| ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:13 am | |
| بيان ذم الغضب ثم بيان حقيقة الغضب ثم بيان أن الغضب هل يمكن إزالة أصله بالرياضة أم لا ثم بيان الأسباب المهيجة للغضب ثم بيان علاج الغضب بعد هيجانه ثم بيان فضيلة كظم الغيظ ثم بيان فضيلة الحلم ثم بيان القدر الذي يجوز الانتصار والتشفي به من الكلام ثم القول في معنى الحقد ونتائجه وفضيلة العفو والرفق ثم القول في ذم الحسد وفي حقيقته وأسبابه ومعالجته وغاية الواجب في إزالته ثم بيان السبب في كثرة الحسد بين الأمثال والأقران والأخوة وبني العم والأقارب وتأكده وقلته في غيرهم وضعفه ثم بيان الدواء الذي به ينفي مرض الحسد عن القلب ثم بيان القدر الواجب في نفي الحسد عن القلب وبالله التوفيق بيان ذم الغضب قال الله تعالى إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين الآية ذم الكفار بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن الغضب بالباطل ومدح المؤمنين بما أنزل الله عليهم من السكينة وروى أبو هريرة أن رجلا قال يا رسول الله مرني بعمل وأقلل قال لا تغضب ثم أعاد عليه فقال لا تغضب حديث أبي هريرة إن رجلا قال يا رسول الله مرني بعمل وأقلل قال لا تغضب ثم أعاد عليه فقال لا تغضب رواه البخاري وقال ابن عمر قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قل لي قولا وأقلله لعلي أعقله فقال لا تغضب فأعدت عليه مرتين كل ذلك يرجع إلى لا تغضب حديث ابن عمر قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قل لي قولا وأقلل الحديث أخرج نحوه أبو يعلى بإسناد حسن وعن عبد الله بن عمرو أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينقذني من غضب الله قال لا تغضب حديث عبد الله بن عمرو سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبعدني من غضب الله قال لا تغضب أخرجه الطبراني في مكارم الأخلاق وابن عبد البر في التمهيد بإسناد حسن وهو عند أحمد وأن عبد الله بن عمرو هو السائل وقال ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم ما تعدون الصرعة فيكم قلنا الذي لا تصرعه الرجال قال ليس ذلك ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب حديث ابن مسعود ما تعدون الصرعة الحديث رواه مسلم وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب حديث أبي هريرة ليس الشديد بالصرعة الحديث متفق عليه وقال ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم من كف غضبه ستر الله عورته حديث ابن عمر من كف غضبه ستر الله عورته أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب العفو وذم الغضب وفي الصمت وتقدم في آفات اللسان وقال سليمان ابن داود عليهما السلام يا بني إياك وكثرة الغضب فإن كثرة الغضب تستخف فؤاد الرجل الحليم وعن عكرمة في قوله تعالى وسيدا وحصورا قال السيد الذي لا يغلبه الغضب وقال أبو الدرداء قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال لا تغضب حديث أبي الدرداء دلني على عمل يدخلني الجنة قال لا تغضب أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن وقال يحيى لعيسى عليهما السلام لا تغضب قال لا أستطيع أن لا أغضب إنما أنا بشر قال لا تقتن مالا قال هذا عسى وقال صلى الله عليه وسلم الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل حديث الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل أخرجه الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب ومن رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده بسند ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم ما غضب أحد إلا أشفى على جهنم حديث ما غضب أحد إلا أشفى على جهنم أخرجه البزار وابن عدي من حديث ابن عباس للنار باب لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله وإسناده ضعيف وتقدم في آفات اللسان وقال له رجل أي شيء أشد على الله قال غضب الله قال فما يبعدني عن غضب الله قال لا تغضب حديث قال رجل أي شيء أشد علي قال غضب الله قال فما يبعدني من غضب الله قال لا تغضب أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بالشطر الأخير منه وقد تقدم قبله بست أحاديث الآثار قال الحسن يا ابن آدم كلما غضبت وثبت ويوشك أن تثب وثبة فتقع في النار وعن ذي القرنين أنه لقي ملكا من الملائكة فقال علمني علما ازداد به إيمانا ويقينا قال لا تغضب فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب فرد الغضب بالكظم وسكنه بالتؤدة وإياك والعجلة فإنك إذا عجلت أخطأت حظك وكن سهلا لينا للقريب والبعيد ولا تكن جبارا عنيدا وعن وهب بن منبه أن راهبا كان في صومعته فأراد الشيطان أن يضله فلم يستطع فجاءه حتى ناداه فقال له افتح فلم يجبه فقال افتح فإني إن ذهبت ندمت فلم يلتفت إليه فقال إني أنا المسيح قال الراهب وإن كنت المسيح فما أصنع بك أليس قد أمرتنا بالعبادة والاجتهاد ووعدتنا القيامة فلو جئتنا اليوم بغيره لم نقبله منك فقال إني الشيطان وقد أردت أن أضلك فلم أستطع فجئتك لتسألني عما شئت فأخبرك فقال ما أريد أن أسألك عن شيء قال فولى مدبرا فقال الراهب ألا تسمع قال بلى قال أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم فقال الحدة إن الرجل إذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة وقال خيثمة الشيطان يقول كيف يغلبني ابن آدم وإذا رضي جئت حتى أكون في قلبه وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه وقال جعفر بن محمد الغضب مفتاح كل شر وقال بعض الأنصار رأس الحمق الحدة وقائده الغضب ومن رضي بالجهل استغنى عن الحلم والحلم زين ومنفعة والجهل شين ومضرة والسكوت عن جواب الأحمق جوابه وقال مجاهد قال إبليس ما أعجزني بنو آدم فلن يعجزوني في ثلاث إذا سكر أحدهم أخذنا بخزامته فقدناه حيث شئنا وعمل لنا بما أحببنا وإذا غضب قال بما لا يعلم وعمل بما يندم ونبخله بما في يديه ونمنيه بما لا يقدر عليه وقيل لحكيم ما أملك فلانا لنفسه قال إذا لا تذله الشهوة ولا يصرعه الهوى ولا يغلبه الغضب وقال بعضهم إياك والغضب فإنه يصيرك إلى ذلة الاعتذار وقيل اتقوا الغضب فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل وقال عبد الله بن مسعود انظروا إلى حلم الرجل عند غضبه وأمانته عند طمعه وما علمك بحلمه إذا لم يغضب وما علمك بأمانته إذا لم يطمع وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله أن لا تعاقب عند غضبك وإذا غضبت على رجل فأحبسه فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه ولا تجاوز به خمسة عشر سوطا وقال علي بن زيد أغلظ رجل من قريش لعمر بن عبد العزيز القول فأطرق عمر زمانا طويلا ثم قال أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا وقال بعضهم لابنه يا بني لا يثبت العقل عند الغضب كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة فأقل الناس غضبا أعقلهم فإن كان للدنيا كان دهاء ومكرا وإن كان للآخرة كان حلما وعلما فقد قيل الغضب عدو العقل والغضب غول العقل وكان عمر رضي الله عنه إذا خطب قال في خطبته أفلح منكم من حفظ من الطمع والهوى والغضب وقال بعضهم من أطاع شهوته وغضبه قاداه إلى النار وقال الحسن من علامات المسلم قوة في دين وحزم في لين وإيمان في يقين وعلم في حلم وكيس في رفق وإعطاء في حق وقصد في غنى وتجمل في فاقة وإحسان في قدرة وتحمل في رفاقة وصبر في شدة لا يغلبه الغضب ولا تجمح به الحمية ولا تغلبه شهوة ولا تفضحه بطنه ولا يستخفه حرصه ولا تقصر به نيته فينصر المظلوم ويرحم الضعيف ولا يبخل ولا يبذر ولا يسرف ولا يقتر يغفر إذا ظلم ويعفو عن الجاهل نفسه منه في عناء والناس منه في رخاء وقيل لعبد الله بن المبارك أجمل لنا حسن الخلق في كلمة فقال اترك الغضب وقال نبي من الأنبياء لمن تبعه من يتكفل لي أن لا يغضب فيكون معي في درجتي ويكون بعدي خليفتي فقال شاب من القوم أنا ثم أعاد عليه فقال الشاب أنا أوفي به فلما مات كان في منزلته بعده وهو ذو الكفل سمي به لأنه تكفل بالغضب ووفي به وقال وهب بن منبه للكفر أربعة أركان الغضب والشهوة والخرق والطمع.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:14 am | |
| بيان حقيقة الغضب اعلم أن الله تعالى لما خلق الحيوان معرضا للفساد والموتان بأسباب في داخل بدنه وأسباب خارجة عنه أنعم عليه بما يحميه عن الفساد ويدفع عنه الهلاك إلى أجل معلوم سماه في كتابه أما السبب الداخلي فهو أنه ركبه من الحرارة والرطوبة وجعل بين الحرارة والرطوبة عداوة ومضادة فلا تزال الحرارة تحلل الرطوبة وتجففها وتبخرها حتى تصير أجزاؤها بخارا يتصاعد منها فلو لم يصل بالرطوبة مدد من الغذاء يجبر ما انحل وتبخر من أجزائها لفسد الحيوان فخلق الله الغذاء الموافق لبدن الحيوان وخلق في الحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء كالموكل به في جبر ما انكسر وسد ما انثلم ليكون ذلك حافظا له من الهلاك بهذا السبب وأما الأسباب الخارجة التي يتعرض لها الإنسان فكالسيف والسنان وسائر المهلكات التي يقصد بها فافتقر إلى قوة وحمية تثور من باطنه فتدفع المهلكات عنه فخلق الله طبيعة الغضب من النار وغرزها في الإنسان وعجنها بطينته فمهما صد عن غرض من أغراضه ومقصود من مقاصده اشتعلت نار الغضب وثارت ثورانا يغلي به دم القلب وينتشر في العروق ويرتفع إلى أعالي البدن كما ترتفع النار وكما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر فلذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين والبشرة لصفائها تحكى لون ما وراءها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما فيها وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه فإن صدر الغضب على من فوقه وكان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب وصار حزنا ولذلك يصفر اللون وإن كان الغضب على نظير يشك فيه تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويضطرب وبالجملة فقوة الغضب محلها القلب ومعناها غليان دم القلب بطلب الانتقام وإنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات قبل وقوعها وإلى التشفي والانتقام بعد وقوعها والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها وفيه لذتها ولا تسكن إلا به ثم إن الناس في هذه القوة على درجات ثلاث في أول الفطرة من التفريط والإفراط والاعتدال أما التفريط فبفقد هذه القوة أو ضعفها وذلك مذموم وهو الذي يقال فيه إنه لا حمية له ولذلك قال الشافعي رحمه الله من استغضب فلم يغضب فهو حمار فمن فقد قوة الغضب والحمية أصلا فهو ناقص جدا وقد وصف الله سبحانه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالشدة والحمية فقال أشداء على الكفار رحماء بينهم وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم الآية وإنما الغلظة والشدة من آثار قوة الحمية وهو الغضب وأما الإفراط فهو أن تغلب هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين وطاعته ولا يبقى للمرء معها بصيرة ونظر وفكرة ولا اختيار بل يصير في صورة المضطر وسبب غلبته أمور غريزية وأمور اعتيادية فرب إنسان هو بالفطرة مستعد لسرعة الغضب حتى كأن صورته في الفطرة صورة غضبان ويعين على ذلك حرارة مزاج القلب لأن الغضب من النار حديث الغضب من النار أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد بسند ضعيف الغضب جمرة في قلب ابن آدم ولأبي داود من حديث عطية السعدي إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار كما قال صلى الله عليه وسلم وإنما برودة المزاج تطفئه وتكسر سورته وأما الأسباب الاعتيادية فهو أن يخالط قوما يتبجحون بتشفي الغيظ وطاعة الغضب ويسمون ذلك شجاعة ورجولية فيقول الواحد منهم أنا الذي لا أصبر على المكر والمحال ولا أحتمل من أحد أمرا ومعناه لا عقل في ولا حلم ثم يذكره في معرض الفخر بجهله فمن سمعه رسخ في نفسه حسن الغضب وحب التشبه بالقوم فيقوى به الغضب ومهما اشتدت نار الغضب وقوى اضطرامها أعمت صاحبها وأصمته عن كل موعظة فإذا وعظ لم يسمع بل زاده ذلك غضبا وإذا استضاء بنور عقله وراجع نفسه لم يقدر إذ ينطفيء نور العقل وينمحي في الحال بدخان الغضب فإن معدن الفكر الدماغ ويتصاعد عند شدة الغضب من غليان دم القلب دخان مظلم إلى الدماغ يستولي على معادن الفكر وربما يتعدى إلى معادن الحس فتظلم عينه حتى لا يرى بعينه وتسود عليه الدنيا بأسرها ويكون دماغه على مثال كهف اضطرمت فيه نار فاسود جوه وحمى مستقره وامتلأ بالدخان جوانيه وكان فيه سراج ضعيف فانمحى أو انطفأ نوره فلا تثبت فيه قدم ولا يسمع فيه كلام ولا ترى فيه صورة ولا يقدر على إطفائه لا من داخل ولا من خارج بل ينبغي أن يصبر إلى أن يحترق جميع ما يقبل الاحتراق فكذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ وربما تقوى نار الغضب فتفني الرطوبة التي بها حياة القلب فيموت صاحبه غيظا كما تقوى النار في الكهف فينشق وتنهد أعاليه على أسفله وذلك لإبطال النار ما في جوانبه من القوة الممسكة الجامعة لأجزائه فهكذا حال القلب عند الغضب وبالحقيقة فالسفينة في ملتطم الأمواج عند اضطراب الرياح في لجة البحر أحسن حالا وأرجى سلامة من النفس المضطربه غيظا إذ في السفينة من يحتال لتسكينها وتدبيرها وينظر لها ويسوسها وأما القلب فهو صاحب السفينة وقد سقطت حيلته إذا أعماه الغضب وأصمه ومن آثار هذا الغضب في الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الأطراف وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام واضطراب الحركة والكلام حتى يظهر الزبد على الأشداق وتحمر الأحداق وتنقلب المناخر وتستحيل الخلقة ولو رأى الغضبان في حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره فإن الظاهر عنوان الباطن وإنما قبحت صورة الباطن أولا ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا فتغير الظاهر ثمرة تغير الباطن فقس الثمرة بالمثمرة فهذا أثره في الجسد وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش من الكلام الذي يستحي منه ذو العقل ويستحي منه قائله عند فتور الغضب وذلك مع تخبط النظم واضطراب اللفظ أما أثره على الأعضاء فالضرب والتهجم والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن من غير مبالاة فإن هرب منه المغضوب عليه أو فاته بسبب وعجز عن التشفي رجع الغضب على صاحبه فمزق ثوب نفسه ويلطم نفسه وقد يضرب بيده على الأرض ويعدو عدو الواله السكران والمدهوش المتحير وربما يسقط سريعا لا يطيق العدو والنهوض بسبب شدة الغضب ويعتر به مثل الغشية وربما يضرب الجمادات والحيوانات فيضرب القصعة مثلا على الأرض وقد يكسر المائدة إذا غضب عليها ويتعاطى أفعال المجانين فيشتم البهيمة والجمادات ويخاطبها ويقول إلى متى منك هذا يا كيت وكيت كأنه يخاطب عاقلا حتى ربما رفسته دابة فيرفس الدابة ويقابلها بذلك وأما أثره في القلب مع المغضوب عليه فالحقد والحسد وإضمار السوء والشماتة بالمساءات والحزن بالسرور والعزم على إفشاء السر وهتك الستر والاستهزاء وغير ذلك من القبائح فهذه ثمرة الغضب المفرط وأما ثمرة الحمية الضعيفة فقلة الأنفة مما يؤنف منه من التعرض للحرم والزوجة والأمة واحتمال الذل من الأخساء وصغر النفس والقماءة وهو أيضا مذموم إذ من ثمراته عدم الغيرة على الحرام وهو خنوثة قال صلى الله عليه وسلم إن سعدا لغيور وأنا أغير من سعد وإن الله أغير مني حديث إن سعدا لغيور الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وهو متفق عليه من حديث المغيرة بنحوه وتقدم في النكاح وإنما خلقت الغيرة لحفظ الأنساب ولو تسامح الناس بذلك لاختلطت الأنساب ولذلك قيل كل أمة وضعت الغيرة في رجالها وضعت الصيانة في نسائها ومن ضعف الغضب الخور والسكوت عند مشاهدة المنكرات وقد قال صلى الله عليه وسلم خير أمتي أحداؤها حديث خير أمتي أحداؤها أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب من حديث علي بسند ضعيف وزاد الذين إذا غضبوا رجعوا يعني في الدين وقال تعالى ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله بل من فقد الغضب عجز عن رياضة نفسه إذ لا تتم الرياضة إلا بتسليط الغضب على الشهوة حتى يغضب على نفسه عند الميل إلى الشهوات الخسيسة ففقد الغضب مذموم وإنما المحمود غضب ينتظر إشارة العقل والدين فينبعث حيث تجب الحمية وينطفيء حيث يحسن الحلم وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله بها عباده وهو الوسط الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال خير الأمور أوساطها حديث خير الأمور أوسطها أخرجه البيهقي في الشعب مرسلا وقد تقدم فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة وخسة النفس في احتمال الذل والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه ومن مال غضبه إلى الإفراط حتى جره إلى التهور واقتحام الفواحش فينبغي أن يعالج نفسه لينقص من سورة الغضب ويقف على الوسط الحق بين الطرفين فهو الصراط المستقيم وهو أرق من الشعرة وأحد من السيف فإن عجز عنه فليطلب القرب منه قال تعالى ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة فليس كل من عجز عن الإتيان بالخير كله ينبغي أن يأتي بالشر كله ولكن بعض الشر أهون من بعض وبعض الخير أرفع من بعض فهذه حقيقة الغضب ودرجاته نسأله الله حسن التوفيق لما يرضيه إنه على ما يشاء قدير.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:14 am | |
| بيان الغضب هل يمكن إزالة أصله بالرياضة أم لا أعلم أنه ظن ظانون أنه يتصور محو الغضب بالكلية وزعموا أن الرياضة إليه تتوجه وإياه تقصد وظن أخرون أنه أصل لا يقبل العلاج وهذا رأي من يظن أن الخلق كالخلق وكلاهما لا يقبل التغيير وكلا الرأيين ضعيف بل الحق فيه ما نذكره وهو أنه ما بقي الإنسان يحب شيئا ويكره شيئا فلا يخلو من الغيظ والغضب وما دام يوافقه شيء ويخالفه آخر فلا بد من أن يحب ما يوافقه ويكره ما يخالفه والغضب يتبع ذلك فإنه مهما أخذ منه محبوبه غضب لا محالة وإذا قصد بمكروه غضب لا محالة إلا أن ما يحبه الإنسان ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول ما هو ضرورة في حق الكافة كالقوت والمسكن والملبس وصحة البدن فمن قصد بدنه بالضرب والجرح فلا بد وأن يغضب وكذلك إذا أخذ منه ثوبه الذي يستر عورته وكذلك إذا أخرج من داره التي هي مسكنة أو أريق ماؤه الذي لعطشه فهذه ضرورات لا يخلو الإنسان من كراهة زوالها ومن غيظ على من يتعرض لها. القسم الثاني ما ليس ضروريا لأحد من الخلق كالجاه والمال الكثير والغلمان والدواب فإن هذه الأمور صارت محبوبة بالعادة والجهل بمقاصد الأمور حتى صار الذهب والفضة محبوبين في أنفسهما فيكنزان ويغضب على من يسرقهما وإن كان مستغنيا عنهما في القوت فهذا الجنس مما يتصور أن ينفك الإنسان عن أصل الغيظ عليه فإذا كانت له دار زائدة على مسكنه فهدمه ظالم فيجوز أن لا يغضب إذ يجوز أن يكون بصيرا بأمر الدنيا فيزهد في الزيادة على الحاجة فلا يغضب بأخذها فإنه لا يحب وجودها ولو أحب وجودها لغضب على الضرورة بأخذها وأكثر غضب الناس على ما هو غير ضروري كالجاه والصيت والتصدر في المجالس والمباهاة في العلم فمن غلب هذا الحب عليه فلا محالة يغضب إذا زاحمه مزاحم على التصدر في المحافل ومن لا يحب ذلك فلا يبالي ولو جلس في صف النعال فلا يغضب إذا جلس غيره فوقه وهذه العادات الرديئة هي التي أكثرت محاب الإنسان ومكارهه فأكثرت غضبه وكلما كانت الإرادات والشهوات أكثر كان صاحبها أحط رتبة وأنقص لأن الحاجة صفة نقص فمهما كثرة كثر النقص والجاهل أبدا جهده في أن يزيد في حاجاته وفي شهواته وهو لا يدري أنه مستكثر من أسباب الغم والحزم حتى ينتي بعض الجهال بالعادات الرديئة ومخالطة قرناء السوء إلى أن يغضب لو قيل له إنك لا تحسن اللعب بالطيور واللعب بالشطرنج ولا تقدر على شرب الخمر الكثير وتناول الطعام الكثير وما يجري مجراه من الرذائل فالغضب على هذا الجنس ليس بضروري لأن حبه ليس بضروري. القسم الثالث ما يكون ضروريا في حق بعض الناس دون البعض كالكتاب مثلا في حق العالم لأنه مضطر إليه فيحبه فيغضب على من يحرقه ويغرقه وكذلك أدوات الصناعات في حق المكتسب الذي لا يمكنه التوصل إلى القوت إلا بها فإنما هو وسيلة إلى الضروري والمحبوب يصير ضروريا ومحبوبا وهذا يختلف بالأشخاص وإنما الحب الضروري ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه وله قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها حديث من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عبيد الله بن محصن دون قوله بحذافيرها قال الترمذي حسن ومن كان بصيرا بحقائق الأمور وسلم له هذه الثلاثة يتصور أن لا يغضب في غيرها فهذه ثلاثة أقسام: فلنذكر غاية الرياضة في كل واحد منها أما: القسم الأول فليست الرياضة فيها لينعدم غيظ القلب ولكن لكي يقدر على أن لا يطيع الغضب ولا يستعمله في الظاهر إلا على حد يستحبه الشرع ويستحسنه العقل وذلك ممكن بالمجاهدة وتكلف الحلم والاحتمال مدة حتى يصير الحلم والاحتمال خلقا راسخا فأما قمع أصل الغيظ من القلب فذلك ليس مقتضى الطبع وهو غير ممكن نعم يمكن كسر سورته وتضعيفه حتى لا يشتد هيجان الغيظ في الباطن وينتهي ضعفه إلى أن لا يظهر أثره في الوجه ولكن ذلك شديد جدا وهذا حكم القسم الثالث أيضا لأن ما صار ضروريا في حق شخص فلا يمنعه من الغيظ استغناء غيره عنه فالرياضة فيه تمنع العمل به وتضعف هيجانه في الباطن حتى لا يشتد التألم بالصبر عليه. وأما القسم الثاني فيمكن التوصل بالرياضة إلى الانفكاك عن الغضب عليه إذ يمكن إخراج حبه من القلب وذلك بأن يعلم الإنسان أن وطنه القبر مستقره الآخرة وأن الدنيا معبر يعبر عليها ويتزود منها قدر الضرورة وما وراء ذلك عليه وبال في وطنه ومستقره فيزهد في الدنيا ويمحو حبها عن قلبه ولو كان للإنسان كلب لا يحبه لا يغضب إذا ضربه غيره فالغضب تبع للحب فالرياضة في هذا تنتهي إلى قمع أصل الغضب وهو نادر جدا وقد تنتهي إلى المنع من استعمال الغضب والعمل بموجبه وهو أهون فإن قلت الضروري من القسم الأول التألم بفوات المحتاج إليه دون الغضب فمن له شاة مثلا وهي قوته فماتت لا يغضب على أحد وإن كان يحصل فيه كراهة وليس من ضرورة كل كراهة غضب فإن الإنسان يتألم بالفصد والحجامة ولا يغضب على الفصاد والحجام فمن غلب عليه التوحيد حتى يرى الأشياء كلها بيد الله ومنه فلا يغضب على أحد من خلقه إذ يراهم مسخرين في قبضة قدرته كالقلم في يد الكاتب ومن وقع ملك بضرب رقبته لم يغضب على القلم فلا يغضب على من يذبح شاته التي هي قوته كما لا يغضب على موتها إذ يرى الذبح والموت من الله عز وجل فيندفع الغضب بغلبة التوحيد ويندفع أيضا بحسن الظن بالله وهو أن يرى أن الكل من الله تعالى وأن الله لا يقدر له إلا ما فيه الخيرة وربما تكون الخيرة في مرضه وجوعه وجرحه وقتله فلا يغضب كما لا يغضب على الفصاد والحجام لأنه يرى أن الخيرة فيه فيقول هذا على هذا الوجه غير محال ولكن غلبة التوحيد إلى هذا الحد إنما تكون كالبرق الخاطف تغلب في أحوال مختلفة ولا تدوم ويرجع القلب إلى الالتفات إلى الوسائط رجوعا طبيعيا لا يندفع عنه ولو تصور ذلك على الدوام لبشر لتصور لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يغضب حتى تحمر وجنتاه حديث كان صلى الله عليه وسلم يغضب حتى تحمر وجنتاه أخرجه مسلم من حديث جابر كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه وللحاكم كان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه واشتد غضبه وقد تقدم في أخلاق النبوة حتى قال اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما مسلم سببته أو لعنته أو ضربته فاجعلها مني صلاة عليه وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة حديث اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة دون قوله أغضب كما يغضب البشر وقال جلدته بدل ضربته وفي رواية اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وأصله متفق عليه وتقدم ولمسلم من حديث أنس إنما أنا بشرا أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر ولأبي يعلى من حديث أبي سعيد أو ضربته وقال عبد الله بن عمرو بن العاص يا رسول الله أكتب عنك كل ما قلت في الغضب والرضا فقال اكتب فوالذي بعثني بالحق نبيا ما يخرج منه إلا حق وأشار إلى لسانه حديث عبد الله بن عمرو يا رسول الله أكتب عنك كل ما قلت في الغضب والرضا قال اكتب فوالذي بعثني بالحق ما يخرج منه إلا حق وأشار إلى لسانه أخرجه أبو داود بنحوه فلم يقل إني لا أغضب ولكن قال إن الغضب لا يخرجني عن الحق أي لا أعمل بموجب الغضب وغضبت عائشة رضي الله تعالى عنها مرة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك جاءك شيطانك فقالت ومالك شيطان قال بلى ولكني دعوت الله فأعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بالخير حديث غضبت عائشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم مالك جاءك شيطانك الحديث أخرجه مسلم من حديث عائشة ولم يقل لا شيطان لي وأراد شيطان الغضب لكن قال لا يحملني على الشر وقال علي رضي الله تعالى عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب للدنيا فإذا أغضبه الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له حديث علي كان لا يغضب للدنيا الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل وقد تقدم فكان يغضب على الحق وإن كان غضبه لله فهو التفات إلى الوسائط على الجملة بل كل من يغضب على من يأخذ ضرورة قوته وحاجته التي لا بد له في دينه منها فإنما غضب لله فلا يمكن الانفكاك عنه نعم قد يفقد أصل الغضب فيما هو ضروري إذا كان القلب مشغولا بضروري أهم منه فلا يكون في القلب متسع للغضب لاشتغاله بغيره فإن استغراق القلب ببعض المهمات يمنع الإحساس بما عداه وهذا كما أن سلمان لما شتم قال إن خفت موازيني فأنا شر مما تقول وإن ثقلت موازيني لم يضرني ما تقول فقد كان همه مصروفا إلى الآخرة فلم يتأثر قلبه بالشتم وكذلك شتم الربيع بن خثيم فقال يا هذا قد سمع الله كلامك وإن دون الجنة عقبة إن قطعتها لم يضرني ما تقول وإن لم أقطعها فأنا شر مما تقول وسب رجل أبا بكر رضي الله عنه فقال ما ستر الله عنك أكثر فكأنه كان مشغولا بالنظر في تقصير نفسه عن أن يتقي الله حق تقاته ويعرفه حق معرفته فلم يغضبه نسبة غيره إياه إلى نقصان إذ كان ينظر إلى نفسه بعين النقصان وذلك لجلالة قدره وقالت امرأة لمالك بن دينار يا مرائي فقال ما عرفني غيرك فكأنه كان مشغولا بأن ينفي عن نفسه آفة الرياء ومنكرا على نفسه ما يلقيه الشيطان إليه فلم يغضب لما نسب إليه وسب رجل الشعبي فقال إن كنت صادقا فغفر الله لي وإن كنت كاذبا فغفر الله لك فهذه الأقاويل دالة في الظاهر على أنهم لم يغضبوا لاشتغال قلوبهم بمهمات دينهم ويحتمل أن يكون ذلك قد أثر في قلوبهم ولكنهم لم يشتغلوا به واشتغلوا بما كان هو الأغلب على قلوبهم فإذا اشتغال القلب ببعض المهمات لا يبعد أن يمنع هيجان الغضب عند فوات بعض المحاب فإذا يتصور فقد الغيظ إما باشتغال القلب بمهم أو بغلبة نظر التوحيد أو بسبب ثالث وهو أن يعلم أن الله يحب منه أن لا يغتاظ فيطفئ شدة حبه لله غيظه وذلك غير محال في أحوال نادرة وقد عرفت بهذا أن الطريق للخلاص من نار الغضب محو حب الدنيا عن القلب وذلك بمعرفة آفات الدنيا وغوائلها كما سيأتي في كتاب ذم الدنيا ومن أخرج حب المزايا عن القلب تخلص من أكثر أسباب الغضب وما لا يمكن محوه يمكن كسره وتضعيفه فيضعف الغضب بسببه ويهون دفعه نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه إنه على كل شيء قدير والحمد لله وحده.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:15 am | |
| بيان الغضب هل يمكن إزالة أصله بالرياضة أم لا أعلم أنه ظن ظانون أنه يتصور محو الغضب بالكلية وزعموا أن الرياضة إليه تتوجه وإياه تقصد وظن أخرون أنه أصل لا يقبل العلاج وهذا رأي من يظن أن الخلق كالخلق وكلاهما لا يقبل التغيير وكلا الرأيين ضعيف بل الحق فيه ما نذكره وهو أنه ما بقي الإنسان يحب شيئا ويكره شيئا فلا يخلو من الغيظ والغضب وما دام يوافقه شيء ويخالفه آخر فلا بد من أن يحب ما يوافقه ويكره ما يخالفه والغضب يتبع ذلك فإنه مهما أخذ منه محبوبه غضب لا محالة وإذا قصد بمكروه غضب لا محالة إلا أن ما يحبه الإنسان ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول ما هو ضرورة في حق الكافة كالقوت والمسكن والملبس وصحة البدن فمن قصد بدنه بالضرب والجرح فلا بد وأن يغضب وكذلك إذا أخذ منه ثوبه الذي يستر عورته وكذلك إذا أخرج من داره التي هي مسكنة أو أريق ماؤه الذي لعطشه فهذه ضرورات لا يخلو الإنسان من كراهة زوالها ومن غيظ على من يتعرض لها. القسم الثاني ما ليس ضروريا لأحد من الخلق كالجاه والمال الكثير والغلمان والدواب فإن هذه الأمور صارت محبوبة بالعادة والجهل بمقاصد الأمور حتى صار الذهب والفضة محبوبين في أنفسهما فيكنزان ويغضب على من يسرقهما وإن كان مستغنيا عنهما في القوت فهذا الجنس مما يتصور أن ينفك الإنسان عن أصل الغيظ عليه فإذا كانت له دار زائدة على مسكنه فهدمه ظالم فيجوز أن لا يغضب إذ يجوز أن يكون بصيرا بأمر الدنيا فيزهد في الزيادة على الحاجة فلا يغضب بأخذها فإنه لا يحب وجودها ولو أحب وجودها لغضب على الضرورة بأخذها وأكثر غضب الناس على ما هو غير ضروري كالجاه والصيت والتصدر في المجالس والمباهاة في العلم فمن غلب هذا الحب عليه فلا محالة يغضب إذا زاحمه مزاحم على التصدر في المحافل ومن لا يحب ذلك فلا يبالي ولو جلس في صف النعال فلا يغضب إذا جلس غيره فوقه وهذه العادات الرديئة هي التي أكثرت محاب الإنسان ومكارهه فأكثرت غضبه وكلما كانت الإرادات والشهوات أكثر كان صاحبها أحط رتبة وأنقص لأن الحاجة صفة نقص فمهما كثرة كثر النقص والجاهل أبدا جهده في أن يزيد في حاجاته وفي شهواته وهو لا يدري أنه مستكثر من أسباب الغم والحزم حتى ينتي بعض الجهال بالعادات الرديئة ومخالطة قرناء السوء إلى أن يغضب لو قيل له إنك لا تحسن اللعب بالطيور واللعب بالشطرنج ولا تقدر على شرب الخمر الكثير وتناول الطعام الكثير وما يجري مجراه من الرذائل فالغضب على هذا الجنس ليس بضروري لأن حبه ليس بضروري. القسم الثالث ما يكون ضروريا في حق بعض الناس دون البعض كالكتاب مثلا في حق العالم لأنه مضطر إليه فيحبه فيغضب على من يحرقه ويغرقه وكذلك أدوات الصناعات في حق المكتسب الذي لا يمكنه التوصل إلى القوت إلا بها فإنما هو وسيلة إلى الضروري والمحبوب يصير ضروريا ومحبوبا وهذا يختلف بالأشخاص وإنما الحب الضروري ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه وله قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها حديث من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عبيد الله بن محصن دون قوله بحذافيرها قال الترمذي حسن ومن كان بصيرا بحقائق الأمور وسلم له هذه الثلاثة يتصور أن لا يغضب في غيرها فهذه ثلاثة أقسام: فلنذكر غاية الرياضة في كل واحد منها أما: القسم الأول فليست الرياضة فيها لينعدم غيظ القلب ولكن لكي يقدر على أن لا يطيع الغضب ولا يستعمله في الظاهر إلا على حد يستحبه الشرع ويستحسنه العقل وذلك ممكن بالمجاهدة وتكلف الحلم والاحتمال مدة حتى يصير الحلم والاحتمال خلقا راسخا فأما قمع أصل الغيظ من القلب فذلك ليس مقتضى الطبع وهو غير ممكن نعم يمكن كسر سورته وتضعيفه حتى لا يشتد هيجان الغيظ في الباطن وينتهي ضعفه إلى أن لا يظهر أثره في الوجه ولكن ذلك شديد جدا وهذا حكم القسم الثالث أيضا لأن ما صار ضروريا في حق شخص فلا يمنعه من الغيظ استغناء غيره عنه فالرياضة فيه تمنع العمل به وتضعف هيجانه في الباطن حتى لا يشتد التألم بالصبر عليه. وأما القسم الثاني فيمكن التوصل بالرياضة إلى الانفكاك عن الغضب عليه إذ يمكن إخراج حبه من القلب وذلك بأن يعلم الإنسان أن وطنه القبر مستقره الآخرة وأن الدنيا معبر يعبر عليها ويتزود منها قدر الضرورة وما وراء ذلك عليه وبال في وطنه ومستقره فيزهد في الدنيا ويمحو حبها عن قلبه ولو كان للإنسان كلب لا يحبه لا يغضب إذا ضربه غيره فالغضب تبع للحب فالرياضة في هذا تنتهي إلى قمع أصل الغضب وهو نادر جدا وقد تنتهي إلى المنع من استعمال الغضب والعمل بموجبه وهو أهون فإن قلت الضروري من القسم الأول التألم بفوات المحتاج إليه دون الغضب فمن له شاة مثلا وهي قوته فماتت لا يغضب على أحد وإن كان يحصل فيه كراهة وليس من ضرورة كل كراهة غضب فإن الإنسان يتألم بالفصد والحجامة ولا يغضب على الفصاد والحجام فمن غلب عليه التوحيد حتى يرى الأشياء كلها بيد الله ومنه فلا يغضب على أحد من خلقه إذ يراهم مسخرين في قبضة قدرته كالقلم في يد الكاتب ومن وقع ملك بضرب رقبته لم يغضب على القلم فلا يغضب على من يذبح شاته التي هي قوته كما لا يغضب على موتها إذ يرى الذبح والموت من الله عز وجل فيندفع الغضب بغلبة التوحيد ويندفع أيضا بحسن الظن بالله وهو أن يرى أن الكل من الله تعالى وأن الله لا يقدر له إلا ما فيه الخيرة وربما تكون الخيرة في مرضه وجوعه وجرحه وقتله فلا يغضب كما لا يغضب على الفصاد والحجام لأنه يرى أن الخيرة فيه فيقول هذا على هذا الوجه غير محال ولكن غلبة التوحيد إلى هذا الحد إنما تكون كالبرق الخاطف تغلب في أحوال مختلفة ولا تدوم ويرجع القلب إلى الالتفات إلى الوسائط رجوعا طبيعيا لا يندفع عنه ولو تصور ذلك على الدوام لبشر لتصور لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يغضب حتى تحمر وجنتاه حديث كان صلى الله عليه وسلم يغضب حتى تحمر وجنتاه أخرجه مسلم من حديث جابر كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه وللحاكم كان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه واشتد غضبه وقد تقدم في أخلاق النبوة حتى قال اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما مسلم سببته أو لعنته أو ضربته فاجعلها مني صلاة عليه وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة حديث اللهم أنا بشر أغضب كما يغضب البشر الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة دون قوله أغضب كما يغضب البشر وقال جلدته بدل ضربته وفي رواية اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وأصله متفق عليه وتقدم ولمسلم من حديث أنس إنما أنا بشرا أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر ولأبي يعلى من حديث أبي سعيد أو ضربته وقال عبد الله بن عمرو بن العاص يا رسول الله أكتب عنك كل ما قلت في الغضب والرضا فقال اكتب فوالذي بعثني بالحق نبيا ما يخرج منه إلا حق وأشار إلى لسانه حديث عبد الله بن عمرو يا رسول الله أكتب عنك كل ما قلت في الغضب والرضا قال اكتب فوالذي بعثني بالحق ما يخرج منه إلا حق وأشار إلى لسانه أخرجه أبو داود بنحوه فلم يقل إني لا أغضب ولكن قال إن الغضب لا يخرجني عن الحق أي لا أعمل بموجب الغضب وغضبت عائشة رضي الله تعالى عنها مرة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك جاءك شيطانك فقالت ومالك شيطان قال بلى ولكني دعوت الله فأعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بالخير حديث غضبت عائشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم مالك جاءك شيطانك الحديث أخرجه مسلم من حديث عائشة ولم يقل لا شيطان لي وأراد شيطان الغضب لكن قال لا يحملني على الشر وقال علي رضي الله تعالى عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب للدنيا فإذا أغضبه الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له حديث علي كان لا يغضب للدنيا الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل وقد تقدم فكان يغضب على الحق وإن كان غضبه لله فهو التفات إلى الوسائط على الجملة بل كل من يغضب على من يأخذ ضرورة قوته وحاجته التي لا بد له في دينه منها فإنما غضب لله فلا يمكن الانفكاك عنه نعم قد يفقد أصل الغضب فيما هو ضروري إذا كان القلب مشغولا بضروري أهم منه فلا يكون في القلب متسع للغضب لاشتغاله بغيره فإن استغراق القلب ببعض المهمات يمنع الإحساس بما عداه وهذا كما أن سلمان لما شتم قال إن خفت موازيني فأنا شر مما تقول وإن ثقلت موازيني لم يضرني ما تقول فقد كان همه مصروفا إلى الآخرة فلم يتأثر قلبه بالشتم وكذلك شتم الربيع بن خثيم فقال يا هذا قد سمع الله كلامك وإن دون الجنة عقبة إن قطعتها لم يضرني ما تقول وإن لم أقطعها فأنا شر مما تقول وسب رجل أبا بكر رضي الله عنه فقال ما ستر الله عنك أكثر فكأنه كان مشغولا بالنظر في تقصير نفسه عن أن يتقي الله حق تقاته ويعرفه حق معرفته فلم يغضبه نسبة غيره إياه إلى نقصان إذ كان ينظر إلى نفسه بعين النقصان وذلك لجلالة قدره وقالت امرأة لمالك بن دينار يا مرائي فقال ما عرفني غيرك فكأنه كان مشغولا بأن ينفي عن نفسه آفة الرياء ومنكرا على نفسه ما يلقيه الشيطان إليه فلم يغضب لما نسب إليه وسب رجل الشعبي فقال إن كنت صادقا فغفر الله لي وإن كنت كاذبا فغفر الله لك فهذه الأقاويل دالة في الظاهر على أنهم لم يغضبوا لاشتغال قلوبهم بمهمات دينهم ويحتمل أن يكون ذلك قد أثر في قلوبهم ولكنهم لم يشتغلوا به واشتغلوا بما كان هو الأغلب على قلوبهم فإذا اشتغال القلب ببعض المهمات لا يبعد أن يمنع هيجان الغضب عند فوات بعض المحاب فإذا يتصور فقد الغيظ إما باشتغال القلب بمهم أو بغلبة نظر التوحيد أو بسبب ثالث وهو أن يعلم أن الله يحب منه أن لا يغتاظ فيطفئ شدة حبه لله غيظه وذلك غير محال في أحوال نادرة وقد عرفت بهذا أن الطريق للخلاص من نار الغضب محو حب الدنيا عن القلب وذلك بمعرفة آفات الدنيا وغوائلها كما سيأتي في كتاب ذم الدنيا ومن أخرج حب المزايا عن القلب تخلص من أكثر أسباب الغضب وما لا يمكن محوه يمكن كسره وتضعيفه فيضعف الغضب بسببه ويهون دفعه نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه إنه على كل شيء قدير والحمد لله وحده.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:16 am | |
| بيان الأسباب المهيجة للغضب قد عرفت أن علاج كل علة حسم مادتها وإزالة أسبابها فلا بد من معرفة أسباب الغضب وقد قال يحيى لعيسى عليهما السلام أي شيء أشد قال غضب الله قال فما يقرب من غضب الله قال أن تغضب قال فما بيدي الغضب وما ينبته قال عيسى الكبر والفخر والتعزز والحمية والأسباب المهيجة للغضب هي الزهو والعجب والمزاح والهزل والهزء والتعيير والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه وهي بأجمعها أخلاق رديئة مذمومة شرعا ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب فلا بد من إزالة هذه الأسباب بأضدادها فينبغي أن تميت الزهو بالتواضع وتميت العجب بمعرفتك بنفسك كما سيأتي بيانه في كتاب الكبر والعجب وتزيل الفخر بأنك من جنس عبدك إذ الناس يجمعهم في الانتساب أب واحد وإنما اختلفوا في الفضل أشتاتا فبنو آدم جنس واحد وإنما الفخر بالفضائل والفخر والعجب والكبر أكبر الرذائل وهي أصلها ورأسها فإذا لم تخل عنها فلا فضل لك على غيرك فلم تفتخر وأنت من جنس عبدك من حيث البنية والنسب والأعضاء الظاهرة والباطنة وأما المزاح فتزيله بالتشاغل بالمهمات الدينية التي تستوعب العمر وتفضل عنه إذا عرفت ذلك وأما الهزل فتزيله بالجد في طلب الفضائل والأخلاق الحسنة والعلوم الدينية التي تبلغك إلى سعادة الآخرة وأما الهزء فتزيله بالتكرم عن إيذاء الناس وبصيانة النفس عن أن يستهزأ بك وأما التعيير فالحذر عن القول القبيح وصيانة النفس عن مر الجواب وأما شدة الحرص على مزايا العيش فتزال بالقناعة بقدر الضرورة طلبا لعز الاستغناء وترفعا عن ذل الحاجة وكل خلق من هذه الأخلاق وصفه من هذه الصفات يفتقر في علاجه إلى رياضة وتحمل مشقة وحاصل رياضتها يرجع إلى معرفة غوائلها لترغب النفس عنها وتنفر عن قبحها ثم المواظبة على مباشرة أضدادها مدة مديدة حتى تصير بالعادة مألوفة هينة على النفس فإذا انمحت عن النفس فقد زكت وتطهرت عن هذه الرذائل وتخلصت أيضا عن الغضب الذي يتولد منها ومن أشد البواعث على الغضب عند أكثر الجهال تسميتهم الغضب شجاعة ورجولية وعزة نفس وكبر همة وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوة وجهلا حتى تميل النفس إليه وتستحسنه وقد يتأكد ذلك بحكاية شدة الغضب عن الأكابر في معرض المدح بالشجاعة والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر فيهيج الغضب إلى القلب بسببه وتسمية هذا عزة نفس وشجاعة جهل بل هو مرض قلب ونقصان عقل وهو لضعف النفس ونقصانها وآية أنه لضعف النفس أن المريض أسرع غضبا من الصحيح والمرأة أسرع غضبا من الرجل والصبي أسرع غضبا من الرجل الكبير والشيخ الضعيف أسرع غضبا من الكهل وذو الخلق السيء والرذائل القبيحة أسرع غضبا من صاحب الفضائل فالرذل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة ولبخله إذا فاتته الحبة حتى أنه يغضب على أهله وولده وأصحابه بل القوي من يملك نفسه عند الغضب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب حديث ليس الشديد بالصرعة تقدم قبله بل ينبغي أن يعالج هذا الجاهل بأن تتلي عليه حكايات أهل الحلم والعفو وما استحسن منهم من كظم الغيظ فإن ذلك منقول عن الأنبياء والأولياء والحكماء والعلماء وأكابر الملوك الفضلاء وضد ذلك منقول عن الأكراد والأتراك والجهلة والأغبياء الذين لا عقول لهم ولا فضل فيهم.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:17 am | |
| بيان علاج الغضب بعد هيجانه ما ذكرناه هو حسم لمواد الغضب وقطع لأسبابه حتى لا يهيج فإذا جرى سبب هيجه فعنده يجب التثبت حتى لا يضطر صاحبه إلى العمل به على الوجه المذموم وإنما يعالج الغضب عند هيجانه بمعجون العلم والعمل أما العلم فهو ستة أمور الأول أن يتفكر في الأخبار التي سنوردها في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم والاحتمال فيرغب في ثوابه فتمنعه شدة الحرص على ثواب الكظم عن التشفي والانتقام وينطفيء عنه غيظه قال مالك بن أوس ابن الحدثان غضب عمر على رجل وأمر بضربه فقلت يا أمير المؤمنين خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فكان عمر يقول خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فكان يتأمل في الآية وكان وقافا عند كتاب الله مهما تلي عليه كثير التدبر فيه فتدبر فيه وخلى الرجل وأمر عمر بن عبد العزيز بضرب رجل ثم قرأ قوله تعالى والكاظمين الغيظ فقال لغلامه خل عنه الثاني أن يخوف نفسه بعقاب الله وهو أن يقول قدرة الله علي أعظم من قدرتي على هذا الإنسان فلو أمضيت غضبي عليه لم آمن أن يمضي الله غضبه علي يوم القيامة أحوج ما أكون إلى العفو فقد قال تعالى في بعض الكتب القديمة يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيفا إلى حاجة فأبطأ عليه فلما جاء قال لولا القصاص لأوجعتك حديث لولا القصاص لأوجعتك أخرجه أبو يعلى من حديث أم سلمة بسند ضعيف أي القصاص في القيامة وقيل ما كان في بني إسرائيل ملك إلا ومعه حكيم إذا غضب أعطاه صحيفة فيها ارحم المسكين واخش الموت واذكر الآخرة فكان يقرؤها حتى يسكن غضبه الثالث أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام وتشمر العدو لمقابلته والسعي في هدم أغراضه والشماتة بمصائبه وهو لا يخلو عن المصائب فيخوف نفسه بعواقب الغضب في الدنيا إن كان لا يخاف من الآخرة وهذا يرجع إلى تسليط شهوة على غضب وليس هذا من أعمال الآخرة ولا ثواب عليه لأنه متردد على حظوظه العاجلة يقدم بعضها على بعض إلا أن يكون محذوره أن تتشوش عليه في الدنيا فراغته للعلم والعمل وما يعينه على الآخرة فيكون مثابا عليه الرابع أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب بأن يتذكر صورة غيره في حالة الغضب ويتفكر في قبح الغضب في نفسه ومشابهة صاحبه للكلب الضاري والسبع العادي ومشابهة الحليم الهادي التارك للغضب للأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء ويخير نفسه بين أن يتشبه بالكلاب والسباع وأراذل الناس وبين أن يتشبه بالعلماء والأنبياء في عادتهم لتميل نفسه إلى حب الاقتداء بهؤلاء إن كان قد بقي معه مسكة من عقل الخامس أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام ويمنعه من كظم الغيظ ولا بد وأن يكون له سبب مثل قول الشيطان له إن هذا يحمل منك على العجز وصغر النفس والذلة والمهانة وتصير حقيرا في أعين الناس فيقول لنفسه ما أعجبك تأنفين من الاحتمال الآن ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس ولا تحذرين من أن تصغري عند الله والملائكة والنبيين فمهما كظم الغيظ فينبغي أن يكظمه لله وذلك يعظمه عند الله فما له وللناس وذل من ظلمه يوم القيامة أشد من ذله لو انتقم الآن أفلا يحب أن يكون هو القائم إذا نودي يوم القيامة ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا فهذا وأمثاله من معارف الإيمان ينبغي أن يكرره على قلبه السادس أن يعلم أن غضبه من تعجبه من جريان الشيء على وفق مراد الله لا على وفق مراده فكيف يقول مرادي أولى من مراد الله ويوشك أن يكون غضب الله عليه أعظم من غضبه وأما العمل فأن تقول بلسانك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال عند الغيظ حديث الأمر بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند الغيظ متفق عليه من حديث سليمان بن صرد قال كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان فأحدهما أحمر وجهه وانتفخت أوداجه الحديث وفيه لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد فقالوا له إن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعوذ بالله من الشيطان الرجيم الحديث وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضبت عائشة أخذ بأنفها وقال يا عويش قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن حديث كان إذا غضبت عائشة أخذ بأنفها وقال يا عويش قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي الحديث أخرجه ابن السني في اليوم والليلة من حديثها وتقدم في الأذكار والدعوات فيستحب أن تقول ذلك فإن لم يزل بذلك فاجلس إن كنت قائما واضجع إن كنت جالسا وأقرب من الأرض التي منها خلقت لتعرف بذلك ذل نفسك واطلب بالجلوس والاضجاع السكون فإن سبب الغضب الحرارة وسبب الحرارة الحركة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الغضب جمرة توقد في القلب حديث إن الغضب جمرة توقد فيالقلب الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد دون قوله توقد في وقد تقدم ورواه بهذا اللفظ البيهقي في الشعب ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئا فإن كان قائما فليجلس وإن كان جالسا فلينم فإن لم يزل ذلك فليتوضأ بالماء البارد أو يغتسل فإن النار لا يطفئها إلا الماء فقد قال صلى الله عليه وسلم إذا غضب أحدكم فليتوضأ بالماء فإنما الغضب من النار حديث إذا غضب أحدكم فليتوضأ بالماء البارد الحديث أخرجه أبو داود من حديث عطية السعدي دون قوله بالماء البارد وهو بلفظ الرواية الثانية التي ذكرها المصنف وقد تقدم وفي رواية إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ وقال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا غضبت فاسكت حديث ابن عباس إذا غضبت فاسكت أخرجه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني واللفظ لهما والبيهقي في شعب الإيمان وفيه ليث بن أبي سليم وقال أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب وهو قائم جلس وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غضبه حديث أبي هريرة كان إذا غضب وهو قائم جلس وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غضبه أخرجه ابن أبي الدنيا وفيه من لم يسم ولأحمد بإسناد جيد في أثناء حديث فيه وكان أبو ذر قائما فجلس ثم اضطجع فقيل له لم جلست ثم اضطجعت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع والمرفوع عند أبي داود وفيه عنده انقطاع سقط منه أبو الأسود وقال أبو سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم ألا إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم حديث أبي سعيد ألا إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم الحديث أخرجه الترمذي وقال حسن ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن وجد من ذلك شيئا فليلصق خده بالأرض وكأن هذا إشارة إلى السجود وتمكين أعز الأعضاء من أذل المواضع وهو التراب لتستشعر به النفس الذل وتزايل به العزة والزهو الذي هو سبب الغضب وروي أن عمر غضب يوما فدعا بماء فاستنشق وقال إن الغضب من الشيطان وهذا يذهب الغضب وقال عروة ابن محمد لما استعملت على اليمن قال لي أبي أوليت قلت نعم قال فإذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك وإلى الأرض تحتك ثم عظم خالقهما وروي أن أبا ذر قال لرجل يا ابن الحمراء في خصومة بينهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر بلغني أنك اليوم عيرت أخاك بأمه فقال نعم فانطلق أبو ذر ليرضي صاحبه فسبقه الرجل فسلم عليه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر ارفع رأسك فانظر ثم اعلم أنك لست بأفضل من أحمر فيها ولا أسود إلا أن تفضله بعمل ثم قال إذا غضبت فإن كنت قائما فاقعد وإن كنت قاعدا فاتكيء وإن كنت متكئا فاضطجع حديث أبي ذر أنه قال لرجل يا ابن الحمراء في خصومة بينهما فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه فقال يا أبا ذر ارفع رأسك فانظر الحديث وفيه ثم قال إذا غضبت إلى آخره أخرجه ابن أبي الدنيا في العفو وذم الغضب بإسناد صحيح وفي الصحيحين من حديثه قال كان بيني وبين رجل من إخواني كلام وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه فشاكني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية ولأحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال له انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى ورجاله ثقات وقال المعتمر بن سليمان كان رجل ممن كان قبلكم يغضب فيشتد غضبه فكتب صحائف وأعطى كل صحيفة رجلا وقال للأول إذا غضبت فأعطني هذه وقال للثاني إذا سكن بعض غضبي فأعطني هذه وقال للثالث إذا ذهب غضبي فأعطني هذه فاشتد غضبه يوما فأعطي الصحيفة الأولى فإذا فيها ما أنت وهذا الغضب إنك لست بإله إنما أنت بشر يوشك أن يأكل بعضك بعضا فسكن بعض غضبه فأعطي الثانية فإذا فيها ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء فأعطي الثالثة فإذا فيها خذ الناس بحق الله فإنه لا يصلهم إلا ذلك أي لا تعطل الحدود وغضب المهدي على رجل فقال شبيب لا تغضب لله بأشد من غضبه لنفسه فقال خلوا سبيله فضيلة كظم الغيظ قال الله تعالى والكاظمين الغيظ وذكر ذلك في معرض المدح وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كف غضبه كف الله عنه عذابه ومن اعتذر إلى ربه قبل الله عذره ومن خزن لسانه ستر الله عورته حديث من كف غضبه كفي الله عنه عذابه الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان واللفظ له من حديث أنس بإسناد ضعيف ولابن أبي الدنيا من حديث ابن عمر من ملك غضبه وقاه الله عذابه الحديث وقد تقدم في آفات اللسان وقال صلى الله عليه وسلم أشدكم من غلب نفسه عند الغضب وأحلمكم من عفا عند القدرة حديث أشدكم من ملك نفسه عند الغضب وأحلمكم من عفا عند القدرة أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث علي بسند ضعيف والبيهقي في الشعب بالشطر الأول من رواية عبد الرحمن بن عجلان مرسلا بإسناد جيد وللبزار والطبراني في مكارم الأخلاق واللفظ له من حديث أشدكم أملككم لنفسه عند الغضب وفيه عمران القطان مختلف فيه وقال صلى الله عليه وسلم من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه لأمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا وفي رواية ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا حديث من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا وفي رواية أمنا وإيمانا أخرجه ابن أبي الدنيا بالرواية الأولى من حديث ابن عمر وفيه سكين بن أبي سراج تكلم فيه ابن حبان وأبو داود بالرواية الثانية من حديث رجل من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه ورواها ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة وفيه من لم يسم وقال ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جرع عبد جرعة أعظم أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله تعالى حديث ابن عمر ما جرع رجل جرعة أعظم أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله أخرجه ابن ماجه وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم إن لجهنم بابا لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله تعالى حديث ابن عباس إن لجهنم بابا لا يدخل منه إلا من شفى غيظه بمعصية الله تقدم في آفات اللسان وقال صلى الله عليه وسلم ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها عبد وما كظمها عبد إلا ملأ الله قلبه إيمانا حديث ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها عبد وما كظمها عبد إلا ملأ الله قلبه إيمانا أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس وفيه ضعف وبتلفق من حديث ابن عمر وحديث الصحابي الذي لم يسم وقد تقدما وقال صلى الله عليه وسلم من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق ويخيره من أي الحور شاء حديث من كظم غيضا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء تقدم في آفات اللسان الآثار قال عمر رضي الله عنه من اتقى الله لم يشف غيظه ومن خاف الله لم يفعل ما يشاء ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون وقال لقمان لابنه يا بني لا تذهب ماء وجهك بالمسألة ولا تشف غيظك بفضيحتك وأعرف قدرك تنفعك معيشتك وقال أيوب حلم ساعة يدفع شرا كثيرا واجتمع سفيان الثوري وأبو خزيمة اليربوعي والفضيل بن عياض فتذاكروا الزهد فأجمعوا على أن أفضل الأعمال الحلم عند الغضب والصبر عند الجزع وقال رجل لعمر رضي الله عنه والله ما تقضي بالعدل ولا تعطي الجزل فغضب عمر حتى عرف ذلك في وجهه فقال له رجل يا أمير المؤمنين ألا تسمع إلى الله تعالى يقول خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فهذا من الجاهلين فقال عمر صدقت فكأنما كانت نارا فأطفئت وقال محمد بن كعب ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان بالله إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق وإذا قدر لم يتناول ما ليس له وجاء رجل إلى سلمان فقال يا عبد الله أوصني قال لا تغضب قال لا أقدر قال فإن غضبت فأمسك لسانك ويدك.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:18 am | |
| بيان فضيلة الحلم اعلم أن الحلم أفضل من كظم الغيظ لأن كظم الغيظ عبارة عن التحلم أي تكلف الحلم ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من هاج غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتيادا فلا يهيج الغيظ وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب وهو الحلم الطبيعي وهو دلالة كمال العقل واستيلائه وانكسار قوة الغضب وخضوعها للعقل ولكن ابتداؤه التحلم وكظم الغيظ تكلفا قال صلى الله عليه وسلم إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتخير الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه حديث إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم الحديث أخرجه الطبراني والدارقطني في العلل من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف وأشار بهذا إلى أن اكتساب الحلم طريقة التحلم أولا وتكلفه كما أن اكتساب العلم طريقة التعلم وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلبوا العلم واطلبوا مع العلم السكينة والحلم لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه ولا تكونوا من جبابرة العلماء فيغلب جهلكم حلمكم حديث أبي هريرة اطلبوا العلم واطلبوا مع العلم السكينة والحلم الحديث أخرجه ابن السني في رياضة المتعلمين بسند ضعيف وأشار بهذا إلى أن التكبر والتجبر هو الذي يهيج الغضب ويمنع من الحلم واللين وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم أغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية حديث كان من دعائه اللهم أغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية لم أجد له أصلا وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم ابتغوا الرفعة عند الله قالوا وما هي يا رسول الله قال تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتحلم عمن جهل عليك حديث ابتغوا الرفعة عند الله قالوا وما هي قال تصل من قطعك الحديث أخرجه الحاكم والبيهقي وقد تقدم وقال صلى الله عليه وسلم خمس من سنن المرسلين الحياء والحلم والحجامة والسواك والتعطر حديث خمس من سنن المرسلين الحياء والحلم والحجامة والسواك والتعطر أخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في المثاني والآحاد والترمذي الحكيم في نوادر الأصول من رواية مليح بن عبد الله الخطمي عن أبيه عن جده وللترمذي وحسنه من حديث أبي أيوب أربع فأسقط الحلم والحجامة وزاد النكاح وقال علي كرم الله وجهه قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم وإنه ليكتب جبارا عنيدا ولا يملك إلا أهل بيته حديث علي إن الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط بسند ضعيف وقال أبو هريرة إن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي ويجهلون علي واحلم عنهم قال إن كان كما تقول فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك حديث أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي ويجهلون علي وأحلم عنهم الحديث رواه مسلم المل يعني به الرمل وقال رجل من المسلمين اللهم ليس عندي صدقة أتصدق بها فأيما رجل أصاب من عرضي شيئا فهو عليه صدقة فأوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم إني قد غفرت له حديث قال رجل من المسلمين اللهم ليس عندي صدقة أتصدق بها فأيما رجل أصاب من عرضي شيئا فهو صدقة عليه الحديث أخرجه أبو نعيم في الصحابة والبيهقي في الشعب من رواية عبد المجيد بن أبي عبس بن جبر عن أبيه عن جده بإسناد لين زاد البيهقي عن علية بن زيد وعلية هو الذي قال ذلك كما في أثناء الحديث وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أنه رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا من المسلمين ولم يسمه وقال أظنه أبا ضمضم قلت وليس بأبي ضمضم إنما هو علية بن زيد وأبو ضمضم ليس له صحبة وإنما هو متقدم وقال صلى الله عليه وسلم أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم قالوا وما أبو ضمضم قال رجل ممن كان قبلكم كان إذا أصبح يقول اللهم إني تصدقت اليوم بعرضي على من ظلمني حديث أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم الحديث تقدم في آفات اللسان وقيل في قوله تعالى ربانيين أي حلماء علماء وعن الحسن في قوله تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما قال حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا وقال عطاء بن أبي رباح يمشون على الأرض هونا أي حلماء وقال ابن أبي حبيب في قوله عز وجل وكهلا قاله الكهل منتهى الحلم وقال مجاهد وإذا مروا باللغو مروا كراما أي إذا أوذوا صفحوا وروي أن ابن مسعود مر بلغو معرضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح ابن مسعود وأمسى كريما حديث أن ابن مسعود مر بلغو معرضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصبح ابن مسعود وأمسى كريما أخرجه ابن المبارك في البر والصلة ثم تلا إبراهيم بن ميسرة وهو الراوي قوله تعالى وإذا مروا باللغو مروا كراما وقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم لا يدركني ولا أدركه زمان لا يتبعون فيه العليم ولا يستحيون فيه من الحليم قلوبهم قلوب العجم وألسنتهم ألسنة العرب حديث اللهم لا يدركني ولا أدركه زمان لا يتعبون فيه العليم ولا يستحيون فيه من الحليم الحديث أخرجه أحمد من حديث سهل بن سعد بسند ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم ليليني منكم ذوو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ولا تختلفوا فتخلف قلوبكم وإياكم وهيشات الأسواق حديث ليليني منكم أولو الأحلام والنهى الحديث أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود دون قوله ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم فهي عند أبي داود والترمذي وحسنه وهي عند مسلم في حديث آخر لابن مسعود وروي أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم الأشج فأناخ راحلته ثم عقلها وطرح عنه ثوبين كانا عليه وأخرج من العيبة ثوبين حسنين فلبسهما وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى ما يصنع ثم أقبل يمشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام إن فيك يا أشج خلقين يحبهما الله ورسوله قال ما هما بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال الحلم والأناة فقال خلتان تخلقتهما أو خلقان جبلت عليهما فقال بل خلقان جبلك الله عليهما فقال الحمد الله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله حديث يا أشج إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة الحديث متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يحب الحليم الحي الغني المتعفف أبا العيال التقي ويبغض الفاحش البذي السائل الملحف الغبي حديث إن الله يحب الحيي الحليم الغني المتعفف الحديث أخرجه الطبراني من حديث سعد إن الله يحب العبد التقي الغني الحفي وقال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدوا بشيء من عمله تقوى تحجزه عن معاصي الله عز وجل وحلم يكف به السفيه وخلق يعيش به في الناس حديث ابن عباس ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدوا بشيء من عمله أخرجه أبو نعيم في كتاب الإيجاز بإسناد ضعيف والطبراني من حديث أم سلمة بإسناد لين وقد تقدم في آداب الصحبة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة نادى مناد أين أهل الفضل فيقوم ناس وهم يسير فينطلقون سراعا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فتقولون لهم إنا نراكم سراعا إلى الجنة فيقولون نحن أهل الفضل فيقولون لهم ما كان فضلكم فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيء إلينا عفونا وإذ جهل علينا حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين حديث إذا جمع الخلائق نادى مناد أين أهل الفضل فيقوم ناس الحديث وفيه إذا جهل علينا حلمنا أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال البيهقي في إسناده ضعف الآثار قال عمر رضي الله عنه تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم وقال علي رضي الله عنه ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك وأن لا تباهي الناس بعبادة الله وإذا أحسنت حمدت الله تعالى وإذا أسأت استغفرت الله تعالى وقال الحسن اطلبوا العلم وزينوه بالوقار والحلم وقال أكثم بن صيفي دعامة العقل الحلم وجماع الأمر الصبر وقال أبو الدرداء أدركت الناس ورقا لا شوك فيه فأصبحوا شوكا لا ورق فيه إن عرفتهم نقدوك وإن تركتهم لم يتركوك قالوا كيف نصنع قال تقرضهم عن عرضك ليوم فقرك وقال علي رضي الله عنه إن أول ما عوض الحليم من حلمه أن الناس كلهم أعوانه على الجاهل وقال معاوية رحمه الله تعالى لا يبلغ العبد مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله وصبره شهوته ولا يبلغ ذلك إلا بقوة العلم وقال معاوية لعمرو بن الأهتم أي الرجال أشجع قال من رد جهله بحلمه قال أي الرجال أسخى قال من بذل دنياه لصلاح دينه وقال أنس بن مالك في قوله تعالى فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم إلى قوله عظيم هو الرجل يشتمه أخوه فيقول إن كنت كاذبا فغفر الله لك وإن كنت صادقا فغفر الله لي وقال بعضهم شتمت فلانا من أهل البصرة فحلم علي فاستعبدني بها زمانا وقال معاوية لعرابة بن أوس بم سدت قومك يا عرابة قال يا أمير المؤمنين كنت أحلم عن جاهلهم وأعطي سائلهم وأسعى في حوائجهم فمن فعل فعلي فهو مثلي ومن جاوزني فهو أفضل مني ومن قصر عني فأنا خير منه وسب رجل ابن عباس رضي الله عنهما فلما فرغ قال يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها فنكس الرجل رأسه واستحى وقال رجل لعمر بن عبد العزيز أشهد أنك من الفاسقين فقال ليس تقبل شهادتك وعن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أنه سبه رجل فرمى إليه بخميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم فقال بعضهم جمع له خمس خصال محمودة الحلم وإسقاط الأذى وتخليص الرجل مما يبعد من الله عز وجل وحمله على الندم والتوبة ورجوعه إلى مدح بعد الذم اشترى جميع ذلك بشيء من الدنيا يسير وقال رجل لجعفر بن محمد إنه قد وقع بيني وبين قوم منازعة في أمر وإني أريد أن أتركه فأخشى أن يقال لي إن تركك له ذل فقال جعفر إنما الذليل الظالم وقال الخليل بن أحمد كان يقال من أساء فأحسن إليه فقد جعل له حاجز من قلبه يردعه عن مثل إساءته وقال الأحنف بن قيس لست بحليم ولكنني أتحلم وقال وهب بن منبه من يرحم يرحم ومن يصمت يسلم ومن يجهل يغلب ومن يعجل يخطيء ومن يحرص على الشر لا يسلم ومن لا يدع المراء يشتم ومن لا يكره الشر يأثم ومن يكره الشر يعصم ومن يتبع وصية الله يحفظ ومن يحذر الله يأمن ومن يتول الله يمنع ومن لا يسأل الله يفتقر ومن يأمن مكر الله يخذل ومن يستعن بالله يظفر وقال رجل لمالك بن دينار بلغني أنك ذكرتني بسوء قال أنت إذن أكرم علي من نفسي إني إذا فعلت ذلك أهديت لك حسناتي وقال بعض العلماء الحلم أرفع من العقل لأن الله تعالى تسمى به وقال رجل لبعض الحكماء والله لأسبنك سبا يدخل معك في قبرك فقال معك يدخل لا معي ومر المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام بقوم من اليهود فقالوا له شرا فقال لهم خيرا فقيل له إنهم يقولون شرا وأنت تقول خيرا فقال كل ينفق مما عنده وقال لقمان ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاث لا يعرف الحليم إلا عند الغضب ولا الشجاع إلا عند الحرب ولا الأخ إلى عند الحاجة إليه ودخل على بعض الحكماء صديق له فقدم إليه طعاما فخرجت امرأة الحكيم وكانت سيئة الخلق فرفعت المائدة وأقبلت على شتم الحكيم فخرج الصديق مغضبا فتبعه الحكيم وقال له تذكر يوم كنا في منزلك نطعم فسقطت دجاجة على المائدة فأفسدت ما عليها فلم يغضب أحد منا قال نعم قال فاحسب أن هذه مثل تلك الدجاجة فسري عن الرجل غضبه وانصرف وقال صدق الحكيم الحلم شفاء من كل ألم وضرب رجل قدم حكيم فأوجعه فلم يغضب فقيل له في ذلك فقال أقمته مقام حجر تعثرت به فذبحت الغضب وقال محمود الوراق سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب وإن كثرت منه على الجرائم وما الناس إلا واحد من ثلاثة شريف ومشروف ومثلي مقاوم فأما الذي فوقي فأعرف قدره وأتبع فيه الحق والحق لازم وأما الذي دوني فإن قال صنت عن إجابته عرضي وإن لام لائم وأما الذي مثل فإن زل أو هفا تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:19 am | |
| بيان القدر الذي يجوز الانتصار والتشفي به من الكلام اعلم أن كل ظلم صدر من شخص فلا يجوز مقابلته بمثله فلا تجوز مقابلة الغيبة بالغيبة ولا مقابلة التجسس بالتجسس ولا السب بالسب وكذلك سائر المعاصي وإنما القصاص والغرامة على قدر ما ورد الشرع به وقد فصلناه في الفقه وأما السب فلا يقال بمثله إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن امرؤ عيرك بما فيك فلا تعيره بما فيه حديث إن امرؤ عيرك بما فيك فلا تعيره بما فيه أخرجه أحمد من حديث جابر بن مسلم وقد تقدم وقال المستبان ما قالا فهو على الباديء ما لم يعتد المظلوم وقال المستبان شيطانان يتهاتران حديث المستبان شيطانان يتهاتران تقدم وشتم رجل أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو ساكت فلما ابتدأ ينتصر منه قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر إنك كنت ساكتا لما شتمني فلما تكلمت قمت قال لأن الملك كان يجيب عنك فلما تكلمت ذهب الملك وجاء الشيطان فلم أكن لأجلس في مجلس فيه الشيطان حديث شتم رجل أبا بكر رضي الله عنه وهو ساكت فلما ابتدأ ينتصر منه قام صلى الله عليه وسلم الحديث أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة متصلا ومرسلا قال البخاري المرسل أصح وقال قوم تجوز المقابلة بما لا كذب فيه وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مقابلة التعيير بمثله نهي تنزيه والأفضل تركه ولكنه لا يعصي به والذي يرخص فيه أن تقول من أنت وهل أنت إلا من بني فلان كما قال سعد لابن مسعود وهل أنت إلا من بني هذيل وقال ابن مسعود وهل أنت إلا من بني أمية ومثل قوله يا أحمق قال مطرف كل الناس أحمق فيما بينه وبين ربه إلا أن بعض الناس أقل حماقة من بعض وقال ابن عمر من حديث طويل حتى ترى الناس كلهم حمقى في ذات الله تعالى حديث ابن عمر في حديث طويل حتى ترى الناس كأنهم حمقى في ذات الله عز وجل تقدم في العلم وكذلك قوله يا جاهل إذ ما من أحد إلا وفيه جهل فقد آذاه بما ليس بكذب وكذلك قوله يا سيء الخلق يا صفيق الوجه يا ثلايا للإعراض وكان ذلك فيه وكذلك قوله لو كان فيك حياء لما تكلمت وما أحقرك في عيني بما فعلت وأخزاك الله وانتقم منك فأما النميمة والغيبة والكذب وسب الوالدين فحرام بالاتفاق لما روي أنه كان بين خالد بن الوليد وسعد كلام فذكر رجل خالدا عند سعد فقال سعد مه إن ما بيننا لم يبلغ ديننا يعني أن يأثم بعضنا في بعض فلم يسمع السوء فكيف يجوز له أن يقوله والدليل على جواز ما ليس بكذب ولا حرام كالنسبة إلى الزنا والفحش والسب ما روت عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن إليه فاطمة فجاءت فقالت يا رسول الله أرسلني إليك أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فقال يا بنية أتحبين ما أحب قالت نعم قال فأحبي هذه فرجعت إليهن فأخبرتهن بذلك فقلن ما أغنيت عنا شيئا فأرسلن زينب بنت جحش قالت وهي التي كانت تساميني في الحب فجاءت فقالت بنت أبي بكر وبنت أبي بكر فما زالت تذكرني وأنا ساكتة أنتظر أن يأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجواب فأذن لي فسببتها حتى جف لساني فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلا إنها ابنة أبي بكر حديث عائشة إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن فاطمة فقالت يا رسول الله أرسلني أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة الحديث رواه مسلم يعني أنك لا تقاومينها في الكلام قط وقولها سببتها وليس المراد به الفحش بل هو والجواب عن كلامها بالحق ومقابلتها بالصدق وقال النبي صلى الله عليه وسلم المستبان ما قالا فعلى الباديء منهما حتى يعتدي المظلوم حديث المستبان ما قالا فعلى البادي الحديث رواه مسلم وقد تقدم فأثبت المظلوم انتصار إلى أن يعتدي فهذا القدر هو الذي أباحه هؤلاء وهو رخصة في الإيذاء جزاء على إيذائه السابق ولا تبعد الرخصة في هذا القدر ولكن الأفضل تركه فإنه يجره إلى ما وراءه ولا يمكنه الاقتصار على قدر الحق فيه والسكوت عن أصل الجواب لعله أيسر من الشروع في الجواب والوقوف على حد الشرع فيه ولكن من الناس من لا يقدر على ضبط نفسه في فورة الغضب ولكن يعود سريعا ومنهم من يكف نفسه في الابتداء ولكن يحقد على الدوام والناس في الغضب أربعة فبعضهم كالحلفاء سريع الوقود سريع الخمود وبعضهم كالغضا بطيء الوقود بطيء الخمود وبعضهم بطئ الوقود سريع الخمود وهو الأحمد ما لم ينته إلى فتور الحمية والغيرة وبعضهم سريع الوقود بطيء الخمود وهذا هو شرهم وفي الخبر المؤمن سريع الغضب سريع الرضى فهذه بتلك حديث المؤمن سريع الغضب سريع الرضي تقدم وقال الشافعي رحمه الله من استغضب فلم يغضب فهو حمار ومن استرضى فلم يرض فهو شيطان وقد قال أبو سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى فمنهم بطيء الغضب سريع الفيء ومنهم سريع الغضب سريع الفيء فتلك بتلك ومنهم سريع الغضب بطيء الفيء ألا وإن خيرهم البطيء الغضب السريع الفيء وشرهم السريع الغضب البطيء الفيء حديث أبي سعيد الخدري ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات الحديث تقدم ولما كان الغضب يهيج ويؤثر في كل إنسان وجب على السلطان أن لا يعاقب أحدا في حال غضبه لأنه ربما يتعدى الواجب ولأنه ربما يكون متغيظا عليه فيكون متشفيا لغبظه ومريحا نفسه من ألم الغيظ فيكون صاحبه حظ نفسه فينبغي أن يكون انتقامه وانتصاره لله تعالى لا لنفسه ورأى عمر رضي الله عنه سكران فأراد أن يأخذه ويعزره فشتمه السكران فرجع عمر فقيل له يا أمير المؤمنين لما شتمك تركته قال لأنه أغضبني ولو عزرته لكان ذلك لغضبي لنفسي ولم أحب أن أضرب مسلما حمية لنفسي وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لرجل أغضبه لولا أنك أغضبتني لعاقبتك القول في معنى الحقد ونتائجه وفضيلة العفو والرفق اعلم أن الغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقدا ومعنى الحقد أن يلزم قلبه استثقاله والبغضة له والنفار عنه وأن يدوم ذلك ويبقى وقد قال صلى الله عليه وسلم المؤمن ليس بحقود حديث المؤمن ليس بحقود تقدم في العلم فالحقد ثمرة الغضب والحقد يثمر ثمانية أمور الأول الحسد وهو أن يحملك الحقد على أن تتمنى زوال النعمة عنه فتغثم بنعمة إن أصابها وتسر بمصيبة إن نزلت به وهذا من فعل المنافقين وسيأتي ذمه إن شاء الله تعالى الثاني أن تزيد على إضمار الحسد في الباطن فتشمت بما أصابه من البلاء الثالث أن تهجره وتصارمه وتنقطع عنه وإن طلبك وأقبل عليك الرابع وهو دونه أن تعرض عنه استصغارا له الخامس أن تتكلم فيه بما لا يحل من كذب وغيبة وإفشاء سر وهتك ستر وغيره السادس أن تحاكيه استهزاء به وسخرية منه السابع إيذاؤه بالضرب وما يؤلم بدنه الثامن أن تمنعه حقه من قضاء دين أو صلة رحم أو رد مظلمة وكل ذلك حرام وأقل درجات الحقد أن تحترز من الآفات الثمانية المذكورة ولا تخرج بسبب الحقد إلى ما تعصي الله به ولكن تستثقله في الباطن ولا تنهي قلبك عن بغضه حتى تمتنع عما كنت تطوع به من البشاشة والرفق والعناية والقيام بحاجاته والمجالسة معه على ذكر الله تعالى والمعاونة على المنفعة له أو بترك الدعاء له والثناء عليه أو التحريض على بره ومواساته فهذا كله مما ينقص درجتك في الدين ويحول بينك وبين فضل عظيم وثواب جزيل وإن كان لا يعرضك لعقاب الله ولما حلف أبو بكر رضي الله عنه أن لا ينفق على مسطح وكان قريبه لكونه تكلم في واقعة الإفك نزل قوله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم فقال أبو بكر نعم نحب ذلك وعاد إلى الإنفاق عليه حديث لما حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح نزل قوله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم الآية متفق عليه من حديث عائشة والأولى أن يبقى على ما كان عليه فإن أمكنه أن يزيد في الإحسان مجاهدة في للنفس وإرغاما للشيطان فذلك مقام الصديقين وهو من فضائل أعمال المقربين فللمحقود ثلاثة أحوال عند القدرة أحدها أن يستوفي حقه الذي يستحقه من غير زيادة أو نقصان وهو العدل الثاني أن يحسن إليه بالعفو والصلة وذلك هو الفضل الثالث أن يظلمه بما لا يستحقه وذلك هو الجور وهو اختيار الأراذل والثاني هو اختيار الصديقين والأول هو منتهى درجات الصالحين ولنذكر الآن فضيلة العفو والإحسان فضيلة العفو والإحسان اعلم أن معنى العفو أن يستحق حقا فيسقطه ويبري عنه من قصاص أو غرامة وهو غير الحلم وكظم الغيظ فلذلك أفردناه قال الله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وقال الله تعالى وأن تعفوا أقرب للتقوى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث والذي نفسي بيده لو كنت حلافا لحلفت عليهن ما نقص مال من صدقة فتصدقوا ولا عفا رجل عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا زاده الله بها عزا يوم القيامة ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر حديث ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت حالفا لحلفت عليهن ما نقصت صدقة من مال الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري ولمسلم وأبي داود نحوه من حديث أبي هريرة وقال صلى الله عليه وسلم التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله والعفو لا يزيد العبد إلا عزا فاعفوا يعزكم الله والصدقة لا تزيد المال إلا كثرة فتصدقوا يرحمكم الله حديث التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله أخرجه الأصفهاني في الترغيب والترهيب وأبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس بسند ضعيف وقالت عائشة رضي الله عنها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم في ذلك غضبا وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما حديث عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل وهو عند مسلم بلفظ آخر وقد تقدم وقال عقبة لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فابتدرته فأخذت بيده أو بدرني فأخذ بيدي فقال يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك حديث عقبة بن عامر يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة تصل من قطعك الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني في مكارم الأخلاق والبيهقي في الشعب بإسناد ضعيف وقد تقدم وقال صلى الله عليه وسلم قال موسى عليه السلام يا رب أي عبادك أعز عليك قال الذي إذا قدر عفا حديث قال موسى يا رب أي عبادك أعز عليك قال الذي إذا قدر عفا أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أبي هريرة وفيه ابن لهيعة وكذلك سئل أبو الدرداء عن أعز الناس قال الذي يعفو إذا قدر فاعفوا يعزكم الله وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو مظلمة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس وأراد أن يأخذ له بمظلمته فقال له صلى الله عليه وسلم إن المظلومين هم المفلحون يوم القيامة حديث إن المظلومين هم المفلحون يوم القيامة وفي أوله قصة رواها ابن أبي الدنيا في كتاب العفو من رواية أبي صالح الحنفي مرسلا فأبى أن يأخذها حين سمع الحديث وقالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعا على من ظلمه فقد انتصر وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الله عز وجل الخلائق يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش ثلاثة أصوات يا معشر الموحدين إن الله قد عفا عنكم فليعف بعضكم عن بعض حديث أنس إذا بعث الله عز وجل الخلائق يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش ثلاثة أصوات يا معشر الموحدين إن الله قد عفا عنكم فليعف بعضكم عن بعض أخرجه أبو سعيد أحمد بن إبراهيم المقري في كتاب التبصرة والتذكرة بلفظ ينادي مناد من بطنان العرش يوم القيامة يا أمة محمد إن الله تعالى يقول ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم وبقيت التبعات فتواهبوها وادخلوا الجنة برحمتي وإسناده ضعيف ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ نادى مناد يا أهل الجمع تناكروا المظالم بينكم وثوابكم علي وله من حديث أم هانيء ينادي مناد يا أهل التوحيد ليعف بعضكم عن بعض وعلي الثواب وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال ما تقولون وما تظنون فقالوا نقول أخ وابن عم حليم رحيم قالوا ذلك ثلاثا فقال صلى الله عليه وسلم أقول كما قال يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال ما تقولون الحديث رواه ابن الجوزي في الوفاء من طريق ابن أبي الدنيا وفيه ضعف قال فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام وعن سهيل بن عمرو قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وضع يديه على باب الكعبة والناس حوله فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم قال يا معشر قريش ما تقولون وما تظنون قال قلت يا رسول الله نقول خيرا ونظن خيرا أخ كريم وابن عم رحيم وقد قدرت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم حديث سهيل بن عمرو لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وضع يده على باب الكعبة الحديث بنحوه لم أجده وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقف العباد نادى مناد ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة قيل ومن ذا الذي له على الله أجر قال العافون عن الناس فيقوم كذا وكذا ألفا فيدخلونها بغير حساب حديث أنس إذا وقف العباد نادى مناد ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة قيل من ذا الذي أجره على الله قال العافون عن الناس الحديث أخرجه الطبراني في مكارم الأخلاق وفيه الفضل بن يسار ولا يقابع على حديثه وقال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لوالي أمر أن يؤتي بحد إلا أقامه والله عفو يحب العفو ثم قرأ وليعفوا وليصفحوا الآية حديث ابن مسعود لا ينبغي لوالي أمر أن يؤتي بحد إلا أقامه والله عفو يحب العفو الحديث أخرجه أحمد والحاكم وصححه وتقدم في آداب الصحبة وقال جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من جاء بهن مع إيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء وزوج من الحور العين حيث شاء من أدى دينا خفيا وقرأ في دبر كل صلاة قل هو الله أحد عشر مرات وعفا عن قاتله قال أبو بكر أو إحداهن يا رسول الله قال أو إحداهن حديث جابر ثلاث من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط في الدعاء بسند ضعيف الآثار قال إبراهيم التيمي إن الرجل ليظلمني فأرحمه وهذا إحسان وراء العفو لأنه يشتغل قلبه بتعرضه لمعصية الله تعالى بالظلم وأنه يطالب يوم القيامة فلا يكون له جواب وقال بعضهم إذا أراد الله أن يتحف عبدا قيض له من يظلمه ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز رحمه الله فجعل يشكو إليه رجلا ظلمه ويقع فيه فقال له عمر إنك إن تلقي الله ومظلمتك كما هي خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها وقال يزيد بن ميسرة إن ظللت تدعو على من ظلمك فإن الله تعالى يقول إن آخر يدعو عليك بأنك ظلمته فإن شئت استجبنا لك وأجبنا عليك وإن شئت أخرتكما إلى يوم القيامة فيسعكما عفوي وقال مسلم بن يسار لرجل دعا على ظالمه كل الظالم إلى ظلمه فإنه أسرع إليه من دعائك عليه إلا أن يتداركه بعمل وقمن أن لا يفعل وعن ابن عمر عن أبي بكر أنه قال بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديا يوم القيامة فينادي من كان له عند الله شيء فليقم فيقوم أهل العفو فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس وعن هشام بن محمد قال أتى النعمان بن المنذر برجلين قد أذنب أحدهما ذنبا عظيما فعفا عنه والآخر أذنب ذنبا خفيفا فعاقبه وقال تعفو الملوك عن العظيم من الذنوب بفضلها ولقد تعاقب في اليسير وليس ذاك لجهلها إلا ليعرف حلمها ويخاف شدة دخلها وعن مبارك بن فضالة قال وفد سوار بن عبد الله في وفد من أهل البصرة إلى أبي جعفر قال فكنت عنده إذا أتى برجل فأمر بقتله فقلت يقتل رجل من المسلمين وأنا حاضر فقلت يا أمير المؤمنين ألا أحدثك حديثا سمعته من الحسن قال وما هو قلت سمعته يقول إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد حيث يسمعهم الداعي وينفذهم البصر فيقوم مناد فينادي من له عند الله يد فليقم فلا يقوم إلا من عفا فقال والله لقد سمعته من الحسن فقلت والله لسمعته منه فقال خلينا عنه وقال معاوية عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال وروي أن راهبا دخل على هشام بن عبد الملك فقال للراهب أرأيت ذا القرنين أكان نبيا فقال لا ولكنه إنما أعطى ما أعطي بأربع خصال كن فيه كان إذا قدر عفا وإذا وعد وفى وإذا حدث صدق ولا يجمع شغل اليوم لغد وقال بعضهم ليس الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر انتقم ولكن الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر عفا وقال زياد القدرة تذهب الحفيظة يعني الحقد والغضب وأتى هشام برجل بلغه عنه أمر فلما أقيم بين يديه جعل يتكلم بحجته فقال له هشام وتتكلم أيضا فقال الرجل يا أمير المؤمنين قال الله عز وجل يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها أفنجادل الله تعالى ولا نتكلم بين يديك كلاما قال هشام بلى ويحك تكلم وروي أن سارقا دخل خباء عمار بن ياسر بصفين فقيل له اقطعه فإنه من أعدائنا فقال بل استر عليه لعل الله يستر علي يوم القيامة وجلس ابن مسعود في السوق يبتاع طعاما فابتاع ثم طلب الدراهم وكانت في عمامته فوجدتها قد حلت فقال لقد جلست وإنها لمعي فجعلوا يدعون على من أخذها ويقولون اللهم اقطع يد السارق الذي أخذها اللهم افعل به كذا فقال عبد الله اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه وقال الفضيل ما رأيت أزهد من رجل من أهل خراسان جلس إلي في المسجد الحرام ثم قام ليطوف فسرقت دنانير كانت معه فجعل يبكي فقلت أعلى الدنانير تبكي فقال لا ولكن مثلتني وإياه بين يدي الله عز وجل فأشرف عقلي على إدحاض حجته فبكائي رحمة له وقال مالك بن دينار أتينا منزل الحكم بن أيوب ليلا وهو على البصرة أمير وجاء الحسن وهو خائف فدخلنا معه عليه فما كنا مع الحسن إلا بمنزلة الفراريج فذكر الحسن قصة يوسف عليه السلام وما صنع به أخوته من بيعهم إياه وطرحهم له في الجب فقال باعوا أخاهم وأحزنوا أباهم وذكر ما لقي من كيد النساء ومن الحبس ثم قال أيها الأمير ماذا صنع الله به أداله منهم ورفع ذكره وأعلى كلمته وجعله على خزائن الأرض فماذا صنع حين أكمل له أمره وجمع له أهله قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين يعرض للحكم بالعفو عن أصحابه قال الحكم فأنا أقول لا تثريب عليكم اليوم ولو لم أجد إلا ثوبي هذا لواريتكم تحته وكتب ابن المقفع إلى صديق له يسأله العفو عن بعض إخوانه فلان هارب من زلته إلى عفوك لائذ منك بك واعلم أنه لن يزداد الذنب عظما إلا ازداد العفو فضلا وأتى عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث فقال لرجاء بن حيوة ما ترى قال إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو فعفا عنهم وروي أن زياد أخذ رجلا من الخوارج فأفلت منه فأخذ أخا له فقال له إن جئت بأخيك وإلا ضربت عنقك فقال أرأيت إن جئتك بكتاب من أمير المؤمنين تخلي سبيلي قال نعم قال فأنا آتيك بكتاب من العزيز الحكيم وأقيم عليه شاهدين إبراهيم وموسى ثم تلا أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى فقال زياد خلوا سبيله هذا رجل قد لقن حجته وقيل مكتوب في الإنجيل من استغفر لمن ظلمه فقد هزم الشيطان فضيلة الرفق اعلم أن الرفق محمود ويضاده العنف والحدة والعنف نتيجة الغضب والفظاظة والرفق واللين نتيجة حسن الخلق والسلامة وقد يكون سبب الحدة الغضب وقد يكون سببها شدة الحرص واستيلاءه بحيث يدهش عن التفكر ويمنع من التثبت فالرفق في الأمور ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق ولا يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال ولأجل هذا أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرفق وبالغ فيه فقال يا عائشة إنه من أعطى حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من خير الدنيا والآخرة حديث يا عائشة إنه من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من خير الدنيا والآخرة الحديث رواه أحمد والعقيلي في الضعفاء في ترجمة عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وضعفه عن القاسم عن عائشة وفي الصحيحين من حديثها يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله وقال صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله أهل بيت أدخل عليهم الرفق حديث إذا أحب الله أهل بيت أدخل عليهم الرفق أخرجه أحمد بسند جيد والبيهقي في الشعب بسند ضعيف من حديث عائشة وقال صلى الله عليه وسلم إن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق وإذا أحب الله عبدا أعطاه الرفق وما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا محبة الله تعالى حديث إن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق الحديث أخرجه الطبراني في الكبير من حديث جرير بإسناد ضعيف وقالت عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف حديث إن الله رفيق يحب الرفق الحديث أخرجه مسلم من حديث عائشة وقال صلى الله عليه وسلم يا عائشة ارفقي فإن الله إذا أراد بأهل بيت كرامة دلهم على باب الرفق حديث يا عائشة ارفقي إن الله إذا أراد بأهل بيت كرامة دلهم على باب الرفق أخرجه أحمد من حديث عائشة وفيه انقطاع ولأبي داود يا عائشة ارفقي وقال صلى الله عليه وسلم من يحرم الرفق يحرم الخير كله حديث من يحرم الرفق يحرم الخير كله أخرجه مسلم من حديث جرير دون قوله كله فهي عند أبي داود وقال صلى الله عليه وسلم أيما وال ولي فرفق ولان رفق الله تعالى به يوم القيامة حديث أيما وال ولي فلان ورفق رفق الله به يوم القيامة أخرجه مسلم من حديث عائشة وفي حديث فيه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به وقال صلى الله عليه وسلم تدرون من يحرم على النار يوم القيامة كل هين لين سهل قريب حديث تدرون على من تحرم النار على كل هين لين سهل قريب أخرجه الترمذي من حديث ابن مسعود وتقدم في آداب الصحبة وقال صلى الله عليه وسلم الرفق يمن والخرق شؤم حديث الرفق يمن والخرق شؤم أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن مسعود والبيهقي في الشعب من حديث عائشة وكلاهما ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم التأني من الله والعجلة من الشيطان حديث التأني من الله والعجلة من الشيطان أخرجه أبو يعلى من حديث أنس ورواه الترمذي وحسنه من حديث سهل بن سعد بلفظ الآناة من الله وقد تقدم وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال يا رسول الله إن الله قد بارك لجميع المسلمين فيك فأخصصني منك بخير فقال الحمد لله مرتين أو ثلاثا ثم أقبل عليه فقال هل أنت مستوص مرتين أو ثلاثا قال نعم قال إن أردت أمرا فتدبر عاقبته فإن كان رشدا فأمضه وإن كان سوى ذلك فانته حديث أتاه رجل فقال يا رسول الله إن الله قد بارك لجميع المسلمين فيك الحديث وفيه فإذا أردت أمرا فتدبر عاقبته فإن كان رشدا فأمضه الحديث أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق من حديث أبي جعفر هو المسمى عبد الله بن مسور الهاشمي ضعيف جدا ولأبي نعيم في كتاب الإيجاز من رواية إسماعيل الأنصاري عن أبيه عن جده إذا هممت بأمر فاجلس فتدبر عاقبته وإسناده ضعيف وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر على بعير صعب فجعلت تصرفه يمينا وشمالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة عليك بالرفق فإنه لا يدخل في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه حديث عائشة عليك بالرفق فإنه لا يدخل في شيء إلا زانه الحديث رواه مسلم الآثار بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جماعة من رعيته اشتكوا من عماله فأمرهم أن يوافوه فلما أتوه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس أيتها الرعية إن لنا عليكم حقا النصيحة بالغيب والمعاونة على الخير أيتها الرعاة إن للرعية عليكم حقا فاعلموا أنه لا شيء أحب إلى الله ولا أعز من حلم إمام ورفقه ليس جهل أبغض إلى الله ولا أغم من جهل إمام وخرجه واعلموا أنه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهريه يرزق العافية ممن هو دونه وقال وهب بن منبه الرفق ثنى الحلم وفي الخبر موقوفا ومرفوعا العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل دليله والعمل قيمه والرفق والده واللين أخوه والصبر أمير جنوده حديث العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل دليله والعمل قائدة والرفق والده أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب وفضائل الأعمال من حديث أنس بسند ضعيف ورواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث أبي الدرداء وأبي هريرة وكلاهما ضعيف وقال بعضهم ما أحسن الإيمان يزينه العلم وما أحسن العلم يزينه العمل وما أحسن العمل يزينه الرفق وما أضيف شيء إلى شيء مثل حلم إلى علم وقال عمرو بن العاص لابنه عبد الله ما الرفق قال تكون ذا أناة فتلاين الولاة قال فما الخرق قال معاداة إمامك ومناوأة من يقدر على ضررك وقال سفيان لأصحابه تدرون ما الرفق قالوا قل يا أبا محمد قال أن تضع الأمور من مواضعها الشدة في موضعها واللين في موضعه والسيف في موضعه والسوط في موضعه وهذه إشارة إلى أنه لا بد من مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق كما قيل ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى فالمحمود وسط بين العنف واللين كما في سائر الأخلاق ولكن لما كانت الطباع إلى العنف والحدة أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرفق أكثر فلذلك كثر ثناء الشرع على جانب الرفق دون العنف وإن كان العنف في محله حسنا كما أن الرفق في محله حسن فإذا كان الواجب هو العنف فقد وافق الحق الهوى وهو ألذ من الزبد بالشهد وهكذا وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله روي أن عمرو بن العاص كتب إلى معاوية يعاتبه في التأني فكتب إليه معاوية أما بعد فإن الفهم في الخير زيادة رشد وإن الرشيد من رشد عن العجلة وإن الجانب من خاب عن الأناة وإن المتثبت مصيب أو كاد أن يكون مصيبا وإن العجل مخطئ أو كاد أن يكون مخطئا وأن من لا ينفعه الرفق يضره الخرق ومن لا ينفعه التجارب لا يدرك المعالي وعن أبي عون الأنصاري قال ما تكلم الناس بكلمة صعبة إلا وإلى جانبها كلمة ألين منها تجرى مجراها وقال أبو حمزة الكوفي لا تتخذ من الخدم إلا ما لا بد منه فإن مع كل إنسان شيطانا واعلم أنهم لا يعطونك بالشدة شيئا إلا أعطوك باللين ما هو أفضل منه وقال الحسن المؤمن وقاف متأن وليس كحاطب ليل فهذا ثناء أهل العلم على الرفق وذلك لأنه محمود ومفيد في أكثر الأحوال وأغلب الأمور والحاجة إلى العنف قد تقع ولكن على الندور وإنما الكامل من يميز مواقع الرفق عن مواضع العنف فيعطي كل أمر حقه فإن كان قاصر البصيرة أو أشكل عليه حكم واقعه من الوقائع فليكن ميله إلى الرفق فإن النجح معه في الأكثر.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:20 am | |
| القول في ذم الحسد وفي حقيقته وأسبابه ومعالجته وغاية الواجب في إزالته بيان ذم الحسد اعلم أن الحسد أيضا من نتائج الحقد والحقد من نتائج الغضب فهو فرع فرعه والغضب أصل أصله ثم إن للحسد من الفروع الذميمة ما لا يكاد يحصى وقد ورد في ذم الحسد خاصة أخبار كثيرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب حديث الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة وابن ماجه من حديث أنس وقد تقدم وقال صلى الله عليه وسلم في النهي عن الحسد وأسبابه وثمراته لا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا حديث لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا الحديث متفق عليه وقد تقدم وقال أنس كنا يوما جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة قال فطلع رجل من الأنصار ينفض لحيته من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان الغد قال صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل وقاله في اليوم الثالث فطلع ذلك الرجل فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت فقال نعم فبات عنده ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله تعالى ولم يقم لصلاة الفجر قال غير أني ما سمعته يقول إلا خيرا فلما مضت الثلاث وكدت أن أحتقر عمله قلت يا عبد الله لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا فأردت أن أعرف عملك فلم أرك تعمل عملا كثيرا فما الذي بلغ بك ذلك فقال ما هو إلا ما رأيت فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشا ولا حسدا على خير أعطاه الله إياه قال عبد الله فقلت له هي التي بلغت بك وهي التي لا نطيق حديث أنس كنا يوما جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة الحديث بطوله وفيه أن ذلك الرجل قال لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشا ولا حسدا على خير أعطاه الله رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين ورواه البزار وسمي الرجل في رواية له سعدا وفيها ابن لهيعة وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث لا ينجو منهن أحد الظن والطيرة والحسد وسأحدثكم بالمخرج من ذلك إذا ظننت فلا تحقق وإذا تطيرت فامض وإذا حسدت فلا تبغ حديث ثلاث لا ينجو منهن أحد الظن والطعن والحسد الحديث وفي رواية وقل من ينجو منهن أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الحسد من حديث أبي هريرة وفيه يعقوب بن محمد الزهري وموسى بن يعقوب الزمعي ضعفهما الجمهور والرواية الثانية رواها ابن أبي الدنيا أيضا من رواية عبد الرحمن بن معاوية وهو مرسل ضعيف وللطبراني من حديث حارثة بن النعمان نحوه وتقدم في آفات اللسان وفي رواية ثلاثة لا ينجو منهن أحد وقل من ينجو منهن فأثبت في هذه الرواية إمكان النجاة وقال صلى الله عليه وسلم دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضة هي الحالقة لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين والذي نفس محمد بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ألا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم أفشوا السلام بينكم حديث دب إليكم داء الأمم الحسد والبغضاء الحديث أخرجه الترمذي من حديث مولى الزبير عن الزبير وقال صلى الله عليه وسلم كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر حديث كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر أخرجه أبو مسلم الكشي والبيهقي في الشعب من رواية يزيد الرقاشي عن أنس ويزيد ضعيف ورواه الطبراني في الأوسط من وجه آخر بلفظ كادت الحاجة أن تكون كفرا وفيه ضعف أيضا وقال صلى الله عليه وسلم إنه سيصيب أمتي داء الأمم قالوا وما داء الأمم قال الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباعد والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج حديث إنه سيصيب أمتي داء الأمم قبلكم قالوا وما داء الأمم قال الأشر والبطر الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة بإسناد جيد وقال صلى الله عليه وسلم لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك حديث لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك أخرجه الترمذي من حديث واثلة بن الأسقع وقال حسن غريب وفي رواية ابن أبي الدنيا فيرحمه الله وروي أن موسى عليه السلام لما تعجل إلى ربه تعالى رأى في ظل العرش رجلا فغبطه بمكانه فقال إن هذا لكريم على ربه فسأل ربه تعالى أن يخبره باسمه فلم يخبره وقال أحدثك من عمله بثلاث كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله وكان لا يعق والديه ولا يمشي بالنميمة وقال زكريا عليه السلام قال الله تعالى الحاسد عدو لنعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي وقال صلى الله عليه وسلم أخوف ما أخاف على أمتي أن يكثر فيهم المال فيتحاسدون ويقتتلون حديث أخوف ما أخاف على أمتي أن يكثر لهم المال فيتحاسدون ويقتتلون أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الحسد من حديث ابن عامر الأشعري وفيه ثابت بن أبي ثابت جهله أبو حاتم وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ولهما من حديث عمرو بن عوف البدري والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا الحديث ولمسلم من حديث عبد الله بن عمرو إذا فتحت عليكم فارس والروم الحديث وفيه يتنافسون ثم يتحاسدون ثم يتدابرون الحديث ولأحمد والبزار من حديث عمر لا تفتح الدنيا على أحد إلا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وقال صلى الله عليه وسلم استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود حديث استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني من حديث معاذ بسند ضعيف وقال صلى الله عليه وسلم إن لنعم الله أعداء فقيل ومن هم فقال الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله حديث إن لنعم الله أعداء قيل ومن أولئك قال الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس إن لأهل النعم حسادا فاحذروهم وقال صلى الله عليه وسلم ستة يدخلون النار قبل الحساب بسنة قيل يا رسول الله من هم قال الأمراء بالجور والعرب بالعصبية والدهاقين بالتكبر والتجار بالخيانة وأهل الرستاق بالجهالة والعلماء بالحسد حديث ستة يدخلون النار قبل الحساب بسنة قيل يا رسول الله ومن هم قال الأمراء بالجور الحديث وفيه والعلماء بالحسد أخرجه أبو منصور الديلمي من حديث ابن عمر وأنس بسندين ضعيفين الآثار قال بعض السلف أول خطيئة هي الحسد حسد إبليس آدم عليه السلام على رتبته فأبى أن يسجد له فحمله على الحسد والمعصية وحكى أن عون بن عبد الله دخل على الفضل بن المهلب وكان يومئذ على واسط فقال إني أريد أن أعظك بشيء فقال وما هو قال إياك والكبر فإنه أول ذنب عصى الله به ثم قرأ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس الآية وإياك والحرص فإنه أخرج آدم من الجنة أمكنه الله سبحانه من جنة عرضها السموات والأرض يأكل منها إلا شجرة واحدة نهاه الله عنها فأكل منها فأخرجه الله تعالى منها ثم قال اهبطوا منها إلى آخر الآية وإياك والحسد فإنما قتل ابن آدم أخاه حين حسده ثم قرأ واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق الآيات وإذا ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك وإذا ذكر القدر فاسكت وإذا ذكرت النجوم فاسكت وقال بكر بن عبد الله كان رجل يغشى بعض الملوك فيقوم بحذاء الملك فيقول أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء سيكفيكه إساءته فحسده رجل على ذلك المقام والكلام فسعى به إلى الملك فقال إن هذا الذي يقوم بحذائك ويقول ما يقول زعم أن الملك أبخر فقال له الملك وكيف يصح ذلك عندي قال تدعوه إليك فإنه إذا دنا منك وضع يده على أنفه لئلا يشم ريح البخر فقال له انصرف حتى انظر فخرج من عند الملك فدعا الرجل إلى منزله فأطعمه طعاما فيه ثوم فخرج الرجل من عنده وقام بحذاء الملك على عادته فقال احسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء سيكفيكه إساءته فقال له الملك أدن مني فدنا منه فوضع يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه رائحة الثوم فقال الملك في نفسه ما أرى فلانا إلا قد صدق قال وكان الملك لا يكتب بخطه إلا بجائزة أو صلة فكتب له كتابا بخطه إلى عامل من عماله إذا أتاك حامل كتابي هذا فاذبحه واسلخه واحش جلده تبنا وابعث به إلي فأخذ الكتاب وخرج فلقيه الرجل الذي سعى به فقال ما هذا الكتاب قال خط الملك لي بصلة فقال هبه لي فقال هو لك فأخذه ومضى به إلى العامل فقال العامل في كتابك أن أذبحك وأسلخك قال إن الكتاب ليس هو لي فالله الله في أمري حتى تراجع الملك فقال ليس لكتاب الملك مراجعة فذبحه وسلخه وحشى جلده تبنا وبعث به ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته وقال مثل قوله فعجب الملك وقال ما فعل الكتاب فقال لقيني فلان فاستوهبه مني فوهبته له قال له الملك إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر قال ما قلت ذلك قال فلما وضعت يدك على فيك قال لأنه أطعمني طعاما فيه ثوم فكرهت أن تشمه قال صدقت ارجع إلى مكانك فقد كفي المسيء إساءته وقال ابن سيرين رحمه الله ما حسدت أحدا على شيء من أمر الدنيا لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهي حفيرة في الجنة وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار وقال رجل للحسن هل يحسد المؤمن قال ما أنساك بني يعقوب نعم ولكن غمه في صدرك فإنه لا يضرك ما لم تعد به يدا ولا لسانا وقال ابو الدرداء ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قل فرحه وقل حسده و قال معاوية كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها ولذلك قيل كل العداوات قد ترجى إماتتها إلا عداوة من عاداك من حسد وقال بعض الحكماء الحسد جرح لا يبرأ وحسب الحسود ما يلقي وقال أعرابي ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد إنه يرى النعمة عليك نقمة عليه وقال الحسن يا ابن آدم لم تحسد أخاك فإن كان الذي أعطاه لكرامته عليه فلم تحسد من أكرمه الله وإن كان غير ذلك فلم تحسد من مصيره إلى النار وقال بعضهم الحاسد لا ينال من المجالس إلا مذمه وذلا ولا ينال من الملائكة إلا لعنة وبغضا ولا ينال من الخلق إلا جزعا وغما ولا ينال عند النزع إلا شدة وهولا ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة ونكالا .
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:21 am | |
| بيان حقيقة الحسد وحكمه وأقسامه ومراتبه اعلم أنه لا حسد إلا على نعمة فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة فلك فيها حالتان إحداهما أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها وهذه الحالة تسمى حسدا فالحسد حده كراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه الحالة الثانية أن لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها ولكن تشتهي لنفسك مثلها وهذه تسمى غبطة وقد تختص باسم المنافسة وقد تسمى المنافسة حسدا والحسد منافسة ويوضع أحد اللفظين موضع الآخر ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني وقد قال صلى الله عليه وسلم إن المؤمن يغبط والمنافق يحسد حديث المؤمن يغبط والمنافق يحسد لم أجد له أصلا مرفوعا وإنما هو من قول الفضيل بن عياض كذلك رواه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد فأما الأول فهو حرام بكل حال إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها ومحبتك لزوالها فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة بل من حيث هي آلة الفساد ولو أمنت فساده لم يغمك بنعمته ويدل على تحريم الحسد الأخبار التي نقلناها وأن هذه الكراهة تسخط لقضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض وذلك لا عذر فيه ولا رخصة وأي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مضرة وإلى هذا أشار القرآن بقول إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وهذا الفرح شماته والحسد والشماتة يتلازمان وقال تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم) فأخبر تعالى أن حبهم زوال نعمة الإيمان حسد وقال عز وجل: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) وذكر الله تعالى حسد إخوة يوسف عليه السلام وعبر عما في قلوبهم بقوله تعالى: (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم) فلما كرهوا حب أبيهم له وساءهم ذلك وأحبوا زواله عنه غيبوه عنه وقال تعالى ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا أي لا تضيق صدورهم به ولا يغتمون فأثنى عليهم بعدم الحسد وقال تعالى في معرض الإنكار: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) وقال تعالى: (كان الناس أمة واحدة... إلى قوله... إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم) قيل في التفسير حسدا وقال تعالى: (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) فأنزل الله العلم ليجمعهم ويؤلف بينهم على طاعته وأمرهم أن يتألفوا بالعلم فتحاسدوا واختلفوا إذ أراد كل واحد منهم أن ينفرد بالرياسة وقبول القول فرد بعضهم على بعض قال ابن عباس كانت اليهود قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا قوما قالوا نسألك بالنبي الذي وعدتنا أن ترسله وبالكتاب الذي تنزله إلا ما نصرتنا حديث ابن عباس قوله كانت اليهود قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا قوما قالوا نسألك بالنبي الذي وعدتنا أن ترسله الحديث في نزول قوله تعالى وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا أخرجه ابن إسحاق في السيرة فيما بلغه عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره نحوه وهو منقطع فكانوا ينصرون فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم من ولد إسماعيل عليه السلام عرفوه وكفروا به بعد معرفتهم إياه فقال تعالى وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به إلى قوله أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أي حسدا وقالت صفية بنت حيي للنبي صلى الله عليه وسلم جاء أبي وعمي من عندك يوما فقال أبي لعمي ما تقول فيه قال أقول إنه النبي الذي بشر به موسى قال فما ترى قال أرى معاداته أيام الحياة حديث قالت صفية بن حيي للنبي صلى الله عليه وسلم جاء أبي وعمي من عندك يوما فقال أبي لعمي ما تقول فيه قال أقول إنه النبي الذي بشر به موسى الحديث أخرجه ابن إسحاق في السيرة قال حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال حديث عن صفية فذكره نحوه وهو منقطع أيضا فهذا حكم الحسد في التحريم وأما المنافسة فليست بحرام بل هي إما واجبة وإما مندوبة وإما مباحة وقد يستعمل لفظ الحسد بدل المنافسة والمنافسة بدل الحسد قال قثم بن العباس لما أراد هو والفضل أن يأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فيسألاه أن يؤمرهما على الصدقة قالا لعلي حين قال لهما لا تذهبا إليه فإنه لا يؤمركما عليها فقالا له ما هذا منك إلا نفاسة والله لقد زوجك ابنته فما نفسنا ذلك عليك حديث قال قثم بن العباس لما أراد هو والفضل أن يأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فيسألانه أن يأمرهما على الصدقة قالا لعلي الحديث هكذا وقع للمصنف أنه قثم والفضل وإنما هو الفضل والمطلب ابن ربيعة كما رواه مسلم من حديث المطلب بن ربيعة ابن الحارث قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين قال لي وللفضل بن عباس ائتيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فذكر الحديث أي هذا منك حسد وما حسدناك على تزويجه إياك فاطمة والمنافسة في اللغة مشتقة من النفاسة والذي يدل على إباحة المنافسة قوله تعالى وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وقال تعالى سابقوا إلى مغفرة من ربكم وإنما المسابقة عند خوف الفوت وهو كالعبدين ينسابقان الي خدمة مولاهما إذ يجزع كل واحد أن يسبقه صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى هو بها فكيف وقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله تعالى علما فهو يعمل به ويعلمه الناس حديث لا حسد إلا في اثنتين الحديث متفق عليه من حديث ابن عمرو وقد تقدم في العلم ثم فسر ذلك في حديث أبي كبشة الأنماري فقال مثل هذه الأمة مثل أربعة رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فيقول رب لو أن لي مالا مثل مال فلان لكنت أعمل فيه بمثل عمله فهما في الأجر سواء وهذا منه حب لأن يكون له مثل ماله فيعمل ما يعمل من غير حب زوال النعمة عنه قال ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو ينفقه في معاصي الله ورجل لم يؤته علما ولم يؤته مالا فيقول لو أن لي مثل مال فلان لكنت أنفقه في مثل ما أنفقه فيه من المعاصي فهما في الوزر سواء حديث أبي كبشة مثل هذه الأمة مثل أربعة رجل آتاه الله مالا الحديث رواه ابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح فذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة تمنية للمعصية لا من جهة حبه أن يكون له من النعمة مثل ماله فإذا لا حرج على من يغبط غيره في نعمة ويشتهي لنفسه مثلها مهما لم يحب زوالها عنه ولم يكره دوامها له نعم إن كانت تلك النعمة نعمة دينية واجبة كالإيمان والصلاة والزكاة فهذه المنافسة واجبة وهو أن يحب أن يكون مثله لأنه إذا لم يكن يحب ذلك فيكون راضيا بالمعصية وذلك حرام وإن كانت النعمة من الفضائل كإنفاق الأموال في المكارم والصدقات فالمنافسة فيها مندوب إليها وإن كانت نعمة يتنعم بها على وجه مباح فالمنافسة فيها مباحة وكل ذلك يرجع إلى إرادة مساواته واللحوق به في النعمة وليس فيها كراهة النعمة وكان تحت هذه النعمة أمران أحدهما راحة المنعم عليه والآخر ظهور نقصان غيره وتخلفه عنه وهو يكره أحد الوجهين وهو تخلف نفسه ويحب مساواته له ولا حرج على من يكره تخلف نفسه ونقصانها في المباحات نعم ذلك ينقص من الفضائل ويناقض الزهد والتوكل والرضا ويحجب عن المقامات الرفيعة ولكنه لا يوجب العصيان وههنا دقيقة غامضة وهو أنه إذا أيس من أن ينال مثل تلك النعمة وهو يكره تخلفه ونقصانه فلا محالة يحب زوال النقصان وإنما يزول نقصانه إما بأن ينال مثل ذلك أو بأن تزول نعمة المحسود فإذا انسد أحد الطريقين فيكاد القلب لا ينفك عن شهوة الطريق الآخر حتى إذا زالت النعمة عن المحسود كان ذلك أشفى عنده من دوامها إذ بزوالها يزول تخلفه وتقدم غيره وهذا يكاد لا ينفك القلب عنه فإن كان بحيث لو ألقى الأمر إليه ورد إلى اختياره لسعى في إزالة النعمة عنه فهو حسود حسدا مذموما وإن كان تدعه التقوى عن إزالة ذلك فيعفي عما يجده في طبعه من الارتياح إلى زوال النعمة عن محسوده مهما كان كارها لذلك من نفسه بعقله ودينه ولعله المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم ثلاث لا ينفك المؤمن عنهن الحسد والظن والطيرة حديث ثلاث لا ينفك المؤمن عنهن الحسد والظن والطيرة الحديث تقدم غير مرة ثم قال وله منهن مخرج إذا حسدت فلا تبغ أي إن وجدت في قلبك شيئا فلا تعمل به وبعيد أن يكون الإنسان مريدا للحاق بأخيه في النعمة فيعجز عنها ثم ينفك عن ميل إلى زوال النعمة إذ يجد لا محالة ترجيحا له على دوامها فهذا الحد من المنافسة يزاحم الحسد الحرام فينبغي أن يحتاط فيه فإنه موضع الخطر وما من إنسان إلا وهو يرى فوق نفسه جماعة من معارفه وأقرانه يحب مساواتهم ويكاد ينجر ذلك إلى الحسد المحظور إن لم يكن قوي الإيمان رزين التقوى ومهما كان محركه خوف التفاوت وظهور نقصانه عن غيره جره ذلك إلى الحسد المذموم وإلى ميل الطبع إلى زوال النعمة عن أخيه حتى ينزل هو إلى مساواته إذ لم يقدر هو أن يرتقي إلى مساواته بإدراك النعمة وذلك لا رخصة فيه أصلا بل هو حرام سواء كان في مقاصد الدين أو مقاصد الدنيا ولكن يعفي عنه في ذلك ما لم يعمل به إن شاء الله تعالى وتكون كراهته لذلك من نفسه كفارة له فهذه هي حقيقة الحسد وأحكامه وأما مراتبه فأربع الأولى أن يحب زوال النعمة عنه وإن كان ذلك لا ينتقل إليه وهذا غاية الخبث الثانية أن يحب زوال النعمة إليه لرغبته في تلك النعمة مثل رغبته في دار حسنة أو امرأة جميلة أو ولاية نافذة أو سعة نالها غيره وهو يحب أن تكون له ومطلوبه تلك النعمة لا زوالها عنه ومكروهه فقد النعمة لا تنعم غيره بها الثالثة أن لا يشتهي عينها لنفسه بل يشتهي مثلها فإن عجز عن مثلها أحب زوالها كيلا يظهر التفاوت بينهما الرابعة أن يشتهي لنفسه مثلها فإن لم تحصل فلا يحب زوالها عنه وهذا الأخير هو المعفو عنه إن كان في الدنيا والمندوب إليه إن كان في الدين والثالثة فيها مذموم وغير مذموم والثانية أخف من الثالثة والأولى مذموم محض وتسمية الرتبة حسدا فيه تجوز وتوسع ولكنه مذموم لقوله تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض فتمنيه لمثل ذلك غير مذموم وأما تمنيه عين ذلك فهو مذموم بيان أسباب الحسد والمنافسة أما المنافسة فسببها حب ما فيه المنافسة فإن كان ذلك أمرا دينيا فسببه حب الله تعالى وحب طاعته وإن كان دنيويا فسببه حب مباحات الدنيا والتنعم فيها وإنما نظرنا الآن في الحسد المذموم ومداخله كثيرة جدا ولكن يحصر جملتها سبعة أبواب العداوة والكبر والتعجب والخوف من فوت المقاصد المحبوبة وحب الرياسة وخبث النفس وبخلها فإنه مما يكره النعمة على غيره إما لأنه عدوه فلا يريد له الخير وهذا لا يختص بالأمثال بل يحسد الخسيس الملك بمعنى أنه يحب زوال نعمته لكونه مبغضا له بسبب إساءته إليه أو إلى من يحبه وإما أن يكون من حيث يعلم أنه يستكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه وهو المراد بالتعزز وإما أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك عليه لنعمته وهو المراد بالتكبر وإما أن تكون النعمة عظيمة والمنصب عظيم فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة وهو المراد بالتعجب وإما أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمته بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه وإما أن يكون يحب الرياسة التي تنبني على الاختصاص بنعمة لا يساوي فيها وإما أن لا يكون بسبب من هذه الأسباب بل لخبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى ولابد من شرح هذه الأسباب السبب الأول العداوة والبغضاء وهذا أشد أسباب الحسد فإن من آذاه شخص بسبب من الأسباب وخالفه في غرض بوجه من الوجوه أبغضه قلبه وغضب عليه ورسخ في نفسه الحقد والحقد يقتضي التشفي والانتقام فإن عجز المبغض عن أن يتشفى بنفسه أحب أن يتشفى منه الزمان وربما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى فمهما أصابت عدوه بلية فرح بها وظنها مكافأة له من جهة الله على بغضه وأنها لأجله ومهما أصابته نعمة ساءه ذلك لأنه ضد مراده وربما يخطر له أنه لا منزلة له عند الله حيث لم ينتقم له من عدوه الذي آذاه بل أنعم عليه وبالجملة فالحسد يلزم البغض والعداوة ولا يفارقهما وإنما غاية التقي أن لا يبغي وأن يكره ذلك من نفسه فأما أن يبغض إنسانا ثم يستوي عنده مسرته ومساءته فهذا غير ممكن وهذا مما وصف الله تعالى الكفار به أعني الحسد بالعداوة إذ قال الله تعالى وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلو عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور إن تمسسكم حسنة تسؤهم الآية وكذلك قال ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر والحسد بسبب البغض ربما يفضي إلى التنازع والتقاتل واستغراق العمر في إزالة النعمة بالحيل والسعاية وهتك الستر وما يجري مجراه السبب الثاني التعزز وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية أو علما أو مالا خاف أن يتكبر عليه وهو لا يطيق تكبره ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه وليس من غرضه أن يتكبر بل غرضه أن يدفع كبره فإنه قد رضي بمساواته مثلا ولكن لا يرضي بالترفع عليه السبب الثالث الكبر وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره ويستخدمه ويتوقع منه الانقياد له والمتابعة في أغراضه فإذا نال نعمة خاف أن لا يحتمل تكبره ويترفع عن متابعته أو ربما يتشوف إلى مساواته أو إلى أن يرتفع عليه فيعود متكبرا بعد أن كان متكبرا عليه ومن التكبر والتعزز كان حسد أكثر الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قالوا كيف يتقدم علينا غلام يتيم وكيف نطأطيء رءوسنا فقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم حديث سبب نزول قوله تعالى لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ذكره ابن إسحاق في السيرة وإن قائل ذلك الوليد بن المغيرة قال أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدهما ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف فنحن عظماء القريتين فأنزل الله فيما بلغني هذه الآية ورواه أبو محمد بن أبي حاتم وابن مردويه في تفسيريهما من حديث ابن عباس إلا أنهما قالا مسعود بن عمرو وفي رواية لابن مردويه حبيب بن عمير الثقفي وهو ضعيف أي كان لا يثقل علينا أن نتواضع له ونتبعه إذا كان عظيما وقال تعالى يصف قول قريش أهؤلاء من الله عليهم من بيننا كالاستحقار لهم والأنفة منهم السبب الرابع التعجب كما أخبر الله تعالى عن الأمم السالفة إذ قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من الله تعالى بشر مثلهم فحسدوهم وأحبوا زوال النبوة عنهم جزعا أن يفضل عليهم من هو مثلهم في الخلقة لا عن قصد تكبر وطلب رياسة وتقدم عداوة أو سبب آخر من سائر الأسباب وقالوا متعجبين أبعث الله بشرا رسولا وقالوا لولا أنزل علينا الملائكة وقال تعالى أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم الآية السبب الخامس الخوف من فوت المقاصد وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد فإن كان واحد يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عونا له في الانفراد بمقصوده ومن هذا الجنس تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصد الزوجية وتحاسد الإخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين للتوصل به إلى مقاصد الكرامة والمال وكذلك تحاسد التلميذين لأستاذ واحد على نيل المرتبة من قلب الأستاذ وتحاسد ندماء الملك وخواصه في نيل المنزلة من قلبه للتوصل به إلى المال والجاه وكذلك تحاسد الواعظين المتزاحمين على أهل بلدة واحدة إذا كان غرضهما نيل المال بالقبول عندهم وكذلك تحاسد العالمين المتزاحمين على طائفة من المتفقهه محصورين إذ يطلب كل واحد منزلة في قلوبهم للتوصل بهم إلى أغراض له السبب السادس حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصل إلى مقصود وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر وفريد العصر في فنه وإنه لا نظير له فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك وأحب موته أو زوال النعمة عنه التي بها يشاركه المنزلة من شجاعة أو علم أو عبادة أو صناعة أو جمال أو ثروة أو غير ذلك مما يتفرد هو به ويفرح بسبب تفرده وليس السبب في هذا عداوة ولا تعزز ولا تكبر على المحسود ولا خوف من فوات مقصود سوى محض الرياسة بدعوى الانفراد وهذا وراء ما بين آحاد العلماء من طلب الجاه والمنزلة في قلوب الناس للتوصل إلى مقاصد سوى الرياسة وقد كان علماء اليهود ينكرون معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يؤمنون به خيفة من أن تبطل رياستهم واستتباعهم مهما نسخ علمهم السبب السابع خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى فإنك تجد من لا يشتغل برياسة وتكبر ولا طلب مال إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم الله به عليه يشق ذلك عليه وإذا وصف له اضطراب أمور الناس وإدبارهم وفوات مقاصدهم وتنغص عيشهم فرح به فهو أبدا يحب الإدبار لغيره ويبخل بنعمة الله على عباده كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته ويقال البخيل من يبخل بمال نفسه والشحيح هو الذي يبخل بمال غيره فهذا يبخل بنعمة الله تعالى على عباده الذين ليس بينه وبينهم عداوة ولا رابطة هذا ليس له سبب ظاهر إلا خبث في النفس ورذالة في الطبع عليه وقعت الجبلة ومعالجته شديدة لأن الحسد الثابت بسائر الأسباب أسبابه عارضة يتصور زوالها فيطمع في إزالتها وهذا خبث في الجبلة لا عن سبب عارض فتعسر إزالته إذ يستحيل في العادة إزالته فهذه هي أسباب الحسد وقد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد فيعظم فيه الحسد بذلك ويقوي قوة لا يقدر معها على الإخفاء والمجاملة بل ينهتك حجاب المجاملة وتظهر العداوة بالمكاشفة وأكثر المحاسدات تجتمع فيها جملة من هذه الأسباب وقلما يتجرد سبب واحد منها بيان السبب في كثرة الحسد بين الأمثال والأقران والإخوة وبني العم والأقارب وتأكده وقلته في غيرهم وضعفه اعلم أن الحسد إنما يكثر بين قوم تكثر بينهم الأسباب التي ذكرناها وإنما يقوى بين قوم تجتمع جملة من هذه الأسباب فيهم وتتظاهر إذ الشخص الواحد يجوز أن يحسد لأنه قد يمتنع عن قبول التكبر ولأنه يتكبر ولأنه عدو ولغير ذلك من الأسباب وهذه الأسباب إنما تكثر بين أقوام تجمعهم روابط يجتمعون بسببها في مجالس المخاطبات ويتواردون على الأغراض فإذا خالف واحد منهم صاحبه في غرض من الأغراض نفر طبعه عنه وأبغضه وثبت الحقد في قلبه فعند ذلك يريد أن يستحقره ويتكبر عليه ويكافئه على مخالفته لغرضه ويكره تمكنه من النعمة التي توصله إلى أغراضه وتترادف جملة من هذه الأسباب إذ لا رابطة بين شخصين في بلدتين متنائيتين فلا يكون بينهما محاسدة وكذلك في محلتين نعم إذا تجاورا في مسكن أو سوق أو مدرسة أو مسجد تواردا على مقاصد تتناقض فيها أغراضهما فيثور من التناقض التنافر والتباغض ومنه تثور بقية أسباب الحسد ولذلك ترى العالم يحسد العالم دون العابد والعابد يحسد العابد دون العالم والتاجر يحسد التاجر بل الإسكاف يحسد الإسكاف ولا يحسد البزاز إلا بسبب آخر سوى الاجتماع في الحرفة ويحسد الرجل أخاه وابن عمه أكثر مما يحسد الأجانب والمرأة تحسد ضرتها وسرية زوجها أكثر مما تحسد أم الزوج وابنته لأن مقصد البزاز غير مقصد الإسكاف فلا يتزاحمون على المقاصد إذ مقصد البزاز الثروة ولا يحصلها إلا بكثرة الزبون وإنما ينازعه فيه بزاز آخر إذ حريف البزاز لا يطلبه الإسكاف بل البزاز ثم مزاحمة البزاز المجاور له أكثر من مزاحمة البعيد عنه إلى طرف السوق فلا جرم يكون حسده للجار أكثر وكذلك الشجاع يحسد الشجاع ولا يحسد العالم لأن مقصده أن يذكر بالشجاعة ويشتهر بها وينفرد بهذه الخصلة ولا يزاحمه العالم على هذا الغرض وكذلك يحسد العالم العالم ولا يحسد الشجاع ثم حسد الواعظ للواعظ أكثر من حسده للفقيه والطبيب لأن التزاحم بينهما على مقصود واحد أخص فأصل هذه المحاسدات العداوة وأصل العداوة التزاحم بينهما على غرض واحد والغرض الواحد لا يجمع متباعدين بل متناسبين فلذلك يكثر الحسد بينهما نعم من اشتد حرصه على الجاه وأحب الصيت في جميع أطراف العالم بما هو فيه فإنه يحسد كل من هو في العالم وإن بعد ممن يساهمه في الخصلة التي يتفاخر بها ومنشأ جميع ذلك حب الدنيا فإن الدنيا هي التي تضيق على المتزاحمين أما الآخرة فلا ضيق فيها وإنما مثال الآخرة نعمة العلم فلا جرم من يحب معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته وملائكته وأنبيائه وملكوت سمواته وأرضه لم يحسد غيره إذا عرف ذلك أيضا لأن المعرفة لا تضيق على العارفين بل المعلوم الواحد يعلمه ألف ألف عالم ويفرح بمعرفته ويلتذ به ولا تنقص لذة واحد بسبب غيره بل يحصل بكثرة العارفين زيادة الأنس وثمرة الاستفادة والإفادة فلذلك لا يكون بين علماء الدين محاسدة لأن مقصدهم معرفة الله تعالى وهو بحر واسع لا ضيق فيه وغرضهم المنزلة عند الله ولا ضيق أيضا فيما عند الله تعالى لأن أجل ما عند الله سبحانه من النعيم لذة لقائه وليس فيها ممانعة ومزاحمة ولا يضيق بعض الناظرين على بعض بل يزيد الأنس بكثرتهم نعم إذا قصد العلماء بالعلم المال والجاه تحاسدوا لأن المال أعيان وأجسام إذا وقعت في يد واحد خلت عنها يد الآخر ومعنى الجاه ملك القلوب ومهما امتلأ قلب شخص بتعظيم عالم انصرف عن تعظيم الآخر أو نقص عنه لا محالة فيكون ذلك سببا للمحاسدة وإذا امتلأ قلب بالفرح بمعرفة الله تعالى لم يمنع ذلك أن يمتليء قلب غيره بها وأن يفرح بذلك والفرق بين العلم والمال أن المال لا يحل في يد ما لم يرتحل عن اليد الأخرى والعلم في قلب العالم مستقر ويحل في قلب غيره بتعليمه من غير أن يرتحل من قلبه والمال أجسام وأعيان ولها نهاية فلو ملك الإنسان جميع ما في الأرض لم يبق بعده مال يتملكه غيره والعلم لا نهاية له ولا يتصور استيعابه فمن عود نفسه الفكر في جلال الله وعظمته وملكوت أرضه وسمائه صار ذلك ألذ عنده من كل نعيم ولم يكن ممنوعا منه ولا مزاحما فيه فلا يكون في قلبه حسد لأحد من الخلق لأن غيره أيضا لو عرف مثل معرفته لم ينقص من لذته بل زادت لذته بمؤانسته فتكون لذة هؤلاء في مطالعة عجائب الملكوت على الدوام أعظم من لذة من ينظر إلى أشجار الجنة وبساتينها بالعين الظاهرة فإن نعيم العارف وجنته معرفته التي هي صفة ذاته يأمن زوالها وهو أبدا يجني ثمارها فهو بروحه وقلبه مغتذ بفاكهة علمه وهي فاكهة غير مقطوعة ولا ممنوعة بل قطوفها دانية فهو وإن غمض العين الظاهرة فروحه أبدا ترتع في جنة عالية ورياض زاهرة فإن فرض كثرة في العارفين لم يكونوا متحاسدين بل كانوا كما قال فيهم رب العالمين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين فهذا حالهم وهم بعد في الدنيا فماذا يظن بهم عند انكشاف الغطاء ومشاهدة المحبوب في العقبى فإذن لا يتصور أن يكون في الجنة محاسدة ولا أن يكون بين أهل الدنيا في الجنة محاسدة لأن الجنة لا مضايقة فيها ولا مزاحمة ولا تنال إلا بمعرفة الله تعالى التي لا مزاحمة فيها في الدنيا أيضا فأهل الجنة بالضرورة برءاء من الحسد في الدنيا والآخرة جميعا بل الحسد من صفات المبعدين عن سعة عليين إلى مضيق سجين ولذلك وسم به الشيطان اللعين وذكر من صفاته أنه حسد آدم عليه السلام على ما خص به من الاجتباء ولما دعى إلى السجود استكبر وأبى وتمرد وعصى فقد عرفت أنه لا حسد إلا للتوارد على مقصود يضيق عن الوفاء بالكل ولهذا لا تري الناس يتحاسدون على النظر إلى زينة السماء ويتحاسدون على رؤية البساتين التي هي جزء يسير من جملة الأرض وكل الأرض لا وزن لها بالإضافة إلى السماء ولكن السماء لسعة الأقطار وافية بجميع الأبصار فلم يكن فيها تزاحم ولا تحاسد أصلا فعليك إن كنت بصيرا وعلى نفسك مشفقا أن تطلب نعمة لا زحمة فيها ولذة لا كدر لها ولا يوجد ذلك في الدنيا إلا في معرفة الله عز وجل ومعرفة صفاته وأفعاله وعجائب ملكوت السموات والأرض ولا ينال ذلك في الآخرة إلا بهذه المعرفة أيضا فإن كنت لا تشتاق إلى معرفة الله تعالى ولم تجد لذتها وفتر عنها رأيك وضعفت فيها رغبتك فأنت في ذلك معذور إذ العنين لا يشتاق إلى لذة الوقاع والصبي لا يشتاق إلى لذة الملك فإن هذه لذات يختص بإدراكها الرجال دون الصبيان والمخنثين فكذلك لذة المعرفة يختص بإدراكها الرجال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ولا يشتاق إلى هذه اللذة غيرهم لأن الشوق بعد الذوق ومن لم يذق لم يعرف ومن لم يعرف لم يشتق ومن لم يشتق لم يطلب ومن لم يطلب لم يدرك ومن لم يدرك بقي مع المحرومين في أسفل السافلين ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين بيان الدواء الذي ينفي مرض الحسد عن القلب اعلم أن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقا أن الحسد ضرر عليك في الدنيا والدين وأنه لا ضرر فيه على المحسود في الدنيا والدين بل ينتفع به فيهما ومهما عرفت هذا عن بصيرة ولم تكن عدو نفسك وصديق عدوك فارقت الحسد لا محالة أما كونه ضررا عليك في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى وكرهت نعمته التي قسمها بين عباده وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته فاستنكرت ذلك واستبشعته وهذه جناية على حدقة التوحيد وقذى في عين الإيمان وناهيك بهما جناية على الدين وقد انضاف إلى ذلك أنك غششت رجلا من المؤمنين وتركت نصيحته وفارقت أولياء الله وأنبياءه في حبهم الخير لعباده تعالى وشاركت إبليس وسائر الكفار في محبتهم للمؤمنين البلايا وزوال النعم وهذه خبائث في القلب تأكل حسنات القلب كما تأكل النار الحطب وتمحوها كما يمحو الليل والنهار وأما كونه ضررا عليك في الدنيا فهو أنك تتألم بحسدك في الدنيا أو تتعذب به ولا تزال في كمد وغم إذ أعداؤك لا يخليهم الله تعالى عن نعم يفيضها عليهم فلا تزال تتعذب بكل نعمة تراها وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم فتبقى مغموما محروما متشعب القلب ضيق الصدر قد نزل بك ما يشتهيه الأعداء لك وتشتهيه لأعدائك فقد كنت تريد المحنة لعدوك فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقدا ومع هذا فلا تزول النعمة عن المحسود بحسدك ولو لم تكن تؤمن بالبعث والحساب لكان مقتضى الفطنة إن كنت عاقلا أن تحذر من الحسد لما فيه من ألم القلب ومساءته مع عدم النفع فكيف وأنت عالم بما في الحسد من العذاب الشديد في الآخرة فما أعجب من العاقل كيف يتعرض لسخط الله تعالى من غير نفع يناله بل مع ضرر يحتمله وألم يقاسيه فيهلك دينه ودنياه من غير جدوى ولا فائدة وأما أنه ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك بل ما قدره الله تعالى من إقبال ونعمة فلا بد أن يدوم إلى أجل غير معلوم قدره الله سبحانه فلا حيلة في دفعه بل كل شيء عنده بمقدار ولكل إجل كتاب ولذلك شكا نبي من الأنبياء من امرأة ظالمة مستولية على الخلق فأوحى الله إليه فر من قدامها حتى تنقضي أيامها أي ما قدرناه في الأزل لا سبيل إلى تغييره فاصبر حتى تنقضي المدة التي سبق القضاء بدوام إقبالها فيها ومهما لم تزل النعمة بالحسد لم يكن على المحسود ضرر في الدنيا ولا يكون عليه إثم في الآخرة ولعلك تقول ليت النعمة كانت تزول عن المحسود بحسدي وهذا غاية الجهل فإنه بلاء تشتهيه أولا لنفسك فإنك أيضا لا تخلو عن عدو يحسدك فلو كانت النعمة تزول بالحسد لم يبق لله تعالى عليك نعمة ولا على أحد من الخلق ولا نعمة الإيمان أيضا لأن الكفار يحسدون المؤمنين على الإيمان قال الله تعالى ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم إذ ما يريد الحسود لا يكون نعم هو يضل بإرادته الضلال لغيره فإن أراد الكفر كفر فمن اشتهى أن تزول النعمة عن المحسود بالحسد فكأنما يريد أن يسلب نعمة الإيمان بحسد الكفار وكذا سائر النعم وإن اشتهيت أن تزول النعمة عن الخلق بحسدك ولا تزول عنك بحسد غيرك فهذا غاية الجهل والغباوة فإن كل واحد من حمقى الحساد أيضا يشتهي أن يخص بهذه الخاصية ولست بأولى من غيرك فنعمة الله تعالى عليك في إن لم تزل النعمة بالحسد مما يجب عليك شكرها وأنت بجهلك تكرهها وأما أن المحسود ينتفع به في الدين والدنيا فواضح أما منفعته في الدين فهو أنه مظلوم من جهتك لا سيما إذا أخرجك الحسد إلى القول والفعل بالغيبة والقدح فيه وهتك ستره وذكر مساويه فهذه هدايا تهديها إليه أعني أنك بذلك تهدي إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيامة مفلسا محروما عن النعمة كما حرمت في الدنيا عن النعمة فكأنك أردت زوال النعمة عنه فلم تزل نعم كان لله عليه نعمة إذ وفقك للحسنات فنقلتها إليه فأضفت إليه نعمة إلى نعمة وأضفت إلى نفسك شقاوة إلى شقاوة وأما منفعته في الدنيا فهو أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء وغمهم وشقاوتهم وكونهم معذبين مغمومين ولا عذاب أشد مما أنت فيه من ألم الحسد وغاية أماني أعدائك أن يكونوا في نعمة وأن تكون في غم وحسرة بسببهم وقد فعلت بنفسك ما هو مرادهم ولذلك لا يشتهي عدوك موتك بل يشتهي أن تطول حياتك ولكن في عذاب الحسد لتنظر إلى نعمة الله عليه فيتقطع قلبك حسدا ولذلك قيل لا مات أعداؤك بل خلدوا حتى يروا فيك الذي يكمد لا زلت محسودا على نعمة فإنما الكامل من يحسد ففرح عدوك بغمك وحسدك أعظم من فرحه بنعمته ولو علم خلاصك من ألم الحسد وعذابه لكان ذلك أعظم مصيبة وبلية عنده فما أنت فيما تلازمه من غم الحسد إلا كما يشتهيه عدوك فإذا تأملت هذا عرفت أنك عدو نفسك وصديق عدوك إذ تعاطيت ما تضررت به في الدنيا والآخرة وانتفع به عدوك في الدنيا والآخرة وصرت مذموما عند الخالق والخلائق شقيا في الحال والمآل ونعمة المحسود دائمة شئت أم أبيت باقية ثم لم تقتصر على تحصيل مراد عدوك حتى وصلت إلى إدخال أعظم سرور على إبليس الذي هو أعدى أعدائك لأنه لما رآك محروما من نعمة العلم والورع والجاه والمال الذي اختص به عدوك عنك خاف أن تحب ذلك له فتشاركه في الثواب بسبب المحبة لأن من أحب الخير للمسلمين كان شريكا في الخير ومن فاته اللحاق بدرجة الأكابر في الدنيا لم يفته ثواب الحب لهم مهما أحب ذلك فخاف إبليس أن تحب ما أنعم الله به على عبده من صلاح دينه ودنياه فتفوز بثواب الحب فبغضه إليك حتى لا تلحقه بحبك كما لم تلحقه بعملك وقد قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب حديث الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم فقال هو مع من أحب متفق عليه من حديث ابن مسعود وقام أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال يا رسول الله متى الساعة فقال ما أعددت لها قال ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام إلا أني أحب الله ورسوله فقال صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت حديث سؤال الأعرابي متى الساعة فقال ما أعددت لها الحديث متفق عليه من حديث أنس قال أنس فما فرح المسلمون بعد إسلامهم كفرحهم يومئذ إشارة إلى أن أكبر بغيتهم كانت حب الله ورسوله قال أنس فنحن نحب رسول الله وأبا بكر وعمر ولا نعمل مثل عملهم ونرجو أن نكون معهم وقال أبو موسى قلت يا رسول الله الرجل يحب المصلين ولا يصلي ويحب الصوام ولا يصوم حتى عد أشياء فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو مع من أحب حديث أبي موسى قلت يا رسول الله الرجل يحب المصلين ولا يصلي الحديث وفيه هو مع من أحب متفق عليه من حديث بلفظ آخر مختصرا الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم قال المرء مع من أحب وقال رجل لعمر بن عبد العزيز إنه كان يقال إن استطعت أن تكون عالما فكن عالما فإن لم تستطع أن تكون عالما فكن متعلما فإن لم تستطع أن تكون متعلما فأحبهم فإن لم تستطع فلا تبغضهم فقال سبحان الله الذي جعل الله لنا مخرجا فانظر الآن كيف حسدك إبليس ففوت عليك ثواب الحب ثم لم يقنع به حتى بغض إليك أخاك وحملك على الكراهة حتى أثمت وكيف لا وعساك تحاسد رجلا من أهل العلم وتحب أن يخطيء في دين الله تعالى وينكشف خطؤه ليفتضح وتحب أن يخرس لسانه حتى لا يتكلم أو يمرض حتى لا يعلم ولا يتعلم وأي إثم يزيد على ذلك فليتك إذ فاتك اللحاق به ثم اغتممت بسببه سلمت من الإثم وعذاب الآخرة وقد جاء في الحديث أهل الجنة ثلاثة المحسن والمحب له والكاف عنه حديث أهل الجنة ثلاثة المحسن والمحب له والكاف عنه لم أجد له أصلا أي من يكف عن الأذى والحسد والبغض والكراهة فانظر كيف أبعدك إبليس عن جميع المداخل الثلاثة حتى لا تكون من أهل واحد منها ألبتة فقد نفذ فيك حسد إبليس وما نفذ حسدك في عدوك بل على نفسك بل لو كوشفت بحالك في يقظة أو منام لرأيت نفسك أيها الحاسد في صورة من يرمي سهما إلى عدوه ليصيب مقتله فلا يصيبه بل يرجع إلى حدقته اليمني فيقلعها فيزيد غضبه فيعود ثانية فيرمي أشد من الأولى فيرجع إلى عينه الأخرى فيعميها فيزداد غيظه فيعود على رأسه فيشجه وعدوه سالم في كل حال وهو إليه راجع مرة بعد أخرى وأعداؤه حوله يفرحون به ويضحكون عليه وهذا حال الحسود وسخرية الشيطان منه بل حالك في الحسد أقبح من هذا لأن الرمية العائدة لم تفوت إلا العينين ولو بقيتا لفاتتا بالموت لا محالة والحسد يعود بالإثم والإثم لا يفوت بالموت ولعله يسوقه إلى غضب الله وإلى النار فلأن تذهب عينه في الدنيا خير له من أن تبقى له عين يدخل بها النار فيقلعها لهيب النار فانظر كيف انتقم الله من الحاسد إذا أراد زوال النعمة عن المحسود فلم يزلها عنه ثم أزالها عن الحاسد إذ السلامة من الإثم نعمة والسلامة من الغم والكمد نعمة قد زالتا عنه تصديقا لقوله تعالى ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله وربما يبتلي بعين ما يشتهيه لعدوه وقلما يشمت شامت بمساءة إلا ويبتلي بمثلها حتى قالت عائشة رضي الله عنها ما تمنيت لعثمان شيئا إلا نزل بي حتى لو تمنيت له القتل لقتلت فهذا إثم الحسد نفسه فكيف ما يجر إليه الحسد من الاختلاف وجحود الحق وإطلاق اللسان واليد بالفواحش في التشفي من الأعداء وهو الداء الذي فيه هلك الأمم السالفة فهذه هي الأدوية العلمية فمهما تفكر الإنسان فيها بذهن صاف وقلب حاضر انطفأت نار الحسد من قلبه وعلم أنه مهلك نفسه ومفرح عدوه ومسخط ربه ومنغص عيشه وأما العمل النافع فيه فهو أن يحكم الحسد فكل ما يتقاضاه الحسد من قول وفعل فينبغي أن يكلف نفسه نقيضه فإن حمله الحسد على القدح في محسوده كلف لسانه المدح له والثناء عليه وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه وإن بعثه على كف الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه فمهما فعل ذلك عن تكلف وعرفه المحسود طاب قلبه وأحبه ومهما ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه وتولد من ذلك الموافقه التي تقطع مادة الحسد لأن التواضع والثناء والمدح وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه ويسترقه ويستعطفه ويحمله على مقابلة ذلك بالإحسان ثم ذلك الإحسان يعود إلى الأول فيطيب قلبه ويصير ما تكلفه أولا طبعا آخرا ولا يصدنه عن ذلك قول الشيطان له لو تواضعت وأثنيت عليه حملك العدو على العجز أو على النفاق أو الخوف وأن ذلك مذلة ومهانة وذلك من خداع الشيطان ومكايده بل المجاملة تكلفا كانت أو طبعا تكسر سورة العداوة من الجانبين وتقل مرغوبها وتعود القلوب التآلف والتحاب وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض فهذه هي أدوية الحسد وهي نافعة جدا إلا أنها مرة على القلوب جدا ولكن النفع في الدواء المر فمن لم يصبر على مرارة الدواء لم ينل حلاوة الشفاء وإنما تهون مرارة هذا الدواء أعني التواضع للأعداء والتقرب إليهم بالمدح والثناء بقوة العلم بالمعاني التي ذكرناها وقوة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله تعالى وحب ما أحبه وعزة النفس وترفعها عن أن يكون في العالم شيء على خلاف مرادها جهل وعند ذلك يريد ما لا يكون إذ لا مطمع في أن يكون ما يريد وفوات المراد ذل وخسة ولا طريق إلى الخلاص من هذا الذل إلا بأحد أمرين إما بأن يكون ما تريد أو بأن تريد ما يكون والأول ليس إليك ولا مدخل للتكلف والمجاهدة فيه وأما الثاني فللمجاهدة فيه مدخل وتحصيله بالرياضة ممكن فيجب تحصيله على كل عاقل هذا هو الدواء الكلي فأما الدواء المفصل فهو تتبع أسباب الحسد من الكبر وغيره وعزة النفس وشدة الحرص علىما لا يغني وسيأتي تفصيل مداواة هذه الأسباب في مواضعها إن شاء الله تعالى فإنها مواد هذا المرض ولا ينقمع المرض إلا بقمع المادة فإن لم تقمع المادة لم يحصل بما ذكرناه إلا تسكين وتطفئة ولا يزال يعود مرة بعد أخرى ويطول الجهد في تسكينه مع بقاء مواده فإنه ما دام محبا للجاه فلا بد وأن يحسد من استأثر بالجاه والمنزلة في قلوب الناس دونه ويغمه ذلك لا محالة وإنما غايته أن يهون الغم على نفسه ولا يظهر بلسانه ويده فأما الخلو عنه رأسا فلا يمكنه والله الموفق بيان القدر الواجب في نفي الحسد عن القلب اعلم أن المؤذي ممقوت بالطبع ومن آذاك فلا يمكنك أن لا تبغضه غالبا فإذا تيسرت له نعمة فلا يمكنك أن لا تكرهها له حتى يستوي عندك حسن حال عدوك وسوء حاله بل لا تزال تدرك في النفس بينهما تفرقة ولا يزال الشيطان ينازعك إلى الحسد له ولكن إن قوي ذلك فيك حتى بعثك على إظهار الحسد بقول أو فعل بحيث يعرف ذلك من ظاهرك بأفعالك الاختيارية فأنت حسود عاص بحسدك وإن كففت ظاهرك بالكلية إلا أنك بباطنك تحب زوال النعمة وليس في نفسك كراهة لهذه الحالة فأنت أيضا حسود عاص لأن الحسد صفة القلب لا صفة الفعل قال الله تعالى ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا وقال عز وجل ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء وقال إن تمسسكم حسنة تسؤهم أما الفعل فهو غيبة وكذب وهو عمل صادر عن الحسد وليس هو عين الحسد بل محل الحسد القلب دون الجوارح نعم هذا الحسد ليس مظلمة يجب الاستحلال منها بل هو معصية بينك وبين الله تعالى وإنما يجب الاستحلال من الأسباب الظاهرة على الجوارح فأما إذا كففت ظاهرك وألزمت مع ذلك قلبك كراهة ما يترشح منه بالطبع من حب زوال النعمة حتى كأنك تمقت نفسك على ما في طبعها فتكون تلك الكراهة من جهة العقل في مقابلة الميل من جهة الطبع فقد أديت الواجب عليك ولا يدخل تحت اختيارك في أغلب الأحوال أكثر من هذا فأما تغيير الطبع ليستوي عنده المؤذي والمحسن ويكون فرحه أو غمه بما تيسر لهما من نعمة أو تنصب عليهما من بلية سواء فهذا مما لا يطاوع الطبع عليه ما دام ملتفتا إلى حظوظ الدنيا إلا أن يصير مستغرقا بحب الله تعالى مثل السكران الواله فقد ينتهي أمره إلى أن لا يلتفت قلبه إلى تفاصيل أحوال العباد بل ينظر إلى الكل بعين واحدة وهي عين الرحمة ويرى الكل عباد الله وأفعالهم أفعالا لله ويراهم مسخرين وذلك إن كان فهو كالبرق الخاطف لا يدوم ثم يرجع القلب بعد ذلك إلى طبعه ويعود العدو إلى منازعته أعني الشيطان فإنه ينازع بالوسوسة فمهما قابل ذلك بكراهته وألزم قلبه هذه الحالة فقد أدى ما كلفه وقد ذهب ذاهبون إلى أنه لا يأثم إذا لم يظهر الحسد على جوارحه لما روي عن الحسن أنه سئل عن الحسد فقال غمه فإنه لا يضرك ما لم تبده وروي عنه موقوفا ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاثة لا يخلو منهن المؤمن وله منهن مخرج فمخرجه من الحسد أن لا يبغي والأولى أن يحمل هذا على ما ذكرناه من أن يكون فيه كراهة من جهة الدين والعقل في مقابلة حب الطبع لزوال نعمة العدو وتلك الكراهة تمنعه من البغي والإيذاء فإن جميع ما ورد من الأحبار في ذم الحسد يدل ظاهره على أن كل حاسد آثم ثم الحسد عبارة عن صفة القلب لا عن الأفعال فكل من يحب إساءة مسلم فهو حاسد فإذن كونه آثما بمجرد حسد القلب من غير فعل هو في محل الاجتهاد والأظهر ما ذكرناه من حيث ظواهر الآيات والأخبار ومن حيث المعنى إذ يبعد أن يعفى عن العبد في إرادته إساءة مسلم واشتماله بالقلب على ذلك من غير كراهة وقد عرفت من هذا أن لك في أعدائك ثلاثة أحوال أحدها أن تحب مساءتهم بطبعك وتكره حبك لذلك وميل قلبك إليه بعقلك وتمقت نفسك عليه وتود لو كانت لك حيلة في إزالة ذلك الميل منك وهذا معفو عنه قطعا لأنه لا يدخل تحت الاختيار أكثر منه الثاني أن تحب ذلك وتظهر الفرح بمساءته إما بلسانك أو بجوارحك فهذا هو الحسد المحظور قطعا الثالث وهو بين الطرفين أن تحسد بالقلب من غير مقت لنفسك على حسدك ومن غير إنكار منك على قلبك ولكن تحفظ جوارحك عن طاعة الحسد في مقتضاه وهذا في محل الخلاف والظاهر أنه لا يخلو عن إثم بقدر قوة ذلك الحب وضعفه والله تعالى أعلم والحمد لله رب العالمين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:24 am | |
| كتاب ذم الدنيا وهو الكتاب السادس من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي عرف أولياءه غوائل الدنيا وآفاتها وكشف لهم عن عيوبها وعوراتها حتى نظروا في شواهدها وآياتها ووزنوا بحسناتها سيئاتها فعلموا أنه يزيد منكرها على معروفها ولا يفي مرجوها بمخوفها ولا يسلم طلوعها من كسوفها ولكنها في صورة امرأة مليحة تستميل الناس بجمالها ولها أسرار سوء قبائح تهلك الراغبين في وصالها ثم هي فرارة عن طلابها شحيحة بإقبالها وإذا أقبلت لم يؤمن شرها ووبالها إن أحسنت ساعة أساءت سنة وإن أساءت مرة جعلتها سنة فدوائر إقبالها على التقارب دائرة وتجارة بنيها خاسرة بائرة وآفاتها على التوالي لصدور طلابها راشقة ومجاري أحوالها بذل طالبيها ناطقة فكل مغرور بها إلى الذل مصيره وكل متكبر بها إلى التحسر مسيره شأنها الهرب من طالبها والطلب لهاربها ومن خدمها فاتته ومن أعرض عنها واتته لا يخلو صفوها عن شوائب الكدورات ولا ينفك سرورها عن المنغصات سلامتها تعقب السقم وشبابها يسوق إلى الهرم ونعيمها لا يثمر إلا الحسرة والندم فهي خداعة مكارة طيارة فرارة لا تزال تتزين لطلابها حتى إذا صاروا من أحبابها كشرت لهم عن أنيابها وشوشت عليهم مناظم أسبابها وكشفت لهم عن مكنون عجائبها فأذاقتهم قواتل سمامها ورشقتهم بصوائب سهامها بينما أصحابها منها في سرور وإنعام إذ ولت عنها كأنها أضغاث أحلام ثم عكرت عليهم بدواهيها فطحنتهم طحن الحصيد ووارتهم في أكفانهم تحت الصعيد إن ملكت واحدا منهم جميع ما طلعت عليه الشمس جعلته حصيدا كأن لم يغن بالأمس تمنى أصحابها سرورا وتعدهم غرورا حتى يأملون كثيرا ويبنون قصورا فتصبح قصورهم قبورا وجمعهم بورا وسعيهم هباء منثورا ودعاؤهم ثبورا هذه صفتها وكأن أمر الله قدرا مقدورا والصلاة والسلام على محمد عبده ورسوله المرسل إلى العالمين بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا وعلى من كان من أهله وأصحابه له في الدين ظهيرا وعلى الظالمين نصيرا وسلم تسليما كثيرا. أما بعد فإن الدنيا عدوة لله وعدوة لأولياء الله وعدوة لأعداء الله أما عداوتها لله فإنها قطعت الطريق على عباد الله ولذلك لم ينظر الله إليها منذ خلقها وأما عداوتها لأولياء الله عز وجل فإنه تزينت لهم بزينتها وعمتهم بزهرتها ونضارتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها وأما عداوتها لأعداء الله فإنها استدرجتهم بمكرها وكيدها فاقتنصتهم بشبكتها حتى وثقوا بها وعولوا عليها فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها فاجتنوا منها حسرة تتقطع دونها الأكباد ثم حرمتهم السعادة أبد الآباد فهم على فراقها يتحسرون ومن مكايدها يستغيثون ولا يغاثون بل يقال لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون أولئك الذي اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون وإذا عظمت غوائل الدنيا وشرورها فلا بد أولا من معرفة حقيقة الدنيا وما هي وما الحكمة في خلقها مع عداوتها وما مدخل غرورها وشرورها فإن من لا يعرف الشر لا يتقيه ويوشك أن يقع فيه ونحن نذكر ذم الدنيا وأمثلتها وحقيقتها وتفصيل معانيها وأصناف الأشغال المتعلقة بها ووجه الحاجة إلى أصولها وسبب انصراف الخلق عن الله بسبب التشاغل بفضولها إن شاء الله تعالى وهو المعين على ما يرتضيه.
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:32 am | |
| بيان ذم الدنيا
الآيات الواردة في ذم الدنيا وأمثلتها كثيرة وأكثر القرآن مشتمل على ذم الدنيا وصرف الخلق عنها ودعوتهم إلى الآخرة بل هو مقصود الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولم يبعثوا إلا لذلك فلا حاجة إلى الاستشهاد بآيات القرآن لظهورها وإنما نورد بعض الأخبار الواردة فيها . فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على شاة ميتة فقال أترون هذه الشاة هينة على أهلها قالوا من هوانها ألقوها قال والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء حديث مر على شاة ميتة فقال أترون هذه الشاة هينة على صاحبها الحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم وصحح إسناده من حديث سهل بن سعد وآخره عند الترمذي وقال حسن صحيح ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث المستورد بن شداد دون هذه القطعة الأخيرة ولمسلم نحوه من حديث جابر.
وقال صلى الله عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر حديث الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان منها حديث الدنيا ملعونة ملعون ما فيها أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث أبي هريرة وزاد إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم .
وقال أبو موسى الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى حديث أبي موسى الأشعري من أحب دنياه أضر بآخرته الحديث أخرجه أحمد والبزار والطبراني وابن حبان والحاكم وصححه .
وقال صلى الله عليه وسلم حب الدنيا رأس كل خطيئة حديث حب الدنيا رأس كل خطيئة أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان من طريقه من رواية الحسن مرسلا .
وقال زيد بن أرقم كنا مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه فدعا بشراب فأتى بماء وعسل فلما أدناه من فيه بكى حتى أبكى أصحابه وسكتوا وما سكت ثم عاد وبكى حتى ظنوا أنهم لا يقدرون على مسألته قال ثم مسح عينيه فقالوا يا خليفة رسول الله ما أبكاك قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يدفع عن نفسه شيئا ولم أر معه أحدا فقلت يا رسول الله ما الذي تدفع عن نفسك قال هذه الدنيا مثلت لي فقلت لها إليك عني ثم رجعت فقالت إنك إن أفلت مني لم يفلت مني من بعدك حديث زيد بن أرقم كنا مع أبي بكر فدعا بشراب فأتى بماء وعسل فلما أدناه من فيه بكى الحديث وفيه كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يدفع عن نفسه شيئا الحديث أخرجه البزار بسند ضعيف بنحوه والحاكم وصحح إسناده وابن أبي الدنيا والبيهقي من طريقه بلفظه .
وقال صلى الله عليه وسلم يا عجبا كل العجب للمصدق بدار الخلود وهو يسعى لدار الغرور حديث يا عجبا كل العجب للمصدق بدار الخلود وهو يسعى لدار الغرور أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث أبي جرير مرسلا .
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على مزبلة فقال هلموا إلى الدنيا وأخذ خرقا قد بليت على تلك المزبلة وعظاما قد نخرت فقال هذه الدنيا حديث إنه وقف على مزبلة فقال هلموا إلى الدنيا الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان من طريقه من رواية ابن ميمون اللخمي مرسلا وفيه بقية بن الوليد وقد عنعنه وهو مدلس وهذه إشارة إلى أن زينة الدنيا ستخلق مثل تلك الخرق وأن الأجسام التي ترى بها ستصير عظاما بالية .
وقال صلى الله عليه وسلم إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون إن بني إسرائيل لما بسطت لهم الدنيا ومهدت تاهوا في الحلية والنساء والطيب والثياب حديث إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد دون قوله إن بني إسرائيل والشطر الأول متفق عليه ورواه ابن أبي الدنيا من حديث الحسن مرسلا بالزيادة التي في آخره .
وقال عيسى عليه السلام لا تتخذوا الدنيا ربا فتتخذكم عبيدا اكنزوا كنزكم عند من لا يضيعه فإن صاحب كنز الدنيا يخاف عليه الآفة وصاحب كنز الله لا يخاف عليه الآفة .
وقال عليه أفضل الصلاة والسلام يا معشر الحواريين إني قد كببت لكم الدنيا على وجهها فلا تنعشوها بعدي فإن من خبث الدنيا أن عصى الله فيها وإن من خبث الدنيا أن الآخرة لا تدرك إلا بتركها ألا فاعبروا الدنيا ولا تعمروها واعلموا أن أصل كل خطيئة حب الدنيا ورب شهوة ساعة أورثت أهلها حزنا طويلا .
وقال أيضا بطحت لكم الدنيا وجلستم على ظهرها فلا ينازعنكم فيها الملوك والنساء فأما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لن يعرضوا لكم ما تركتموهم ودنياهم وأما النساء فاتقوهن بالصوم والصلاة .
وقال أيضا الدنيا طالبة ومطلوبة فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يجيء الموت فيأخذ بعنقه.
وقال موسى ابن يسار قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل لم يخلق خلقا أبغض إليه من الدنيا وأنه منذ خلقها لم ينظر إليها حديث موسى بن يسار إن الله جل ثناؤه لم يخلق خلقا أبغض إليه من الدنيا وأنه منذ خلقها لم ينظر إليها أخرجه ابن أبي الدنيا من هذا الوجه بلاغا وللبيهقي في الشعب من طريقه وهو مرسل .
وروي أن سليمان بن داود عليهما السلام مر في موكبه والطير تظله والجن والإنس عن يمينه وشماله قال فمر بعابد من بني إسرائيل فقال والله يا ابن داود لقد آتاك الله ملكا عظيما قال فسمع سليمان وقال لتسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أعطى ابن داود فإن ما أعطى ابن داود يذهب والتسبيحة تبقى .
وقال صلى الله عليه وسلم ألهاكم التكاثر يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت حديث ألهاكم التكاثر يقول ابن آدم مالي مالي الحديث أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن الشخير .
وقال صلى الله عليه وسلم إن الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له وعليها يعادي من لا علم له وعليها يحسد من لا فقه له ولها يسعى من لا يقين له حديث الدنيا دار من لا دار له الحديث أخرجه أحمد من حديث عائشة مقتصرا على هذا وعلى قوله ولها يجمع من لا عقل له دون بقيته وزاد ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب من طريقه ومال من لا مال له وإسناده جيد .
وقال صلى الله عليه وسلم من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء وألزم الله قلبه أربع خصال هما لا ينقطع عنه أبدا وشغلا لا يتفرغ منه أبدا وفقرا لا يبلغ غناه أبدا وأملا لا يبلغ منتهاه أبدا حديث من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء وألزم الله قلبه أربع خصال الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي ذر دون قوله وألزم الله قلبه وكذلك رواه ابن أبي الدنيا من حديث أنس بإسناد ضعيف والحاكم من حديث حذيفة وروي هذه الزيادة منفردة صاحب الفردوس من حديث ابن عمر وكلاهما ضعيف .
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:34 am | |
| وقال أبو هريرة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة ألا أريك الدنيا جميعها بما فيها فقلت بل يا رسول الله فأخذ بيده وأتى بي واديا من أودية المدينة فإذا مزبلة فيها رءوس أناس وعذرات وخرق وعظام ثم قال يا أبا هريرة هذه الرءوس كانت تحرص كحرصكم وتأمل كأملكم ثم هي اليوم عظام بلا جلد ثم هي صائرة رمادا وهذه العذرات هي ألوان أطعمتهم اكتسبوها من حيث اكتسبوها ثم قذفوها في بطونهم فأصبحت والناس يتحامونها وهذه الخرق البالية كانت رياشهم ولباسهم فأصبحت والرياح تصفقها وهذه العظام عظام دوابهم التي كانوا ينتجعون عليها أطراف البلاد فمن كان باكيا على الدنيا فليبك قال فما برحنا حتى اشتد بكاؤنا حديث أبي هريرة ألا أريك الدنيا جميعها بما فيها قلت بلى يا رسول الله فأخذ بيدي وأتى بي واديا من أودية المدينة فإذا مزبلة الحديث لم أجد له أصلا .
ويروي أن الله عز وجل لما أهبط آدم إلى الأرض قال له ابن للخراب ولد للفناء .
وقال داود بن هلال مكتوب في صحف إبراهيم عليه السلام يا دنيا ما أهونك على الأبرار الذين تصنعت وتزينت لهم إني قذفت في قلوبهم بغضك والصدود عنك وما خلقت خلقا أهون علي منك كل شأنك صغير وإلى الفناء يصير قضيت عليك يوم خلقتك أن لا تدومي لأحد ولا يدوم لك أحد وإن بخل بك صاحبك وشح عليك طوبى للأبرار الذين أطلعوني من قلوبهم على الرضا ومن ضميرهم على الصدق والاستقامة طوبى لهم ما لهم عندي من الجزاء إذا وفدوا إلي من قبورهم إلا النور يسعى أمامهم والملائكة حافون بهم حتى أبلغهم ما يرجون من رحمتي .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا موقوفة بين السماء والأرض منذ خلقها الله تعالى لم ينظر إليها وتقول يوم القيامة يا رب اجعلني لأدني أوليائك اليوم نصيبا فيقول اسكتي يا لا شيء إني لم أرضك لهم في الدنيا أرضاك لهم اليوم حديث الدنيا موقوفة بين السماء والأرض منذ خلقها الله لا ينظر إليها الحديث تقدم بعضه من رواية موسى بن يسارمرسلا ولم أجد باقيه .
وروي في أخبار آدم عليه السلام أنه لما أكل من الشجرة تحركت معدته لخروج الثقل ولم يكن ذلك مجعولا في شيء من أطعمة الجنة إلا في هذه الشجرة فلذلك نهيا عن أكلها قال فجعل يدور في الجنة فأمر الله تعالى ملكا يخاطبه فقال له قل له أي شيء تريد قال آدم أريد أن أضع ما في بطني من الأذى فقيل للملك قل له في أي مكان تريد أن تضعه أعلى الفرش أم على السرر أم على الأنهار أم تحت ظلال الأشجار هل ترى ههنا مكانا يصلح لذلك اهبط إلى الدنيا .
وقال صلى الله عليه وسلم ليجيئن أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى النار قالوا يا رسول الله مصلين قال نعم كانوا يصلون ويصومون ويأخذون هنة من الليل فإذا عرض لهم شيء من الدنيا وثبوا عليه حديث لجيئين أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم الي النار الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث سالم مولى أبي حذيفة بسند ضعيف وأبو منصور الديلمي من حديث أنس وهو ضعيف أيضا .
وقال صلى الله عليه وسلم في بعض خطبه المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه فليتزود العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته ومن حياته لموته ومن شبابه لهرمه فإن الدنيا خلقت لكم وأنتم خلقتم للآخرة والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار حديث المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى الحديث أخرجه البيهقي في الشعب من حديث الحسن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيه انقطاع .
وقال عيسى عليه السلام لا يستقيم حب الدنيا والآخرة في مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد وروي أن جبريل عليه السلام قال لنوح عليه السلام يا أطول الأنبياء عمرا كيف وجدت الدنيا قال كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر قيل لعيسى عليه السلام لو اتخذت بيتا يكنك قال يكفينا خلقان من كان قبلنا .
وقال نبينا صلى الله عليه وسلم احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت حديث احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب من طريقه من رواية أبي الدرداء الرهاوي مرسلا .
وقال البيهقي أن بعضهم قال عن أبي الدرداء عن رجل من الصحابة قال الذهبي لا يدرى من أبو الدرداء قال وهكذا منكر لا أصل له وعن الحسن قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على أصحابه فقال هل منكم من يريد أن يذهب الله عنه العمى ويجعله بصيرا ألا إنه من رغب في الدنيا وطال أمله فيها أعمى الله قلبه على قدر ذلك ومن زهد في الدنيا وقصر فيها أمله أعطاه الله علما بغير تعلم وهدى بغير هداية ألا إنه سيكون بعدكم قوم لا يستقيم لهم الملك إلا بالقتل والتجبر ولا الغنى إلا بالفخر والبخل ولا المحبة إلا باتباع الهوى إلا فمن أدرك ذلك الزمان منكم فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى وصبر على البغضاء وهو يقدر على المحبة وصبر على الذل وهو يقدر على العز لا يريد بذلك إلا وجه الله تعالى أعطاه الله ثواب خمسين صديقا حديث الحسن هل منكم من يريد أن يذهب الله عنه العمى الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب من طريقه هكذا مرسلا وفيه إبراهيم بن الأشعث تكلم فيه أبو حاتم .
وروي أن عيسى عليه السلام اشتد عليه المطر والرعد والبرق يوما فجعل يطلب شيئا يلجأ إليه فوقعت عينه على خيمه من بعيد فأتاها فإذا فيها امرأة فحاد عنها فإذا هو بكهف في جبل فأتاه فإذا فيه أسد فوضع يده عليه وقال إلهي جعلت لكل شيء مأوى ولم تجعل لي مأوى فأوحى الله تعالى إليه مأواك في مستقر رحمتي لأزوجنك يوم القيامة مائة حوراء خلقتها بيدي ولأطعمن في عرسك أربعة آلاف عام يوم منها كعمر الدنيا ولآمرن مناديا ينادي أين الزهاد في الدنيا زوروا عرس الزاهد في الدنيا عيسى ابن مريم .
وقال عيسى ابن مريم عليه السلام ويل لصاحب الدنيا كيف يموت ويتركها وما فيها وتغره ويأمنها ويثق بها وتخذله وويل للمغترين كيف أرتهم ما يكرهون وفارقهم ما يحبون وجاءهم ما يوعدون وويل لمن الدنيا همه والخطايا عمله كيف يفتضح غدا بذنبه .
وقيل أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام يا موسى مالك ولدار الظالمين إنها ليست لك بدار اخرج منها همك وفارقها بعقلك فبئست الدار هي إلا لعامل يعمل فيها فنعمت الدار هي يا موسى إني مرصد للظالم حتى آخذ منه للمظلوم .
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح فجاء بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء قالوا أجل يا رسول الله قال فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم حديث بعث أبا عبيدة بن الجراح فجاء بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة متفق عليه من حديث عمرو ابن عوف البدري .
وقال أبو سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض فقيل ما بركات الأرض قال زهرة الدنيا حديث أبي سعيد إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الدنيا الحديث متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم لا تشغلوا قلوبكم بذكر الدنيا حديث لا تشغلوا قلوبكم بذكر الدنيا أخرجه البيهقي في الشعب من طريق ابن أبي الدنيا من رواية محمد بن النضر الحارثي مرسلا فنهى عن ذكرها فضلا عن إصابة عينها .
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:40 am | |
| وقال عمار بن سعيد مر عيسى عليه السلام بقرية فإذا أهلها موتى في الأفنية والطرق فقال يا معشر الحواريين إن هؤلاء ماتوا عن سخطة ولو ماتوا عن غير ذلك لتدافنوا فقالوا يا روح الله وددنا أن لو علمنا خبرهم فسأل الله تعالى فأوحى إليه إذا كان الليل فنادهم يجيبوك فلما كان الليل أشرف على نشز ثم نادى يا أهل القرية فأجابه مجيب لبيك يا روح الله فقال ما حالكم وما قصتكم قال بتنا في عافية وأصبحنا في الهاوية قال وكيف ذاك قال بحبنا الدنيا وطاعتنا أهل المعاصي قال وكيف كان حبكم للدنيا قال حب الصبي لأمه إذا أقبلت فرحنا بها وإذا أدبرت حزنا وبكينا عليها قال فما بال أصحابك لم يجيبوني قال لأنهم ملجمون بلجم من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد قال فكيف أجبتني أنت من بينهم قال لأني كنت فيهم ولم أكن منهم فلما نزل بهم العذاب أصابني معهم فأنا معلق على شفير جهنم لا أدري أأنجوا منها أم أكبكب فيها فقال المسيح للحواريين لأكل خبز الشعير بالملح الجريش ولبس المسوح والنوم على المزابل كثير مع عافية الدنيا والآخرة .
وقال أنس كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق فجاء أعرابي بناقة له فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم إنه حق على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه حديث أنس كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق الحديث وفيه حق على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه أخرجه البخاري .
وقال عيسى عليه السلام من الذي يبني على موج البحر دارا تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا وقيل لعيسى عليه السلام علمنا علما واحدا يحبنا الله عليه قال ابغضوا الدنيا يحبكم الله تعالى .
وقال أبو الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولهانت عليكم الدنيا ولآثرتم الآخرة حديث أبي الدرداء لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولهانت عليكم الدنيا ولآثرتم الآخرة أخرجه الطبراني دون قوله ولهانت وزاد ولخرجتم إلى الصعدات الحديث وزاد الترمذي وابن ماجه من حديث أبي ذر وما تلذذتم بالنساء على الفرش وأول الحديث متفق عليه من حديث أنس وفي أفراد البخاري من حديث عائشة ثم قال أبو الدرداء من قبل نفسه لو تعلمون ما أعلم لخرجتم إلى الصعدات تجأرون وتبكون على أنفسكم ولتركتم أموالكم لا حارس لها ولا راجع إليها إلا ما لابد لكم منه ولكن يغيب عن قلوبكم ذكر الآخرة وحضرها الأمل فصارت الدنيا أملك بأعمالكم وصرتم كالذين لا يعلمون فبعضكم شر من البهائم التي لا تدع هواها مخافة مما في عاقبته ما لكم لا تحابون ولا تناصحون وأنتم إخوان على دين الله ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو اجتمعتم على البر لتحاببتم ما لكم تناصحون في أمر الدنيا ولا تناصحون في أمر الآخرة ولا يملك أحدكم النصيحة لمن يحبه ويعينه على أمر آخرته ما هذا إلا من قلة الإيمان في قلوبكم لو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها كما توقنون بالدنيا لآثرتم طلب الآخرة لأنها أملك لأموركم فإن قلتم حب العاجلة غالب فإنا نراكم تدعون العاجلة من الدنيا للآجل منها تكدون أنفسكم بالمشقة والاحتراف في طلب أمر لعلكم لا تدركونه فبئس القوم أنتم ما حققتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ فيكم فإن كنتم في شك مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فائتونا لنبين لكم ولنريكم من النور ما تطمئن إليه قلوبكم والله ما أنتم بالمنقوصة عقولكم فنعذركم إنكم تستبينون صواب الرأي في دنياكم وتأخذون بالحزم في أموركم ما لكم تفرحون باليسير من الدنيا تصيبونه وتحزنون على اليسير منها يفوتكم حتى يتبين ذلك في وجوهكم ويظهر على ألسنتكم وتسمونها المصائب وتقيمون فيها المآتم وعامتكم قد تركوا كثيرا من دينهم ثم لا يتبين ذلك في وجوهكم ولا يتغير حالكم إني لأرى الله قد تبرأ منكم يلقى بعضكم بعضا بالسرور وكلكم يكره أن يستقبل صاحبه بما يكره مخافة أن يستقبله صاحبه بمثله فاصطحبتم على الغل ونبتت مراعيكم على الدمن وتصافيتم على رفض الأجل ولوددت أن الله تعالى أراحني منكم وألحقني بمن أحب رؤيته ولو كان حيا لم يصابركم فإن كان فيكم خير فقد أسمعتكم وإن تطلبوا ما عند الله تجدوه يسيرا وبالله أستعين على نفسي وعليكم.
وقال عيسى عليه السلام يا معشر الحواريين ارضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدين كما رضي أهل الدنيا بدنيء الدين مع سلامة الدنيا وفي معناه قيل أرى رجالا بأدنى الدين قد قنعوا وما أراهم رضوا في العيش بالدون فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما استغنى الملوك بدنياهم عن الدين .
وقال عيسى عليه السلام يا طالب الدنيا لتبر تركك الدنيا أبر وقال نبينا صلى الله عليه وسلم لتأتينكم بعدي دنيا تأكل إيمانكم كما تأكل النار الحطب حديث لتأتينكم بعدي دنيا تأكل إيمانكم كما تأكل النار الحطب لم أجد له أصلا .
وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام يا موسى لا تركنن إلى حب الدنيا فلن تأتيني بكبيرة هي أشذ منها ومر موسى عليه السلام برجل وهو يبكي ورجع وهو يبكي فقال موسى يا رب عبدك يبكي من مخافتك فقال يا ابن عمران لو سال دماغه مع دموع عينيه ورفع يديه حتى يسقطا لم أغفر له وهو يحب الدنيا .
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:41 am | |
| الآثار
قال علي رضي الله عنه من جمع فيه ست خصال لم يدع للجنة مطلبا ولا عن النار مهربا أولها من عرف الله وأطاعه وعرف الشيطان فعصاه وعرف الحق فاتبعه وعرف الباطل فاتقاه وعرف الدنيا فرفضها وعرف الآخرة فطلبها .
وقال الحسن رحم الله أقواما كانت الدنيا عندهم وديعة فأدوها إلى من ائتمنهم عليها ثم راحوا خفافا .
وقال أيضا رحمه الله من نافسك في دينك فنافسه ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره وقال لقمان عليه السلام لابنه يا بني إن الدنيا بحر عميق وقد غرق فيه ناس كثير فلتكن سفينتك فيه تقوى الله عز وجل وحشوها الإيمان بالله تعالى وشراعها التوكل على الله عز وجل لعلك تنجو وما أراك ناجيا .
وقال الفضيل طالت فكرتي في هذه الآية إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا .
وقال بعض الحكماء إنك لن تصبح في شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلك وسيكون له أهل بعدك وليس لك من الدنيا إلا عشاء ليلة وغداء يوم فلا تهلك في أكله وصم عن الدنيا وأفطر على الآخرة وإن رأس مال الدنيا الهوى وربحها النار .
وقيل لبعض الرهبان كيف ترى الدهر قال يخلق الأبدان ويجدد الآمال ويقرب المنية ويبعد الأمنية قيل فما حال أهله قال من ظفر به تعب ومن فاته نصب وفي ذلك قيل ومن يحمد الدنيا لعيش يسره فسوف لعمري عن قليل يلومها إذا أدبرت كانت على المرء حسرة وإن أقبلت كانت كثيرا همومها وقال بعض الحكماء كانت الدنيا ولم أكن فيها وتذهب الدنيا ولا أكون فيها فلا أسكن إليها فإن عيشها نكد وصفوها كدر وأهلها منها على وجل إما بنعمة زائلة أو بلية نازلة أو منية قاضية .
وقال بعضهم من عيب الدنيا أنها لا تعطي أحدا ما يستحق لكنها إما أن تزيد وإما أن تنقص .
وقال سفيان أما ترى النعم كأنها مغضوب عليها قد وضعت في غير أهلها وقال أبو سليمان الداراني من طلب الدنيا على المحبة لها لم يعط منها شيئا إلا أراد أكثر ومن طلب الآخرة على المحبة لها لم يعط منها شيئا إلا أراد أكثر وليس لهذا غاية وقال رجل لأبي حازم أشكو إليك حب الدنيا وليست لي بدار فقال انظر ما آتاكه الله عز وجل منها فلا تأخذه إلا من حله ولا تضعه إلا في حقه ولا يضرك حب الدنيا وإنما قال هذا لأنه لو آخذ نفسه بذلك لألعبه حتى يتبرم بالدنيا ويطلب الخروج منها .
وقال يحيى بن معاذ الدنيا حانوت الشيطان فلا تسرق من حانوته شيئا فيجيء في طلبه فيأخذك وقال الفضيل لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى لكان ينبغي لنا أن نختار خزفا يبقى على ذهب يفنى فكيف وقد اخترنا خزفا يفنى على ذهب يبقى .
وقال أبو حازم إياكم والدنيا فإنه بلغني أنه يوقف العبد يوم القيامة إذا كان معظما الدنيا فيقال هذا عظم ما حقره الله وقال ابن مسعود ما أصبح أحد من الناس إلا وهو ضيف وماله عارية فالضيف مرتحل والعارية مردودة وفي ذلك قيل وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوما أن ترد الودائع وزار رابعة أصحابها فذكروا الدنيا فأقبلوا على ذمها فقالت اسكتوا عن ذكرها فلولا موقعها من قلوبكم ما أكثرتم من ذكرها ألا من أحب شيئا أكثر من ذكره وقيل لإبراهيم بن أدهم كيف أنت فقال نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع فطوبى لعبد آثر الله ربه وجاد بدنياه لما يتوقع وقيل أيضا في ذلك أرى طالب الدنيا وإن طال عمره ونال من الدنيا سرورا وأنعما كبان بنى بنيانه فأقامه فلما استوى ما قد بناه تهدما وقيل أيضا في ذلك هب الدنيا تساق إليك عفوا أليس مصير ذاك إلى انتقال وما دنياك إلا مثل فيء أظلك ثم آذن بالزوال .
وقال لقمان لابنه يا بني بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ولا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعا وقال مطرف ابن الشخير لا تنظر إلى خفض عيش الملوك ولين رياشهم ولكن انظر إلى سرعة ظعنهم وسوء منقلبهم .
وقال ابن عباس إن الله تعالى جعل الدنيا ثلاثة أجزاء جزء للمؤمن وجزء للمنافق وجزء للكافر فالمؤمن يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع وقال بعضهم الدنيا جيفة فمن أراد منها شيئا فليصبر على معاشرة الكلاب وفي ذلك قيل يا خاطب الدنيا إلى نفسها تنح عن خطبتها تسلم إن التي تخطب غدارة قريبة العرس من المأتم .
وقال أبو الدرداء من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها ولا ينال ما عنده إلا بتركها وفي ذلك قيل إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق وقيل أيضا يا راقد الليل مسرورا بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا أفنى القرون التي كانت منعمة كر الجديدين إقبالا وإدبارا كم قد أبادت صروف الدهر من ملك قد كان في الدهر نفاعا وضرارا يا من يعانق دنيا لا بقاء لها يمسي ويصبح في دنياه سفارا هلا تركت من الدنيا معانقة حتى تعانق في الفردوس أبكارا إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها فينبغي لك أن لا تأمن النارا .
وقال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم أتت إبليس جنوده فقالوا قد بعث نبي وأخرجت أمة قال يحبون الدنيا قالوا نعم قال لئن كانوا يحبون الدنيا ما أبالي أن لا يعبدوا الأوثان وإنما أغدو عليهم وأروح بثلاث أخذ المال من غير حقه وإنفاقه في غير حقه وإمساكه عن حقه والشر كان من هذا نبع .
وقال رجل لعلي كرم الله وجهه يا أمير المؤمنين صف لنا الدنيا قال وما أصف لك من دار صح فيها سقم ومن أمن فيها ندم ومن افتقر فيها حزن ومن استغنى فيها افتتن في حلالها الحساب وفي حرامها العقاب ومتشابهها العتاب وقيل له ذلك مرة أخرى فقال أطول أم أقصر فقيل قصر فقال حلالها حساب وحرامها عذاب .
وقال مالك بن دينار اتقوا السحارة فإنها تسحر قلوب العلماء يعني الدنيا وقال أبو سليمان الداراني إذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا تزاحمها فإذا كانت الدنيا في القلب لم تزاحمها الآخرة لأن الآخرة كريمة والدنيا لئيمة وهذا تشديد عظيم ونرجو أن يكون ما ذكره سيار بن الحكم أصح إذ قال الدنيا والآخرة يجتمعان في القلب فأيهما غلب كان الآخر تبعا له .
وقال مالك بن دينار بقدر ما تحزن للدنيا يخرج هم الآخرة من قلبك وبقدر ما تحزن للآخرة يخرج هم الدنيا من قلبك وهذا اقتباس مما قاله علي كرم الله وجهه حيث قال الدنيا والآخرة ضرتان فبقدر ما ترضى إحداهما تسخط الأخرى .
وقال الحسن والله لقد أدركت أقواما كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي تمشون عليه ما يبالون أشرقت الدنيا أم غربت ذهبت إلى ذا أو ذهبت إلى ذا وقال رجل للحسن ما تقول في رجل آتاه الله مالا فهو يتصدق منه ويصل منه أيحسن له أن يتعيش فيه يعني يتنعم فقال لا لو كانت له الدنيا كلها ما كان له منها إلا الكفاف ويقدم ذلك ليوم فقره .
وقال الفضيل لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي حلالا لا أحاسب عليها في الآخرة لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن تصيب ثوبه .
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:42 am | |
| وقيل لما قدم عمر رضي الله عنه الشام فاستقبله أبو عبيدة بن الجراح على الناقة مخطومة بحبل فسلم وسأله ثم أتى منزله فلم ير فيه إلا سيفه وترسه ورحله فقال له عمر رضي الله عنه لو اتخذت متاعا فقال يا أمير المؤمنين إن هذا يبلغنا المقيل .
وقال سفيان خذ من الدنيا لبدنك وخذ من الآخرة لقلبك .
وقال الحسن والله لقد عبدت بنو إسرائيل الأصنام بعد عبادتهم الرحمن بحبهم الدنيا وقال وهب قرأت في بعض الكتب الدنيا غنيمة الأكياس وغفلة الجهال لم يعرفوها حتى خرجوا منها فسألوا الرجعة فلم يرجعوا .
وقال لقمان لابنه يا بني إنك استدبرت الدنيا من يوم نزلتها واستقبلت الآخرة فأنت إلى دار تقرب منها أقرب من دار تباعد عنها وقال سعيد بن مسعود إذا رأيت العبد تزداد دنياه وتنقص آخرته وهو به راض فذلك المغون الذي يلعب بوجهه وهو لا يشعر .
وقال عمرو بن العاص على المنبر والله ما رأيت قوما قط أرغب فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيه منكم والله ما مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث إلا والذي عليه أكثر من الذي له حديث عمرو بن العاص والله ما رأيت قوما قط أرغب فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيه منكم الحديث أخرجه الحاكم وصححه ورواه أحمد وابن حبان بنحوه وقال الحسن بعد أن تلا قوله تعالى فلا تغرنكم الحياة الدنيا من قال ذا قاله من خلقها ومن هو أعلم بها إياكم وما شغل من الدنيا فإن الدنيا كثيرة الأشغال لا يفتح رجل على نفسه باب شغل إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب وقال أيضا مسكين ابن أدم رضي بدار حلالها حساب وحرامها عذاب إن أخذه من حله حوسب به وإن أخذه من حرام عذب به ابن آدم يستقل ماله ولا يستقل عمله يفرح بمصيبتة في دينه ويجزع من مصيبته في دنياه وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز سلام عليك أما بعد فكأنك بآخر من كتب عليه الموت قد مات فأجابه عمر سلام عليك كأنك بالدنيا ولم تكن وكأنك بالآخرة لم تزل وقال الفضيل بن عياض الدخول في الدنيا هين ولكن الخروج منها شديد وقال بعضهم عجبا لمن يعرف أن الموت حق كيف يفرح وعجبا لمن يعرف أن النار حق كيف يضحك وعجبا لمن رأى تقلب الدنيا بأهلها كيف يطمئن إليها وعجبا لمن يعلم أن القدر حق كيف ينصب وقدم على معاوية رضي الله عنه رجل من نجران عمره مائتا سنة فسأله عن الدنيا كيف وجدها فقال سنيات بلاء وسنيات رخاء يوم فيوم وليلة فليلة يولد ولد ويهلك هالك فلولا المولود لباد الخلق ولولا الهالك ضاقت الدنيا بمن فيها فقال له سل ما شئت قال عمر مضى فترده أو أجل حضر فتدفعه قال لا أملك ذلك قال لا حاجة لي إليك وقال داود الطائي رحمه الله يا ابن آدم فرحت ببلوغ أملك وإنما بلغته بانقضاه أجلك ثم سوفت بعملك كان منفعته لغيرك وقال بشر من سأل الله الدنيا فإنما يسأله طول الوقوف بين يديه وقال أبو حازم ما في الدنيا شيء يسرك إلا وقد ألصق الله إليه شيئا يسوءك وقال الحسن لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث أنه لم يشبع مما جمع ولم يدرك ما أمل ولم يحسن الزاد لما يقدم عليه وقيل لبعض العباد قد نلت الغنى فقال إنما نال الغنى من عتق من رق الدنيا وقال أبو سليمان لا يصبر عن شهوات الدنيا إلا من كان في قلبه ما يشغله بالآخرة وقال مالك بن دينار اصطلحنا على حب الدنيا فلا يأمر بعضنا بعضا ولا ينهى بعضنا بعضا ولا يدعنا الله على هذا فليت شعري أي عذاب الله ينزل علينا وقال أبو حازم يسير الدنيا يشغل عن كثير الآخرة وقال الحسن أهينوا الدنيا فو الله ما هي لأحد بأهنأ منها لمن أهانها وقال أيضا إذا أراد الله بعبد خيرا أعطاه من الدنيا عطية ثم يمسك فإذا نفذ أعاد عليه وإذا هان عليه عبد بسط له الدنيا بسطا وكان بعضهم يقول في دعائه يا ممسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنك أمسك الدنيا عني وقال محمد بن المنكدر أرأيت لو أن رجلا صام الدهر لا يفطر وقام الليل لا ينام وتصدق بماله وجاهد في سبيل الله واجتنب محارم الله غير أنه يؤتى به يوم القيامة فيقال إن هذا عظم في عينه ما صغره الله وصغر في عينه ما عظمه الله كيف ترى يكون حاله فمن منا ليس هكذا الدنيا عظيمة عنده مع ما اقترفنا من الذنوب والخطايا وقال أبو حازم اشتدت مؤنة الدنيا والآخرة فأما مؤنة الآخرة فإنك لا تجد عليها أعوانا وأما مؤنة الدنيا فإنك لا تضرب بيدك إلى شيء منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليه
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:44 am | |
| وقال أبو هريرة الدنيا موقوفة بين السماء والأرض كالشن البالي تنادى ربها منذ خلقها إلى يوم يفنيها يا رب يا رب لم تبغضني فيقول لها اسكتي يا لا شيء وقال عبد الله بن المبارك حب الدنيا والذنوب في القلب قد احتوشته فمتى يصل الخير إليه وقال وهب بن منبه من فرح قلبه بشيء من الدنيا فقد أخطأ الحكمة ومن جعل شهوته تحت قدميه فرق الشيطان من ظله ومن غلب علمه هواه فهو الغالب وقيل لبشر مات فلان فقال جمع الدنيا وذهب إلى الآخرة ضيع نفسه قيل له إنه كان يفعل ويفعل وذكروا أبوابا من البر فقال وما ينفع هذا وهو يجمع الدنيا وقال بعضهم الدنيا تبغض إلينا نفسها ونحن نحبها فكيف لو تحببت إلينا وقيل لحكيم الدنيا لمن هي قال لمن تركها فقيل الآخرة لمن هي قال لمن طلبها وقال حكيم الدنيا دار خراب وأخرب منها قلب من يعمرها والجنة دار عمران وأعمر منها قلب من يطلبها وقال الجنيد كان الشافعي رحمه الله من المريدين الناطقين بلسان الحق في الدنيا وعظ أخا له في الله وخوفه بالله فقال يا أخي إن الدنيا دحض مزلة ودار مذلة عمرانها إلى الخراب صائر وساكنها إلى القبور زائر شملها على الفرقة موقوف وغناها إلى الفقر مصروف الإكثار فيها إعسار والإعسار فيها يسار فافزع إلى الله وارض برزق الله لا تتسلف من دار بقائك إلى دار فنائك فإن عيشتك فيء زائل وجدار مائل أكثر من عملك وأقصر من أملك وقال إبراهيم بن أدهم لرجل أدرهم في المنام أحب إليك أم دينار في اليقظة فقال دينار في اليقظة فقال كذبت لأن الذي تحبه في الدنيا كأنك تحبه في المنام والذي لا تحبه في الآخرة كأنك لا تحبه في اليقظة وعن إسماعيل بن عياش قال كان أصحابنا يسمون الدنيا خنزيرة فيقولون إليك عنا يا خنزيرة فلو وجدوا لها أسماء أقبح من هذا لسموها به وقال كعب لتحببن إليكم الدنيا حتى تعبدوها وأهلها وقال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله العقلاء ثلاثة من ترك الدنيا قبل أن تتركه وبنى قبره قبل أن يدخله وأرضى خالقه قبل أن يلقاه وقال أيضا الدنيا بلغ شؤمها أن تمنيك لما يلهيك عن طاعة الله فكيف الوقوع فيها وقال بكر بن عبد الله من أراد أن يستغني عن الدنيا بالدنيا كان كمطفيء النار بالتبن وقال بندار إذا رأيت أبناء الدنيا يتكلمون في الزهد فاعلم أنهم في سخرة الشيطان وقال أيضا من أقبل على الدنيا أحرقته نيرانها يعني الحرص حتى يصير رمادا ومن أقبل على الآخرة صفته بنيرانها فصار سبيكة ذهب ينتفع به ومن أقبل على الله عز وجل أحرقته نيران التوحيد فصار جوهرا لا حد لقيمته وقال علي كرم الله وجهه إنما الدنيا ستة أشياء مطعوم ومشروب وملبوس ومركوب ومنكوح ومشموم فأشرف المطعومات العسل وهو مذقة ذباب وأشرف المشروبات الماء ويستوي فيه البر والفاجر وأشرف الملبوسات الحرير وهو نسج دودة وأشرف المركوبات الفرس وعليه يقتل الرجال وأشرف المنكوحات المرأة وهي مبال في مبال وإن المرأة لتزين أحسن شيء منها ويراد أقبح شيء منها وأشرف المشمومات المسك وهو دم بيان المواعظ في ذم الدنيا وصفتها قال بعضهم يا أيها الناس اعملوا على مهل وكونوا من الله على وجل ولا تغتروا بالأمل ونسيان الأجل ولا تركنوا إلى الدنيا فإنها غدارة خداعة قد تزخرف لكم بغرورها وفتنتكم بأمانيها وتزينت لخطابها فأصبحت كالعروس المجلية العيون إليها ناظرة والقلوب عليها عاكفة والنفوس لها عاشقة فكم من عاشق لها قتلت ومطمئن إليها خذلت فانظروا إليها بعين الحقيقة فإنها دار كثير بوائقها وذمها خالقها جديدها يبلى وملكها يفنى وعزيزها يذل وكثيرها يقل ودها يموت وخيرها يفوت فاستيقظوا رحمكم الله من غفلتكم وانتبهوا من رقدتكم قبل أن يقال فلان عليل أو مدنف ثقيل فهو على الدواء من دليل وهل إلى الطبيب من سبيل فتدعى له الأطباء ولا يرجى له الشفاء ثم يقال فلان أوصى ولماله أحصى ثم يقال قد ثقل لسانه فما يكلم إخوانه ولا يعرف جيرانه وعرق عند ذلك جبينك وتتابع أنينك وثبت يقينك وطمحت جفونك وصدقت ظنونك وتلجلج لسانك وبكى إخوانك وقيل لك هذا ابنك فلان وهذا أخوك فلان ومنعت من الكلام فلا تنطق وختم على لسانك فلا ينطلق ثم حل بك القضاء وانتزعت نفسك من الأعضاء ثم عرج بها إلى السماء فاجتمع عند ذلك إخوانك وأحضرت أكفانك فغسلوك وكفنوك فانقطع عوادك واستراح حسادك وانصرف أهلك إلى مالك وبقيت مرتهنا بأعمالك وقال بعضهم لبعض الملوك إن أحق الناس بذم الدنيا وقلاها من بسط له فيها وأعطى حاجته منها لأنه يتوقع آفة تعدو على ماله فتجتاحه أو على جمعه فتفرقه أو تأتي سلطانه فتهدمه من القواعد أو تدب إلى جسمه فتسقمه أو تفجعه بشيء هو ضنين به بين أحبابه فالدنيا أحق بالذم هي الآخذة ما تعطي الراجعة فيما تهب بينا هي تضحك صاحبها إذا أضحكت منه غيره وبينا تبكي له إذ أبكت عليه وبينا هي تبسط كفها بالإعطاء إذ بسطتها بالاسترداد فتعقد التاج على رأس صاحبها اليوم وتعفره بالتراب غدا سواء عليها ذهاب ما ذهب وبقاء ما بقي تجد في الباقي من الذاهب خلفا وترضى بكل من كل بدلا وكتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز أما بعد فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة وإنما أنزل آدم عليه السلام من الجنة إلى عقوبة فاحذرها يا أمير المؤمنين فإن الزاد منها تركها والغني منها فقرها لها في كل حين قتيل تذل من أعزها وتفقر من جمعها هي كالسم يأكله من لا يعرفه وفيه حتفه فكن فيها كالمداوي جراحه يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا ويصبر على شدة الدواء مخافة طول الداء فاحذر هذه الدار الغدارة الختالة الخداعة التي قد تزينت بخدعها وفتنت بغرورها حلت بآمالها وسوفت بخطابها فأصبحت كالعروس المجلية العيون إليها ناظرة والقلوب عليها والهة والنفوس لها عاشقة وهي لأزواجها كلهم قالية فلا الباقي بالماضي معتبر ولا الآخر بالأول مزدجر ولا العارف بالله عز وجل حين أخبره عنها مدكر فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته فاغتر وطغى ونسي المعاد فشغل فيها لبه حتى زلت به قدمه فعظمت ندامته وكثرت حسرته واجتمعت عليه سكرات الموت وتألمه وحسرات الفوت بغصته وراغب فيها لم يدرك منها ما طلب ولم يروح نفسه من التعب فخرج بغير زاد وقدم على غير مهاد فاحذرها يا أمير المؤمنين وكن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه السار في أهلها غار والنافع فيها غدار ضار وقد وصل الرخاء منها بالبلاء وجعل البقاء فيها إلى فناء فسروها مشوب بالأحزان لا يرجع منها ما ولى وأدبر ولا يدري ما هو آت فينتظر أمانيها كاذبة وآمالها باطلة وصفوها كدر وعيشها نكد وابن آدم فيها على خطر إن عقل ونظر فهو من النعماء على خطر ومن البلاء على الحذر فلو كان الخالق لم يخبر عنها خبرا ولم يضرب لها مثلا لكانت الدنيا قد أيقظت النائم ونبهت الغافل فكيف وقد جاء من الله عز وجل عنها زاجرا وفيها واعظ فما لها عند الله جل ثناؤه قدر وما نظر إليها منذ خلقها ولقد عرضت على نبيك صلى الله عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصه ذلك عند الله جناح بعوضة فأبى أن يقبلها حديث الحسن وكتب به إلى عمر بن عبد العزيز عرضت أي الدنيا على نبيك صلى الله عليه وسلم بمفاتيحها وخزائنها الحديث أخرجه أبي الدنيا هكذا مرسلا ورواه أحمد والطبراني متصلا من حديث أبي مويهبة في أثناء حديث فيه إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة الحديث وسنده صحيح وللترمذي من حديث أبي أمامة عرض على ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا الحديث إذ كره أن يخالف على الله أمره أو يحب ما أبغضه خالقه أو يرفع ما وضع مليكه فزواها عن الصالحين اختبارا وبسطها لأعدائه اغترارا فيظن المغرور بها المقتدر عليها أنه أكرم بها ونسي ما صنع الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه وسلم حين شد الحجر على بطنه حديث الحسن مرسلا في شده الحجر على بطنه أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا هكذا وللبخاري من حديث أنس رفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرين وقال حديث غريب ولقد جاءت الرواية عنه عن ربه عز وجل أنه قال لموسى عليه السلام إذا رأيت الغني مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين وإن شئت اقتديت بصاحب الروح والكلمة عيسى ابن مريم عليه السلام فإنه كان يقول إدامي الجوع وشعاري الخوف ولباسي الصوف وصلائي في الشتاء في مشارق الشمس وسراجي القمر ودابتي رجلاي وطعامي وفاكهتي ما أنبتت الأرض أبيت وليس لي شيء وأصبح وليس لي شيء وليس على الأرض أحد أغنى مني وقال وهب بن منبه لما بعث الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون قال لا يرو عنكما لباسه الذي لبس من الدنيا فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني ولا يعجبنكما ما تمتع به منها فإنما هي زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين فلو شئت أن أزينكما بزينة من الدنيا يعرف فرعون حين يراها أن قدرته تعجز عما أوتيتما لفعلت ولكني أرغب بكما عن ذلك فأزوي ذلك عنكما وكذلك أفعل بأوليائي إني لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة وإني لأجنبهم ملاذها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن منازل الغرة وما ذاك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا إنما يتزين لي أوليائي بالذل والخوف والخضوع والتقوى تنبت في قلوبهم وتظهر على أجسادهم فهي ثيابهم التي يلبسون ودثارهم الذي يظهرون وضميرهم الذي يستشعرون ونجاتهم التي بها يفوزون ورجاؤهم الذي إياه يأملون ومجدهم الذي به يفخرون وسيماهم التي بها يعرفون فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك وذلل لهم قلبك ولسانك واعلم أنه من أخاف لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ثم أنا الثائر له يوم القيامة وخطب علي كرم الله وجهه يوما خطبة فقال فيها اعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت وموقوفون على أعمالكم ومجزيون بها فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنها بالبلاء محفوفة وبالفناء معروفة وبالغدر موصوفة وكل ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال لا تدوم أحوالها ولا يسلم من شرها نزالها بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور أحوال مختلفة وتارات منصرفة العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها وتقصيهم بحمامها وكل حتفه فيها مقدور وحظه فيها موفور واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا وأشد منكم بطشا وأعمر ديارا وأبعد آثارا فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقلبها وأجسادهم بالية وديارهم على عروشها خاوية وآثارهم عافية واستبدلوا بالقصور المشيدة والسرر والنمارق الممهدة الصخور والأحجار المسندة في القبور اللاطئة الملحدة فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والإخوان على ما بينهم من قرب المكان والجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلا وأكلتهم الجنادل والثرى وأصبحوا بعد الحياة أمواتا وبعد نضارة العيش رفاتا فجع بهم الأحباب وسكنوا تحت التراب ظعنوا فليس لهم إياب هيهات هيهات كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلاء والوحدة في دار المثوى وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو عاينتم الأمور وبعثرت القبور وحصل ما في الصدور وأوقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب وهتكت عنكم الحجب والأستار وظهرت منكم العيوب والأسرار هنالك تجزى كل نفس بما كسبت إن الله عز وجل يقول ليجزى الذي أساءوا بما عملوا ويجزى الذي أحسنوا بالحسنى وقال تعالى ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه الآية جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه متبعين لأوليائه حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله إنه حميد مجيد وقال بعض الحكماء الأيام سهام والناس أغراض والدهر يرميك كل يوم بسهامه ويخترمك بلياليه وأيامه حتى يستغرق جميع أجزائك فكيف بقاء سلامتك مع وقوع الأيام بك وسرعة الليالي في بدنك لو كشف لك عما أحدثت الأيام فيك من النقص لاستوحشت من كل يوم يأتي عليك واستثقلت ممر الساعة بك ولكن تدبير الله فوق تدبير الاعتبار وبالسلو عن غوائل الدنيا وجد طعم لذاتها وإنها لأمر من العلقم إذا عجنها الحكيم وقد أعيت الواصف لعيوبها بظاهر أفعالها وما تأتي به من العجائب أكثر مما يحيط به الواعظ اللهم أرشدنا إلى الصواب
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:45 am | |
| وقال بعض الحكماء وقد استوصف الدنيا وقدر بقائها فقال الدنيا وقتك الذي يرجع إليك فيه طرفك لأن ما مضى عنك فقد فاتك إدراكه وما لم يأت فلا علم لك به والدهر يوم مقبل تنعاه ليلته وتطويه ساعاته وأحداثه تتوالى على الإنسان بالتغيير والنقصان والدهر موكل بتشتيت الجماعات وانخرام الشمل وتنقل الدول والأمل طويل والعمر قصير وإلى الله تصير الأمور وخطب عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه فقال يا أيها الناس إنكم خلقتم لأمر إن كنتم تصدقون به فإنكم حمقى وإن كنتم تكذبون به فإنكم هلكى إنما خلقتم للأبد ولكنكم من دار إلى دار تنقلون عباد الله إنكم في دار لكم فيها من طعامكم غصص ومن شرابكم شرق لا تصفو لكم نعمة تسرون بها إلا بفراق أخرى تكرهون فراقها فاعملوا لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه ثم غلبه البكاء ونزل قال علي كرم الله وجهه في خطبته أوصيكم بتقوى الله والترك للدنيا التاركة لكم وإن كنتم لا تحبون تركها المبلية أجسامكم وأنتم تريدون تجديدها فإنما مثلكم ومثلها كمثل قوم في سفر سلكوا طريقا وكأنهم قطعوه وأفضوا إلى علم فكأنهم بلغوه وكم عسى أن يجري المجرى حتى ينتهي إلى الغاية وكم عسى أن يبقى من له يوم في الدنيا وطالب حثيث يطلبه حتى يفارقها فلا تجزعوا لبؤسها وضرائها فإنه إلى انقطاع ولا تفرحوا بمتاعها ونعمائها فإنه إلى زوال عجبت لطالب الدنيا والموت يطلبه وغافل وليس بمغفول عنه وقال محمد بن الحسين لما علم أهل الفضل والعلم والمعرفة والأدب أن الله عز وجل قد أهان الدنيا وأنه لم يرضها لأوليائه وأنها عنده حقيرة قليلة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم زهد فيها وحذر أصحابه من فتنتها أكلوا منها قصدا وقدموا فضلا وأخذوا منها ما يكفي وتركوا ما يلهي لبسوا من الثياب ما ستر العورة وأكلوا من الطعام أدناه مما سد الجوعة ونظروا إلى الدنيا بعين أنها فانية وإلى الآخرة أنها باقية فتزودوا من الدنيا كزاد الراكب فخربوا الدنيا وعمروا بها الآخرة ونظروا إلى الآخرة بقلوبهم فعلموا أنهم سينظرون إليها بأعينهم فارتحلوا إليها بقلوبهم لما علموا أنهم سيرتحلون إليها بأبدانهم تعبوا قليلا وتنعموا طويلا كل ذلك بتوفيق مولاهم الكريم أحب ما أحب لهم وكرهوا ما كره لهم بيان صفة الدنيا بالأمثلة اعلم أن الدنيا سريعة الفناء قريبة الانقضاء تعد بالبقاء ثم تخلف في الوفاء تنظر إليها فتراها ساكنة مستقرة وهي سائرة سيرا عنيفا ومرتحلة ارتحالا سريعا ولكن الناظر إليها قد لا يحس بحركتها فيطمئن إليها وإنما يحس عند انقضائها ومثالها الظل فإنه متحرك ساكن متحرك في الحقيقة ساكن الظاهر لا تدرك حركته بالبصر الظاهر بل بالبصيرة الباطنة ولما ذكرت الدنيا عند الحسن البصري رحمه الله أنشد وقال أحلام نوم أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع وكان الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يتمثل كثيرا ويقول يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها إن اغترارا بظل زائل حمق وقيل إن هذا من قوله ويقال إن أعرابيا نزل بقوم فقدموا إليه طعاما فأكل ثم قام إلى ظل خيمة لهم فنام هناك فاقتلعوا الخيمة فأصابته الشمس فانتبه فقام وهو يقول ألا إنما الدنيا كظل ثنية ولا بد يوما أن ظلك زائل وكذلك قيل وإن امرأ دنياه أكبر همه لمستمسك منها بحبل غرور مثال آخر للدنيا من حيث التغرير بخيالاتها ثم الإفلاس منها بعد إفلاتها تشبه خيالات المنام وأضغاث الأحلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا حلم وأهلها عليها مجازون ومعاقبون حديث الدنيا حلم وأهلها عليها مجازون ومعاقبون لم أجد له أصلا وقال يونس بن عبيد ما شبهت نفسي في الدنيا إلا كرجل نام فرأى في منامه ما يكره وما يحب فبينما هو كذلك إذ انتبه فكذلك الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا فإذا ليس بأيديهم شيء مما ركنوا إليه وفرحوا به وقيل لبعض الحكماء أي شيء أشبه بالدنيا قال أحلام النائم مثال آخر للدنيا في عداوتها لأهلها وإهلاكها لبنيها اعلم أن طبع الدنيا التلطف في الاستدراج أولا والتوصل إلى الإهلاك آخرا وهي كامرأة تتزين للخطاب حتى إذا نكحتهم ذبحتهم وقد روي أن عيسى عليه السلام كوشف بالدنيا فرآها في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة فقال لها كم تزوجت قالت لا أحصيهم قال فكلهم مات عنك أم كلهم طلقك قالت بل كلهم قتلت فقال عيسى عليه السلام بؤسا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين كيف تهلكينهم واحدا بعد واحد ولا يكونون منك على حذر مثال آخر للدنيا في مخالفة ظاهرها لباطنها اعلم أن الدنيا مزينة الظواهر قبيحة السرائر وهي شبه عجوز متزينة تخدع الناس بظاهرها فإذا وقفوا على باطنها وكشفوا القناع عن وجهها تمثل لهم قبائحها فندموا على اتباعها وخجلوا من ضعف عقولهم في الاغترار بظاهرها وقال العلاء بن زياد رأيت في المنام عجوزا كبيرة متعصبة الجلد عليها من كل زينة الدنيا والناس عكوف عليها معجبون ينظرون إليها فجئت ونظرت وتعجبت من نظرهم إليها وإقبالهم عليها فقلت لها ويلك من أنت قالت أو ما تعرفني قلت لا أدري من أنت قالت أنا الدنيا قلت أعوذ بالله من شرك قالت إن أحببت أن تعاذ من شري فأبغض الدرهم قال أبو بكر بن عياش رأيت الدنيا في النوم عجوزا مشوهة شمطاء تصفق بيديها وخلفها خلق يتبعونها ويصفقون ويرقصون فلما كانت بحذائي أقبلت علي فقالت لو ظفرت بك لصنعت بك مثل ما صنعت بهؤلاء ثم بكى أبو بكر وقال رأيت هذا قبل أن أقدم إلى بغداد | |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:46 am | |
| وقال الفضيل بن عياض قال ابن عباس يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية ومشوه خلقها فتشرف على الخلائق فيقال لهم أتعرفون هذه فيقولون نعوذ بالله من معرفة هذه فيقال هذه الدنيا التي تناحرتم عليها بها تقاطعتم الأرحام وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم ثم يقذف بها في جهنم فتنادي أي رب أين أتباعي وأشياعي فيقول الله عز وجل ألحقوا بها أتباعها وأشياعها وقال الفضيل بلغني أن رجلا عرج بروحه فإذا امرأة على قارعة الطريق عليها من كل زينة من الحلي والثياب وإذا لا يمر بها أحد إلا جرحته فإذا هي أدبرت كانت أحسن شيء رآه الناس وإذا هي أقبلت كانت أقبح شيء رآه الناس عجوز شمطاء زرقاء عمشاء قال فقلت أعوذ بالله منك قالت لا والله لا يعيذك الله مني حتى تبغض الدرهم قال فقلت من أنت قالت أنا الدنيا مثال آخر للدنيا وعبور الإنسان بها اعلم أن الأحوال ثلاثة حالة لم تكن فيها شيئا وهي ما قبل وجودك إلى الأزل وحالة لا تكون فيها مشاهدا للدنيا وهي ما بعد موتك إلى الأبد وحالة متوسطة بين الأبد والأزل وهي أيام حياتك في الدنيا فانظر إلى مقدار طولها وانسبه إلى طرفي الأزل والأبد حتى تعلم إنه أقل من منزل قصير في سفر بعيد ولذلك قال صلى الله عليه وسلم مالي وللدنيا وإنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب سار في يوم صائف فرفعت شجرة فقال تحت ظلها ساعة ثم راح وتركها حديث مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث ابن مسعود بنحوه ورواه أحمد والحاكم وصححه من حديث ابن عباس ومن رأى الدنيا بهذه العين لم يركن إليها ولم يبال كيف انقضت أيامه في ضر وضيق أو في سعة ورفاهية بل لا يبنى لبنة على لبنة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما وضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة حديث ما وضع لبنة على لبنة الحديث أخرجه ابن حبان في الثقات وللطبراني في الأوسط من حديث عائشة بسند ضعيف من سأل عني أو سره أن ينظر إلي فلينظر إلى أشعث شاحب مشمر لم يضع لبنة على لبنة الحديث ورأى بعض الصحابة يبني بيتا من جص فقال أرى الأمر أعجل من هذا وأنكر ذلك حديث رأى بعض أصحابه يبني بيتا من جص فقال أرى الأمر أعجل من هذا أخرجه أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو وقال حسن صحيح وإلى هذا أشار عيسى عليه السلام حيث قال الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها وهو مثال واضح فإن الحياة الدنيا معبر إلى الآخرة والمهد هو الميل الأول على رأس القنطرة واللحد هو الميل الآخر وبينهما مسافة محدودة فمن الناس من قطع نصف القنطرة ومنهم من قطع ثلثها ومنهم من قطع ثلثيها ومنهم من لم يبق له إلا خطوة واحدة وهو غافل عنها وكيفما كان فلا بد له من العبور والبناء على القنطرة وتزيينها بأصناف الزينة وأنت عابر عليها غاية الجهل والخذلان مثال آخر للدنيا في لين موردها وخشونة مصدرها أعلم أن أوائل الدنيا تبدو هينة لينة يظن الخائض فيها أن حلاوة خفضها كحلاوة الخوض فيها وهيهات فإن الخوض في الدنيا سهل والخروج منها مع السلامة شديد وقد كتب علي رضي الله عنه إلى سلمان الفارسي بمثالها فقال مثل الدنيا مثل الحية لين مسها ويقتل سمها فأعرض عما يعجبك منها لقلة ما يصحبك منها وضع عنك همومها بما أيقنت من فراقها وكن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها فإن صاحبها كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه عنه مكروه والسلام مثال آخر للدنيا في تعذر الخلاص من تبعتها بعد الخوض فيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما مثل صاحب الدنيا كالماشي في الماء هل يستطيع الذي يمشي في الماء أن لا تبتل قدماه حديث إنما مثل صاحب الدنيا كمثل الماشي في الماء الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب من رواية الحسن قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره ووصله البيهقي في الشعب وفي الزهد من رواية الحسن عن أنس وهذا يعرفك جهاله قوم ظنوا أنهم يخوضون في نعيم الدنيا بأبدانهم وقلوبهم منها مطهرة وعلائقها عن بواطنهم منقطعة وذلك مكيدة من الشيطان بل لو أخرجوا مما هم فيه لكانوا من أعظم المتفجعين بفراقها فكما أن المشي على الماء يقتضي بللا لا محالة يلتصق بالقدم فكذلك ملابسة الدنيا تقتضي علاقة وظلمة في القلب بل علاقة الدنيا مع القلب تمنع حلاوة العبادة قال عيسى عليه السلام بحق أقول لكم كما ينظر المريض إلى الطعام فلا يلتذ به من شدة الوجع كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حب الدنيا وبحق أقول لكم إن الدابة إذا لم تركب وتمتهن تصعب ويتغير خلقها كذلك القلوب إذا لم ترقق بذكر الموت ونصب العبادة تقسو وتغلظ وبحق أقول لكم إن الزق ما لم ينخرق أو يقحل يوشك أن يكون وعاء للعسل كذلك القلوب ما لم تخرقها الشهوات أو يدنسها الطمع أو يقسيها النعيم فسوف تكون أوعية للحكمة وقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما بقي من الدنيا بلاء وفتنة وإنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء إذا طاب أعلاه طاب أسفله وإذا خبث أعلاه خبث أسفله حديث إنما بقي من الدنيا بلاء وفتنة الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث معاوية فرقه في موضعين ورجاله ثقات مثال آخر لما بقي من الدنيا وقلته بالإضافة لما سبق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذه الدنيا مثل ثوب شق من أوله إلى آخره فبقي متعلقا بخيط في آخره فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع حديث مثل هذه الدنيا كمثل ثوب شق من أوله إلى آخره أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في الثواب وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أنس بسند ضعيف مثال آخر لتأدية علائق الدنيا بعضها إلى بعض حتى الهلاك قال عيسى عليه السلام مثل طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا حتى يقتله مثال آخر لمخالفة آخر الدنيا أولها ولنضارة أوائلها وخبث عواقبها اعلم أن شهوات الدنيا في القلب لذيذة كشهوات الأطعمة في المعدة وسيجد العبد عند الموت لشهوات الدنيا في قلبه من الكراهة والنتن والقبح ما يجده للأطعمة اللذيذة إذا بلغت في المعدة غايتها وكما أن الطعام كلما كان ألذ طعما وأكثر دسما وأظهر حلاوة كان رجيعه أقذر وأشد نتنا فكذلك كل شهوة في القلب هي أشهى وألذ وأقوى فنتنها وكراهتها والتأذي بها عند الموت أشد بل هي في الدنيا مشاهدة فإن من نهبت داره وأخذ أهله وماله وولده فتكون مصيبته وألمه وتفجعه في كل ما فقد بقدر لذته به وحبه له وحرصه عليه فكل ما كان عند الوجود أشهى عنده وألذ فهو عند الفقد أدهى وأمر ولا معنى للموت إلا فقد ما في الدنيا وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للضحاك بن سفيان الكلابي ألست تؤتي بطعامك وقد ملح وقزح ثم تشرب عليه اللبن والماء قال بلى قال فإلام يصير قال إلى ما قد علمت يا رسول لله قال فإن الله عز وجل ضرب مثل الدنيا بما يصير إليه طعام ابن آدم حديث أنه قال للضحاك بن سفيان الكلابي ألست تؤتي بطعامك وقد ملح وقزح الحديث وفيه فإن الله ضرب مثل الدنيا لما يصير إليه طعام بن آدم أخرجه أحمد والطبراني من حديثه بنحوه وفيه علي بن زيد بن جدعان مختلف فيه
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:47 am | |
| وقال أبي بن كعب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الدنيا ضربت مثلا لابن آدم فانظر إلى ما يخرج من ابن آدم وإن قزحه وملحه إلام يصير حديث أبي بن كعب إن الدنيا ضربت مثلا لابن آدم الحديث أخرجه الطبراني وابن حبان بلفظ إن مطعم ابن آدم قد ضرب للدنيا مثلا ورواه عبد الله بن أحمد في زياداته بلفظ جعل وقال صلى الله عليه وسلم إن الله ضرب الدنيا لمطعم ابن آدم مثلا وضرب مطعم ابن آدم للدنيا مثلا وإن قزحه وملحه حديث إن الله ضرب الدنيا لمطعم ابن آدم مثلا وضرب مطعم ابن آدم للدنيا مثلا الحديث الشطر الأول منه غريب والشطر الأخير هو الذي تقدم من حديث الضحاك بن سفيان إن الله ضرب ما يخرج من بني آدم مثلا للدنيا وقال الحسن قد رأيتهم يطيبونه بالأفاويه والطيب ثم يرمون به حيث رأيتم وقد قال الله عز وجل فلينظر الإنسان إلى طعامه قال ابن عباس إلى رجيعه وقال رجل لابن عمر إني أريد أن أسألك وأستحي قال فلا تستحي واسأل قال إذا قضى أحدنا حاجته فقام ينظر إلى ذلك منه قال نعم إن الملك يقول له انظر إلى ما بخلت به أنظر إلى ماذا صار وكان بشر بن كعب يقول انطلقوا حتى أريكم الدنيا فيذهب بهم إلى مزبلة فيقول انظروا إلى ثمارهم ودجاجهم وعسلهم وسمنهم مثال آخر في نسبة الدنيا إلى الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر أحدكم بم يرجع إليه حديث ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع إليه أخرجه مسلم من حديث المستورد بن شداد مثال آخر للدنيا وأهلها في اشتغالهم بنعيم الدنيا وغفلتهم عن الآخرة وخسرانهم العظيم بسببها اعلم أن أهل الدنيا مثلهم في غفلتهم مثل قوم ركبوا سفينة فانتهت بهم إلى جزيرة فأمرهم الملاح بالخروج إلى قضاء الحاجة وحذرهم المقام وخوفهم مرور السفينة واستعجالها فتفرقوا في نواحي الجزيرة فقضى بعضهم حاجته وبادر إلى السفينة فصادف المكان خاليا فأخذ أوسع الأماكن وألينها وأوفقها لمراده وبعضهم توقف في الجزيرة ينظر إلى أنوارها وأزهارها العجيبة وغياضها الملتفة ونغمات طيورها الطيبة وألحانها الموزونة الغريبة وصار يلحظ من بريتها أحجارها وجواهرها ومعادنها المختلفة الألوان والأشكال الحسنة المنظر العجيبة النقوش السالبة أعين الناظرين بحسن زبرجدها وعجائب صورها ثم تنبه لخطر فوات السفينة فرجع إليها فلم يصادف إلا مكانا ضيقا حرجا فاستقر فيه وبعضهم أكب على تلك الأصداف والأحجار وأعجبه حسنها ولم تسمح نفسه بإهمالها فاستصحب منها جملة فلم يجد في السفينة إلا مكانا ضيقا وزاده ما حمله من الحجارة ضيقا وصار ثقيلا عليه ووبالا فندم على أخذه ولم يقدر على رميه ولم يجد مكانا لوضعه فحمله في السفينة على عنقه وهو متأسف على أخذه وليس ينفعه التأسف وبعضهم تولج الغياض ونسي المركب وبعد في متفرجه ومتنزهه منه حتى لم يبلغه نداء الملاح لاشتغاله بأكل تلك الثمار واستشمام تلك الأنوار والتفرج بين تلك الأشجار وهو مع ذلك خائف على نفسه من السباع وغير خال من السقطات والنكبات ولا منفك عن شوك ينشب بثيابه وغضن يجرح بدنه وشوكة تدخل في رجله وصوت هائل يفزع منه وعوسج يخرق ثيابه ويهتك عورته ويمنعه عن الانصراف لو أراده فلما بلغه نداء أهل السفينة انصرف مثقلا بما معه ولم يجد في المركب موضعا فبقي في الشط حتى مات جوعا وبعضهم لم يبلغه النداء وسارت السفينة فمنهم من افترسته السباع ومنهم من تاه فهام على وجهه حتى هلك ومنهم من مات في الأوحال ومنهم من نهشته الحيات فتفرقوا كالجيف المنتنة وأما من وصل إلى المركب بثقل ما أخذه من الأزهار والأحجار فقد استرقته وشغله الحزن بحفظها والخوف من فوتها وقد ضيقت عليه مكانه فلم يلبث أن ذبلت تلك الأزهار وكمدت تلك الألوان والأحجار فظهر نتن رائحتها فصارت مع كونها مضيقة عليه مؤذية له بنتنها ووحشتها فلم يجد حيلة إلا أن ألقاها في البحر هربا منها وقد أثر فيه ما أكل منها فلم ينته إلى الوطن إلا بعد أن ظهرت عليه الأسقام بتلك الروائح فبلغ سقيما مدبرا ومن رجع قريبا ما فاته إلا سعة المحل فتأدى بضيق المكان مدة ولكن لما وصل إلى الوطن استراح ومن رجع أولا وجد المكان الأوسع ووصل إلى الوطن سالما فهذا مثال أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة ونسيانهم موردهم ومصدرهم وغفلتهم عن عاقبة أمورهم وما أقبح من يزعم أنه بصير عاقل أن تغره أحجار الأرض وهي الذهب والفضة وهشيم النبت وهي زينة الدنيا وشيء من ذلك لا يصحبه عند الموت بل يصير كلا ووبالا عليه وهو في الحال شاغل له بالحزن والخوف عليه وهذه حال الخلق كلهم إلا من عصمه الله عز وجل مثال آخر لاغتزار الخلق بالدنيا وضعف إيمانهم قال الحسن رحمه الله بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه إنما مثلي ومثلكم ومثل الدنيا كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء حتى إذا لم يدروا ما سلكوا منها أكثر أو ما بقي أنفدوا الزاد وخسروا الظهر وبقوا بين ظهراني المفازة ولا زاد ولا حمولة فأيقنوا بالهلكة فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم رجل في حلة تقطر رأسه فقالوا هذا قريب عهد بريف وما جاءكم هذا إلا من قريب فلما انتهى إليهم قال يا هؤلاء فقالوا يا هذا فقال علام أنتم فقالوا على ما ترى فقال أرأيتم إن هديتكم إلى ماء رواء ورياض خضر ما تعملون قالوا لا نعصيك شيئا قال عهودكم ومواثيقكم بالله فأعطوه عهودهم ومواثيقهم بالله لا يعصونه شيئا قال فأوردهم ماء رواء ورياضا خضرا فمكث فيهم ما شاء الله ثم قال يا هؤلاء قالوا يا هذا قال الرحيل قالوا إلى أين قال إلى ماء ليس كمائكم وإلى رياض ليست كرياضكم فقال أكثرهم والله ما وجدنا هذا حتى ظننا أنا لن نجده وما نصنع بعيش خير من هذا وقالت طائفة وهم أقلهم ألم تعطوا هذا الرجل عهودكم ومواثيقكم بالله أن لا تعصوه شيئا وقد صدقكم في أول حديثه فوالله ليصدقنكم في آخره فراح فيمن اتبعه وتخلف بقيتهم فبدرهم عدو فأصبحوا بين أسير وقتيل حديث الحسن بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه إنما مثلي ومثلكم ومثل الدنيا كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا هكذا بطوله لأحمد والبزار والطبراني من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فيما يرى النائم ملكان الحديث وفيه فقال أي أحد الملكين إن مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى مفازة فذكر نحوه اخصر منه وإسناده حسن ومثال آخر لتنعم الناس بالدنيا ثم تفجعهم على فراقها اعلم أن مثل الناس فيما أعطوا من الدنيا مثل رجل هيأ دارا وزينها وهو يدعو إلى داره على الترتيب قوما واحدا بعد واحد فدخل واحد داره فقدم إليه طبق ذهب عليه بخور ورياحين ليشمه ويتركه لمن يلحقه لا ليتملكه ويأخذه فجهل رسمه وظن أنه قد وهب ذلك فتعلق به قلبه لما ظن أنه له فلما استرجع منه ضجر وتفجع ومن كان عالما برسمه انتفع به وشكره ورده بطيب قلب وانشراح صدر وكذلك من عرف سنة الله في الدنيا علم أنها دار ضيافة سبلت على المجتازين لا على المقيمين ليتزودوا منها وينتفعوا بما فيها كما ينتفع المسافرون بالعواري ولا يصرفون إليها كل قلوبهم حتى تعظم مصيبتهم عند فراقها فهذه أمثلة الدنيا وآفاتها وغوائلها نسأل الله تعالى اللطيف الخبير حسن العون بكرمه وحلمه بيان حقيقة الدنيا وماهيتها في حق العبد | |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:48 am | |
| اعلم أن معرفة ذم الدنيا لا تكفيك ما لم تعرف الدنيا المذمومة ما هي وما الذي ينبغي أن يجتنب منها وما الذي لا يجتنب فلا بد وأن نبين الدنيا المذمومة المأمور باجتنابها لكونها عدوة قاطعة لطريق الله ما هي فنقول دنياك وآخرتك عبارة عن حالتين من أحوال قلبك فالقريب الداني منها يسمى دنيا وهو كل ما قبل الموت والمتراخي المتأخر يسمى آخرة وهو ما بعد الموت فكل ما لك فيه حظ ونصيب وغرض وشهوة ولذة عاجل الحال قبل الوفاة فهي الدنيا في حقك إلا أن جميع مالك إليه ميل وفيه نصيب وحظ فليس بمذموم بل هو ثلاثة أقسام القسم الأول ما يصحبك في الآخرة وتبقى معك ثمرته بعد الموت وهو شيئان العلم والعمل فقط وأعني بالعلم العلم بالله وصفاته وأفعاله وملائكته وكتبه ورسله وملكوت أرضه وسمائه والعلم بشريعة نبيه وأعني بالعمل العبادة الخالصة لوجه الله تعالى وقد يأنس العالم بالعلم حتى يصير ذلك ألذ الأشياء عنده فيهجر النوم والمطعم والمنكح في لذته لأنه أشهى عنده من جميع ذلك فقد صار حظا عاجلا في الدنيا ولكنا إذا ذكرنا الدنيا المذمومة لم نعد هذا من الدنيا أصلا بل قلنا إنه من الآخرة وكذلك العابد قد يأنس بعبادته فيستلذها بحيث لو منع عنها لكان ذلك أعظم العقوبات عليه حتى قال بعضهم ما أخاف من الموت إلا من حيث يحول بيني وبين قيام الليل وكان آخر يقول اللهم ارزقني قوة الصلاة والركوع والسجود في القبر فهذا قد صارت الصلاة عنده من حظوظه العاجلة وكل حظ عاجل فاسم الدنيا ينطلق عليه من حيث الاشتقاق من الدنو ولكنا لسنا نعني بالدنيا المذمومة ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم حبب إلي من دنياكم ثلاث النساء والطيب وقرة عيني في الصلاة حديث حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة أخرجه النسائي والحاكم من حديث أنس دون قوله ثلاث وتقدم في النكاح فجعل الصلاة من جملة ملاذ الدنيا وكذلك كل ما يدخل في الحس والمشاهدة فهو من عالم الشهادة وهو من الدنيا والتلذذ بتحريك الجوارح بالركوع والسجود إنما يكون في الدنيا فلذلك أضافها إلى الدنيا إلا أنا لسنا في هذا الكتاب نتعرض إلا للدنيا المذمومة فنقول هذه ليست من الدنيا. القسم الثاني وهو المقابل له على الطرف الأقصى كل ما فيه حظ عاجل ولا ثمرة له في الآخرة أصلا كالتلذذ بالمعاصي كلها والتنعم بالمباحاة الزائدة على قدر الحاجات والضرورات الداخلة في جملة الرفاهية والرعونات كالتنعم بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث والغلمان والجواري والخيول والمواشي والقصور والدور ورفيع الثياب ولذائذ الأطعمة فحظ العبد من هذا كله هي الدنيا المذمومة وفيما يعد فضولا أوفى محل الحاجة نظر طويل إذ روى عن عمر رضي الله عنه أنه استعمل أبا الدرداء على حمص فاتخذ كنيفا أنفق عليه درهمين فكتب إليه عمر من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عويمر قد كان لك في بناء فارس والروم ما تكتفي به عن عمران الدنيا حين أراد الله خرابها فإذا أتاك كتابي هذا فقد سيرتك إلى دمشق أنت وأهلك فلم يزل بها حتى مات فهذا رآه فضولا من الدنيا فتأمل فيه القسم الثالث وهو متوسط بين الطرفين كل حظ في العاجل معين على أعمال الآخرة كقدر القوت من الطعام والقميص الواحد الخشن وكل ما لا بد منه لبتأتي للإنسان البقاء والصحة التي بها يتوصل إلى العلم والعمل وهذا ليس من الدنيا كالقسم الأول لأنه معين على القسم الأول ووسيلة إليه فمهما تناوله العبد على قصد الاستعانة به على العلم والعمل لم يكن به متناولا للدنيا ولم يصر به من أبناء الدنيا وإن كان باعثه الحظ العاجل دون الاستعانة على التقوى التحق بالقسم الثاني وصار من جملة الدنيا ولا يبقى مع العبد عند الموت إلا ثلاث صفات صفاء القلب أعني طهارته من الأدناس وأنسه بذكر الله تعالى وحبه لله عز وجل وصفاء القلب وطهارته لا يحصلان إلا بالكف عن شهوات الدنيا والأنس لا يحصل إلا بكثرة ذكر الله تعالى والمواظبة عليه والحب لا يحصل إلا بالمعرفة ولا تحصل معرفة الله إلا بدوام الفكر وهذه الصفات الثلاث هي المنجيات المسعدات بعد الموت أما طهارة القلب عن شهوات الدنيا فهي من المنجيات إذ تكون جنة بن العبد وبين عذاب الله كما ورد في الأخبار إن أعمال العبد تناضل عنه فإذا جاء العذاب من قبل رجليه جاء قيام الليل يدفع عنه وإذا جاء من جهة يديه جاءت الصدقة تدفع عنه حديث مناضلة أعمال العبد عنه فإذا جاء العذاب من قبل رجليه جاء قيام الليل فدفع عنه الحديث أخرجه الطبراني من حديث عبد الرحمن بن سمرة بطوله وفيه خالد بن عبد الرحمن المخزومي ضعفه البخاري وأبو حاتم ولأحمد من حديث أسماء بنت أبي بكر إذا دخل الإنسان قبره فإن كان مؤمنا أحزبه عمله الصلاة والصيام الحديث وإسناده صحيح الحديث وأما الأنس والحب فهما من المسعدات وهما موصلان العبد إلى لذة اللقاء والمشاهدة وهذه السعادة تتعجل عقيب الموت إلى أن يدخل أوان الرؤية في الجنة فيصير القبر روضة من رياض الجنة وكيف لا يكون القبر عليه روضة من رياض الجنة ولم يكن له إلا محبوب واحد وكانت العوائق تعوقه عن دوام الأنس بدوام ذكره ومطالعة جماله فارتفعت العوائق وأفلت من السجن وخلى بينه وبين محبوبه فقدم عليه مسرورا سليما من الموانع آمنا من العوائق وكيف لا يكون محب الدنيا عند الموت معذبا ولم يكن له محبوب إلا الدنيا وقد غصب منه وحيل بينه وبينه وسدت عليه طرق الحيلة في الرجوع إليه ولذلك قيل ما حال من كان له واحد غيب عنه ذلك الواحد وليس الموت عدما إنما هو فراق لمحاب الدنيا وقدوم على الله تعالى فإذا سالك طريق الآخرة هو المواظب على أسباب هذه الصفات الثلاث وهي الذكر والفكر والعمل الذي يفطمه عن شهوات الدنيا ويبغض إليه ملاذها ويقطعه عنها وكل ذلك لا يمكن إلا بصحة البدن وصحة البدن لا تنال إلا بقوت وملبس ومسكن ويحتاج كل واحد إلى أسباب فالقدر الذي لا بد منه من هذه الثلاثة إذا أخذه العبد من الدنيا للآخرة لم يكن من أبناء الدنيا وكانت الدنيا في حقه مزرعة للآخرة وإن أخذ ذلك لحظ النفس وعلى قصد التنعم صار من أبناء الدنيا والراغبين في حظوظها إلا أن الرغبة في حظوظ الدنيا تنقسم إلى ما يعرض صاحبه لعذاب الآخرة ويسمى ذلك حراما وإلى ما يحول بينه وبين الدرجات العلا ويعرضه لطول الحساب ويسمى ذلك حلالا والبصير يعلم أن طول الموقف في عرصات القيامة لأجل المحاسبة أيضا عذاب فمن نوقش الحساب عذب حديث من نوقش الحساب عذب متفق عليه من حديث عائشة إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالها حساب وحرامها عذاب حديث حلالها حساب وحرامها عذاب أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب من طريقه موقوفا على علي بن أبي طالب بإسناد منقطع بلفظ وحرامها النار ولم أجده مرفوعا وقد قال أيضا حلالها عذاب إلا إنه عذاب أخف من عذاب الحرام بل لو لم يكن الحساب لكان ما يفوت من الدرجات العلا في الجنة وما يرد على القلب من التحسر على تفوتها لحظوظ حقيرة خسيسة لا بقاء لها هو أيضا عذاب وقس به حالك في الدنيا إذا نظرت إلى أقرانك وقد سبقوك بسعادات دنيوية كيف يتقطع قلبك عليها حسرات مع علمك بأنها سعادات منصرمة لا بقاء لها منغصة بكدورات لا صفاء لها فما حالك في فوات سعادة لا يحيط الوصف بعظمتها وتنقطع الدهور دون غايتها فكل من تنعم في الدنيا ولو بسماع صوت من طائر أو بالنظر إلى خضرة أو شربة ماء بارد فإنه ينقص من حظه في الآخرة أضعافه وهو المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه هذا من النعيم الذي تسئل عنه حديث هذا من النعيم الذي تسئل عنه تقدم في الأطعمة أشار به إلى الماء البارد والتعرض لجواب السؤال فيه ذل وخوف وخطر ومشقة وانتظار وكل ذلك من نقصان الحظ ولذلك قال عمر رضي الله عنه اعزلوا عني حسابها حين كان به عطش فعرض عليه ماء بارد بعسل فأداره في كفه ثم امتنع عن شربه فالدنيا قليلها وكثيرها حرامها وحلالها ملعونة إلا ما أعان على تقوى الله فإن ذلك القدر ليس من الدنيا وكل من كانت معرفته أقوى وأتقن كان حذره من نعيم الدنيا أشد حتى إن عيسى عليه السلام وضع رأسه على حجر لما نام ثم رماه إذ تمثل له إبليس وقال رغبت في الدنيا وحتى إن سليمان عليه السلام في ملكه كان يطعم الناس لذائذ الأطعمة وهو يأكل خبز الشعير فجعل الملك على نفسه بهذا الطريق امتهانا وشدة فإن الصبر على لذائذ الأطعمة مع القدرة عليها ووجودها أشد ولهذا روي أن الله تعالى زوى الدنيا عن نبينا صلى الله عليه وسلم فكان يطوي أياما حديث زوى الله الدنيا عن نبينا صلى الله عليه وسلم فكان يطوي أياما أخرجه محمد بن خفيف في شرف الفقراء من حديث عمر بن الخطاب قال قلت يا رسول الله عجبا لمن بسط الله لهم الدنيا وزواها عنك الحديث وهو من طريق إسحاق معنعنا وللترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله الحديث قال الترمذي حسن صحيح وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع حديث كان يشد الحجر على بطنه من الجوع تقدم ولهذا سلط الله البلاء والمحن على الأنبياء والأولياء ثم الأمثل فالأمثل كل ذلك نظرا لهم وامتنانا عليهم ليتوفر من الآخرة حظهم كما يمنع الوالد الشفيق ولده لذة الفواكه ويلزم ألم الفصد والحجامة شفقة عليه وحبا له لا بخلا عليه وقد عرفت بهذا أن كل ما ليس لله فهو من الدنيا وما هو لله فذلك ليس من الدنيا فإن قلت فما الذي هو لله فأقول الأشياء ثلاثة أقسام منها مالا يتصور أن يكون لله وهو الذي يعبر عنه بالمعاصي والمحظورات وأنواع التنعمات في المباحات وهي الدنيا المحضة المذمومة فهي الدنيا صورة ومعنى ومنها ما صورته لله ويمكن أن يجعل لغير الله وهو ثلاثة الفكر والذكر والكف عن الشهوات فإن هذه الثلاثة إذا جرت سرا ولم يكن عليها باعث سوى أمر الله واليوم الآخر فهي لله وليست من الدنيا وإن كان الغرض من الفكر طلب العلم للتشرف به وطلب القبول بين الخلق بإظهار المعرفة أو كان الغرض من ترك الشهوة حفظ المال أو الحمية لصحة البدن والاشتهار بالزهد فقد صار هذا من الدنيا بالمعنى وإن كان يظن بصورته أنه لله تعالى ومنها ما صورته لحظ النفس ويمكن أن يكون معناه لله وذلك كالأكل والنكاح وكل ما يرتبط به بقاؤه وبقاء ولده فإن كان القصد حظ النفس فهو من الدنيا وإن كان القصد الاستعانة به على التقوى فهو لله بمعناه وإن كانت صورته صورة الدنيا قال صلى الله عليه وسلم من طلب الدنيا حلالا مكاثرا مفاخرا لقي الله وهو عليه غضبان ومن طلبها استعفافا عن المسألة وصيانة لنفسه جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر حديث من طلب الدنيا حلالا مكاثرا مفاخرا لقي الله وهو عليه غضبان الحديث أخرجه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة بسند ضعيف فانظر كيف اختلف ذلك بالقصد فإذا الدنيا حظ نفسك العاجل الذي لا حاجة إليه لأمر الآخرة ويعبر عنه بالهوى وإليه الإشارة بقوله تعالى ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ومجامع الهوى خمسة أمور وهي ما جمعه الله تعالى في قوله إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد والأعيان التي تحصل منها هذه الخمسة سبعة يجمعها قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا فقد عرفت أن كل ما هو لله فليس من الدنيا وقدر ضرورة القوت وما لا بد منه من مسكن وملبس هو لله إن قصد به وجه الله والاستكثار منه تنعم وهو لغير الله وبين التنعم والضرورة درجة يعبر عنها بالحاجة ولها طرفان وواسطة طرف يقرب من حد الضرورة فلا يضر فإن الاقتصار على حد الضرورة غير ممكن وطرف يزاحم جانب التنعم ويقرب منه وينبغي أن يحذر منه وبينهما وسائط متشابهة ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه والحزم في الحذر والتقوى والتقرب من حد الضرورة ما أمكن اقتداء بالأنبياء والأولياء عليهم السلام إذا كانوا يردون أنفسهم إلى حد الضرورة حتى إن أويسا القرني كان يظن أهله أنه مجنون لشدة تضييقه على نفسه فبنوا له بيتا على باب دارهم فكان يأتي عليهم السنة والسنتان والثلاث لا يرون له وجها وكان يخرج أول الأذان ويأتي إلى منزله بعد العشاء الآخرة وكان طعامه أن يلتقط النوى وكلما أصاب حشفة خبأها لإفطاره وإن لم يصب ما يقوته من الحشف باع النوى واشترى بثمنه ما يقوته وكان لباسه مما يلتقط من المزابل من قطع الأكسية فيغسلها في الفرات ويلفق بعضها إلى بعض ثم يلبسها فكان ذلك لباسه وكان ربما مر الصبيان فيرمونه ويظنون أنه مجنون فيقول لهم يا إخوتاه إن كنتم ولا بد أن ترموني فارموني بأحجار صغار فإني أخاف أن تدموا عقبي فيحضر وقت الصلاة ولا أصيب الماء فهكذا كانت سيرته | |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:50 am | |
| ولقد عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره فقال إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن إشارة إليه رحمه الله إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن أشار به إلى أويس القرني تقدم في قواعد العقائد لم أجد له أصلا ولما ولي الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال أيها الناس من كان منكم من العراق فليقم قالوا فقاموا فقال اجلسوا إلا من كان من أهل الكوفة فجلسوا فقال اجلسوا إلا من كان من مراد فجلسوا فقال اجلسوا إلا من كان من قرن فجلسوا كلهم إلا رجلا واحدا فقال له عمر أقرني أنت فقال نعم فقال أتعرف أويس بن عامر القرني فوصفه له فقال نعم وما ذاك تسأل عنه يا أمير المؤمنين والله ما فينا أحمق منه ولا أجن منه ولا أوحش منه ولا أدنى منه فبكى عمر رضي الله تعالى عنه ثم قال ما قلت ما قلت إلا لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر حديث عمر يدخل الجنة في شفاعته مثل ربيعة ومضر يريد أويسا ورويناه في جزء ابن السماء من حديث أبي أمامة يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر وإسناده حسن وليس فيه ذكر لأويس بل في آخره فكان المشيخة يرون أن ذلك الرجل عثمان بن عفان فقال هرم بن حيان لما سمعت هذا القول من عمر بن الخطاب قدمت الكوفة فلم يكن لي هم إلا أن أطلب أويسا القرني وأسأل عنه حتى سقطت عليه جالسا على شاطيء الفرات نصف النهار يتوضأ ويغسل ثوبه فعرفته بالنعت الذي نعت لي فإذا رجل لحيم شديد الأدمة محلوق الرأس كث اللحية متغير جدا كريه الوجه متهيب المنظر قال فسلمت عليه فرد علي السلام ونظر إلي فقلت حياك الله من رجل ومددت يدي لأصافحه فأبى أن يصافحني فقلت رحمك الله يا أويس وغفر لك كيف أنت رحمك الله ثم خنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي عليه إذ رأيت من حاله ما رأيت حتى بكيت وبكى فقال وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان كيف أنت يا أخي ومن دلك علي قال قلت الله فقال لا إله إلا الله سبحان الله إن كان وعد ربنا لمفعولا قال فعجبت حين عرفني ولا والله ما رأيته قبل ذلك ولا رآني فقلت من أين عرفت اسمي واسم أبي وما رأيتك قبل اليوم قال نبأني العليم الخبير وعرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك إن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد وإن المؤمنين ليعرف بعضهم بعضا ويتحابون بروح الله وإن لم يلتقوا يتعارفون ويتكلمون وإن نأت بهم الدار وتفرقت بهم المنازل قال قلت حدثني رحمك الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث أسمعه منك قال إني لم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن لي معه صحبة بأبي وأمي رسول الله ولكن رأيت رجالا قد صحبوه وبلغني من حديثه كما بلغك ولست أحب أن أفتح على نفسي هذا الباب أن أكون محدثا أو مفتيا أو قاضيا في نفسي شغل عن الناس يا هرم بن حيان فقلت يا أخي اقرأ علي آية من القرآن أسمعها منك وادع لي بدعوات وأوصني بوصية أحفظها عنك فإني أحبك في الله حبا شديدا قال فقام وأخذ بيدي على شاطيء الفرات ثم قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم بكى ثم قال قال ربي والحق قول ربي وأصدق الحديث حديثه وأصدق الكلام كلامه ثم قرأ وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون حتى انتهى إلى قوله إنه هو العزيز الرحيم فشهق شهقة ظننت أنه قد غشي عليه ثم قال يا ابن حيان مات أبوك حيان وتوشك أن تموت فإما إلى جنة وإما إلى نار ومات أبوك آدم وماتت أمك حواء ومات نوح ومات إبراهيم خليل الرحمن ومات موسى نجي الرحمن ومات داود خليفة الرحمن ومات محمد صلى الله عليه وسلم وهو رسول رب العالمين ومات أبو بكر خليفة المسلمين ومات عمر بن الخطاب أخي وصفي ثم قال يا عمراه يا عمراه قال فقلت رحمك الله إن عمر لم يمت قال فقد نعاه إلي ربي ونعى إلي نفسي ثم قال أنا وأنت في الموت كأنه قد كان ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعا بدعوات خفيات ثم قال هذه وصيتي إياك يا هرم بن حيان كتاب الله ونهج الصالحين المؤمنين فقد نعيت إلي نفسي ونفسك عليك بذكر الموت لا يفارق قلبك طرفة عين ما بقيت وأنذر قومك إذا رجعت إليهم وانصح للأمة جميعا وإياك أن تفارق الجماعة قيد شبر فتفارق دينك وأنت لا تعلم فتدخل النار يوم القيامة ادع لي ولنفسك ثم قال اللهم إن هذا يزعم أنه يحبني فيك وزارني من أجلك فعرفني وجهه في الجنة وأدخله علي في دارك دار السلام واحفظه ما دام في الدنيا حيثما كان وضم عليه ضيعته وأرضه من الدنيا باليسير وما أعطيته من الدنيا فيسره له تيسيرا واجعله لما أعطيته من نعمائك من الشاكرين وأجزه عنى خير الجزاء ثم قال استودعك الله يا هرم بن حيان والسلام عليك ورحمة الله وبركاته لا أراك بعد اليوم رحمك الله تطلبني فإني أكره الشهرة والوحدة أحب إلي أن كثير الهم شديد الغم مع هؤلاء الناس ما دمت حيا فلا تسأل عني ولا تطلبني واعلم أنك مني على بال وإن لم أرك ولم ترني فاذكرني وادع لي فإني سأذكرك وأدعو لك إن شاء الله انطلق أنت ههنا حتى انطلق أنا ههنا فحرصت أن أمشي معه ساعة فأبى علي وفارقته فبكى وأبكاني وجعلت انظر في قفاه حتى دخل بعض السكك ثم سألت عنه بعد ذلك فما وجدت أحدا يخبرني عنه بشيء رحمه الله وغفر له فهكذا كانت سيرة أبناء الآخرة المعرضين عن الدنيا وقد عرفت مما سبق في بيان الدنيا ومن سيرة الأنبياء والأولياء أن حد الدنيا كل ما أظلته الخضراء وأقلته الغبراء إلا ما كان لله عز وجل من ذلك وضد الدنيا الآخرة وهو كل ما أريد به الله تعالى مما يؤخذ بقدر الضرورة من الدنيا لأجل قوة طاعة الله وذلك ليس من الدنيا ويتبين هذا بمثال وهو أن الحاج إذا حلف أنه في طريق الحج لا يشتغل بغير الحج بل يتجرد له ثم اشتغل بحفظ الزاد وعلف الجمل وخرز الرواية وكل ما لا بد للحج منه لم يحنث في يمينه ولم يكن مشغولا بغير الحج فكذلك البدن مركب النفس تقطع به مسافة العمر فتعهد البدن بما تبقى به قوته على سلوك الطريق بالعلم والعمل هو من الآخرة لا من الدنيا نعم إذا قصد تلذذ البدن وتنعمه بشيء من هذه الأسباب كان منحرفا عن الآخرة ويخشى على قلبه القسوة قال الطنافسي كنت على باب بني شيبة في المسجد الحرام سبعة أيام طاويا فسمعت في الليلة الثامنة مناديا وأنا بين اليقظة والنوم ألا من أخذ من الدنيا أكثر مما يحتاج إليه أعمى الله عين قلبه فهذا بيان حقيقة الدنيا في حقك فاعلم ذلك ترشد إن شاء الله تعالى بيان حقيقة الدنيا في نفسها وأشغالها التي استغرقت همم الخلق حتى أنستهم أنفسهم وخالقهم ومصدرهم وموردهم اعلم أن الدنيا عبارة عن أعيان موجودة وللإنسان فيها حظ وله في إصلاحها شغل فهذه ثلاثة أمور قد يظن أن الدنيا عبارة عن آحادها وليس كذلك أما الأعيان الموجودة التي الدنيا عبارة عنها فهي الأرض وما عليها قال الله تعالى إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا فالأرض فراش للآدميين ومهاد ومسكن ومستقر وما عليها لهم ملبس ومطعم ومشرب ومنكح ويجمع ما على الأرض ثلاثة أقسام المعادن والنبات والحيوان أما النبات فيطلبه الآدمي للاقتيات والتداوي وأما المعادن فيطلبها للآلات والأواني كالنحاس والرصاص وللنقد كالذهب والفضة ولغير ذلك من المقاصد وأما الحيوان فينقسم إلى الإنسان والبهائم أما البهائم فيطلب منها لحومها للمآكل وظهورها للمركب والزينة وأما الإنسان فقد يطلب الآدمي أن يملك أبدان الناس ليستخدمهم ويستسخرهم كالغلمان أو ليتمتع بهم كالجواري والنسوان ويطلب قلوب الناس ليملكها بأن يغرس فيها التعظيم والإكرام وهو الذي يعبر عنه بالجاه إذ معنى الجاه ملك قلوب الآدميين فهذه هي الأعيان التي يعبر عنها بالدنيا وقد جمعها الله تعالى في قوله زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين وهذا من الإنس والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة وهذا من الجواهر والمعادن وفيه تنبيه على غيرها من اللآليء واليواقيت وغيرها والخيل المسومة والأنعام وهي البهائم والحيوانات والحرث وهو النبات والزرع فهذه هي أعيان الدنيا إلا أن لها مع العبد علاقتين علاقة مع القلب وهو حبه لها وحظه منها وانصراف همه إليها حتى يصير قلبه كالعبد أو المحب المستهتر بالدنيا ويدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المعلقة بالدنيا كالكبر والغل والحسد والرياء والسمعة وسوء الظن والمداهنة وحب الثناء وحب التكاثر والتفاخر وهذه هي الدنيا الباطنة وأما الظاهرة فهي الأعيان التي ذكرناها العلاقة الثانية مع البدن وهو اشتغاله بإصلاح هذه الأعيان لتصلح لحظوظه وحظوظ غيره وهي جملة الصناعات والحرف التي الخلق مشغولون بها والخلق إنما نسوا أنفسهم ومآبهم ومنقلبهم بالدنيا لهاتين العلاقتين علاقة القلب بالحب وعلاقة البدن بالشغل ولو عرف نفسه وعرف ربه وعرف حكمة الدنيا وسرها علم أن هذه الأعيان التي سميناها دنيا لم تخلق إلا لعلف الدابة التي يسير بها إلى الله تعالى وأعني بالدابة البدن فإنه لا يبقى إلا بمطعم ومشرب وملبس ومسكن كما لا يبقى الجمل في طريق الحج إلا يعلف وماء وجلال ومثال العبد في الدنيا في نسيانه نفسه ومقصده مثال الحاج الذي يقف في منازل الطريق ولا يزال يعلف الناقة ويتعهدها وينظفها ويكسوها ألوان الثياب ويحمل إليها أنواع الحشيش ويبرد لها الماء بالثلج حتى تفوته القافلة وهو غافل عن الحج وعن مرور القافلة وعن بقائه في البادية فريسة للسباع هو وناقته والحاج البصير لا يهمه من أمر الجمل إلا القدر الذي يقوى به على المشي فيتعهده وقلبه إلى الكعبة والحج وإنما يلتفت إلى الناقة بقدر الضرورة فكذلك البصير في السفر إلى الآخرة لا يشغل بتعهد البدن إلا بالضرورة كما لا يدخل بيت الماء إلا لضرورة ولا فرق بين إدخال الطعام في البطن وبين إخراجه من البطن في أن كل واحد منهما ضرورة البدن ومن همته ما يدخل بطنه فقيمته ما يخرج منها وأكثر ما شغل عن الله تعالى هو البطن فإن القوت ضروري وأمر المسكن والملبس أهون ولو عرفوا سبب الحاجة إلى هذه الأمور واقتصروا عليه لم تستغرقهم أشغال الدنيا وإنما استغرقتهم لجهلهم بالدنيا وحكمتها وحظوظهم منها ولكنهم جهلوا وغفلوا وتتابعت أشغال الدنيا عليهم واتصل بعضها ببعض وتداعت إلى غير نهاية محدودة فتاهوا في كثرة الأشغال ونسوا مقاصدها ونحن نذكر تفاصيل أشغال الدنيا وكيفية حدوث الحاجة إليها وكيفية غلط الناس في مقاصدها حتى تتضح لك أشغال الدنيا كيف صرفت الخلق عن الله تعالى وكيف أنستهم عاقبة أمورهم فنقول الأشغال الدنيوية هي الحرف والصناعات والأعمال التي ترى الخلق منكبين عليها وسبب كثرة الأشغال هو أن الإنسان مضطر إلى ثلاث القوت والمسكن والملبس فالقوت للغذاء والبقاء والملبس لدفع الحر والبرد والمسكن لدفع الحر والبرد ولدفع أسباب الهلاك عن الأهل والمال ولم يخلق الله القوت والمسكن والملبس مصلحا بحيث يستغني عن صنعة الإنسان فيه نعم خلق ذلك للبهائم فإن النبات يغذي الحيوان من غير طبخ والحر والبرد لا يؤثر في بدنه فيستغني عن البناء ويقنع بالصحراء ولباسها شعورها وجلودها فتستغني عن اللباس والإنسان ليس كذلك فحدثت الحاجة لذلك إلى خمس صناعات هي أصول الصناعات وأوائل الأشغال الدنيوية وهي الفلاحة والرعاية والاقتناص والحياكة والبناء أما البناء فللمسكن والحياكة وما يكتنفها من أمر الغزل والخياطة فللملبس والفلاحة للمطعم والرعاية للمواشي والخيل أيضا للمطعم والمركب والاقتناص نعني به تحصيل ما خلقه الله من صيد أو معدن أو حشيش أو حطب فالفلاح يحصل النباتات والراعي يحفظ الحيوانات ويستنتجها والمقتنص يحصل ما نبت ونتج بنفسه من غير صنع آدمي وكذلك يأخذ من معادن الأرض ما خلق فيها من غير صنعة آدمي ونعني بالاقتناص ذلك ويدخل تحته صناعات وأشغال عدة ثم هذه الصناعات تفتقر إلى أدوات وآلات كالحياكة والفلاحة والبناء والاقتناص والآلات إنما تؤخذ إما من النبات وهو الأخشاب أو من المعادن كالحديد والرصاص وغيرهما أو من جلود الحيوانات فحدثت الحاجة إلى ثلاث أنواع أخر من الصناعات النجارة والحدادة والخز وهؤلاء هم عمال الآلات ونعني بالنجارة كل عامل في الخشب كيفما كان وبالحداد كل عامل في الحديد وجواهر المعادن حتى النحاس والإبري وغيرهما وغرضنا ذكر الأجناس فأما آحاد الحرف فكثيرة وأما الخراز فنعني به كل عامل في جلود الحيوانات وأجزائها فهذه أمهات الصناعات ثم إن الإنسان خلق بحيث لا يعيش وحده بل يضطر إلى الاجتماع مع غيره من أبناء جنسه وذلك لسببين أحدهما حاجته إلى النسل لبقاء جنس الإنسان ولا يكون ذلك إلا باجتماع الذكر والأنثى وعشرتهما والثاني التعاون على تهيئة أسباب المطعم والملبس ولتربية الولد فإن الاجتماع يفضي إلى الولد لا محالة والواحد لا يشتغل بحفظ الولد وتهيئة أسباب القوت ثم ليس يكفيه الاجتماع مع الأهل والولد في المنزل بل لا يمكنه أن يعيش كذلك ما لم تجتمع طائفة كثيرة ليتكفل كل واحد بصناعة فإن الشخص الواحد كيف يتولى الفلاحة وحده وهو يحتاج إلى آلاتها وتحتاج الآلة إلى حداد ونجار ويحتاج الطعام إلى طحان وخباز وكذلك كيف ينفرد بتحصيل الملبس وهو يفتقر إلى حراسة القطن وآلات الحياكة والخياطة وآلات كثيرة فلذلك امتنع عيش الإنسان وحده وحدثت الحاجة إلى الاجتماع ثم لو اجتمعوا في صحراء مكشوفة لتأذوا بالحر والبرد والمطر واللصوص فافتقروا إلى أبنية محكمة ومنازل ينفرد كل أهل بيت به وبما معه من الآلات والأثاث والمنازل تدفع الحر والبرد والمطر وتدفع أذى الجيران من اللصوصية وغيرها لكن المنازل قد تقصدها جماعة من اللصوص خارج المنازل فافتقر أهل المنازل إلى التناصر والتعاون والتحصن بسور يحيط بجميع المنازل فحدثت البلاد لهذه الضرورة ثم مهما اجتمع الناس في المنازل والبلاد وتعاملوا تولدت بينهم خصومات إذ تحدث رياسة وولاية للزوج على الزوجة وولاية للأبوين على الولد لأنه ضعيف يحتاج إلى قوام به ومهما حصلت الولاية على عاقل أفضى إلى الخصومة بخلاف الولاية على البهائم إذ ليس لها قوة المخاصمة وإن ظلمت فأما المرأة فتخاصم الزوج والولد يخاصم الأبوين هذا في المنزل
| |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:52 am | |
| ولقد عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره فقال إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن إشارة إليه رحمه الله إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن أشار به إلى أويس القرني تقدم في قواعد العقائد لم أجد له أصلا ولما ولي الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال أيها الناس من كان منكم من العراق فليقم قالوا فقاموا فقال اجلسوا إلا من كان من أهل الكوفة فجلسوا فقال اجلسوا إلا من كان من مراد فجلسوا فقال اجلسوا إلا من كان من قرن فجلسوا كلهم إلا رجلا واحدا فقال له عمر أقرني أنت فقال نعم فقال أتعرف أويس بن عامر القرني فوصفه له فقال نعم وما ذاك تسأل عنه يا أمير المؤمنين والله ما فينا أحمق منه ولا أجن منه ولا أوحش منه ولا أدنى منه فبكى عمر رضي الله تعالى عنه ثم قال ما قلت ما قلت إلا لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر حديث عمر يدخل الجنة في شفاعته مثل ربيعة ومضر يريد أويسا ورويناه في جزء ابن السماء من حديث أبي أمامة يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر وإسناده حسن وليس فيه ذكر لأويس بل في آخره فكان المشيخة يرون أن ذلك الرجل عثمان بن عفان فقال هرم بن حيان لما سمعت هذا القول من عمر بن الخطاب قدمت الكوفة فلم يكن لي هم إلا أن أطلب أويسا القرني وأسأل عنه حتى سقطت عليه جالسا على شاطيء الفرات نصف النهار يتوضأ ويغسل ثوبه فعرفته بالنعت الذي نعت لي فإذا رجل لحيم شديد الأدمة محلوق الرأس كث اللحية متغير جدا كريه الوجه متهيب المنظر قال فسلمت عليه فرد علي السلام ونظر إلي فقلت حياك الله من رجل ومددت يدي لأصافحه فأبى أن يصافحني فقلت رحمك الله يا أويس وغفر لك كيف أنت رحمك الله ثم خنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي عليه إذ رأيت من حاله ما رأيت حتى بكيت وبكى فقال وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان كيف أنت يا أخي ومن دلك علي قال قلت الله فقال لا إله إلا الله سبحان الله إن كان وعد ربنا لمفعولا قال فعجبت حين عرفني ولا والله ما رأيته قبل ذلك ولا رآني فقلت من أين عرفت اسمي واسم أبي وما رأيتك قبل اليوم قال نبأني العليم الخبير وعرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك إن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد وإن المؤمنين ليعرف بعضهم بعضا ويتحابون بروح الله وإن لم يلتقوا يتعارفون ويتكلمون وإن نأت بهم الدار وتفرقت بهم المنازل قال قلت حدثني رحمك الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث أسمعه منك قال إني لم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن لي معه صحبة بأبي وأمي رسول الله ولكن رأيت رجالا قد صحبوه وبلغني من حديثه كما بلغك ولست أحب أن أفتح على نفسي هذا الباب أن أكون محدثا أو مفتيا أو قاضيا في نفسي شغل عن الناس يا هرم بن حيان فقلت يا أخي اقرأ علي آية من القرآن أسمعها منك وادع لي بدعوات وأوصني بوصية أحفظها عنك فإني أحبك في الله حبا شديدا قال فقام وأخذ بيدي على شاطيء الفرات ثم قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم بكى ثم قال قال ربي والحق قول ربي وأصدق الحديث حديثه وأصدق الكلام كلامه ثم قرأ وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون حتى انتهى إلى قوله إنه هو العزيز الرحيم فشهق شهقة ظننت أنه قد غشي عليه ثم قال يا ابن حيان مات أبوك حيان وتوشك أن تموت فإما إلى جنة وإما إلى نار ومات أبوك آدم وماتت أمك حواء ومات نوح ومات إبراهيم خليل الرحمن ومات موسى نجي الرحمن ومات داود خليفة الرحمن ومات محمد صلى الله عليه وسلم وهو رسول رب العالمين ومات أبو بكر خليفة المسلمين ومات عمر بن الخطاب أخي وصفي ثم قال يا عمراه يا عمراه قال فقلت رحمك الله إن عمر لم يمت قال فقد نعاه إلي ربي ونعى إلي نفسي ثم قال أنا وأنت في الموت كأنه قد كان ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعا بدعوات خفيات ثم قال هذه وصيتي إياك يا هرم بن حيان كتاب الله ونهج الصالحين المؤمنين فقد نعيت إلي نفسي ونفسك عليك بذكر الموت لا يفارق قلبك طرفة عين ما بقيت وأنذر قومك إذا رجعت إليهم وانصح للأمة جميعا وإياك أن تفارق الجماعة قيد شبر فتفارق دينك وأنت لا تعلم فتدخل النار يوم القيامة ادع لي ولنفسك ثم قال اللهم إن هذا يزعم أنه يحبني فيك وزارني من أجلك فعرفني وجهه في الجنة وأدخله علي في دارك دار السلام واحفظه ما دام في الدنيا حيثما كان وضم عليه ضيعته وأرضه من الدنيا باليسير وما أعطيته من الدنيا فيسره له تيسيرا واجعله لما أعطيته من نعمائك من الشاكرين وأجزه عنى خير الجزاء ثم قال استودعك الله يا هرم بن حيان والسلام عليك ورحمة الله وبركاته لا أراك بعد اليوم رحمك الله تطلبني فإني أكره الشهرة والوحدة أحب إلي أن كثير الهم شديد الغم مع هؤلاء الناس ما دمت حيا فلا تسأل عني ولا تطلبني واعلم أنك مني على بال وإن لم أرك ولم ترني فاذكرني وادع لي فإني سأذكرك وأدعو لك إن شاء الله انطلق أنت ههنا حتى انطلق أنا ههنا فحرصت أن أمشي معه ساعة فأبى علي وفارقته فبكى وأبكاني وجعلت انظر في قفاه حتى دخل بعض السكك ثم سألت عنه بعد ذلك فما وجدت أحدا يخبرني عنه بشيء رحمه الله وغفر له فهكذا كانت سيرة أبناء الآخرة المعرضين عن الدنيا وقد عرفت مما سبق في بيان الدنيا ومن سيرة الأنبياء والأولياء أن حد الدنيا كل ما أظلته الخضراء وأقلته الغبراء إلا ما كان لله عز وجل من ذلك وضد الدنيا الآخرة وهو كل ما أريد به الله تعالى مما يؤخذ بقدر الضرورة من الدنيا لأجل قوة طاعة الله وذلك ليس من الدنيا ويتبين هذا بمثال وهو أن الحاج إذا حلف أنه في طريق الحج لا يشتغل بغير الحج بل يتجرد له ثم اشتغل بحفظ الزاد وعلف الجمل وخرز الرواية وكل ما لا بد للحج منه لم يحنث في يمينه ولم يكن مشغولا بغير الحج فكذلك البدن مركب النفس تقطع به مسافة العمر فتعهد البدن بما تبقى به قوته على سلوك الطريق بالعلم والعمل هو من الآخرة لا من الدنيا نعم إذا قصد تلذذ البدن وتنعمه بشيء من هذه الأسباب كان منحرفا عن الآخرة ويخشى على قلبه القسوة قال الطنافسي كنت على باب بني شيبة في المسجد الحرام سبعة أيام طاويا فسمعت في الليلة الثامنة مناديا وأنا بين اليقظة والنوم ألا من أخذ من الدنيا أكثر مما يحتاج إليه أعمى الله عين قلبه فهذا بيان حقيقة الدنيا في حقك فاعلم ذلك ترشد إن شاء الله تعالى بيان حقيقة الدنيا في نفسها وأشغالها التي استغرقت همم الخلق حتى أنستهم أنفسهم وخالقهم ومصدرهم وموردهم اعلم أن الدنيا عبارة عن أعيان موجودة وللإنسان فيها حظ وله في إصلاحها شغل فهذه ثلاثة أمور قد يظن أن الدنيا عبارة عن آحادها وليس كذلك أما الأعيان الموجودة التي الدنيا عبارة عنها فهي الأرض وما عليها قال الله تعالى إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا فالأرض فراش للآدميين ومهاد ومسكن ومستقر وما عليها لهم ملبس ومطعم ومشرب ومنكح ويجمع ما على الأرض ثلاثة أقسام المعادن والنبات والحيوان أما النبات فيطلبه الآدمي للاقتيات والتداوي وأما المعادن فيطلبها للآلات والأواني كالنحاس والرصاص وللنقد كالذهب والفضة ولغير ذلك من المقاصد وأما الحيوان فينقسم إلى الإنسان والبهائم أما البهائم فيطلب منها لحومها للمآكل وظهورها للمركب والزينة وأما الإنسان فقد يطلب الآدمي أن يملك أبدان الناس ليستخدمهم ويستسخرهم كالغلمان أو ليتمتع بهم كالجواري والنسوان ويطلب قلوب الناس ليملكها بأن يغرس فيها التعظيم والإكرام وهو الذي يعبر عنه بالجاه إذ معنى الجاه ملك قلوب الآدميين فهذه هي الأعيان التي يعبر عنها بالدنيا وقد جمعها الله تعالى في قوله زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين وهذا من الإنس والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة وهذا من الجواهر والمعادن وفيه تنبيه على غيرها من اللآليء واليواقيت وغيرها والخيل المسومة والأنعام وهي البهائم والحيوانات والحرث وهو النبات والزرع فهذه هي أعيان الدنيا إلا أن لها مع العبد علاقتين علاقة مع القلب وهو حبه لها وحظه منها وانصراف همه إليها حتى يصير قلبه كالعبد أو المحب المستهتر بالدنيا ويدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المعلقة بالدنيا كالكبر والغل والحسد والرياء والسمعة وسوء الظن والمداهنة وحب الثناء وحب التكاثر والتفاخر وهذه هي الدنيا الباطنة وأما الظاهرة فهي الأعيان التي ذكرناها العلاقة الثانية مع البدن وهو اشتغاله بإصلاح هذه الأعيان لتصلح لحظوظه وحظوظ غيره وهي جملة الصناعات والحرف التي الخلق مشغولون بها والخلق إنما نسوا أنفسهم ومآبهم ومنقلبهم بالدنيا لهاتين العلاقتين علاقة القلب بالحب وعلاقة البدن بالشغل ولو عرف نفسه وعرف ربه وعرف حكمة الدنيا وسرها علم أن هذه الأعيان التي سميناها دنيا لم تخلق إلا لعلف الدابة التي يسير بها إلى الله تعالى وأعني بالدابة البدن فإنه لا يبقى إلا بمطعم ومشرب وملبس ومسكن كما لا يبقى الجمل في طريق الحج إلا يعلف وماء وجلال ومثال العبد في الدنيا في نسيانه نفسه ومقصده مثال الحاج الذي يقف في منازل الطريق ولا يزال يعلف الناقة ويتعهدها وينظفها ويكسوها ألوان الثياب ويحمل إليها أنواع الحشيش ويبرد لها الماء بالثلج حتى تفوته القافلة وهو غافل عن الحج وعن مرور القافلة وعن بقائه في البادية فريسة للسباع هو وناقته والحاج البصير لا يهمه من أمر الجمل إلا القدر الذي يقوى به على المشي فيتعهده وقلبه إلى الكعبة والحج وإنما يلتفت إلى الناقة بقدر الضرورة فكذلك البصير في السفر إلى الآخرة لا يشغل بتعهد البدن إلا بالضرورة كما لا يدخل بيت الماء إلا لضرورة ولا فرق بين إدخال الطعام في البطن وبين إخراجه من البطن في أن كل واحد منهما ضرورة البدن ومن همته ما يدخل بطنه فقيمته ما يخرج منها وأكثر ما شغل عن الله تعالى هو البطن فإن القوت ضروري وأمر المسكن والملبس أهون ولو عرفوا سبب الحاجة إلى هذه الأمور واقتصروا عليه لم تستغرقهم أشغال الدنيا وإنما استغرقتهم لجهلهم بالدنيا وحكمتها وحظوظهم منها ولكنهم جهلوا وغفلوا وتتابعت أشغال الدنيا عليهم واتصل بعضها ببعض وتداعت إلى غير نهاية محدودة فتاهوا في كثرة الأشغال ونسوا مقاصدها ونحن نذكر تفاصيل أشغال الدنيا وكيفية حدوث الحاجة إليها وكيفية غلط الناس في مقاصدها حتى تتضح لك أشغال الدنيا كيف صرفت الخلق عن الله تعالى وكيف أنستهم عاقبة أمورهم فنقول الأشغال الدنيوية هي الحرف والصناعات والأعمال التي ترى الخلق منكبين عليها وسبب كثرة الأشغال هو أن الإنسان مضطر إلى ثلاث القوت والمسكن والملبس فالقوت للغذاء والبقاء والملبس لدفع الحر والبرد والمسكن لدفع الحر والبرد ولدفع أسباب الهلاك عن الأهل والمال ولم يخلق الله القوت والمسكن والملبس مصلحا بحيث يستغني عن صنعة الإنسان فيه نعم خلق ذلك للبهائم فإن النبات يغذي الحيوان من غير طبخ والحر والبرد لا يؤثر في بدنه فيستغني عن البناء ويقنع بالصحراء ولباسها شعورها وجلودها فتستغني عن اللباس والإنسان ليس كذلك فحدثت الحاجة لذلك إلى خمس صناعات هي أصول الصناعات وأوائل الأشغال الدنيوية وهي الفلاحة والرعاية والاقتناص والحياكة والبناء أما البناء فللمسكن والحياكة وما يكتنفها من أمر الغزل والخياطة فللملبس والفلاحة للمطعم والرعاية للمواشي والخيل أيضا للمطعم والمركب والاقتناص نعني به تحصيل ما خلقه الله من صيد أو معدن أو حشيش أو حطب فالفلاح يحصل النباتات والراعي يحفظ الحيوانات ويستنتجها والمقتنص يحصل ما نبت ونتج بنفسه من غير صنع آدمي وكذلك يأخذ من معادن الأرض ما خلق فيها من غير صنعة آدمي ونعني بالاقتناص ذلك ويدخل تحته صناعات وأشغال عدة ثم هذه الصناعات تفتقر إلى أدوات وآلات كالحياكة والفلاحة والبناء والاقتناص والآلات إنما تؤخذ إما من النبات وهو الأخشاب أو من المعادن كالحديد والرصاص وغيرهما أو من جلود الحيوانات فحدثت الحاجة إلى ثلاث أنواع أخر من الصناعات النجارة والحدادة والخز وهؤلاء هم عمال الآلات ونعني بالنجارة كل عامل في الخشب كيفما كان وبالحداد كل عامل في الحديد وجواهر المعادن حتى النحاس والإبري وغيرهما وغرضنا ذكر الأجناس فأما آحاد الحرف فكثيرة وأما الخراز فنعني به كل عامل في جلود الحيوانات وأجزائها فهذه أمهات الصناعات ثم إن الإنسان خلق بحيث لا يعيش وحده بل يضطر إلى الاجتماع مع غيره من أبناء جنسه وذلك لسببين أحدهما حاجته إلى النسل لبقاء جنس الإنسان ولا يكون ذلك إلا باجتماع الذكر والأنثى وعشرتهما والثاني التعاون على تهيئة أسباب المطعم والملبس ولتربية الولد فإن الاجتماع يفضي إلى الولد لا محالة والواحد لا يشتغل بحفظ الولد وتهيئة أسباب القوت ثم ليس يكفيه الاجتماع مع الأهل والولد في المنزل بل لا يمكنه أن يعيش كذلك ما لم تجتمع طائفة كثيرة ليتكفل كل واحد بصناعة فإن الشخص الواحد كيف يتولى الفلاحة وحده وهو يحتاج إلى آلاتها وتحتاج الآلة إلى حداد ونجار ويحتاج الطعام إلى طحان وخباز وكذلك كيف ينفرد بتحصيل الملبس وهو يفتقر إلى حراسة القطن وآلات الحياكة والخياطة وآلات كثيرة فلذلك امتنع عيش الإنسان وحده وحدثت الحاجة إلى الاجتماع ثم لو اجتمعوا في صحراء مكشوفة لتأذوا بالحر والبرد والمطر واللصوص فافتقروا إلى أبنية محكمة ومنازل ينفرد كل أهل بيت به وبما معه من الآلات والأثاث والمنازل تدفع الحر والبرد والمطر وتدفع أذى الجيران من اللصوصية وغيرها لكن المنازل قد تقصدها جماعة من اللصوص خارج المنازل فافتقر أهل المنازل إلى التناصر والتعاون والتحصن بسور يحيط بجميع المنازل فحدثت البلاد لهذه الضرورة ثم مهما اجتمع الناس في المنازل والبلاد وتعاملوا تولدت بينهم خصومات إذ تحدث رياسة وولاية للزوج على الزوجة وولاية للأبوين على الولد لأنه ضعيف يحتاج إلى قوام به ومهما حصلت الولاية على عاقل أفضى إلى الخصومة بخلاف الولاية على البهائم إذ ليس لها قوة المخاصمة وإن ظلمت فأما المرأة فتخاصم الزوج والولد يخاصم الأبوين هذا في المنزل وأما أهل البلد أيضا فيتعاملون في الحاجات ويتنازعون فيها ولو تركوا كذلك لتقاتلوا وهلكوا وكذلك الرعاة وأرباب الفلاحة يتواردون على المراعي والأراضي والمياه وهي لا تفي بأغراضهم فيتنازعون لا محالة ثم قد يعجز بعضهم عن الفلاحة والصناعة بعمى أو مرض أو هرم وتعرض عوارض مختلفة ولو ترك ضائعا لهلك ولو وكل تفقده إلى الجميع لتخاذلوا ولو خص واحد من غير سبب يخصه لكان لا يذعن له فحدث بالضرورة من هذه العوارض الحاصلة بالاجتماع صناعات أخرى فمنها صناعة المساحة التي بها تعرف مقادير الأرض لتمكن القسمة بينهم العدل ومنها صناعة الجندية لحراسة البلد بالسيف ودفع اللصوص عنهم ومنها صناعة الحكم والتوصل لفصل الخصومة ومنها الحاجة إلى الفقه وهو معرفة القانون الذي ينبغي أن يضبط به الخلق ويلزموا الوقوف على حدوده حتى لا يكثر النزاع وهو معرفة حدود الله تعالى في المعاملات وشروطها فهذه أمور سياسية لا بد منها ولا يشتغل بها إلا مخصوصون بصفات مخصوصة من العلم والتمييز والهداية وإذا اشتغلوا بها لم يتفرغوا لصناعة أخرى ويحتاجون إلى المعاش ويحتاج أهل البلد إليهم إذ لو اشتغل أهل البلد بالحرب مع الأعداء مثلا تعطلت الصناعات ولو اشتغل أهل الحرب والسلاح بالصناعات لطلب القوت تعطلت البلاد عن الحراس واستضر الناس فمست الحاجة إلى أن يصرف إلى معايشهم وأرزاقهم الأموال الضائعة التي لا مالك لها إن كانت أو تصرف الغنائم إليهم إن كانت العداوة مع الكفار فإن كانوا أهل ديانة وورع قنعوا بالقليل من أموال المصالح وإن أرادوا التوسع فتمس الحاجة لا محالة إلى أن يمدهم أهل البلد بأموالهم ليمدوهم بالحراسة فتحدث الحاجة إلى الخراج ثم يتولد بسبب الحاجة إلى الخراج الحاجة لصناعات أخر إذ يحتاج إلى من يوظف الخراج بالعدل على الفلاحين وأرباب الأموال وهم العمال وإلى من يستوفي منهم بالرفق وهم الجباة والمتخرجون وإلى من يجمع عنده ليحفظه إلى وقت التفرقة وهم الخزان وإلى من يفرق عليهم بالعدل وهو الفارض للعساكر وهذه الأعمال لو تولاها عدد لا تجمعهم رابطة انخرم النظام فتحدث منه الحاجة إلى ملك يدبرهم وأمير مطاع يعين لكل عمل شخصا ويختار لكل واحد ما يليق به ويراعي النصفة في أخذ الخراج وإعطائه واستعمال الجند في الحرب وتوزيع أسلحتهم وتعين جهات الحرب ونصب الأمير والقائد على كل طائفة منهم إلى غير ذلك من صناعات الملك فيحدث من ذلك بعد الجند الذين هم أهل السلاح وبعد الملك الذي يراقبهم بالعين الكالئة ويدبرهم الحاجة إلى الكتاب والخزان والحساب والجباة والعمال ثم هؤلاء أيضا يحتاجون إلى معيشة ولا يمكنهم الاشتغال بالحرف فتحدث الحاجة إلى مال الفرع مع مال الأصل وهو المسمى فرع الخراج وعند هذا يكون الناس في الصناعات ثلاث طوائف الفلاحون والرعاة والمحترفون والثانية الجندية الحماة بالسيوف والثالثة المترددون بين الطائفتين في الأخذ والعطاء وهم العمال والجباة وأمثالهم فانظر كيف ابتدأ الأمر من حاجة القوت والملبس والمسكن وإلى ماذا انتهى وهكذا أمور الدنيا لا يفتح منها باب إلا وينفتح بسببه أبواب أخر وهكذا تتناهى إلى غير حد محصور كأنها هاوية لا نهاية لعمقها من وقع في مهواة منها سقط منها إلى أخرى وهكذا على التوالي فهذه هي الحرف والصناعات إلا أنها لا تتم إلا بالأموال والآلات والمال عبارة عن أعيان الأرض وما عليها مما ينتفع به وأعلاها الأغذية ثم الأمكنة التي يأوى الإنسان إليها وهي الدور ثم الأمكنة التي يسعى فيها للتعيش كالحوانيت والأسواق والمزارع ثم الكسوة ثم أثاث البيت وآلاته ثم آلات الآلات وقد يكون الآلات ما هو حيوان كالكلب آلة الصيد والبقر آلة الحراثة والفرس آلة الركوب في الحرب ثم يحدث من ذلك حاجة البيع فإن الفلاح ربما يسكن قرية ليس فيها آلة الفلاحة والحداد والنجار يسكنان قرية لا يمكن فيها الزراعة فبالضرورة يحتاج الفلاح إليهما ويحتاجان إلى الفلاح فيحتاج أحدهما أن يبذل ما عنده للآخر حتى يأخذ منه غرضه وذلك بطريق المعاوضة إلا أن النجار مثلا إذا طلب من الفلاح الغذاء بآلته ربما لا يحتاج الفلاح في ذلك الوقت إلى آلته فلا يبيعه والفلاح إذا طلب الآلة من النجار بالطعام ربما كان عنده طعام في ذلك الوقت فلا يحتاج إليه فتتعوق الأغراض فاضطروا إلى حانوت يجمع آلة كل صناعة ليترصد بها صاحبها أرباب الحاجات وإلى أبيات يجمع إليها ما يحمل الفلاحون فيشتريه منهم صاحب الأبيات ليترصد به أرباب الحاجات فظهرت لذلك الأسواق والمخازن فيحمل الفلاح الحبوب فإذا لم يصادف محتاجا باعها بثمن رخيص من الباعة فيخزنونها في انتظار أرباب الحاجات طمعا في الربح وكذلك في جميع الأمتعة والأموال ثم يحدث لا محالة بين البلاد والقرى تردد فيتردد الناس يشترون من القرى الأطعمة ومن البلاد الآلات وينقلون ذلك ويتعيشون به لتنتظم أمور الناس في البلاد بسببهم إذ كل بلد ربما لا توجد فيه كل آلة وكل قرية لا يوجد فيها كل طعام فالبعض يحتاج إلى البعض فيحوج إلى النقل فيحدث التجار المتكفلون بالنقل وباعثهم عليه حرص جمع المال لا محالة فيتعبون طول الليل والنهار في الأسفار لغرض غيرهم ونصيبهم منها جمع المال الذي يأكله لا محالة غيرهم إما قاطع طريق وإما سلطان ظالم ولكن جعل الله تعالى في غفلتهم وجهلهم نظاما للبلاد ومصلحة للعباد بل جميع أمور الدنيا انتظمت بالغفلة وخسة الهمة ولو عقل الناس وارتفعت هممهم لزهدوا في الدنيا ولو فعلوا ذلك لبطلت المعايش ولو بطلت لهلكوا ولهلك الزهاد أيضا ثم هذه الأموال التي تنقل لا يقدر الإنسان على حملها فتحتاج إلى دواب تحملها وصاحب المال قد لا تكون له دابة فتحدث معاملة بينه وبين مالك الدابة تسمى الإجارة ويصير الكراء نوعا من الاكتساب أيضا ثم يحدث بسبب البياعات الحاجة إلى النقدين فإن من يريد أن يشتري طعاما بثوب فمن أين يدري المقدار الذي يساويه من الطعام كم هو والمعاملة تجري في أجناس مختلفة كما يباع ثوب بطعام وحيوان بثوب وهذه أمور لا تتناسب فلا بد من حاكم عدل يتوسط بين المتبايعين يعدل أحدهما بالآخر فيطلب ذلك العدل من أعيان الأموال ثم يحتاج إلى مال يطول بقاؤه لأن الحاجة إليه تدوم وأبقى الأموال المعادن فاتخذت النقود من الذهب والفضة والنحاس ثم مست الحاجة إلى الضرب والنقش والتقدير فمست الحاجة إلى دار الضرب والصيارفة وهكذا تتداعى الأشغال والأعمال بعضها إلى بعض حتى انتهت إلى ما تراه فهذه أشغال الخلق وهي معاشهم وشي من هذه الحرف لا يمكن مباشرته إلا بنوع تعلم وتعب في الابتداء وفي الناس من يغفل عن ذلك في الصبا فلا يشتغل به أو يمنعه عنه مانع فيبقى عاجز عن الاكتساب لعجزه عن الحرف فيحتاج إلى أن يأكل مما يسعى فيه غيره فيحدث منه حرفتان خسيستان اللصوصية والكداية إذ يجمهما أنهما يأكلان من سعي غيرهما ثم الناس يحترزون من اللصوص والمكدين ويحفظون عنهم أموالهم فافتقروا إلى صرف عقولهم في استنباط الحيل والتدابير أما اللصوص فمنهم من يطلب أعوانا ويكون في يديه شوكة وقوة فيجتمعون ويتكاثرون ويقطعون الطريق كالأعراب والأكراد وأما الضعفاء منهم فيفزعون إلى الحيل إما بالنقب أو التسلق عند انتهاز فرصة الغفلة وإما بأن يكون طرارا أو سلالا إلى غير ذلك من أنواع التلصص الحادثة بحسب ما تنتجه الأفكار المصروفة إلى استنباطها وأما المكدي فإنه إذا طلب ما سعى فيه غيره وقيل له اتعب واعمل كما عمل غيرك فمالك والبطالة فلا يعطي شيئا فافتقروا إلى حيلة في استخراج الأموال وتمهيد العذر لأنفسهم في البطالة فاحتالوا للتعلل بالعجز إما بالحقيقة كجماعة يعمون أولادهم وأنفسهم بالحيلة ليعذروا بالعمى فيعطون وإما بالتعامي والتفالج والتجانن والتمارض وإظهار ذلك بأنواع من الحيل مع بيان أن تلك محنة أصابت من غير استحقاق ليكون ذلك سبب الرحمة وجماعة يلتمسون أقوالا وأفعالا يتعجب الناس منها حتى تنبسط قلوبهم عند مشاهدتها فيسخوا برفع اليد عن قليل من المال في حال التعجب ثم قد يندم بعد زوال التعجب ولا ينفع الندم وذلك قد يكون بالتمسخر والمحاكاة والشعبذة والأفعال المضحكة وقد يكون بالأشعار الغريبة والكلام المنثور المسجع مع حسن الصوت والشعر الموزون أشد تأثيرا في النفس لا سيما إذا كان فيه تعصب يتعلق بالمذاهب كأشعار مناقب الصحابة وفضائل أهل البيت أو الذي يحرك داعية العشق من أهل المجانة كصنعة الطبالين في الأسواق وصنعة ما يشبه العوض وليس بعوض كبيع التعويذات والحشيش الذي يخيل بائعه أنها أدوية فيخدع بذلك الصبيان والجهال وكأصحاب القرعة والفأل من المنجمين ويدخل في هذا الجنس الوعاظ والمكدون على رءوس المنابر إذا لم يكن وراءهم طائل علمي وكان غرضهم استمالة قلوب العوام وأخذ أموالهم بأنواع الكدية وأنواعها تزيد على ألف نوع وألفين وكل ذلك استنبط بدقيق الفكرة لأجل المعيشة فهذه هي أشغال الخلق وأعمالهم التي أكبوا عليها وجرهم إلى ذلك كله الحاجة إلى القوت والكسوة ولكنهم نسوا في أثناء ذلك أنفسهم ومقصودهم ومنقلبهم ومآبهم فتاهوا وضلوا وسبق إلى عقولهم الضعيفة بعد أن كدرتها زحمة الاشتغالات بالدنيا خيالات فاسدة فانقسمت مذاهبهم واختلفت آراؤهم على عدة أوجه فطائفة غلبهم الجهل والغفلة فلم تنفتح أعينهم للنظر إلى عاقبة أمورهم فقالوا المقصود أن نعيش أياما في الدنيا فنجتهد حتى نكسب القوت ثم نأكل حتى نقوى على الكسب ثم نكسب حتى نأكل فيأكلون ليكسبوا ثم يكسبون ليأكلوا وهذا مذهب الفلاحين والمحترفين ومن ليس له تنعم في الدنيا ولا قدم في الدين فإنه يتعب نهارا ليأكل ليلا ويأكل ليلا ليتعب نهارا وذلك كسير السواني فهو سفر لا ينقطع إلا بالموت وطائفة أخرى زعموا أنهم تفطنوا الأمر وهو أنه ليس المقصود أن يشقى الإنسان بالعمل ولا يتنعم في الدنيا بل السعادة في أن يقضي وطره من شهوة الدنيا وهي شهوة البطن والفرج فهؤلاء نسوا أنفسهم وصرفوا هممهم إلى اتباع النسوان وجمع لذائذ الأطعمة يأكلون كما تأكل الأنعام ويظنون أنهم إذا نالوا ذلك فقد أدركوا غاية السعادة فشغلهم ذلك عن الله تعالى وعن اليوم الآخر وطائفة ظنوا أن السعادة في كثرة المال والاستغناء بكثرة الكنوز فأسهروا ليلهم وأتعبوا نهارهم في الجمع فهم يتعبون في الأسفار طول الليل والنهار ويترددون في الأعمال الشاقة ويكتسبون ويجمعون ولا يأكلون إلا قدر الضرورة شحا وبخلا عليها أن تنقص وهذه لذتهم وفي ذلك دأبهم وحركتهم إلى أن يدركهم الموت فيبقى تحت الأرض أو يظفر به من يأكله في الشهوات واللذات فيكون للجامع تعبه ووباله وللآكل لذته ثم الذين يجمعون ينظرون إلى أمثال ذلك ولا يعتبرون وطائفة ظنوا أن السعادة في حسن الاسم وانطلاق الألسنة بالثناء والمدح بالتجمل والمروءة فهؤلاء يتعبون في كسب المعاش ويضيقون على أنفسهم في المطعم والمشرب ويصرفون جميع مالهم إلى الملابس الحسنة والدواب النفيسة ويزخرفون أبواب الدور وما يقع عليها أبصار الناس حتى يقال إنه غني وإنه ذو ثروة ويظنون أن ذلك هو السعادة فهمتهم في نهارهم وليلهم في تعهد موقع نظر الناس وطائفة أخرى ظنوا أن السعادة في الجاه والكرامة بين الناس وانقياد الخلق بالتواضع والتوقير فصرفوا هممهم إلى استجرار الناس إلى الطاعة لطلب الولايات وتقلد الأعمال السلطانية لينفذ أمرهم بها على طائفة من الناس ويرون أنهم إذا اتسعت ولايتهم وانقادت لهم رعاياهم فقد سعدوا سعادة عظيمة وأن ذلك غاية المطلب وهذا أغلب الشهوات على قلوب الغافلين من الناس فهؤلاء شغلهم حب تواضع الناس لهم عن التواضع لله وعن عبادته وعن التفكر في آخرتهم ومعادهم ووراء هؤلاء طوائف يطول حصرها تزيد على نيف وسبعين فرقة كلهم قد ضلوا وأضلوا عن سواء السبيل وإنما جرهم إلى جميع ذلك حاجة المطعم والملبس والمسكن ونسوا ما تراد له هذه الأمور الثلاثة والقدر الذي يكفي منها وانجرت بهم أوائل أسبابها إلى أواخرها وتداعى بهم ذلك إلى مهاو لم يمكنهم الرقي منها فمن عرف وجه الحاجة إلى هذه الأسباب والأشغال وعرف غاية المقصود منها فلا يخوض في شغل وحرفة وعمل إلا وهو عالم بمقصوده وعالم بحظه ونصيبه منه وأن غاية مقصوده تعهد بدنه بالقوت والكسوة حتى لا يهلك وذلك إن سلك فيه سبيل التقليل اندفعت الأشغال عنه وفرغ القلب وغلب عليه ذكر الآخرة وانصرفت الهمة إلى الاستعداد له وإن تعدى به قدر الضرورة كثرت الأشغال وتداعى البعض إلى البعض وتسلسل إلى غير نهاية فتتشعب به الهموم ومن تشعبت به الهموم في أودية الدنيا فلا يبالي الله في أي واد أهلكه منها فهذا شأن المنهمكين في أشغال الدنيا | |
|
| |
الأنصاري
عضو فضي
الجنس : العمر : 42 المدينة المنورة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 564
| موضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ السبت 07 أبريل 2012, 3:53 am | |
| وتنبه لذلك طائفة فأعرضوا عن الدنيا فحسدهم الشيطان ولم يتركهم وأضلهم في الإعراض أيضا حتى انقسموا إلى طوائف فظنت طائفة أن الدنيا دار بلاء ومحنة والآخرة دار سعادة لكل من وصل إليها سواء تعبد في الدنيا أو لم يتعبد فرأوا أن الصواب في أن يقتلوا أنفسهم للخلاص من محنة الدنيا وإليه ذهب طوائف من العباد من أهل الهند فهم يتهجمون على النار ويقتلون أنفسهم بالإحراق ويظنون أن ذلك خلاص لهم من محن الدنيا وظنت طائفة أخرى أن القتل لا يخلص بل لا بد أولا من إماتة الصفات البشريه وقطعها عن النفس بالكلية وأن السعادة في قطع الشهوة والغضب ثم أقبلوا على المجاهدة وشددوا على أنفسهم حتى هلك بعضهم بشدة الرياضة وبعضهم فسد عقله وجن وبعضهم مرض وانسد عليه الطريق في العبادة وبعضهم عجز عن قمع الصفات بالكلية فظن أن ما كلفه الشرع محال وأن الشرع تلبيس لا أصل له فوقع في الإلحاد وظهر لبعضهم أن هذا التعب كله لله وأن الله تعالى مستغن عن عبادة العباد لا ينقصه عصيان عصيان عاص ولا تزيده عبادة متعبد فعادوا إلى الشهوات وسلكوا مسلك الإباحة وطووا بساط الشرع والأحكام وزعموا أن ذلك من صفاء توحيدهم حيث اعتقدوا أن الله مستغن عن عبادة العباد وظن طائفة أن المقصود من العبادات المجاهدة حتى يصل العبد بها إلى معرفة الله تعالى فإذا حصلت المعرفة فقد وصل وبعد الوصول يستغني عن الوسيلة والحيلة فتركوا السعي والعبادة وزعموا أنه ارتفع محلهم في معرفة الله سبحانه عن أن يمتهنوا بالتكاليف وإنما التكليف على عوام الخلق ووراء هذا مذاهب باطلة وضلالات هائلة يطول إحصاؤها إلى ما يبلغ نيفا وسبعين فرقة وإنما الناجي منها فرقة واحدة وهي السالكة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو أن لا يترك الدنيا بالكلية ولا يقمع الشهوات بالكلية أما الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد وأما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل ولا يتبع كل شهوة ولا يترك كل شهوة بل يتبع العدل ولا يترك كل شيء من الدنيا ولا يطلب كل شيء من الدنيا بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدنيا ويحفظه على حد مقصوده فيأخذ من القوت ما يقوي به البدن على العبادة ومن المسكن ما يحفظ عن اللصوص والحر والبرد ومن الكسوة كذلك حتى إذا فرغ القلب من شغل البدن أقبل على الله تعالى بكنه همته واشتغل بالذكر والفكر طول العمر وبقي ملازما لسياسة الشهوات ومراقبا لها حتى لا يجاوز حدود الورع والتقوى ولا يعلم تفصيل ذلك إلا بالاقتداء بالفرقة الناجية وهم الصحابة فإنه عليه السلام لما قال الناجي منها واحدة قالوا يا رسول الله ومن هم قال أهل السنة والجماعة فقيل ومن أهل السنة والجماعة قال ما أنا عليه وأصحابي حديث افتراق الأمة وفيه الناجي منهم واحدة قالوا ومن هم قال أهل السنة والجماعة الحديث أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه تفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة فقالوا من هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي ولأبي داود من حديث معاوية وابن ماجه من حديث أنس وعوف بن مالك وهي الجماعة وأسانيدها جياد وقد كانوا على النهج القصد وعلى السبيل الواضح الذي فصلناه من قبل فإنهم ما كانوا يأخذون الدنيا للدنيا بل للدين وما كانوا يترهبون ويهجرون الدنيا بالكلية وما كان لهم في الأمور تفريط ولا إفراط بل كان أمرهم بين ذلك قواما وذلك هو العدل والوسط بين الطرفين وهو أحب الأمور إلى الله تعالى كما سبق ذكره في مواضع والله أعمل تم كتاب ذم الدنيا والحمد لله أولا وآخرا صلى الله عليه وسلم و وآله وصحبه وسلم.
| |
|
| |
| ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩ | |
|