۞ منتديات كنوز الإبداع ۞
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

۞ منتديات كنوز الإبداع ۞


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ₪ مبادئ العمل السياسي في الإسلام ₪

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الإمبراطور

عضو مبدع  عضو مبدع
الإمبراطور


الجنس : ذكر
العمر : 54
الموقع إمبراطوريتي الخاصة
التسجيل : 18/10/2011
عدد المساهمات : 178

₪  مبادئ العمل السياسي في الإسلام  ₪ Empty
مُساهمةموضوع: ₪ مبادئ العمل السياسي في الإسلام ₪   ₪  مبادئ العمل السياسي في الإسلام  ₪ Icon_minitimeالسبت 29 أكتوبر 2011, 2:07 am





₪ مبادئ العمل السياسي في الإسلام ₪


"اثنان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس، العلماء والأمراء".[1]


استهلال:


من شروط الاستئناف الحضاري حسب مالك بن نبي هو مطابقة التاريخ للمبدأ القرآني والعمل على جعل الرسالة المحمدية تجربة معاشة الآن وهنا وقيادة الثقافة العربية الإسلامية نحو حقيقتها المحتومة وحسن استثمار الإنسان والأرض والزمان والكلام وتجهيز العدة الدائمة من العلم والوعي والقدرة وتوجيه الشعوب بالمزج بين المنظومة الأخلاقية والذوق الجماعي وذلك بالتحكم الصناعي والمنطق العملي.





لقد روي عن النبي محمد أنه قال: "بدئ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدئ فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون عند فساد الناس". والمستصلح هو الفقيه الذي يحي ما أمات الناس بالعادة من العبادة وهو السياسي الذي جعل من أمور النزوع إلى الابتداع شيئا عجابا.


في هذا السياق لا يمكن الحديث عن السياسة في الإسلام دون التطرق إلى الفقه وباب سد الذرائع وتدبير الأحكام، فالفقه هو السياسة الشرعية والسياسة هي فقه المعاملات. وإذا كان الفقه في اللغة هو عبارة عن فهم غرض المتكلم من كلامه وذلك بإصابة المعنى الخفي الذي يتعلق به الحكم والوقوف عليه فإنه في الاصطلاح هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية ويستنبط بالرأي والاجتهاد والنظر والتأمل.


واضح أن الفقه السياسي يسعى إلى فهم الواقع بتصور المعنى من لفظ المخاطب وترتيب أمور مجهولة للتأدي إلى مسارات معلومة وأنه يرد على فساد الوضع بالفراسة والفطنة والتثبت والمعاينة ومكاشفة اليقين واكتساب القوة التي يميز بها بين الأمور القبيحة والحسنة وتهيئة الجبلة المستعدة لقبول الدين.


لقد اختلف العلماء حول الرسالة المحمدية نبوة خاتمة أم مدينة انسية جامعة وحول طبيعة الدولة في الإسلام رئاسة أم خلافة ونمط الحكم ولاية أم امامة وبحثوا عمن يخول له اختيار الحكام هل أهل الحل والعقد أم عموم الشعب والسواد الأعظم ولكنه اتفقوا حول ضرورة الاجتماع البشري وواجب الإمام.


"ان الله جلت قدرته ندب للأمة زعيما خلف به النبوة وحاط به الملة. وفوض إليه السياسة ليصدر التدبير عن دين مشروع، وتجتمع الكلمة عن رأي متبوع. فكانت الإمامة أصلا عليه استقرت قواعد الملة ومنه ما يصلح لسياسة الدنيا وانتظمت به مصالح الأمة حتى استثبتت بها الأمور العامة وصدرت عنها الولايات الخاصة".[2] زد على ذلك يعاني الناشطون السياسيون الذي يجعلون من الإسلام مرجعية نظرية من ارتجال في العمل وضبابية في الرؤية وتذبذب في الأداء وازدواجية في الخطاب واعوجاج في الأهداف وسوء تقدير في الوسائل وإهدار للفرص والطاقات في التجارب وتعثر في النتائج والمردودية.


ما العمل اليوم في دنيا السياسة زمن الثورة العربية؟ وهل يحث الإسلام على العمل السياسي؟ وما هي المبادئ التي يرتكز عليها هذا العمل؟ وهل يجوز التمييز بين عمل تقليدي وعمل ثوري في الإسلام؟ ومتى يصبح الفقه مرجعية للعمل الثوري؟ والى أي مدى يمثل الإسلام مرجعية عمل ناجعة في عالم السياسة؟


1- الفقه وأصول الفقه:


"الفقه معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والحذر والندب والكراهة والإباحة، وهي متلقاة من الكتاب والسنة وما نصبه الشارع لمعرفتها من الأدلة، فّإذا استخرجت الأحكام من تلك الأدلة قيل لها: فقه".[3]


يشتغل هذا العلم على وضع الحدود واستقراء الكليات ومتابعة الوقائع المتجددة واختراع الطرائق ويتعامل مع ما رسمه الشارع ووضعه من مقاصد في النصوص ويستنبط ثلاثة أنواع من الأحكام تتعلق بأفعال العباد وهي: المطلوب فعله ويقتضيه معنى الأمر واجبا كان أو مندوبا، والمطلوب تركه ويقتضيه معنى النهي تحريما كان أو مكروها، والمأذون في فعله أو تركه ويقتضيه معنى التخيير ويظل مجال الإباحة.


اختلف الفقهاء إلى رأيين: أهل الرأي والقياس واعمال العقل واشتهر منهم أبي حنيفة من أهل العراق، أما أهل الحجاز فقد كانوا أهل الحديث والنقل والظاهر واشتهر منهم مالك ابن أنس"، وجعلوا المدارك كلها منحصرة في النصوص والإجماع وردوا القياس الجلي والعلة المنصوصة إلى النص لأن النص على العلة نص على الحكم في جميع محالها".[4]


هكذا يبحث علم الفقه في الفرائض التكليفية والأحكام الشرعية من جهة المطلق أو المفصل وفي استفادة هذه الأحكام من أدلتها الخاصة من تراكيب كلام. لكن ما هو علم أصول الفقه؟


"وأصول الفقه انما معناه استقراء كليات الأدلة حتى تكون عند المجتهد نصب عين وعند الطالب سهلة الملتمس".[5] بعبارة أخرى "هو النظر في الأدلة الشرعية من حيث تؤخذ منها الأحكام والتآليف. وأصول الأدلة الشرعية هي الكتاب الذي هو القرآن، ثم السنة المبينة له".[6] وقد أنضاف إليهما بعد ذلك الإجماع والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة والعرف وشرع من قبلنا.


روي عن النبي أنه قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن واليا: كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟، قال: بما في كتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسوله. قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي". على هذا النحو يكون التفقه في الدين هو الاجتهاد العقلي واعمال الرأي وتدبير المصلحة.


ان العودة إلى علم أصول الفقه تبدو ضرورية لكي يتم تنظير المسائل في الإلحاق وتفريقها عند الاشتباه في الأدلة الشرعية وغياب الإجماع وعدم الاتفاق على الأمر الديني ولكي لا يكون الاتباع بالمشاهدة.


ما الفرق بين علم الفقه وعلم أصول الفقه؟


إذا كان الفقه في اللغة هو العلم بالشيء والفهم له والفطنة فيه وإذا كان علم الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المستمدة من أدلتها التفصيلية وذلك بالبحث عن الحكم الشرعي لكل عمل بشري فإن علم أصول الفقه هو العلم بالقواعد التي وضعت للوصول إلى استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها الصحيحة.


هكذا يتمثل الفرق بينهما في أن أصول الفقه يهتم بالأدلة التفصيلية من حيث دلالتها على الأحكام الشرعية في حين ان الفقه يهتم بالأدلة التفصيلية من أجل استنباط الأحكام العملية منها. ألم يقل الله عز وجل في قرآنه الكريم: "ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"؟[7]


ان العقل الفقهي ليس بنية ثابتة لا تتغير وانما هو جملة من المسارات الاجتهادية التي تنهل من الواقع التاريخي وتخضع لمنطق الهدم والبناء". لقد رأى أبو حنيفة أن الدين واحد - هو التوحيد- والشرائع مختلفة، فإن اتفق آخرون مع المسلمين في الصل فإن اختلافات الشرائع جزئية وعلى الفقيه أن يفهم هذا المعنى الوحدوي للسلام المستوعب الذي يريد جمع الناس، وتوحيد المجتمع في الداخل من مبدأ الاعتراف باختلاف الشرائع أي امكان وجود شريعة اجتماعية أخرى غير الشريعة الإسلامية لفئات اجتماعية تعيش مع المسلمين في مجتمع واحد".[8]


لكن ألا يجب العقل الفقهي أن يتعرض إلى عملية ثورة معرفية كبرى؟


"ان علم أصول الفقه يظل علما إنسانيا خالصا. لا يتحدث عن الموحي إلا باعتباره الشارع أي الذي وضع الشريعة ولا يصف الوحي الا بعد تحققه في التاريخ... على نحو أفقي... لا يهتم بطريق الوحي من الموحي إلى الموحي إليه بل بمسار الوحي من الموحى إليه إلى المتلقين منه، الكلمة في التاريخ، الوحي أساس لنظام اجتماعي. الوحي قصد من الله إلى الإنسان يتوجه إليه بالخطاب. ويتحول إلى تجربة مثالية في أقوال النبي وتجربة جماعية في اجماع الأمة وتجربة فردية في اجتهاد الشخص. ثم يتم فهمه باللغة الإنسانية التي من خلالها يفهم الكلام ثم يتم تحقيقه كمقاصد إنسانية. الحياة (النفس)، والعقل، والمبدأ العام (الدين)، والكرامة الإنسانية (العرض)، والثروة الوطنية والمال العام (المال). ويتم ذلك بالفعل الإنساني كواجب ضروري أو اختياري ايجابا (الوجوب والمندوب) أو سلبا (المحرم والمكروه) أو كطبيعة تلقائية تعبر عن الفطرة والبراءة الأصلية (المباح)".[9]


لكن هل يمكن الاستفادة من الفقه في السياسة؟ وهل الحكم الفقهي مناسب لاستعماله في الحكم السياسي؟ وألا يؤدي تثوير العقل الفقهي إلى ازالة التناقض بين مجال القانون السياسي ومجال العلة الفقهية؟


2- من الفقه إلى السياسة:


"ان قواعد الملك مستقرة على أمرين، سياسة، وتأسيس"[10]


يحتاج الإنسان إلى أن يتكاثر ويتعاون مع بني جنسه وأن يتواجد مع غيره في جماعة بشرية ولكن هذا الاجتماع البشري يحتاج بدوره إلى حاكم يدبر حياته ومعاشه والى سياسة ينتظم بها أمره، ثم ان هذه السياسة المدنية لا تتم الا بدعوة دينية أو أثر عظيم من الدين على الجملة وان الرئاسة على هذه الدولة لا تكون الا في قوة عصبية وأهل شوكة ولا نحصل على حكم راشد الا بتحقيق العدل والتلاحم والازدهار.


والحق أن الحياة الاجتماعية والسياسية لا تصلح ولا تنتظم أحوالها وتستقيم أمورها الا باتباع دين يصرف النفوس عن الشهوات ويحث على العمل الصالح وبإقامة حكم راشد والاضطرار إلى وازع قاهر لكل معاند ومتبعا العدل والرعاية وفارضا الحدود على مستحقيها وحافظا الدين وحارسا الأمة ومعمرا البلدان باعتماد مصالحها وتوفير الأمن والطمأنينة وباعثا الأمل والأماني في العقول ومحررا الارادات والأفعال.


"واعلم لأن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم الظلم، وهو ما ينشا عنه من فساد العمران وخرابه. وذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري وهي الحكمة العامة المراعية للشرع في جميع مقاصده الضرورية الخمسة من: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال".[11]


لا يتم تثبيت الملك على قواعد وترسى مبانيه على أوائل الا بالارتكاز على ثلاثة أسس هي القوة والثروة والدين. ان تأسيس الملك عن طريق القوة الغاية منه اكتساب القدرة بعد ضعف والتعويل على الجيوش واكثار الأعداد من الجنود والعتاد واظهار الشجاعة والطمع في التوسع والاستيلاء والتغلب والتقويم بالشدة والسطوة بغية الاقلاع عن الفساد إلى السداد.


على أساس ذلك" وجب التفويض الى امرة سلطان مسترعى ينقاد الناس لطاعته ويتدبرون بسياسته ليكون بالطاعة قاهرا وبالسياسة مدبرا وكان أولى الناس بالعناية بما سيست به الممالك ودبرت به الرعايا والمصالح، لأنه زمام يقود إلى الحق، ويستقيم به أود الخلق".[12]


أما تأسيس الملك على الثروة فالغاية منه اكثار المال وجمع الكنوز من الذهب والجواهر النفيسة وصرفها في الملذات والمتع الدنيوية والبحث عن اقتناص مباهج الحياة. غير أن الدعوة الدينية هي الأساس الصلب الذي يمكن اقامة المجتمع السياسي عليه وذلك لأن "تأسيس الدين فهو أثبتها قاعدة وأدومها مدة وأخلصها طاعة".[13]


ان الدولة التي تبنى على المال والقوة قد تستهين بالدين وتهمل أحكامه وتدخل فيه شناعات وتأويلات زائغة وتصاب بالضعف والوهن وتكثر فيها المظالم والمفاسد ولا مخرج منها بتأسيس الملك على الدين.


"لا خير في ملك لا يتناصف أهله... فليوقظ عزمه تصفح المظالم وانصاف المظلوم من الظالم ليكون آمرا بالعدل كما كان به مأمورا وزاجرا عن الظلم كما كان عنه مزجورا. فإن مراعاة المظالم من قواعد السياسة في انتظام الملك ومصالح الرعايا".[14]


السياسة تتأسس أيضا على اللغة والبيان والخطابة والكلام ويمتلك السلطة من يمتلك ناصية اللغة ويحسن القول ويتبع أحسنه، والسياسة الراشدة تقوم على الكلمة الطيبة التي يكون أصلها ثابت في الأرض وفروعها مرتفعة إلى السماء بينما السياسة الفاسدة تقوم على الكلمة الخبيثة وما يرافقها من زيف وكذب.


"ان الكلمة لمن الروح القدس، انها تسهم إلى حد بعيد في خلق الظاهرة الاجتماعية، فهي ذات وقع في ضمير الفرد شديد، إذ تدخل إلى سويداء قلبه فتستقر معانيها فيه لتحوله إلى إنسان ذي مبدأ ورسالة. فالكلمة - يطلقها إنسان- تستطيع أن تكون عاملا من العوامل الاجتماعية حين تثير عواصف في النفوس تغير الأوضاع العالمية".[15]


من نافل القول أن "نهض إلى طلب الملك من يقوم بنصرة ويدفع تبديل المبتدعين ويجري فيهم على السنن المستقيم... فملك القلوب والأجساد واستخلص الأعوان والأجناد... وتوطد له من أس الملك ما لا يقاوم سلطانه ولا تفل أعوانه".[16]


غني عن البيان أن المرور من الفقه إلى السياسة أمر ممكن ومطلوب وذلك لحل العديد من الاشكاليات الحياتية العالقة ولتفهم التداخل بين المقدس والدنيوي وحاجة الاجتماعي إلى تدخل الديني من أجل تحقيق التماسك والاستمرارية وصيانة هوية الجماعة البشرية من كل تفكك أو اندثار.


"وجب العقل أن يمنع كل واحد نفسه من العقلاء عن التظالم والتقاطع ويأخذ بمقتضى العدل في التناصف والتواصل، فيتدبر بعقله لا بعقل غيره، ولكن جاء الشرع بتفويض الأمور الى وليه في الدين".[17]


من هذا المنطق يشرع الفقهاء إلى ضرورة نصب الإمام بالنسبة إلى الأمة لكون "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا"[18] ولكنهم اختلفوا في صفاته وشروط هذا النصب عن طريق البيعة أو العهد، زد على ذلك يعتبر وجوب الإمامة فرض كفاية ويشترط في الإمام أن يكون عادلا وعالما مجتهدا في النوازل والأحكام وسليم الحواس والأعضاء وصاحب رأي مفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح وينبغي أن يكون شجاعا مجاهدا وله حسب ونسب.


"والإمامة تنعقد من وجهين: أحدهما باختيار أهل الحل والعقد، والثاني بعهد الإمام من قبل... فإذا اجتمع أهل الحل والعقد للاختيار تصفحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها فقدموا البيعة منهم أكثرهم فضلا وأكملهم شروطا ومن يسرع الناس إلى طاعته".[19]


لكن هل مازال للقول بأن" العرب أبعد الناس عن الصنائع"[20] و"أبعد الأمم عن سياسة الملك"[21] معنى؟ ما هي القواعد التي يستند إليها السياسي في الإسلام؟


3- شروط انتظام الملك:


"الملك يساس بثلاثة أمور. أحدها بالقوة في حراسته وحفاظه، والثاني بالرأي في تدبيره وانتظامه، والثالث بالمكيدة في فل أعدائه".[22]


تتغير مبادئ العمل السياسي وتدبير الملك بتغير الظروف والأحوال التي يمر بها الاجتماع البشري. فإذا شهد الاجتماع البشري السلامة والسكون فان المقصد هو الموادعة والملاطفة والترغيب وذلك بالرأي والمحافظة على القواعد المستقرة والتدبير بالسياسة العادلة. أما إذا شهد الاجتماع البشري الاضطراب والفساد وتفجر المنازعة والمحاربة فإن المقصد هو القوة في الحراسة والذب عن القواعد واستعمال المكيدة والحيلة. عندئذ "تكون القوة مختصة بالعقل والرأي مختصا بالتدبير... وأما المكيدة فمختصة بفل الأعداء فإن من ضعف كيده قوي عدوه".[23]


يفسد الملك بتغير الأعوان وبمرور الأزمان والأنسب في هذه الحالة هو قلة الاسترسال إلى الدنيا والاتكال على القدر وحسن الظن واعداد العدة وبذل الجهد وملازمة الحذر ودرء المفاسد من عوارض أفعال العباد.


هكذا يجمع العمل السياسي بين الرأي والقوة والحيلة ويؤلف بين أخلاق الذات وأفعال الارادة وبين غرائز الفطرة وفضائل مكتسبة عن طريق التربية والتنشئة وبين السياسة الشرعية الفاضلة والسياسة الواقعية النافعة. على هذا النحو "العمل هو فعل بفكر... وهو الأثر الباقي بعد انقضاء حركة الفاعل"[24]


من هذا المنطلق يجب التمييز في صناعة العمل مثل سياسة الناس بين العمل البيهيمي والعمل الصناعي الذي يحتاج إلى معطاة في تعلمه ومعاناة في تصوره والى كد وجد وآلة مهنة ويلزم الانطلاق من الصناعات المشتركة بين الفكر والعمل وبين السيف والقلم وبين صناعة يكون الفكر أغلب والعمل تبعا وصناعة أخرى يكون العمل أغلب والفكر تبعا وبين القلب والذكاء وبين الشرع والعقل.


يحسن برجل الحكم أن يفعل المعروف والبر قبل أن يأمر به وأن يترك المنكر ويستقبحه قبل أن ينهى به غيره وأن يعمل على إصلاح نفسه من أجل إصلاح غيره وألا يأنف من الزام نفسه بالحق واقامة الحجة ويجدر بمن يتقلد أمور الحكم الحذر والاشفاق والاجتهاد ويعد نفسه واحدا من العامة ويستميل قلوبهم بالإنصاف لهم "ويتعهد حال الفقير منهم بالبر والصدقة ويراعي خلة الكريم منهم بالرفد والصلة".[25]


هكذا تبنى السياسة الشرعية العادلة على الرغبة والرهبة والانصاف والانتصاف، وعلى الولاية والتقليد والاكرام والتقريب والاحتراس والتيقظ، وعلى الحذر من الحاكم ومن الناس واعطاء حقوق الطرفين.


تدعو الرغبة إلى التآلف وتبعث على الاشفاق، وتمنع الرهبة الخلاف وتحسم الميل إلى الافساد، أما الانصاف فيفصل بين الحق والباطل ويسعف المظلوم ويعاقب الظالم، في حين يستوفي الانتصاف الحقوق الواجبة ويستخرجها بالأيادي العادلة ن ويعين الحذر على التدبير والاجتهاد في النصح ودفع البلاء.


ان التدبير السياسي هو أهم فعل يقوم به العقل البشري بشرط أن يتم على أصول موضوعة ومع مراعاة لقواعد معلومة وهي العدل والحذر والرعاية وتتبع الرأي السديد والقول النافذ والحكمة العملية.


"ان الملك تطول مدته إذا كان فيه أربع خصال: أحداها أن يرضى لرعيته ما يرضاه لنفسه، والثانية أن لا يسرف عملا يخاف عاقبته، والثالثة أن يجعل ولي عهده من ترضاه رعاياه لا من تهواه نفسه، والرابعة أن يفحص عن رعيته فحص المرضعة عن منام رضيعها".[26]


بيد أن "ما يصعب من هذه السياسة الا معرفة الأسباب، فإذا عرفها وقف على الصواب، وان أشكلت عليه التبس عليه الصواب فتاه عن قصده وذهل عن رشده"،[27] فهل السياسة علم بالضروري أم فن الممكن؟ وما السبيل إلى تأسيس المجال السياسي على العلم والمعرفة ويعرف الحكام فضله ويجل أهله؟


خاتمة:


"الدولة رسول القضاء المبرم وإذا استبد الملك برأيه عميت عليه المراشد"[28]


غاية المراد أن رجل الحكم في حضارة اقرأ يحتاج إلى التحلي بالفضائل المحمودة والابتعاد عن الرذائل المذمومة والى تطلع روحه إلى الرفعة والسمو وجسده إلى الفعل والبروز والى الابتداء بالعقل والانتهاء بالعدل وجعل الطبع هو الختم والتطبع هو الخلق والاقتراب من التمييز والعفة والمودة والابتعاد عن الحمق والجهل. خلاصة القول أن العمل السياسي في الإسلام يتراوح بين النسبي والمطلق وبين الواقعية والمثالية ويحرص على احترام مقتضيات التدرج والمرحلية والمرونة ولكنه يتمسك بالمبدئية والإخلاص والنزاهة والقسط.


"الامارة والامامة لما كانت تالية لحالها وجب أن تكون مشاكلة لخصالها. فلزم أن ينتدب لها من أنهضته الفضائل حتى تهذب واستقل بحقوقها حتى تدرب ليسوس الرعايا بآلته ويباشر التدبير بصناعته".[29]


كما يجب أن تكون من شيم الحاكم وسجاياه الكرم والمروءة وعلو الهمة والفضل والتواضع عن رفعة والحكمة والشجاعة والحياء والوقار والسكينة والحلم والظرف والنزاهة واعتماد الصدق واجتناب الكذب والإيثار على النفس والزهد عند القدرة والانصاف عند القوة والالتزام بالعقود والوفاء بالوعود.


"تجد الثقافة الجديدة في مبدأ التوحيد أساسا لوحدة العالم كله. والإسلام بوصفه دستورا سياسيا ليس الا أداة عملية لجعل هذا المبدأ عاملا حيا في حياة البشر العقلية والوجدانية. فهو يتطلب الطاعة والإخلاص لله، لا للعروش والتيجان".[30]


غني عن البيان أن الساسة يجب أن تكتمل فيهم محاسن الأفعال ومكارم الأخلاق وأن يدعوا إلى الحق ويقوموا الجهل وأن يحدثوا الصلاح في الخلق وأن يحرصوا على تأديب غرائزهم وتهذيب ذواتهم حتى لا تغالبهم أهواء أنفسهم ويستصعب عليم قيادها. وقد جاء في المأثور: "من بدأ بسياسة نفسه أدرك سياسة الناس"، وكأن المطلوب من الحاكم قبل سياسة الناس هو العناية بالذات بحيازة أفضل الأخلاق وإتيان أجمل الأفعال والقيام برياضة الذات وبلوغ الاستقامة في السلوك. عندئذ "ينبغي للملك أن يبتدئ بتقويم نفسه... فإذا بدأ بسياسة نفسه كان على سياسة غيره أقدر، وإذا أهمل مراعاة نفسه كان بإهمال غيره أجدر. فبعيد أن يحدث الصلاح عمن ليس فيه صلاح لأن ضرورة نفسه أمس وهو بتهذيبها أخص".[31]


ان فرط الصرامة وشدة الهيبة والتخويف بالتغاضب وخشية السطوة ليست بالضرورة هي قاعدة الملك وأساس الحكم وانما هي مساءلة المتعدي ورد المظالم ودرء المفاسد وتصفح الذنوب والوقوف على التجاوزات واشكال الطيش وتحديد المسؤوليات وانزال العقوبات والصفح عند المؤاخذة والعدل عند الاستحقاق والمحافظة على الأمانة وكتمان الأسرار والعفة عن المال والسلامة من الخيانة. فتى يعزم الأشرار على تقويم العوج بطول الرهبة وينقاد الأخيار إلى صلاح المهج بحسن الرغبة؟


ان الاكتفاء بالمنظومة الفقهية التقليدية والتعامل معها على جهة التقليد والاقتصار على الشرح والتفسير واتباع أسلوب الوعظ والارشاد لا يكفي لإسناد العمل السياسي الذي له مرجعية إسلامية والارتقاء به على مستوى الأفراد والجماعات إلى درجة الكفاءة والاتقان والتواصل مع الديمقراطية والحداثة والمدنية.


ان تثوير المنظومة الفقهية والتعويل على فقه المصالح والأوليات والواقع وربط الدين بالحياة والانطلاق من مصالح الناس وحقوقهم هو الكفيل بجعل العمل السياسي الإسلامي يستند على قواعد للعمل راسخة ومتينة وهو السبيل الأنجع نحو النهل من المسارات المستنيرة والدروب الاجتهادية التي يتضمها هذا الدين القيم. لكن كيف يحمل ابن خلدون علوم الفقه مسؤولية اخفاق العلماء في السياسة وابتعادهم عن مذاهبها بقوله: "يطبقون من بعد ذلك الكلي على الخارجيات. وأيضا يقيسون الأمور على أشباهها وأمثالها بما اعتادوه من القياس الفقهي"[32] فهل يدعو إلى تخليص السياسة من الفقه حتى تمتلك هذه الصناعة درجة العلمية؟


**********

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
₪ مبادئ العمل السياسي في الإسلام ₪
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ◙�◙ الإجرام السياسي ◙�◙
»  .::][ الشعر السياسي][::.
» ⇭☠⇭ الانتداب السياسي ⇭☠⇭
» ●●|[☆]◄ الانقلاب السياسي ►[☆]|●●
» ►〖〗◄ الطيف السياسي ►〖〗◄

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۞ منتديات كنوز الإبداع ۞ :: ۞ المنتديات العلمية ۞ ::  ₪ القانون والسياسة ₪-
انتقل الى: