♦◊♦ الخوف والبكاء من خشية الله ♦◊♦
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
البكاءُ فطرةٌ بشريّةٌ كما ذكر أهل التفسير ، فقد قال القرطبي في تفسير قول الله تعالى : { وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } [ النجم / 43 ] : " أي : قضى أسباب الضحك والبكاء ، وقال عطاء بن أبي مسلم : يعني : أفرح وأحزن ؛ لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء ...
" تفسير القرطبي " ( 17 / 116 ) .
وبما أن البكاء فعل غريزي لا يملك الإنسان دفعه غالباً فإنه مباح بشرط ألا يصاحبه ما يدلُّ على التسخُّط من قضاء الله وقدره ، لقول النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : " إنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ بدمعِ العينِ ولا بحزنِ القلبِ ، ولكن يُعَذِّبُ بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحمُ " البخاري ( 1242 ) ومسلم ( 924 ) .
آيات قرآنية تناولت البكاء
1- قَالَ الله تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء:109].
2- قال تَعَالَى: {أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ} [النجم:59].
3- قال تعالى : { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذريه آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذريه إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً } [ مريم / 58 ] .
أحاديث نبوية من السنة الشريفة تبين فضل البكاء من خشية الله
1- عن ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (اقْرَأْ عليَّ القُرْآنَ) قلت: يَا رسول اللهِ، أقرأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟! قَالَ: (إِنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِنْ غَيرِي) فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سورةَ النِّسَاءِ، حَتَّى جِئْتُ إِلى هذِهِ الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلاءِ شَهيداً} [النساء:41] قَالَ: (حَسْبُكَ الآنَ) فَالَتَفَتُّ إِلَيْهِ فإذا عَيْنَاهُ تَذْرِفَان. متفقٌ عَلَيْهِ.
2- عن أنس رضي الله عنه، قَالَ: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فقال: (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَليلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً) قَالَ: فَغَطَّى أصْحَابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وُجُوهَهُمْ، وَلَهُمْ خَنِينٌ. متفقٌ عَلَيْهِ. وَسَبقَ بَيَانُهُ في بَابِ الخَوْفِ.
3- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْعِ، وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ في سبيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ) رواه الترمذي، وقال: (حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ).
4- عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابّا في الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إنِّي أَخَافُ الله، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُه مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِياً ففاضت عَيْنَاهُ) متفقٌ عَلَيْهِ.
5- عن عبد الله بن الشِّخِّير رضي الله عنه، قَالَ: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي ولِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المِرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ.
حديث صحيح رواه أَبو داود والترمذي في الشمائل بإسناد صحيح.
6- عن أنس رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُبَي بن كعب رضي الله عنه: (إنَّ الله عز وجل أَمَرَنِي أنْ أقْرَأَ عَلَيْكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَروا...} قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ: (نَعَمْ) فَبَكَى أُبَيٌّ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية: فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي.
7- عنه، قَالَ: قَالَ أَبو بكر لِعُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنهما، بعد وفاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم: انْطَلِقْ بِنَا إِلى أُمِّ أيْمَنَ رضي الله عنها نَزورُهَا، كَمَا كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَزُورُها، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَيْهَا بَكَتْ، فقالا لها: مَا يُبْكِيكِ؟ أمَا تَعْلَمِينَ أنَّ مَا عِنْدَ الله تَعَالَى خَيرٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم! قالت: مَا أبْكِي أَنْ لاَ أَكُونَ أَعْلَمُ أنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَلكِنِّي أبكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَد انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ؛ فَهَيَّجَتْهُما عَلَى البُكَاءِ، فَجَعَلا يَبْكِيَانِ مَعَهَا. رواه مسلم.
8- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ، قِيلَ له في الصَّلاَةِ، فقال: (مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ) فقالت عائشة رضي الله عنها: إنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ غَلَبَهُ البُكَاءُ، فقال: (مُرُوهُ فَليُصَلِّ).
وفي رواية عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قلت: إنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ البُكَاءِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
9- عن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف: أنَّ عبد الرحمان بن عوف رضي الله عنه أُتِيَ بطعام وكان صائِماً، فقال: قُتِلَ مُصْعَبُ بن عُمَيْر رضي الله عنه، وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، فَلَمْ يوجَدْ له مَا يُكَفَّنُ فيهِ إِلاَّ بُرْدَةٌ إنْ غُطِّيَ بِهَا رَأسُهُ بَدَتْ رِجْلاهُ؛ وَإنْ غُطِّيَ بِهَا رِجْلاَهُ بَدَا رَأسُهُ، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ -أَو قَالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا- قَدْ خَشِينا أنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبكِي حَتَّى تَرَكَ الطعَام. رواه البخاري.
10- عن أَبي أُمَامَة صُدَيِّ بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لَيْسَ شَيْءٌ أحَبَّ إِلى اللهِ تَعَالَى مِنْ قطْرَتَيْنِ وَأثَرَيْنِ: قَطَرَةُ دُمُوع مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَقَطَرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ في سَبيلِ اللهِ. وَأَمَّا الأَثَرَانِ: فَأَثَرٌ في سَبيلِ اللهِ تَعَالَى، وَأَثَرٌ في فَريضةٍ مِنْ فَرائِضِ الله تَعَالَى) رواه الترمذي، وقال: (حديثٌ حسنٌ).
11- عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، قَالَ: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مَوعظةً وَجلَتْ منها القُلُوبُ، وذرِفت منها الْعُيُونُ. وقد سبق في باب البدع.
أنواع البكاء وأصدقها
قال يزيد بن ميسرة رحمه الله : " البكاء من سبعة أشياء : البكاء من الفرح ، والبكاء من الحزن ، والفزع ، والرياء ، والوجع ، والشكر ، وبكاء من خشية الله تعالى ، فذلك الذي تُطفِئ الدمعة منها أمثال البحور من النار ! " .
وذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه " زاد المعاد " عشرة أنواع للبكاء نوردها كما ذكرها .
* بكاء الخوف والخشية .
* بكاء الرحمة والرقة .
* بكاء المحبة والشوق .
* بكاء الفرح والسرور .
* بكاء الجزع من ورود الألم وعدم احتماله .
* بكاء الحزن .... وفرقه عن بكاء الخوف ، أن الأول " الحزن " : يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب وبكاء الخوف : يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك ، والفرق بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن أن دمعة السرور باردة والقلب فرحان ، ودمعة الحزن : حارة والقلب حزين ، ولهذا يقال لما يُفرح به هو " قرة عين " وأقرّ به عينه ، ولما يُحزن : هو سخينة العين ، وأسخن الله به عينه .
* بكاء الخور والضعف .
* بكاء النفاق وهو : أن تدمع العين والقلب قاس .
* البكاء المستعار والمستأجر عليه ، كبكاء النائحة بالأجرة فإنها كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها .
* بكاء الموافقة : فهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر عليهم فيبكي معهم ولا يدري لأي شيء يبكون يراهم يبكون فيبكي .
" زاد المعاد " ( 1 / 184 ، 185 ) .
والبكاء من خشية الله تعالى أصدق بكاء تردد في النفوس ، وأقوى مترجم عن القلوب الوجلة الخائفة .
آثار من السلف الصالح وبكاؤهم
1- قال يزيد الرقاشي: " إن لله ملائكة حول العرش تجري أعينهم مثل الأنهار إلى يوم القيامة، يميدون كأنما تنفضهم الريح من خشية الله، فيقول لهم الرب عز وجل: يا ملائكتي؛ ما الذي يخيفكم وأنتم عبيدي، فيقولون: يا ربَّنا لو أن أهل الأرض اطلعوا من عزتك وعظمتك على ما اطلعنا - ما ساغوا طعاماً ولا شراباً، ولا انبسطوا في فرشهم، ولخرجوا إلى الصحاري يخورون كما تخور البقر ".
2- قال الفضيل بن عياض: " خمس من علامات الشقوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل " مدارج السالكين.
3- روى ابن أبي الدنيا عن حمزة الأعمى قال: ذهبت بي أمي إلى الحسن، فقالت: يا أبا سعيد ابني هذا قد أحببت أن يلزمك؛ فلعل الله أن ينفعه بك، قال: فكنت أختلف إليه، فقال لي يوماً: " يا بني! أَدِمِ الحزن على خير الآخرة؛ لعله أن يوصلك إليه، وابك في ساعات الليل والنهار في الخلوة؛ لعل مولاك أن يطلع عليك، فيرحم عبرتك، فتكون من الفائزين " البداية والنهاية.
4- قال الحسن البصري: " بلغنا أن الباكي من خشية الله لا تقطر من دموعه قطره حتى تعتق رقبته من النار " البداية والنهاية.
5- قال أيضاً: " لو أن باكياً بكى في ملأ من خشية الله لرحموا جميعا وليس شيء من الأعمال إلا له وزن إلا البكاء من خشية الله فإنه لا يقوم الله بالدمعة منه شيء وقال: ما بكى عبد إلا شهد عليه قلبه بالصدق أو الكذب " البداية والنهاية.
6- قال أبو جعفر الباقر: " ما اغرورقت عين عبد بمائها إلا حرم الله وجه صاحبها على النار، فإن سالت على الخدين لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة، وما من شيء إلا وله جزاء إلا الدمعة فإن الله يكفر بها بحور الخطايا، ولو أن باكياً بكى من خشية الله في أمة رحم الله تلك الأمة " البداية والنهاية.
7- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: " لأنْ أدمع دمعة من خشية الله عز وجل أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار ".
8- قال كعب الأحبار: " لأن أبكي من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إليَّ من أن أتصدق بوزني ذهباً " إحياء علوم الدين.
9- يقول أبو سليمان الداراني: " لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على فوت ما مضى منه في غير الطاعة - لكان خليقاً أن يحزنه ذلك إلى الممات؛ فكيف بمن يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضي من جهله " إحياء علوم الدين.
فضل البكاء من خشية الله
قال تعالى : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ . فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } [ الطور / 25 – 28 ]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع " . رواه الترمذي ( 1633 ) .
وقالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ : إِمامٌ عادِلٌ ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّه تَعالى ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّق بالمَسَاجِدِ ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه ، اجتَمَعا عَلَيهِ وتَفَرَّقَا عَلَيهِ ، وَرَجَلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ ، فَقَالَ : إِنّي أَخافُ اللَّه ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةَ فأَخْفاها حتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمالهُ ما تُنْفِقُ يَمِينهُ ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " .
رواه البخاري ( 629 ) ومسلم ( 1031 ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله " . رواه الترمذي ( 1639 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " ( 1338 ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين : قطرة من دموع خشية الله ، وقطرة دم تهراق في سبيل الله ، وأما الأثران : فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضة من فرائض الله " رواه الترمذي ( 1669 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " ( 1363 ) .
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " لأن أدمع من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار ! " .
وقال كعب الأحبار : لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهباً .
قصص من التاريخ الإسلامي لأفاضل الصحابة والتابعين في البكاء
1- كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وجهه خطوط مُسودة من البكاء.
2- كان رضي الله عنه يمر بالآية من ورده بالليل فتخيفه، فيبقى في البيت أياماً معاد يحسبونه مريضاً.
3- كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على القبر يبكي حتى يبل لحيته وقال: " لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصيرُ ".
4- هذا علي رضي الله عنه كما وصفه ضرار بن ضمرة الكناني لمعاوية يقول: " كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، ويتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه يميل في محرابه قابضا على لحيته يضطرب ويتقلب تقلب الملسوع ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه يقول للدنيا: إلي تعرضت، إلي تشوفت، هيهات هيهات غري غيري قد طلقتك ثلاثا فعمرك قصير ومجلسك حقير وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فوكفت دموع معاوية رضي الله عنه على لحيته ما يملكها وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء، وهو يقول: هكذا والله كان أبو الحسن ".
5- بكى ابن مسعود حتى أخذ بكفه من دموعه فرمى به.
6- انتبه الحسن ليلة فبكى، فضج أهل الدار بالبكاء فسألوه عن حاله فقال: ذكرت ذنباً فبكيت!.
7- كان عبد الله بن عمر يطفئ المصباح بالليل، ثم يبكي حتى تلتصق عينيه.
8- عن نافع: كان ابن عمر رضي الله عنه إذا قرأ: ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) بكى حتى يغلبه البكاء.
9- هذا ابن عباس رضي الله عنه كان أسفل عينيه مثل الشّراك البالي من البكاء.
10- قال أبو يونس بن عبيد: كنا ندخل عليه فيبكي حتى نرحمه.
11- كان أبوعمران الجوني إذا سمع المؤذن تغير وفاضت عيناه.
12- كان أبوبكر النهشلي إذا سمع الأذان تغير لونه وأرسل عينيه بالبكاء.
13- كان نهاد بن مطر العدوي قد بكا حتى عمي.
14- بكى يزيد الرقاشي أربعين سنة حتى أظلمت عيناه، وأحرقت الدموع مجاورتها.
15- قال حماد بن زيد: رأيت ثابتاً يبكي حتى تختلف أضلاعه، وقال جعفر بن سليمان: بكى ثابت حتى كادت عينه تذهب، فجاؤوا برجل يعالجها، فقال: أعالجها على أن تطيعني؟ قال: وأي شيء؟ قال: على أن لا تبكي، فقال: فما خيرهما إذا لم يبكيا، وأبى أن يتعالج.
وقرأ ثابت: (تطلع على الأفئدة) قال: تأكله إلى فؤاده، وهو حي لقد تبلغ فيهم العذاب، ثم بكى، وأبكى من حوله.
وقال حماد بن سلمة: قرأ ثابت: (أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) وهو يصلي صلاة الليل ينتحب ويرددها.
16- عن بشير قال بتُّ عند الربيع ذات ليلة فقام يصلي فمر بهذه الآية (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) قال فمكث ليلته حتى أصبح ما يجوز هذه الآية إلى غيرها ببكاء شديد.
17- عن نسير بن ذعلوق قال: كان الربيع بن خيثم يبكي حتى يبل لحيته من دموعه فيقول أدركنا قوماً كنا في جنوبهم لصوصاً.
18- عن سفيان قال بلغنا عن أم الربيع بن خيثم كانت تنادي ابنها ربيع تقول: يا ربيع ألا تنام؟ فيقول: يا أمه من جن عليه الليل وهو يخاف السيئات حق له ألا ينام، قال: فلما بلغ ورأت ما يلقى من البكاء والسهر نادته فقالت: يا بني لعلك قتلت. قتيلا قال نعم يا والدة قد قتلت قتيلاً، فقالت: ومن هذا القتيل يا بني حتى نتحمل إلى أهله فيغتفرك والله لو يعلمون ما تلقى من السهر والبكاء بعد لقد رحموك، فقال: يا والدة هو نفسي.
19- قال شاذ بن فياض: بكى هشام الدستوائي حتى فسدت عينه، فكانت مفتوحة، وهو لا يكاد يبصر بها.
20- كان الفضلُ قد أَلِفَ البُكا حتى ربما بكى في نومه حتى يسمع أهل الدار.
21- يقول الحسن بن عدقة: رأيت يزيد بن هارون بواسط من أحسن الناس عينين ثم رأيته بعد ذلك مكفوف البصر فقلت له: ما فعلت العينان الجميلتان قال: ذهب بهما بكاء الأَسحَار.
22- قيل لعطاء السليمي: ما تشتهي؟ قال: أشتهي أن أبكي حتى لا أَقدر أن أبكي، وكان يبكي الليل والنهار، وكانت دموعه الدهر سائلة على وجهه.
23- لما حضرت محمد بن سيرين الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك فقال: " أبكي لتفريطي في الأيام الخالية، وقلة عملي للجنة العالية ".
24- بكى مالك بن دينار حتى سود طريق الدموع خديه وكان يقول: لوملكت البكاء لبكيت أيام الدنيا.
25- عن أبي معشر قال: رأيت عون بن عبد الله في مجلس أبي حازم يبكي ويمسح وجهه بدموعه، فقيل له: لمَ تمسح وجهك بدموعك؟ قال: بلغني أنه لا تصيب دموع الإنسان مكاناً من جسده إلا حرم الله عز وجل ذلك المكان على النار.
26- عن القاسم بن محمد قال: كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيراً ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي: بأي شيء فُضِّل هذا الرجل علينا حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة؛ إن كان يصلي إنا نصلي، وإن كان يصوم إنا نصوم، وإن كان يغزو فإنا نغزو، وإن كان يحج إنا لنحج، قال: فكنا في بعض مسيرتا في طريق الشام ليلة نتعشى في بيت انطفئ السراج، فقام بعضنا فأخذ السراج، وخرج استصبح، فمكث هنيهة، ثم جاء بالسراج، فنظرت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع، فقلت في نفسي: بهذه الخشية فُضِّلَ هذا الرجل علينا، ولعله حين فقد السراج فصار إلى ظلمةٍ ذكر القيامة.
27- هذا شيخ الإسلام محمد بن أسلم الطوسي يقول عنه خادمه أبو عبد الله كان محمد يدخل بيتاً، ويغلق بابه، ويدخل معه كوزاً من ماء؛ فلم أدرِ ما يصنع حتى سمعت ابناً صغيراً له يبكي بكاءه، فنهته أمه، فقلت لها: ما هذا البكاء؟ فقالت: إن أبا الحسن يدخل هذا البيت فيقرأ القرآن، ويبكي فيسمعه الصبي فيحاكيه، فكان إذا أراد أن يخرج غسل وجهه، فلا يرى عليه أثر البكاء.
28- كان محمد بن المنكدر ذات ليلة قائم يصلي؛ إذ استبكى فكثر بكاؤه، حتى فزع له أهله، فسألوه ما الذي أبكاك؟ فاستعجم عليهم، فتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم، وأخبروه بأمره، فجاء أبو حازم إليه فإذا هو يبكي، فقال: يا أخي ما الذي أبكاك؟ قد رعت أهلك، فقال له: إني مرَّت بي آية من كتاب الله عز وجل قال: ما هي؟ قال: قول الله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} قال: فبكى أبو حازم معه، واشتد بكاؤهما، فقال بعض أهله لأبي حازم: جئناك لتفرج عنه فزدته، فأخبرهم ما الذي أبكاهما.
29- روى أحمد بن سهل قال: قدم علينا سعد بن زنبور، فأتيناه فحدثنا، قال: كنا على باب الفضيل بن عياض، فاستأذنا عليه فلم يؤذن لنا، فقيل لنا: إنه لا يخرج إليكم أو يسمع القرآن، قال: وكان معنا رجل مؤذن، وكان صيتاً، فقلنا له: إقرأ، فقرأ {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ}، ورفع بها صوته، فأشرف علينا الفضيل وقد بكى حتى بل لحيته بالدموع، ومعه خرقة ينشف بها الدموع من عينيه، وأنشا يقول:
بلغت الثمانين أو جزتها فماذا أؤمل أو أنتظر
أتى ثمانون من مولدي وبعد الثمانين ما ينتظر
عَّلتني السنون فأبلينني ......................
قال ثم خنقته العبرة وكان معنا علي بن خشرم فأتمه لنا يقول:
علتني السنون فأبلينني فرقت عظامي وكل البصر
30- عن سفيان قال: كان سعيد بن السائب الطائفي لا تكاد تجفُّ له دمعه، إنما دموعه جارية دهره؛ إن صلى فهو يبكي، وإن طاف فهو يبكي، وإن قرأ في المصحف فهو يبكي، وإن لقيته في طريق فهو يبكي، قال سفيان: فحدثوني أن رجلاً عاتبه على ذلك فبكى، ثم قال: إنما ينبغي أن تعذلني وتعاتبني على التقصير والتفريط؛ فإنهما قد استوليا عليَّ، قال الرجل: فلما سمعت ذلك انصرفت وتركته.
31- قال الثوري: جلست ذات يوم أحدث ومعنا سعيد بن السائب الطائفي، فجعل سعيد يبكي حتى رحمته، فقلت: يا سعيد ما يبكيك وأنت تسمعني أذكر أهل الخير وفعالهم؟ فقال: يا سفيان؛ وما يمنعني من البكاء إذا ذكرت مناقب أهل الخير، وكنت عنهم بمعزل؟ قال سفيان: حُقَّ له أن يبكي.
32- قال أبو مُسهر: كان الأوزاعي رحمه الله يحيي الليل صلاة وقرآناً وبكاء، وأخبرني بعض إخواني من أهل بيروت أن أمه كانت تدخل منزل الأوزاعي، وتتفقد موضعَ مصلاه فتجده رطباً من دموعه في الليل.
33- عن القاسم بن محمد البغدادي قال: كنت جار معروف الكرخي، فسمعته ليلة في السحر ينوح ويبكي وينشد:
أي شيء تريد مني الذنوب شغفت بي فليس عني تغيب
ما يضر الذنوب لو أعتقتني رحمة لي فقد علاني المشيب
34- قال الحارث بن سعيد كنا عند مالك بن دينار وعنده قارىء يقرأ {إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} فجعل مالك ينتفض وأهل المجلس يبكون حتى انتهى القارىء إلى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} فجعل مالك يبكي ويشهق حتى غشي عليه فحمل بين القوم صريعاً.
35- روى أحد أقرباء رباح بن عمرو القيسي قال: كنت أدخل عليه في المسجد وهو يبكي، وأدخل عليه البيت وهو يبكي، فقلت له: أنت دهرك في مأتم، فبكى، ثم قال: يحق لأهل المصائب والذنوب أن يكونوا هكذا.
36- أتى الحسن البصري بكوز من ماء؛ ليفطر عليه، فلما أدناه إلى فيه بكى، وقال: ذكرت أمنية أهل النار قولهم {أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ} وذكرت ما أجيبوا به {إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ } (الأعراف:50).
37- عن إبراهيم بن الأشعث قال: كنا إذا خرجنا مع الفضيل في جنازة لا يزال يعظ، ويذكر، ويبكي، حتى لكأنه يودع أصحابه ذاهب إلى الآخرة حتى يبلغ المقابر، فيجلس؛ فكأنه بين الموتى جلس من الحزن والبكاء حتى يقوم وكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها.
38- عن عاصم قال: سمعت شقيق بن مسلمة يقول وهو ساجد: رب اغفر لي رب اغفر لي؛ إن تعف عني تعف عني تطوُّلاً من فضلك، وإن تعذبني تعذبني غير ظالم لي، قال: ثم يبكي حتى أسمع نحيبه من وراء المسجد.
39- صلى تميم الداري ليلة حتى أصبح أو قارب الصبح وهو يقرأ آية ويرددها ويبكي {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.
40- قال خالد بن عبد الله الحمودي: قبل وفات الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حضرنا مجلساً، وكنت معه، فتليت قصيدةً عن الموت، فبكى الشيخ بكاءً شديداً وهو يسأل الله قائلاً: اللهم أعنا على الموت. وكان ذلك قبل وفاته بأشهر قليلة.
41- أحد الشباب يأتيني في يوم من الأيام، في يوم جمعة، ويأتي إليَّ ويقول: يا شيخ رأيت أخي الذي مات قبل فترة في المنام، وأحببت أن أذكِّرك بهذا لتذكِّر الناس بمثل هذه الرؤيا، قال: فقلت لأخي لما رأيته في المنام: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني فله الحمد والمنَّة أولا وأخرًا، وظاهرًا وباطنًا، قال: فبم توصينا؟ قال: أوصيكم بتقوى الله، وألا تناموا ليلة من الليالي إلا وقد تعبت أقدامكم من الوقوف بين يدي الله، واحمرَّت أعينكم بكاءً من خشية الله؛ فو الله ما نفعنا هنا بعد رحمة الله إلا تلك الأعمال. قالها فضيلة الشيخ / علي عبد الخالق القرني.
أشعار في البكاء
بَكَى البَاكُونَ لِلرَّحمنِ لَيلاً *** وبَاتُوا دَمعُهُم ما يَسأَمُونَا
بِقَاعُ الأَرضِ من شوقي إِليهم *** تَحُنُّ متى عَليها يَسجُدونا
[..........]
وَرَقَّت دُمُوعُ العين حتىَّ كأَنَها *** دُمُوعُ دمُوعِي لا دُمُوع جُفُونِي
[..........]
حكم عن البكاء
1- أصدق الدمع الذي يشح من العيون أمام منظر البؤس والشقاء.
2- الدمعة في العين جرح في القلب.
3- قال ابن الجوزي: " ماء العين في الأرض حياة الزرع، وماء العين على الخد حياة القلب ".
متفرقات
1- قال ابن الجوزي: " يا هذا لو علمت ما يفوتك في السحر - ما حملك النوم تقدم؛ حينئذ قوافل السهر على قلوب الذاكرين، وتحط رواحل المغفرة على رباع المستغفرين.
من لم يذق حلاوة شراب السحر - لم يبلغ عِرفانه بالخبر، من لم يتفكر في عمره كيف انقرض - لم يبلغ من الحزن الغرض " المواعظ لابن الجوزي.
2- وقال رحمه الله: "يا طالب الجنة! بذنب واحد أُخرج أبوك منها؛ أتطمع في دخولها بذنوب لم تتب عنها! إن امرأً تنقضي بالجهل ساعاته، وتذهب بالمعاصي أوقات - لخليق أن تجري دائماً دموعه، وحقيق أن يقل في الدجى هجوعه " التبصرة لابن الجوزي.