الجنس : العمر : 38 طيبة الطيبة التسجيل : 16/01/2012عدد المساهمات : 15
موضوع: ۩回۩ الحث على التأني ۩回۩ السبت 17 مارس 2012, 5:39 pm
۩回۩ الحث على التأني ۩回۩
إن الإنسان بطبعه عجول يود لو أدرك كل شيء بسرعة (وكان الإنسان عجولاً ) { الإسراء :11}. ولما كانت هذه العجلة تجلب على صاحبها المتاعب وتوقعه في الإشكالات؛ ندب الشرع إلى تربية النفس على التأني في أمور الدنيا ، ونقصد بالتأني هنا : عدم العجلة في طلب الأشياء والتمهل في تحصيلها .
وإذا كان الله - تعالى - قد قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (طـه:114) . وهذا في تلقي القرآن فإن التأني يكون مطلوباً من الإنسان في أمور حياته كلها .
التأني من الله والعجلة من الشيطان ، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال " التأني من الله ، والعجلة من الشيطان .... " والحديث .. و إذا كان التأني من الله ، فإن الله يحبه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس " إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة " .(البخاري ومسلم).
وأداء العبادة إنما يكون بالتأني ، وقد أمر الله تعالى به ، فقال : {وقوموا لله قانتين} . أي خاشعين ؛ لأن القنوت هو الخشوع ، وهو لا يتأتى إلا بالتأني ، وقد مدح المؤمنون به : {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون} . ومعنى التأني : استكانة وذلة الجوارح والقلب حين العبادة . وهي أحوال شريفة لا تحصل مع العجلة .
التأني لغة : لفظ التّأنّي مصدر تأنّى ومعناه ترفقّ وانتظر وهو مأخوذ من مادّة (همزة/ نون/ الحرف المعتل) الّتي تدلّ بحسب أصل اللّغة على أربعة معان : الأوّل : البطء وما أشبهه من الحلم وغيره. الثّاني : ساعة من الزّمان. الثّالث : إدراك الشّيء. الرّابع : ظرف من الظّروف.
والتّأنّي هنا مأخوذ من المعنى الأوّل ، يقول الخليل : الأناة : الحلم ، والفعل منه أنى وتأنّى واستأنى ، وأنشد بيت الكميت :
قف بالدّيار وقوف زائر *** وتأنّ إنّك غير صاغر
ويروى وتأيّ ، ويقال للتّمكّث في الأمور التّأنّي ، ويقال من الأناة : رجل أنيّ ذو أناة قال الشّاعر : واحلم فذو الرّأي الأنيّ الأحلم
ويقال : تأنّى في الأمر أي ترفّق ، واستأنى به أي انتظر به يقال : استؤني به حولا أي انتظر به حولا ، ويقال : تأنّيتك حتّى لا أناة بي ، والأناة هي الاسم على وزن قناة ؛ قال النّابغة : الرّفق يمن والأناة سعادة *** فاستأن في رفق تلاق نجاحا.
وأصل هذا كلّه وني يني (ونا) ونيا من بابي تعب ووعد . والأناة الحلم أبدلت الواو المفتوحة في الوناة همزة فصارت أناة.
يقول الرّاغب : يقال آنيت الشّيء إيناء أي أخّرته عن أوانه والأناة التّؤدة ، وتأنّى فلان تأنّيا وأنى يأني فهو آن أي وقور واستأنيته انتظرت أوانه . والاسم من ذلك الأناء على فعال ، قال الحطيئة : وآنيت العشاء إلى سهيل *** أو الشّعرى فطال بي الأناء
ويقال امرأة أناة أي رزينة لا تصخب ولا تفحش ، وقال اللّحيانيّ : هي الّتي فيها فتور عن القيام والقعود والمشي ، وقال الأزهريّ : هي الّتي فيها فتور لنعمتها ، قال الشّاعر : أناة كأنّ المسك تحت ثيابها *** وريح خزامى الطّلّ في دمث الرّمل
واصطلاحا : التّأنّي عدم العجلة في طلب شيء من الأشياء والتّمهّل في تحصيله والتّرفّق فيه [لم تذكر كتب المصطلحات لفظ التأني مصطلحا وقد أخذنا هذا من جملة كلام المفسرين وخاصة التحرير والتنوير (16/ 316) ] .
وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) [الحجرات: 6] .
وقال تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) [القيامة: 16] .
عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللّه عنه - أنّه قال : إنّ أناسا من عبد القيس قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا : يا نبيّ اللّه ، إنّا حيّ من ربيعة ، وبيننا وبينك كفّار مضر. ولا نقدر عليك إلأ في الأشهر الحرم فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا، وندخل به الجنّة إذا نحن أخذنا به، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: اعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا، وأقيموا الصّلاة، وآتوا الزّكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا الخمس من الغنائم. وأنهاكم عن أربع: عن الدّبّاء، والحنتم، والمزفّت، والنّقير".قالوا: يا نبيّ اللّه، ما علمك بالنّقير؟ قال: " بلى جذع تنقرونه، فتقذفون فيه من القطيعاء ، (قال سعيد: أو قال من التّمر) ثمّ تصبّون فيه من الماء، حتّى إذا سكن غليانه شربتموه حتّى إنّ أحدكم (أو أحدهم) ليضرب ابن عمّه بالسّيف وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك". قال: وكنت أخبؤها حياء من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقلت: ففيم نشرب يا رسول اللّه؟ قال: " في أسقية الأدم الّتي يلاث على أفواهها" قالوا: يا رسول اللّه، إنّ أرضنا كثيرة الجرذان ولا تبقى بها أسقية الأدم، فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان" وقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأشجّ عبد القيس: "إنّ فيك لخصلتين يحبّهما اللّه ورسوله الحلم والأناة"[رواه البخاري- الفتح 1 (87)، ومسلم (18) ] .
وعن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " التّأنّي من اللّه والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من اللّه، وما شيء أحبّ إلى اللّه من الحمد" [الترغيب والترهيب، وقال المنذري، رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح (3/ 418)، وهو في مجمع الزوائد (8/ 19)، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1572) ] .
وعن عليّ بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- قال: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى اليمن قاضيا، فقلت يا رسول اللّه، ترسلني وأنا حديث السّنّ ولا علم لي بالقضاء ؟ فقال : " إنّ اللّه سيهدي قلبك ويثبّت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينّ حتّى تسمع من الاخر كما سمعت من الأوّل؛ فإنّه أحرى أن يتبيّن لك القضاء" قال: فما زلت قاضيا، أو ما شككت في قضاء بعد.[رواه أبو داود (3582)، ابن ماجة (2310) وقال في الزوائد: هذا إسناد رجاله ثقات، أحمد (1/ 111) وقال أحمد شاكر في المسند : صحيح، رقم (666)، النسائي في خصائص على (9)، الحاكم (4/ 88) وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال الألباني: صحيح، إرواء الغليل (8/ 226) رقم (2500) ] .
وعن سعد بن أبي وقّاص - رضي اللّه عنه - أنّه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : " التّؤدة في كلّ شيء إلّا في عمل الاخرة " [رواه أبو داود (4810) وقال الألباني (3/ 913): صحيح، وذكره ابن مفلح في الاداب الشرعية (2/ 240)، وقال : رجاله كلهم ثقات] .
وعن فضالة بن عبيد الأوسيّ- رضي اللّه عنه- قال : سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد اللّه ولم يصلّ على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "عجلت أيّها المصلّي" ثمّ علّمهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلا يصلّي فمجّد اللّه وحمده وصلّى على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ادع تجب وسل تعط"[عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت ربّي فلم يستجب لي"[البخاري- الفتح 11 (6340)، مسلم (2735) واللفظ له] .
6- عن عبد اللّه بن سرجس المزنيّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال : " السّمت الحسن والتّؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النّبوّة " [الترمذى 4 (2010) وقال: حديث حسن غريب وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حسن صحيح (1696] .
بلغ عمر بن الخطّاب - رضي اللّه عنه - أنّ جماعة من رعيّته اشتكوا من عمّاله فأمرهم أن يوافوه ، فلمّا أتوه قام فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها النّاس أيّتها الرّعيّة إنّ لنا عليكم حقّا : النّصيحة بالغيب والمعاونة على الخير، أيّتها الرّعاة إنّ للرّعيّة عليكم حقّا فاعلموا أنّه لا شيء أحبّ إلى اللّه ولا أعزّ من حلم إمام ورفقه، وليس جهل أبغض إلى اللّه ولا أغمّ من جهل إمام وخرقه.[الإحياء (3/ 186) ] .
قال الشّاعر : لا تعجلنّ فربّمـا *** عجل الفتى فيما يضرّه ولربّما كره الفتى *** أمرا عواقبه تسرّه [بصائر ذوي التمييز (4/ 24) ] .
وقال آخر:
لا تعجلنّ فليس الرّزق بالعجل *** الرّزق في اللّوح مكتوب مع الأجل فلو صبرنا لكان الرّزق يطلبـنا *** لكنّه خلق الإنسان من عجــل [حسن السمت في الصمت (47) ] .
وقال آخر : انطق مصيبا لا تكن هـــذرا *** عيّابة ناطقا بالفحش والرّيــب وكن رزينا طويل الصّمت ذا فكر *** فإن نطقت فلا تكثر من الخطب ولا تجب سائلا من غير ترويــة *** وبالّذي مثله تسأل فــلا تجب [حسن السمت في الصمت (47) ] .
قال أبو العتاهية : والصّمت أجمل بالفتى *** من منطق في غير حينه كلّ امرئ فى نفـسه *** أعلى وأشرف من قرينه [البيان والتبيين للجاحظ (1/ 197) ] .
قال أبو حاتم - رحمه اللّه تعالى -: إنّ العاجل لا يكاد يلحق ، كما أنّ الرّافق لا يكاد يسبق ، والسّاكت لا يكاد يندم ، ومن نطق لا يكاد يسلم ، وإنّ العجل يقول قبل أن يعلم ، ويجيب قبل أن يفهم ويحمد قبل أن يجرّب ...[روضة العقلاء (216) ] .
قال النّوويّ - رحمه اللّه تعالى-: التّأنّي في الحركات واجتناب العبث هو السّكينة المحمودة . أمّا غضّ البصر وخفض الصّوت وعدم الالتفات فهو الوقار.[صفوة الأخبار (92) ] .
التأني في الدعاء
ونقصد به أن يقدم المسلم بين يدي دعائه الثناء على الله والصلاة على نبيه فإن ذلك أرجى لقبول دعائه ؟ أما أن يدخل في الدعاء مباشرة فإنه من العجلة ، فقد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي فقال له: " عجلت أيها المصلي " ، وسمع رجلاً يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ادع تُجب وسل تعط " .
ومن العجلة في الدعاء أن يستبطأ الإجابة ، فيترك الدعاء بزعم أنه يدعو ولا يستجاب له .
التأني المذموم
على الرغم من فضائل التأني وامتداحه عقلاً وشرعاً ، فإن هناك نوعاً منه ليس من التأني الممدوح ،إنه التأني في أمر الآخرة ،وإنه في الحقيقة تثاقل ونوع غفلة ينبغي أن يجاهد المسلم نفسه للتنزه عنه . ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " التؤدة ( أي التأني والتمهل ) في كل شيء إلا في عمل الآخرة " . (رواه أبو داود وصححه الألباني) ومن التأني المحمود التأني في القضاء بأن يسمع القاضي طرفي النزاع فيسمع من الثاني كما سمع من الأول فإنه أحرى أن تبين له القضاء .