مقومات الدولة
مقومات الدولة تتحدد في أربع عناصر أساسية هي السكان ، الإقليم ، الحكومة ، السيادة . و نتناول فيما يلي هذه العناصر المتفاعلة :
1- السكان : الدولة كيان إنساني و بالتالي فإن السكان يمثلون العنصر الظاهر لها . و قد اختلفت آراء الكتاب السياسيين حول حجم سكان الدولة ، فلقد وضع كل من أرسطو ، وروسو حدودا على عدد السكان ، فعلى سبيل المثال حدد روسو عدد السكان بعشرة ألاف ، بينما يرى أرسطو انه ينبغي أن يكون عدد السكان كافيا لإدارة الحكم الذاتي و ممارسة الحكم عليهم في الوقت نفسه .
لكن الدول الحديثة تتجه إلى الأعداد الكبيرة لأنها تمثل نصدر قوة عسكرية لها ن رغم أن هناك من يرى أن القوة العسكرية ترتبط بالتقدم التكنولوجي في الوقت الراهن أكثر من حجم السكان . و في الوقت نفسه تثير قضية حجم السكان تساؤلات حول مقدار الموارد المتنافس عليها في المجتمع .
و من ناحية أخرى يثير تركيب السكان التساؤل التالي : هل يجب أن يكون للدولة مجموعة من السكان المتجانسين في اللغة و الدين و ... الخ ؟ و التجانس يؤكد على الاتفاق حول السياسة و التي تمثل أحد العوامل المؤثرة في الحكومة . أما السكان غير المتجانسين فيتكونون من جماعات قومية متباينة من المفترض أن تقف عقبة أمام تنمية الاتفاق السياسي .
2- الإقليم : يتطلب القانون أن يكون الإقليم المحدد شرطا من شروط الدولة .
يرى البعض أن صغر حجم إقليم الدولة يؤدي إلى ازدهار الديمقراطية و قيام علاقات وطيدة بين الحكام و المحكومين ، كما يدعم ذلك روح الوحدة و الاندماج في المجتمع ، لكن هذا الرأي يفقد قيمته أمام تقدم وسائل الاتصال و التي قربت الكثير من المسافات المتباعدة .
و خلاصة القول أنه لا توجد قاعدة محددة حول حجم إقليم الدولة . كما يجب أن ينظر إلى الإقليم في علاقته بحجم السكان في الدولة ، وعدم التوازن بين هذين العنصرين يؤدي إلى انعدام التوازن البنائي في المجتمع .
3- الحكومة : وهي أهم مؤسسات النظام السياسي تنصب وظيفتها الرئيسة على تصميم السياسة العامة و الإشراف على تنفيذها . و تظهر الحكومة في المؤسسات الحاكمة و يكون لهذه المؤسسات وجود كامل أو وجود جزئي في ثلاثة فروع أو سلطات أو وظائف داخل النظام السياسي و هي :
السلطة التنفيذية و هو الفرع المسئول عن اقتراح و تنفيذ السياسة العامة و تشمل رئيس الحكومة أو رئيس الوزراء و المعاونون الرئيسيون و الوزراء و القيادات و البيروقراطية .
و السلطة التشريعية و هو الفرع المسئول عن اقتراح و إقرار و مراقبة و تقييم السياسات العامة في شكل تشريعات و قوانين و خطط و يشمل جميع الهيئات النيابية على المستوى الوطني أو المحلي .
و السلطة القضائية و هو الفرع المسئول عن تطبيق و تفسير القوانين و البت في الخصومات . ويتمتع هذا الفرع عادة بنوع من الاستقلالية الذاتية .
4- السيادة : تعتبر السيادة خاصية أساسية للدولة و قد كانت نتاجا للظروف التي سادت القرن السادس عشر ، حيث أدى الصراع المتجسد بين الملكية و الكنيسة إلى ظهور النظرية الحديثة للسيادة .
بينما وضع بودان السيادة في شخص الملك و قصد بها السلطة العليا على المواطنين و الأشياء المدعمة بالقوانين فإن جروثيوس قام بتحليل الجانب الخارجي للسيادة . ولقد تأصلت جذور فكرة السيادة في أذهان المفكرين . فبينما أوضح كل من هوبز و بنتام و أوستين وجهة نظر قانونية للسيادة ، فلقد أوضح كل من روسو و هيجل و بوزانكيت وجهة نظر فلسفية للسيادة. و تعني السيادة من وجهة النظر القانونية هي الدولة التي تتمتع بالسلطة العليا قانونا و سلطتها مطلقة و نهائية . أما روسو و هيجل فقد حددوا موقع السيادة في الإرادة العامة التي تبرر القوة للدولة .
و يمكن تصنيف أشكال السيادة إلى عدة أنواع :
السيادة الداخلية و تعني السلطة العليا للدولة التي تمارسها على الأفراد و المؤسسات داخل حدودها الجغرافية، و الدولة ذات السيادة لها الصلاحية القانونية في إصدار الأوامر التي تسري على كل المواطنين و المؤسسات . وأية تمردات على هذه الأوامر تقابل بالعقاب أو الردع .
السيادة الخارجية و هي تعني حرية الدولة و عدم تعرضها لأية قيود من الخارج و أية سيطرة . وتجدر الإشارة إلى أن السيادة الخارجية تابعة بالمقارنة مع السيادة الداخلية حيث أنها ترتبط بالمعاهدات الدولية ، كما أنها تخضع لقواعد القانون الدولي .
السيادة القانونية و السيادة السياسية . و التفرقة بينهما يمثل ضرورة أساسية في مناقشة قضية السيادة .
فالسيادة القانونية تتضمن نظرية السيادة في ضوء القانون الرسمي . إذ أن في كل دولة شخص محدد أو مجموعة من الأشخاص يتمتعون بالسلطة العليا في إصدار الأوامر العليا و النهائية و ممارسة القانون النهائي . وهؤلاء هم أصحاب السيادة القانونية و تصدر أوامرها إلى كل الأفراد و الروابط داخل إقليم محدد و أي تمرد على هذه الأوامر يقابل بالعقاب .
أما السيادة السياسية فإنها تعني بالمعنى الضيق الهيئة الناخبة بينما تعني بالمعنى الواسع جماهير الشعب بما في ذلك كل شخص يسهم في صياغة الرأي العام سواء كان يدلي بصوته أو لا .
و الواقع أن مفهوم غامض و مضلل فإذا قصدنا به الهيئة الناخبة فنجد عدد كبير من الأشخاص الذين لا يسهمون كثيرا في تكوين الرأي العام مستبعدين من كيان السيادة السياسية .
و بالطبع فإن مشكلة الحكم تظهر في العلاقة بين السيادة القانونية و السيادة السياسية ، حيث نجد في الديمقراطية المباشرة قيام الحكم على التطابق بين هاتين السيادتين . ويصبح القانون تعبيرا عن إرادة مجموع المواطنين و تختفي مشكلة الصراع بينهما .
أما النمط التمثيلي للديمقراطية الذي يسود في العصر الحديث فإن مثل هذه العلاقة تحتل أهمية خاصة . فبينما تنتمي السيادة القانونية إلى الهيئة التشريعية فإن السيادة السياسية تكون في الهيئة الناخبة . و على هذا يتم اختيار السيادة القانونية بواسطة السيادة السياسية .