ربما يعتقد الكثيرون منا ان الديمقراطيه هي التي تقود المجتمع لترسيخ مفاهيم المجتمع المدني وتعزز حالة الاستقرار والتنمية في البلاد,واغلب الظن ان هذا الراي عادة ما تفرضه الدول الكبرى على الاخرى الصغرى في محاوله للتدخل وفرض النفوذ,لكن التجربه والتطبيقات الحديثه اثبتت ان المجتمع لا يمكنه تطبيق اي ديمقراطيه قبل ان تتوفر مجموعه من الشروط تساهم الى حد بعيد في امتلاك تصورا متكاملا عن الديمقراطيه وممارستها في المجتمع.هذه الشروط هي الدعامه الرئيسيه لاقامة علاقات اجتماعيه وسياسيه بين الافراد قائمه على استيعاب الاخر وايجاد حلول للمشاكل التي تطرأ بطرق متحضرة تبتعد عن العنف والكراهيه والمعوقات الاخرى التي تجعل الحياة السياسيه بشكل عام في البلد متشنجه..
ان السعي نحو خلق مجتمع مدني تسوده منظومه من القوانين التي تجعل من احترام الانسان لها الركيزه الاساسيه التي تحرك العمليه هو احد اهداف تحقيق شروط التقدم نحو مجتمع ديمقراطي سليم,وهذا السعي طبعا لا يأتي من فراغ بل من حاجة المجتمع الماسه لعملية تغيير جذريه تضع حدا للكثير من المشاكل والتحديات التي تواجهه وفي مقدمتها الخلاف على السلطه والصراع من اجلها ومصادر التشريعات القانونيه السائده في البلاد وتوزيع الموارد والثروات على الاقاليم والمدن وغيرها من المشاكل الاساسيه التي تتحكم في الصراعات الدائره على الساحه الدوليه,وفي معظم بلدان العالم حدثت نقلات نوعيه في طبيعه العلاقه التي تتحكم في العلاقه بين الفرد والسلطه وتمكنت هذه الدول من تحقيق مجتمع مدني تسود فيه حريه العمل السياسي والثقافي والاجتماعي دون ان تكون هذه الحريه مبرر للتجاوز على القانون السائد وهي بدورها مهدت لخلق اجيال قادرة على ايجاد حلول للمشاكل التي تواجهها بطرق حضاريه خاليه من التعصب او اي نوع من انواع العنف,في التجربة الاوربيه هناك الكثير من البلدان التي عاشت حياة المجتمع المدني الذي تسوده سلطة القانون ورغم ذلك فأن الحياة التي خلقها المجتمع المدني الجديد لم تجعل تلك الدول ديمقراطيه كما هو الحال عليه في اسبانيا واليونان فقد فشلت الدوله في ايجاد الحلول لمعظم المشاكل السياسيه التي تواجهها في الاعتراف بالاخر والتعامل معه بشكل متحضر فلا زالت مشكله اقليم الباسك عصيه عن الحل في دوله تحسب نفسها على الدول الديمقراطيه والمتقدمه لكن الحقيقه تعكس لنا دولة دستوريه غير قادره على ايجاد الحلول لمعظم المشاكل التي تواجهها وكذلك اليونان التي لازالت غير قادره على استيعاب الاحزاب اليساريه وتعتبرهم خطر يهدد كيان الدوله مع العلم ان معظم الدول الاوربيه قد انهت هذه المشكله منذ عقود..
وعند دراسة الخطوات التي تقود المجتمعات العربيه والشرق اوسطيه الى حالة المجتمع المدني نجد ان هناك حواجز كثيرة تقف عائقا امام تحقيق خطوه من هذا النوع فمن اولويات اقامة المجتمع المدني توفر الحريه اللازمه للاعلام والصحافه لمناقشة قضايا المجتمع بحريه مهما كانت محاطه بقيود الشرائع والقوانين التي تحكمت بالمجتمع في الماضي,غير اننا لا نجد في معظم هذه الدول الحريه الكافيه لظهور اعلام حر وبناء بل العكس اذ تحاول معظم الدول والحكومات كبح جماح خطوة بهذا الشكل لانها تهدد سلطتها كما تعتقد,وكذلك منظمات المجتمع المدني ونقابات العمال التي تعيش حالة صعبه في هذا المكان من العالم بسبب المضايقات التي تتعرض لها وتحد من عملها بشكل طبيعي مما يجعلها مهمشه وعاجزة عن اداء دور فعال يصب في خدمة خلق مجتمع مدني واذا كانت الدوله والقوانين التي تشرعها هي التي تعمل على وضع العوائق امام سير المجتمع والتطور الى امام فكيف يمكن خلق ديمقراطيه سليمه دون ان نجعل من مؤسسات المجتمع حرة وتعمل بشكل سليم؟؟
لذلك ينبغي ان تكون عمليه التحول الى المجتمع المدني تدريجيه ان كان التغيير المتكامل محالا فالبدء بالمطالبه بحرية الصحافه وتشريع قانونا يسهل عملها وبالتالي الانتقال الى المطالبه بمنظمات مجتمع مدني غير تابعه للسلطه وتعمل باستقلاليه وتقوم بأداء واجبها دون اعاقه من السلطه او المؤسسات التابعه لها والضغط باتجاه تطوير التشريعات القضائيه والقانونيه وتغيير القديم منها بجديد يلائم ما وصلت اليه المجتمعات المتحضرة وكذلك العمل باتجاه خلق وعي جماهيري بمهمات هذه المنظمات والتعامل معها ومناصرتها لانها اصبحت اليوم تلعب دورا ربما يفوق في بعض الدول دور احزاب سياسيه على الساحه,ان الدول الغير قادرة على تقبل عمل منظمات مناصرة لحقوق المرأة والطفل وحقوق العمال لا يمكنها الحديث عن انتقال للديمقراطيه لانه من اولويات اقامة مجتمعات ديمقراطيه هي توافر الشروط التي ذكرتها سابقا وان تعمل الدول على التمهيد لحركه فعاله من هذه المنظمات تنشر الوعي بين الجماهير وتقودهم الى حاله من التعاطي مع قضاياهم الحياتيه وتمكنهم من التفاعل مع قوانين البلاد بشكل يسهم في تطوير العلاقه بين الاثنين ويجعلها تاخذ بعدا مختلفا عما كانت تعيشه في السابق فمقدار اهتمام الانسان بالقوانين السائده التي تتحكم في حياته هو الذي يحرك بالاساس عملية التغيير لان ادراكه لخطأ ما يعتلي تشريع معين في قانون الدوله يحركه بأتجاه المطالبه بتغييرها وتطويرها..
لكن معظم دولنا لا يروق لها الوعي الجماهيري وتعاطيه مع القوانين وتفهمها لان ذلك يؤدي الى خلق حالة جديده تعتبر التغيير امرا ملحا وفي نفس عاديا نظرا للمراحل التي قطعتها البشريه في النضال في هذا الاتجاه,القفز فوق المراحل لا يخدم اي عمل من شأنه خلق الجديد واتباع الخطوات التي تؤسس لبدايه جيده حتى وان اعتلاها بعض التأخير الا انها تقوم على اسس سليمه لا يمكن زعزعتها بسهوله,وحالة مجتمعاتنا اليوم تدفعنا للبحث عن افضل الطرق التي تقودنا الى تحقيق المجتمع المدني العلماني ومن ثم السير نحو الديمقراطيه بخطوات ثابته..
وعملية التغيير في المجتمعات غالبا ما تبدأ من المؤسسات التعليميه ومناهج الدراسه التي تلعب هي الاخرى دورا محوريا مؤثرا يتحكم في الاجيال القادمه للعيش في مراكز القرار والمسؤوليه واذا ما تمكنت الدوله من اعطاء هذا الجانب وضعا مفضلا من ناحية الدعم لا التدخل في طبيعة المناهج فأن ذلك سيؤدي حتما الى اعطاء عملية التغيير دفعه قويه تساهم في التخلص من الحواجز التي تعيق عملية الانتقال الى الحاله الافضل,تغيير جذري في القوانين التي تتحكم بالعمليه التربويه في الدوله قد يحدث انتقاله مذهله اذا ما توفرت النوايا الحسنه والصادقه بهذا الاتجاه فمعظم المجتمعات وضعت نصب اعينها ان المدارس هي التي تتحكم بدرجه تعاطي الانسان مع القضايا الحياتيه فيتم توضيحها واختصارها بطرق تلائم عقل الطفل منذ سنوات دراسته الاولى ,والتخلص من المشاكل العابرة التي تواجه المجتمعات يتم ايضا من خلال وضع مناهج تساعد على تفهم هذه المشاكل وتحديد مصادرها والقضاء عليها للانتقال الى حاله التعايش مع التطورات التي يفرزها لنا العلم يوميا فهذه التطورات تستحق ان نوليها اهتمامنا اكثر من الاغراق في التفصيل اليومي لمشاكل المجتمع التي من الممكن وضع حلول لها من خلال معالجات قانونيه في مصدر التشريع.
ومع ان الاعلام يلعب دورا في صياغة التصورات المحتمله لمعظم عمليات التغيير الا ان هناك قيود تمنع هذا الاعلام في بعض الاحيان من الاقتراب الى الحلول الجذريه لا سيما عندما يكون هذا الاعلام تابعا لشركه خاصه او يكون اعلاما تابعا للسلطه,وفي الحالتين لايمارس دوره الحيوي على اكمل وجه بقدر ما يجعل من عمليه التحول الى المجتمع المدني صعبة للغايه وشعوب العالم هي الاخرى قطعت شوطا طويلا في الوعي حتى اصبحت قادره على التمييز بين الاعلام الموجه والاخر الحر الهادف ودفع المجتمع الى الامام يمر عبر فهم موقع الاعلام وتأثيره والتعامل معه بشكل لا يعيق عمليه التطور المرجوه..
ان الانتقال الى مجتمع تسوده الديمقراطيه تطمح اليه كل المجتمعات البشريه لانها توفر للفرد التعبير عن نفسه وتوجهاته ومواهبه وطاقاته لكن هذه الانتقاله تكون عادة معرضه لعوائق كبيرة ان لم يتوفر الوعي المناسب بتحقيق دستور مدني يضمن حق الافراد والجماعات في التعبير وكذلك يضمن لهم حقوقهم في العمل والتعليم وفق قوانين لا تجعلهم يشعروا بالظلم لكي لا يتحولوا الى معيق لهذه العمليه وتحقيق جملة هذه الشروط هو الذي يقود الى تحقيق مجتمع ديمقراطي على اسس سليمه وعادله وهي في نفس الوقت تمثل الاسس القويه لخلق المجتمع الديمقراطي العلماني الذي يعطي كل قضيه في الحياة بعدها الصحيح..