تأخذه في الله لومة لائم تركه قوله الحق ماله من صديق أخرجه الترمذي بسند ضعيف مقتصرا على آخر الحديث من حديث علي رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مرا تركه الحق ماله من صديق وأما أول الحديث فرواه الطبراني إن عمر قال لكعب الأحبار كيف تجد نعتي قال أجد نعتك قرنا من حديد قال وما قرن من حديد قال أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم ولما علم المتصلبون في الدين أن أفضل الكلام كلمة حق عند سلطان جائر وأن صاحب ذلك إذا قتل فهو شهيد كما وردت به الأخبار قدموا على ذلك موطنين أنفسهم على الهلاك ومحتملين أنواع العذاب وصابرين عليه في ذات الله تعالى ومحتسبين لما يبذلونه من من مهجهم عند الله وطريق وعظ السلاطين وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ما نقل علماء السلف وقد أوردنا جملة من ذلك في باب الدخول على السلاطين في كتاب الحلال والحرام ونقتصر الآن على حكايات يعرف وجه الوعظ وكيفية الإنكار عليهم فمنها ما روي من إنكار أبي بكر الصديق رضي الله عنه على أكابر قريش حين قصدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوء وذلك ما روي عن عروة رضي الله عنه قال قلت لعبد الله بن عمرو ما أكثر ما رأيت قريشا نالت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهر من عدوانه فقال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا ولقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا فبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فلما مر بهم غمزوه ببعض القول قال فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مضى فلما مر الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه عليه السلام ثم مضى فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها حتى وقف ثم قال أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده فقد جئتكم بالذبح قال فأطرق القوم حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع حتى أن أشدهم فيه وطأة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول انصرف يا أبا القاسم راشدا فوالله ما كنت جهولا قال فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون أنت الذي تقول كذا أنت الذي تقول كذا لما كان قد بلغهم من عيب آلهتهم ودينهم قال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أنا الذي أقول ذلك قال فلقد رأيت رجل منهم أخذ بمجامع ردائه قال وقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه دونه يقول وهو يبكي ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم انصرفوا عنه وإن ذلك لأشد ما رأيت قريشا بلغت منه حديث عروة قلت لعبد الله بن عمرو ما أكثر ما رأيت قريشا نالت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهر من عداوته الحديث أخرجه بطوله البخاري مختصرا وابن حبان بتمامه وفي رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلف ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فجاء أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم حديث عبد الله بن عمرو بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث رواه البخاري وروى أن معاوية رضي الله عنه حبس العطاء فقام إليه أبو مسلم الخولاني فقال له يا معاوية إنه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك قال فغضب معاوية ونزل عن المنبر وقال لهم مكانكم وغاب عن أعينهم ساعة ثم خرج عليهم وقد اغتسل فقال إن أبا مسلم كلمني بكلام أغضبني وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الغضب من الشيطان والشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليغتسل حديث معاوية الغضب من الشيطان الحديث وفي أوله قصة رواها أبو نعيم في الحلية وفيه من لا أعرفه وإني دخلت فاغتسلت وصدق أبو مسلم أنه ليس من كدي ولا من كد أبي فهلموا إلى عطائكم وروى عن ضبة بن محصن العنزي قال كان علينا أبو موسى الأشعري أميرا بالبصرة فكان إذا خطبنا حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وأنشأ يدعو لعمر رضي الله عنه قال فغاظني ذلك منه فقمت إليه فقلت له أين أنت من صاحبه تفضله عليه فصنع ذلك جمعا ثم كتب إلى عمر يشكوني يقول إن ضبة بن محصن العنزي يتعرض لي في خطبتي فكتب إليه عمر أن أشخصه إلي قال فأشخصني إليه فقدمت فضربت عليه الباب فخرج إلي فقال من أنت فقلت أنا ضبة فقال لي لا مرحبا ولا أهلا قلت أما المرحب فمن الله وأما الأهل فلا أهل لي ولا مال فبماذا استحللت يا عمر إشخاصي من مصري بلا ذنب أذنبته ولا شيء أتيته فقال ما الذي شجر بينك وبين عاملي قال قلت الآن أخبرك به إنه كان إذا خطبنا حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أنشأ يدعو لك فغاظني ذلك منه فقمت إليه فقلت له أين أنت من صاحبه تفضله عليه فصنع ذلك جمعا ثم كتب إليك يشكوني قال فاندفع عمر رضي الله عنه باكيا وهو يقول أنت والله أوفق منه وأرشد فهل أنت غافر لي ذنبي يغفر الله لك قال قلت غفر الله لك يا أمير المؤمنين قال ثم اندفع باكيا وهو يقول والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر فهل لك أن أحدثك بليلته ويومه قلت نعم قال أما الليلة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الخروج من مكة هاربا من المشركين خرج ليلا فتبعه أبو بكر فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن يساره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا أبا بكر ما أعرف هذا من أفعالك فقال يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك قال فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت فلما رأى أبو بكر أنها قد حفيت حمله على عاتقه وجعل يشتد به حتى أتى فم الغار فأنزله ثم قال والذي بعثكبالحق لا تدخله حتى أدخله فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك قال فدخل فلم ير فيه شيئا فحمله فأدخله وكان في الغار خرق فيه حيات وأفاع فألقمه أبو بكر قدمه مخافة أن يخرج منه شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيؤذيه وجعلن يضربن أبا بكر في قدمه وجعلت دموعه تنحدر على خديه من ألم ما يجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه والطمأنينة لأبي بكر فهذه ليلته وأما يومه فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب فقال بعضهم نصلى ولا نزكي فأتيته لا آلوه نصحا فقلت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم تألف الناس وارفق بهم فقال لي أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام فبماذا أتألفهم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتفع الوحي فوالله لو منعوني عقالا كانوا يعطونه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه قال فقاتلنا عليه فكان والله رشيد الأمر فهذا يومه ثم كتب إلى أبي موسى يلومه حديث ضبة بن محصن كان علينا أبو موسى الأشعري أميرا بالبصرة وفيه من عمر أنه قال والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر فهل لك أن أحدثك بيومه وليلته فذكر ليلة الهجرة ويوم الردة بطوله رواه البيهقي في دلائل النبوة بإسناد ضعيف هكذا وقصة الهجرة رواها البخاري من حديث عائشة بغير هذا السياق واتفق عليها الشيخان من حديث أبي بكر بلفظ آخر ولهما من حديثه قال قلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما وأما قتاله لأهل الردة ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر لأبي بكر كيف تقاتل الناس الحديث وعن الأصمعي قال دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان وهو جالس على سريره وحواليه الأشراف من كل بطن وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته فلما بصر به قام إليه وأجلسه معه على السرير وقعد بين يديه وقال له يا أبا محمد ما حاجتك فقال يا أمير المؤمنين اتق الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهده بالعمارة واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فإنك بهم جلست هذا المجلس واتق الله في أهل الثغور فإنهم حصن المسلمين وتفقد أمور المسلمين فإنك وحدك المسئول عنهم واتق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم ولا تغلق بابك دونهم فقال له أجل أفعل ثم نهض وقام فقبض عليه عبد الملك فقال يا ابا محمد إنما سألتنا حاجة لغيرك وقد قضيناها فما حاجتك أنت فقال ما لي إلى مخلوق حاجة ثم خرج فقال عبد الملك هذا وأبيك الشرف وقد روى أن الوليد بن عبد الملك قال لحاجبه يوما قف على الباب فإذا مر بك رجل فأدخله علي ليحدثني فوقف الحاجب على الباب مدة فمر به عطاء بن أبي رباح وهو لا يعرفه فقال له يا شيخ ادخل إلى أمير المؤمنين فإنه أمر بذلك فدخل عطاء على الوليد وعنده عمر بن عبد العزيز فلما دنا عطاء من الوليد قال السلام عليك يا وليد قال فغضب الوليد على حاجبه وقال له ويلك أمرتك أن تدخل إلى رجلا يحدثني ويسامرني فأدخلت إلى رجلا لم يرض أن يسميني بالإسم الذي اختاره الله لي فقال له حاجبه ما مر بي أحد غيره ثم قال لعطاء اجلس ثم أقبل عليه يحدثه فكان فيما حدثه به عطاء أن قال له بلغنا أن في جهنم واديا يقال له هبهب أعده الله لكل إمام جائر في حكمه فصعق الوليد من قوله وكان جالسا بين يدي عتبة باب المجلس فوقع على قفاه إلى جوف المجلس مغشيا عليه فقال عمر لعطاء قتلت أمير المؤمنين فقبض عطاء على ذراع عمر ابن عبد العزيز فغمزه غمرة شديدة وقال له يا عمر إن الأمر جد فجد ثم قام عطاء وانصرف فبلغنا عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال مكثت سنة أجد ألم غمزته في ذراعي وكان ابن أبي شميلة يوصف بالعقل والأدب فدخل على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك تكلم قال بم أتكلم وقد علمت أن كل كلام تكلم به المتكلم عليه وبال إلا ما كان لله فبكى عبد الملك ثم قال يرحمك الله لم يزل الناس يتواعظون ويتواصون فقال الرجل يا أمير المؤمنين إن الناس في القيامة لا ينجون من غصص مرارتها ومعاينة الردى فيها إلا من أرضى الله بسخط نفسه فبكى عبد الملك ثم قال لا جرم لأجعلن هذه الكلمات مثالا نصب عيني ما عشت ويروى عن ابن عائشة أن الحجاج دعا بفقهاء البصرة وفقهاء الكوفة فدخلنا عليه ودخل الحسن البصري رحمه الله آخر من دخل فقال الحجاج مرحبا بأبي سعيد إلى إلي ثم دعا بكرسي فوضع إلى جنب سريره فقعد عليه فجعل الحجاج يذاكرنا ويسألنا إذ ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فنال منه ونلنا منه مقاربة له وفرقا من شره والحسن ساكت عاض على إبهامه فقال يا أبا سعيد مالي أراك ساكتا قال ما عسيت أن أقول قال أخبرني برأيك في أبي تراب قال سمعت الله جل ذكره يقول وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم فعلى ممن هدى الله من أهل الإيمان فأقول ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته وأحب الناس إليه وصاحب سوابق مباركات سبقت له من الله لن تستطيع أنت ولا أحد من الناس أن يحظرها عليه ولا يحول بينه وبينها وأقول إن كانت لعلى هناة فالله حسبه والله ما أجد فيه قولا أعدل من هذا فبسر وجه الحجاج وتغير وقام عن السرير مغضبا فدخل بيتا خلفه وخرجنا قال عامر الشعبي فأخذت بيد الحسن فقلت يا أبا سعيد أغضبت الأمير وأوغرت صدره فقال إليك عني يا عامر يقول الناس عامر الشعبي عالم أهل الكوفة أتيت شيطانا من شياطين الإنس تكلمه بهواه وتقاربه في رأيه ويحك يا عامر هلا اتقيت إن سئلت فصدقت أو سكت فسلمت قال عامر يا أبا سعيد قد قلتها وأنا أعلم ما فيها قال الحسن فذاك أعظم في الحجة عليك وأشد في التبعة قال وبعث الحجاج إلى الحسن فلما دخل عليه قال أنت الذي تقول قاتلهم الله قتلوا عباد الله على الدينار والدرهم قال نعم قال ما حملك على هذا قال ما أخذ الله على العلماء من المواثيق ليبيننه للناس ولا يكتمونه قال يا حسن أمسك عليك لسانك وإياك أن يبلغني عنك ما أكره فأفرق بين رأسك وجسدك وحكى أن حطيطا الزيات جيء به إلى الحجاج فلما دخل عليه قال أنت حطيط قال نعم سل عما بدا لك فإني عاهدت الله عند المقام على ثلاث خصال إن سئلت لأصدقن وإن ابتليت لأصبرن وإن عوفيت لأشكرن قال فما تقول في قال أقول إنك من أعداء الله في الأرض تنتهك المحارم وتقتل بالظنة قال فما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قال أقول إنه أعظم جرما منك وإنما أنت خطيئة من خطاياه قال فقال الحجاج ضعوا عليه العذاب قال فانتهى به العذاب إلى أن شقق له القصب ثم جعلوه على لحمه وشدوه بالحبال ثم جعلوا يمدون قصبة قصبة حتى انتحلوا لحمه فما سمعوه يقول شيئا قال فقيل للحجاج إنه في آخر رمق فقال أخرجوه فارموا به في السوق قال جعفر فأتيته أنا وصاحب له فقلنا له حطيط ألك حاجة قال شربة ماء فأتوه بشربة ثم مات وكان ابن ثمان عشرة سنة رحمة الله عليه وروى أن عمر بن هبيرة دعا بفقهاء أهل البصرة وأهل الكوفة وأهل المدينة وأهل الشام وقرائها فجعل يسألهم وجعل يكلم عامر الشعبي فجعل لا يسأله عن شيء إلا وجد عنده منه علما ثم أقبل على الحسن البصري فسأله ثم قال هما هذان هذا رجل أهل الكوفة يعني الشعبي وهذا رجل أهل البصرة يعني الحسن فأمر الحاجب فأخرج الناس وخلا بالشعبي والحسن فأقبل على الشعبي فقال يا أبا عمرو إني أمين أمير المؤمنين على العراق وعامله عليها ورجل مأمور على الطاعة ابتليت بالرعية ولزمني حقهم فأنا أحب حفظهم وتعهد ما يصلحهم مع النصيحة لهم وقد يبلغني عن العصابة من أهل الديار الأمر أجد عليهم فيه فأقبض طائفة من عطائهم فأضعه في بيت المال ومن نيتي أن أرده عليهم فيبلغ أمير المؤمنين أني قد قبضته على ذلك النحو فيكتب إلى أن لا ترده فلا أستطيع رد أمره ولا إنفاذ كتابه وإنما أنا رجل مأمور على الطاعة فهل على في هذا تبعة وفي أشباهه من الأمور والنية فيها على ما ذكرت قال الشعبي فقلت أصلح الله الأمير إنما السلطان والد يخطىء ويصيب قال فسر بقولي وأعجب به ورأيت البشر في وجهه وقال فلله الحمد ثم أقبل على الحسن فقال ما تقول يا أبا سعيد قال قد سمعت قول الأمير يقول إنه أمين أمير المؤمنين على العراق وعامله عليها ورجل مأمور على الطاعة ابتليت بالرعية ولزمني حقهم والنصيحة لهم والتعهد لما يصلحهم وحق الرعية لازم لك وحق عليك أن تحوطهم بالنصيحة وإني سمعت عبد الرحمن بن سمرة القرشي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استرعى رعية فلم يحطها بالنصيحة حرم الله عليه الجنة حديث الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة من استرعى رعية فلم يحطها بالنصيحة حرم الله عليه الجنة رواه البغوي في معجم الصحابة بإسناد لين وقد اتفق عليه الشيخان بنحوه من رواية الحسن عن معقل بن يسار ويقول إني ربما قبضت من عطائهم إرادة صلاحهم واستصلاحهم وأن يرجعوا إلى طاعتهم فيبلغ أمير المؤمنين أني قبضتها على ذلك النحو فيكتب إلى أن لا ترده فلا أستطيع رد أمره ولا أستطيع إنفاذ كتابه وحق الله ألزم من حق أمير المؤمنين والله أحق أن يطاع ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأعرض كتاب أمير المؤمنين على كتاب الله عز وجل فإن وجدته موافقا لكتاب الله فخذ به وإن وجدته مخالفا لكتاب الله فانبذه يا ابن هبيرة اتق الله فإنه يوشك أن يأتيك رسول من رب العالمين يزيلك عن سريرك ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك فتدع سلطانك ودنياك خلف ظهرك وتقدم على ربك وتنزل على عملك يا ابن هبيرة إن الله ليمنعك من يزيد ولا يمنعك يزيد من الله وإن أمر الله فوق كل أمر وإنه لا طاعة في معصية الله وإني أحذرك بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين فقال ابن هبيرة اربع على ظلعك أيها الشيخ وأعرض عن ذكر أمير المؤمنين فإن أمير المؤمنين صاحب العلم وصاحب الحكم وصاحب الفضل وإنما ولاه الله تعالى ما ولاه من أمر هذه الأمة لعلمه به وما يعلمه من فضله ونيته فقال الحسن يا ابن هبيرة الحساب من ورائك سوط بسوط وغضب بغضب والله بالمرصاد يا ابن هبيرة إنك إن تلق من ينصح لك في دينك ويحملك على أمر آخرتك خير من أن تلقى رجلا يغرك ويمنيك فقام ابن هبيرة وقد بسر وجهه وتغير لونه قال الشعبي فقلت يا أبا سعيد أغضبت الأمير وأوغرت صدره وحرمتنا معروفه وصلته فقال إليك عني يا عامر قال فخرجت إلى الحسن التحف والطرف وكانت له المنزلة واستخف بنا وجفينا فكان أهلا لما أدى إليه وكنا أهلا أن يفعل ذلك بنا فما رأيت مثل الحسن فيمن رأيت من العلماء إلا مثل الفرس العربي بين المقارف وما شهدنا مشهدا إلا برز علينا وقال لله عز وجل وقلنا مقاربة لهم قال عامر الشعبي وأنا أعاهد الله أن لا أشهد سلطانا بعد هذا المجلس فأحابيه ودخل محمد بن واسع على بلال بن أبي بردة فقال له ما تقول في القدر فقال جيرانك أهل القبور فتفكر فيهم فإن فيهم شغلا عن القدر | |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ الإثنين 02 أبريل 2012, 7:57 am | |
| وعن الشافعي رضي الله عنه قال حدثني عمي محمد بن علي قال إني لحاضر مجلس أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور وفيه ابن أبي ذؤيب وكان والي المدينة الحسن بن زيد قال فأتى الغفاريون فشكوا إلى أبي جعفر شيئا من أمر الحسن بن زيد فقال الحسن يا أمير المؤمنين سل عنهم ابن أبي ذؤيب قال فسأله فقال ما تقول فيهم يا ابن أبي ذؤيب فقال أشهد أنهم أهل تحطم في أعراض الناس كثيرو الأذى لهم فقال أبو جعفر قد سمعتم فقال الغفاريون يا أمير المؤمنين سله عن الحسن بن زيد فقال يا ابن أبي ذؤيب ما تقول في الحسن بن زيد فقال أشهد عليه أنه يحكم بغير الحق ويتبع هواه فقال قد سمعت يا حسن ما قال فيك ابن أبي ذؤيب وهو الشيخ الصالح فقال يا أمير المؤمنين اسأله عن نفسك فقال ما تقول في قال تعفيني يا أمير المؤمنين قال أسألك بالله إلا أخبرتني قال تسألني بالله كأنك لا تعرف نفسك قال والله لتخبرني قال أشهد أنك أخذت هذا المال من غير حقه فجعلته في غير أهله واشهد أن الظلم ببابك فاش قال فجاء أبو جعفر من موضعه حتى وضع يده في قفا ابن أبي ذؤيب فقبض عليه ثم قال له أما والله لولا أني جالس ههنا لأخذت فارس والروم والديلم والترك بهذا المكان منك قال فقال ابن أبي ذؤيب يا أمير المؤمنين قد ولى أبو بكر وعمر فأخذا الحق وقسما بالسوية وأخذا بأقفاء فارس والروم وأصغرا آنافهم قال فخلى أبو جعفر قفاه وخلى سبيله وقال والله لولا أني أعلم أنك صادق لقتلتك فقال ابن أبي ذؤيب والله يا أمير المؤمنين إني لأنصح لك من ابنك المهدي قال فبلغنا أن ابن أبي ذؤيب لما انصرف من مجلس المنصور لقيه سفيان الثوري فقال له يا أبا الحرث لقد سرني ما خاطبت به هذا الجبار ولكن ساءني قولك له ابنك المهدي فقال يغفر الله لك يا أبا عبد الله كلنا مهدي كلنا كان في المهد وعن الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو قال بعث إلى أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين وأنا بالساحل فأتيته فلما وصلت إليه وسلمت عليه بالخلافة رد علي واستجلسني ثم قال لي ما الذي أبطأ بك عنا يا أوزاعي قال قلت وما الذي تريد يا أمير المؤمنين قال أريد الأخذ عنكم والإقتباس منكم قال فقلت فانظر يا أمير المؤمنين أن لا تجهل شيئا مما أقول لك قال وكيف أجهله وأنا أسألك عنه وفيه وجهت إليك وأقدمتك له قال قلت أخاف أن تسمعه ثم لا تعمل به قال فصاح بي الربيع وأهوى بيده إلى السيف فانتهره المنصور وقال هذا مجلس مثوبة لا مجلس عقوبة حديث الأوزاعي مع المنصور وموعظته له وذكر فيها عشرة أحاديث مرفوعة والقصة بجملتها رواها ابن أبي الدنيا في كتاب مواعظ الخلفاء ورويناها في مشيخة يوسف بن كامل الخفاف ومشيخة ابن طبرزد وفي إسنادها أحمد بن عبيد بن ناصح قال ابن عدي يحدث بمناكير وهو عندي من أهل الصدق وقد رأيت سرد الأحاديث المذكورة في الموعظة لنذكر هل لبعضها طريق غير هذا الطريق وليعرف صحابي كل حديث أو كونه مرسلا فأولها فطابت نفسي وانبسطت في الكلام فقلت يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عطية بن بشر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فإنها نعمة من الله سيقت إليه فإن قبلها بشكر وإلا كانت حجة من الله عليه ليزداد بها إثما ويزداد الله بها سخطا عليه حديث عطية بن بشر أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فإنها نعمة من الله الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عطية بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما وال مات غاشا لرعيته حرم الله عليه الجنة حديث عطية بن ياسر ايما وال بات غاشا لرعيته حرم الله عليه الجنة ياأمير المؤمنين من كره الحق فقد كره الله إن الله هو الحق المبين إن الذي لين قلوب أمتكم لكم حين ولاكم أمورهم لقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان بهم رءوفا رحيما مواسيا لهم بنفسه في ذات يده محمودا عند الله وعند الناس فحقيق بك أن تقوم له فيهم بالحق وأن تكون بالقسط له فيهم قائما ولعوراتهم ساترا لا تغلق عليك دونهم الأبواب ولا تقيم دونهم الحجاب تبتهج بالنعمة عندهم وتبتئس بما أصابهم من سوء يا أمير أخرجه ابن أبي الدنيا فيه وابن عدي في الكامل في ترجمة أحمد بن عبيد يا أمير المؤمنين من كره الحق فقد كره الله إن الله هو الحق المبين إن الذي لين قلوب أمتكم لكم حين ولاكم أمورهم لقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان بهم رءوفا رحيما مواسيا لهم بنفسه في ذات يده محمودا عند الله وعند الناس فحقيق بك أن تقوم له فيهم بالحق وأن تكون بالقسط له فيهم قائما ولعوراتهم ساترا لاتغلق عليهم دونهم الأبواب ولا تقيم دونهم الحجاب تبتهج بالنعمة عندهم وتبتئس بما أصابهم من سوء يا أمير المؤمنين قد كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذين أصبحت تملكهم أحمرهم وأسودهم مسلمهم وكافرهم وكل له عليك نصيب من العدل فكيف بك إذا انبعث منهم فئام وراء فئام وليس منهم أحد إلا وهو يشكو بلية أدخلتها عليه أو ظلامة سقتها إليه يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عروة بن رويم قال كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدة يستاك بها ويروع بها المنافقين فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال له يا محمد ما هذه الجريدة التي كسرت بها قلوب أمتك وملأت قلوبهم رعبا حديث عروة بن رويم كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدة يستاك بها ويروع بها المنافقين الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا فيه وهو مرسل وعروة ذكره ابن حبان في ثقات التابعين فكيف بمن شقق أستارهم وسفك دماءهم وخرب ديارهم وأجلاهم عن بلادهم وغيبهم الخوف منه يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن زياد عن حارثة عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى القصاص من نفسه في خدش خدشه أعرابيا لم يتعمده فأتاه جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن الله لم يبعثك جبارا ولا متكبرا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي فقال اقتص مني فقال الأعرابي قد أحللتك بأبي أنت وأمي وما كنت لأفعل ذلك أبدا ولو أتيت على نفسي فدعا له بخير حديث حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى القصاص من نفسه في خدش خدشه أعرابيا لم يتعمده الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا فية وروى أبو داود والنسائي من حديث عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتص من نفسه وللحاكم من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه طعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرة أسيد بن حضير فقال أوجعتني قال اقتص الحديث قال صحيح الإسناد يا أمير المؤمنين رض نفسك لنفسك وخذ لها الأمان من ربك وارغب في جنة عرضها السموات والأرض التي يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيد قوس أحدكم من الجنة خير له من الدنيا وما فيها حديث لقيد قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها أخرجه ابن أبي الدنيا من رواية الأوزاعي معضلا لم يذكر إسناده ورواه البخاري من حديث أنس بلفظ لقاب يا أمير المؤمنين إن الملك لو بقي لمن قبلك لم يصل إليك وكذا لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك يا أمير المؤمنين أتدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها قال الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك فكيف بما عملته الأيدي وحصدته الألسن يا أمير المؤمنين بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضيعة لخشيت أن أسأل عنها فكيف بمن حرم عدلك وهو على بساطك يا أمير المؤمنين أتدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله قال الله تعالى في الزبور يا داود إذا قعد الخصمان بين يديك فكان لك في أحدهما هوى فلا تتمنين في نفسك أن يكون الحق له فيفلح على صاحبه فأمحوك عن نبوتي ثم لا تكون خلفتي ولا كرامة يا داود إنما جعلت رسلي إلى عبادي رعاء كرعاء الإبل لعلمهم بالرعاية ورفقهم بالسياسة ليجبروا الكسير ويدلوا الهزيل على الكلأ والماء يا أمير المؤمنين إنك قد بليت بأمر لو عرض على السموات والأرض والجبال لأبين أن يحملنه وأشفقن منه يا أمير المؤمنين حدثني يزيد بن جابر عن عبد الرحمن بن عمرة الأنصاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل رجلا من الأنصار على الصدقة فرآه بعد أيام مقيما فقال له ما منعك من الخروج إلى عملك أما علمت أن لك مثل أجر المجاهد في سبيل الله قال لا قال وكيف ذلك قال إنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من وال يلي شيئا من أمور الناس إلا أتى به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه لا يفكها إلا عدله فيوقف على جسر من النار ينتفض به ذلك الجسر انتفاضة تزيل كل عضو منه عن موضعه ثم يعاد فيحاسب فإن كان محسنا نجا بإحسانه وإن كان مسيئا انخرق به ذلك الجسر فيهوى به في النار سبعين خريفا حديث عبد الرحمن بن عمر أن عمر استعمل رجلا من الأنصار على الصدقة الحديث وفيه مرفوعا ما من وال يلي شيئا من أمور الناس إلا أتى الله يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا فيه من هذا الوجه ورواه الطبراني من رواية سويد بن عبد العزيز عن يسار بن أبي الحكم عن أبي وائل أن عمر استعمل بشر بن عاصم فذكر أخصر منه وأن بشرا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم يذكر فيه سلمان فقال له عمر رضي الله عنه ممن سمعت هذا قال من أبي ذر وسلمان فأرسل إليهما عمر فسألهما فقالا نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر واعمراه من يتولاها بما فيها فقال أبو ذر رضي الله عنه من سلت الله أنفه وألصق خده بالأرض قال فأخذ المنديل فوضعه على وجهه ثم بكى وانتحب حتى أبكاني ثم قلت يا أمير المؤمنين قد سأل جدك العباس النبي صلى الله عليه وسلم إمارة مكة أو الطائف أو اليمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا عباس يا عم النبي نفس تحييها خير من إمارة لا تحصيها حديث يا عباس يا عم النبي نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها أخرجه ابن أبي الدنيا هكذا معضلا بغير إسناد ورواه البيهقي من حديث جابر متصلا ومن رواية ابن المنكدر مرسلا وقال هذا هو المحفوظ مرسلا نصيحة منه لعمه وشفقة عليه وأخبره أنه لا يغنى عنه من الله شيئا إذ أوحى الله إليه وأنذر عشيرتك الأقربين فقال يا عباس ويا صفية عمي النبي ويا فاطمة بنت محمد إني لست أغني عنكم من الله شيئا إن لي عملي ولكم عملكم حديث يا عباس ويا صفية ويا فاطمة لا أغني عنكم من الله شيئا لي عملي ولكم عملكم أخرجه ابن أبي الدنيا هكذا معضلا دون إسناد ورواه البخاري من حديث أبي هريرة متصلا دون قوله لي عملي ولكم عملكم وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يقيم أمر الناس إلا حصيف العقل أريب العقد لا يطلع منه على عورة ولا يخاف منه على حرة ولا تأخذه في الله لومة لائم وقال الأمراء أربعة فأمير قوي ظلف نفسه وعماله فذلك كالمجاهد في سبيل الله يد الله باسطة عليه بالرحمة وأمير فيه ضعف ظلف نفسه وأرتع عماله لضعفه فهو على شفا هلاك إلا أن يرحمه الله وأمير ظلف عماله وأرتع نفسه فذلك الحطمة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم شر الرعاة الحطمة فهو الهالك وحده حديث شر الرعاة الحطمة رواه مسلم من حديث عائذ بن عمرو المزني متصلا وهو عند ابن أبي الدنيا عن الأوزاعي معضلا كما ذكره المصنف وأمير أرتع نفسه وعماله فهلكوا جميعا وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن جبرائيل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتيتك حين أمر الله بمنافخ النار فوضعت على النار تسعر ليوم القيامة فقال له يا جبريل صف لي النار فقال إن الله تعالى أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف عام حتى اصفرت ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يضيء جمرها ولا يطفأ لهبها والذي بعثك بالحق لو أن ثوبا من ثياب أهل النار أظهر لأهل الأرض لماتوا جميعا ولو أن ذنوبا من شرابها صب في مياه الأرض جميعا لقتل من ذاقه ولو أن ذراعا من السلسلة التي ذكرها الله وضع على جبال الأرض جميعا لذابت وما استقلت ولو أن رجلا أدخل النار ثم أخرج منها لمات أهل الأرض من نتن ريحه وتشويه خلقه وعظمه فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكى جبريل عليه السلام لبكائه فقال أتبكي يا محمد وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أفلا أكون عبدا شكورا ولم بكيت يا جبريل وأنت الروح الأمين أمين الله على وحيه قال أخاف أن أبتلي بما ابتلي به هاروت وماروت فهو الذي منعني من اتكالي على منزلتي عند ربي فأكون قد أمنت مكره فلم يزالا يبكيان حتى نوديا من السماء يا جبريل ويا محمد إن الله قد آمنكما أن تعصياه فيعذبكما وفضل محمد على سائر الأنبياء كفضل جبريل على سائر الملائكة حديث بلغني أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتيتك حين أمر الله بمنافيخ النار وضعت على النار تسعر ليوم القيامة الحديث بطوله أخرجه ابن أبي الدنيا فيه هكذا معضلا بغير إسناد وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على من مال الحق من قريب أو بعيد فلا تمهلني طرفة عين يا أمير المؤمنين إن أشد الشدة القيام لله بحقه وإن أكرم الكرم عند الله التقوى وأنه من طلب العز بطاعة الله رفعه الله وأعزه ومن طلبه بمعصية الله أذله الله ووضعه فهذه نصيحتي إليك والسلام عليك ثم نهضت فقال لي إلى أين فقلت إلى الولد والوطن بإذن أمير المؤمنين إن شاء الله فقال قد أذنت لك وشكرت لك نصيحتك وقبلتها والله الموفق للخير والمعين عليه وبه أستعين وعليه أتوكل وهو حسبي ونعم الوكيل فلا تخلني من مطالعتك إياي بمثل هذا فإنك المقبول القول غير المتهم في النصيحة قلت أفعل إن شاء الله قال محمد بن مصعب فأمر له بمال يستعين به على خروجه فلم يقبله وقال أنا في غنى عنه وما كنت لأبيع نصيحتي بعرض من الدنيا وعرف المنصور مذهبه فلم يجد عليه في ذلك وعن ابن المهاجر قال قدم أمير المؤمنين المنصور مكة شرفها الله حاجا فكان يخرج من دار الندوة إلى الطواف في آخر الليل يطوف ويصلي ولا يعلم به فإذا طلع الفجر رجع إلى دار الندوة وجاء المؤذنون فسلموا عليه وأقيمت الصلاة فيصلى بالناس فخرج ذات ليلة حين أسحر فبينا هو يطوف إذ سمع رجلا عند الملتزم وهو يقول اللهم إني أشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بين الحق وأهله من الظلم والطمع فأسرع المنصور في مشيه حتى ملأ مسامعه من قوله ثم خرج فجلس ناحية من المسجد وأرسل إليه فدعاه فأتاه الرسول وقال له أجب أمير المؤمنين فصلى ركعتين واستلم الركن وأقبل مع الرسول فسلم عليه فقال له المنصور ما هذا الذي سمعتك تقوله من ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بين الحق وأهله من الطمع والظلم فوالله لقد حشوت مسامعي ما أمرضني وأقلقني فقال يا أمير المؤمنين إن أمنتني على نفسي أنبأتك بالأمور من أصولها وإلا اقتصرت على نفسي ففيها لي شغل شاغل فقال له أنت آمن على نفسك فقال الذي دخله الطمع حتى حال بينه وبين الحق وإصلاح ما ظهر من البغي والفساد في الأرض أنت فقال ويحك وكيف يدخلني الطمع والصفراء والبيضاء في يدي والحلو والحامض في قبضتي قال وهل دخل أحدا من الطمع ما دخلك يا أمير المؤمنين إن الله تعالى استرعاك أمور المسلمين وأموالهم فأغفلت أمورهم واهتممت بجمع أموالهم وجعلت بينك وبينهم حجابا من الجص والآجر وأبوابا من الحديد وحجبة معهم السلاح ثم سجنت نفسك فيها منهم وبعثت عمالك في جمع الأموال وجبايتها واتخذت وزراء وأعوانا ظلمة إن نسيت لم يذكروك وإن ذكرت لم يعينوك وقويتهم على ظلم الناس بالأموال والكراع والسلاح وأمرت بأن لا يدخل عليك من الناس إلا فلان وفلان نفر سميتهم ولم تأمر بإيصال المظلوم ولا الملهوف ولا الجائع ولا العاري ولا الضعيف ولا الفقير ولا أحد إلا وله في هذا المال حق فلما رآك هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك وآثرتهم على رعيتك وأمرت أن لا يحجبوا عنك تجبى الأموال ولا تقسمها قالوا هذا قد خان الله فما لنا لا نخونه وقد سخر لنا فائتمروا على أن لا يصل إليك من علم أخبار الناس شيء إلا ما أرادوا وأن لا يخرج لك عامل فيخالف لهم أمرا إلا أقصوه حتى تسقط منزلته ويصغر قدره فلما انتشر ذلك عنك وعنهم أعظمهم الناس وهابوهم وكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا والأموال ليتقووا بهم على ظلم رعيتك ثم فعل ذلك ذوو القدرة والثروة من رعيتك لينالوا ظلم من دونهم من الرعية فامتلأت بلاد الله بالطمع بغيا وفسادا وصار هؤلاء القوم شركاءك في سلطانك وأنت غافل فإن جاء متظلم حيل بينه وبين الدخول إليك وإن أراد رفع صوته أو قصته إليك عند ظهورك وجدك قد نهيت عن ذلك ووقفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم فإن جاء ذلك الرجل فبلغ بطانتك سألوا صاحب المظالم أن لا يرفع مظلمته وإن كانت للمتظلم به حرمة وإجابة لم يمكنه مما يريد خوفا منهم فلا يزال المظلوم يختلف إليه ويلوذ به ويشكو ويستغيث وهو يدفعه ويعتل عليه فإذا جهد وأخرج وظهرت صرخ بين يديك فيضرب ضربا مبرحا ليكون نكالا لغيره وأنت تنظر ولا تنكر ولا تغير فما بقاء الإسلام وأهله على هذا ولقد كانت بنو أمية وكانت العرب لا ينتهي إليهم المظلوم إلا رفعت ظلامته إليهم فينصف ولقد كان الرجل يأتي من أقصى البلاد حتى يبلغ باب سلطانهم فينادي يا أهل الإسلام فيبتدرونه مالك مالك فيرفعون مظلمته إلى سلطانهم فينتصف ولقد كنت يا أمير المؤمنين أسافر إلى أرض الصين وبها ملك فقدمتها مرة وقد ذهب سمع ملكهم فجعل يبكي فقال له وزراؤه مالك تبكي لا بكت عيناك فقال أما إني لست أبكي على المصيبة التي نزلت بي ولكن أبكي لمظلوم يصرخ بالباب فلا أسمع صوته ثم قال أما إن كان قد ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب نادوا في الناس ألا لا يلبس ثوبا أحمر إلا مظلوم فكان يركب الفيل ويطوف طرفي النهار هل يرى مظلوما فينصفه هذا يا أمير المؤمنين مشرك بالله قد غلبت رأفته بالمشركين ورقته على شح نفسه في ملكه وأنت مؤمن بالله وابن عم نبي الله لا تغلبك رأفتك بالمسلمين ورقتك على شح نفسك فإنك لا تجمع الأموال إلا لواحد من ثلاثة إن قلت اجمعها لولدي فقد أراك الله عبرا في الطفل الصغير يسقط من بطن أمه وماله على الأرض مال وما من مال إلا ودونه يد شحيحة تحويه فما يزال الله تعالى يلطف بذلك الطفل حتى تعظم رغبة الناس إليه ولست الذي تعطي بل الله يعطي من يشاء وإن قلت أجمع المال لأشيد سلطاني فقد أراك الله عبرا فيمن كان قبلك ما أغنى عنهم ما جمعوه من الذهب والفضة وما أعدوا من الرجال والسلاح والكراع وما ضرك وولد أبيك ما كنتم فيه من قلة الجدة والضعف حين أراد الله بكم ما أراد وإن قلت أجمع المال لطلب غاية هي أجسم من الغاية التي أنت فهيا فوالله ما فوق ما أنت فيه إلا منزلة لا تدرك إلا بالعمل الصالح يا أمير المؤمنين هل تعاقب من عصاك من رعيتك بأشد من القتل قال لا قال فكيف تصنع بالملك الذي خولك الله وما أنت عليه من ملك الدنيا وهو تعالى لا يعاقب من عصاه بالقتل ولكن يعاقب من عصاه بالخلود في العذاب الأليم وهو الذي يرى منك ما عقد عليه قلبك وأضمرته جوارحك فماذا تقول إذا انتزع الملك الحق المبين ملك الدنيا من يدك ودعاك إلى الحساب هل يغني عنك عنده شيء مما كنت فيه مما شححت عليه من ملك الدنيا فبكى المنصور بكاء شديدا حتى نحب وارتفع صوته ثم قال يا ليتني لم أخلق ولم أك شيئا ثم قال كيف احتيالي فيما خولت فيه ولم أر من الناس إلا خائنا قال يا أمير المؤمنين عليك بالإئمة الأعلام المرشدين قال ومن هم قال العلماء قال قد فروا مني قال هربوا منك مخافة أن تحملهم على ما ظهر من طريقتك من قبل عمالك ولكن افتح الأبواب وسهل الحجاب وانتصر للمظلوم من الظالم وامنع المظالم وخذ الشيء مما حل وطاب واقسمه بالحق والعدل وأنا ضامن على أن من هرب منك أن يأتيك فيعاونك على صلاح أمرك ورعيتك فقال المنصور اللهم وفقني أن أعمل بما قال هذا الرجل وجاء المؤذنون فسلموا عليه وأقيمت الصلاة فخرج فصلى بهم ثم قال للحرسى عليك بالرجل إن لم تأتني به لأضربن عنقك واغتاظ عليه غيظا شديدا فخرج الحرسى يطلب الرجل فبينا هو يطوف فإذا هو بالرجل يصلي في بعض الشعاب فقعد حتى صلى ثم قال يا ذا الرجل أما تتقي الله قال بلى قال أما تعرفه قال بلى قال فانطلق معي إلى الأمير فقد آلى أن يقتلني إن لم آته بك قال ليس لي إلى ذلك من سبيل قال يقتلني قال لا قال كيف قال تحسن تقرأ قال لا فأخرج من مزود كان معه رقا مكتوبا فيه شيء فقال خذه فاجعله في جيبك فإن فيه دعاء الفرج قال وما دعاء الفرج قال لا يرزقه إلا الشهداء قلت رحمك الله قد أحسنت إلي فإن رأيت أن تخبرني ما هذا الدعاء وما فضله قال من دعا به مساء وصباحا هدمت ذنوبه ودام سروره ومحيت خطاياه واستجيب دعاؤه وبسط له رزقه وأعطى أمله وأعين على عدوه وكتب عند الله صديقا ولا يموت إلا شهيدا تقول اللهم كما لطفت في عظمتك دون اللطفاء وعلوت بعظمتك على العظماء وعلمت ما تحت أرضك كعلمك بما فوق عرشك وكان وساوس الصدور كالعلانية عندك وعلانية القول كالسر في علمك وانقاد كل شيء لعظمتك وخضع كل ذي سلطان لسلطانك وصار أمر الدنيا والآخرة كله بيدك اجعل لي من كل هم أمسيت فيه فرجا ومخرجا اللهم إن عفوك عن ذنوبي وتجاوزك عن خطيئتي وسترك على قبيح عملي أطمعني أن أسألك مالا أستوجبه مما قصرت فيه أدعوك آمنا وأسألك مستأنسا وإنك المحسن إلى وأنا المسيء إلى نفسي فيما بيني وبينك تتودد إلى بنعمك وأتبغض إليك بالمعاصي ولكن الثقة بك حملتني على الجراءة عليك فعد بفضلك وإحسانك على إنك أنت التواب الرحيم قال فأخذته فصيرته في جيبي ثم لم يكن لي هم غير أمير المؤمنين فدخلت فسلمت عليه فرفع رأسه فنظر إلي وتبسم ثم قال ويلك وتحسن السحر فقلت لا والله يا أمير المؤمنين ثم قصصت عليه أمري مع الشيخ فقال هات الرق الذي أعطاك ثم جعل يبكي وقال وقد نجوت وأمر بنسخه وأعطاني عشرة آلاف ثم قال أتعرفه قلت لا قال ذلك الخضر عليه السلام وعن أبي عمران الجوني قال لما ولى هارون الرشيد الخلافة زاره العلماء فهنوه بما صار إليه من أمر الخلافة ففتح بيوت الأموال وأقبل يجيزهم بالجوائز السنية وكان قبل ذلك يجالس العلماء والزهاد وكان يظهر النسك والتقشف وكان مؤاخيا لسفيان بن سعيد بن المنذر الثوري قديما فهجره سفيان ولم يزره فاشتاق هرون إلى زيارته ليخلو به ويحدثه فلم يزره ولم يعبأ بموضعه ولا بما صار إليه فاشتد ذلك على هرون فكتب إليه كتابا يقول فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله هرون الرشيد أمير المؤمنين إلى أخيه سفيان بن سعيد بن المنذر أما بعد يا أخي قد علمت أن الله تبارك وتعالى واخى بين المؤمنين وجعل ذلك فيه وله واعلم أني قد واخيتك مواخاة لم أصرم بها حبلك ولم أقطع منها ودك وإني منطو لك على أفضل المحبة والإرادة ولولا هذه القلادة التي قلدنيها الله لأتيتك ولو حبوا لما أجد لك في قلبي من المحبة واعلم يا أبا عبد الله أنه ما بقي من إخواني وإخوانك أحد إلا وقد زارني وهناني بما صرت إليه وقد فتحت بيوت الأموال وأعطيتهم من الجوائز السنية ما فرحت به نفسي وقرت به عيني وإني استبطأتك فلم تأتني وقد كتبت لك كتابا شوقا مني إليك شديدا وقد علمت يا أبا عبد الله ما جاء في فضل المؤمن وزيارته ومواصلته فإذا ورد عليه كتابي فالعجل العجل فلما كتب الكتاب التفت إلى من عنده فإذا كلهم يعرفون سفيان الثوري وخشونته فقال على برجل من الباب فأدخل عليه رجل يقال له عباد الطالقاني فقال يا عباد خذ كتابي هذا فانطلق به إلى الكوفة فإذا دخلتها فسل عن قبيلة بني ثور ثم سل عن سفيان الثوري فإذا رأيته فالق كتابي هذا إليه وع بسمعك وقلبك جميع ما يقول فأحص عليه دقيق أمره وجليله لتخبرني به فأخذ عباد الكتاب وانطلق به حتى ورد الكوفة فسأل عن القبيلة فأرشد إليها ثم سأل عن سفيان فقيل له هو في المسجد قال عباد فأقبلت إلى المسجد فلما رآني قام قائما وقال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بك اللهم من طارق يطرق إلا بخير قال عباد فوقعت الكلمة في قلبي فجرحت فلما رآني نزلت بباب المسجد قام يصلي ولم يكن وقت صلاة فربطت فرسي بباب المسجد ودخلت فإذا جلساؤه قعود قد نكسوا رءوسهم كأنهم لصوص قد ورد عليهم السلطان فهم خائفون من عقوبته فسلمت فما رفع أحد إلى رأسه وردوا السلام على برءوس الأصابع فبقيت واقفا فما منهم أحد يعرض على الجلوس وقد علاني من هيبتهم الرعدة ومددت عيني إليهم فقلت إن المصلي هو سفيان فرميت بالكتاب إليه فلما رأى الكتاب ارتعد وتباعد منه كأنه حية عرضت له في محرابه فركع وسجد وسلم وأدخل يده في كمه ولفها بعباءته وأخذه فقلبه بيده ثم رماه إلى من كان خلفه وقال يأخذه بعضكم يقرؤه فإني أستغفر الله أن أمس شيئا مسه ظالم بيده قال عباد فأخذه بعضهم فحله كأنه خائف من فم حية تنهشه ثم فضه وقرأه وأقبل سفيان يتبسم تبسم المتعجب فلما فرغ من قراءته قال اقلبوه واكتبوا إلى الظالم في ظهر كتابه فقيل له يا أبا عبد الله إنه خليفة فلو كتبت إليه في قرطاس نقي فقال اكتبوا إلى الظالم في ظهر كتابه فإن كان اكتسبه من حلال فسوف يجزي به وإن كان اكتسبه من حرام فسوف يصلي به ولا يبقى شيء مسه ظالم عندنا فيفسد علينا ديننا فقيل له ما نكتب فقال اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم من العبد المذنب سفيان بن سعيد بن المنذر الثوري إلى العبد المغرور بالآمال هرون الرشيد الذي سلب حلاوة الإيمان أما بعد فإني قد كتبت إليك أعرفك أني قد صرمت حبلك وقطعت ودك وقليت موضعك فإنك قد جعلتني شاهدا عليك بإقرارك على نفسك في كتابك بما هجمت به على بيت مال المسلمين فأنفقته في غير حقه وأنفذته في غير حكمه ثم لم ترض بما فعلته وأنت ناء عني حتى كتبت إلي تشهدني على نفسك أما إني قد شهدت عليك أنا وإخواني الذين شهدوا قراءة كتابك وسنؤدي الشهادة عليك غدا بين يدي الله تعالى يا هرون هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم هل رضي بفعلك المؤلفة قلوبهم والعاملون عليها في أرض الله تعالى والمجاهدون في سبيل الله وابن السبيل أم رضي بذلك حملة القرآن وأهل العلم والأرامل والأيتام أم هل رضى بذلك خلق من رعيتك فشد يا هرون مئزرك وأعد للمسألة جوابا وللبلاء جلبابا واعلم أنك ستقف بين يدي الحكم العدل فقد رزئت في نفسك إذ سلبت حلاوة العلم والزهد ولذيذ القرآن ومجالسة الأخيار ورضيت لنفسك أن تكون ظالما وللظالمين إماما يا هرون قعدت على السرير ولبست الحرير واسبلت سترا دون بابك وتشبهت بالحجبة برب العالمين ثم أقعدت أجنادك الظلمة دون بابك وسترك يظلمون الناس ولا ينصفون يشربون الخمور ويضربون من يشربها ويزنون ويحدون الزاني ويسرقون ويقطعون السارق أفلا كانت هذه الأحكام عليك وعليهم قبل أن تحكم بها على الناس فكيف بك يا هرون غدا إذا نادى المنادي من قبل الله تعالى احشرو الذين ظلموا وأزواجهم أي الظلمة وأعوان الظلمة فقدمت بين يدي الله تعالى ويداك مغلولتان إلى عنقك لا يفكهما إلا عدلك وإنصافك والظالمون حولك وأنت لهم سابق وإمام إلى النار كأني بك يا هرون وقد أخذت بضيق الخناق ووردت المساق وأنت ترى حسناتك في ميزان غيرك وسيئات غيرك في ميزانك زيادة عن سيئاتك بلاء على بلاء وظلمة فوق ظلمة فاحتفظ بوصيتي واتعظ بموعظتي التي وعظتك بها واعلم أني قد نصحتك وما أبقيت لك في النصح غاية فاتق الله يا هرون في رعيتك واحفظ محمدا صلى الله عليه وسلم في أمته وأحسن الخلافة عليهم وأعلم أن هذا الأمر لو بقي لغيرك لم يصل إليك وهو صائر إلى غيرك وكذا الدنيا تنتقل بأهلها واحد بعد واحد فمنهم من تزود زادا نفعه ومنهم من خسر دنياه وآخرته وإني أحسبك يا هرون ممن خسر دنياه وآخرته فإياك إياك أن تكتب لي كتابا بعد هذا فلا أجيبك عنه والسلام قال عباد فألقى إلي الكتاب منشورا غير مطوي ولا مختوم فأخذته وأقبلت إلى سوق الكوفة وقد وقعت الموعظة من قلبي فناديت يا أهل الكوفة فأجابوني فقلت لهم يا قوم من يشتري رجلا هرب من الله إلى الله فأقبلوا إلي بالدنانير والدراهم فقلت لا حاجة لي في المال ولكن جبة صوف خشنة وعباءة قطوانية قال فأتيت بذلك ونزعت ما كان على من اللباس الذي كنت ألبسه مع أمير المؤمنين وأقبلت أقود البرذون وعليه السلاح الذي كنت أحمله حتى أتيت باب أمير المؤمنين هرون حافيا راجلا فهزأ بي من كان على باب الخليفة ثم استؤذن لي فلما دخلت عليه وبصر بي على تلك الحالة قام وقعد ثم قام قائما وجعل يلطم رأسه ووجهه ويدعو بالويل والحزن ويقول انتفع الرسول وخاب المرسل مالي وللدنيا ولملك يزول عني سريعا ثم ألقيت الكتاب إليه منشورا كما دفع إلي فأقبل هرون يقرؤه ودموعه تنحدر من عينيه ويقرأ ويشهق فقال بعض جلسائه يا أمير المؤمنين لقد اجترأ عليك سفيان فلو وجهت إليه فأثقلته بالحديد وضيقت عليه السجن وكنت تجعله عبرة لغيره فقال هرون اتركونا يا عبيد الدنيا المغرور من غررتموه والشقي من أهلكتموه وإن سفيان أمة وحده فاتركوا سفيان وشأنه ثم لم يزل كتاب سفيان إلى جنب هرون يقرؤه عند كل صلاة حتى توفى رحمه الله فرحم الله عبدا نظر لنفسه واتقى الله فيما يقدم عليه غدا من عمله فإنه عليه يحاسب وبه يجازى والله ولي التوفيق وعن عبد الله بن مهران قال حج الرشيد فوافى الكوفة فأقام بها أياما ثم ضرب بالرحيل فخرج الناس وخرج بهلول المجنون فيمن خرج بالكناسة والصبيان يؤذونه ويولعون به إذ أقبلت هوادج هرون فكف الصبيان عن الولوع به فلما جاء هرون نادى بأعلى صوته يا أمير المؤمنين فكشف هرون السجاف بيده عن وجهه فقال لبيك يا بهلول فقال يا أمير المؤمنين حدثنا أيمن بن نائل عن قدامة بن عبد الله العامري قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم منصرفا من عرفة على ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك حديث قدامة بن عبد الله العامري رأيت النبي صلى الله عليه وسلم منصرفا عن عرفة على ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد ولا أليك إليك أخرجه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه دون قوله منصرفا من عرفة وإنما قالوا يرمى الجمرة وهو الصواب وقد تقدم في الباب الثاني وتواضعك في سفرك هذا يا أمير المؤمنين خير لك من تكبرك وتجبرك قال فبكى هرون حتى سقطت دموعه على الأرض ثم قال يا بهلول زدنا رحمك الله قال نعم يا أمير المؤمنين رجل آتاه الله مالا وجمالا فأنفق من ماله وعف في جماله كتب في خالص ديوان الله تعالى مع الأبرار قال أحسنت يا بهلول ودفع له جائزة فقال اردد الجائزة إلى من أخذتها منه فلا حاجة لي فيها قال يا بهلول فإن كان عليك دين قضيناه قال يا أمير المؤمنين هؤلاء أهل العلم بالكوفة متوافرون قد اجتمعت آراؤهم أن قضاء الدين بالدين لا يجوز قال يا بهلول فنجرى عليك ما يقوتك أو يقيمك قال فرفع بهلول رأسه إلى السماء ثم قال يا أمير المؤمنين أنا وأنت من عيال الله فمحال أن يذكرك وينساني قال فأسبل هرون السجاف ومضى وعن أبي العباس الهاشمي عن صالح بن المأمون قال دخلت على الحرث المحاسبي رحمه الله فقلت له يا أبا عبد الله هل حاسبت نفسك فقال كان هذا مرة قلت له فاليوم قال أكاتم حالي إني لأقرأ آية من كتاب الله تعالى فأحتن بها أن تسمعها نفسي ولولا أن يغلبني فيها فرح ما أعلنت بها ولقد كنت ليلة قاعدا في محرابي فإذا أنا بفتى حسن الوجه طيب الرائحة فسلم على ثم قعد بين يدي فقلت له من أنت فقال أنا واحد من السياحين أقصد المتعبدين في محاريبهم ولا أرى لك اجتهادا فأي شيء عملك قال قلت له كتمان المصائب واستجلاب الفوائد قال فصاح وقال ما علمت أن أحدا بين جنبي المشرق والمغرب هذه صفته قال الحرث فأردت أن أزيد عليه فقلت له أما علمت أن أهل القلوب يخفون أحوالهم ويكتمون أسرارهم ويسألون الله كتمان ذلك عليهم فمن أين تعرفهم قال فصاح صيحة غشى عليه منها فمكث عندي يومين لا يعقل ثم أفاق وقد أحدث في ثيابه فعلمت إزالة عقله فأخرجت له ثوبا جديدا وقلت له هذا كفني قد آثرتك به فاغتسل وأعد صلاتك فقال هات الماء فاغتسل وصلى ثم التحف بالثوب وخرج فقلت له أين تريد فقال لي قم معي فلم يزل يمشي حتى دخل على المأمون فسلم عليه وقال يا ظالم أنا ظالم إن لم أقل لك يا ظالم استغفر الله من تقصيري فيك أما تتقي الله تعالى فيما قد ملكك وتكلم بكلام كثير ثم أقبل يريد الخروج وأنا جالس بالباب فأقبل عليه المأمون وقال من أنت قال أنا رجل من السياحين فكرت فيما عمل الصديقون قبلي فلم أجد لنفسي فيه حظا فتعلقت بموعظتك لعلي ألحقهم قال فأمر بضرب عنقه فأخرج وأنا قاعد على الباب ملفوفا في ذلك الثوب ومناد ينادي من ولي هذا فليأخذ قال الحرث فاختبأت عنه فأخذه أقوام غرباء فدفنوه وكنت معهم لا أعلمهم بحاله فأقمت في مسجد بالمقابر محزونا على الفتى فغلبتني عيناي فإذا هو بين وصائف لم أر أحسن منهن وهو يقول يا حارث أنت والله من الكاتمين الذين يخفون أحوالهم ويطيعون ربهم قلت وما فعلوا قال الساعة يلقونك فنظرت إلى جماعة ركبان فقلت من أنتم قالوا الكاتمون أحوالهم حرك هذا الفتى كلامك له فلم يكن في قلبه مما وصفت شيء فخرج للأمر والنهي وإن الله تعالى أنزله معنا وغضب لعبده وعن أحمد بن إبراهيم المقرى قال كان أبو الحسين النوري رجلا قليل الفضول لا يسأل عما لا يعنيه ولا يفتش عما لا يحتاج إليه وكان إذا رأى منكرا غيره ولو كان فيه تلفه فنزل ذات يوم إلى مشرعة تعرف بمشرعة الفحامين يتطهر للصلاة إذ رأى زورقا فيه ثلاثون دنا مكتوب عليها بالقار لطف فقرأه وأنكره لأنه لم يعلم في التجارات ولا في البيوع شيئا يعبر عنه بلطف فقال للملاح إيش في هذه الدنان قال وإيش عليك امض في شغلك فلما سمع النوري من الملاح هذا القول ازداد تعطشا إلى معرفته فقال أحب أن تخبرني إيش في هذه الدنان قال وإيش عليك أنت والله صوفي فضولي هذا خمر للمعتضد يريد أن يتمم به مجلسه فقال النوري وهذا خمر قال نعم فقال أحب أن نعطيني ذلك المدري فاغتاظ الملاح عليه وقال لغلامه أعطه حتى أنظر ما يصنع فلما صارت المدرى في يده صعد إلى الزورق ولم يزل يكسرها دنا دنا حتى أتى على آخرها إلا دنا واحدا والملاح يستغيث إلى أن ركب صاحب الجسر وهو يومئذ ابن بشر أفلح فقبض على النوري وأشخصه إلى حضرة المعتضد وكان المعتضد سيفه قبل كلامه ولم يشك الناس في أنه سيقتله قال أبو الحسين فأدخلت عليه وهو جالس على كرسي حديد وبيده عمود يقلبه فلما رآني قال من أنت قلت محتسب قال ومن ولاك الحسبة قلت الذي ولاك الإمامة ولاني الحسبة يا أمير المؤمنين قال فأطرق إلى الأرض ساعة ثم رفع رأسه إلي وقال ما الذي حملك على ما صنعت فقلت شفقة مني عليك إذ بسطت يدي إلى صرف مكروه عنك فقصرت عنه قال فأطرق مفكرا في كلامي ثم رفع رأسه إلي وقال كيف تخلص هذا الدن الواحد من جملة الدنان فقلت في تخلصه علة أخبر بها أمير المؤمنين إن أذن فقال هات خبرني فقلت يا أمير المؤمنين إني أقبلت على الدنان بمطالبة الحق سبحانه لي بذلك وغمر قلبي شاهد الإجلال للحق وخوف المطالبة فغابت هيبة الخلق عني فأقدمت عليها بهذه الحال إلى أن صرت إلى هذا الدن فاستشعرت نفسي كبرا على أني أقدمت على مثلك فمنعت ولو أقدمت عليه بالحال الأول وكانت ملء الدنيا دنان لكسرتها ولم أبال فقال المعتضد اذهب فقد أطلقنا يدك غير ما أحببت أن تغيره من المنكر قال أبو الحسين فقلت يا أمير المؤمنين بغض إلى التغيير لأني كنت أغير عن وأنا الآن أغير عن شرطي فقال المعتضد ما حاجتك فقلت يا أمير المؤمنين تأمر بإخراجي سالما فأمر له بذلك وخرج إلى البصرة فكان أكثر أيامه بها خوفا من أن يسأله أحد حاجة يسألها المعتضد فأقام بالبصرة إلى أن توفي المعتضد ثم رجع إلى بغداد فهذه كانت سيرة العلماء وعادتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقلة مبالاتهم بسطوة السلاطين لكونهم اتكلوا على فضل الله تعالى أن يحرسهم ورضوا بحكم الله تعالى أن يرزقهم الشهادة فلما أخلصوا لله النية أثر كلامهم في القلوب القاسية فلينها وأزال قساوتها وأما الآن فقد قيدت الأطماع ألسن العلماء فسكتوا وإن تكلموا لم تساعد أقوالهم أحوالهم فلم ينجحوا ولو صدقوا وقصدوا حق العلم لأفلحوا ففساد الرعايا بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء وفساد العلماء بإستيلاء حب المال والجاه ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل فكيف على الملوك والأكابر والله المستعان على كل حال تم كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحمد الله وعونه وحسن توفيقه.
| |
|
| |
| ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ | |
|