::↨❖↨:: الأمر بدعاء الله مع الإخلاص فيه ::↨❖↨::
الحمد لله مجيب الدعوات وكاشف الكربات، أحمده سبحانه وتعالى الموجب على عباده الشكر في السراء والضراء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير من تضرع إلى الله في الشدة والرخاء، وأرشد أمته إلى الإلحاح في الدعاء، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه. آمين.
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعلموا بأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالدعاء في مواطن كثيرة من كتابه الكريم، منها قول الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ [غافر:60]، ومنها قول الله جل وعلا: ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]، وقول الله جل شأنه: قُلْ أَمَرَ رَبّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ [الأعراف:29].
ففي هذه الآيات الكريمات يأمرنا سبحانه وتعالى بالدعاء وإخلاصه له، فلا نخلط الدعاء بأي شائبة، كأن ندعو معه غيره كائنًا من كان، مهما كان من الملائكة أو الرسل أو الصالحين، فكل هذا نوع من أنواع الشرك، كما بين لنا أنّ الذي يستكبر ويتعاظم عن إفراد الله بالدعاء سيدخل جهنم صاغرًا، وقد أطلق الله اسم العبادة على الدعاء، وما ذلك إلا لأنّ الدعاء نوع من أنواع العبادة التي إذا صرفت لغير الله أوقعت صاحبها في الشرك الأكبر والعياذ بالله.
فلتحرص ولتحذر أخي المسلم؛ حتى لا تقع في هذا الشرك، وقد كان رسول الله يقول: ((الدعاء هو العبادة))[1]، وقد ثبت في السنة الصحيحة أن رسول الله كان كثير الدعاء، وكان يدعو الله ويستغيث به حتى إن الرداء ليسقط عن منكبيه وهو لا يدري، ويحثّ أمته عليه قولاً وعملاً، والله يحبّ من عباده الملحّين.
وكذلك كان رسل الله جميعًا صلوات الله وسلامه عليهم يدعون الناس إلى توحيدِ الله جل وعلا ودعائه والتوجه إليه، كما أنهم أيضًا يدعون ربهم في أقوالهم وأعمالهم كإبراهيم وإسماعيل ونوح وزكريا ويحيى، والأدلة في ذلك أكثر من أن تحصَى في كتاب الله، ويكفينا قوله تعالى: إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ [الأنبياء:90]، فعلى المسلم مع الدعاء الانكسار بين يدي الله جل وعلا.
فاتقوا الله أيها المسلمون، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى قد وجّهنا في كتابه الكريم إلى أنه يجيب الدعاء بلا وساطة أو شفاعة، فقال الله سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، فإن الله سبحانه وتعالى لم يطلب من رسوله أن يتولى الإجابة عن السؤال كما هي العادة في كتاب الله، فقد تولى تعالى بذاته القدسية الإجابة عن سؤال العباد بالدعاء، فعلى العباد أن يسألوا الله وحده لا شريك له، وأن يستعينوا به، وأن يلحوا عليه، وأن يستغيثوا به وحده جل وعلا، وأن لا يصرفوا أي شيء من ذلك إلى غيره.
فالدعاء ـ عباد الله ـ وسيلة مشروعة وعبادة يجب الأخذ بها والإكثار منها إلى جانب المسائل المادية المحسوسة في دفع الشدائد والخطوب، لتبقى قلوب العباد متعلقة بالله عز وجل ومتجهة إليه، فعليكم ـ عباد الله ـ بالدعاء والإكثار منه والإلحاح فيه رجاء توثيق المطلوب بالله جل وعلا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له))[2].
وعلى الداعي المؤمن أن يدعو الله وهو موقن بالإجابة وإن لم ير أثرًا لذلك، فإن من رحمة الله تعالى بعباده أن جعل الإجابة تتّفق مع مصلحة الداعي كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((لا يزال يستجاب للعبد ـ ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ـ ما لم يستعجل))، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: ((يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أرَ يستجيب لي، فيتحسر عند ذلك ويدع الدعاء))، وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجيب له؛ فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل))، قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعجل؟ قال: ((يقول: دعوت الله فما استجاب لي))[3].
فاتقوا الله عباد الله، ولا تغلبنكم على الدعاء الغفلة أو يقعدنكم عنه انحراف المنحرفين وضلال المضلين، فإن للدعاء أثره الفعال في تحقيق الآمال، فإن رسول الله قال: ((ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع))[4]، فالله وحده القادر على كل شيء، لا إله إلا هو.
واعلموا ـ عباد الله ـ أن للدعاء آدابًا لا بد من مراعاتها وأخذها بعين الاعتبار كترصّد الأوقات الشريفة للدعاء، مثل يوم عرفة وساعة الإجابة من يوم الجمعة وشهر رمضان ووقت السحر وعند الزحف للجهاد وعند نزول الغيث أو عند السجود في آخر الليل.
ومن آداب الدعاء استقبال القبلة، وخفض الصوت وجعله بين المخافتة والجهر، ومنه أيضًا الإلحاح به والإيقان بالإجابة وعدم استبطاء الإجابة، فليثق الدّاعي بربّه العليم الخبير. ومن الآداب للداعي أيضًا أن يقدّم بين يدي الدعاء ذِكرًا لله وثناء عليه وصلاة على نبيّ الهدى .
وكل هذا يكون بعد التوبة من الذنوب وردّ المظالم إلى أهلها والتحلّل منها والإقلاع والنّدم والعزم على عدم العودة إليها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ [الأعراف:55، 56].
فيا عباد الله، اتقوا الله واعلموا أن لاستجابة الدعاء موانع أعاذنا الله وإياكم منها، فيجب أن يحترز منها الداعي لئلا تحول بينه وبين ما يريد، ففي الحديث الصحيح الطويل يقول راوي الحديث أبو هريرة رضي الله عنه، ثم ذكر رسول الله الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام: ((فأنى يستجاب لذلك؟))[5] نعوذ بالله من الحرام ومقارفة الحرام، ونسأل الله جلّ وعلا السلامة والعافية.
فإياكم ـ عباد الله ـ والكسب الحرام وانتهاك محارم الله تعالى بارتكاب المعاصي والتمادي فيها، وعليكم ـ رحمكم الله ـ بالإسراع في الرجوع إلى الله بالتوبة الصادقة، فإنها من شروط قبول الدعاء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات وإزالة المصائب والمكروهات.
ولقد قيل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: ما بالنا ندعو الله سبحانه فلا يستجاب لنا؟! فقال: "لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا بما فيه، وأكلتم نعمة الله فلم تؤدّوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدّوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا بهم، تركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس، فكيف يستجاب لكم؟!"، ما أجمله من وصف، وما أدقه من تعبير. يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ما أكثر العِبر، وما أقل الاعتبار).
ومن أسباب عدم قبول الدعاء مقارفة الحرام من ظلم وربا وغشّ وخداع وحيَل وتحايل ونفاق ورياء وتملق واتباع للهوى، فالله الله في البعد عن مقارفة الحرام والترفع عن الوقوع في الربا، حتى يستجيب الله منكم الدعاء وصدق اللجوء إلى الله تبارك وتعالى والتضرع والابتهال إلى الله عز وجل.
ومن موانع قبول الدّعاء واستجابته أكل الحرام، سأل الصحابيّ الجليل سعد بن أبي وقاص رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا رسول الله، ادع الله لي أن أكون مستجابَ الدعوة، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجواب شاملٍ عام، وهو لكل فرد من أمة محمد صلوات الله وسلامه عليه قال: ((أطِب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)).
اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا، وأصلح نياتنا وذرياتنا وأزواجنا، واغفر اللهم لنا ولوالدينا، آمين...
-----------------------------------------------------------------------
[1] رواه أبو داود في الصلاة، باب: الدعاء (1479)، والترمذي في التفسير، باب: ومن سورة المؤمن (3244)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
[2] رواه البخاري في الدعوات، باب: ليعزم المسألة فإنه لا مكره له (7/153)، ومسلم في الذكر والدعاء، باب: العزم بالدعاء ولا يقل إن شئت (2679).
[3] رواه مسلم في الذكر والدعاء، باب: استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب (2735).
[4] أخرجه الترمذي في الدعوات (2607) وحسنه.
[5] رواه مسلم في الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها (1015).