ஜ♣ஐ « مجلس الدولة »ஐ♣ஜ
أدى التطور في العالم الحديث إلى مفهوم ما يسمى بدولة القانون L’état de droit التي تتكون السلطة فيها وفقاً لقواعد قانونية تتدرج في قوتها، واستناداً إلى مبدأ أصيل يقوم على مبدأ الفصل والتعاون بين سلطات ثلاث هي التشريعية و التنفيذية والقضائية، و قد وجد الفكر الحديث الذي ساد في أكثر دول العالم الراهن أن خضوع الدولة للقانون هو أفضل الحلول الممكنة للتوفيق بين سلطات الدولة و قيامها بوظائفها التي لا غنى عنها لحياة الأفراد، وبين حريات الأفراد التي يحتفظون بها على الرغم من وجود الدولة بسلطاتها، مع ما يتضمنه ذلك من تقييد لجانب من هذه الحريات، وكل ذلك ضمن حدود ما أطلق عليه مبدأ المشروعية légalité الذي يرتكز على أساس سيادة القانون، أي احترام أحكام القانون وسريانها على الحاكم والمحكوم، فالقانون يجب أن يحكم الأفراد ليس فقط في علاقاتهم بعضهم ببعض، وإنما كذلك في علاقاتهم بهيئات الحكم في الدولة؛ إذ إن أصحاب الحكم في الهيئات ما هم إلا أفراد كغيرهم غير معصومين من الخطأ أو الزلل. وعلى ذلك تفترض المشروعية أن تتوافق التصرفات التي تصدر عن سلطات الدولة ومواطنيها مع قواعد قانونية موضوعة من قبلها، والمقصود بالقانون هنا جميع أنواع القواعد القانونية في الدولة سواء أكانت عرفية أم قضائية أم تشريعية، وكل ذلك ضمن تدرج هرمي معترف به في الدولة. وفي سبيل ضمان المشروعية كان لابد من وجود رقابة من الدولة على تصرف العاملين فيها وأعمالهم، وفي هذا وجدت الرقابة السياسية والرقابة الإدارية ثم الرقابة القضائية، وقد ازدادت أهمية الرقابة القضائية ازدياداً واضحاً حين ازدادت مهام الدولة إلى حد كبير وتدخلت في مجالات كانت حكراً على الأفراد في الماضي، فالمشرع حتى عندما يترك المجال مفتوحاً لمبادرة الأفراد في مجال من المجالات، فإنه يفعل ذلك ليقوم به الأفراد تحت إشراف الدولة ورقابتها، وهذا الأمر بدوره أسهم دائماً في تعزيز أهمية القانون الإداري أي قانون الإدارة العامة، بوصفها إحدى السلطات العامة في الدولة، فتطبق عليها قواعده التي تحكم تنظيم هذه الإدارة وروابطها القانونية الداخلية، والعلاقات التي تنشأ بينها وبين الأفراد الذين يتعاملون معها عند ممارستها لنشاطها، وهو الأمر الذي يفترض بالضرورة وجود رقابة قضائية على أعمال الإدارة لحل المنازعات الناجمة عن مباشرة تلك الروابط المتزايدة و المتنامية حسب سنة التطور.
وفي الدولة الحديثة تعد هذه الرقابة التي تتولاها المحاكم على أعمال الإدارة أكثر أنواع الرقابة ضماناً لحقوق الأفراد وحرياتهم لما يفترض في القضاء من حيدة ونزاهة واستقلال عن أطراف النزاع ودراية بالشؤون القانونية ومسائل المنازعات. هذا وقد اختلفت أنظمة الدول الحديثة في بسط هذه الرقابة ضمن نظامين:
- نظام القضاء الموحد: ويقصد به أن توجد في الدولة جهة قضائية واحدة هي جهة القضاء العادي، تتولى الفصل في كل المنازعات سواء ما ينشأ منها بين الأفراد بعضهم مع بعض أم بينهم وبين الإدارة، ومن البلاد التي تأخذ بهذا النظام الموحد إنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية، ويرى أنصار هذا النظام أنه يتصف بمزايا عديدة، منها التيسير على المتقاضين والحيلولة دون قضية التنازع على الاختصاص، وأنه يؤكد المشروعية من دون تفرقة بين أطراف النزاع ومن دون محاباة للإدارة وفي ذلك حماية لحقوق الأفراد.
- نظام القضاء المزدوج: ويقصد به وجود جهتين قضائيتين مستقلتين في الدولة، جهة القضاء العادي للفصل في المنازعات الخاصة الناشئة بين الأفراد، وجهة القضاء الإداري التي تتولى حسم المنازعات الإدارية التي تثور بين الإدارة والأفراد. ويسود نظام القضاء المزدوج في بلاد متعددة، منها فرنسا، وبلجيكا وإيطاليا واليونان وتركيا ومصر وسورية ولبنان وأكثرية دول المغرب. ويبرر أنصار هذا النظام وجوده لطبيعة المنازعات الإدارية وما تتميز به من غيرها من المنازعات بين الأفراد، لأن الإدارة تتوخى المصلحة العامة عن طريق أدائها لوظائفها طبقاً للقواعد التي تناسبها، ولأن تدخل القضاء العادي في شؤون الإدارة وتوجيه الأوامر إليها يخل بمبدأ فصل السلطات، كما أن نظام القضاء الموحد لم يكفل الحماية الكافية لحقوق الأفراد وحرياتهم.
هذا ويمكن القول بدئياً إن فرنسا تعدّ مهد القضاء المزدوج، وإنها أول بلد أخذ بنظام القضاء الإداري المستقل. وقد أنشأت القضاء الإداري في الأصل لحماية الإدارة ضد تعسف المحاكم العادية التي كانت تسمى البرلمانات القضائية، وكانت تسيء التدخل في شؤون الإدارة، ولكن دور هذا القضاء ما لبث أن تحول من حماية الإدارة إلى حماية حقوق الأفراد وحرياتهم ضد تعسف تلك الإدارة.
وفي سورية أقيم «مجلس الشورى» أيام الانتداب في عام 1925، ثم ألغي وأعيد في عام 1934، وحدد له اختصاص قضائي يتناول الفصل في جميع المنازعات الإدارية إلا ما استثني بنص صريح. ويفصل بصورة خاصة في طلبات التعويض عن الأضرار الناجمة عن الأشغال العامة والخلافات المتعلقة بالعقود والالتزامات والمناقصات والخلافات المتعلقة بالضرائب ومعاشات الموظفين وإشغال أملاك الدولة وإلغاء المراسيم والقرارات الإدارية والاعتراض على صحة الانتخابات. كما حدد له اختصاص استشاري واختصاص تفسيري ثم ألغي في عام 1939، ثم أعيد في عام 1941 ليعاد تنظيمه عقب استقلال سورية في عام 1946، حيث صدر مرسومان تشريعيان بتاريخ 30 حزيران/يونيو 1947 برقم 201 و209 مبينان أكثر الأسس في المجلس السابق، ونصّا على أن المجلس يتألف من دائرتين: قضائية وهي المحكمة الأصلية التي تبت في جميع القضايا والأحكام والقرارات الإدارية.إلخ، ودائرة التشريع والرأي تتولى دراسة مشروعات القوانين وما هو في حكمها ومشروعات الأنظمة وإبداء الرأي فيما تطلبه الدوائر الحكومية، ثم ألغي المجلس إثر انقلاب عام 1949 العسكري، ولم ينص عليه دستور عام 1950.
وعندما قامت الجمهورية العربية المتحدة في عام 1958، كان من أبرز قوانين الوحدة القرار الجمهوري رقم 55 الذي صدر بتاريخ 21 شباط/فبراير 1959 المتضمن إلغاء مجلس الدولة المصري والمحكمة العليا في سورية وتطبيق القانون 165 لعام 1955 المصري المتضمن نظام مجلس الدولة، وعلى الرغم من الانفصال في عام 1961 بقي العمل بنظام مجلس الدولة conseil d’État الذي تابع مسيرته القضائية والاستشارية ودعم الدستور السوري الصادر في 13 آذار/مارس 1973 وجوده في المادة 138 فيه التي تقول: «يمارس مجلس الدولة القضاء الإداري و يعين القانون شروط تعيين قضاته وترفيعهم وتأديبهم وعزلهم».
ومع إجراء بعض التعديلات الطفيفة و المتفرقة على قانون مجلس الدولة رقم 55 بعد إصداره في 21 شباط/فبراير 1959، فإن هيكله ونصوصه المهمة بقيت على ما هي عليه في سورية عند صدوره، وتقوم هذه الأسس على تطبيق الإجراءات المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات المدنية فيما لم يرد فيه نص، وذلك إلى أن يصدر قانون الإجراءات الخاصة بالقسم القضائي، ويتكون مجلس الدولة من القسم القضائي والقسم الاستشاري للفتوى والتشريع، ويتألف القسم القضائي من المحكمة الإدارية العليا و محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية وهيئة مفوضي الدولة، ويكون مقر المحكمة الإدارية العليا ومحكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية في دمشق، ويجوز إنشاء محاكم إدارية في المحافظات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، وفعلاً تم إنشاء محاكم بدائية إدارية في المحافظات للنظر في قضايا العاملين في الدولة ويرأس المحكمةَ الإدارية العليا رئيسُ المجلس أو أقدم الوكلاء، وتكون بها دائرة لفحص الطعون وتصدر أحكامها عن ثلاثة مستشارين، ويرأس محكمة القضاء الإداري أحد وكلاء المجلس أو أقدم المستشارين، وتصدر أحكامها من دوائر تشكل كل منها من ثلاثة مستشارين، وتؤلف هيئة مفوضي الدولة من أحد وكلاء المجلس رئيساً ومن مستشارين ومستشارين مساعدين ونواب ومندوبين، ويكون مفوضو الدولة لدى المحكمة الإدارية العليا ومحكمة القضاء الإداري من درجة مستشار مساعد على الأقل، وقد نص القانون على اختصاصات المجلس التي يمكن إيجاز القول بأنها الطعون الخاصة بانتخاب الهيئات الإقليمية والبلدية، وفي المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت، وبالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة، وبإلغاء القرارات النهائية للسلطة التأديبية وبطلبات الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية، وبمنازعات الضرائب والرسوم ودعاوى الجنسية وفي المنازعات الخاصة بعقود الالتزام والأشغال العامة والتوريد وبأي عقد إداري آخر، وقد أدخلت بعض التعديلات جزئياً على بعض هذه الاختصاصات، وأكد القانون عدم اختصاص المجلس بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة ولا بالطلبات المقدمة من أشخاص ليست لهم مصلحة شخصية.
ونص القانون على جواز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة عن محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أو المحاكم التأديبية ضمن شروط وأصول إجرائية أشارت إليها نصوصه.
أما القسم الاستشاري للفتوى والتشريع في مجلس الدولة فقد نص القانون على ترتيبه وتشكيله من إدارات مختصة لرئاسة الجمهورية والوزارات والمصالح العامة، ويرأس كل إدارة منها مستشار أو مستشار مساعد ويعين عدد الإدارات وتحدد دوائر اختصاصها بقرار من الجمعية العمومية للمجلس، وتختص الإدارات بإعداد التقارير في المسائل التي يطلب الرأي فيها من رئاسة مجلس الوزراء والوزارات والمصالح العامة وفحص التظلمات وتقديمها إلى اللجنة المختصة لإبداء الرأي فيها، ولا يجوز لأي وزارة أو مصلحة من مصالح الدولة أن تبرم أو تقبل أو تجيز أي عقد أو صلح أو تحكيم أو تنفيذ قرار محكمين في المادة التي حددت قيمتها بغير استفتاء الإدارة المختصة، وتتولى الإدارات صياغة مشروعات القوانين التي تقترحها الحكومة، ومن أهم اختصاصات الجمعية العمومية للقسم الاستشاري إبداء الرأي مسبباً في المسائل الدولية والدستورية والتشريعية وغيرها من المسائل القانونية التي تحال إليها بسبب أهميتها من رئيس الجمهورية أو الهيئة التشريعية أو من أحد الوزراء أو من رئيس مجلس الدولة وفي المنازعات التي تنشأ بين الوزارات أو بين المصالح العامة أو بين الوزارات والمصالح وبين الهيئات الإقليمية أو البلدية أو بين هذه الهيئات، وهنالك اختصاصات أخرى نص عليها القانون.