ミ☸ミ حاجة الأمة إلى الدعاء ミ☸ミ
اعلم يا أخي أن الله جعل من الدعاء عبادة وقربى، أمر عباده المؤمنين بالتوجه إليه لينالوا عنده منزلة رفيعة وزلفى، أمر بالدعاء وجعله وسيلة الرجاء، فكل من خلقه يفزع في حاجته إليه ويعول عند الحوادث والكوارث عليه.
عباد الله: شأن الدعاء عظيم وحقيقته إظهار الافتقار إلى الرب الجليل والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله، وإضافة الجود والكرم إليه قال عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ [غافر:60]. وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]. أية رقة وأي انعطاف، وأية شفافية وأي إيناس فوق هذا، ألفاظ رفافة شفافة تنير، آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة والود المؤنس والرضا المطمئن والثقة واليقين، يعيش منها المؤمن في جناب رضى وقربى ندية وملاذ أمين وقرار مكين وهو يدعو ملك الملوك الذي لا مثل له ولا نظير، ولو لم يكن في الدعاء إلا رقة القلب لكفى، قال تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ [الأنعام:43]. ولو لم يكن في فضله إلا هذه الآية لكفى قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ [الفرقان:77].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل العبادة الدعاء)) فالدعاء تذلل وخضوع وإخبات وانطراح على سدة الكريم قال صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة)) قال الخطابي: "معناه، أنه معظم العبادة، أو أفضل العبادة" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء)) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام)) فأضعف الناس رأياً وأدناهم همة وأعماهم بصيرة من عجز عن الدعاء، ذلك أن الدعاء لا يضره أبداً بل ينفعه، وبالدعاء تكبر النفس وتشرف وتعلو الهمة وتتسامى، ذلك أن الداعي يأوي إلى ركن شديد، ينزل به حاجته ويستعين به في كافة أموره، وبهذا يقطع الطمع مما في أيدي الخلق فيتخلص من أسرهم ويتحرر من رقهم ويسلم من منتهم، فالمنة تصدع قناة العزة وتنال نيلها الهمة وبالدعاء يسلم من ذلك كله، فيظل مهيب الجناح موفور الكرامة وهذا رأس الفلاح وأس النجاح، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكلما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته لقضاء حاجته ودفع ضرورته قويت عبوديته له وحريته مما سواه، فكما أن طمعه في المخلوق يوجب عبوديته له فيأسه منه يوجب عنى قلبه عنه".
وثمرة الدعاء مضمونه بإذن الله، فإذا أتى الداعي بشرائط الإجابة فإنه سيحصل على الخير وسينال نصيباً وافراً من ثمرات الدعاء ولا بد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مؤمن ينصب وجهه إلى الله يسأل مسألة إلا أعطاه إياها، إما عجلها له في الدنيا وإما يدخرها له في الآخرة ما لم يعجل، قالوا: يا رسول الله وما عجلته؟ قال: يقول: دعوت دعوت، ولا أراه يستجاب لي)) قال ابن حجر رحمه الله:" كل داع يستجاب له لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه "
وسـارية لم تسر في الأرض تبتغي محلاً ولم يقطع بهـا البيـد قاطع
سرت حيث لم تسر الركاب ولم تنخ لورد ولـم يقصـر لها القيد مانع
تحـل وراء الليـل والليل سـاقط بأوراقـه فيـه سـمير وهاجـع
تفتـح أبـواب السمـاء ودونهـا إذا قرع الأبـواب منهن قـارع
إذا أوفـدت لم يـردد الله وفدهـا على أهلهـا والله راء وسـامع
وإنـي لأرجو الله حتـى كأننـي أرى بجميل الظن ما الله صانع
عباد الله: ومن الآداب المهمة في الدعاء الجزم فيه واليقين على الله بالإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)).
قال يحيى بن معاذ رحمه الله: من جمع الله قلبه في الدعاء لم يرده .
قال ابن القيم رحمه الله: "قلت: إذا اجتمع عليه قلبه وصدقت ضرورته وفاقته وقوي رجاؤه فلا يكاد يرد دعاؤه". وصدق رحمه الله أليس أرحم الراحمين هو القائل: أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء ٱلأرْضِ أَءلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].
قال صلى الله عليه وسلم: ((إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين)) الله أكبر، فما نعدم والله خيراً من رب حيي كريم بل الخير كل بيديه لا تأتي ذرة من الخير فما فوقها إلا بإذنه وفضله وعلمه، وهو الذي بيده خزائن السماوات والأرض فسبحان من عظم جوده وكرمه أن يحيط به الخلائق، فارفع يديك يا عبد الله آناء الليل وأطراف النهار، والزم قرع باب الملك الوهاب، فما خاب والله من أمله، وما خاب من أنزل به حوائجه وصدق في الطلب وألح في السؤال، وتمسكن بين يديه وأظهر فقرك وحاجتك إلى ربك، فباب الذل والانكسار أوسع الأبواب، ولا مزاحم فيه وهو ثمرة العبودية، فلله ما أحلى قول العبد وهو يناجي سيده بذل وانكسار وحاجة وفقر: اللهم إني أسألك بعزك وذلي إليك إلا رحمتني، يا من لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، هذه ناصيتي الخاطئة الكاذبة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيد سواك، أدعوك دعاء الخائف الضرير، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، أدعوك دعاء من ذلت لك رقبته ورغم لك أنفه وفاضت لك عيناه، اللهم ارحم من لا راحم له سواك، ولا مؤوي له سواك، ولا مغيث له سواك، فما الظن يا عباد الله بمن هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.
إذا انكسر العبد بين يديه وبكى وتذلل وأشهد الله فقره إلى ربه في كل ذراته الظاهرة والباطنة عندها فليبشر بنفحات ونفحات من فضل الله ورحمته وجوده وكرمه.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك إنك ربي سميع مجيب.
أيها الناس: الدعاء من صفات عباد الله المتقين قال جل شأنه عن أنبيائه عليهم السلام: فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ [الأنبياء:90].
وقال عن عباد الرحمن الصادقين: وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوٰجِنَا وَذُرّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74].
ولا تنس أخي المسلم أمرين مهمين هما من شروط إجابة الدعاء:
أولهما: إطابة المأكل، قال تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ [المائدة:27]. وكما في الحديث الذي رواه مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)).
والأمر الثاني: هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا من أعظم أسباب إجابة الدعاء لأنه من أعظم الأعمال الصالحة ولأن تركه موجب لرد الدعاء وعدم الإجابة، فعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرن ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجاب لكم)).
فيا للهول إنه بقدر حبك لله وغيرتك على شرعه وغضبك لمحارمه إذا انتهكت بقدر قبوله لك ورضاه عنك وإجابته لدعوتك.
أقول ما تسمعون وأسأل الله لي ولكم الهدى والسداد والحمد لله رب العالمين.
عباد الله: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجلت أيها المصلي)) ثم علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادع تجب، وسل تعط)).
فمن الآداب المهمة في الدعاء أن يبدأ بالثناء على الله وتمجيده ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم داعياً ربك بأسمائه الحسنى فما أقرب الإجابة ممن اتبع هذه الآداب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى لله عليه وسلم).
قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: "من أراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يرد بينهما".
عباد الله: إن أمة الإسلام اليوم في كرب شديد وضائقة عظيمة وشدة كبيرة تمر بأصعب مراحلها وأشق أيامها تكالبت عليها الأمم وتداعت عليها الدول وتآمر عليها الأعداء، تزرع لأبنائها الشهوات وتصدر لهم الشبهات وتقدم لهم المغريات، أجمعوا كيدهم وأمرهم عليها، إن الكرب في ازدياد والخطر في اشتعال والمكر في اجتهاد، وليس لها من دون الله كاشفة، وإن من أمضى الأسلحة وأقوى الأسباب الدفاع وأحدّ السيوف الفتك هو الدعاء، فليس لنا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه، فيجب علينا كثرة الدعاء واللجوء إلى الله تعالى مع البعد عن موانع الإجابة.
ولنعلم أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وإذا كان الله معنا فلو اجتمعت أمم الأرض بأمضى أسلحتها وأحدث آلاتها فإن النصر حليفنا والتوفيق نصيبنا إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم مّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160].
إن أمة الإسلام اليوم في حالة الاضطرار ولا يجيب المضطر إلا الله جل وعلا ويا عجباً لهذه الأمة ألم يأن لها أن تخشع وتدع التنكر لأسباب نصرها وأسرار عزها ودروب مجدها!!
لقد جربت النصرة من عند غير الله واللجوء إلى سوى الله فلم تزدد إلا ذلاً، ولم تقطف إلا نكداً، ولم تشرب إلا علقماً، فهل آن لها أن تلجأ إلى حصن حصين وركن شديد فتجني ثمار العزة وتتذوق حلاوة النصر وتتربع على عرش الدنيا، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
عباد الله: إذا علم ذلك فإن الدعاء سبب للثبات والنصر على الأعداء قال تعالى عن طالوت وجنوده لما برزوا لجالوت وجنوده قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ [البقرة:250]. فماذا كانت النتيجة فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ [البقرة:251].
واقرؤوا تاريخ الأمة المجيد لتروا العجب العجاب من أثر الدعاء وأنه سبب رئيس للنصر والتمكين، فعله صلى الله عليه وسلم ليلة معركة بدر، ترى ذلك في قيامه وتضرعه وابتهاله إلى ربه، وهو أمر معروف مشهور.
وهذا العلاء الحضرمي رضي الله عنه يدعو ربه فيسير بجيش المسلمين بأكمله على صفحة الماء، ولما عطشوا ولم يجدوا ماءً لوضوئهم دعا ربه فهطلت السماء كأفواه القرب ثم دعا ربه النصر للمسلمين وأن يخفي عليهم مكان قبره واستجاب الله لدعائه فرضي الله عنه وأرضاه.
وهذا البراء بن مالك يسأل ربه النصر للمسلمين ولنفسه الشهادة وكان مجاب الدعوة فيستجيب الله له "لقي البراء المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا له: يا براء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنك لو أقسمت على الله لأبرك)) فأقسم على ربك، قال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك، فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيداً ".
وفي يوم نهاوند قال النعمان بن مقرن رضي الله عنه: (اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام وذل يذل به الكفار ثم اقبضني إليك بعد ذلك على الشهادة قال: أمّنوا رحمكم الله قال جبير: فأمّنا وبكينا ثم حمل فكان أول صريع).
فرحمك الله ورضي عنك من قائد جيش، وهذا باب يطول استقصاؤه. فما أشد حاجة الأمة اليوم إلى الدعاء خاصة للمجاهدين المرابطين على الثغور .... ففي فلسطين الجريحة وحول الأقصى السليب يواجه أبناء المسلمين عدواً شرساً حقوداً تمده حبائل الغرب الصليبي الحاقد بكل ما يريد من عتاد وسلاح.
وفي الأيام القادمة بالذات ربما والعلم عند الله أن تكون من أشد الأوقات والأيام عليهم، فالله الله أن تلحوا بالدعاء وتتحروا أوقات الإجابة بالدعاء لهم والدعاء على عدوهم، فشأن الدعاء عجيب وعظيم، وهذا أقل ما نقدمه لإخواننا أن نواسيهم بدعائنا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كذلك إخوانكم المجاهدون في الشيشان يستعدون في الأيام القادمة القريبة لعمل كبير تشفى به صدور المؤمنين بإذن الله من عدو روسي حاقد، سام المستضعفين من المسلمين سوء العذاب في بقاع شتى، فإخوانكم هناك في لحظات حاسمة وعصيبة وعلى أهبة الاستعداد للنزال ومصاولة أعداء الله، فالله الله أن نعيش همهم وندعو لهم بصدق وتضرع وانكسار وكذلك سائر المؤمنين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها.....