إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ، فبلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
أيها الإخوة : فإننا في هذه الليلة نحب أن نتكلم على صفة الحج والعمرة ، وذلك لأننا مأمورون بأمرين هما : الإخلاص لله ، والمتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع عباداتنا ؛ في الطهارة ، في الصلاة ، في الزكاة ، في الصيام ، في الحج ، في كل عمل نتقرب به إلى الله لا بد من هذين الأمرين ، أحدهما : الإخلاص لله ، والثاني : المتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فمن لم يخلص لله في عبادته فإن عبادته مردودة عليه كما يدل على ذلك كلام الله - سبحانه وتعالى - ، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، قال الله - عز وجل - : ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ . [ الكهف : 110 ] ، وقال تعالى : ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ . [ البينة : 5 ] ، وقال تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : ﴿ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ . [ الزمر : 2 - 3 ] .
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) . فالله - سبحانه وتعالى - أغنى الشركاء عن الشرك لا يريد عملاً يكون له فيه شريك ، من عمل عملاً أشرك فيه مع الله ، فإن الله تعالى يتركه وشركه ، أي : وما أشرك به فلا يقبل منه .
وأما اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلابد في كل عبادة منه ، لقول الله - عز وجل - : ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ﴾ . [ آل عمران : 31 ] ، وقال - عز وجل - : ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ . [ الأنعام : 153 ] ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) . أي : مردود عليه .
وإذا كان لابد في العبادة من اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه يلزم على كل إنسان يريد أن يتعبد : أن يعرف كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤدي هذه العبادة حتى تتحقق له المتابعة ، لأنك لا يمكن أن تتابع الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأنت لا تدري كيف يفعل ، لهذا يجب عليك أن تعلم كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ ، كيف كان يصلي ، كيف كان يتصدق ، كيف كان يصوم ، كيف كان يحج ؛ حتى تعبد الله - عز وجل - متبعًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
أما أن تعبد كما يعبد الناس فهذا لا شك أنه إذا كان الناس على صواب فإنك على صواب لكنك لست مطمئنًا كما ينبغي وأنت لا تدري على أي أساس بنى الناس عبادتهم ، ولهذا قال أهل العلم : إن العلم فرض عين في كل عبادة يريد الإنسان أن يقوم بها . أي : أنه يجب عليك أن تعلم كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعبد في العبادة التي تريد أن تقوم بها ، فمثلاً : رجل عنده مال يجب عليه أن يتعلم أحكام الزكاة ، ورجل لا مال عنده لا يجب عليه أن يتعلم أحكام الزكاة ، رجل مستطيع الحج ويريد أن يحج يجب عليه أن يتعلم أحكام الحج ، وآخر لا يستطيع الحج ليس عنده مال فلا يريد الحج فلا يجب عليه أن يتعلم أحكام الحج .
ولهذا ينبغي لكل من أراد الحج أن يتعلم كيف يحج ؛ إما عن طريق المشافهة عن أهل العلم ، وإما عن طريق القراءة من الكتب الموثوق بمؤلفيها وليس كل كتاب مؤلف في المناسك أو غيرها يكون موثوقًا ؛ لأن صاحبه قد يكون قليل علم وقد يكون من الناس الذين لا يبالون فيما يتكلمون به .
على كل حال طرق تعلم أحكام الحج ثلاثة : المشافهة ، وقراءة الكتب ، والاستماع إلى الأشرطة المسجلة من أناس موثوق بهم ، حتى يعبد الإنسان ربه على بصيرة .