إن الخوف والرجاء من أعمال القلوب التي تبعث على الأعمال الصالحة وترغب في الدار الآخرة وتزجر عن الأعمال السيئة وتزهد في الدنيا وتكبح جماح النفس العاتية، فالخوف من الله تعالى سائق للقلب إلي فعل كل خير، وحاجز له عن كل شر، والرجاء قائد للعبد إلي مرضاة الله وباعث للهمم إلي دليل صالح الأعمال وصارف له عن قبيح الأعمال، فالواجب الجمع بين الخوف والرجاء.
1- قَالَ الله تَعَالَى: (فَلاَ يَأمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القَوْمُ الخَاسِرونَ) [الأعراف:99].
2- قال تَعَالَى: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ القَوْمُ الكافِرُونَ) [يوسف:87].
3- قال تَعَالَى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران:106].
4- قال تَعَالَى: (إنَّ رَبَكَ لَسَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأعراف:166].
5- قال تَعَالَى: (إنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار:13-14].
6- قال تَعَالَى: (فَأمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأمُّهُ هَاوِيَةٌ) [القارعة: 6-9] والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ. فَيَجْتَمعُ الخَوفُ والرجاءُ في آيَتَيْنِ مُقْتَرِنَتَيْنِ أَو آيات أَو آية.
أحاديث
1- عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤمِنُ مَا عِنْدَ الله مِنَ العُقُوبَةِ، مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ مَا عِنْدَ الله مِنَ الرَّحْمَةِ، مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أحَدٌ) رواه مسلم.
2- عن أَبي سعيد الخدرِيِّ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (إِذَا وُضِعَتِ الجنازةُ واحْتَمَلَهَا النَّاسُ أَوِ الرِّجَالُ عَلَى أعناقِهِمْ، فَإنْ كَانَتْ صَالِحَةً، قالتْ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ، قالتْ: يَا وَيْلَهَا! أَيْنَ تَذْهَبُونَ بها؟يَسْمَعُ صَوْتَها كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإنْسانُ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ) رواه البخاري.
3- عن ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجَنَّةُ أقْرَبُ إِلى أحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذلك) رواه البخاري.
أن المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفاً راجياً ، ويكون خوفه ورجاؤه سواء ، وفي حال المرض يمحض الرجاء .
وقواعد الشرع من نصوص الكتاب والسنة وغير ذلك متظاهرة على ذلك ،
قال الله تعالى : ( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [االأعراف: 99] . وقال تعالى : ( إِنَّهُ لا يَايْئسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) [يوسف: 87] . وقال تعالى : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) [آل عمران:106] وقال تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) [الأعراف: 167] . وقال تعالى : ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) [الانفطار:13 ، 14] . وقال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ) [القارعة: 6، 9] . والآيات في هذا المعني كثيرة . فيجتمع الخوف والرجاء في آيتين مقترنتين أو آيات أو آية .
1/443 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ، ما طمع بجنته أحد ، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ، ما قنط من جنته أحد )) رواه مسلم(295) .
2/444 ـ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا وضعت الجنازة واحتملها الناس أو الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة ، قالت : قدموني قدموني ، وإن كانت غير صالحة ، قالت يا ويلها ! أين تذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمعه صعق )) رواه البخاري (296) .
3/445 ـ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك )) رواه البخاري(297) .
الـشـرح
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: باب الجمع بين الخوف والرجاء ، وتغليب الرجاء في حال المرض .
هذا الباب قد اختلف فيه العلماء هل الإنسان يغلب جانب الرجاء أو جانب الخوف ؟ .
فمنهم من قال : يغلب جانب الرجاء مطلقاً ، ومنهم من قال : يغلب جانب الخوف مطلقاً .
ومنهم من قال ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه سواء ، لا يغلب هذا على هذا ، ولا هذا على هذا ؛ لأنه إن غلب جانب الرجاء ؛ أمن مكر الله ، وإن غلب جانب الخوف ؛ يئس من رحمة الله .
وقال بعضهم : في حال الصحة يجعل رجاءه وخوفه واحداً كما اختاره النووي رحمه الله في هذا الكتاب ، وفي حال المرض يغلب الرجاء أو يمحضه .
وقال بعض العلماء أيضاً : إذا كان في طاعة ؛ فليغلب الرجاء ، وأن الله يقبل منه ، وإذا كان فعل المعصية ؛ فليغلب الخوف ؛ لئلا يقدم على المعصية .
والإنسان ينبغي له أن يكون طبيب نفسه ، إذا رأى من نفسه أنه أمن من مكر الله ، وأنه مقيم على معصية الله ، ومتمنٍ على الله .الأماني ، فليعدل عن هذه الطريق ، وليسلك طريق الخوف .
وإذا رأى أن فيه وسوسة ، وأنه يخاف بلا موجب ؛ فليعدل عن هذا الطريق وليغلب جانب الرجاء حتى يستوي خوفه ورجاؤه .
ثم ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ آيات جمع الله فيها ذكر ما يوجب الخوف ، وذكر ما يوجب الرجاء ، ذكر فيها أهل الجنة وأهل النار، وذكر فيها صفته عز وجل وأنه شديد العقاب وأنه غفور رحيم .
وتأمل قوله تعالى : ( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ ) [المائدة: 98 ، 99] ؛ حيث إنه في مقام التهديد والوعيد قدم ذكر شدة العقاب (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
وفي حالة تحدثه عن نفسه وبيان كمال صفاته قال : ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ) [الحجر: 49 ، 50] ؛ فقدم ذكر المغفرة على ذكر العذاب ؛ لأنه يتحدث عن نفسه عز وجل ، وعن صفاته الكاملة ورحمته التي سبقت غضبه .
ثم ذكر المؤلف أحاديث في هذا المعنى تدل على أنه يجب على الإنسان أن يجمع بين الخوف الرجاء ، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ؛ ما طمع بجنته أحد )) .
والمراد لو يعلم علم حقيقة وعلم كيفية لا أن المراد لو يعلم علم نظر وخبر ؛ فإن المؤمن يعلم ما عند الله من العذاب لأهل الكفر والضلال ، لكن حقيقة هذا لا تدرك الآن ، لا يدركها إلا من رقع في ذلك ـ أعاذنا الله وإياكم من عذابه .
(( ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ، ما قنط من جنته أحد )) ، والمراد حقيقة ذلك ، وإلا فإن الكافر يعلم أن الله غفور رحيم ، ويعلم معنى المغفرة ، ويعلم معنى الرحمة .
وذكر المؤلف أحاديث في معنى ذلك مثل قوله: ((الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك)).
شراك النعل يضرب به المثل في القرب ؛ لأن الإنسان لا بس نعله ، فالجنة أقرب إلى أحدنا من شراك نعله ؛ لأنها ربما تحصل للإنسان بكلمة واحدة ، والنار مثل ذلك ، ربما تحدث النار بسبب كلمة يقولها القائل ، مثل الرجل الذي كان يمر على صاحب معصية فينهاه ويزجره ، فلما تعب قال : والله لا يغفر الله لفلان .
فقال الله تعالى : (( من ذا الذي يتألى علىَ ألا أغفر لفلان ؛ قد غفرت له وأحبطت عملك )) (298)، قال أبو هريرة : تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته .
فالواجب على الإنسان أن يكون طبيب نفسه في كونه يغلب كونه الخوف أو الرجاء ، إن رأى نفسه تميل إلى الرجاء وإلى التهاون بالواجبات وإلى انتهاك المحرمات استناداً إلى مغفرة الله ورحمته ؛ فليعدل عن هذا الطريق ، وإن رأى أن عنده وسواساً ، وأن الله لا يقبل منه ؛ فإنه يعدل عنه هذا الطريق .
1- عن الحسن البصري قال: " الرجاء والخوف مطيتا المؤمن ". حلية الأولياء.
2- عن مطرف قـال: " لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه، لوجدا سواءً، لا يزيد أحدهما على صاحبه ". حلية الأولياء.
3- عن ذي النون قال: " الخوف رقيب العمل، والرجاء شفيع المحن ". حلية الأولياء.
4- قال النووي: " اعْلَمْ أنَّ المُخْتَارَ لِلْعَبْدِ في حَالِ صِحَّتِهِ أنْ يَكُونَ خَائفاً رَاجِياً، وَيَكُونَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ سَواءً، وفي حَالِ المَرَضِ يُمحَّضُ الرَّجاءُ، وقواعِدُ الشَّرْع مِنْ نصُوصِ الكِتَابِ والسُّنَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ مُتظاهِرَةٌ عَلَى ذلك " رياض الصالحين.
5- قال ابن القيم : " القلب في سيره إلى الله عز و جل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه؛ فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر " مدارج السالكين.
6- قال الشيخ ابن عثيمين: " والإنسان ينبغي له أن يكون طبيب نفسه؛ إذا رأى من نفسه أنه أمن من مكر الله، وأنه مقيم على معصية الله، ومتمنٍ على الله الأماني - فليعدل عن هذه الطريق، وليسلك طريق الخوف.
وإذا رأى أن فيه وسوسة، وأنه يخاف بلا موجب - فليعدل عن هذا الطريق، وليغلب جانب الرجاء؛ حتى يستوي خوفه ورجاؤه " شرح رياض الصالحين لابن عثيمين.
7- قال العلماء: " الرجاء ثلاثة أنواع:
الأول: رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله، فهو راج لثوابه.
والثاني: رجاء رجل أذنب ذنبًا ثم تاب منه، فهو راج لمغفرة الله وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه.
والثالث: رجل متمادٍ في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والرجاء الكاذب ".
8- قال بعض السلف: " من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري -أي خارجي-، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجيء، ومن عبده بالخوف والحب والرجاء فهو مؤمن موحد " شرح العقيدة الطحاوية.
قصص
- عن عبد الله الشامي قال: أتيت طاووساً، فخرج إلي ابنه شيخ كبير ؛ فقلت: أنت طاووس؟ فقال: أنا ابنه ؛ قلت: فإن كنت إبنه، فإن الشيخ قد خرف، فقال: إن العالم لا يخرف ؛ فدخلت عليه، فقال لي طاووس: سل، وأوجز ؛ قلت: إن أوجزت، أوجزت لك ؛ قال: تريد أن أجمع لك في مجلسي هذا: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان؟ قلت: نعم ؛ قال: خف الله تعالى مخافة، لا يكون عندك شئ أخوف منه ؛ وأرجه رجاء، هو أشد من خوفك إياه؛ وأحب للناس ما تحب لنفسك.
أشعار
- وعبادة الرحـمن غايـة حبـه *** مـع ذل عابده همـا قطبان
وعليهمـا فلـك العبـادة دائـر *** ما دار قـام حتى دارت القطبان
[ابن القيم]
احذر عقاب الله وارج ثوابه *** حتى تكون كمن له قلبان
[القحطاني]
خَفِ اللهَ وارْجُـوهُ لِكُـلِّ عَظِيمَـةٍ *** وَلا تُطِعْ النَّفْسَ اللَّجُـوجَ فَتَنْدَمَا
وَكُنْ بَيْنَ هَاتَيْنِ مِنَ الْخَوْفِ والرَّجَا *** وَأَبْشِـرْ بِعَفْوِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مُسْلِمًا
[الحسن الأصبهاني]
أَنَـا بَيْنَ الرَّجَـاءِ وَالـخَوْفِ مِنْهُ *** وَاقِـفٌ بَيْـنَ وَعْدِهِ والْوَعِـيـدِ
[..........]