⇭☠⇭ الانتداب السياسي ⇭☠⇭
الانتداب مصطلح سياسي يقابل مصطلح mandate الذي ابتدع فكرته الجنرال سمطس Smuts رئيس وزراء جنوبي إفريقية عند نهاية الحرب العالمية الأولى لتقديم زي جديد من الأزياء الاستعمارية يطبق في زعمه على جميع المستعمرات والأراضي المنفصلة عن ألمانية وتركية. لكن الانتداب حصر في الواقع في بعض الأقطار من دون سواها وهي الأقاليم المنسلخة عن الدول المهزومة في الحرب. وقد دخلت لفظة الانتداب في صلب المادة 22 من عهد covenant عصبة الأمم وعني بها وضع البلاد غير الناضجة سياسياً تحت إشراف إحدى الدول الحليفة الكبرى ورعايتها بمراقبة عصبة الأمم ذاتها. أما الوكالة mandate هنا فالموكل فيها هو العصبة والوكيل إحدى الدول الحليفة الكبرى وخلافاً لمبادئ القانون الخاص لا يمكن التخلي عن الوكالة بإرادة الوكيل وحدها بل لابد من موافقة الموكل نفسه. وكذلك فإن سلطات الوكيل هنا ليست على نمط واحد بل تختلف بحسب نوع الانتداب ودرجته.
درجات الانتداب
صنفت المادة 22 من عهد عصبة الأمم الأقاليم الموضوعة تحت الانتداب في ثلاثة أنواع:
ـ الانتداب من الدرجة A وطبق على بعض الجماعات communities المنفصلة عن جسم الدولة العثمانية بقصد «نصحها» والأخذ بيدها في سبيل استكمال عناصر استقلالها، وقد شمل هذا النوع كلاً من سورية ولبنان (تحت الانتداب الفرنسي) وفلسطين وشرق الأردن والعراق (تحت الانتداب البريطاني).
ـ الانتداب من الدرجة B وقد طبق على بعض الشعوب peoples في إفريقية الوسطى: توغو والكميرون (بين فرنسة وبريطانية)، تانجانيقة (بريطانية)، رواندة أو روندي (بلجيكة)، ومهمة الدول المنتدبة في هذا النوع تتعدى النصح والإرشاد لتصل إلى الإدارة نفسها.
ـ الانتداب من الدرجة C وقد طبق على بعض الأراضي territories المأهولة (المتأخرة في سلم الحضارة). وقد طبق هذا النوع من الانتداب على جنوب غربي إفريقية، فقد ألحقت أراضيها باتحاد جنوبي إفريقية. وكذلك طبق على الممتلكات الألمانية المنتزعة في الحرب وهي ساموا الغربية (نيوزيلندة) ونامو (أسترالية) وغينية الجديدة (أسترالية) وجزر ماريان وكارولينة ومارشال (اليابان)، ومهمة الدولة المنتدبة هنا هي إلحاق الأرض التي انتدبت عليها بأراضيها وإخضاعها لقوانينها الخاصة.
وقد حددت سلطات الدولة المنتدبة من الدرجتين B وC في 7 أيار 1919 والدرجة A في 25/4/1920 في مؤتمر سان ريمو وتم التعيين من قبل مجلس العصبة وليس من قبل جمعيتها العامة.
صلاحيات السلطة المنتدبة والتزاماتها
ـ لم يكن للدولة المنتدبة أي سيادة على أراضي الدول الخاضعة للانتداب من درجتي A وB بل احتفظت هذه الأخيرة بسيادتها الكاملة على أراضيها لذا يعد تخلي فرنسة لتركية عن لواء الاسكندرونة عملاً غير مشروع لأنه تم ممن لا يملك لمن لا يستحق ولم يكن لسورية صاحبة السيادة على أراضيها يد فيه.
ـ كان سكان البلاد الموضوعة تحت الانتداب يحملون جنسية خاصة مستقلة لكن سلطات الانتداب كانت تخضعهم لقضاء مختلط كلما كان في الدعوى طرف أجنبي أو مصلحة أجنبية وفي هذا تمييز واضح للأجانب مع أن صكوك الانتداب أعلنت صراحة تعطيل الامتيازات الأجنبية.
ـ نظرياً كان للدولة المنتدبة سلطة تهيئة دستور للبلاد الخاضعة للانتداب ومراقبة الإدارة والقضاء والدفاع. أما عملياً فقد تجاوزت الدول المنتدبة ذلك إلى مباشرة الأعمال. والشطط الذي حدث في ممارسة المفوضين السامين كان التدخل في الشؤون العامة للبلاد الخاضعة للانتداب، وهو أمر سجلته كتب التاريخ ويمكن القول إن المفوض السامي تمتع بسلطات تفوق الدستور super constitutional ومن جهة أخرى كان على السلطة المنتدبة التزامات تجاه الأهلين وإزاء بقية الدول وإزاء عصبة الأمم.
ـ أما تجاه الأهلين فقد كان على السلطة المنتدبة حماية الحريات العامة وعلى رأسها حرية الاعتقاد والرأي وكذلك منع الاتجار بالرقيق والسلاح والمخدرات.
ـ وأما تجاه باقي الدول فقد كان على السلطة المنتدبة أن تتخذ التدابير الكفيلة بتحقيق المساواة الاقتصادية والتجارية مع الدول المنتدبة نفسها، وتسهيل منح الشركات الأجنبية الراغبة في استثمار ثروات البلاد امتيازات على قدم المساواة.
ـ وأما تجاه عصبة الأمم فقد كان على السلطة المنتدبة تقديم تقرير سنوي عن سير الانتداب إلى اللجنة الدائمة للانتداب لفرضه من قبلها، ومناقشة مضمونه مع المفوض السامي الذي كان يمثل أمام هذه اللجنة سنوياً لهذه الغاية ويتلقى منها التوصيات اللازمة للمستقبل.
انتهاء الانتداب
مع أن المادة 22 من عهد العصبة لم تحدد أجلاً لنهاية الانتداب إلا أن المتفق عليه هو أن الانتداب في جوهره مؤقت ولاسيما الانتداب من الدرجة A وانتهاؤه يكون إما بتحرير الدولة الواقعة تحت الانتداب أو باستقالة الدولة المنتدبة وقبول عصبة الأمم هذه الاستقالة وإما بعزل الدولة المنتدبة مباشرة من قبل عصبة الأمم.
وعندما اشتدت مقاومة الشعب العربي في العراق للانتداب البريطاني وضعت بريطانية شروطاً لإنهائه، وقبل مجلس العصبة في 4/9 /1931 بهذه الشروط وعدها معياراً مقبولاً في الحالات المماثلة. وهذه الشروط هي: وجود حكومة ثابتة، وقدرة هذه الحكومة على حفظ الأمن الداخلي، ووجود موارد مالية كافية للدولة ووجود تشريع وقضاء يكفلان توزيع العدل بين الجميع، وأخيراً قدرة الدولة على الدفاع عن كيانها واستقلالها بقوة كافية، وفي 4 أيلول 1931 عدّ مجلس العصبة الانتداب البريطاني على العراق منتهياً، أما في سورية ولبنان فقد انتهى الانتداب نظرياً في عام 1941 وجاء اتفاق فرنسي بريطاني يؤيد ذلك في 13/12/1945، وانسحبت فرنسة نهائياً من سورية في 15 نيسان 1946 ومن لبنان في 30 آب 1946. كذلك أنهي الانتداب على شرق الأردن بمعاهدة وقعتها هذه الدولة مع بريطانية بتاريخ 22/3/1946 أما فلسطين فقد عاملها البريطانيون بطريقة مختلفة إذ كان عليهم بعد ولادة منظمة الأمم المتحدة أن يضعوها تحت نظام الوصاية[ر] عملاً بالمادة 77 أو أن يمنحوها الاستقلال عملاً بالمادة 78 من الميثاق. غير أن بريطانية بتواطؤ تاريخي مع الحركة الصهيونية وحلفائها أحالتا أمر مستقبل هذا القطر العربي على الجمعية العامة للأمم المتحدة التي قررت خلافاً لقواعد ميثاق المنظمة الدولية لجهة الاختصاص واحترام حق شعب البلاد في تقرير المصير، تقسيم فلسطين إلى دولتين إحداهما عربية والأخرى يهودية مع تدويل القدس (القرار 181 (2) 29/11/1947). وفي 14/5/1948 انسحبت بريطانية من فلسطين منهية فعلياً انتدابها بعدما مكنت الحركة الصهيونية من الاستيلاء على مقاليد الأمور، ليس فقط في الأراضي المخصصة للدولة اليهودية بل في معظم الأراضي المخصصة أصلاً للدولة العربية. ومع قيام الأمم المتحدة وضعت جميع الأقاليم التي كانت خاضعة لنظام الانتداب ولم تصبح أعضاء في الأمم المتحدة تحت نظام الوصاية عدا إقليم واحد هو إقليم جنوب غربي إفريقية الذي رفضت الدولة المنتدبة وضعه تحت هذا النظام بحجة أن الانتداب انتهى مع انتهاء العصبة واستفتيت محكمة العدل الدولية مرتين في شأن هذا الإقليم فأفتت أن زوال العصبة لا يستتبع زوال نظام الانتداب وأنه في حين لا تلزم جنوب إفريقية بوضع إقليم جنوب غربي إفريقية تحت الوصاية إلا أنها تبقى ملزمة بممارسة مهامها سلطة منتدبة مسؤولة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. غير أن حكومة جنوب إفريقية العنصرية أصرت على موقفها. وظل الأمر بين أخذ ورد حتى قررت الجمعية العامة في عام 1966 إنهاء الانتداب على إقليم جنوب غربي إفريقية وألفت لجنة للتوصية بالوسائل العملية لإدارة جنوب غربي إفريقية حتى يتمكن الشعب من ممارسة حقه في تقرير المصير ونيل الاستقلال. وبدءاً من عام 1968 أعادت الجمعية العامة تسمية الإقليم ليصبح ناميبية يديره مجلس خاص يعاونه مفوض تابع للأمم المتحدة. وفي 29 تموز1970 طلب مجلس الأمن إلى جميع الدول الأعضاء الامتناع في علاقاتهم مع جنوب إفريقية عن كل ما يمكن عده اعترافاً بسلطانها على ناميبية. وحين أثير جدل قانوني حول تصرفات الجمعية العامة ومجلس الأمن في هذا الشأن سئلت محكمة العدل الدولية رأيها فأفتت في حزيران 1971 بأن ما حصل صحيح وأن لا سلطان لجنوب إفريقية على الإقليم الذي كان خاضعاً لانتدابها. أما واقعياً فقد ظل الإقليم مستعمراً ومارست عليه حكومة جنوب إفريقية سيادتها الكاملة وسياستها المعروفة بالفصل العنصري (الأبارتهايد) وذلك بفضل دعم الدول الغربية الكبرى الفعلي لها وعدم تطبيقها قرارات مجلس أمن الأمم المتحدة وجمعيتها العامة بمعاقبتها سياسياً واقتصادياً إلى عام 1990 حين حصل الإقليم على استقلاله ناجزاً وانضمت ناميبية إلى الأمم المتحدة في العام نفسه، وهكذا انتهى نظام الانتداب كما عرف في المادة 22 من عهد العصبة وحل محله نظام الوصاية الذي جاء به ميثاق الأمم المتحدة في الفصلين الثاني عشر والثالث عشر منه.