【☻】آثار الغدر على الفرد والمجتمع 【☻】
إن الغدر خلق ذميم من أخلاق المنافقين؛ وسمة من سمات الجاهلين؛ وصفة من صفات السافلين.
فهو مسبشع في الفطر السليمة؛ ومستقبح عند ذوي الأخلاق السوية؛ وتأباه النفوس الكريمة؛ وينأى عنه ذوي المرؤآت الأبية.
وهو محرم في جميع الشرائع؛ ومذموم في كل الأعراف والأنظمة.
وليس الغدر من أخلاق الأنبياء ولا من أخلاق أتباعهم، وقد أدرك ذلك هرقل عظيم الروم حينما سأل أبو سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم قائلا له: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ فقال أبو سفيان: لا. فقال هرقل: وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ. رواه البخاري.
وقد حرم الإسلام الغدر أشد التحريم، وجعله من عظائم الذنوب ومن كبائره، ورتب عليه الوعيد الشديد؛ فقد روى البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ بِغَدْرَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وعن أَبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ أِسْتِهِ يومَ القِيَامَةِ؛ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدَرِ غَدْرِهِ، ألا وَلا غَادِرَ أعْظَمُ غَدْراً مِنْ أمِيرِ عَامَّةٍ. رواه مسلم.
تعريف الغدر : هو عدم الوفاء بالعهد .
1- قَالَ الله تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بالْعُقُودِ) [المائدة:1].
2- قال تَعَالَى: (وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كَانَ مَسئُولاً) [الإسراء:34].
إن الغدر صفة تدل على خسة النفس و حقارتها، بل هو خصلة من خصال النفاق التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: "أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا؛ ومن كانت فيه خصلة منهنَّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". [ البخاري ومسلم].
فأي شيء أقبح من غدر يسوق إلى النفاق، وأي عار أفضح من نقض العهد إذا عدت مساوئ الأخلاق!!.
وقد عدَّ بعض العلماء الغدر من الكبائر، كيف لا والغادر خصمه يوم القيامة رب العالمين تبارك وتعالى، ففي الحديث: "قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره".[البخاري].
وقد كان من وصاياه صلى الله عليه وسلم لأمراء جيشه: "اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا..." الحديث [رواه مسلم].
1- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَها: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ). متفق عَلَيْهِ.
2- عن ابن مسعودٍ، وابن عمر، وأنس رضي الله عنهم قالوا: قَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ: هذِهِ غَدْرَةُ فلانٍ). متفق عَلَيْهِ.
3- عن أَبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يومَ القِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدَرِ غَدْرِهِ، ألاَ وَلاَ غَادِرَ أعْظَمُ غَدْراً مِنْ أمِيرِ عَامَّةٍ). رواه مسلم.
4- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (قَالَ الله تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرَّاً فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأجَرَ أجيراً، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ أجْرَهُ). رواه البخاري.
5- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ) متفق عليه.
إن الغادر مذموم في الدنيا ، وهو كذلك عند الله تعالى، وسيفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرًا من إمام عامة". (رواه مسلم) فكم أوقع الغدر في المهالك مِن غادر، وضاقت عليه من موارد الهلكات فسيحات المصادر، وطوَّقه غدره طوق خزي، فهو على فكِّه غيرُ قادر.
ومما هو معلوم ومشاهد في دنيا الناس أن الغادر لا يكاد يتم له أمر ،ولا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا
1- قال تعالى: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين).
* قال ابن عباس: " كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحدا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء " تفسير الطبري.
2- قال جعفر الصادق: " الحقد لا يسكن قلب المؤمن لأن الحقود من أهل النار ".
3- قال تعالى: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين).
* قال ابن كثير: " إن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء " تفسير ابن كثير.
قصص
1- جاء في سيرة ابن هشام رحمه الله أن أبرهة بنى كنيسة وأراد أن يصرف العرب إليها فذهب إليها رجل من العرب وأحدث أي تغوط وبال فعزم أبرهة على هدم الكعبة وسير لذلك جيشا وخرج معه بالفيل حتى وصل الطائف فخرج إليه مسعود بن متعب فقال له: أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ونحن نبعث معك من يدلك فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة وفي الطريق مات أبو رغال فرجمت العرب قبره. فهو قبره الذي يرجم الناس بالمغمس.
2- ابن العلقمي لعنه الله كان دليلاً لهولاكو على عورات بغداد، وتدمير دولة الإسلام؛ فلعنة الله على الخائنين في كل زمان ومكان.
3- تذكر لنا كتب السيرة موقفا للنجاشي رحمه الله، وقد اشتد الأذى بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم:لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد. وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه. فخرج ثلاثة وثمانون رجلا. فأرسلت قريش من يأتي بهم وهما عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بن وائل وأعطوا كل قسيس هدية ولما دخلوا على النجاشي وقدما الهدايا فقبلها منهما ثم قالا: أيها الملك إنه قد أوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت فقال لهم النجاشي: لا والله لا أسلمهم وقد جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي. ولما علم وفد قريش أن الهدية لم تفعل فعلها قالا: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما: فأرسل إليهم الملك وسألهم فقرأ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه سورة مريم: (ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) وبكى النجاشي وقال: إن هذا والذي جاء به عيسى عليه السلام يخرج من مشكاة واحدة. ثم أمر فردت الهدايا فخرجا مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به.
4- من قصص العرب أن رجلاً كانت عنده فرس معروفة بأصالتها، سمع بها رجل فأراد أن يسرقها منه، واحتال لذلك بأن أظهر نفسه بمظهر المنقطع في الطريق عند مرور صاحب الفرس، فلما رآه نزل إليه وسقاه ثم حمله وأركبه فرسه فلما تمكن منه أناخ بها جانبا وقال له: الفرس فرسي وقد نجحت خطتي وحيلتي.
فقال له صاحب الفرس: لي طلب عندك، قال: وما هو؟ قال: إذا سألك أحد كيف حصلت على الفرس؟ فلا تقل له: احتلت بحيلة كذا وكذا، ولكن قل: صاحب الفرس أهداها لي.
فقال الرجل لماذا؟
فقال صاحب الفرس: حتى لا ينقطع المعروف بين الناس فإذا مر قوم برجل منقطع حقيقة يقولون: لا تساعدوه؛ لأن فلانا قد ساعد فلاناً فغدر به.
فنزل الرجل عن الفرس، وسلمها لصاحبها، واعتذر إليه، ومضى.
أشعار
ذهب الوفاء ذهاب امس الذاهب *** فالناس بين مخاتلٍ وموارب
يفشون بينـهم المـودةَ والصفا *** وقلوبهم محشوةً بعقـارب
[.........]
أما الوفاء فشيء قد سمعت به *** ولم أر له عينا ولا أثـرا
ولا أطالب في الدنيا به أحداً *** ولا ألوم أخا غدْر إذا غدَرَا
ومن يُعوِّل في الدنيا على بشر *** فهو بشر لايعرف البشرا
[.........]
كأن الغدر لم يخلق لحـر *** فلسـت تراه إلا في لئيـم
يميز بين أقـوام فيبـدي *** صميم القوم من غير الصميم
فهذا ليس يوجد في لئيـم *** وهذا ليس يوجد في كريم
[........]
حكم
1- (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).
2- قال أحد الحكماء: عشرة في عشرة هي فيهم أقبح منها في غيرهم: الضيق في الملوك، والغدر في ذوي الأحساب، والحاجة في العلماء، والكذب في القضاة، والغضب في ذوي الألباب، والسفاهة في الكهول، والمرض في الأطباء، والاستهزاء في أهل البؤس، والفخر في أهل الفاقة، والشح في الأغنياء.
3- كفاك خيانة أن تكون أميناً للخونة.
4- من كثر حقده قلَّ عتابه.
5- عند الشدائد تذهب الأحقاد.
6- من خان هان.
7- إن كان للحقد من أساس فهو الإهانة والاحتقار.
8- من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.
9- أبى الله أن يقع في البئر إلا من حفر، وأن يحيق المكر السيء إلا بمن مكر.
10- من حفر لأخيه بئرًا وقع فيها.
11- أربعة تحفظ من أربعة: العفة من الحرام، والمعرفة من الآثام، والمروءة من الغدر، والديانة من الشر.