۞ منتديات كنوز الإبداع ۞
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

۞ منتديات كنوز الإبداع ۞


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5 ... 9, 10, 11  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 3:34 am


القسم الثاني :
في آداب حالة الأكل : وهو أن يبدأ ب بسم الله في أوله وب الحمد لله في آخره ولو قال مع كل لقمة بسم الله فهو حسن حتى لا يشغله الشره عن ذكر الله تعالى ويقول مع اللقمة الأولى بسم الله ومع الثانية بسم الله الرحمن ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم ويجهر به ليذكر غيره ويأكل باليمنى ويبدأ بالملح ويختم به ويصغر اللقمة ويجود مضغها وما لم يبتلعها لم يمد اليد إلى الأخرى فإن ذلك عجلة في الأكل وأن لا يذم مأكولا كان صلى الله عليه وسلم لا يعيب مأكولا كان إذا أعجبه أكله وإلا تركه حديث أنس كان لا يعيب مأكولا إن أعجبه أكله وإلا تركه متفق عليه من حديث أبي هريرة وأن يأكل مما يليه إلا الفاكهة فإن له أن يجيل يده فيها قال صلى الله عليه وسلم كل مما يليك حديث كل مما يليك متفق عليه من حديث عمر بن أبي سلمة ثم كان صلى الله عليه وسلم يدور على الفاكهة فقيل له في ذلك فقال ليس هو نوعا واحدا حديث كان يدور على الفاكهة وقال ليس هو نوعا واحدا أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عكراش بن دويب وفيه وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق فقال يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد قال الترمذي غريب ورواه ابن حبان في الضعفاء وأن لا يأكل من دورة القصعة ولا من وسط الطعام بل يأكل من استدارة الرغيف إلا إذا قل الخبز فيكسر الخبز ولا يقطع بالسكين حديث النهي عن قطع الخبز بالسكين رواه ابن حبان في الضعفاء من حديث أبي هريرة وفيه نوح ابن أبي مريم وهو كذاب ورواه البيهقي في الشعب من حديث أم سلمة بسند ضعيف ولا يقطع اللحم أيضا فقد نهى عنه وقال انهشوه نهشا حديث النهي عن قطع اللحم بالسكين أخرجه أبو داود من حديث عائشة وقال فانهشوه نهشا قال النسائي منكر وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث صفوان بن أمية وانهشوا اللحم نهشا وسنده ضعيف ولا يوضع على الخبز قصعة ولا غيرها إلا ما يأكل به قال صلى الله عليه وسلم أكرموا الخبز فإن الله تعالى أنزله من بركات السماء ولا يمسح يده بالخبز وقال صلى الله عليه وسلم إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها وليمط ما كان بها من أذى ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة حديث إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة أخرجه مسلم من حديث أنس وجابر ولا ينفخ في الطعام الحار حديث النهي عن النفخ في الطعام والشراب أخرجه أحمد في مسنده من حديث ابن عباس وهو عند أبي داود والترمذي وصححه ابن ماجه إلا أنهم قالوا في الإناء وأخرجه الترمذي وصححه من حديث أبي سعيد نهي عن النفخ في الشراب فهو منهي عنه بل يصبر إلى أن يسهل أكله ويأكل من التمر وترا سبعا أو إحدى عشرة أو إحدى وعشرين أو ما اتفق ولا يجمع بين التمر والنوى في طبق ولا يجمع في كفه بل يضع النواة من فيه على ظهر كفه ثم يلقيها وكذا كل ماله عجم وثفل وأن لا يترك ما استرذله من الطعام ويطرحه في القصعة بل يتركه مع الثفل حتى لا يلتبس على غيره فيأكله وأن لا يكثر الشرب في أثناء الطعام إلا إذا غص بلقمة أو صدق عطشه فقد قيل إن ذلك مستحب في الطب وإنه دباغ المعدة وأما الشرب فأدبه أن يأخذ الكوز بيمينه ويقول بسم الله ويشربه مصا لا عبا قال صلى الله عليه وسلم مصوا الماء مصا ولا تعبوه عبا فإنه الكباد من العب حديث مصوا الماء مصا ولا تعبوه عبا أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس بالشطر الأول ولأبي داود في المراسيل من رواية عطاء بن أبي رباح إذا شربتم فاشربوا مصا ولا يشرب قائما ولا مضطجعا فإنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما حديث النهي عن الشراب قائما أخرجه مسلم من حديث أنس وأبي سعيد وأبي هريرة وروى أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائما حديث أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائما متفق عليه من حديث ابن عباس وذلك من زمزم ولعله كان لعذر ويراعى أسفل الكوز حتى لا يقطر عليه وينظر في الكوز قبل الشرب ولا يتجشأ ولا يتنفس في الكوز بل ينحيه عن فمه بالحمد ويرده بالتسمية وقد قال صلى الله عليه وسلم بعد الشرب الحمد لله الذي جعله عذبا فراتا برحمته ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا حديث كان يقول بعد الشرب الحمد لله الذي جعل الماء عذبا فراتا برحمته ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا أخرجه الطبراني في الدعاء مرسلا من رواية أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين والكوز وكل ما يدار على القوم يدار يمنة وقد شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا وأبو بكر رضي الله عنه عن شماله وأعرابي عن يمينه وعمر ناحيته فقال عمر رضي الله عنه أعط أبا بكر فناول الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن ويشرب في ثلاثة أنفاس يحمد الله في أواخرها ويسمي الله في أوائلها ويقول في آخر النفس الأول الحمد لله وفي الثاني رب العالمين وفي الثالث يزيد الرحمن الرحيم فهذا قريب من عشرين أدبا في حالة الأكل والشرب دلت عليها الأخبار والآثار.


القسم الثالث :
ما يستحب بعد الطعام : وهو أن يمسك قبل الشبع ويلعق أصابعه ثم يمسح بالمنديل ثم يغسلها ويلتقط فتات الطعام قال صلى الله عليه وسلم من أكل ما يسقط من المائدة عاش في سعة وعوفي في ولده حديث من أكل ما سقط من المائدة عاش في سعة وعوفي في ولده أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب من حديث جابر بلفظ أمن من الفقر والبرص والجذام وصرف عن ولده الحمق وله من حديث الحجاج بن علاط أعطى سعة من الرزق ووقى في ولده وكلاهما منكر جدا ويتخلل ولا يبتلع كل ما يخرج من بين أسنانه بالخلال إلا ما يجمع من أصول أسنانه بلسانه أما المخرج بالخلال فيرميه وليتمضمض بعد الخلال ففيه أثر عن أهل البيت عليهم السلام وان يلعق القصعة ويشرب ماءها ويقال من لعق القصعة وغسلها وشرب ماءها كان له عتق رقبة وأن التقاط الفتات مهور الحور العين وأن يشكر الله تعالى بقلبه على ما أطعمه فيرى الطعام نعمة منه قال الله تعالى كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله ومهما أكل حلالا قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتنزل البركات اللهم أطعمنا طيبا واستعملنا صالحا وإن أكل شبهة فليقل الحمد لله على كل حال اللهم لا تجعله قوة لنا على معصيتك ويقرأ بعد الطعام قل هو الله أحد ولإيلاف قريش ولا يقوم عن المائدة حتى ترفع أولا فإن أكل طعام الغير فليدع له وليقل اللهم أكثر خيره وبارك له فيما رزقته ويسر له أن يفعل فيه خيرا وقنعه بما أعطيته واجعلنا وإياه من الشاكرين وإن أفطر عند قوم فليقل أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وليكثر الاستغفار والحزن على ما أكل من شبهة ليطفيء بدموعه وحزنه حر النار التي تعرض لها لقوله صلى الله عليه وسلم كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به حديث كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به هو في شعب الإيمان من حديث كعب بن عجرة بلفظ سحت وهو عند الترمذي وحسنه بلفظ لا يربوا لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به وليس من يأكل ويبكي كمن يأكل ويلهو وليقل إذا أكل لبنا اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وزدنا منه حديث القوم عند أكل اللبن اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وزدنا منه أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث ابن عباس إذا أكل أحدكم طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإن أكل غيره قال اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيرا منه فذلك الدعاء مما خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن لعموم نفعه ويستحب عقيب الطعام أن يقول الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا سيدنا ومولانا يا كافي من كل شيء ولا يكفي منه شيء أطعمت من جوع وآمنت من خوف فلك الحمد آويت من يتم وهديت من ضلالة وأغنيت من عيلة فلك الحمد حمدا كثيرا دائما طيبا نافعا مباركا فيه كما أنت أهله ومستحقه اللهم أطعمتنا طيبا فاستعملنا صالحا واجعله عونا لنا عن طاعتك ونعوذ بك أن نستعين به على معصيتك وأما غسل اليدين بالأشنان فكيفيته أن يجعل الأشنان في كفه اليسرى ويغسل الأصابع الثلاث من اليد اليمنى أولا ويضرب أصابعه على الأشنان اليابس فيمسح به شفتيه ثم ينعم غسل الفم بأصبعه ويدلك ظاهر أسنانه وباطنها والحنك واللسان ثم يغسل أصابعه من ذلك بالماء ثم يدلك ببقية الأشنان اليابس أصابعه ظهرا وبطنا ويستغني بذلك عن إعادة الأشنان إلى الفم وإعادة غسله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 3:42 am



الباب الثاني

فيما يزيد بسبب الاجتماع والمشاركة في الأكل وهي سبعة :
الأول : أن لا يبتدئ بالطعام ومعه من يستحق التقديم بكبر سن أو زيادة فضل إلا أن يكون هو المتبوع والمقتدى به فحينئذ ينبغي أن لا يطول عليهم الانتظار إذا اشرأبوا للأكل واجتمعوا له .
الثاني : أن لا يسكتوا على الطعام فإن ذلك من سيرة العجم ولكن يتكلمون بالمعروف ويتحدثون بحكايات الصالحين في الأطعمة وغيرها .
الثالث : أن يرفق برفيقه في القصعة فلا يقصد أن يأكل زيادة على ما يأكله فإن ذلك حرام إن لم يكن موافقا لرضا رفيقه مهما كان الطعام مشتركا بل ينبغي أن يقصد الإيثار ولا يأكل تمرتين في دفعة إلا إذا فعلوا ذلك أو استأذنهم فإن قلل رفيقه نشطه ورغبة في الأكل وقال له كل ولا يزيد في قوله كل على ثلاث مرات فإن ذلك إلحاح وإفراط كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خوطب في شيء ثلاثا لم يراجع بعد ثلاث حديث كان إذا خوطب في شيء ثلاثا لم يراجع بعد ثلاث أخرجه أحمد من حديث جابر في حديث طويل ومن حديث أبي حدرد أيضا وإسنادهما حسن وكان صلى الله عليه وسلم يكرر الكلام ثلاثا حديث كان يكرر الكلمة ثلاثا أخرجه البخاري من حديث أنس كان يعيد الكلمة ثلاثا فليس من الأدب الزيادة عليه فأما الحلف عليه بالأكل فممنوع قال الحسن بن علي رضي الله عنهما الطعام أهون من أن يحلف عليه.
الرابع : أن لا يحوج رفيقه إلى أن يقول له كل قال بعض الأدباء أحسن الآكلين أكلا من لا يحوج صاحبه إلى أن يتفقده في الأكل وحمل عن أخيه مؤنة القول ولا ينبغي أن يدع شيئا مما يشتهيه لأجل نظر الغير إليه فإن ذلك تصنع بل يجري على المعتاد ولا ينقص من عادته شيئا في الوحدة ولكن يعود نفسه حسن الأدب في الوحدة حتى لا يحتاج إلى التصنع عند الاجتماع نعم لو قلل من أكله إيثارا لإخوانه ونظرا لهم عند الحاجة إلى ذلك فهو حسن وإن زاد في الأكل على نية المساعدة وتحريك نشاط القوم في الأكل فلا بأس به بل هو حسن وكان ابن المبارك يقدم فاخر الرطب إلى إخوانه ويقول من أكل أكثر اعطيته بكل نواة درهما وكان يعد النوى ويعطي كل من له فضل نوى بعدده دراهم وذلك لدفع الحياء وزيادة النشاط في الانبساط وقال جعفر بن محمد رضي الله عنهما أحب إخواني إلي أكثرهم أكلا وأعظمهم لقمة وأثقلهم علي من يحوجني إلى تعهده في الأكل وكل هذا إشارة إلى الجري على المعتاد وترك التصنع وقال جعفر رحمه الله أيضا تتبين جودة محبة الرجل لأخيه بجودة أكله في منزله.
الخامس : أن غسل اليد في الطست لا بأس به وله أن يتنخم فيه إن أكل وحده وإن أكل مع غيره فلا ينبغي أن يفعل ذلك فإذا قدم الطست إليه غيره إكراما له فليقبله اجتمع أنس بن مالك وثابت البناني رضي الله عنهما على طعام فقدم أنس الطست إليه فامتنع ثابت فقال أنس إذا أكرمك أخوك فاقبل كرامته ولا تردها فإنما يكرم الله عز وجل وروى أن هارون الرشيد دعا أبا معاوية الضرير فصب الرشيد على يده في الطست فلما فرغ قال يا أبا معاوية تدري من صب على يدك فقال لا قال صبه أمير المؤمنين فقال يا أمير المؤمنين إنما أكرمت العلم وأجللته فأجلك الله وأكرمك كما أجللت العلم وأهله ولا بأس أن يجتمعوا على غسل اليد في الطست في حالة واحدة فهو أقرب إلى التواضع وأبعد عن طول الانتظار فإن لم يفعلوه فلا ينبغي أن يصب ماء كل واحد بل يجمع الماء في الطست قال صلى الله عليه وسلم اجمعوا وضوءكم جمع الله شملكم حديث اجمعوا وضوءكم جمع الله شملكم رواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث أبي هريرة بإسناد لا بأس به وجعل ابن طاهر مكان أبي هريرة إبراهيم وقال إنه معضل وفيه نظر قيل إن المراد هذا وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار لا يرفع الطست من بين يدي قوم إلا مملوءة ولا تشبهوا بالعجم وقال ابن مسعود اجتمعوا على غسل اليد في طست واحد ولا تستنوا بسنة الأعاجم والخادم الذي يصب الماء على اليد كره بعضهم أن يكون قائما وأحب أن يكون جالسا لأنه أقرب إلى التواضع وكره بعضهم جلوسه فروى أنه صب الماء على يد واحد خادم جالسا فقام المصبوب عليه فقيل له لم قمت فقال أحدنا لا بد وأن يكون قائما وهذا أولى لأنه أيسر للصب وللغسل وأقرب إلى تواضع الذي يصب وإذا كان له نية فيه فتمكينه من الخدمة ليس فيه تكبر فإن العادة جارية بذلك ، ففي الطست إذا سبعة آداب : أن لا يبزق فيه - وأن يقدم به المتبوع - وأن يقبل الإكرام بالتقديم - وأن يدار يمنة - وأن يجتمع فيه جماعة - وأن يجمع الماء فيه - وان يكون الخادم قائما - وأن يمج الماء من فيه ويرسله من يده برفق حتى لا يرش على الفراش وعلى أصحابه - وليصب صاحب المنزل بنفسه الماء على يد ضيفه - هكذا فعل مالك بالشافعي رضي الله عنهما في أول نزوله عليه وقال لا يروعك ما رأيت مني فخدمة الضيف فرض.
السادس : أن لا ينظر إلى أصحابه ولا يراقب أكلهم فيستحيون بل يغض بصره عنهم ويشتغل بنفسه ولا يمسك قبل إخوانه إذا كانوا يحتشمون الأكل بعده بل يمد اليد ويقبضها ويتناول قليلا قليلا إلى أن يستوفوا فإن كان قليل الأكل توقف في الابتداء وقلل الأكل حتى إذا توسعوا في الطعام أكل معهم أخيرا فقد فعل ذلك كثير من الصحابة رضي الله عنهم فإن امتنع لسبب فليعتذر إليهم دفعا للخجلة عنهم السابع أن لا يفعل ما يستقذره غيره فلا ينفض يده في القصعة ولا يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فيه وإن أخرج شيئا من فيه صرف وجهه عن الطعام وأخذه بيساره ولا يغمس اللقمة الدسمة في الخل ولا الخل في الدسومة فقد يكرهه غيره واللقمة التي قطعها بسنه لا يغمس بقيتها في المرقة والخل ولا يتكلم بما يذكر المستقذرات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 3:55 am


الباب الثالث

في آداب تقديم الطعام إلى الإخوان الزائرين : تقديم الطعام إلى الإخوان فيه فضل كثير قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما إذا قعدتم مع الإخوان على المائدة فأطيلوا الجلوس فإنها ساعة لا تحسب عليكم من أعماركم وقال الحسن رحمه الله كل نفقة ينفقها الرجل على نفسه وأبويه فمن دونهم يحاسب عليها ألبتة إلا نفقة الرجل على إخوانه في الطعام فإن الله يستحي أن يسأل عن ذلك هذا مع ما ورد من الأخبار في الإطعام قال صلى الله عليه وسلم لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دامت مائدته موضوعة بين يديه حتى ترفع حديث لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دامت مائدته موضوعة بين يديه حتى يرفع أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة بسند ضعيف وروى عن بعض علماء خراسان أنه كان يقدم إلى إخوانه طعاما كثيرا لا يقدرون على أكل جميعه وكان يقول بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الإخوان إذا رفعوا أيديهم عن الطعام لم يحاسب من أكل فضل ذلك حديث إن الإخوان إذا رفعوا أيديهم عن الطعام لا يحاسب من أكل من فضل ذلك الطعام لم أقف له على أصل فأنا أحب أن أستكثر مما أقدمه إليكم لنأكل فضل ذلك وفي الخبر لا يحاسب العبد على ما يأكله مع إخوانه حديث لا يحاسب العبد بما يأكله مع إخوانه هو في الحديث الذي بعده بمعناه وكان بعضهم يكثر الأكل مع الجماعة لذلك ويقلل إذا أكل وحده وفي الخبر ثلاثة لا يحاسب عليها العبد أكلة السحور وما أفطر عليه وما أكل مع الإخوان حديث ثلاثة لا يحاسب عليها العبد أكلة السحور وما أفطر عليه وما أكل مع الإخوان أخرجه الأزدي في الضعفاء من حديث جابر ثلاثة لا يسألون عن النعيم الصائم والمتسحر والرجل يأكل مع ضيفه أورده في ترجمة سليمان بن داود الجزري وقال فيه منكر الحديث ولأبي منصور الديلمي في مسند الفردوس نحوه من حديث أبي هريرة وقال علي رضي الله عنه لأن أجمع إخواني على صاع من طعام أحب إلي من أن أعتق رقبة وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول من كرم المرء طيب زاده في سفره وبذله لأصحابه وكان الصحابة رضي الله عنهم يقولون الاجتماع على الطعام من مكارم الأخلاق وكانوا رضي الله عنهم يجتمعون على قراءة القرآن ولا يتفرقون إلا عن ذواق وقيل اجتماع الإخوان على الكفاية مع الأنس والألفة ليس هو من الدنيا وفي الخبر يقول الله تعالى للعبد يوم القيامة يا ابن آدم جعت فلم تطعمني فيقول كيف أطعمك وأنت رب العالمين فيقول جاع أخوك المسلم فلم تطعمه ولو أطعمته كنت أطعمتني حديث يقول الله للعبد يوم القيامة يا ابن آدم جعت فلم تطعمني : الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ استطعمتك فلم تطعمني وقال صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم الزائر فأكرموه حديث إذا جاءكم الزائر فأكرموه أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أنس وهو حديث منكر قاله ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وقال صلى الله عليه وسلم إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها هي لمن ألان الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام حديث إن في الجنة غرفا يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها هي لمن ألان الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام أخرجه الترمذي من حديث علي وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن ابن إسحاق وقد تكلم فيه من قبل حفظه وقال صلى الله عليه وسلم خيركم من أطعم الطعام حديث خيركم من أطعم الطعام أخرجه أحمد والحاكم من حديث صهيب وقال صحيح الإسناد وقال صلى الله عليه وسلم من أطعم أخاه حتى يشبعه وسقاه حتى يرويه بعده الله من النار بسبع خنادق ما بين كل خندقين مسيرة خمسمائة عام حديث من أطعم أخاه حتى يشبعه وسقاه حتى يرويه بعده الله من النار سبع خنادق ما بين كل خندقين مسيرة خمسمائة عام أخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن عمر وقال ابن حبان ليس من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الذهبي غريب منكر وأما آدابه فبعضها في الدخول وبعضها في تقديم الطعام ، أما الدخول : فليس من السنة أن يقصد قوما متربصا لوقت طعامهم فيدخل عليهم وقت الأكل فإن ذلك من المفاجأة وقد نهي عنه قال الله تعالى لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه يعني منتظرين حينه ونضجه وفي الخبر من مشى إلى طعام لم يدع إليه مشى فاسقا وأكل حراما حديث من مشى إلى طعام لم يدع إليه مشى فاسقا وأكل حراما أخرجه البيهقي من حديث عائشة نحوه وضعفه ولأبي داود من حديث ابن عمر من دخل على غير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا إسناده ضعيف ولكن حق الداخل إذا لم يتربص واتفق أن صادفهم على طعام أن لا يأكل ما لم يؤذن له فإذا قيل له كل نظر فإن علم أنهم يقولونه على محبة لمساعدته فليساعد وإن كانوا يقولونه حياء منه فلا ينبغي أن يأكل بل ينبغي أن يتعلل أما إذا كان جائعا فقصد بعض إخوانه ليطعمه ولم يتربص به وقت أكله فلا بأس به قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما منزل أبي الهيثم بن التيهان وأبي أيوب الأنصاري لأجل طعام يأكلونه وكانوا جياعا حديث قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما منزل أبو الهيثم بن التيهان وأبي أيوب الأنصاري لأجل طعام يأكلونه أما قصة أبي الهيثم فرواها الترمذي من حديث أبي هريرة وقال حسن غريب صحيح والقصة عند مسلم لكن ليس فيها ذكر لأبي الهيثم وإنما قال رجل من الأنصار وأما حديث قصدهم منزل أبي أيوب فرواها الطبراني في المعجم الصغير من حديث ابن عباس بسند ضعيف والدخول على مثل هذه الحالة إعانة لذلك المسلم على حيازة ثواب الإطعام وهي عادة السلف وكان عون بن عبد الله المسعودي له ثلاثمائة وستون صديقا يدور عليهم في السنة ولآخر ثلاثون يدور عليهم في الشهر ولآخرة سبعة يدور عليهم في الجمعة فكان إخوانهم معلومهم بدلا عن كسبهم وكان قيام أولئك بهم على قصد التبرك عبادة لهم فإن دخل ولم يجد صاحب الدار وكان واثقا بصداقته عالما بفرحه إذا أكل من طعامه فله أن يأكل بغير إذنه إذ المراد من الإذن الرضا لا سيما في الأطعمة وأمرها على السعة فرب رجل يصرح بالإذن ويحلف وهو غير راض فأكل طعامه مكروه ورب غائب لم يأذن وأكل طعامه محبوب وقد قال تعالى أو صديقكم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار بريرة وأكل طعامها وهي غائبة وكان الطعام من الصدقة فقال بلغت الصدقة محلها حديث دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار بريرة وأكل طعامها وهي غائبة وكان من الصدقة فقال بلغت الصدقة مكانها متفق عليه من حديث عائشة أهدى لبريرة لحم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو لها صدقة ولنا هدية وأما قوله بلغت محلها فقاله في الشاة التي أعطيتها نسيبة من الصدقة وهو متفق عليه أيضا من حديث أم عطية وذلك لعلمه بسرورها بذلك لذلك يجوز أن يدخل الدار بغير استئذان اكتفاء بعلمه بالإذن فإن لم يعلم فلا بد من الاستئذان أولا ثم الدخول وكان محمد بن واسع وأصحابه يدخلون منزل الحسن فيأكلون ما يجدون بغير إذن وكان الحسن يدخل ويرى ذلك فيسر به ويقول هكذا كنا وروى عن الحسن رضي الله عنه أنه كان قائما يأكل من متاع بقال في السوق يأخذ من هذه الجونة تينة ومن هذه قسبة فقال له هشام ما بدا لك يا أبا سعيد في الورع تأكل متاع الرجل بغير إذنه فقال يا لكع اتل علي آية الأكل فتلا إلى قوله تعالى أو صديقكم فقال فمن الصديق يا أبا سعيد قال من استروحت إليه النفس واطمأن إليه القلب ومشى قوم إلى منزل سفيان الثوري فلم يجدوه ففتحوا الباب وأنزلوا السفرة وجعلوا يأكلون فدخل الثوري وجعل يقول ذكرتموني أخلاق السلف هكذا كانوا وزار قوم بعض التابعين ولم يكن عنده ما يقدمه إليهم فذهب إلى منزل بعض إخوانه فلم يصادفه في المنزل فدخل فنظر إلى قدر قد طبخها وإلى خبز قد خبزه وغير ذلك فحمله كله فقدمه إلى أصحابه وقال كلوا فجاء رب المنزل فلم ير شيئا فقيل له قد أخذ فلان فقال قد أحسن فلما لقيه قال يا أخي إن عادوا فعد فهذه آداب الدخول .
وأما آداب التقديم : فترك التكلف أولا - وتقديم ما حضر - فإن لم يحضره شيء ولم يملك فلا يستقرض لأجل ذلك فيشوش على نفسه - وإن حضره ما هو محتاج إليه لقوته ولم تسمح نفسه بالتقديم فلا ينبغي أن يقدم .
دخل بعضهم على زاهد وهو يأكل فقال لولا أني أخذته بدين لأطعمتك منه وقال بعض السلف في تفسير التكلف أن تطعم أخاك مالا تأكله أنت بل تقصد زيادة عليه في الجودة والقيمة وكان الفضيل يقول إنما تقاطع الناس بالتكلف يدعو أحدهم أخاه فيتكلف له فيقطعه عن الرجوع إليه وقال بعضهم ما أبالي بمن أتاني من إخواني فإني لا أتكلف له إنما أقرب ما عندي ولو تكلفت له لكرهت مجيئه ومللته وقال بعضهم كنت أدخل على أخ لي فيتكلف لي فقلت له إنك لا تأكل وحدك هذا ولا أنا فما بالنا إذا اجتمعنا أكلناه فإما أن تقطع هذا التكلف أو أقطع المجيء فقطع التكلف ودام اجتماعنا بسببه ومن التكلف أن يقدم جميع ما عنده فيجحف بعياله ويؤذي قلوبهم روى أن رجلا دعا عليا رضي الله عنه فقال علي أجيبك على ثلاث شرائط لا تدخل من السوق شيئا ولا تدخر ما في البيت ولا تجحف بعيالك وكان بعضهم يقدم من كل ما في البيت فلا يترك نوعا إلا ويحضر شيئا منه وقال بعضهم دخلنا على جابر بن عبد الله فقدم إلينا خبزا وخلا وقال لولا أنا نهينا عن التكلف لتكلفت لكم حديث دخلنا على جابر بن عبد الله فقدم إلينا خبزا وخلا وقال لولا أنا نهينا عن التكلف لتكلفت لكم رواه أحمد دون قوله لولا أنا نهينا وهو من حديث سلمان الفارسي وسيأتي بعده وكلاهما ضعيف وللبخاري عن عمر بن الخطاب نهينا عن التكلف وقال بعضهم إذا قصدت للزيارة فقدم ما حضر وإن استزرت فلا تبق ولا تذر وقال سلمان أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نتكلف للضيف ما ليس عندنا وأن نقدم إليه ما حضرنا حديث سلمان أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نتكلف للضيف ما ليس عندنا وان نقدم إليه ما حضرنا أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق ولأحمد لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أو لولا أنا نهينا أن يتكلف أحدنا لصاحبه لتكلفنا لك وللطبراني نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلف للضيف ما ليس عندنا وفي حديث يونس النبي صلى الله عليه وسلم أنه زاره إخوانه فقدم إليهم كسرا وجز لهم بقلا كان يزرعه ثم قال لهم كلوا لولا أن الله لعن المتكلفين لتكلفت لكم وعن أنس بن مالك رضي الله عنه وغيره من الصحابة أنهم كانوا يقدمون ما حضر من الكسر اليابسة وحشف التمر ويقولون لا ندري أيهما أعظم وزرا الذي يحتقر ما يقدم إليه أو الذي يحتقر ما عنده أن يقدمه.
الأدب الثاني : وهو للزائر أن لا يقترح ولا يتحكم بشيء بعينه فربما يشق على المزور إحضاره فإن خيره أخوة بين طعامين فليتخير أيسرهما عليه كذلك السنة ففي الخبر أنه ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما حديث ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما متفق عليه من حديث عائشة وزاد ما لم يكن إثما ولم يذكرها مسلم في بعض طرقه وروى الأعمش عن أبي وائل أنه قال مضيت مع صاحب لي نزور سلمان فقدم إلينا خبز شعير وملحا جريشا فقال صاحبي لو كان في هذا الملح سعترا كان أطيب فخرج سلمان فرهن مطهرته وأخذ سعترا فلما أكلنا قال صاحبي الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا فقال سلمان لو قنعت بما رزقت لم تكن مطهرتي مرهونة هذا إذا توهم تعذر ذلك على أخيه أو كراهته له فإن علم أنه يسر باقتراحه ويتيسر عليه ذلك فلا يكره له الاقتراح فعل الشافعي رضي الله عنه ذلك مع الزعفراني إذ كان نازلا عنده ببغداد وكان الزعفراني يكتب كل يوم رقعة بما يطبخ من الألوان ويسلمها إلى الجارية فأخذ الشافعي الرقعة في بعض الأيام وألحق بها لونا آخر بخطه فلما رأى الزعفراني ذلك اللون أنكر وقال ما أمرت بهذا فعرضت عليه الرقعة ملحقا فيها خط الشافعي فلما وقعت عينه على خطه فرح بذلك وأعتق الجارية سرورا باقتراح الشافعي عليه وقال أبو بكر الكتاني دخلت على السرى فجاء بفتيت وأخذ يجعل نصفه في القدح فقلت له أي شيء تعمل وأنا أشربه كله في مرة واحدة فضحك وقال هذا أفضل لك من حجة وقال بعضهم الأكل على ثلاثة أنواع مع الفقراء بالإيثار ومع الإخوان بالانبساط ومع أبناء الدنيا بالأدب.
الأدب الثالث : أن يشهى المزور أخاه الزائر ويلتمس منه الاقتراح مهما كانت نفسه طيبة بفعل ما يقترح فذلك حسن وفيه أجر وفضل جزيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صادف من أخيه شهوة غفر له ومن سر أخاه المؤمن فقد سر الله تعالى حديث من صادف من أخيه شهوة غفر الله له ومن سر أخاه المؤمن فقد سر الله عز وجل أخرجه البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء من وافق من أخيه شهوة غفر له قال ابن الجوزي حديث موضوع وروى ابن حبان والعقيلي في الضعفاء من حديث أبي بكر الصديق من سر مؤمنا فإنما سر الله الحديث قال العقيلي باطل لا أصل له وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر من لذذ أخاه بما يشتهي كتب الله له ألف ألف حسنة ومحى عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة وأطعمه الله من ثلاث جنات جنة الفردوس وجنة عدن وجنة الخلد حديث جابر من لذذ أخاه بما يشتهي كتب الله له ألف ألف حسنةالحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات من رواية محمد بن نعيم عن ابن الزبير عن جابر وقال أحمد بن حنبل هذا باطل كذب. الأدب الرابع : أن لا يقول له هل أقدم لك طعاما بل ينبغي أن يقدم إن كان قال الثوري إذا زارك أخوك فلا تقل له أتأكل أو أقدم إليك ولكن قدم فإن أكل وإلا فارفع وإن كان يريد أن يطعمهم طعاما فلا ينبغي أن يظهرهم عليه أو يصفه لهم قال الثوري إذا أردت أن لا تطعم عيالك مما تأكله فلا تحدثهم به ولا يرونه معك وقال بعض الصوفية إذا دخل عليكم الفقراء فقدموا إليهم طعاما وإذا دخل الفقهاء فسلوهم عن مسألة فإذا دخل القراء فدلوهم على المحراب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 4:11 am


الباب الرابع

في آداب الضيافة ومظان الآداب فيها ستة :
الدعوة أولا ثم الإجابة ثم الحضور ثم تقديم الطعام ثم الأكل ثم الانصراف .
ولنقدم على شرحها إن شاء الله تعالى.
فضيلة الضيافة : قال صلى الله عليه وسلم لا تكلفوا للضيف فتبغضوه فإنه من أبغض الضيف فقد أبغض الله ومن أبغض الله أبغضه الله حديث لا تتكلفوا للضيف فتبغضوه فإنه من أبغض الضيف فقد أبغض الله ومن أبغض الله أبغضه الله أخرجه أبو بكر ابن لال في مكارم الأخلاق من حديث سلمان لا يتكلفن أحد لضيفه ما لا يقدر عليه وفيه محمد بن الفرج الأزرق متكلم فيه وقال صلى الله عليه وسلم لا خير فيمن لا يضيف حديث لا خير فيمن لا يضيف أخرجه أحمد من حديث عقبة بن عامر وفيه ابن لهيعة ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل له إبل وبقر كثيرة فلم يضيفه ومر بامرأة لها شويهات فذبحت له فقال صلى الله عليه وسلم انظروا إليهما إنما هذه الأخلاق بيد الله فمن شاء أن يمنحه خلقا حسنا فعل حديث مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل له إبل وبقر كثيرة فلم يضفه ومر بامرأة لها شويهات فذبحت لهالحديث أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من رواية أبي المنهال مرسلا وقال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه نزل به صلى الله عليه وسلم ضيف فقال قل لفلان اليهودي نزل بي ضيف فأسلفني شيئا من الدقيق إلى رجب فقال اليهودي والله ما أسلفه إلا برهن فأخبرته فقال والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو أسلفني لأديته فاذهب بدرعي وارهنه عنده حديث أبي رافع أنه نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فقال قل لفلان اليهودي نزل بي ضيف فأسلفني شيئا من الدقيق إلى رجبالحديث رواه إسحاق بن راهويه في مسنده والخرائطي في مكارم الأخلاق وابن مردويه في النفير بإسناد ضعيف وكان إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وسلامه إذا أراد أن يأكل خرج ميلا أو ميلين يلتمس من يتغدى معه وكان يكنى أبا الضيفان ولصدق نيته فيه دامت ضيافته في مشهده إلى يومنا هذا فلا تنقضي ليلة إلا ويأكل عنده جماعة من بين ثلاثة إلى عشرة إلى مائة وقال قوام الموضع إنه لن يخل إلى الآن ليلة عن ضيف وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الإيمان فقال إطعام الطعام وبذل السلام حديث سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الإيمان قال إطعام الطعام وبذل السلام متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ أي الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقري السلام على من عرفت ومن لم تعرف وقال صلى الله عليه وسلم في الكفارات والدرجات إطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام حديث قال صلى الله عليه وسلم في الكفارات والدرجات إطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام أخرجه الترمذي وصححه والحاكم من حديث معاذ وقد تقدم بعضه في الباب الرابع من الأذكار وهو حديث اللهم إني أسألك فعل الخيرات وسئل عن الحج المبرور فقال إطعام الطعام وطيب الكلام حديث سئل عن الحج المبرور فقال إطعام الطعام وطيب الكلام تقدم في الحج وقال أنس رضي الله عنه كل بيت لا يدخله ضيف لا تدخله الملائكة والأخبار الواردة في فضل الضيافة والإطعام لا تحصى فلنذكر آدابها.

أما الدعوة : فينبغي للداعي أن يعمد بدعوته الأتقياء دون الفساق قال صلى الله عليه وسلم أكل طعامك الأبرار حديث أكل طعامكم الأبرار أخرجه أبو داود من حديث أنس بإسناد صحيح في دعائه لبعض من دعا له وقال صلى الله عليه وسلم لا تأكل إلا طعام تقي ولا يأكل طعامك إلا تقي حديث لا تأكل إلا طعام تقي ولا يأكل طعامك إلا تقي تقدم في الزكاة ويقصد الفقراء دون الأغنياء على الخصوص قال صلى الله عليه وسلم شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء دون الفقراء حديث شر الطعام طعام الوليمةالحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وينبغي أن لا يهمل أقاربه في ضيافته فإن إهمالهم إيحاش وقطع رحم وكذلك يراعي الترتيب في أصدقائه ومعارفه فإن في تخصيص البعض إيحاشا لقلوب الباقين وينبغي أن لا يقصد بدعوته المباهاة والتفاخر بل استمالة قلوب الإخوان والتسنن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إطعام الطعام وإدخال السرور على قلوب المؤمنين وينبغي أن لا يدعو من يعلم أنه يشق عليه الإجابة وإذا حضر تأذى بالحاضرين بسبب من الأسباب وينبغي أن لا يدعو إلا من يحب إجابته قال سفيان من دعا أحدا إلى طعام وهو يكره الإجابة فعليه خطيئة فإن أجاب المدعو فعليه خطيئتان لأنه حمله على الأكل مع كراهة ولو علم ذلك لما كان يأكله وإطعام التقي إعانة على الطاعة وإطعام الفاسق تقوية على الفسق قال رجل خياط لابن المبارك أنا أخيط ثياب السلاطين فهل تخاف أن أكون من أعوان الظلمة قال لا إنما أعوان الظلمة من يبيع منك الخيط والإبرة أما أنت فمن الظلمة نفسهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 4:11 am



وأما الإجابة : فهي سنة مؤكدة وقد قيل بوجوبها في بعض المواضع قال صلى الله عليه وسلم لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت حديث لو دعيت إلي كراع لأجبت ولو أهدى إلي ذراع لقبلت أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة .
وللإجابة خمسة آداب :
الأول : أن لا يميز الغني بالإجابة عن الفقير فذلك هو التكبر المنهي عنه ولأجل ذلك امتنع بعضهم عن أصل الإجابة وقال انتظار المرقة ذل وقال آخر إذا وضعت يدي في قصعة غيري فقد ذلت له رقبتي ومن المتكبرين من يجيب الأغنياء دون الفقراء وهو خلاف السنة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة العبد ودعوة المسكين حديث كان يجيب دعوة العبد ودعوة المسكين أخرجه الترمذي وابن ماجة من حديث أنس دون ذكر المسكين ضعفه الترمذي وصححه الحاكم ومر الحسن بن علي رضي الله عنهما بقوم من المساكين الذين يسألون الناس على الطريق وقد نشروا كسرا على الأرض في الرمل وهم يأكلون وهو على بغلته فسلم عليهم فقالوا له هلم إلى الغداء يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم إن الله لا يحب المستكبرين فنزل وقعد معهم على الأرض وأكل ثم سلم عليهم وركب وقال قد أجبتكم فأجيبوني قالوا نعم فوعدهم وقتا معلوما فحضروا فقدم إليهم فاخر الطعام وجلس يأكل معهم وأما قول القائل إن من وضعت يدي في قصعته فقد ذلت له رقبتي فقد قال بعضهم هذا خلاف السنة وليس كذلك فإنه ذل إذا كان الداعي لا يفرح بالإجابة ولا يتقلد منة وكان يرى ذلك يدا له على المدعو ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحضر لعلمه أن الداعي له يتقلد منة ويرى ذلك شرفا وذخرا لنفسه في الدنيا والآخرة فهذا يختلف باختلاف الحال فمن ظن به أنه يستثقل الإطعام وإنما يفعل ذلك مباهاة أو تكلفا فليس من السنة إجابته حديث ليس من السنة إجابة من يطعم مباهاة أو تكلفا أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتبارين قال أبو داود من رواه عن جرير لم يذكر فيه ابن عباس وللعقيلي في الضعفاء نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن طعام المتباهيين والمتباريان المتعارضان بفعلهما للمباهاة والرياء قاله أبو موسى المديني بل الأولى التعلل ولذلك قال بعض الصوفية لا تجب إلا دعوة من يرى أنك أكلت رزقك وأنه سلم إليك وديعة كانت لك عنده ويرى لك الفضل عليه في قبول تلك الوديعة منه وقال سرى السقطي رحمه الله آه على لقمة ليس على الله فيها تبعة ولا لمخلوق فيها منة فإذا علم المدعو أنه لا منة في ذلك فلا ينبغي أن يرد وقال أبو تراب النخشي رحمة الله عليه عرض على طعام فامتنعت فابتليت بالجوع أربعة عشر يوما فعلمت أنه عقوبته وقيل لمعروف الكرخي رضي الله عنه كل من دعاك تمر إليه فقال أنا ضيف أنزل حيث أنزلوني.
الثاني : أنه لا ينبغي أن يمتنع عن الإجابة لبعد المسافة كما لا يمتنع لفقر الداعي وعدم جاهه بل كل مسافة يمكن احتمالها في العادة لا ينبغي أن يمتنع لآجل ذلك يقال في التوراة أو بعض الكتب سر ميلا عد مريضا سر ميلين شيع جنازة سر ثلاثة أميال أجب دعوة سر أربعة أميال زر أخا في الله ولإنما قدم إجابة الدعوة والزيارة لأن فيه قضاء حق الحي فهو أولى من الميت وقال صلى الله عليه وسلم لو دعيت إلى كراع بالغميم لأجبت حديث لو دعيت إلى كراع بالغميم لأجبت ذكر الغميم فيه ليعرف والمعروف لو دعيت إلى كراع كما تقدم قبله بثلاثة أحاديث ويرد هذه الزيادة ما رواه الترمذي من حديث أنس لو أهدي إلي كراع لقبلت وهو موضع على أميال من المدينة أفطر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان حديث إفطاره صلى الله عليه وسلم في رمضان لما بلغ كراع الغميم رواه مسلم من حديث جابر في عام الفتح لما بلغه وقصر عنده في سفره حديث قصره صلى الله عليه وسلم في سفره عند كراع الغميم لم أقف له على أصل وللطبراني في الصغير من حديث ابن عمر كان يقصر الصلاة بالعقيق يريد إذا بلغه وهذا يرد الأول لأن بين العقيق وبين المدينة ثلاثة أميال أو أكثر وكراع الغميم بين مكة وعسفان والله أعلم .
الثالث : أن لا يمتنع لكونه صائما بل يحضر فإن كان يسر أخاه إفطاره فليفطر وليحتسب في إفطاره بنية إدخال السرور على قلب أخيه ما يحتسب في الصوم وأفضل وذلك في صوم التطوع وإن لم يتحقق سرور قلبه فليصدقه بالظاهر وليفطر وإن تحقق انه متكلف فليتعلل وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن امتنع بعذر الصوم تكلف لك أخوك وتقول إني صائم حديث وقال لمن امتنع بعذر الصوم تكلف لك أخوك وتقول إني صائم أخرجه البيهقي من حديث أبي سعيد الخدري صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما وأتاني هو وأصحابه فلما وضع الطعام قال رجل من القوم إني صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاكم أخوكم وتكلف لكمالحديث وللدارقطني نحوه من حديث جابر وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما من أفضل الحسنات إكرام الجلساء بالإفطار فالإفطار عبادة بهذه النية وحسن خلق فثوابه فوق ثواب الصوم ومهما لم يفطر فضيافته الطيب والمجمرة والحديث الطيب وقد قيل الكحل والدهن أحد القراءين .
الرابع : أن يمتنع من الإجابة إن كان الطعام طعام شبهة أو الموضع أو البساط المفروش من غير حلال أو كان يقام في الموضع منكر من فرش ديباج أو إناء فضة أو تصوير حيوان على سقف أو حائط أو سماع شيء من المزامير والملاهي أو التشاغل بنوع من اللهو والعزف والهزل واللعب واستماع الغيبة والنميمة والزور والبهتان والكذب وشبه ذلك مما يمنع الإجابة واستحبابها ويوجب تحريمها أو كراهيتها وكذلك إذا كان الداعي ظالما أو مبتدعا أو فاسقا أو شريرا أو متكلفا طلبا للمباهاة والفخر .
الخامس : أن لا يقصد بالإجابة قضاء شهوة البطن فيكون عاملا في أبواب الدنيا بل يحسن نيته ليصير بالإجابة عاملا للآخرة وذلك بأن تكون نيته الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لو دعيت إلى كراع لأجبت وينوى الحذر من معصية الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم من لم يجب الداعي فقد عصى الله ورسوله حديث من لم يجب الداعي فقد عصى الله ورسوله متفق عليه من حديث أبي هريرة وينوي إكرام أخيه المؤمن اتباعا لقوله صلى الله عليه وسلم من أكرم أخاه المؤمن فكأنما أكرم الله حديث من أكرم أخاه المؤمن فإنما يكرم الله تعالى ذكره الأصفهاني في الترغيب والترهيب من حديث جابر والعقيلي في الضعفاء من حديث أبي بكر وإسنادهما ضعيف وينوي إدخال السرور على قلبه امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم من سر مؤمنا فقد سر الله حديث من سر مؤمنا فقد سر الله تقدم في الباب قبله وينوي مع ذلك زيارته ليكون من المتاحبين في الله إذ شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه التزاور والتباذل لله حديث وجبت محبتي للمتزاورين في والمتباذلين في أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ولم يذكر المصنف هذاالحديث وإنما أشار إليه وقد حصل البذل من أحد الجانبين فتحصل الزيارة من جانبه أيضاوينوي صيانة نفسه عن أن يساء به الظن في امتناعه ويطلق اللسان فيه بأن يحمل على تكبر أو سوء خلق أو اسحتقار أخ مسلم أو ما يجري مجراه فهذه ست نيات تلحق إجابته بالقربات آحادها فكيف مجموعها وكان بعض السلف يقول أنا أحب أن يكون لي في كل عمل نية حتى في الطعام والشراب وفي مثل هذا قال صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه حديث الأعمال بالنيات متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب والنية إنما تؤثر في المباحات والطاعات أما المنهيات فلا فإنه لو نوى أن يسر إخوانه بمساعدتهم على شرب الخمر أو حرام آخر لم تنفع النية ولم يجز أن يقال الأعمال بالنيات بل لو قصد بالغزو الذي هو طاعة المباهاة وطلب المال انصرف عن جهة الطاعة وكذلك المباح المردد بين وجوه الخيرات وغيرها يلتحق بوجوه الخيرات بالنية فتؤثر النية في هذين القسمين لا في القسم الثالث.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 4:12 am


وأما الحضور : فأدبه أن يدخل الدار ولا يتصدر فيأخذ أحسن الأماكن بل يتواضع ولا يطول الانتظار عليهم ولا يعجل بحيث يفاجئهم قبل تمام الاستعداد ولا يضيق المكان على الحاضرين بالزحمة بل إن أشار إليه صاحب المكان بموضع لا يخالفه ألبتة فإنه قد يكون رتب في نفسه موضع كل واحد فمخالفته تشوش عليه وإن أشار إليه بعض الضيفان بالارتفاع إكراما فليتواضع قال صلى الله عليه وسلم إن من التواضع لله الرضا بالدون من المجلس حديث إن من التواضع لله الرضا بالدون من المجلس أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق وأبو نعيم في رياضة المتعلمين من حديث طلحة بن عبيد بسند جيد ولا ينبغي أن يجلس في مقابلة باب الحجرة التي للنساء وسترهم ولا يكثر النظر إلى الموضع الذي يخرج منه الطعام فإنه دليل على الشره ويخص بالتحية والسؤال من يقرب منه إذا جلس وإذا دخل ضيف للمبيت فليعرفه صاحب المنزل عند الدخول القبلة وبيت الماء وموضع الوضوء كذلك فعل مالك بالشافعي رضي الله عنهما وغسل مالك يده قبل الطعام قبل القوم وقال الغسل قبل الطعام لرب البيت أول لأنه يدعو الناس إلى كرمه فحكمه أن يتقدم بالغسل وفي آخر الطعام يتأخر بالغسل لينتظر أن يدخل من يأكل فيأكل معه وإذا دخل فرأى منكرا غيره إن قدر وإلا أنكر بلسانه وانصرف والمنكر فرش الديباج واستعمال أواني الفضة والذهب والتصوير على الحيطان وسماع الملاهي والمزامير وحضور النسوة المتكشفات الوجوه وغير ذلك من المحرمات حتى قال أحمد رحمه الله إذا رأى مكحلة رأسها مفضض ينبغي أن يخرج ولم يأذن في الجلوس إلا في ضبة وقال إذا رأى كلة فينبغي أن يخرج فإن ذلك تكلف لا فائدة فيه ولا تدفع حرا ولا بردا ولا تستر شيئا وكذلك قال يخرج إذا رأى حيطان البيت مستورة بالديباج كما تستر الكعبة وقال إذا اكترى بيتا فيه صورة أو دخل الحمام ورأى صورة فينبغي أن يحكها فإن لم يقدر خرج وكل ما ذكره صحيح وإنما النظر في الكلة وتزيين الحيطان بالديباج فإن ذلك لا ينتهي إلى التحريم إذ الحرير يحرم على الرجال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها حديث هذان حرامان على ذكور أمتي أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث علي وفيه أبو أفلح الهمداني جهله ابن القطان والنسائي والترمذي وصححه من حديث أبي موسى بنحوه قلت الظاهر انقطاعه بين سعيد بن أبي هند وأبي موسى فأدخل أحمد بينهما رجلا لم يسم وما على الحائط ليس منسوبا إلى الذكور ولو حرم هذا لحرم تزيين الكعبة بل الأولى إباحته لموجب قوله قل من حرم زينة الله لا سيما في وقت الزينة إذا لم يتخذ عادة للتفاخر وإن تخيل أن الرجال ينتفعون بالنظر إليه ولا يحرم على الرجال الانتفاع بالنظر إلى الديباج مهما لبسه الجواري والنساء والحيطان في معنى النساء إذ لسن موصوفات بالذكورة.

وأما إحضار الطعام فله آداب خمسة :
الأول : تعجيل الطعام فذلك من إكرام الضيف وقد قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه حديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه متفق عليه من حديث أبي سريج ومهما حضر الأكثرون وغاب واحد أو اثنان وتأخروا عن الوقت الموعود فحق الحاضر في التعجيل أولى من حق أولئك في التأخير إلا أن يكون المتأخر فقيرا أو ينكسر قلبه بذلك فلا بأس في التأخير وأحد المعنيين في قوله تعالى هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين أنهم أكرموا بتعجيل الطعام إليهم دل عليه قوله تعالى فما لبث أن جاء بعجل حنيذ وقوله فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين والروغان الذهاب بسرعة وقيل في خفية وقيل جاء بفخذ من لحم وإنما سمى عجلا لأنه عجله ولم يلبث قال حاتم الأصم العجلة من الشيطان إلا في خمسة فإنها من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إطعام الضيف وتجهيز الميت وتزويج البكر وقضاء الدين والتوبة من الذنب حديث حاتم الأصم العجلة من الشيطان إلا في خمسة فإنها من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إطعام الطعام وتجهيز الميت وتزويج البكر وقضاء الدين والتوبة من الذنب أخرجه الترمذي من حديث سهل بن سعد الأناة من الله والعجلة من الشيطان وسنده ضعيف وأما الاستثناء فروى أبو داود من حديث سعد بن أبي وقاص التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة قال الأعمش لا أعلم إلا أنه رفعه وروى المزي في التهذيب في ترجمة محمد بن موسى بن نفيع عن مشيخة من قومه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأناة في كل شيء إلا في ثلاث إذا صيح في خيل الله وإذا نودي بالصلاة وإذا كانت الجنازةالحديث مرس والترمذي من حديث علي ثلاثة لا تؤخرها الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت كفؤا وسنده حسن ويستحب التعجيل في الوليمة قيل الوليمة في أول يوم سنة وفي الثاني معروف وفي الثالث رياء .
الثاني : ترتيب الأطعمة بتقديم الفاكهة أولا إن كانت فذلك أوفق في الطب فإنها أسرع استحالة فينبغي أن تقع في أسفل المعدة وفي القرآن تنبيه على تقديم الفاكهة في قوله تعالى وفاكهة مما يتخيرون ثم قال ولحم طير مما يشتهون ثم أفضل ما يقدم بعد الفاكهة اللحم والثريد فقد قال صلى الله عليه وسلم فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام فإن جمع إليه حلاوة بعده فقد جمع الطيبات ودل على حصول الإكرام باللحم قوله تعالى في ضيف إبراهيم إذ أحضر العجل الحنيذ أي المحنوذ وهو الذي أجيد نضجه وهو أحد معنى الإكرام أعني تقديم اللحم وقال تعالى في وصف الطيبات وأنزلنا عليكم المن والسلوى المن العسل والسلوى اللحم سمي سلوى لأنه يتسلى به عن جميع الإدام ولا يقوم غيره مقامه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم سيد الإدام اللحم ثم قال بعد ذكر المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم فاللحم والحلاوة من الطيبات قال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه أكل الطيبات يورث الرضا عن الله وتتم هذه الطيبات بشرب الماء البارد وصب الماء الفاتر على اليد عند الغسل قال المأمون شرب الماء بثلج يخلص الشكر وقال بعض الأدباء إذا دعوت إخوانك فأطعمتهم حصرمية وبورانية وسقيتهم ماء باردا فقد أكملت الضيافة وأنفق بعضهم دراهم في ضيافة فقال بعض الحكماء لم نكن نحتاج إلى هذا إذا كان خبزك جيدا وماؤك باردا وخلك حامضا فهو كفاية وقال بعضهم الحلاوة بعد الطعام خير من كثرة الألوان والتمكن على المائدة خير من زيادة لونين ويقال إن الملائكة تحضر المائدة إذا كان عليها بقل فذلك أيضا مستحب ولما فيه من التزين بالخضرة وفي الخبر إن المائدة التي أنزلت على بني إسرائيل كان عليها من كل البقول إلا الكراث وكان عليها سمكة عند رأسها خل وعند ذنبها ملح وسبعة أرغفة على كل رغيف زيتون وحب رمان فهذا إذا اجتمع حسن للموافقة. الثالث : أن يقدم من الألوان ألطفها حتى يستوفي منها من يريد ولا يكثر الأكل بعده وعادة المترفين تقديم الغليظ ليستأنف حركة الشهوة بمصادفة اللطيف بعده وهو خلاف السنة فإنه حيلة في استكثار الأكل وكان من سنة المتقدمين أن يقوموا جملة الألوان دفعة واحدة ويصففون القصاع من الطعام على المائدة ليأكل كل واحد مما يشتهي وإن لم يكن عنده إلا لون واحد ذكره ليستوفوا منه ولا ينتظروا أطيب منه ويحكى عن بعض أصحاب المروءات أنه كان يكتب نسخة بما يستحضر من الألوان ويعرض على الضيفان وقال بعض الشيوخ قدم إلى بعض المشايخ لونا بالشام فقلت عندنا بالعراق إنما يقدم هذا آخرا فقال وكذا عندنا بالشام ولم يكن له لون غيره فخجلت منه وقال آخر كنا جماعة في ضيافة فقدم إلينا ألوان من الرءوس المشوية طبيخا وقديدا فكنا لا نأكل ننتظر بعدها لونا أو حملا فجاءنا بالطست ولم يقدم غيرها فنظر بعضنا إلى بعض فقال بعض الشيوخ وكان مزاحا إن الله تعالى يقدر أن يخلق رءوسا بلا أبدان قال وبتنا تلك الليلة جياعا نطلب فتيتا إلى السحور فلهذا يستحب أن يقدم الجميع أو يخبر بما عنده .
الرابع : أن لا يبادر إلى رفع الألوان قبل تمكنهم من الاستيفاء حتى يرفعوا الأيدي عنها فلعل منهم من يكون بقية ذلك اللون أشهى عنده مما استحضروه أو بقيت فيه حاجة إلى الأكل فيتنغض عليه بالمبادرة وهي من التمكن على المائدة التي يقال إنها خير من لونين فيحتمل أن يكون المراد به قطع الاستعجال ويحتمل أن يكون أراد به سعة المكان حكى عن الستوري وكان صوفيا مزاحا فحضر عند واحد من أبناء الدنيا على مائدة فقدم إليهم حمل وكان صاحب المائدة بخل فلما رأى القوم مزقوا الحمل كل ممزق ضاق صدره وقال يا غلام ارفع إلى الصبيان فرفع الحمل إلى داخل الدار فقام الستوري يعدو خلف الحمل فقيل له إلى أين فقال آكل مع الصبيان فاستحيا الرجل وأمر برد الحمل ومن هذا الفن أن لا يرفع صاحب المائدة يده قبل القوم فإنهم يستحيون بل ينبغي أن يكون آخرهم أكلا كان بعض الكرام يخبر القوم بجميع الألوان ويتركهم يستوفون فإذا قاربوا الفراغ جثا على ركبتيه ومد يده إلى الطعام وأكل وقال بسم الله ساعدوني بارك الله فيكم وعليكم وكان السلف يستحسنون ذلك منه. الخامس : أن يقدم من الطعام قدر الكفاية فإن التقليل عن الكفاية نقص في المروءة والزيادة عليه تصنع ومراءاة لا سيما إذا كانت نفسه لا تسمح بان يأكلوا الكل إلا أن يقدم الكثير وهو طيب النفس لو أخذوا الجميع ونوى أن يتبرك بفضلة طعامهم إذ في الحديث لا يحاسب عليه أحضر إبراهيم بن أدهم رحمه الله طعاما كثيرا على مائدته فقال له سفيان يا أبا إسحاق أما تخاف أن يكون هذا سرفا فقال إبراهيم ليس في الطعام سرف فإن لم تكن هذه النية فالتكثير تكلف قال ابن مسعود رضي الله عنه نهينا أن نجيب دعوة من يباهي بطعامه وكره جماعة من الصحابة أكل طعام المباهاة ومن ذلك كان لا يرفع من بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلة طعام قط لأنهم كانوا لا يقدمون إلا قدر الحاجة ولا يأكلون تمام الشبع وينبغي أن يعزل أولا نصيب أهل البيت حتى لا تكون أعينهم طامحة إلى رجوع شيء منه فلعله لا يرجع فتضيق صدورهم وتنطلق في الضيفان ألسنتهم ويكون قد أطعم الضيفان ما يتبعه كراهية قوم وذلك خيانة في حقهم وما بقي من الأطعمة فليس للضيفان أخذه وهو الذي تسميه الصوفية الزلة إلا إذا صرح صاحب الطعام بالإذن فيه عن قلب راض أو علم ذلك بقرينة حاله وأنه يفرح به فإن كان يظن كراهيته فلا ينبغي أن يؤخذ وإذا علم رضاه فينبغي مراعاة العدل والنصفة مع الرفقاء فلا ينبغي أن يأخذ الواحد إلا ما يخصه أو ما يرضى به رفيقه عن طوع لا عن حياء .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 4:13 am


فأما الانصراف فله ثلاثة آداب :
الأول : أن يخرج مع الضيف إلى باب الدار وهو سنة وذلك من إكرام الضيف وقد أمر بإكرامه قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه وقال صلى الله عليه وسلم إن من سنة الضيف أن يشيع إلى باب الدار قال أبو قتادة قدم وفد النجاشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يخدمهم بنفسه فقال له أصحابه نحن نكفيك يا رسول الله فقال كلا إنهم كانوا لأصحابي مكرمين وأنا أحب أن أكافئهم وتمام الإكرام طلاقة الوجه وطيب الحديث عند الدخول والخروج وعلى المائدة قيل للأوزاعي رضي الله عنه ما كرامة الضيف قال طلاقة الوجه وطيب الحديث وقال يزيد بن أبي زياد ما دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى إلا حدثنا حديثا حسنا وأطعمنا طعاما حسنا .
الثاني : أن ينصرف الضيف طيب النفس وإن جرى في حقه تقصير فذلك من حسن الخلق والتواضع قال صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ودعى بعض السلف برسول فلم يصادفه الرسول فلما سمع حضر وكانوا قد تفرقوا وفرغوا وخرجوا فخرج إليه صاحب المنزل وقال قد خرج القوم فقال هل بقي بقية قال لا قال فكسرة إن بقيت قال لم تبق قال فالقدر أمسحها قال قد غسلتها فانصرف يحمد الله تعالى فقيل له في ذلك فقال قد أحسن الرجل دعانا بنية وردنا بنية فهذا هو معنى التواضع وحسن الخلق وحكى أن أستاذ أبي القاسم الجنيد دعاه صبي إلى دعوة أبيه أربع مرات فرده الأب في المرات الأربع وهو يرجع في كل مرة تطييبا لقلب الصبي بالحضور ولقلب الأب بالانصراف فهذه نفوس قد ذللت بالتواضع لله تعالى واطمأنت بالتوحيد وصارت تشاهد في كل رد وقبول عبرة فيما بينها وبين ربها فلا تنكسر بما يجري من العباد من الإذلال كما لا تستبشر بما يجري منهم من الإكرام بل يرون الكل من الواحد القهار ولذلك قال بعضهم أنا لا أجيب الدعوة إلا لأني أتذكر بها طعام الجنة أي هو طعام طيب يحمل عنا كده ومؤنته وحسابه.
الثالث : أن لا يخرج إلا برضا صاحب المنزل وإذنه ويراعي قلبه في قدر الإقامة وإذا نزل ضيفا فلا يزيد على ثلاثة أيام فربما يتبرم به ويحتاج إلى إخراجه قال صلى الله عليه وسلم الضيافة ثلاثة أيام فما زاد فصدفة حديث الضيافة ثلاثة أيام فما زاد فصدفة متفق عليه من حديث أبي شريح الخزاعي نعم لو ألح رب البيت عليه عن خلوص قلب فله المقام إذ ذاك ويستحب أن يكون عنده فراش للضيف النازل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فراش للرجل وفراش للمرأة وفراش للضيف والرابع للشيطان حديث فراش للرجل وفراش للمرأة وفراش للضيف والرابع للشيطان أخرجه مسلم من حديث جابر فصل يجمع آدابا ومناهي طيبة وشرعية متفرقة الأول حكى عن إبراهيم النخعي أنه قال الأكل في السوق دناءة حديث الأكل في السوق دناءة أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة وهو ضعيف ورواه ابن عدي في الكامل من حديثه وحديث أبي هريرة وأسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده قريب وقد نقل ضده عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال كنا نأكل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام حديث ابن عمر كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان ورؤي بعض المشايخ من المتصوفة المعروفين يأكل في السوق فقيل له في ذلك فقال ويحك أجوع في السوق وآكل في البيت فقيل تدخل المسجد قال أستحي أن أدخل بيته للأكل فيه ووجه الجمع أن الأكل في السوق تواضع وترك تكلف من بعض الناس فهو حسن وخرق مروءة من بعضهم فهو مكروه وهو مختلف بعادات البلاد وأحوال الأشخاص فمن لا يليق ذلك بسائر أعماله حمل ذلك على قلةالمروءة وفرط الشره ويقدح ذلك في الشهادة ومن يليق ذلك بجميع أحواله وأعمالهفي ترك التكلف كان ذلك منه تواضعا الثاني قال علي رضي الله عنه من ابتدأ غذاءه بالملح أذهب الله عنه سبعين نوعا من البلاء ومن أكل في يوم سبع تمرات عجوة قتلت كل دابة في بطنه ومن أكل كل يوم إحدى وعشرين زبيبة حمرا لم ير في جسده شيئا يكرهه واللحم ينبت اللحم والثريد طعام العرب والبسقارجات تعظم البطن وترخي الأليتين ولحم البقر داء ولبنها شفاء وسمنها دواء والشحم يخرج مثله من الداء ولن تستشفى النفساء بشيء أفضل من الرطب والسمك يذيب الجسد وقراءة القرآن والسواك يذهبان البلغم ومن أراد البقاء ولا بقاء فليباكر بالغداء وليكرر العشاء وليلبس الحذاء ولن يتداوى الناس بشيء مثل السمن وليقل غشيان النساء وليخف الرداء وهو الدين الثالث قال الحجاج لبعض الأطباء صف لي صفة آخذ بها ولا أعدوها قال لا تنكح من النساء إلا فتاة ولا تأكل من اللحم إلا فتيا ولا تأكل المطبوخ حتى يتم نضجه ولا تشربن دواء إلا من علة ولا تأكل من الفاكهة إلا نضيجها ولا تأكلن طعاما إلا أجدت مضغه وكل ما أحببت من الطعام ولا تشربن عليه فإذا شربت فلا تأكلن عليه شيئا ولا تحبس الغائط والبول وإذا أكلت بالنهار فنم وإذا أكلت بالليل فامش قبل أن تنام ولو مائة خطوة وفي معناه قول العرب تغد تمد تعش تمش يعني تمدد كما قال الله تعال ثم ذهب إلى أهله يتمطى أي يتمطط ويقال إن حبس البول يفسد الجسد كما يفسد النهر ما حوله إذا سد مجراه.
الرابع في الخبر قطع العروق مسقمة وترك العشاء مهرمة حديث قطع العروق مسقمة وترك العشاء مهرمة أخرجه ابن عدي في الكامل من حديث عبد الله بن جراد بالشطر الأول والترمذي من حديث أنس بالشطر الثاني وكلاهما ضعيف وروى ابن ماجه الشطر الثاني من حديث جابر والعرب تقول ترك الغداء يذهب بشحم الكاذة يعني الآلية وقال بعض الحكماء لابنه يا بني لا تخرج من منزلك حتى تأخذ حلمك أي تتغذى إذ به يبقى الحلم ويزول الطيش وهو أيضا أقل لشهوته لما يرى في السوق وقال حكيم لسمين أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك فمم هي قال من أكل لباب البر وصغار المعز وأدهن بجام بنفسج والبس الكتان الخامس الحمية تضر بالصحيح كما يضر تركها بالمريض هكذا قيل وقال بعضهم من احتمى فهو على يقين من المكروه وعلى شك من العوافي وهذا حسن في حال الصحة ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صهيبا يأكل تمرا وإحدى عينيه رمداء فقال أتأكل التمر وأنت رمد فقال يا رسول الله إنما آكل بالشق الآخر حديث رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صهيبا يأكل تمرا وإحدى عينيه رمدة فقال له أتأكل التمر وأنت رمد فقال إنما أمضغ بالشق الآخر فضحك صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن ماجه من حديث صهيب بإسناد جيد يعني جانب السليمة فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم السادس أنه يستحب أن يحمل طعام إلى أهل الميت ولما جاء نعي جعفر بن أبي طالب قال صلى الله عليه وسلم إن آل جعفر شغلوا بميتهم عن صنع طعامهم فاحملوا إليهم ما يأكلون حديث لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب قال صلى الله عليه وسلم إن آل جعفر شغلوا بميتهم عن طعامهم فاحملوا إليهم ما يأكلون أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن جعفر نحوه بسند حسن ولابن ماجه نحوه من حديث أسماء بنت عميس فذلك سنة وإذا قدم ذلك إلى الجمع حل الأكل منه ما يهيأ للنوائح والمعينات عليه بالبكاء والجزع فلا ينبغي أن يؤكل معهم السابع لا ينبغي أن يحضر طعام ظالم فإن أكره فليقلل الأكل ولا يقصد الطعام الأطيب رد بعض المزكين شهادة من حضر طعام سلطان فقال كنت مكرها فقال رأيتك تقصد الأطيب وتكبر اللقمة وما كنت مكرها عليه وأجبر السلطان هذا المزكي على الأكل فقال إما أن آكل وأخلي التزكية أو أزكي ولا آكل فلم يجدوا بدا من تزكيته فتركوه وحكي أن ذا النون المصري حبس ولم يأكل أياما في السجن فكانت له أخت في الله فبعثت إليه طعاما من مغزلها على يد السجان فامتنع فلم يأكل فعاتبته المرأة بعد ذلك فقال كان حلالا ولكن جاءني على طبق ظالم وأشار به إلى يد السجان وهذا غاية الورع الثامن حكي عن فتح الموصلي رحمه الله أنه دخل على بشر الحافي زائرا فأخرج بشر درهما فدفعه لأحمد الجلاء خادمه وقال اشتر به طعاما جيدا وأدما طيبا قال فاشتريت خبزا نظيفا وقلت لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لشيء اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه حديث اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه قاله عند شرب اللبن تقدم في آخر الباب الأول من آداب الأكل سوى اللبن فاشتريت اللبن واشتريت تمرا جيدا فقدمت إليه فأكل وأخذ الباقي فقال بشر أتدرون لم قلت اشتر طعاما طيبا لأن الطعام الطيب يستخرج خالص الشكر أتدرون لم لم يقل لي كل لأنه ليس للضيف أن يقول لصاحب الدار كل أتدرون لم حمل ما بقي لأنه إذا صح التوكل لم يضر الحمل وحكى أبو علي الروذباري رحمه الله تعالى أنه اتخذ ضيافة فأوقد فيها ألف سراج فقال له رجل قد أسرفت فقال له ادخل فكل ما أوقدته لغير الله فأطفئه فدخل الرجل فلم يقدر على إطفاء واحد منها فانقطع واشترى أبو علي الروذباري أحمالا من السكر وأمر الحلاويين حتى بنوا جدارا من السكر عليه شرف ومحاريب على أعمدة منقوشة كلها من سكر ثم دعا الصوفية حتى هدموها وانتهبوها التاسع قال الشافعي رضي الله عنه الأكل على أربعة أنحاء : الأكل بأصبع من المقت وبأصبعين من الكبر وبثلاث أصابع من السنة حديث الأكل بثلاث أصابع من السنة أخرجه مسلم من حديث كعب بن مالك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع وروى ابن الجوزي في العلل من حديث ابن عباس موقوفا كل بثلاث أصابع فإنه من السنة وبأربع وخمس من الشره وأربعة أشياء تقوى البدن : أكل اللحم وشم الطيب وكثرة الغسل من غير جماع ولبس الكتان وأربعة توهن البدن : كثرة الجماع وكثرة الهم وكثرة شرب الماء على الريق وكثرة أكل الحموضة واربعة تقوي البصر : الجلوس تجاه القبلة والكحل عند النوم والنظر إلى الخضرة وتنظيف الملبس وأربعة توهن البصر : النظر إلى القذر والنظر إلى المصلوب والنظر إلى فرج المرأة والقعود في استدبار القبلة وأربعة تزيد في الجماع : أكل العصافير وأكل الإطريفل الأكبر واكل الفستق وأكل الجرجير والنوم على أربعة أنحاء فنوم على القفا وهو نوم الأنبياء عليهم السلام يتفكرون في خلق السموات والأرض ونوم على اليمين وهو نوم العلماء والعباد ونوم على الشمال وهو نوم الملوك ليهضمهم طعامهم ونوم على الوجه وهو نوم الشياطين وأربعة تزيد في العقل : ترك الفضول من الكلام والسواك ومجالسة الصالحين والعلماء وأربعة هن من العبادة : لا يخطو خطوة إلا على وضوء وكثرة السجود ولزوم المساجد وكثرة قراءة القرآن وقال أيضا عجبت لمن يدخل الحمام على الريق ثم يؤخر الأكل بعد أن يخرج كيف لا يموت وعجبت لمن احتجم ثم يبادر الأكل كيف لا يموت وقال : لم أر شيئاانفع في الوباء من البنفسج يدهن به ويشرب والله اعلم بالصواب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 4:19 am



كتاب آداب النكاح

وهو الكتاب الثاني من ربع العادات من كتاب أحياء علوم الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لا تصادف سهام الأوهام في عجائب صنعه مجرى ولا ترجع العقول عن أوائل بدائعها إلا والهة حيرى ولا تزال لطائف نعمه على العالمين تترى فهي تتوالى عليهم اختيارا وقهرا ومن بدائع ألطافه أن خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وسلط على الخلق شهوة اضطرهم بها الحراثة جبرا واستبقى بهم نسلهم إقهارا وقسرا ثم عظم أمر الأنساب وجعل لها قدرا فحرم بسببها السفاح وبالغ في تقبيحه ردعا وزجرا وجعل اقتحامه جريمة فاحشة وأمر إمرا وندب إلى النكاح وحث عليه استحبابا وأمرا فسبحان من كتب الموت على عباده فأذلهم به هدما وكسرا ثم بث بذور النطف في أراضي الأرحام وأنشأ منها خلقا وجعله لكسر الموت جبرا تنبيها على أن بحار المقادير فياضة على العالمين نفعا وضرا وخيرا وشرا وعسرا ويسرا وطيا ونشرا والصلاة والسلام على محمد المبعوث بالإنذار والبشرى وعلى آله وأصحابه صلاة لا يستطيع لها الحساب عدا ولا حصرا وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد فإن النكاح معين على الدين ومهين للشياطين وحصن دون عدو الله حصين وسبب للتكثير الذي به مباهاة سيد المرسلين لسائر النبيين فما أحراه بان تتحرى أسبابه وتحفظ سننه وآدابه وتشرح مقاصده وآرابه وتفصل فصوله وأبوابه والقدر المهم من أحكامه ينكشف في ثلاثة أبواب:
• الباب الأول في الترغيب فيه وعنه
• الباب الثاني في الآداب المرعية في العقد والعاقدين
• الباب الثالث في آداب المعاشرة بعد العقد إلى الفراق

الباب الأول في الترغيب في النكاح والترغيب عنه
اعلم أن العلماء قد اختلفوا في فضل النكاح فبالغ بعضهم فيه حتى زعم أنه أفضل من التخلي لعبادة الله واعترف آخرون بفضله ولكن قدموا عليه التخلي لعبادة الله مهما لم تتق النفس إلى النكاح توقانا يشوش الحال ويدعو إلى الوقاع وقال آخرون الأفضل تركه في زماننا هذا وقد كان له فضيلة من قبل إذ لم تكن الأكساب محظورة وأخلاق النساء مذمومة ولا ينكشف الحق فيه إلا بأن نقدم أولا ما ورد من الأخبار والآثار في الترغيب فيه والترغيب عنه ثم نشرح فوائد النكاح وغوائله حتى يتضح منها فضيلة النكاح وتركه في حق كل من سلم من غوائله أو لم يسلم منها
الترغيب في النكاح أما من الآيات فقد قال تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم) وهذا أمر وقال تعالى (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) وهذا منع من العضل ونهي عنه وقال تعالى في وصف الرسل ومدحهم (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) فذكر ذلك في معرض الامتنان وإظهار الفضل ومدح أولياءه بسؤال ذلك في الدعاء فقال (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) الآية ويقال إن الله تعالى لم يذكر في كتابه من الأنبياء إلا المتأهلين فقالوا إن يحيى صلى الله عليه وسلم قد تزوج ولم يجامع قيل إنما فعل ذلك لنيل الفضل وإقامة السنة وقيل لغض البصر وأما عيسى عليه السلام فإنه سينكح إذا نزل الأرض ويولد له.
وأما الأخبار : فقوله صلى الله عليه وسلم (النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فقد رغب عني) وقال صلى الله عليه وسلم (النكاح سنتي فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي) وقال أيضا صلى الله عليه وسلم (تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط) وقال أيضا صلى الله عليه وسلم (من رغب عن سنتي فليس مني وإن من سنتي النكاح فمن أحبني فليستن بسنتي) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منا) وهذا ذم لعلة الامتناع لا لأصل الترك وقال صلى الله عليه وسلم (من كان ذا طول فليتزوج) وقال (من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لا فليصم فإن الصوم له وجاء) وهذا يدل على أن سبب الترغيب فيه خوف الفساد في العين والفرج والوجاء هو عبارة عن رض الخصيتين للفحل حتى تزول فحولته فهو مستعار للضعف عن الوقاع في الصوم وقال صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وهذا أيضا تعليل الترغيب لخوف الفساد وقال صلى الله عليه وسلم (من نكح لله وأنكح لله استحق ولاية الله) وقال صلى الله عليه وسلم (من تزوج فقد أحرز شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني) وهذا أيضا إشارة إلى أن فضيلته لأجل التحرز من المخالفة تحصنا من الفساد فكأن المفسد لدين المرء في الأغلب فرجه وبطنه وقد كفى بالتزويج أحدهما وقال صلى الله عليه وسلم (كل عمل ابن آدم ينقطع إلا ثلاث ولد صالح يدعو له) ولا يوصل إلى هذا إلا بالنكاح.
وأما الآثار فقال عمر رضي الله عنه (لا يمنع من النكاح إلا عجز أو فجور) فبين أن الدين غير مانع منه وحصر المانع في أمرين مذمومين وقال ابن عباس رضي الله عنهما (لا يتم نسك الناسك حتى يتزوج) يحتمل أن جعله من النسك وتتمة له ولكن الظاهر أنه أراد به أنه لا يسلم قلبه لغلبة الشهوة إلا بالتزويج ولا يتم النسك إلا بفراغ القلب ولذلك كان يجمع غلمانه لما أدركوا عكرمة وكريبا وغيرهما ويقول إن أردتم النكاح أنكحتكم فإن العبد إذا زنى نزع الإيمان من قلبه وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول (لو لم يبق من عمري إلا عشرة أيام لأحببت أن أتزوج لكيلا ألقى الله عزبا) ومات امرأتان لمعاذ بن جبل رضي الله عنه في الطاعون وكان هو أيضا مطعونا فقال (زوجوني فإني أكره أن ألقى الله عزبا) وهذا منهما يدل على أنهما رأيا في النكاح فضلا لا من حيث التحرز عن غائلة الشهوة وكان عمر رضي الله عنه يكثر النكاح ويقول ما أتزوج إلا لأجل الولد.
وكان بعض الصحابة قد انقطع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه ويبيت عنده لحاجة إن طرقته فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا تتزوج) فقال يا رسول الله (إني فقير لا شيء لي وأنقطع عن خدمتك) فسكت ثم عاد ثانيا فأعاد الجواب ثم تفكر الصحابي وقال والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم اعلم بما يصلحني في دنياي وآخرتي وما يقربني إلى الله مني ولئن قال لي الثالثة لأفعلن فقال له الثالثة (ألا تتزوج) قال فقلت يا رسول الله (زوجني) قال (اذهب إلى بني فلان فقل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني فتاتكم) قال فقلت (يا رسول الله لا شيء لي) فقال لأصحابه (اجمعوا لأخيكم وزن نواة من ذهب) فجمعوا له فذهبوا به إلى القوم فأنكحوه فقال له (أولم) وجمعوا له من الأصحاب شاة للوليمة. وهذا التكرير يدل على فضل في نفس النكاح ويحتمل أنه توسم فيه الحاجة إلى النكاح.
وحكى أن بعض العباد في الأمم السالفة فاق أهل زمانه في العبادة فذكر لنبي زمانه حسن عبادته فقال نعم الرجل هو لولا أنه تارك لشيء من السنة فاغتم العابد لما سمع ذلك فسأل النبي عن ذلك فقال أنت تارك للتزويج فقال لست أحرمه ولكني فقير وأنا عيال على الناس قال أنا أزوجك ابنتي فزوجه النبي عليه السلام ابنته.
وقال بشر بن الحرث فضل على أحمد بن حنبل بثلاث بطلب الحلال لنفسه ولغيره وأنا أطلبه لنفسي فقط ولاتساعه في النكاح وضيقي عنه ولأنه نصب إماما للعامة. ويقال إن أحمد رحمه الله تزوج في اليوم الثاني لوفاة أم ولده عبد الله وقال أكره أن أبيت عزبا وأما بشر فإنه لما قيل له إن الناس يتكلمون فيك لتركك النكاح ويقولون هو تارك للسنة فقال قولوا لهم هو مشغول بالفرض عن السنة وعوتب مرة أخرى فقال ما يمنعني من التزويج إلا قوله تعالى ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف فذكر ذلك لأحمد فقال وأين مثل بشر إنه قعد على مثل حد السنان ومع ذلك فقد روي انه رؤي في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال رفعت منازلي في الجنة وأشرف بي على مقامات الأنبياء ولم أبلغ منازل المتأهلين وفي رواية قال لي ما كنت أحب أن تلقاني عزبا قال فقلنا له ما فعل أبو نصر التمار فقال رفع فوقي بسبعين درجة قلنا بماذا فقد كنا نراك فوقه قال بصبره على بنياته والعيال.
وقال سفيان بن عيينة كثرة النساء ليست من الدنيا لأن عليا رضي الله عنه كان أزهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له أربع نسوة وسبع عشرة سرية فالنكاح سنة ماضية وخلق من أخلاق الأنبياء وقال رجل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله طوبى لك فقد تفرغت للعبادة بالعزوبة فقال لروعة منك بسبب العيال أفضل من جميع ما أنا فيه قال فما الذي يمنعك من النكاح فقال مالي حاجة في امرأة وما أريد أن أغر امرأة بنفسي.
وقد قيل فضل المتأهل على العزب كفضل المجاهد على القاعد وركعة من متأهل افضل من سبعين ركعة من عزب وأما ما جاء في الترهيب عن النكاح فقد قال صلى الله عليه وسلم (خير الناس بعد المائتين الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد) . وقال صلى الله عليه وسلم (يأتي على الناس زمان يكون هلاك الرجل على يد زوجته وأبويه وولده يعيرونه بالفقر ويكلفونه ما لا يطيق فيدخل المداخل التي يذهب فيها دينه فيهلك.) وفي الخبر قلة العيال أحد اليسارين وكثرتهم أحد الفقرين.
وسئل أبو سليمان الداراني عن النكاح فقال الصبر عنهن خير من الصبر عليهن والصبر عليهن خير من الصبر على النار وقال أيضا الوحيد يجد من حلاوة العمل وفراغ القلب ما لا يجد المتأهل وقال مرة ما رأيت أحدا من أصحابنا تزوج فثبت على مرتبته الأولى وقال أيضا ثلاث من طلبهن فقد ركن إلى الدنيا من طلب معاشا أو تزوج امرأة أو كتب الحديث.
وقال الحسن رحمه الله إذا أراد الله بعبد خيرا لم يشغله بأهل ولا مال. وقال ابن أبي الحوارى تناظر جماعة في هذا الحديث فاستقر رأيهم على انه ليس معناه أن لا يكونا له بل أن يكونا له ولا يشغلانه وهو إشارة إلى قول أبي سليمان الداراني ما شغلك عن الله من أهل ومال وولد فهو عليك مشئوم.
وبالجملة لم ينقل عن أحد الترغيب عن النكاح مطلقا إلا مقرونا بشرط وأما الترغيب في النكاح فقد ورد مطلقا ومقرونا بشرط.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 4:23 am


فلنكشف الغطاء عنه بحصر آفات النكاح وفوائده.
آفات النكاح وفوائده : وفيه فوائد خمسة:
1. الولد
2. وكسر الشهوة
3. وتدبير المنزل
4. وكثرة العشيرة
5. ومجاهدة النفس بالقيام بهن
الفائدة الأولى : الولد وهو الأصل وله وضع النكاح والمقصود إبقاء النسل وأن لا يخلو العالم عن جنس الأنس وانما الشهوة خلقت باعثة مستحثة كالموكل بالفحل في إخراج البذر وبالأنثى في التمكين من الحرث تلطفا بهما في السياقة إلى اقتناص الولد بسبب الوقاع كالتلطف بالطير في بث الحب الذي يشتهيه ليساق إلى الشبكة وكانت القدرة الأزلية غير قاصرة عن اختراع الأشخاص ابتداء من غير حراثة وازدواج ولكن الحكمة اقتضت ترتيب المسببات على الأسباب مع الاستغناء عنها إظهارا للقدرة وإتماما لعجائب الصنعة وتحقيقا لما سبقت به المشيئة وحقت به الكلمة وجرى به القلم.
وفي التوصل إلى الولد قربة من أربعة أوجه هي الأصل في الترغيب فيه عند الأمن من غوائل الشهوة حتى لم يحب أحدهم أن يلقى الله عزبا.
الأول موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان
والثاني طلب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكثير من مباهاته
والثالث طلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده
والرابع طلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبله.
أما الوجه الأول فهو أدق الوجوه وأبعدها عن أفهام الجماهير وهو أحقها وأقواها عند ذوي البصائر النافذة في عجائب صنع الله تعالى ومجاري حكمه وبيانه أن السيد إذا سلم إلى عبده البذر وآلات الحرث وهيأ له أرضا مهيأة للحراثة وكان العبد قادرا على الحراثة ووكل به من يتقاضاه عليها فإن تكاسل وعطل آلة الحرث وترك البذر ضائعا حتى فسد ودفع الموكل عن نفسه بنوع من الحيلة كان مستحقا للمقت والعتاب من سيده والله تعالى خلق الزوجين وخلق الذكر والأنثيين وخلق النطفة في الفقار وهيأ لها في الأنثيين عروقا ومجاري وخلق الرحم قرارا ومستودعا للنطفة وسلط متقاضي الشهوة على كل واحد من الذكر والأنثى.
فهذه الأفعال والآلات تشهد بلسان ذلق في الإعراب عن مراد خالقها وتنادي أرباب الألباب بتعريف ما أعدت له هذا إن لم يصرح به الخالق تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بالمراد حيث قال تناكحوا تناسلوا فكيف وقد صرح بالأمر وباح بالسر فكل ممتنع عن النكاح معرض عن الحراثة مضيع للبذر معطل لما خلق الله من الآلات المعدة وجان على مقصود الفطرة والحكمة المفهومة من شواهد الخلقة المكتوبة على هذه الأعضاء بخط إلهي ليس برقم حروف وأصوات يقرؤه كل من له بصيرة ربانية نافذة في إدراك دقائق الحكمة الأزلية.
ولذلك عظم الشرع الأمر في القتل للأولاد وفي الوأد لأنه منع لتمام الوجود وإليه أشار من قال العزل أحد الوأدين فالناكح ساع في إتمام ما أحب الله تعالى تمامه والمعرض معطل ومضيع لما كره الله ضياعه ولأجل محبة الله تعالى لبقاء النفوس أمر بالإطعام وحث عليه وعبر عنه بعبادة القرض فقال من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فإن قلت قولك إن بقاء النسل والنفس محبوب يوهم أن فناءها مكروه عند الله وهو فرق بين الموت والحياة بالإضافة إلى إرادة الله تعالى ومعلوم أن الكل بمشيئة الله وإن الله غني عن العالمين فمن أين يتميز عنده موتهم عن حياتهم أو بقاؤهم عن فنائهم فاعلم أن هذه الكلمة حق أريد بها باطل فإن ما ذكرناه لا ينافي إضافة الكائنات كلها إلى إرادة الله خيرها وشرها ونفعها وضرها ولكن المحبة والكراهية يتضادان وكلاهما لا يضادان الإرادة فرب مراد مكروه ورب مراد محبوب فالمعاصي مكروهة وهي مع الكراهة مرادة والطاعات مرادة ومزمع كونها مرادة محبوبة ومرضية أما الكفر والشر فلا نقول إنه مرضي ومحبوب بل هو مراد.
وقد قال الله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر فكيف يكون الفناء بالإضافة إلى محبة الله وكراهته كالبقاء فإنه تعالى يقول (ما ترددت في شيء كترددي في قبض روح عبدي المسلم هو يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له من الموت) فقوله لا بد له من الموت إشارة إلى سبق الإرادة والتقدير المذكور في قوله تعالى (نحن قدرنا بينكم الموت) وفي قوله تعالى (الذي خلق الموت والحياة) ولا مناقضة بين قوله تعالى (نحن قدرنا بينكم الموت) وبين قوله (وأنا أكره مساءته) ولكن إيضاح الحق في هذا يستدعي تحقيق معنى الإرادة والمحبة والكراهة وبيان حقائقها.
فإن السابق إلى الأفهام منها أمور تناسب إرادة الخلق ومحبتهم وكراهتهم وهيهات فبين صفات الله تعالى وصفات الخلق من البعد ما بين ذاته العزيز وذاتهم وكما أن ذوات الخلق جوهر وعرض وذات الله مقدس عنه ولا يناسب ما ليس بجوهر وعرض الجوهر والعرض فكذا صفاته لا تناسب صفات الخلق وهذه الحقائق داخلة في علم المكاشفة ووراء سر القدر الذي منع من إفشائه فلنقصر عن ذكره ولنقتصر على ما نبهنا عليه من الفرق بين الإقدام على النكاح والإحجام عنه.
فإن أحدهما مضيع نسلا أدام الله وجوده من آدم صلى الله عليه وسلم عقبا بعد عقب إلى أن انتهى إليه فالممتنع عن النكاح قد حسم الوجود المستدام من لدن وجود آدم عليه السلام على نفسه فمات أبتر لا عقب له ولو كان الباعث على النكاح مجرد دفع الشهوة لما قال معاذ في الطاعون (زوجوني لا ألقى الله عزبا) فإن قلت فما كان معاذ يتوقع ولدا في ذلك الوقت فما وجه رغبته فيه.
فأقول الولد يحصل بالوقاع بباعث الشهوة وذلك أمر لا يدخل في الاختيار وإنما المعلق باختيار العبد إحضار المحرك للشهوة وذلك متوقع في كل حال فمن عقد فقد أدى ما عليه وفعل ما إليه والباقي خارج عن اختياره ولذلك يستحب النكاح للعنين أيضا فإن نهضات الشهوة خفية لا يطلع عليها حتى إن الممسوح الذي لا يتوقع له ولد لا ينقطع الاستحباب أيضا في حقه على الوجه الذي يستحب للأصلع إمرار الموسى على رأسه اقتداء بغيره وتشبها بالسلف الصالحين.
وكما يستحب الرمل والاضطباع في الحج الآن وقد كان المراد منه أولا إظهار الجلد للكفار فصار الاقتداء والتشبه بالذين أظهروا الجلد سنة في حق من بعدهم ويضعف هذا الاستحباب بالإضافة إلى الاستحباب في حق القادر على الحرث وربما يزداد ضعفا بما يقابله من كراهة تعطيل المرأة وتضييعها فيما يرجع إلى قضاء الوطر فإن ذلك لا يخلو عن نوع من الخطر فهذا المعنى هو الذي ينبه على شدة إنكارهم لترك النكاح مع فتور الشهوة.
الوجه الثاني السعي في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه بتكثير ما به مباهاته إذ قد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ويدل على مراعاة أمر الولد جملة بالوجوه كلها ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان ينكح كثيرا ويقول إنما أنكح للولد وما روي من الأخبار في مذمة المرأة العقيم إذ قال عليه السلام لحصير في ناحية البيت خير من امرأة لا تلد وقال خير نسائكم الولود الودود وقال سوداء ولود خير من حسناء لا تلد وهذا يدل على أن طلب الولد أدخل في اقتضاء فضل النكاح من طلب دفع غائلة الشهوة لأن الحسناء أصلح للتحصين وغض البصر وقطع الشهوة.
الوجه الثالث أن يبقى بعده ولدا صالحا يدعو له كما ورد في الخبر أن جميع عمل ابن آدم منقطع إلا ثلاثا فذكر الولد الصالح وفي الخبر إن الأدعية تعرض على الموتى على أطباق من نور وقول القائل إن الولد ربما لم يكن صالحا لا يؤثر فإنه مؤمن والصلاح هو الغالب على أولاد ذوي الدين لا سيما إذا عزم على تربيته وحمله على الصلاح وبالجملة دعاء المؤمن لأبويه مفيد برا كان أو فاجرا فهو مثاب على دعواته وحسناته فإنه من كسبه وغير مؤاخذ بسيئاته فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى ولذلك قال تعالى ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء أي ما نقصناهم من أعمالهم وجعلنا أولادهم مزيدا في إحسانهم.
الوجه الرابع أن يموت الولد قبله فيكون له شفيعا فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الطفل يجر بأبويه إلى الجنة) . وفي بعض الأخبار (يأخذ بثوبه كما أنا الآن آخذ بثوبك) . وقال أيضا صلى الله عليه وسلم إن المولود يقال ادخل الجنة فيقف على باب الجنة فيظل محبنطئا أي ممتلئا غيظا وغضبا ويقول لا أدخل الجنة إلا وأبواي معي فيقال أدخلوا أبويه معه وفي خبر آخر إن الأطفال يجتمعون في موقف القيامة عند عرض الخلائق للحساب فيقال للملائكة اذهبوا بهؤلاء إلى الجنة فيقفون على باب الجنة فيقال لهم مرحبا بذراري المسلمين ادخلوا لا حساب عليكم فيقولون فأين آباؤنا وأمهاتنا فيقول الخزنة إن آباءكم وأمهاتكم ليسوا مثلكم إنه كانت لهم ذنوب وسيئات فهم يحاسبون عليها ويطالبون قال فيتضاغون ويضجون على أبواب الجنة ضجة واحدة فيقول الله سبحانه وهو أعلم بهم ما هذه الضجة فيقولون ربنا أطفال المسلمين قالوا لا ندخل الجنة إلا مع آبائنا فيقول الله تعالى تخللوا الجمع فخذوا بأيدي آبائهم فأدخلوهم الجنة.
وقال صلى الله عليه وسلم (من مات له اثنان من الولد فقد احتظر بحظار من النار) جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت يا رسول الله إنه مات لي ابنان سوى هذا فقال لقد احتظرت من دون النار بحظار شديد) وقال صلى الله عليه وسلم (من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم قيل يا رسول الله واثنان قال واثنان.)
وحكى أن بعض الصالحين كان يعرض عليه التزويج فيأبى برهة من دهره قال فانتبه من نومه ذات يوم وقال زوجوني زوجوني فزوجوه فسئل عن ذلك فقال لعل الله يرزقني ولدا ويقبضه فيكون لي مقدمة في الآخرة ثم قال رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت وكأني في جملة الخلائق في الموقف وبي من العطش ما كاد أن يقطع عنقي وكذا الخلائق في شدة العطش والكرب فنحن كذلك إذ ولدان يتخللون الجمع عليهم مناديل من نور وبأيديهم أباريق من فضة وأكواب من ذهب وهم يسقون الواحد بعد الواحد يتخللون الجمع ويتجاوزون أكثر الناس فمددت يدي إلى أحدهم وقلت اسقني فقد أجهدني العطش فقال ليس لك فينا ولد إنما نسقي آباءنا فقلت ومن أنتم فقالوا نحن من مات من أطفال المسلمين.
وأحد المعاني المذكورة في قوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم تقديم الأطفال إلى الآخرة فقد ظهر بهذه الوجوه الأربعة أن أكثر فضل النكاح لأجل كونه سببا للولد الفائدة الثانية التحصن من الشيطان وكسر التوقان ودفع غوائل الشهوة وغض البصر وحفظ الفرج وإليه الإشارة بقوله عليه السلام (من نكح فقد حصن نصف دينه فليتق الله في الشطر الآخر) وإليه الإشارة بقوله (عليكم بالباءة فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء.)
وأكثر ما نقلناه من الآثار والأخبار إشارة إلى هذا المعنى وهذا المعنى دون الأول لأن الشهوة موكلة بتقاضي تحصيل الولد فالنكاح كاف لشغله دافع لجعله وصارف لشر سطوته وليس من يجيب مولاه رغبة في تحصيل رضاه كمن يجيب لطلب الخلاص عن غائلة التوكيل فالشهوة والولد مقدران وبينهما ارتباط وليس يجوز أن يقال المقصود اللذة والولد لازم منها كما يلزم مثلا قضاء الحاجة منالأكل وليس مقصودا في ذاته بل الولد هو المقصودبالفطرة والحكمة والشهوة باعثة عليه.
ولعمري في الشهوة حكمة أخرى سوى الإرهاق إلى الإيلاد وهو ما في قضائها من اللذة التي لا توازيها لذة لو دامت فهي منبهه على اللذات الموعودة في الجنان إذ الترغيب في لذة لم يجد لها ذواقا لا ينفع فلو رغب العنين في لذة الجماع أو الصبي في لذة الملك والسلطنة لم ينفع الترغيب وإحدى فوائد لذات الدنيا الرغبة في دوامها في الجنة ليكون باعثا على عبادة الله فانظر إلى الحكمة ثم إلى الرحمة ثم إلى التعبية الإلهية كيف عبيت تحت شهوة واحدة حياتان حياة ظاهرة وحياة باطنة فالحياة الظاهرة حياة المرء ببقاء نسله فإنه نوع من دوام الوجود والحياة الباطنة هي الحياة الأخروية فإن هذه اللذة الناقصة بسرعة الانصرام تحرك الرغبة في اللذة الكاملة بلذة الدوام فيستحث على العبادة الموصلة إليها فيستفيد العبد بشدة الرغبة فيها تيسر المواظبة على ما يوصله إلى نعيم الجنان وما من ذرة من ذرات بدن الإنسان باطنا وظاهرا بل ذرات ملكوت السموات والأرض إلا وتحتها من لطائف الحكمة وعجائبها ما تحار العقول فيها.
ولكن إنما ينكشف للقلوب الطاهرة بقدر صفائها بقدر رغبتها عن زهرة الدنيا وغرورها وغوائلها فالنكاح بسبب دفع غائلة الشهوة مهم في الدين لكل من لا يؤتى عن عجز وعنة وهم غالب الخلق فإن الشهوة إذا غلبت ولم يقاومها قوة التقوى جرت إلى اقتحام الفواحش وإليه أشار بقوله عليه الصلاة والسلام عن الله تعالى (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وإن كان ملجما بلجام التقوى فغايته أن يكف الجوارح عن إجابة الشهوة فيغض البصر ويحفظ الفرج.
فأما حفظ القلب عن الوسواس والفكر فلا يدخل تحت اختياره بل لا تزال النفس تجاذبه وتحدثه بأمور الوقاع ولا يفتر عنه الشيطان الموسوس إليه في أكثر الأوقات وقد يعرض له ذلك في أثناء الصلاة حتى يجري على خاطره من أمور الوقاع ما لو صرح به بين يدي أخس الخلق لاستحي منه والله مطلع على قلبه والقلب في حق الله كاللسان في حق الخلق ورأس الأمور للمريد في سلوك طريق الآخرة قلبه والمواظبة على الصوم لا تقطع مادة الوسوسة في حق أكثر الخلق إلا أن ينضاف إليه ضعف في البدن وفساد في المزاج ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما (لا يتم نسك الناسك إلا بالنكاح) وهذه محنة عامة قل من يتخلص منها.
قال قتادة في معنى قوله تعالى (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) هو الغلمة وعن عكرمة ومجاهد أنهما قالا في معنى قوله تعالى (وخلق الإنسان ضعيفا) أنه لا يصبر عن النساء وقال فياض بن نجيح (إذا قام ذكر الرجل ذهب ثلثا عقله) وبعضهم يقول (ذهب ثلث دينه) وفي نوادر التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما (ومن شر غاسق إذا وقب) قال (قيام الذكر) وهذه يلية غالبة إذا هاجت لا يقاومها عقل ولا دين.
وهي مع أنها صالحة لأن تكون باعثة على الحياتين كما سبق فهي أقوى آلة الشيطان على بني آدم وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب منكن.) وإنما ذلك لهيجان الشهوة.
وقال صلى الله عليه وسلم في دعائه (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي وشر مني) وقال (أسألك أن تطهر قلبي وتحفظ فرجي.) فما يستعيذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجوز التساهل فيه لغيره.
وكان بعض الصالحين يكثر النكاح حتى لا يكاد يخلو من اثنتين وثلاث فأنكر عليه بعض الصوفية فقال (هل يعرف أحد منكم أنه جلس بين يدي الله تعالى جلسة أو وقف بين يديه موقفا في معاملة فخطر على قلبه خاطر شهوة) فقالوا (يصيبنا من ذلك كثير) فقال (لو رضيت في عمري كله بمثل حالكم في وقت واحد لما تزوجت لكني ما خطر على قلبي خاطر يشغلني عن حالي إلا نفذته فأستريح وأرجع إلى شغلي ومنذ أربعين سنة ما خطر على قلبي معصية).
وأنكر بعض الناس حال الصوفية فقال له بعض ذوي الدين (ما الذي تنكر منهم) قال (يأكلون كثيرا) قال (وأنت أيضا لو جعت كما يجوعون لأكلت كما يأكلون) قال (ينكحون كثيرا) قال (وأنت أيضا لو حفظت عينيك وفرجك كما يحفظون لنكحت كما ينكحون).
وكان الجنيد يقول (أحتاج إلى الجماع كما أحتاج إلى القوت) فالزوجة على التحقيق قوت وسبب لطهارة القلب.
ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من وقع نظره على امرأة فتاقت إليها نفسه أن يجامع أهله، لأن ذلك يدفع الوسواس عن النفس.
وروى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فدخل على زينب فقضى حاجته وخرج وقال صلى الله عليه وسلم (إن المرأة إذا أقبلت أقبلت بصورة شيطان فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله معها مثل الذي معها.) وقال عليه السلام (لا تدخلوا على المغيبات وهي التي غاب زوجها عنها فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم) قلنا (ومنك) قال (ومني ولكن الله أعانني عليه فاسلم) قال سفيان بن عيينة (فاسلم معناه فاسلم أنا منه) هذا معناه فان الشيطان لا يسلم وكذلك حكى علي ابن عمر رضي الله عنهما وكان من زهاد الصحابة وعلمائهم انه كان يفطر من الصوم على الجماع قبل الأكل وربما انه جامع ثلاثا من جواريه في شهر رمضان قبل العشاء الأخير.
وقال ابن عباس (خير هذه الأمة أكثرها نساء) ولما كانت الشهوة أغلب على مزاج العرب كان استكثار الصالحين منهم لنكاح أشد ولأجل فراغ القلب أبيح نكاح الأمة عند خوف العنت مع أن فيه إرقاق الولد وهو نوع اهلاك وهو محرم على كل من قدر على حرة ولكن إرقاق الولد أهون من إهلاك الدين وليس فيه إلا تنغيص الحياة على الولد مدة وفي اقتحام الفاحشة تفويت الحياة الاخروية التي تستحقر الأعمار الطويلة بالإضافة إلى يوم من أيامها.
وروي أنه انصرف الناس ذات يوم من مجلس ابن عباس وبقي شاب لم يبرح فقال له ابن عباس هل لك من حاجة قال نعم أردت أن اسأل مسألة فاستحييت من الناس وأنا الآن أهابك وأجلك فقال ابن عباس إن العالم بمنزلة الوالد فما كنت أفضيت به إلى أبيك فأفض إلي به فقال أني شاب لا زوجة لي وربما خشيت العنت على نفسي فربما استمنيت بيدي فهل في ذلك معصية فأعرض عنه ابن عباس ثم قال أف وتف نكاح الأمة خير منه وهو خير من الزنا) فهذا تنبيه على أن العزب المغتلم مردد بين ثلاثة شرور أدناها نكاح الأمة وفيه إرقاق الولد وأشد منه الاستمناء باليد وأفحشه الزنا.
ولم يطلق ابن عباس الإباحة في شيء منه لأنهما محذوران يفزع إليهما حذرا من الوقوع في محذور أشد منه كما يفزع إلى تناول الميتة حذرا من هلاك النفس فليس ترجيح اهون الشرين في معنى الإباحة المطلقة ولا في معنى الخير المطلق وليس قطع اليد المتأكلة من الخيرات وإن كان يؤذن فيه عند إشراف النفس على الهلاك. فإذا في النكاح فضل من هذا الوجه ولكن هذا لا يعم الكل بل الأكثر فرب شخص فترت شهوته لكبر سن أو مرض أو غيره فينعدم هذا الباعث في حقه ويبقى ما سبق من أمر الولد فإن ذلك عام إلا للممسوح وهو نادر ومن الطباع ما تغلب عليها الشهوة بحيث لا تحصنه المرأة الواحدة فيستحب لصاحبها الزيادة على الواحدة إلى الأربع فإن يسر الله له مودة ورحمة واطمأن قلبه بهن وإلا فيستحب له الاستبدال.
فقد نكح علي رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة عليها السلام بسبع ليال ويقال إن الحسن بن علي كان منكاحا حتى نكح زيادة على مائتي امرأة وكان ربما عقد على أربع في وقت واحد وربما طلق أربعا في وقت واحد واستبدل بهن. وقد قال صلى الله عليه وسلم للحسن (أشبهت خلقي وخلقي.) وقال صلى الله عليه وسلم (حسن مني وحسين من علي) فقال إن كثرة نكاحه أحد ما أشبه به خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتزوج المغيرة بن شعبة بثمانين امرأة وكان في الصحابة من له الثلاث والأربع ومن كان له اثنتان لا يحصى ومهما كان الباعث معلوما فينبغي أن يكون العلاج بقدر العلة فالمراد تسكين النفس فلينظر إليه في الكثرة والقلة الفائدة الثالثة ترويح النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر والملاعبة إراحة للقلب وتقوية له على العبادة فإن النفس ملول وهي عن الحق نفور لأنه على خلاف طبعها فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت وثابت وإذا روحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروح القلب وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات، ولذلك قال الله تعالى (ليسكن إليها).
وقال علي رضي الله عنه (روحوا القلوب ساعة فإنها إذا أكرهت عميت) وفي الخبر (على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يخلو فيها مطعمه ومشربه فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات) ومثله بلفظ آخر (لا يكون العاقل ظاعنا إلا في ثلاث تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم) وقال صلى الله عليه وسلم (لكل عامل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى) والشرة الجد والمكابدة بحدة وقوة وذلك في ابتداء الإرادة والفترة الوقوف للاستراحة.
وكان أبو الدرداء يقول إني لأستجم نفسي بشيء من اللهو لأتقوى بذلك فيما بعد على الحق وفي بعض الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه قال شكوت إلى جبريل عليه السلام ضعفي عن الوقاع فدلني على الهريسة) إلا الاستعداد للاستراحة ولا يمكن تعليله بدفع الشهوة فإنه استثارة للشهوة ومن عدم الشهوة عدم الأكثر من هذا الأنس وقال صلى الله عليه وسلم ( حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة) فهذه أيضا فائدة لا ينكرها من جرب إتعاب نفسه في الأفكار والأذكار وصنوف الأعمال وهي خارجة عن الفائدتين السابقتين حتى إنها تطرد في حق الممسوح ومن لا شهوة له إلا أن هذه الفائدة تجعل للنكاح فضيلة بالإضافة إلى هذه النية وقل من يقصد بالنكاح ذلك وأما قصد الولد وقصد دفع الشهوة وأمثالها فهو مما يكثر.
ثم رب شخص يستأنس بالنظر إلى الماء الجاري والخضرة وأمثالها ولا يحتاج إلى ترويح النفس بمحادثة النساء وملاعبتهن فيختلف هذا باختلاف الأحوال والأشخاص فليتنبه له الفائدة الرابعة تفريغ القلب عن تدبير المنزل والتكفل بشغل الطبخ والكنس والفرش وتنظيف الأواني وتهيئة أسباب المعيشة فإن الإنسان لو لم يكن له شهوة الوقاع لتعذر عليه العيش في منزله وحده إذ لو تكفل بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته ولم يتفرغ للعلم والعمل فالمرأة الصالحة للمنزل عون على الدين بهذه الطريق واختلال هذه الأسباب شواغل ومشوشات للقلب ومنغصات للعيش ولذلك قال أبو سليمان الداراني رحمه الله (الزوجة الصالحة ليست من الدنيا فإنها تفرغك للآخرة وإنما تفريغها بتدبير المنزل وبقضاء الشهوة جميعا).
وقال محمد بن كعب القرظي في معنى قوله تعالى (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) قال (المرأة الصالحة). وقال صلى الله عليه وسلم (ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة مؤمنة صالحة تعينه على آخرته.) فانظر كيف جمع بينها وبين الذكر والشكر وفي بعض التفاسير في قوله تعالى (فلنحيينه حياة طيبة) قال الزوجة الصالحة.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول (ما أعطى العبد بعد الإيمان بالله خيرا من امرأة صالحة وإن منهن غنما لا يحذى منه ومنهن غلالا يفدي منه) وقوله لا يحذى أن يعتاض عنه بعطاء، وقال صلى الله عليه وسلم (فضلت على آدم بخصلتين كانت زوجته عونا له على المعصية وأزواجي أعوان لي على الطاعة، وكان شيطانه كافرا وشيطاني مسلم لا يأمر إلا بخير) فعد معاونتها على الطاعة فضيلة فهذه أيضا من الفوائد التي يقصدها الصالحون إلا أنها تخص بعض الأشخاص الذين لا كافل لهم ولا مدبر ولا تدعو إلى امرأتين بل الجمع ربما ينغص المعيشة ويضطرب به أمور المنزل ويدخل في هذه الفائدة قصد الاستكثار بعشيرتها وما يحصل من القوة بسبب تداخل العشائر فإن ذلك مما يحتاج إليه في دفع الشرور وطلب السلامة ولذلك قيل ذل من لا ناصر له ومن وجد من يدفع عنه الشرور سلم حاله وفرغ قلبه للعبادة فإن الذل مشوش للقلب والعز بالكثرة دافع بالذل.
الفائدة الخامسة مجاهدة النفس، ورياضتها بالرعاية، والولاية، والقيام بحقوق الأهل، والصبر على أخلاقهن، واحتمال الأذى منهن، والسعي في إصلاحهن، وإرشادهن إلى طريق الدين، والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن، والقيام بتربيته لأولاده.
فكل هذه أعمال عظيمة الفضل فإنها رعاية وولاية والأهل والولد رعية وفضل الرعاية عظيم إنما يحترز منها من يحترز خيفة من القصور عن القيام بحقها وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم (يوم من وال عادل أفضل من عبادة سبعين سنة) ثم قال (ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.) وليس من اشتغل بإصلاح نفسه وغيره كمن اشتغل بإصلاح نفسه فقط ولا من صبر على الأذى كمن رفه نفسه وأراحها فمقاساة الأهل والولد بمنزلة الجهاد في سبيل الله.
ولذلك قال بشر فضل على أحمد بن حنبل بثلاث إحداها أنه يطلب الحلال لنفسه ولغيره وقد قال صلى الله عليه وسلم (ما أنفقه الرجل على أهله فهو صدقة وإن الرجل ليؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته) وقال بعضهم لبعض العلماء من كل عمل أعطاني الله نصيبا حتى ذكر الحج والجهاد وغيرهما فقال له أين أنت من عمل الأبدان قال وما هو قال كسب الحلال والنفقة على العيال.
وقال ابن المبارك وهو مع إخوانه في الغزو تعلمون عملا أفضل مما نحن فيه قالوا ما نعلم ذلك قال أنا أعلم قالوا فما هو قال رجل متعفف ذو عائلة قام من الليل فنظر إلى صبيانه نياما متكشفين فسترهم وغطاهم بثوبه فعمله أفضل مما نحن فيه وقال صلى الله عليه وسلم (من حسنت صلاته وكثر عياله وقل ماله ولم يغتب المسلمين كان معي في الجنة كهاتين) وفي حديث آخر (إن الله يحب الفقير المتعفف أبا العيال) وفي الحديث (إذا كثرت ذنوب العبد ابتلاه الله بهم العيال ليكفرها عنه) وقال بعض السلف من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الغم بالعيال وفيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه قال من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم بطلب المعيشة.)
وقال صلى الله عليه وسلم (من كان له ثلاث بنات فأنفق عليهن وأحسن إليهن حتى يغنيهن الله عنه أوجب الله له الجنة ألبتة ألبتة إلا أن يعمل عملا لا يغفر له) وكان ابن عباس إذا حدث بهذا قال والله هو من غرائب الحديث وغرره وروي أن بعض المتعبدين كان يحسن القيام على زوجته إلى أن ماتت فعرض عليه التزويج فامتنع وقال الوحدة أروح لقلبي وأجمع لهمي ثم قال رأيت في المنام بعد جمعة من وفاتها كأن أبواب السماء فتحت وكأن رجالا ينزلون ويسيرون في الهواء يتبع بعضهم بعضا فكلما نزل واحد نظر إلي وقال لمن وراءه هذا هو المشئوم فيقول الآخر نعم ويقول الثالث كذلك ويقول الرابع نعم فخفت أن أسألهم هيبة من ذلك إلى أن مر بي آخرهم وكان غلاما فقلت له يا هذا من هذا المشئوم الذي تؤمئون إليه فقال أنت فقلت ولم ذاك قال كنا نرفع عملك في أعمال المجاهدين في سبيل الله فمنذ جمعة أمرنا أن نضع عملك مع الخالفين فما ندري ما أحدثت فقال لإخوانه زوجوني زوجوني فلم يكن تفارقه زوجتان أو ثلاث.
وفي أخبار الأنبياء عليهم السلام أن قوما دخلوا على يونس النبي عليه السلام فأضافهم فكان يدخل ويخرج إلى منزله فتؤذيه امرأته وتستطيل عليه وهو ساكت فتعجبوا من ذلك فقال لا تعجبوا فإني سألت الله تعالى وقلت ما أنت معاقب لي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فقال إن عقوبتك بنت فلان تتزوج بها فتزوجت بها وأنا صابر على ما ترون منها وفي الصبر على ذلك رياضة النفس وكسر الغضب وتحسين الخلق فإن المنفرد بنفسه أو المشارك لمن حسن خلقه لا تترشح منه خبائث النفس الباطنة ولا تنكشف بواطن عيوبه فحق على سالك الطريق الآخرة أن يجرب نفسه بالتعرض لأمثال هذه المحركات واعتياد الصبر عليها لتعتدل أخلاقه وترتاض نفسه ويصفو عن الصفات الذميمة باطنه والصبر على العيال مع انه رياضة ومجاهدة تكفل لهم وقيام بهم وعبادة في نفسها فهذه أيضا من الفوائد ولكنه لا ينتفع بها إلا أحد رجلين أما رجل قصد المجاهدة والرياضة وتهذيب الأخلاق لكونه في بداية الطريق فلا يبعد أن يرى هذا طريقا في المجاهدة وترتاض به نفسه وإما رجل من العابدين ليس له سير بالباطن وحركة بالفكر والقلب وانما عمله عمل الجوارح بالصلاة أو حج أو غيره فعمله لأهله وأولاده بكسب الحلال لهم والقيام بتربيتهم افضل له من العبادات اللازمة لبدنه التي لا يتعدى خيرها إلى غيرها.
فأما الرجل المهذب الأخلاق أما بكفاية في اصل الخلقة أو بمجاهدة سابقة إذا كان له سير في الباطن وحركة بفكر القلب في العلوم والمكاشفات فلا ينبغي أن يتزوج لهذا الغرض فان الرياضة هو مكفى فيها وأما العبادة في العمل بالكسب لهم فالعلم أفضل من ذلك لأنه أيضا عمل وفائدته أكثر من ذلك وأعم وأشمل لسائر الخلق من فائدة الكسب على العيال فهذه فوائد النكاح في الدين التي بها يحكم له بالفضيلة أما آفات النكاح فثلاث الأولى وهي أقواها العجز عن طلب الحلال فإن ذلك لا يتيسر لكل أحد لا سيما في هذه الأوقات مع اضطراب المعايش فيكون النكاح سببا في التوسع للطلب والإطعام من الحرام وفيه هلاكه وهلاك أهله والمتعزب في أمن من ذلك وأما المتزوج ففي الأكثر يدخل في مداخل السوء فيتبع هوى زوجته ويبيع آخرته بدنياه وفي الخبر (إن العبد ليوقف عند الميزان وله من الحسنات أمثال الجبال فيسأل عن رعاية عائلته والقيام بهم وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه حتى يستغرق بتلك المطالبات كل أعماله فلا تبقى له حسنة فتنادي الملائكة هذا الذي أكل عياله حسناته في الدنيا وارتهن اليوم بأعماله)
ويقال إن أول ما يتعلق بالرجل في القيامة أهله وولده فيوقفونه بين يدي الله تعالى ويقولون يا ربنا خذ لنا بحقنا منه فإنه ما علمنا ما نجهل وكان يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم فيقتص لهم منه وقال بعض السلف إذا أراد الله بعبد شرا سلط عليه في الدنيا أنيابا تنهشه يعني العيال وقال صلى الله عليه وسلم (لا يلقى الله أحد بذنب أعظم من جهالة أهله) فهذه آفة عامة قل من يتخلص منها إلا من له مال موروث أو مكتسب من حلال يفي به وبأهله وكان له من القناعة ما يمنعه من الزيادة فإن ذاك يتخلص من هذه الآفة أو من هو محترف ومقتد على كسب حلال من المباحات باحتطاب أو اصطياد أو كان في صناعة لا تتعلق بالسلاطين ويقدر على أن يعامل به أهل الخير ومن ظاهره السلامة وغالب ماله الحلال.
وقال ابن سالم رحمه الله وقد سئل عن التزويج فقال هو أفضل في زماننا هذا لمن أدركه شبق غالب مثل الحماريري الأتان فلا ينتهي عنها بالضرب ولا يملك نفسه فإن ملك نفسه فتركه أولى الآفة الثانية القصور عن القيام بحقهن والصبر على أخلاقهن واحتمال الأذى منهن وهذه دون الأولى في العموم فإن القدرة على هذا أيسر من القدرة على الأولى وتحسين الخلق مع النساء والقيام بحظوظهن أهون من طلب الحلال وفي هذا أيضا خطر لأنه راع ومسئول عن رعيته وقال صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول) وروي أن الهارب من عياله بمنزلة العبد الهارب الآبق لا تقبل له صلاة ولا صيام حتى يرجع إليهم ومن يقصر عن القيام بحقهن وإن كان حاضرا فهو بمنزلة هارب فقد قال تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) أمرنا أن نقيهم النار كما نقي أنفسنا والإنسان قد يعجز عن القيام بحق نفسه وإذا تزوج تضاعف عليه الحق وانضافت إلى نفسه نفس أخرى والنفس أمارة بالسوء إن كثرت عليها الحقوق كثر الأمر بالسوء غالبا.
ولذلك اعتذر بعضهم من التزويج وقال أنا مبتلي بنفسي وكيف أضيف إليها نفسا أخرى كما قيل لن يسع الفأرة جحرها علقت المكنس في دبرها وكذلك اعتذر إبراهيم بن أدهم رحمه الله وقال لا أغر امرأة بنفسي ولا حاجة لي فيهن أي من القيام بحقهن وتحصينهن وإمتاعهن وأنا عاجز عنه وكذلك اعتذر بشر وقال يمنعني من النكاح قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن) وكان يقول لو كنت أعول دجاجة لخفت أن أصير جلادا على الجسر. ورؤي سفيان ابن عيينة رحمه الله على باب السلطان فقيل له ما هذا موقفك فقال وهل رأيت ذا عيال أفلح وكان سفيان يقول يا حبذا العزبة والمفتاح ومسكن تخرقه الرياح لا صخب فيه ولا صياح فهذه آفة عامة أيضا وإن كانت دون عموم الأولى لا يسلم منها إلا حكيم عاقل حسن الأخلاق بصير بعادات النساء صبور على لسانهن وقاف عن اتباع شهواتهن حريص على الوفاء بحقهن يتغافل عن زللهن ويداري بعقله أخلاقهن والأغلب على الناس السفه والفظاظة والحدة والطيش وسوء الخلق وعدم الإنصاف مع طلب تمام الإنصاف ومثل هذا يزداد بالنكاح فسادا من هذا الوجه لا محالة فالوحدة أسلم له.
الآفة الثالثة وهي دون الأولى والثانية أن يكون الأهل والولد شاغلا له عن الله تعالى وجاذبا له إلى طلب الدنيا وحسن تدبير المعيشة للأولاد بكثرة جمع المال وادخاره لهم وطلب التفاخر والتكاثر بهم وكل ما شغل عن الله من أهل ومال وولد فهو مشئوم على صاحبه ولست أعني بهذا أن يدعو إلى محظور فإن ذلك مما اندرج تحت تحت الآفة الأولى والثانية بل أن يدعوه إلى التنعم بالمباح بل إلى الإغراق في ملاعبة النساء ومؤانستهن والإمعان في التمتع بهن ويثور من النكاح أنواع من الشواغل من هذا الجنس تستغرق القلب فينقضي الليل والنهار ولا يتفرغ المرء فيهما للتفكر في الآخرة والاستعداد لها ولذلك قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله من تعود أفخاد النساء لم يجيء منه شيء.
وقال أبو سليمان رحمه الله من تزوج فقد ركن إلى الدنيا أي يدعوه ذلك إلى الركون إلى الدنيا فهذه مجامع الآفات والفوائد فالحكم على شخص واحد بأن الأفضل له النكاح أو العزوبة مطلقا قصور عن الإحاطة بمجامع هذه الأمور بل تتخذ هذه الفوائد والآفات معتبرا ومحكما ويعرض المريد عليه نفسه فإن انتفت في حقه الآفات واجتمعت الفوائد بأن كان له مال حلال وخلق حسن وجد في الدين تام لا يشغله النكاح عن الله وهو مع ذلك شاب محتاج إلى تسكين الشهوة ومنفرد يحتاج إلى تدبير المنزل والتحصن بالعشيرة فلا يماري في أن النكاح أفضل له مع ما فيه من السعي في تحصيل الولد فإن انتفت الفوائد واجتمعت الآفات فالعزوبة أفضل له وإن تقابل الأمران وهو الغالب فينبغي أن يوزن بالميزان القسط حظ تلك الفائدة في الزيادة من دينه وحظ تلك الآفات في النقصان منه فإذا غلب على الظن رجحان أحدهما حكم به وأظهر الفوائد الولد وتسكين الشهوة وأظهر الآفات الحاجة إلى كسب الحرام والاشتغال عن الله فلنفرض تقابل هذه الأمور فنقول من لم يكن في أذية من الشهوة وكانت فائدة نكاحه في السعي لتحصيل الولد وكانت الآفة الحاجة إلى كسب الحرام والاشتغال عن الله فالعزوبة له أولى فلا خير فيما يشغل عن الله ولا خير في كسب الحرام.
ولا يفي بنقصان هذين الأمرين أمر الولد فإن النكاح للولد سعي في طلب حياة للولد موهومة وهذا نقصان في الدين ناجز فحفظه لحياة نفسه وصونها عن الهلاك أهم من السعي في الولد وذلك ربح والدين رأس مال وفي فساد الدين بطلان الحياة الأخروية وذهاب رأس المال ولا تقاوم هذه الفائدة إحدى هاتين الآفتين وأما إذا انضاف إلى أمر الولد حاجة كسر الشهوة لتوقان النفس إلى النكاح نظر فإن لم يقو لجام التقوى في رأسه وخاف على نفسه الزنا فالنكاح له أولى لأنه متردد بين أن يقتحم الزنا أو يأكل الحرام والكسب الحرام أهون الشرين وإن كان يثق بنفسه أنه لا يزني ولكن لا يقدر مع ذلك على غض البصر عن الحرام فترك النكاح أولى لأن النظر حرام والكسب من غير وجهه حرام والكسب يقع دائما وفيه عصيانه وعصيان أهله والنظر يقع أحيانا وهو يخصه وينصرم على قرب والنظر زنا العين ولكن إذا لم يصدقه الفرج فهو إلى العفو أقرب من أكل الحرام إلا أن يخاف إفضاء النظر إلى معصية الفرج فيرجع ذلك إلى خوف العنت وإذا ثبت هذا فالحالة الثالثة وهو أن يقوى على غض البصر ولكن لا يقوى على دفع الأفكار الشاغلة للقلب فذلك أولى بترك النكاح لأن عمل القلب إلى العفو أقرب إنما يراد فراغ القلب للعبادة.
ولا تتم عبادة مع الكسب الحرام وأكله وإطعامه فهكذا ينبغي أن توزن هذه الآفات بالفوائد ويحكم بحسبها ومن أحاط بهذا لم يشكل عليه شيء مما نقلنا عن السلف من ترغيب في النكاح مرة ورغبة عنه أخرى إذ ذلك بحسب الأحوال صحيح فإن قلت فمن أمن الآفات فما الأفضل له التخلي لعبادة الله أو النكاح فأقول يجمع بينهما لأن النكاح ليس مانعا من التخلي لعبادة الله من حيث إنه عقد ولكن من حيث الحاجة إلى الكسب فإن قدر على الكسب الحلال فالنكاح أيضا أفضل لأن الليل وسائر أوقات النهار يمكن التخلي فيه للعبادة والمواظبة على العبادة من غير استراحة غير ممكن فإن فرض كونه مستغرقا بالكسب حتى لا يبقى له وقت سوى أوقات المكتوبة والنوم والأكل وقضاء الحاجة فإن كان الرجل ممن لا يسلك سبيل الآخرة إلا بالصلاة النافلة أو الحج وما يجري مجراه من الأعمال البدنية فالنكاح له أفضل لأن في كسب الحلال والقيام بالأهل والسعي في تحصيل الولد والصبر على أخلاق النساء أنواعا من العبادات لا يقصر فضلها عن نوافل العبادات.
وإن كان عبادته بالعلم والفكر وسير الباطن والكسب يشوش عليه ذلك فترك النكاح أفضل فإن قلت فلم ترك عيسى عليه السلام النكاح مع فضله وإن كان الأفضل التخلي لعبادة الله فلم استكثر رسولنا صلى الله عليه وسلم من الأزواج فاعلم أن الأفضل الجمع بينهما في حق من قدر ومن قويت منته وعلت همته فلا يشغله عن الله شاغل ورسولنا صلى الله عليه وسلم أخذ بالقوة وجمع بين فضل العبادة والنكاح ولقد كان مع تسع من النسوة.
وله من حديثه أيضا وهن إحدى عشرة متخليا لعبادة الله وكان قضاء الوطر بالنكاح في حقه غير مانع كما لا يكون قضاء الحاجة في حق المشغولين بتدبيرات الدنيا مانعا لهم عن التدبير حتى يشتغلون في الظاهر بقضاء الحاجة وقلوبهم مشغوفة بهممهم غير غافلة عن مهماتهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلو درجته لا يمنعه أمر هذا العالم عن حضور القلب مع الله تعالى فكان ينزل عليه الوحي وهو في فراش امرأته. ومتى سلم مثل هذا المنصب لغيره فلا يبعد أن يغير السواقي ما لا يغير البحر الخضم فلا ينبغي أن يقاس عليه غيره وأما عيسى صلى الله عليه وسلم فإنه أخذ بالحزم لا بالقوة واحتاط لنفسه ولعل حالته كانت حالة يؤثر فيها الاشتغال بالأهل أو يتعذر معها طلب الحلال أو لا يتيسر فيها الجمع بين النكاح والتخلي للعبادة فآثر التخلي للعبادة وهم اعلم بأسرار أحوالهم وأحكام أعصارهم في طيب المكاسب وأخلاق النساء وما على الناكح من غوائل النكاح وما له فيه ومهما كانت الأحوال منقسمة حتى يكون النكاح في بعضها أفضل وتركه في بعضها افضل فحقنا أن ننزل أفعال الأنبياء على الأفضل في كل حال والله أعلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 4:25 am



الباب الثاني فيما يراعي حالة العقد من أحوال المرأة وشروط العقد
أما العقد فأركانه وشروطه لينعقد ويفيد الحل أربعة:
• الأول إذن الولي فإن لم يكن فالسلطان
• الثاني رضا المرأة إن كانت ثيبا بالغا أو كانت بكرا بالغا ولكن يزوجها غير الأب
• والحد الثالث حضور شاهدين ظاهري العدالة فإن كانا مستورين حكمنا بالانعقاد للحاجة
• الرابع إيجاب وقبول متصل به بلفظ الإنكاح أو التزويج أو معناهما الخاص بكل لسان من شخصين مكلفين ليس فيهما امرأة سواء كان هو الزوج أو الولي أو وكيلهما.
وأما آدابه فتقديم الخطبة مع الولي لا في حال عدة المرأة بل بعد انقضائها إن كانت معتدة ولا في حال سبق غيره بالخطبة إذ نهي عن الخطبة على الخطبة ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبل ويأذن له ومن آدابه الخطبة قبل النكاح ومزج التحميد بالإيجاب والقبول فيقول المزوج الحمد لله والصلاة على رسول الله زوجتك ابنتي فلانة ويقول الزوج الحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت نكاحها على هذا الصداق وليكن الصداق معلوما خفيفا والتحميد قبل الخطبة أيضا مستحب ومن آدابه أن يلقى أمر الزوج إلى سمع الزوجة وإن كانت بكرا فذلك أحرى وأولى بالألفة ولذلك يستحب النظر إليها قبل النكاح فإنه أحرى أن يؤدم بينهما.
ومن الآداب إحضار جمع من أهل الصلاح زيادة على الشاهدين اللذين هما ركنان للصحة ومنها أن ينوي بالنكاح إقامة السنة وغض البصر وطلب الولد وسائر الفوائد التي ذكرناها ولا يكون قصده مجرد الهوى والتمتع فيصير عمله من أعمال الدنيا ولا يمنع ذلك هذه النيات فرب حق يوافق الهوى قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله إذا وافق الحق الهوى فهو الزبد بالنرسيان ولا يستحيل أن يكون كل واحد من حظ النفس وحق الدين باعثا معا. ويستحب أن يعقد في المسجد وفي شهر شوال قالت عائشة رضي الله عنها تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم (في شوال وبنى بي في شوال.) وأما المنكوحة فيعتبر فيها نوعان أحدهما للحل والثاني لطيب المعيشة وحصول المقاصد النوع الأول ما يعتبر فيها للحل وهو أن تكون خلية عن موانع النكاح والموانع تسعة عشر:
الأول أن تكون منكوحة للغير.
الثاني أن تكون معتدة للغير سواء كانت عدة وفاة أو طلاق أو وطء شبهة أو كانت في استبراء وطء عن ملك يمين.
الثالث أن تكون مرتدة عن الدين لجريان كلمة على لسانها من كلمات الكفر.
الرابع أن تكون مجوسية.
الخامس أن تكون وثنية أو زنديقة لا تنسب إلى نبي وكتاب ومنهن المعتقدات لمذهب الإباحة فلا يحل نكاحهن وكذلك كل معتقدة مذهبا فاسدا يحكم بكفر معتقده.
السادس أن تكون كتابية قد دانت بدينهم بعد التبديل أو بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فليست من نسب بني إسرائيل فإذا عدمت كلتا الخصلتين لم يحل نكاحها وإن عدمت النسب فقط ففيه خلاف.
السابع أن تكون رقيقة والناكح حرا قادرا على طول الحرة أو غير خائف من العنت.
الثامن أن تكون كلها أو بعضها مملوكا للناكح ملك يمين.
التاسع أن تكون قريبة للزوج بأن تكون من أصوله أو فصوله أو فصول أول أصوله أو من أول فصل من كل أصل بعده أصل وأعني بالأصول الأمهات والجدات وبفصوله الأولاد والأحفاد وبفصول أول أصوله الإخوة وأولادهم وبأول فصل من كل أصل بعده أصل العمات والخالات دون أولادهن.
العاشر أن تكون محرمة بالرضاع ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب من الأصول والفصول كما سبق ولكن المحرم خمس رضعات وما دون ذلك لا يحرم.
الحادي عشر المحرم بالمصاهرة وهو أن يكون الناكح قد نكح ابنتها أو جدتها أو ملك بعقد أو شبهة عقد من قبل أو وطئهن بالشبهة في عقد أو وطيء أمها أو إحدى جداتها بعقد أو شبهة عقد فمجرد العقد على المرأة يحرم أمهاتها ولا يحرم فروعها إلا بالوطء أو يكون قد نكحها أبوه أو ابنه قبل.
الثاني عشر أن تكون المنكوحة خامسة أي يكون تحت الناكح أربع سواها إما في نفس النكاح أو في عدة الرجعة فإن كانت في عدة بينونة لم تمنع الخامسة.
الثالث عشر أن يكون تحت الناكح أختها أو عمتها أو خالتها فيكون بالنكاح جامعا بينهما وكل شخصين بينهما قرابة لو كان أحدهما ذكرا والآخرة أنثى لم يجز بينهما النكاح فلا يجوز أن يجمع بينهما.
الرابع عشر أن يكون هذا الناكح قد طلقها ثلاثا فهي لا تحل له ما لم يطأها زوج غيره في نكاح صحيح.
الخامس عشر أن يكون الناكح قد لاعنها فإنها تحرم عليه أبدا بعد اللعان.
السادس عشر أن تكون محرمة بحج أو عمرة أو كان الزوج كذلك فلا ينعقد النكاح إلا بعد تمام التحلل.
السابع عشر أن تكون ثيبا صغيرة فلا يصح نكاحها إلا بعد البلوغ الثامن عشر أن تكون يتيمة فلا يصح نكاحها إلا بعد البلوغ.
التاسع عشر أن تكون من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن توفي عنها أو دخل بها فإنهن أمهات المؤمنين وذلك لا يوجد في زماننا فهذه هي الموانع المحرمة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 4:27 am



أما الخصال المطيبة للعيش التي لا بد من مراعاتها في المرأة ليدوم العقد وتتوفر مقاصده ثمانية: الدين والخلق والحسن وخفة المهر والولادة والبكارة والنسب وأن لا تكون قرابة قريبة.
الأولى أن تكون صالحة ذات دين فهذا هو الأصل وبه ينبغي أن يقع الاعتناء فإنها إن كانت ضعيفة الدين في صيانة نفسها وفرجها أزرت بزوجها وسودت بين الناس وجهه وشوشت بالغيرة قلبه وتتغص بذلك عيشه فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاء ومحنة وإن سلك سبيل التساهل كان متهاونا بدينه وعرضه ومنسوبا إلى قلة الحمية والأنفة وإذا كانت مع الفساد جميلة كان بلاؤها أشد إذ يشق على الزوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها ويكون كالذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إن (لي امرأة لا ترد يد لامس) قال (طلقها) فقال (إني أحبها) قال (أمسكها) وإنما أمره بإمساكها خوفا عليه بأنه إذا طلقها أتبعها نفسه وفسد هو أيضا معها فرأى ما في دوام نكاحه من دفع الفساد عنه من ضيق قلبه أولى وإن كانت فاسدة الدين باستهلاك ماله أو بوجه آخر لم يزل العيش مشوشا معه فإن سكت ولم ينكره كان شريكا في المعصية مخالفا لقوله تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) وإن أنكر وخاصم تنغص العمر.
ولهذا بالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحريض على ذات الدين فقال (تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ودينها فعليك بذات الدين تربت يداك) وفي حديث آخر (من نكح المرأة لمالها وجمالها حرم جمالها ومالها ومن نكحها لدينها رزقه الله مالها وجمالها حديث من نكح المرأة لمالها وجمالها حرم مالها وجمالها) وقال صلى الله عليه وسلم (لا تنكح المرأة لجمالها فلعل جمالها يرديها ولا لمالها فلعل مالها يطغيها وانكح المرأة لدينها) وإنما بالغ في الحث على الدين لأن مثل هذه المرأة تكون عونا على الدين فأما إذا لم تكن متدينة كانت شاغلة عن الدين ومشوشة له.
الثانية حسن الخلق وذلك أصل مهم في طلب الفراغة والاستعانة على الدين فإنها إذا كانت سليطة بذية اللسان سيئة الخلق كافرة للنعم كان الضرر منها أكثر من النفع والصبر على لسان النساء مما يمتحن به الأولياء قال بعض العرب (لا تنكحوا من النساء ستة لا أنانة ولا منانة ولا حنانة ولا تنكحوا حداقة ولا براقة ولا شداقة) أما الأنانة فهي التي تكثر الأنين والتشكي وتعصب رأسها كل ساعة فنكاح الممراضة أو نكاح المتمارضة لا خير فيه والمنانة التي تمن على زوجها فتقول فعلت لأجلك كذا وكذا والحنانة التي تحن إلى زوج آخر أو ولدها من زوج آخر وهذا أيضا مما يجب اجتنابه والحداقة التي ترمي إلى كل شيء بحدقتها فتشتهيه وتكلف الزوج شراءه والبراقة تحتمل معنيين أحدهما أن تكون طول النهار في تصقيل وجهها وتزيينه ليكون لوجهها بريق محصل بالصنع والثاني أن تغضب على الطعام فلا تأكل إلا وحدها وتستقل نصيبها من كل شيء وهذه لغة يمانية يقولون برقت المرأة وبرق الصبي الطعام إذا غضب عنده والشداقة المتشدقة الكثيرة الكلام ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يبغض الثرثارين المتشدقين.)
إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخال بلسانه تخلل الباقرة بلسانها وحكي أن السائح الأزدي لقي إلياس عليه السلام في سياحته فأمره بالتزوج ونهاه عن التبتل ثم قال لا تنكح أربعا (المختلعة والمبارية والعاهرة والناشز) فأما المختلعة فهي التي تطلب الخلع كل ساعة من غير سبب والمبارية المباهية بغيرها المفاخرة بأسباب الدنيا والعاهرة الفاسقة التي تعرف بخليل وخدن وهي التي قال الله تعالى (ولا متخذات أخدان) والناشز التي تعلو على زوجها بالفعال والمقال والنشز العالي من الأرض وكان علي رضي الله عنه يقول (شر خصال الرجال خير خصال النساء البخل والزهو والجبن فإن المرأة إذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال زوجها وإذا كانت مزهوة استنكفت أن تكلم كل أحد بكلام لين مريب وإذا كانت جبانة فرقت من كل شيء فلم تخرج من بيتها واتقت مواضع التهمة خيفة من زوجها) فهذه الحكايات ترشد إلى مجامع الأخلاق المطلوبة في النكاح.
الثالثة حسن الوجه فذلك أيضا مطلوب إذ به يحصل التحصن والطبع لا يكتفي بالدميمة غالبا كيف والغالب أن حسن الخلق والخلق لا يفترقان وما نقلناه من الحث على الدين وان المرأة لا تنكح لجمالها ليس زاجر عن رعاية الجمال بل هو زجر عن النكاح لأجل الجمال المحض مع الفساد في الدين فإن الجمال وحده في غالب الأمر يرغب في النكاح ويهون أمر الدين ويدل على الالتفات إلى معنى الجمال أن الألفة والمودة تحصل به غالبا وقد ندب الشرع إلى مراعاة أسباب الألفة ولذلك استحب النظر فقال (إذا أوقع الله في نفس أحدكم من امرأة فلينظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما) أي يؤلف بينهما من وقوع الأدمة على الأدمة وهي الجلدة الباطنة والبشرة الجلدة الظاهرة وإنما ذكر ذلك للمبالغة في الائتلاف وقال صلى الله عليه وسلم (إن في أعين الأنصار شيئا فإذا أراد أحدكم أن يتزوج منهن فلينظر إليهن) قيل كان في أعينهن عمش وقيل صغر وكان بعض الورعين لا ينكحون كرائمهم إلا بعد النظر احترازا من الغرور قال الأعمش كل تزويج يقع على غير نظر فآخره هم وغم ومعلوم أن النظر لا يعرف الخلق والدين والمال وإنما يعرف الجمال من القبح وروي أن رجلا تزوج على عهد عمر رضي الله عنه وكان قد خضب فنصل خضابه فاستعدى عليه أهل المرأة إلى عمر وقالوا حسبناه شابا فأوجعه عمر ضربا وقال غررت القوم.
وروي أن بلالا وصهيبا أتيا أهل بيت من العرب فخطبا إليهم فقيل لهما من أنتما فقال بلال أنا بلال وهذا أخي صهيب كنا ضالين فهدانا الله وكنا مملوكين فأعتقنا الله وكنا عائلين فأغنانا الله فإن تزوجونا فالحمد لله وإن تردونا فسبحان الله فقالوا بل تزوجان والحمد لله فقال صهيب لو ذكرت مشاهدنا وسوابقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اسكت فقد صدقت فأنكحك الصدق.
والغرور يقع في الجمال والخلق جميعا فيستحب إزالة الغرور في الجمال بالنظر وفي الخلق بالوصف والاستيصاف فينبغي أن يقدم ذلك على النكاح ولا يستوصف في أخلاقها وجمالها إلا من هو بصير صادق خبير بالظاهر والباطن ولا يميل إليها فيفرط في الثناء ولا يحسدها فيقصر فالطباع مائلة في مبادي النكاح ووصف المنكوحات إلى الإفراط والتفريط وقل من يصدق فيه ويقتصد بل الخداع والإغراء أغلب والاحتياط فيه مهم لمن يخشى على نفسه التشوف إلى غير زوجته فأما من أراد من الزوجة مجرد السنة أو الولد أو تدبير المنزل فلو رغب عن الجمال فهو إلى الزهد أقرب لأنه على الجملة باب من الدنيا وإن كان قد يعين على الدين في حق بعض الأشخاص.
قال أبو سليمان الداراني الزهد في كل شيء حتى في المرأة يتزوج الرجل العجوز إيثارا للزهد في الدنيا وقد كان مالك بن دينار رحمه الله يقول يترك أحدكم أن يتزوج يتيمة فيؤجر فيها إن أطعمها وكساها تكون خفيفة المؤنة ترضى باليسير ويتزوج بنت فلان وفلان يعني أبناء الدنيا فتشتهي عليه الشهوات وتقول اكسني كذا وكذا واختار أحمد بن حنبل عوراء على أختها وكانت أختها جميلة فسأل من أعقلهما فقيل العوراء فقال زوجوني إياها فهذا دأب من لم يقصد التمتع فأما من لا يأمن على دينه ما لم يكن له مستمتع فليطلب الجمال فالتلذذ بالمباح حصن للدين وقد قيل إذا كانت المرأة حسناء خيرة الأخلاق سوداء الحدقة والشعر كبيرة العين شديدة بيضاء اللون محبة لزوجها قاصرة الطرف عليه فهي على صورة الحور العين فإن الله تعالى وصف نساء أهل الجنة بهذه الصفة في قوله (خيرات حسان) أراد بالخيرات حسنات الأخلاق وفي قوله (قاصرات الطرف) وفي قوله (عربا أترابا) العروب هي العاشقة لزوجها المشتهية للوقاع وبه تتم اللذة والحور البياض والحوراء شديدة بياض العين شديدة سوادها في سواد الشعر والعيناء الواسعة العين.
وقال صلى الله عليه وسلم (خير نسائكم من إذا نظر إليها زوجها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله) وإنما يسر بالنظر إليها إذا كانت محبة للزوج.
الرابعة أن تكون خفيفة المهر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير النساء أحسنهن وجوها وأرخصهن مهورا) وقد نهي عن المغالاة في المهر. تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه على عشرة دراهم وأثاث بيت وكان رحى يد وجرة ووسادة من أدم حشوها ليف. وعلى وأولم على بعض نسائه بمدين من شعير وكان عمر رضي الله عنه ينهى عن المغالاة في الصداق ويقول ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زوج بناته بأكثر من أربعمائة درهم ولو كانت المغالاة بمهور النساء مكرمة لسبق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوج بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم، وزوج سعيد بن المسيب ابنته من أبي هريرة رضي الله عنه على درهمين ثم حملها هو إليه ليلا فأدخلها هو من الباب ثم انصرف ثم جاءها بعد سبعة أيام فسلم عليها ولو تزوج على عشرة دراهم للخروج من خلاف العلماء فلا بأس به.
وفي الخبر من بركة المرأة سرعة تزويجها وسرعة رحمها أي الولادة ويسر مهرها، وكما تكره المغالاة في المهر من جهة المرأة فيكره السؤال عن مالها من جهة الرجل ولا ينبغي أن ينكح طمعا في المال قال النوري إذا تزوج وقال أي شيء للمرأة فاعلم أنه لص وإذا أهدى إليهم فلا ينبغي أن يهدى ليضطرهم إلى المقابلة بأكثر منه وكذلك إذا أهدوا إليه فنية طلب الزيادة نية فاسدة فأما التهادي فمستحب وهو سبب المودة قال صلى الله عليه وسلم (تهادوا تحابوا) وأما طلب الزيادة فداخل في قوله تعالى (ولا تمنن تستكثر) أي تعطي لتطلب أكثر وتحت قوله تعالى (وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس) فإن الربا هو الزيادة وهذا طلب زيادة على الجملة وإن لم يكن في الأموال الربوية فكل ذلك مكروه وبدعة في النكاح يشبه التجارة والقمار ويفسد مقاصد النكاح.
الخامسة أن تكون المرأة ولودا فإن عرفت بالعقر فليمتنع عن تزوجها قال صلى الله عليه وسلم (عليكم بالولود الودود) فإن لم يكن لها زوج و لم يعرف حالها فيراعى صحتها وشبابها فإنها تكون ولودا في الغالب مع هذين الوصفين.
السادسة أن تكون بكرا قال صلى الله عليه وسلم لجابر وقد نكح ثيبا (هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك) في البكارة ثلاث فوائد:
إحداها أن تحب الزوج وتألفه فيؤثر في معنى الود وقد قال صلى الله عليه وسلم (عليكم بالودود) والطباع مجبولة على الأنس بأول مألوف وأما التي اختبرت الرجال ومارست الأحوال فربما لا ترضى بعض الأوصاف التي تخالف ما ألفته فتقلى الزوج.
الثانية أن ذلك أكمل في مودته لها فإن الطبع ينفر عن التي مسها غير الزوج نفرة ما وذلك يثقل على الطبع مهما يذكر وبعض الطباع في هذا أشد نفورا.
الثالثة أنها لا تحن إلى الزوج الأول وآكد الحب ما يقع مع الحبيب الأول غالبا.
السابعة أن تكون نسيبة أعني أن تكون من أهل بيت الدين والصلاح فإنها ستربي بناتها وبنيها فإذا لم تكن مؤدبة لم تحسن التأديب والتربية ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( إياكم وخضراء الدمن فقيل ما خضراء الدمن قال المرأة الحسناء في المنبت السوء) وقال صلى الله عليه وسلم (تخيروا لنطفكم فإن العرق نزاع.)
الثامنة أن لا تكون من القرابة القريبة فإن ذلك يقلل الشهوة قال صلى الله عليه وسلم (لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويا) وقال معناه تزوجوا الغرائب قال ويقال اغربوا لا تضووا أي نحيفا وذلك لتأثيره في تضعيف الشهوة فإن الشهوة إنما تنبعث بقوة الإحساس بالنظر واللمس وإنما يقوى الإحساس بالأمر الغريب الجديد فأما المعهود الذي دام النظر إليه مدة فإنه يضعف الحس عن تمام إدراكه والتأثر به ولا تنبعث به الشهوة فهذه هي الخصال المرغبة في النساء ويجب على الولي أيضا أن يراعي خصال الزوج ولينظر لكريمته فلا يزوجها ممن ساء خلقه أو خلقه أو ضعف دينه أو قصر عن القيام بحقها أو كان لا يكافئها في نسبها قال صلى الله عليه وسلم (النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته) والاحتياط في حقها أهم لأنها رقيقة بالنكاح لا مخلص لها والزوج قادر على الطلاق بكل حال ومهما زوج ابنته ظالما أو فاسقا أو مبتدعا أو شارب خمر فقد جنى على دينه وتعرض لسخط الله لما قطع من حق الرحم وسوء الاختيار وقال رجل للحسن قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوجها قال ممن يتقي الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها وقال صلى الله عليه وسلم (من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 4:30 am


الباب الثالث في آداب المعاشرة وما يجري في دوام النكاح والنظر فيما على الزوج وفيما على الزوجة.

أما الزوج فعليه مراعاة الاعتدال والأدب في اثني عشر أمرا في الوليمة والمعاشرة والدعابة والسياسة والغيرة والنفقة والتعليم والقسم والتأديب في النشوز والوقاع والولادة والمفارقة بالطلاق.
الأدب الأول الوليمة وهي مستحبة قال أنس رضي الله عنه (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أثر صفرة فقال ما هذا فقال تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب فقال بارك الله لك أولم ولو بشاة) وأولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية بتمر وسويق وقال صلى الله عليه وسلم (طعام أول يوم حق وطعام الثاني سنة وطعام الثالث سمعة ومن سمع سمع الله به) وتستحب تهنئته فيقول من دخل على الزوج (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير.)
ويستحب إظهار النكاح قال صلى الله عليه وسلم (فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف) وعن الربيع بنت معوذ قالت (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل غداة بنى بي فجلس على فراشي وجويريات لنا يضربن بدفهن ويندبن من قتل من آبائي إلى أن قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال لها اسكتي عن هذه وقولي الذي كنت تقولين قبلها.)
الأدب الثاني حسن الخلق معهن واحتمال الأذى منهن ترحما عليهن لقصور عقلهن وقال الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وقال في تعظيم حقهن (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) وقال (والصاحب بالجنب) قيل هي المرأة وآخر ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث كان يتكلم بهم حتى تلجلج لسانه وخفي كلامه جعل يقول الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم، لا تكلفوهم ما لا يطيقون، الله، الله، فإنهن عوان في أيديكم) يعني أسراء أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله .
واما الوصية بالنساء فالمعروف أن ذلك كان في حجة الوداع وقال صلى الله عليه وسلم (من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه ومن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسية امرأة فرعون.)
وأعلم انه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها والحلم عند طيشها وغضبها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم (فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل) وراجعت امرأة عمر رضي الله عنه عمر في الكلام فقال أتراجعيني يالكعاء فقالت أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجعنه وهو خير منك) فقال عمر خابت حفصة وخسرت إن راجعته ثم قال لحفصة لا تغتري بابنة ابن أبي قحافة فإنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخوفها من المراجعة وروي انه دفعت إحداهن في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم فزبرتها أمها فقال صلى الله عليه وسلم دعيها فإنهن يصنعن اكثر من ذلك.)
وجرى بينه وبين عائشة كلام حتى أدخلا بينهما أبا بكر رضي الله عنه حكما واستشهده فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمين أو أتكلم فقالت بل تكلم أنت ولا تقل إلا حقا فلطمها أبو بكر حتى دمى فوها وقال يا عدية نفسها أو يقول غير الحق فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت خلف ظهره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لم ندعك لهذا ولا أردنا منك هذا) وقالت له مرة في كلام غضبت عنده أنت الذي تزعم أنك نبي الله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمل ذلك حلما وكرما وكان يقول لها إني لأعرف غضبك من رضاك قالت وكيف تعرفه قال إذا رضيت قلت لا وإله محمد وإذا غضبت قلت لا وإله إبراهيم قالت صدقت إنما أهجر اسمك) سن حديثها ويقال إن أول حب وقع في الإسلام حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها) وكان يقول لها كنت لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك)
وكان يقول لنسائه لا تؤذوني في عائشة فإنه والله ما نزل على الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها وقال أنس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالنساء والصبيان.)
الثالث أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزح والملاعبة فهي التي تطيب قلوب النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق حتى روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يوما وسبقها في بعض الأيام فقال صلى الله عليه وسلم هذه بتلك) وفي الخبر أنه كان صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع نسائه) وقالت عائشة رضي الله عنها سمعت أصوات أناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون في يوم عاشوراء فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحبين أن تري لعبهم قالت قلت نعم فأرسل إليهم فجاؤا وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البابين فوضع كفه على الباب ومد يده ووضعت ذقني على يده وجعلوا يلعبون وأنظر وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حسبك وأقول اسكت مرتين أو ثلاثا ثم قال يا عائشة حسبك فقلت نعم فأشار إليهم فانصرفوا) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله) وقال صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي.)
وقال عمر رضي الله عنه مع خشونته ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي فإذا التمسوا ما عنده وجد رجلا. وقال لقمان رحمه الله ينبغي للعاقل أن يكون في أهله كالصبي وإذا كان في القوم وجد رجلا. وفي تفسير الخبر المروي (إن الله يبغض الجعظري الجواظ) قيل هو الشديد على أهله المتكبر في نفسه وهو أحد ما قيل في معنى قوله تعالى عتل قيل العتل هو اللفظ اللسان الغليظ القلب على أهله وقال صلى الله عليه وسلم لجابر (هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك) ووصفت أعرابية زوجها وقد مات فقالت والله لقد كان ضحوكا إذا ولج سكيتا إذا خرج آكلا ما وجد غير مسائل عما فقد.
الرابع أن لا يتبسط في الدعابة وحسن الخلق والموافقة باتباع هواها إلى حد يفسد خلقها ويسقط بالكلية هيبته عندها بل يراعي الاعتدال فيه فلا يدع الهيبة والانقباض مهما رأى منكرا ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات ألبتة بل مهما رأى ما يخالف الشرع والمروءة تنمر وامتعض قال الحسن (والله ما أصبح رجل يطيع امرأته فيما تهوى إلا كبه الله في النار) وقال عمر رضي الله عنه (خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة) وقد قيل (شاوروهن وخالفوهن) وقد قال صلى الله عليه وسلم (تعس عبد الزوجة) وإنما قال ذلك لأنه إذا أطاعها في هواها فهو عبدها وقد تعس فإن الله ملكه المرأة فملكها نفسه فقد عكس الأمر وقلب القضية وأطاع الشيطان لما قال (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) إذ حق الرجل أن يكون متبوعا لا تابعا.
وقد سمى الله الرجال (قوامين على النساء) وسمى الزوج سيدا فقال تعالى (وألفيا سيدها لدى الباب) فإذا انقلب السيد مسخرا فقد (بدل نعمة الله كفرا) ونفس المرأة على مثال نفسك إن أرسلت عنانها قليلا جمحت بك طويلا وإن أرخيت عذارها فترا جذبتك ذراعا وإن كبحتها وشددت يدك عليها في محل الشدة ملكتها. قال الشافعي رضي الله عنه (ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك وإن أهنتهم أكرموك المرأة والخادم والنبطي) أراد به إن محضت الإكرام ولم تمزج غلظك بلينك وفظاظتك برفقك. وكانت نساء العرب يعلمن بناتهن اختبار الأزواج وكانت المرأة تقول لابنتها اختبري زوجك قبل الإقدام والجراءة عليه انزعي زج رمحه فإن سكت فقطعي اللحم على ترسه فإن سكت فكسري العظام بسيفه فإن سكت فاجعلي الإكاف على ظهره وامتطيه فإنما هو حمارك.
وعلى الجملة فبالعدل قامت السموات والأرض فكل ما جاوز حده انعكس على ضده فينبغي أن تسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة وتتبع الحق في جميع ذلك لتسلم من شرهن فإن (كيدهن عظيم) وشرهن فاش والغالب عليهن سوء الخلق وركاكة العقل ولا يعتدل ذلك منهن إلا بنوع لطف ممزوج بسياسة. وقال صلى الله عليه وسلم (مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب الأعصم بين مائة غراب) والاعصم يعني الأبيض البطن وفي وصية لقمان لابنه (يا بني اتق المرأة السوء فإنها تشيبك قبل الشيب واتق شرار النساء فإنهن لا يدعون إلى خير وكن من خيارهن على حذر.) وقال صلى الله عليه وسلم (استعيذوا من الفواقر الثلاث) وعد منهن المرأة السوء فإنها المشيبة قبل الشيب وفي لفظ آخر إن دخلت عليها سبتك وان غبت عنها خانتك. وقد قال صلى الله عليه وسلم في خيرات النساء (إنكن صواحبات يوسف) يعني أن صرفكن أبا بكر عن التقدم في الصلاة ميل منكن عن الحق إلى الهوى قال الله تعالى حين أفشين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) أي مالت وقال ذلك في خير أزواجه والمرأتان عائشة وحفصة.
وقال صلى الله عليه وسلم (لا يفلح قوم تملكهم امرأة) وقد زبر عمر رضي الله عنه امرأته لما راجعته وقال ما أنت إلا لعبة في جانب البيت أن كانت لنا إليك حاجة وألا جلست كما أنت فأذن فيهن شر وفيهن ضعف فالسياسة والخشونة علاج الشر والمطايبة والرحمة علاج الضعف فالطبيب الحاذق هو الذي يقدر العلاج بقدر الداء فلينظر الرجل أولاإلى أخلاقها بالتجربة ثم ليعاملها بما يصلحها كما يقتضيه حالها الخامس الاعتدال في الغيرة وهو أن لا يتغافل عن مبادي الأمور التي تخشى غوائلها ولا يبالغ في إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن.
فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن تتبع عورات النساء) وفي لفظ آخر أن تبغت النساء ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره قال قبل دخول المدينة (لا تطرقوا النساء ليلا فخالفه رجلان فسبقا فرأى كل واحد في منزله ما يكره) وفي الخبر المشهور المرأة كالضلع إن قومته كسرته فدعه تستمتع به على عوج) وهذا في تهذيب أخلاقها.
وقال صلى الله عليه وسلم (إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة) لأن ذلك من سوء الظن الذي نهينا عنه فإن بعض الظن إثم وقال علي رضي الله عنه (لا تكثر الغيرة على أهلك فترمي بالسوء من أجلك) وأما الغيرة في محلها فلا بد منها وهي محمودة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يغار والمؤمن يغار وغيرة الله تعالى أن يأتي الرجل المؤمن ما حرم الله عليه) وقال صلى الله عليه وسلم (أتعجبون من غيرة سعد أنا والله أغير منه والله أغير مني) ولأجل غيرة الله تعالى حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه العذر من الله ولذلك بعث المنذرين والمبشرين ولا أحد أحب إليه المدح من الله ولأجل ذلك وعد الجنة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأيت ليلة أسري بي في الجنة قصرا وبفنائه جارية فقلت لمن هذا القصر فقيل لعمر فأردت أن أنظر إليها فذكرت غيرتك يا عمر) فبكى عمر وقال (أعليك أغار يا رسول الله) وكان الحسن يقول أتدعون نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق قبح الله من لا يغار. وقال عليه الصلاة والسلام (إن من الغيرة ما يحبه الله ومنها ما يبغضه الله ومن الخيلاء ما يحبه الله ومنها ما يبغضه الله فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة والغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة والاختيال الذي يحبه الله اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدمة والاختيال الذي يبغضه الله الاختيال في الباطل.)
وقال صلى الله عليه وسلم (إني لغيور وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب) والظاهر أنه عبد الله بن الحنفية والطريق المغني عن الغيرة أن لا يدخل عليها الرجال وهي لا تخرج إلى الأسواق وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لابنته فاطمة عليها السلام أي شيء خير للمرأة قالت أن لا ترى رجلا ولا يراها رجل فضمها إليه وقال ذرية بعضها من بعض) فاستحسن قولها وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسدون الكوى والثقب في الحيطان لئلا تطلع النسوان إلى الرجال ورأى معاذ امرأته تطلع في الكوة فضربها ورأى امرأته قد دفعت إلى غلامه تفاحة قد أكلت منها فضربها.
وقال عمر رضي الله عنه أعروا النساء يلزمن الحجال وإنما قال ذلك لأنهن لا يرغبن في الخروج في الهيئة الرثة وقال عودوا نساءكم لا وكان قد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء في حضور المسجد) والصواب الآن المنع إلا العجائز بل استصوب ذلك في زمان الصحابة حتى قالت عائشة رضي الله عنها لو علم النبي صلى الله عليه وسلم (ما أحدثت النساء بعده لمنعهن من الخروج) ولما قال ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لاتمنعوا إماء الله مساجد الله فقال بعض ولده بلى والله لنمنعهن فضربه وغضب عليه وقال تسمعني أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا فتقول بلى) وإنما استجرأ على المخالفة لعلمه بتغير الزمان وإنما غضب عليه لإطلاقه اللفظ بالمخالفة ظاهرا من غير إظهار العذر.
وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لهن في الأعياد خاصة أن يخرجن) ولكن لا يخرجن إلا برضا أزواجهن والخروج الآن مباح للمرأة العفيفة برضا زوجها ولكن القعود أسلم وينبغي أن لا تخرج إلا لمهم فإن الخروج للنظارات والأمور التي ليست مهمة تقدح في المروءة وربما تفضي إلى الفساد فإذا خرجت فينبغي أن تغض بصرها عن الرجال ولسنا نقول إن وجه الرجل في حقها عورة كوجه المرأة في حقه بل هو كوجه الصبي الأمرد في حق الرجل فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط فإن لم تكن فتنة فلا إذ لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات ولو كان وجوه الرجال عورة في حق النساء لأمروا بالتنقب أو منعن من الخروج إلا لضرورة.
السادس الاعتدال في النفقة فلا ينبغي أن يقتر عليهن في الإنفاق ولا ينبغي أن يسرف بل يقتصد قال تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) وقال تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله) وقال صلى الله عليه وسلم (دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك.)
وقيل كان لعلي رضي الله عنه أربع نسوة فكان يشتري لكل واحدة في كل أربعة أيام لحما بدرهم، وقال الحسن رضي الله عنه كانوا في الرجال مخاصيب والإناث والثياب مجاديب، وقال ابن سيرين يستحب للرجل أن يعمل لأهله في كل جمعة فالوذجة وكأن الحلاوة وإن لم تكن من المهمات ولكن تركها بالكلية تقتير في العادة وينبغي أن يأمرها بالتصدق ببقايا الطعام وما يفسد لو ترك فهذا أقل درجات الخير وللمرأة أن تفعل ذلك بحكم الحال من غير صريح إذن من الزوج ولا ينبغي أن يستأثر عن أهله بمأكول طيب فلا يطعمهم منه فإن ذلك مما يوغر الصدور ويبعد عن المعاشرة بالمعروف فإن كان مزمعا على ذلك فليأكله بخفية بحيث لا يعرف أهله ولا ينبغي أن يصف عندهم طعاما ليس يريد إطعامهم إياه وإذا أكل فيقعد العيال كلهم على مائدته فقد قال سفيان رضي الله عنه بلغنا أن الله وملائكته يصلون على أهل بيت يأكلون جماعة.
وأهم ما يجب عليه مراعاته في الإنفاق أن يطعمها من الحلال ولا يدخل مداخل السوء لأجلها فإن ذلك جناية عليها لا مراعاة لها وقد أوردنا الأخبار الواردة في ذلك عند ذكر آفات النكاح السابع أن يتعلم المتزوج من علم الحيض وأحكامه ما يحترز به الاحتراز الواجب ويعلم زوجته أحكام الصلاة وما يقضى منها في الحيض وما لا يقضى فإنه أمر بأن يقيها النار بقوله تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا فعليه أن يلقنها اعتقاد أهل السنة ويزيل عن قلبها كل بدعة إن استمعت إليها ويخوفها في الله إن تساهلت في أمر الدين ويعلمها من أحكام الحيض والاستحاضة ما تحتاج إليه وعلم الاستحاضة يطول فأما الذي لا بد من إرشاد النساء إليه في أمر الحيض بيان الصلوات التي تقضيها فإنها مهما انقطع دمها قبيل المغرب بمقدار ركعة فعليها قضاء الظهر والعصر وإذا انقطع قبل الصبح بمقدار ركعة فعليها قضاء المغرب والعشاء وهذا أقل ما يراعيه النساء فإن كان الرجل قائما بتعليمها فليس لها الخروج لسؤال العلماء وإن قصر علم الرجل ولكن ناب عنها في السؤال فأخبرها بجواب المفتي فليس لها خروج فإن لم يكن ذلك فلها الخروج للسؤال بل عليها ذلك ويعصى الرجل بمنعها ومهما تعلمت ما هو من الفرائض عليها فليس لها أن تخرج إلى مجلس ذكر ولا إلى تعلم فضل إلا برضاه ومهما أهملت المرأة حكما من أحكام الحيض والاستحاضة ولم يعلمها الرجل حرج الرجل معها وشاركها في الإثم الثامن إذا كان له نسوة فينبغي أن يعدل بينهن ولا يميل إلى بعضهن فإن خرج إلى سفر وأراد استصحاب واحدة أقرع بينهن كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ظلم امرأة بليلتها قضى لها فإن القضاء واجب عليه وعند ذلك يحتاج إلى معرفة أحكام القسم وذلك يطول ذكره.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان له امراتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى وفي لفظ ولم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل) وإنما عليه العدل في العطاء والمبيت وأما في الحب والوقاع فذلك لا يدخل تحت الاختيار قال الله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) أي أن تعدلوا في شهوة القلب وميل النفس ويتبع ذلك التفاوت في الوقاع وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعدل بينهن في العطاء والبيتوتة في الليالي ويقول اللهم هذا جهدي فيما أملك ولا طاقة لي فيما تملك ولا أملك) يعني الحب وقد كانت عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه وسائر نسائه يعرفن ذلك وكان يطاف به محمولا في مرضه في كل يوم وكل ليلة فيبيت عند كل واحدة منهن ويقول أين أنا غدا ففطنت لذلك امرأة منهن فقالت إنما يسأل عن يوم عائشة فقلن يا رسول الله قد أذنا لك أن تكون في بيت عائشة فإنه يشق عليك أن تحمل في كل ليلة فقال وقد رضيتن بذلك فقلن نعم قال فحولوني إلى بيت عائشة ومهما وهبت واحدة ليلتها لصاحبتها ورضي الزوج بذلك ثبت الحق لها.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فقصد أن يطلق سودة بنت زمعة لما كبرت فوهبت ليلتها لعائشة وسألته أن يقرها على الزوجية حتى تحشر في زمرة نسائه فتركها وكان لا يقسم لها ويقسم لعائشة ليلتين ولسائر أزواجه ليلة ليلة ولكنه صلى الله عليه وسلم عدله وقوته كان إذا تاقت نفسه إلى واحدة من النساء في غير نوبتها فجامعها طاف في يومه أو ليلته على سائر نسائه فمن ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (طاف على نسائه في ليلة واحدة) وعن أنس أنه صلى الله عليه وسلم طاف على تسع نسوة في ضحوة نهار ومهما وقع بينهما خصام ولم يلتئم أمرهما فإن كان من جانبهما جميعا أو من الرجل فلا تسلط الزوجة على زوجها ولا يقدر على إصلاحها فلا بد من حكمين أحدهما من أهله والآخر من أهلها لينظرا بينهما ويصلحا أمرهما إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما وقد بعث عمر رضي الله عنه حكما إلى زوجين فعاد ولم يصلح أمرهما فعلاه بالدرة وقال إن الله تعالى (يقول إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) فعاد الرجل وأحسن النية وتلطف بهما فأصلح بينهما وإما إذا كان النشوز من المرأة خاصة (فالرجال قوامون على النساء) فله أن يؤدبها ويحملها على الطاعة قهرا وكذا إذا كانت تاركة للصلاة فله حملها على الصلاة قهرا ولكن ينبغي أن يتدرج في تأديبها وهو أن يقدم أولا الوعظ والتحذير والتخويف فإن لم ينجح ولاها ظهره في المضجع أو انفرد عنها بالفراش وهجرها وهو في البيت معها من ليلة إلى ثلاث ليال فإن لم ينجح ذلك فيها ضربها ضربا غير مبرح بحيث يؤلمها ولا يكسر لها عظما ولا يدمي لها جسم ولا يضرب وجهها فذلك منهي عنه.
وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما حق المرأة على الرجل (قال يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يقبح الوجه ولا يضرب إلا ضربا غير مبرح ولا يهجرها إلا في المبيت) وله أن يغضب عليها ويهجرها في أمر من أمور الدين إلى عشر والى عشرين والى شهر فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أرسل إلى زينب بهدية فردتها عليه فقالت له التي هو في بيتها لقد أقمأتك إذ ردت عليك هديتك حديث هجره صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا لما أرسل بهدية إلى زينب فردتها فقالت له التي في بيتها لقد أقمأتك أي أذلتك واستصغرتك فقال صلى الله عليه وسلم أنتن أهون على الله أن تقمئنني ثم غضب عليهن كلهن شهرا إلى أن عاد إليهن.
العاشر في آداب الجماع ويستحب أن يبدأ باسم الله تعالى ويقرأ قل هو الله أحد أولا ويكبر ويهلل ويقول بسم الله العلي العظيم اللهم اجعلها ذرية طيبة إن كنت قدرت أن تخرج ذلك من صلبي وقال صلى الله عليه وسلم (لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإن كان بينهما ولد لم يضره الشيطان) وإذا قربت من الإنزال فقل في نفسك ولا تحرك شفتيك الحمد لله الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا وكان بعض أصحاب الحديث يكبر حتى يسمع أهل الدار صوته ثم ينحرف عن القبلة ولا يستقبل القبلة بالوقاع إكراما للقبلة وليغط نفسه وأهله بثوب. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغطي رأسه ويغض صوته ويقول للمرأة عليك بالسكينة
وفي الخبر إذا جامع أحدكم أهله فلا يتجردان تجرد العيرين أي الحمارين وليقدم التلطف بالكلام والتقبيل قال صلى الله عليه وسلم (لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة وليكن بينهما رسول) قيل وما الرسول يا رسول الله قال (القبلة والكلام.) وقال صلى الله عليه وسلم (ثلاث من العجز في الرجل أن يلقى من يحب معرفته فيفارقه قبل أن يعلم اسمه ونسبه والثاني أن يكرمه أحد فيرد عليه كرامته والثالث أن يقارب الرجل جاريته أو زوجته فيصيبها قبل أن يحدثها ويؤانسها ويضاجعها فيقضي حاجته منها قبل أن تقضي حاجتها منه) ويكره له الجماع في ثلاث ليال من الشهر الأول والآخر والنصف يقال إن الشيطان يحضر الجماع في هذه الليالي ويقال إن الشياطين يجامعون فيها وروي كراهة ذلك عن علي ومعاوية وأبي هريرة رضي الله عنهم.
ومن العلماء من استحب الجماع يوم الجمعة وليلته تحقيقا لأحد التأويلين من قوله صلى الله عليه وسلم (رحم الله من غسل واغتسل) ثم إذا قضى وطره فليتمهل على أهله حتى تقضي هي أيضا نهمتها فإن إنزالها ربما يتأخر فيهيج شهوتها ثم القعود عنها إيذاء لها والاختلاف في طبع الإنزال يوجب التنافر مهما كان الزوج سابقا إلى الإنزال والتوافق في وقت الإنزال ألذ عندها ليشتغل الرجل بنفسه عنها فإنها ربما تستحي وينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة فهو أعدل إذ عدد النساء أربعة فجاز التأخير إلى هذا الحد نعم ينبغي أن يزيد أو ينقص بحسب حاجتها في التحصين فإن تحصينها واجب عليه وإن كان لا يثبت المطالبة بالوطء فذلك لعسر المطالبة والوفاء بها ولا يأتيها في المحيض ولا بعد انقضائه وقبل الغسل فهو محرم بنص الكتاب وقيل إن ذلك يورث الجذام في الولد وله أن يستمتع بجميع بدن الحائض ولا يأتيها في غير المأتى إذ حرم غشيان الحائض لأجل الأذى والأذى غير المأتى دائم فهو أشد تحريما من إتيان الحائض.
وقوله تعالى (فأتوا حرثكم أنى شئتم) أي أي وقت شئتم وله أن يستمني بيديها وان يستمتع بما تحت الإزار بما يشتهي سوى الوقاع وينبغي أن تتزر المرأة بإزار من حقوها إلى فوق الركبة في حال الحيض فهذا من الأدب وله أن يؤاكل الحائض ويخالطها في المضاجعة وغيرها وليس عليه اجتنابها وإن أراد أن يجامع ثانيا بعد أخرى فليغسل فرجه أولا وإن احتلم فلا يجامع حتى يغسل فرجه أو يبول ويكره الجماع في أول الليل حتى لا ينام على غير طهارة فإن أراد النوم أو الأكل فليتوضأ أولا وضوء الصلاة فذلك سنة قال ابن عمر قلت للنبي صلى الله عليه وسلم (أينام أحدنا وهو جنب قال نعم إذا توضأ) ولكن قد وردت فيه رخصة قالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم (ينام جنبا لم يمس ماء) ومهما عاد إلى فراشه فليمسح وجه فراشه أو لينفضه فإنه لا يدري ما حدث عليه بعده ولا ينبغي أن يحلق أو يقلم أو يستحد أو يخرج الدم أو يبين من نفسه جزءا وهو جنب إذ ترد إليه سائر أجزائه في الآخرة فيعود جنبا ويقال إن كل شعرة تطالبه بجنابتها ومن الآداب أن لا يعزل بل لا يسرح إلا إلى محل الحرث وهو الرحم فما من نسمة قدر الله كونها إلا وهي كائنة هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن عزل فقد اختلف العلماء في إباحته وكراهته على أربع مذاهب فمن مبيح مطلقا بكل حال ومن محرم بكل حال ومن قائل يحل برضاها ولا يحل دون رضاها وكأن هذا القائل يحرم الإيذاء دون العزل ومن قائل يباح في المملوكة دون الحرة والصحيح عندنا أن ذلك مباح واما الكراهية فإنها تطلق لنهي التحريم ولنهي التنزيه ولترك الفضيلة فهو مكروه بالمعنى الثالث أي فيه ترك فضيلة كما يقال يكره للقاعد في المسجد أن يقعد فارغا لا يشتغل بذكر أو صلاة ويكره للحاضر في مكة مقيما بها أن لا يحج كل سنة والمراد بهذه الكراهية ترك الأولى والفضيلة فقط وهذا ثابت لما بيناه من الفضيلة في الولد ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الرجل ليجامع أهله فيكتب له بجماعه أجر ولد ذكر قاتل في سبيل الله فقتل) وإنما قال ذلك لأنه لو ولد له مثل هذا الولد لكان له أجر التسبب إليه مع أن الله تعالى خالقه ومحييه ومقويه على الجهاد والذي إليه من التسبب فقد فعله وهو الوقاع وذلك عند الإمناء في الرحم وإنما قلنا لا كراهة بمعنى التحريم والتنزيه لأن إثبات النهي إنما يمكن بنص أو قياس على منصوص ولا نص ولا أصل يقاس عليه بل ههنا أصل يقاس عليه وهو ترك النكاح أصلا أو ترك الجماع بعد النكاح أو ترك الإنزال بعد الإيلاج فكل ذلك ترك للأفضل وليس بارتكاب نهي ولا فرق إذ الولد يتكون بوقوع النطفة في الرحم ولها أربعة أسباب النكاح ثم الوقاع ثم الصبر إلى الإنزال بعد الجماع ثم الوقوف لينصب المنى في الرحم وبعض هذه الأسباب أقرب من بعض فالامتناع عن الرابع كالامتناع عن الثالث وكذا الثالث كالثاني والثاني كالأول وليس هذا كالإجهاض والوأد لأن ذلك جناية على موجود حاصل.
وله أيضا مراتب وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيا وإنما قلنا مبدأ سبب الوجود من حيث وقوع المنى في الرحم لا من حيث الخروج من الإحليل لأن الولد لا يخلق من منى الرجل وحده بل من الزوجين جميعا إما من مائه ومائها أو من مائه ودم الحيض قال بعض أهل التشريح إن المضغة تخلق بتقدير الله من دم الحيض وإن الدم منها كاللبن من الرائب وإن النطفة من الرجل شرط في خثور دم الحيض وانعقاده كالأنفحة للبن إذ بها ينعقد الرائب وكيفما كان فماء المرأة ركن في الانعقاد فيجري الماءان مجرى الإيجاب والقبول في الوجود الحكمي في العقود فمن أوجب ثم رجع قبل القبول لا يكون جانيا على العقد بالنقض والفسخ ومهما اجتمع الإيجاب والقبول كان الرجوع بعده رفعا وفسخا وقطعا وكما أن النطفة في الفقار لا يتخلق منها الولد فكذا بعد الخروج من الإحليل ما لم يمتزج بماء المرأة ودمها فهذا هو القياس الجلي فإن قلت فإن لم يكن العزل مكروها من حيث إنه دفع لوجود الولد فلا يبعد أن يكره لأجل النية الباعثة عليه إذ لا يبعث عليه إلا نية فاسدة فيها شيء من شوائب الشرك الخفي.
فأقول النيات الباعثة على العزل خمس الأولى في السراري وهو حفظ الملك عن الهلاك باستحقاق العتاق وقصد استبقاء الملك بترك الإعتاق ودفع أسبابه ليس بمنهى عنه الثانية استبقاء جمال المرأة وسمنها لدوام التمتع واستبقاء حياتها خوفا من خطر الطلق وهذا أيضا ليس منهيا عنه الثالثة الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب ودخول مداخل السوء وهذا أيضا غير منهي عنه فإن قلة الحرج معين على الدين نعم الكمال والفضل في التوكل والثقة بضمان الله حيث قال وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ولا جرم فيه سقوط عن ذروة الكمال وترك الأفضل ولكن النظر إلى العواقب وحفظ المال وادخاره مع كونه مناقضا للتوكل لا نقول إنه منهي عنه الرابعة الخوف من الأولاد الإناث لما يعتقد في تزويجهن من المعرة كما كانت من عادة العرب في قتلهم الإناث فهذه نية فاسدة لو ترك بسببها أصل النكاح أو أصل الوقاع أثم بها لا بترك النكاح والوطء فكذا في العزل والفساد في اعتقاد المعرة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد وينزل منزلة امرأة تركت النكاح استنكافا من أن يعلوها رجل فكانت تتشبه بالرجال ولا ترجع الكراهة إلى عين ترك النكاح الخامسة أن تمتنع المرأة لتعززها ومبالغتها في النظافة والتحرز من الطلق والنفاس والرضاع وكان ذلك عادة نساء الخوارج لمبالغتهن في استعمال المياه حتى كن يقضين صلوات أيام الحيض ولا يدخلن الخلاء إلا عراة فهذه بدعة تخالف السنة فهي نية فاسدة واستأذنت واحدة منهن على عائشة رضي الله عنها لما قدمت البصرة فلم تأذن لها فيكون القصد هو الفاسد دون منع الولادة.
فإن قلت فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من ترك النكاح مخافة العيال فليس منا ثلاثا) قلت فالعزل كترك النكاح وقوله ليس منا أي ليس موافقا لنا على سنتنا وطريقتنا وسنتنا فعل الأفضل فإن قلت فقد قال صلى الله عليه وسلم (في العزل ذاك الوأد الخفي وقرأ (وإذا الموءودة سئلت) وهذا في الصحيح وقوله الوأد الخفي كقوله الشرك الخفي وذلك يوجب كراهة لا تحريما فإن قلت فقد قال ابن عباس العزل هو الوأد الأصغر فإن الممنوع وجوده به هو الموءودة الصغرى قلنا هذا قياس منه لدفع الوجود على قطعه وهو قياس ضعيف ولذلك أنكره عليه على رضى الله عنه لما سمعه قال ولا تكون موءودة إلا بعد سبع أي بعد الأخرى سبعة أطوار وتلا الآية الواردة في أطوار الخلقة وهي قوله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين...) إلى قوله (...ثم أنشأناه خلقا آخر) أي نفخنا فيه الروح ثم تلا قوله تعالى في الآية وإذا الموءودة سئلت وإذا نظرت إلى ما قدمناه في طريق القياس والاعتبار ظهر لك تفاوت منصب علي وابن عباس رضي الله عنهما في الغوص على المعاني ودرك العلوم كيف وفي المتفق عليه في الصحيحين على جابر أنه قال كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل وفي لفظ آخر كنا نعزل فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا وفيه أيضا عن جابر أنه قال إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية خادمتنا وساقيتنا في النخل وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل فقال صلى الله عليه وسلم اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها فلبث الرجل ما شاء الله ثم أتاه فقال إن الجارية قد حملت فقال قد قلت سيأتيها ما قدر لها كل ذلك في الصحيحين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 4:31 am


الحادي عشر في آداب الولادة وهي خمسة:
الأول أن لا يكثر فرحه بالذكر وحزنه بالأنثى فإنه لا يدري الخيرة في أيهما فكم من صاحب ابن يتمنى أن لا يكون له أو يتمنى أن يكون بنتا بل السلامة منهن أكثر والثواب فيهن أجزل قال صلى الله عليه وسلم (من كان له ابنة فأدبها فأحسن تأديبها وغذاها فأحسن غذائها وأسبغ عليها من النعمة التي أسبغ الله عليه كانت له ميمنة وميسرة من النار إلى الجنة) وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من أحد يدرك ابنتين فيحسن إليهما ما صحبتاه إلا أدخلتاه الجنة) وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت له ابنتان أو أختان فأحسن إليهما ما صحبتاه كنت أنا وهو في الجنة كهاتين) وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من خرج إلى سوق من أسواق المسلمين فاشترى شيئا فحمله إلى بيته فخص به الإناث دون الذكور نظر الله إليه ومن نظر الله إليه لم يعذبه) وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حمل طرفة من السوق إلى عياله فكأنما حمل إليهم صدقة حتى يضعها فيهم وليبدأ بالإناث قبل الذكور فإنه من فرح أنثى فكأنما بكى من خشية الله ومن بكى من خشيته حرم الله بدنه على النار) وقال أبو هريرة قال صلى الله عليه وسلم (من كانت له ثلاث بنات أو أخوات فصبر على لأوائهن وضرائهن أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهن فقال رجل وثنتان يا رسول الله قال وثنتان فقال رجل أو واحدة فقال وواحدة.)
الأدب الثاني أن يؤذن في إذن الولد روى رافع عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة رضي الله عنها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى دفعت عنه أم الصبيان ويستحب أن يلقنوه أول انطلاق لسانه لا إله إلا الله ليكون أول حديثه والختان في اليوم السابع ورد به خبر
الأدب الثالث أن تسميه اسما حسنا فذلك من حق الولد وقال صلى الله عليه وسلم (إذا سميتم فعبدوا) وقال صلى الله عليه وسلم )أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) وقال سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي وفي لفظ تسموا قال العلماء كان ذلك في عصره صلى الله عليه وسلم إذ كان ينادى يا أبا القاسم والآن فلا بأس نعم لا يجمع بين اسمه وكنيته وقد قال صلى الله عليه وسلم (لا تجمعوا بين اسمى وكنيتي) وقيل إن هذا أيضا كان في حياته وتسمى رجل أبا عيسى فقال صلى الله عليه وسلم (إن عيسى لا أب له) فيكره ذلك والسقط ينبغي أن يسمى قال عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية بلغني أن السقط يصرخ يوم القيامة وراء أبيه فيقول أنت ضيعتني وتركتني لا اسم لي فقال عمر بن عبد العزيز كيف وقد لا يدري أنه غلام أو جارية فقال عبد الرحمن من الأسماء ما يجمعهما كحمزة وعمارة وطلحة وعتبة.
وقال صلى الله عليه وسلم (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم) ومن كان له اسم يكره يستحب تبديله أبدل رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم العاص بعبد الله وكان اسم زينب برة فقال صلى الله عليه وسلم (تزكي نفسها فسماها زينب) وكذلك ورد النهي في تسمية أفلح ويسار ونافع وبركة لأنه يقال أثم بركة فيقال لا.
الرابع العقيقة عن الذكر بشاتين وعن الأنثى بشاة ذكرا كان أو أنثى وروت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في الغلام أن يعق بشاتين مكافئتين وفي الجارية بشاة وروي أنه عق عن الحسن بشاة وقال صلى الله عليه وسلم مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى ومن السنة أن يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة فقد ورد فيه خبر أنه صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة رضي الله عنها يوم سابع حسين أن تحلق شعره وتتصدق بزنة شعره فضة قالت عائشة رضي الله عنهما لا يكسر للعقيقة عظم الخامس أن يحنكه بتمرة أو حلاوة وروي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت ولدت عبد الله بن الزبير بقباء ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ربق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه بتمرة ثم دعا له وبرك عليه وكان أول مولود ولد في الإسلام ففرحوا به فرحا شديدا لأنهم قيل لهم إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم.
الثاني عشر في الطلاق وليعلم أنه مباح ولكنه أبغض المباحات إلى الله تعالى وإنما يكون مباحا إذا لم يكن فيه إيذاء بالباطل ومهما طلقها فقد آذاها ولا يباح إيذاء الغير إلا بجناية من جانبها أو بضرورة من جانبه قال الله تعالى (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) أي لا تطلبوا حيلة للفراق وإن كرهها أبوه فليطلقها قال ابن عمر رضي الله عنهما كان تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها ويأمرني بطلاقها فراجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن عمر طلق امرأتك فهذا يدل على أن حق الوالد مقدم ولكن والد يكرهها لا لغرض فاسد مثل عمر ومهما آذت زوجها وبذت على أهله فهي جانية وكذلك مهما كانت سيئة الخلق أو فاسدة الدين قال ابن مسعود في قوله تعالى ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة مهما بذت على أهله وآذت زوجها فهو فاحشة وهذا أريد به في العدة ولكنه تنبيه على المقصود وإن كان الأذى من الزوج فلها أن تفتدي ببذل مال يكره للرجل أن يأخذ منها أكثر مما أعطى فإن ذلك إجحاف بها وتحامل عليها وتجارة على البضع قال تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به فرد ما أخذته فما دونه لائق بالفداء فإن سألت الطلاق بغير ما بأس فهي آثمة قال صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس لم ترح رائحة الجنة) وفي لفظ آخر فالجنة عليها حرام وفي لفظ آخر أنه صلى الله عليه وسلم (قال المختلعات هن المنافقات)
ثم ليراع الزوج في الطلاق أربعة أمور:
الأول أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه فإن الطلاق في الحيض أو الطهر الذي جامع يدعى حرام وإن كان واقعا لما فيه من تطويل العدة عليها فإن فعل ذلك فليراجعها طلق ابن عمر زوجته في الحيض فقال صلى الله عليه وسلم لعمر مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلقها وإن شاء أمسكها فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء وإنما أمره بالصبر بعد الرجعة طهرين لئلا يكون مقصود الرجعة الطلاق فقط.
الثاني أن يقتصر على طلقة واحدة فلا يجمع بين الثلاث لأن الطلقة الواحدة بعد العدة تفيد المقصود ويستفيد بها الرجعة إن ندم في العدة وتجديد النكاح إن أراد بعد العدة وإذا طلق ثلاثا ربما ندم فيحتاج إلى أن يتزوجها محلل وإلى الصبر مدة وعقد المحلل منهي عنه ويكون هو الساعي فيه ثم يكون قلبه معلقا بزوجة الغير وتطليقه أعني زوجة المحلل بعد أن زوج منه ثم يورث ذلك تنفيرا من الزوجة وكل ذلك ثمرة الجمع وفي الواحدة كفاية في المقصود من غير محذور ولست أقول الجمع حرام لكنه مكروه بهذه المعاني وأعني بالكراهة تركه النظر لنفسه.
الثالث أن يتلطف في التعلل بتطليقها من غير تعنيف واستخفاف وتطييب قلبها بهدية على سبيل الإمتاع والجبر لما فجعها به من أذى الفراق قال تعالى ومتعوهن وذلك واجب مهما لم يسم لها مهر في أصل النكاح.
كان الحسن بن علي رضي الله عنهما مطلاقا ومنكاحا ووجه ذات يوم بعض أصحابه لطلاق امرأتين من نسائه وقال قل لهما اعتدا وأمره أن يدفع إلى كل واحدة عشرة آلاف درهم ففعل فلما رجع إليه قال ماذا فعلتا قال أما إحداهما فنكست رأسها وتنكست وأما الأخرى فبكت وانتحبت وسمعتها تقول متاع قليل من حبيب مفارق فأطرق الحسن وترحم لها وقال لو كنت مراجعا امرأة بعد ما فارقتها لراجعتها ودخل الحسن ذات يوم على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقيه المدينة ورئيسها ولم يكن له بالمدينة نظير وبه ضربت المثل عائشة رضي الله عنها حيث قالت لو لم أسر مسيري ذلك لكان أحب إلي من أن يكون لي ستة عشرا ذكرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فدخل عليه الحسن في بيته فعظمه عبد الرحمن وأجلسه في مجلسه وقال ألا أرسلت إلي فكنت أجيئك فقال الحاجة لنا قال وما هي قال جئتك خاطبا ابنتك فأطرق عبد الرحمن ثم رفع رأسه وقال والله ما على وجه الأرض أحد يمشي عليها أعز علي منك ولكنك تعلم أن ابنتي بضعة مني يسوءني ما ساءها ويسرني ما سرها وأنت مطلاق فأخاف أن تطلقها وإن فعلت خشيت أن يتغير قلبي في محبتك وأكره أن يتغير قلبي عليك فأنت بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن شرطت أن لا تطلقها زوجتك فسكت الحسن وقام وخرج وقال بعض أهل بيته سمعته وهو يمشي ويقول ما أراد عبد الرحمن إلا أن يجعل ابنته طوقا في عنقي.
وكان علي رضي الله عنه يضجر من كثرة تطليقه فكان يعتذر منه على المنبر ويقول في خطبته إن حسنا مطلاقا فلا تنكحوه حتى قام رجل من همدان فقال والله يا أمير المؤمنين لننكحنه ما شاء فإن أحب امسك وإن شاء ترك فسر ذلك عليا وقال لو كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلي بسلام وهذا تنبيه على أن من طعن في حبيبه من أهل وولد بنوع حياء فلا ينبغي أن يوافق عليه فهذه الموافقة قبيحة بل الأدب المخالفة ما أمكن فإن ذلك أسر لقلبه وأوفق لباطن ذاته والقصد من هذا بيان أن الطلاق مباح وقد وعد الله الغنى في الفراق والنكاح جميعا فقال (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وقال سبحانه وتعالى (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته).
الرابع أن لا يفشى سرها لا في الطلاق ولا عند النكاح فقد ورد في إفشاء سر النساء في الخبر الصحيح وعيد عظيم حديث الوعيد في إفشاء سر المرأة رواه مسلم من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أعظم الخيانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم يفشي سرها ويروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأة فقيل له ما الذي يريبك فيها فقال العاقل لا يهتك ستر امرأته فلما طلقها قيل له لم طلقتها فقال مالي ولا مرأة غيري فهذا بيان ما على الزوج.
القسم الثاني من هذا الباب النظر في حقوق الزوج عليها والقول الشافي فيه أن النكاح نوع رق فهي رقيقة له فعليها طاعة الزوج مطلقا في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه وقد ورد في تعظيم حق الزوج عليها أخبار كثيرة قال صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة) وكان رجل قد خرج إلى سفر وعهد إلى امرأته أن لا تنزل من العلو إلى السفل وكان أبوها في الأسفل فمرض فأرسلت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذن في النزول إلى أبيها فقال صلى الله عليه وسلم أطيعي زوجك فمات فاستأمرته فقال أطيعي زوجك فدفن أبوها فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها يخبرها أن الله قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها) وقال صلى الله عليه وسلم (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها) وأضاف طاعة الزوج إلى مباني الإسلام وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء فقال حاملات والدات مرضعات رحيمات بأولادهن لولا ما يأتين إلى أزواجهن دخل مصلياتهن الجنة وقال صلى الله عليه وسلم اطلعت في النار فإذا أكثر أهلها النساء فقلن لم يا رسول الله قال يكثرن اللعن ويكفرن العشير يعني الزوج المعاشر وفي خبر آخر اطلعت في الجنة فإذا أقل أهلها النساء فقلت أين النساء قال شغلهن الأحمران الذهب والزعفران يعني الحلي ومصبغات الثياب وقالت عائشة رضي الله عنها أتت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني فتاة أخطب فأكره التزويج فما حق الزوج على المرأة قال لو كان من فرقه إلى قدمه صديد فلحسته ما أدت شكره قالت أفلا أتزوج قال بلى تزوجي فإنه خير قال ابن عباس أتت امرأة من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة أيم وأريد أن تزوج فما حق الزوج قال إن من حق الزوج على الزوجة إذا أرادها فراودها عن نفسها وهي على ظهر بعير لا تمنعه ومن حقه أن لا تعطي شيئا من بيته إلا بإذنه فإن فعلت ذلك كان الوزر عليها والأجر له ومن حقه أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه فإن فعلت جاعت وعطشت ولم يتقبل منها وإن خرجت من بيتها بغير إذنه لعنتها الملائكة حتى ترجع إلى بيته أو تتوب وقال صلى الله عليه وسلم لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها وقال صلى الله عليه وسلم أقرب ما تكون المرأة من وجه ربها إذا كانت في قعر بيتها وإن صلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في المسجد وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في صحن دارها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها والمخدع بيت في بيت وذلك للستر ولذلك قال صلى الله عليه وسلم والمرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وقال أيضا للمرأة عشر عورات فإذا تزوجت ستر الزوج عورة واحدة فإذا ماتت ستر القبر العشر عورات
فحقوق الزوج على الزوجة كثيرة وأهمها أمران أحدهما الصيانة والستر والآخر ترك المطالبة بما وراء الحاجة والتعفف عن كسبه إذا كان حراما وهكذا كانت عادة النساء في السلف كان الرجل إذا خرج من منزله تقول له امرأته أو ابنته إياك وكسب الحرام فإنا نصبر على الجوع والضر ولا نصبر على النار وهم رجل من السلف بالسفر فكره جيرانه سفره فقالوا لزوجته لم ترضين بسفره ولم يدع لك نفقة فقالت زوجي منذ عرفته عرفته أكالا وما عرفته رزاقا ولي رب رزاق يذهب الأكال ويبقى الرزاق وخطبت رابعة بنت إسماعيل أحمد بن أبي الحواري فكره ذلك لما كان فيه من العبادة وقال لها والله مالي همة في النساء لشغلي بحالي فقالت إني لأشغل بحالي منك ومالي شهوة ولكن ورثت مالا جزيلا من زوجي فأردت أن تنفقه على إخوانك وأعرف بك الصالحين فيكون لي طريقا إلى الله عز وجل فقال حتى استأذن أستاذي فرجع إلى أبي سليمان الداراني قال وكان ينهاني عن التزويج ويقول ما تزوج أحد من أصحابنا إلا تغير فلما سمع كلامها قال تزوج بها فإنها ولية لله هذا كلام الصديقين قال فتزوجتها فكان في منزلنا كن من جص ففنى من غسل أيدي المستعجلين للخروج بعد الأكل فضلا عمن غسل بالأشنان قال وتزوجت عليها ثلاث نسوة فكانت تطعمني الطيبات وتطيبني وتقول اذهب بنشاطك وقوتك الى أزواجك وكانت رابعة هذه تشبه في أهل الشام برابعة العدوية بالبصرة ومن الواجبات عليها أن لا تفرط في ماله بل تحفظه عليه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل لها أن تطعم من بيته إلا بإذنه إلا الرطب من الطعام الذي يخاف فساده فإن أطعمت عن رضاه كان لها مثل أجره وإن أطعمت بغير إذنه كان له الأجر وعليها الوزر) ومن حقها على الوالدين تعليمها حسن المعاشرة وآداب العشرة مع الزوج، كما روي أن أسماء بنت خارجة الفزاري قالت لابنتها عند التزوج (إنك خرجت من العش الذي فيه درجت فصرت إلى فراش لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فكوني له أرضا يكن لك سماء وكوني له مهادا يكن لك عمادا وكوني له أمة يكن لك عبدا لا تلحفي به فيقلاك ولا تباعدي عنه فينساك إن دنا منك فاقربي منه وإن نأى فأبعدي عنه واحفظي أنفه وسمعه وعينه فلا يشمن منك إلا طيبا ولا يسمع إلا حسنا ولا ينظر إلا جميلا).
وقال رجل لزوجته (خذي العفو مني تستديمي مودتي ولا تنطقي في سورتي حين أغضب ولا تنقريني نقرك الدف مرة فإنك لا تدرين كيف المغيب ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى ويأباك قلبي والقلوب تقلب فإني رأيت الحب في القلب والأذى إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب) فالقول الجامع في آداب المرأة من غير تطويل أن تكون قاعدة في قعر بيتها لازمة لمغزلها لا يكثر صعودها واطلاعها قليلة الكلام لجيرانها لا تدخل عليهم إلا في حال يوجب الدخول تحفظ بعلها في غيبته وتطلب مسرته في جميع أمورها ولا تخونه في نفسها وماله ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه فإن خرجت بإذنه فمختفية في هيئة رئة تطلب المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق محترزة من أن يسمع غريب صوتها أو يعرفها بشخصها لا تتعرف إلى صديق بعلها في حاجاتها بل تتنكر على من تظن أنه يعرفها أو تعرفه همها صلاح شأنها وتدبير بيتها مقبلة على صلاتها وصيامها وإذا استأذن صديق لبعلها على الباب وليس البعل حاضرا لم تستفهم ولم تعاوده في الكلام غيرة على نفسها وبعلها وتكون قانعة من زوجها بما رزق الله وتقدم حقه على حق نفسها وحق سائر أقاربها منتظفة في نفسها مستعدة في الأحوال كلها للتمتع بها إن شاء مشفقة على أولادها حافظة للستر عليهم قصيرة اللسان عن سب الأولاد ومراجعة الزوج وقد قال صلى الله عليه وسلم (أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين في الجنة امرأة آمت من زوجها وحبست نفسها على بناتها حتى ثابوا أو ماتوا) وقال صلى الله عليه وسلم (حرم الله على كل آدمي الجنة يدخلها قبلي غير أني أنظر عن يميني فإذا امرأة تبادرني إلى باب الجنة فأقول ما لهذه تبادرني فيقال لي يا محمد هذه امرأة كانت حسناء جميلة وكان عندها يتامى لها فصبرت عليهن حتى بلغ أمرهن الذي بلغ فشكر الله لها ذلك) ومن آدابها أن لا تتفاخر على الزوج بجمالها ولا تزدري زوجها لقبحه فقد روي أن الأصمعي قال (دخلت البادية فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجها تحت رجل من أقبح الناس وجها فقلت لها يا هذه أترضين لنفسك أن تكوني تحت مثله فقالت يا هذا اسكت فقد أسأت في قولك لعله أحسن فيما بينه وبين خالقه فجعلني ثوابه أو لعلي أسأت فيما بيني وبين خالقي فجعله عقوبتي أفلا أرضى بما رضي الله لي فأسكتتني) وقال الأصمعي (رأيت في البادية امرأة عليها قميص أحمر وهي مختضبة وبيدها سبحة فقلت ما أبعد هذا من هذا) فقالت (ولله مني جانب لا أضيعه وللهو مني والبطالة جانب) فعلمت أنها امرأة صالحة لها زوج تتزين له).
ومن آداب المرأة ملازمة الصلاح والانقباض في غيبة زوجها والرجوع إلى اللعب والانبساط وأسباب اللذة في حضور زوجها ولا ينبغي أن تؤذي زوجها بحال روي عن معاذ ابن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا)
ومما يجب عليها من حقوق النكاح إذا مات عنها زوجها أن لا تحد عليه أكثر من أربعة أشهر وعشر وتتجنب الطيب والزينة في هذه المدة قالت زينب بنت أبي سلمة دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت به جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت أكثر من ثلاثة أيام إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا) ويلزمها لزوم مسكن النكاح إلى آخر العدة وليس لها الانتقال إلى أهلها ولا الخروج إلا لضرورة ومن آدابها أن تقوم بكل خدمة في الدار تقدر عليها فقد روي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنها قالت (تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه وناضحه فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤنته وأسوسه وأدق النوى لناضحه وأعلفه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ حتى أرسل إلى أبو بكر بجارية فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقني) ولقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ومعه أصحابه والنوى على رأسي فقال صلى الله عليه وسلم أخ أخ لينيخ ناقته ويحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فجئت الزبير فحكيت له ما جرى فقال والله لحملك النوى على رأسك أشد علي من ركوبك معه.

تم كتاب آداب النكاح بحمد الله ومنه وصلى الله على كل عبد مصطفى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 4:47 am


كتاب آداب الكسب والمعاش
وهو الكتاب الثالث من ربع العادات من كتاب إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله حمد موحد انمحق في توحيده ما سوى الواحد الحق وتلاشر ونمجده تمجيد من يصرح بأن كل شيء ما سوى الله باطل ولا يتحاشى وأن كل من في السموات والأرض لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ولا فراشا ونشكره إذ رفع السماء لعباده سقفا مبنيا ومهد الأرض بساطا لهم وفراشا وكور الليل على النهار فجعل الليل لباسا والنهار معاشا لينتشروا في ابتغاء فضله وينتعشوا به عن ضراعة الحاجات انتعاشا ونصلي على رسوله الذي يصدر المؤمنون عن حوضه رواء بعد ورودهم عليه عطاشا وعلى آله وأصحابه الذين لم يدعوا في نصرة دينه تشمرا وانكماشا وسلم تسليما كثيرا أما بعد فإن رب الأرباب ومسبب الأسباب جعل الآخرة دار الثواب والعقاب والدنيا دار التمحل والاضطراب والتشمر والاكتساب وليس التشمر في الدنيا مقصورا على المعاد دون المعاش بل المعاش ذريعة إلى المعاد ومعين عليه فالدنيا مزرعة الآخرة ومدرجة إليها والناس ثلاثة رجل شغله معاشه عن معاده فهو من الفائزين والأقرب إلى الاعتدال هو الثالث الذي شغله معاشه لمعاده فهو من المفتصدين ولن ينال رتبة الاقتصاد من لم يلازم في طلب المعيشة منهج السداد ولن ينتهض من طلب الدنيا وسيلة إلى الآخرة وذريعة ما لم يتأدب في طلبها بآداب الشريعة وها نحن نورد آداب التجارات والصناعات وضروب الاكتسابات وسننها ونشرحها في خمسة أبواب :
الباب الأول : فضل الكسب والحث عليه .
الباب الثاني : في علم صحيح البيع والشراء والمعاملات .
الباب الثالث : في بيان العدل في المعاملة :
الباب الرابع : في بيان الإحسان فيها .
الباب الخامس : في شفقة التاجر على نفسه ودينه .

الباب الأول

في فضل الكسب والحث عليه .

أما من الكتاب : فقوله تعالى " وجعلنا النهار معاشا " فذكره في معرض الامتنان
وقال تعالى " وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون " فجعلها ربك نعمة وطلب الشكر عليها
وقال تعالى " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم "
وقال تعالى " وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله "
وقال تعالى " فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله "

وأما الأخبار : فقد قال صلى الله عليه وسلم ( من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة ) حديث من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة تقدم في النكاح .
وقال صلى الله عليه وسلم ( التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين والشهداء ) حديث التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين والشهداء أخرجه الترمذي والحاكم من حديث أبي سعيد قال الترمذي حسن وقال الحاكم إنه من مراسيل الحسن ولابن ماجه والحاكم نحوه من حديث ابن عمر .
وقال صلى الله عليه وسلم ( من طلب الدنيا حلالا وتعففا عن المسئلة وسعيا على عياله وتعطفا على جاره لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر ) حديث من طلب الدنيا حلالا وتعففا عن المسألة وسعيا على عياله الحديث أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة بسند ضعيف .
وكان صلى الله عليه وسلم جالسا مع أصحابه ذات يوم فنظروا إلى شاب ذي جلد وقوة وقد بكر يسعى فقالوا ويح هذا لو كان شبابه وجلده في سبيل الله فقال صلى الله عليه وسلم ( لا تقولوا هذا فإنه إن كان يسعى على نفسه ليكفها عن المسئلة ويغنيها عن الناس فهو في سبيل الله وإن كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذرية ضعاف ليغنيهم ويكفيهم فهو في سبيل الله وإن كان يسعى تفاخرا وتكاثرا فهو في سبيل الشيطان ) حديث كان صلى الله عليه وسلم جالسا مع أصحابه ذات يوم فنظر إلى شاب ذي جلد وقوة وقد بكر يسعى فقالوا ويح هذا لو كان جلده في سبيل اللهالحديث أخرجه الطبراني في معاجمه الثلاثة من حديث كعب بن عجرة بسند ضعيف .
وقال صلى الله عليه وسلم
( إن الله يحب العبد يتخذ المهنة ليستغني بها عن الناس ويبغض العبد يتعلم العلم يتخذه مهنة ) حديث إن الله يحب العبد يتخذ المهنة يستغني بها عن الناسالحديث لم أجده هكذا وروى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي إن الله يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال وفيه محمد بن سهل العطار قال الدارقطني يضع الحديث وفي الخبر إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف حديث إن الله يحب المؤمن المحترف أخرجه الطبراني وابن عدي وضعفه من حديث ابن عمر .
وقال صلى الله عليه وسلم ( أحل ما أكل الرجل من كسبه وكل بيع مبرور حديث أحل ما أكل الرجل من كسبه وكل بيع مبرور ) أخرجه أحمد من حديث رافع بن خديج قيل يا رسول الله أي الكسب أطيب قال عمل الرجل بيده وكل عمل مبرور ورواه البزار والحاكم من رواية سعيد بن عمير عن عنه قال الحاكم صحيح الإسناد قال وذكر يحيى بن معين أن عم سعيد البراء بن عازب ورواه البيهقي من رواية سعيد بن عمير مرسلا وقال هذا هو المحفوظ وخطأ قول من قال عن عمه وحكاه عن البخاري ورواه أحمد والحاكم من رواية جميع ابن عمير عن خاله أبي بردة وجميع ضعيف والله أعلم وفي خبر آخر أحل ما أكل العبد كسب يد الصانع إذا نصح حديث أحل ما أكل العبد كسب الصانع إذا نصح رواه أحمد من حديث أبي هريرة خير الكسب كسب العامل إذا نصح وإسناده حسن .
وقال صلى الله عليه وسلم ( عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق ) حديث عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق رواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث من حديث نعيم بن عبد الرحمن تسعة أعشار الرزق في التجارة ورجاله ثقات ونعيم هذا قال فيه ابن مندة ذكر في الصحابة ولا يصح وقال أبو حاتم الرازي وابن حبان أنه تابعي فالحديث مرسل وروي أن عيسى عليه السلام رأى رجلا فقال ما تصنع قال أتعبد قال من يعولك قال أخي قال أخوك أعبد منك .
وقال نبينا صلى الله عليه وسلم ( إني لا أعلم شيئا يقربكم من الجنة ويبعدكم من النار إلا أمرتكم به وإني لا أعلم شيئا يبعدكم من الجنة ويقربكم من النار إلا نهيتكم عنه وإن الروح الأمين نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ) أمر بالإجمال في الطلب ولم يقل اتركوا الطلب ثم قال في آخره ( ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله تعالى فإن الله لا ينال ما عنده بمعصيته ) حديث إني لا أعلم شيئا يبعدكم من الجنة ويقربكم من النار ألا نهيتكم عنه فإن الروح الأمين نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقهاالحديث رواه ابن أبي الدنيا في القناعة والحاكم من حديث ابن مسعود وذكره شاهدا لحديث أبي حميد وجابر وصححهما على شرط الشيخين وهما مختصران ورواه البيهقي في شعب الإيمان وقال إنه منقطع .
وقال صلى الله عليه وسلم ( الأسواق موائد الله تعالى فمن أتاها أصاب منها ) حديث الأسواق موائد الله فمن أتاها أصاب منها رويناه في الطيوريات من قول الحسن البصري ولم أجده مرفوعا .
وقال صلى الله عليه وسلم ( لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله فيسأله له أعطاه أو منعه ) حديث لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاالحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وقال من فتح على نفسه بابا من السؤال فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر حديث من فتح على نفسه بابا من السؤال فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر رواه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري ولا فتح عبد باب مسئلة إلا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها وقال حسن صحيح.

وأما الآثار : فقد قال لقمان الحكيم لابنه - يا بني استغن بالكسب الحلال عن الفقر فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال رقة في دينه وضعف في عقله وذهاب مروءته وأعظم من هذه الثلاث استخفاف الناس به - .
وقال عمر رضي الله عنه لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق يقول اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة .
وكان زيد بن مسلمة يغرس في أرضه فقال له عمر رضي الله عنه أصبت استغن عن الناس يكن أصون لدينك وأكرم لك عليهم كما قال صاحبكم أحيحة فلن أزال على الزوراء أغمرها إن الكريم على الإخوان ذو المال .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه إني لأكره أن أرى الرجل فارغا لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته .
وسئل إبراهيم عن التاجر الصدوق أهو أحب إليك أم المتفرغ للعبادة قال التاجر الصدوق أحب إلي لأنه في جهاد يأتيه الشيطان من طريق المكيال والميزان ومن قبل الأخذ والعطاء فيجاهده وخالفه الحسن البصري في هذا .
وقال عمر رضي الله عنه ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلي من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري .
وقال الهيثم ربما يبلغني عن الرجل يقع في فأذكر استغنائي عنه فيهون ذلك علي .
وقال أيوب كسب فيه شيء أحب إلي من سؤال الناس .
وجاءت ريح عاصفة في البحر فقال أهل السفينة لإبراهيم بن أدهم رحمه الله وكان معهم فيها أما ترى هذه الشدة فقال ما هذه الشدة وإنما الشدة الحاجة إلى الناس .
وقال أيوب قال لي أبو قلابة الزم السوق فإن الغنى من العافية يعني الغنى عن الناس .
وقيل لأحمد ما تقول فيمن جلس في بيته أو مسجده وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال أحمد هذا رجل جهل العلم أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي حديث إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي رواه أحمد من حديث ابن عمر جعل رزقي تحت ظل رمحي وإسناده صحيح .
وقوله صلى الله عليه وسلم حين ذكر الطير فقال تغذو خماصا وتروح بطانا حديث ذكر الطير فقال تغذو خماصا وتروح بطانا أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عمر قال الترمذي حسن صحيح فذكر أنها تغدو في طلب الرزق .
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم .
وقال أبو قلابة لرجل لأن أراك تطلب معاشك أحب إلي من أن أراك في زاوية المسجد .
وروي أن الأوزاعي لقي إبراهيم بن أدهم رحمهم الله وعلى عنقه حزمة حطب فقال له يا أبا إسحق إلى متى هذا إخوانك يكفونك فقال دعني عن هذا يا أبا عمرو فإنه بلغني أنه من وقف موقف مذلة في طلب الحلال وجبت له الجنة .
وقال أبو سليمان الداراني ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يقوت لك ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد .
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه ينادي مناد يوم القيامة أين بغضاء الله في أرضه فيقوم سؤال المساجد فهذه مذمة الشرع للسؤال والاتكال على كفاية الأغيار ومن ليس له مال موروث فلا ينجيه من ذلك إلا الكسب والتجارة فإن قلت فقد قال صلى الله عليه وسلم ما أوحي إلي أن أجمع المال وكن من التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين حديث ما أوحي إلي أن اجمع المال وكن من التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين رواه ابن مردويه في التفسير من حديث ابن مسعود بسند فيه لين.
وقيل لسلمان الفارسي أوصنا فقال من استطاع منكم أن يموت حاجا أو غازيا أو عامرا لمسجد ربه فليفعل ولا يموتن تاجرا ولا خائنا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 4:56 am


فالجواب أن وجه الجمع بين هذه الأخبار تفصيل الأحوال فنقول لسنا نقول التجارة أفضل مطلقا من كل شيء ولكن التجارة إما أن تطلب بها الكفاية أو الثروة أو الزيادة على الكفاية فإن طلب منها الزيادة على الكفاية لاستكثار المال وادخاره لا ليصرف إلى الخيرات والصدقات فهي مذمومة لأنه إقبال على الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة فإن كان مع ذلك ظالما خائنا فهو ظلم وفسق وهذا ما أراده سلمان بقوله لا تمت تاجرا ولا خائنا وأراد بالتاجر طالب الزيادة فأما إذا طلب بها الكفاية لنفسه وأولاده وكان يقدر على كفايتهم بالسؤال فالتجارة تعففا عن السؤال أفضل وإن كان لا يحتاج إلى السؤال وكان يعطي عن غير سؤال فالكسب أفضل لأنه إنما يعطي لأنه سائل بلسان حاله ومناد بين الناس بفقره فالتعفف والتستر أوفى من البطالة بل من الاشتغال بالعبادات البدنية وترك الكسب أفضل لأربعة عابد بالعبادات البدنية أو رجل له سير بالباطن وعمل بالقلب في علوم الأحوال والمكاشفات أو عالم مشتغل بتربية علم الظاهر مما ينتفع الناس به في دينهم كالمفتي والمفسر والمحدث وأمثالهم أو رجل مشتغل بمصالح المسلمين وقد تكفل بأمورهم كالسلطان والقاضي والشاهد فهؤلاء إذا كانوا يكفون من الأموال المرصدة للمصالح أو الأوقاف المسبلة على الفقراء أو العلماء فإقبالهم على ما هم فيه أفضل من اشتغالهم بالكسب ولهذا أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ولم يوح إليه أن كن من التاجرين لأنه كان جامعا لهذه المعاني الأربعة إلى زيادات لا يحيط بها الوصف ولهذا أشار الصحابة على أبي بكر رضي الله عنهم بترك التجارة لما ولي الخلافة إذ كان ذلك يشغله عن المصالح وكان يأخذ كفايته من مال المصالح ورأى ذلك أولى ثم لما توفي أوصى برده إلى بيت المال ولكنه رآه في الابتداء أولى ولهؤلاء الأربعة حالتان أخريان أحداهما أن تكون كفايتهم عند ترك المكسب من أيدي الناس وما يتصدق به عليهم من زكاة أو صدقة من غير حاجة إلى سؤال فترك الكسب والاشتغال بما هم فيه أولى إذ فيه إعانة الناس على الخيرات وقبول منهم لما هو حق عليهم وأفضل لهم الحالة الثانية الحاجة إلى السؤال وهذا في محل النظر والتشديدات التي رويناها في السؤال وذمه تدل ظاهرا على أن التعفف عن السؤال أولى وإطلاق القول فيه من غير ملاحظة الأحوال والأشخاص عسير بل هو موكول إلى اجتهاد العبد ونظره لنفسه بأن يقابل ما يلقى في السؤال من المذلة وهتك المروءة والحاجة إلى التثقيل والإلحاح بما يحصل من اشتغاله بالعلم والعمل من الفائدة له ولغيره فرب شخص تكثر فائدة الخلق وفائدته في اشتغاله بالعلم أو العمل ويهون عليه بأدنى تعريض في السؤال تحصيل الكفاية وربما يكون بالعكس وربما يتقابل المطلوب والمحذور فينبغي أن يستفتي المريد فيه قلبه وإن أفتاه المفتون فإن الفتاوى لا تحيط بتفاصيل الصور ودقائق الأحوال ولقد كان في السلف من له ثلثمائة وستون صديقا ينزل على كل واحد منهم ليلة ومنهم من له ثلاثون وكانوا يشتغلون بالعبادة لعملهم بأن المتكلفين بهم يتقلدون منة من قبولهم لمبراتهم فكان قبولهم لمبراتهم خيرا مضافا لهم إلى عباداتهم فينبغي أن يدقق النظر في هذه الأمور فإن أجر الآخذ كأجر المعطي مهما كان الآخذ يستعين به على الدين والمعطي يعطيه عن طيب قلب ومن اطلع على هذه المعاني أمكنه أن يتعرف حال نفسه ويستوضح من قلبه ما هو الأفضل له بالإضافة إلى حاله ووقته فهذه فضيلة الكسب وليكن العقد الذي به الاكتساب جامعا لأربعة أمور الصحة والعدل والإحسان والشفقة على الدين ونحن نعقد في كل واحد بابا ونبتدئ بذكر أسباب الصحة في الباب الثاني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 5:06 am


الباب الثاني

في علم الكسب بطريق البيع والربا والسلم والإجارة والقراض والشركة وبيان شروط الشرع في صحة هذه التصرفات التي هي مدار المكاسب في الشرع اعلم أن تحصيل علم هذا الباب واجب على كل مسلم مكتسب لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم وإنما هو طلب العلم المحتاج إليه والمكتسب يحتاج إلى علم الكسب ومهما حصل علم هذا الباب وقف على مفسدات المعاملة فيتقيها وما شذ عنه من الفروع المشكلة فيقع على سبب إشكالها فيتوقف فيها إلى أن يسأل فإنه إذا لم يعلم أسباب الفساد بعلم جملي فلا يدري متى يجب عليه التوقف والسؤال ولو قال لا أقدم العلم ولكني أصبر إلى أن تقع لي الواقعة فعندها أتعلم وأستفتي فيقال له وبم تعلم وقوع الواقعة مهما لم تعلم جمل مفسدات العقود فإنه يستمر في التصرفات ويظنها صحيحة مباحة فلا بد له من هذا القدر من علم التجارة ليتميز له المباح عن المحظور وموضع الإشكال عن موضع الوضوح ولذلك روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يطوف السوق ويضرب بعض التجار بالدرة ويقول لا يبيع في سوقنا إلا من يفقه وإلا أكل الربا شاء أم أبى وعلم العقود كثير ولكن هذه العقود الستة لا تنفك المكاسب عنها وهي البيع والربا والسلم والإجارة والشركة والقراض فلنشرح شروطها.

العقد الأول :
البيع - وقد أحله الله تعالى وله ثلاثة أركان : العاقد والمعقود عليه واللفظ .
الركن الأول : العاقد ينبغي للتاجر أن لا يعامل بالبيع أربعة الصبي والمجنون والعبد والأعمى لأن الصبي غير مكلف وكذا المجنون وبيعهما باطل فلا يصح بيع الصبي وإن أذن له فيه الولي عند الشافعي وما أخذه منهما مضمون عليه لهما وما سلمه في المعاملة إليهما فضاع في أيديهما فهو المضيع له وأما العبد العاقل فلا يصح بيعه وشراؤه إلا بإذن سيده فعلى البقال والخباز والقصاب وغيرهم أن لا يعاملوا العبيد ما لم تأذن لهم السادة في معاملتهم وذلك بأن يسمعه صريحا أو ينتشر في البلد أنه مأذون له في الشراء لسيده وفي البيع له فيعول على الاستفاضة أو على قول عدل يخبره بذلك فإن عامله بغير إذن السيد فعقده باطل وما أخذه منه مضمون عليه لسيده وما تسلمه إن ضاع في يد العبد لا يتعلق برقبته ولا يضمنه سيده بل ليس له إلا المطالبة إذا عتق وأما الأعمى فإنه يبيع ويشتري ما لا يرى فلا يصح ذلك فليأمره بأن يوكل وكيلا بصيرا ليشتري له أو يبيع فيصح توكيله ويصح بيع وكيله فإن عامله التاجر بنفسه فالمعاملة فاسدة وما أخذه منه مضمون عليه بقيمته وما سلمه إليه أيضا مضمون له بقيمته وأما الكافر فتجوز معاملته لكن لا يباع منه المصحف ولا العبد المسلم ولا يباع منه السلاح إن كان من أهل الحرب فإن فعل فهي معاملات مردودة وهو عاص بها ربه وأما الجندية من الأتراك والتركمانية والعرب والأكراد والسراق والخونة وأكلة الربا والظلمة وكل من أكثر ماله حرام فلا ينبغي أن يتملك مما في أيديهم شيئا لأجل أنها حرام إلا إذا عرف شيئا بعينه أنه حلال وسيأتي تفصيل ذلك في كتاب الحلال والحرام .

الركن الثاني : في المعقود عليه وهو المال المقصود نقله من أحد العاقدين إلى الآخر ثمنا كان أو مثمنا فيعتبر فيه ستة شروط :
الأول : أن لا يكون نجسا في عينه فلا يصح بيع كلب وخنزير ولا بيع زبل وعذرة ولا بيع العاج والأواني المتخذة منه فإن العظم ينجس بالموت ولا يطهر الفيل بالدبح ولا يطهر عظمه بالتذكية ولا يجوز بيع الخمر ولا بيع الودك النجس المستخرج من الحيوانات التي لا تؤكل وإن كان يصلح للاستصباح أو طلاء السفن ولا بأس ببيع الدهن الطاهر في عينه الذي نجس بوقوع نجاسة أو موت فأرة فيه فإنه يجوز الانتفاع به في غير الأكل وهو في عينه ليس بنجس وكذلك لا أرى بأسا ببيع بزر القز فإنه أصل حيوان ينتفع به تشبيهه بالبيض وهو أصل حيوان أولى من تشبيهه بالروث ويجوز بيع فأرة المسك ويقضى بطهارتها إذا انفصلت من الظبية في حالة الحياة .
الثاني : أن يكون منتفعا به فلا يجوز بيع الحشرات ولا الفأرة ولا الحية ولا التفات إلى انتفاع المشعبذ بالحية وكذا لاالتفات إلى انتفاع أصحاب الحلق بإخراجها من السلة وعرضها على الناس ويجوز بيع الهرة والنحل وبيع الفهد والأسد وما يصلح لصيد أو ينتفع بجلده ويجوز بيع الفيل لأجل الحمل ويجوز بيع الطوطى وهي الببغاء والطاوس والطيور المليحة الصور وإن كانت لا تؤكل فإن التفرج بأصواتها والنظر إليها غرض مقصود مباح وإنما الكلب هو الذي لا يجوز أن يقتنى إعجابا بصورته لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه حديث النهي عن اقتناء الكلب متفق عليه من حديث ابن عمر من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضاريا نقص من عمله كل يوم قيراطان ولا يجوز بيع العود والصنج والمزامير والملاهي فإنه لا منفعة لها شرعا وكذا بيع الصور المصنوعة من الطين كالحيوانات التى تباع في الأعياد للعب الصبيان فإن كسرها واجب شرعا وصور الأشجار متسامح بها وأما الثياب والأطباق وعليها صور الحيوانات فيصح بيعها وكذا الستور وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها اتخذي منها نمارق حديث اتخذي منها نمارق يقوله لعائشة متفق عليه من حديثها ولا يجوز استعمالها منصوبة ويجوز موضوعة وإذا جاز الانتفاع من وجه صح البيع لذلك .
الوجه الثالث : أن يكون المتصرف فيه مملوكا للعاقد أو مأذونا من جهة المالك ولا يجوز أن يشتري من غير المالك انتظارا للإذن من المالك بل لو رضى بعد ذلك وجب استئناف العقد ولا ينبغي أن يشتري من الزوجة مال الزوج ولا من الزوج مال الزوجة ولا من الوالد مال الولد ولا من الولد مال الوالد اعتمادا على أنه لو عرف لرضي فإنه إذا لم يكن الرضا متقدما لم يصح البيع وأمثال ذلك مما يجري في الأسواق فواجب على العبد المتدين أن يحترز منه.
الرابع : أن يكون المعقود عليه مقدورا على تسليمه شرعا وحسا فما لا يقدر على تسليمه حسا لا يصح بيعه كالآبق والسمك في الماء والجنين في البطن وعسب الفحل وكذلك بيع الصوف على ظهر الحيوان واللبن في الضرع لا يجوز فإنه يتعذر تسليمه لاختلاط غير المبيع بالمبيع والمعجوز عن تسليمه شرعا كالمرهون والموقوف والمستولدة فلا يصح بيعها أيضا وكذا بيع الأم دون الولد إذا كان الولد صغيرا وكذا بيع الولد دون الأم لأن تسليمه تفريق بينهما وحرام فلا يصح التفريق بينهما بالبيع .
الخامس : أن يكون المبيع معلوم العين والقدر والوصف أما العلم بالعين فبأن يشير إليه بعينه فلو قال بعتك شاة من هذا القطيع أي شاة أردت أو ثوبا من هذه الثياب التي بين يديك أو ذراعا من هذا الكرباس وخذه من أي جانب شئت أو عشرة أذرع من هذه الأرض وخذه من أي طرف شئت فالبيع باطل وكل ذلك مما يعتاده المتساهلون في الدين إلا أن يبيع شائعا مثل أن يبيع نصف الشيء أو عشرة فإن ذلك جائز وأما العلم بالقدر فإنما يحصل بالكيل أو الوزن أو النظر إليه فلو قال بعتك هذا الثوب بما باع به فلان ثوبه وهما لا يدريان ذلك فهو باطل ولو قال بعتك بزنة هذه الصنجة فهو باطل إذا لم تكن الصنجة معلومة ولو قال بعتك هذه الصبرة من الحنطة فهو باطل أو قال بعتك بهذه الصرة من الدراهم أو بهذه القطعة من الذهب وهو يراها صح البيع وكان تخمينه بالنظر كافيا في معرفة المقدار وأما العلم بالوصف فيحصل بالرؤية في الأعيان ولا يصح بيع الغائب إلا إذا سبقت رؤيته مذ مدة لا يغلب التغير فيها والوصف لا يقوم مقام العيان هذا أحد المذهبين ولا يجوز بيع الثوب في المنسج اعتمادا على الرقوم ولا بيع الحنطة في سنبلها ويجوز بيع الأرز في قشرته التي يدخر فيها وكذا بيع الجوز واللوز في القشرة السفلى ولا يجوز في القشرتين ويجوز بيع الباقلاء الرطب في قشرته للحاجة ويتسامح ببيع الفقاع لجريان عادة الأولين به ولكن نجعله إباحة بعوض فإن اشتراه ليبيعه فالقياس بطلانه لأنه ليس مستترا ستر خلقه ولا يبعد أن يتسامح به إذ في إخراجه إفساده كالرمان وما يستر بستر خلق معه .
السادس : أن يكون المبيع مقبوضا إن كان قد استفاد ملكه بمعاوضة وهذا شرط خاص وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض حديث النهي عن بيع ما لم يقبض متفق عليه من حديث ابن عباس ويستوي فيه العقار والمنقول فكل ما اشتراه أو باعه قبل القبض فبيعه باطل وقبض المنقول بالنقل وقبض العقار بالتخلية وقبض ما ابتاعه بشرط الكيل لا يتم إلا بأن يكتاله وأما بيع الميراث والوصية والوديعة وما لم يكن الملك حاصلا فيه بمعاوضة فهو جائز قبل القبض
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 5:07 am


الركن الثالث : لفظ العقد فلا بد من جريان إيجاب وقبول متصل به بلفظ دال على المقصود مفهم إما صريح أو كناية فلو قال أعطيتك هذا بذاك بدل قوله بعتك فقال قبلته جاز مهما قصدا به البيع لأنه قد يحتمل الإعارة إذا كان في ثوبين أو دابتين والنية تدفع الاحتمال والصريح أقطع للخصومة ولكن الكناية تفيد الملك أيضا والحل فيما يختاره ولا ينبغي أن يقرر بالبيع شرطا على خلاف مقتضى العقدة فلو شرط أن يزيد شيئا آخر وأن يحمل المبيع إلى داره أو اشترى الحطب بشرط النقل إلى داره كل ذلك فاسد إلا إذا أفرد استئجاره على النقل بأجرة معلومة منفردة عن الشراء للمنقول ومهما لم يجر بينهما إلا المعاطاة بالفعل دون التلطف باللسان لم ينعقد البيع عند الشافعي أصلا وانعقد عند أبي حنيفة إن كان في المحقرات ثم ضبط المحقرات عسير فإن رد الأمر إلى العادات فقد جاوز الناس المحقرات في المعاطاة إذ يتقدم الدلال إلى البزاز يأخذ منه ثوبا ديباجا قيمته عشرة دنانير مثلا ويحمله إلى المشتري ويعود إليه بأنه ارتضاه فيقول له خذ عشرة فيأخذ من صاحبه العشرة ويحملها ويسلمها إلى البزاز فيأخذها ويتصرف فيها ومشتري الثوب يقطعه ولم يجر بينهما إيجاب وقبول أصلا وكذلك يجتمع المجهزون على حانوت البياع فيعرض متاعا قيمته مائة دينار مثلا فيمن يزيد فيقول أحدهم هذا علي بتسعين ويقول الآخر هذا علي بخمسة وتسعين ويقول الآخر هذا بمائة فيقال له زن فيزن ويسلم ويأخذ المتاع من غير إيجاب وقبول فقد استمرت به العادات وهذه من المعضلات التي ليست تقبل العلاج إذ الاحتمالات ثلاثة :
إما فتح باب المعاطاة مطلقا في الحقير والنفيس وهو محال إذ فيه نقل الملك من غير لفظ دال عليه وقد أحل الله البيع والبيع اسم للإيجاب والقبول ولم يجر ولم ينطلق اسم البيع على مجرد فعل بتسليم وتسلم فبماذا يحكم بانتقال الملك من الجانبين لا سيما في الجواري والعبيد والعقارات والدواب النفيسة وما يكثر التنازع فيه إذ للمسلم أن يرجع ويقول قد ندمت وما بعته إذ لم يصدر مني إلا مجرد تسليم وذلك ليس ببيع.
الاحتمال الثاني : أن نسد الباب بالكلية كما قال الشافعي رحمه الله من بطلان العقد وفيه إشكال من وجهين أحدهما أنه يشبه أن يكون ذلك في المحقرات معتادا في زمن الصحابة ولو كانوا يتكلفون الإيجاب والقبول من البقال والخباز والقصاب لثقل عليهم فعله ولنقل ذلك نقلا منتشرا ولكان يشتهر وقت الإعراض بالكلية عن تلك العادة فإن الأعصار في مثل هذا تتفاوت والثاني أن الناس الآن قد انهمكوا فيه فلا يشتري الإنسان شيئا من الأطعمة وغيرها إلى ويعلم أن البائع قد ملكه بالمعاطاة فأي فائدة في تلفظه بالعقد إذا كان الأمر كذلك .
الاحتمال الثالث : أن يفصل بين المحقرات وغيرها كما قاله أبو حنيفة رحمه الله وعند ذلك يتعسر الضبط في المحقرات ويشكل وجه نقل الملك من غير لفظ يدل عليه وقد ذهب ابن سريج إلى تخريج قول للشافعي رحمه الله على وفقه وهو أقرب الاحتمالات إلا الاعتدال فلا بأس لو ملنا إليه لمسيس الحاجات ولعموم ذلك بين الخلق ولما يغلب على الظن بأن ذلك كان معتادا في الأعصار الأولى فأما الجواب عن الإشكالين فهو أن نقول أما الضبط في الفصل بين المحقرات وغيرها فليس علينا تكلفه بالتقدير فإن ذلك غير ممكن بل له طرفان واضحان إذ لا يخفى أن شراء البقل وقليل من الفواكه والخبز واللحم من المعدود من الحقرات التي لا يعتاد فيها إلا المعاطاة وطالب الإيجاب والقبول فيه يعد مستقصيا ويستبرد تكليفه لذلك ويستثقل وينسب إلى انه يقيم الوزن لأمر حقير ولي وجه له هذا طرف الحقارة والطرف الثاني الدواب والعبيد والعقارات والثياب النفيسة فذلك مما لا يستبعد تكلف الإيجاب والقبول فيها وبينهما أوساط متشابهة يشك فيها هي في محل الشبهة فحق ذي الدين أن يميل فيها إلى الاحتياط وجميع ضوابط الشرع فيما يعلم بالعادة كذلك ينقسم إلى أطراف واضحة وأوساط مشكلة وأما الثاني وهو طلب سبب لنقل الملك فهو أن يجعل الفعل باليد أخذا وتسليما سببا لعينه بل لدلالته وهذا الفعل قد دل على مقصود البيع دلالة مستمرة في العادة وانضم إليه مسيس الحاجة وعادة الأولين واطراد جميع العادات بقبول الهدايا من غير إيجاب وقبول مع التصرف فيها وأي فرق بين أن يكون فيه عوض أو لا يكون إذ الملك لا بد من نقله في الهبة أيضا إلا أن العادة السالفة لم تفرق في الهدايا بين الحقير والنفيس بل كان طلب الإيجاب والقبول يستقبح فيه كيف كان وفي المبيع لم يستقبح في غير المحقرات هذا ما نراه أعدل الاحتمالات وحق الورع المتدين أن لا يدع الإيجاب والقبول للخروج عن شبهة الخلاف فلا ينبغي أن يمتنع من ذلك لأجل أن البائع قد تملكه بغير إيجاب وقبول فإن ذلك لا يعرف تحقيقا فربما اشتراه بقبول وإيجاب فإن كان حاضرا عند شرائه أو أقر البائع به فيمتنع منه وليشتر من غيره فإن كان الشيء محقرا وهو إليه محتاج فليتلفظ بالإيجاب والقبول فإنه يستفيد به قطع الخصومة في المستقبل معه إذ الرجوع من اللفظ الصريح غير ممكن ومن الفعل ممكن فإن قلت فإن أمكن هذا فيما يشتريه فكيف يفعل إذا حضر في ضيافة أو على مائدة وهو يعلم أن أصحابها يكتفون بالمعاطاة في البيع والشراء أو سمع منهم ذلك أو رآه أيجب عليه الامتناع من الأكل فأقول يجب عليه الامتناع من الشراء إذا كان ذلك الشيء الذي اشتروه مقدارا نفيسا ولم يكن من المحقرات وأما الأكل فلا يجب الامتناع منه فإني أقول إن ترددنا في جعل الفعل دلالة على نقل الملك فلا ينبغي أن لا نجعله دلالة على الإباحة فإن أمر الإباحة أوسع وأمر نقل الملك أضيق فكل مطعوم جرى فيه بيع معاطاة فتسليم البائع إذن في الأكل يعلم ذلك بقرينة الحال كإذن الحمامي في دخول الحمام والإذن في الإطعام لمن يريده المشتري فينزل منزلة ما لو قال أبحت لك أن تأكل هذا الطعام أو تطعم من أردت فإنه يحل له ولو صرح وقال كل هذا الطعام ثم أغرم لي عوضه لحل الأكل ويلزمه الضمان بعد الأكل هذا قياس الفقه عندي ولكنه بعد المعاطاة آكل ملكه ومتلفا له فعليه الضمان وذلك في ذمته والثمن الذي سلمه إن كان مثل قيمته فقد ظفر المستحق بمثل حقه فله أن يتملكه مهما عجز عن مطالبة من عليه وإن كان قادرا على مطالبته فإنه لا يتملك ما ظفر به من ملكه لأنه ربما لا يرضى بتلك العين أن يصرفها إلى دينه فعليه المراجعة وأما ههنا فقد عرف رضاه بقرينة الحال عند التسليم فلا يبعد أن يجعل الفعل دلالة على الرضاء بأن يستوفي دينه مما يسلم إليه فيأخذه بحقه لكن على كل الأحوال جانب البائع أغمض لأن ما أخذه قد يريد المالك ليتصرف فيه ولا يمكنه التملك إلا إذا أتلف عين طعامه في يد المشتري ثم ربما يفتقر إلى استئناف قصد التملك ثم يكون قد تملك بمجرد رضا استفاده من الفعل دون القول وأما جانب المشتري للطعام وهو لا يريد إلا الأكل فهين فإن ذلك يباح بالإباحة المفهومة من قرينة الحال ولكن ربما يلزم من مشاورته أن الضيف يضمن ما أتلفه وإنما يسقط الضمان عنه إذا تملك البائع ما أخذه من المشتري فيسقط فيكون كالقاضي دينه والمتحمل عنه فهذا ما نراه في قاعدة المعاطاة على غموضها والعلم عند الله وهذه احتمالات وظنون رددناها ولا يمكن بناء الفتوى إلا على هذه الظنون وأما الورع فإنه ينبغي أن يستفتي قلبه ويتقي مواضع الشبه العقد الثاني عقد الربا وقد حرمه الله تعالى وشدد الأمر فيه ويجب الاحتراز منه على الصيارفة المتعاملين على النقدين وعلى المتعاملين على الأطعمة إذ لا ربا إلا في نقد أو في طعام وعلى الصيرفي أن يحترز من النسيئة والفضل أما النسيئة فأن لا يبيع شيئا من جواهر النقدين بشيء من جواهر النقدين إلا يدا بيد وهو أن يجري التقابض في المجلس وهذا احتراز من النسيئة وتسليم الصيارفة الذهب إلى دار الضرب وشراء الدنانير المضروبة حرام من حيث النساء ومن حيث إن الغالب أن يجري فيه تفاضل إذ لا يرد المضروب بمثل وزنه وأما الفضل فيحترز منه في ثلاثة أمور في بيع المكسر بالصحيح فلا تجوز المعاملة فيهما إلا مع المماثلة وفي بيع الجيد بالرديء فلا ينبغي أن يشتري رديئا بجيد دونه في الوزن أو يبيع رديئا بجيد فوقه في الوزن أعني إذا باع الذهب بالذهب والفضة بالفضة فإن اختلف الجنسان فلا حرج في الفضل والثالث في المركبات من الذهب والفضة كالدنانير المخلوطة من الذهب والفضة إن كان مقدرا الذهب مجهولا لم تصح المعاملة عليها أصلا إلا إذا كان ذلك نقدا جاريا في البلد فإنا نرخص في المعاملة عليه إذا لم يقابل بالنقد وكذا الدراهم المغشوشة بالنحاس إن لم تكن رائجة في البلد لم تصح المعاملة عليها لأن المقصود منها النقرة وهي مجهولة وإن كان نقدا رائجا في البلد رخصنا في المعاملة لأجل الحاجة وخروج النقرة عن أن يقصد استخراجها ولكن لا يقابل بالنقرة أصلا وكذلك كل حلي مركب من ذهب وفضة فلا يجوز شراؤه لا بالذهب ولا بالفضة بل ينبغي أن يشتري بمتاع آخر إن كان قدر الذهب منه معلوما إلا إذا كان مموها بالذهب تمويها لا يحصل منه ذهب مقصود عند العرض على النار فيجوز بيعها بمثلها من النقرة بما أريد من غير النقرة وكذلك لا يجوز للصيرفي أن يشتري قلادة فيها خرز وذهب بذهب ولا أن يبيعه بل بالفضة يدا بيد إن لم يكن فيها فضة ولا يجوز شراء ثوب منسوج بذهب يحصل منه ذهب مقصود عند العرض على النار بذهب ويجوز بالفضة غيرها وأما المتعاملون على الأطعمة فعليهم التقابض في المجلس اختلف جنس الطعام المبيع والمشترى أو لم يختلف فإن اتحد الجنس فعليهم التقابض ومراعاة المماثلة والمعتاد في هذا معاملة القصاب بأن يسلم إليه الغنم ويشتري بها اللحم نقدا أو نسيئة فهو حرام ومعاملة الخباز بأن يسلم إليه الحنطة ويشتري بها الخبز نسيئة أو نقدا فهو حرام ومعاملة العصار بأن يسلم إليه البزر والسمسم والزيتون ليأخذ منه الأدهان فهو حرام وكذا اللبان يعطي اللبن ليؤخذ منه الجبن والسمن والزبد وسائر أجراء اللبن فهو أيضا حرام ولا يباع الطعام بغير جنسه من الطعام إلا نقدا وبجنسه إلا نقدا ومتماثلا وكل ما يتخذ من الشيء المطعوم فلا يجوز أن يباع به متماثلا ولا متفاضلا فلا يباع بالحنطة دقيق وخبز وسويق ولا بالعنب والتمر دبس وخل وعصير ولا باللبن سمن وزبد ومخيض ومصل وجبن والمماثلة لا تفيد إذا لم يكن الطعام في حال كمال الادخار فلا يباع الرطب بالرطب والعنب بالعنب متفاضلا ومتماثلا فهذه جمل مقنعة في تعريف البيع والتنبيه على ما يشعر التاجر بمثارات الفساد حتى يستفتي فيها إذا تشكك والتبس عليه شيء منها وإذا لم يعرف هذا لم يتفطن لمواضع السؤال واقتحم الربا والحرام وهو لا يدري .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 5:12 am



العقد الثالث : السلم وليراع التاجر فيه عشرة شروط :
الأول : أن يكون رأس المال معلوما على مثله حتى لو تعذر تسليم المسلم فيه أمكن الرجوع إلى قيمة رأس المال فإن أسلم كفا من الدراهم جزافا في كر حنطة لم يصح في أحد القولين .
الثاني : أن يسلم رأس المال في مجلس العقد قبل التفرق فلو تفرقا قبل القبض انفسخ السلم .
الثالث : أن يكون المسلم فيه مما يمكن تعريف أوصافه كالحبوب والحيوانات والمعادن والقطن والصوف والإبريسم والألبان واللحوم ومتاع العطارين وأشباهها ولا يجوز في المعجونات والمركبات وما تختلف أجزاؤه كالقسي المنوعة والنبل المعمول والخفاف والنعال المختلفة أجزاؤها وصنعتها وجلود الحيوانات ويجوز السلم في الخبز وما يتطرق إليه من اختلاف قدر الملح والماء بكثرة الطبخ وقلته يعفى عنه ويتسامح فيه .
الرابع : أن يستقصي وصف هذه الأمور القابلة للوصف حتى لا يبقى وصف تتفاوت به القيمة تفاوتا لا يتغابن بمثله الناس إلا ذكره فإن ذلك الوصف هو القائم مقام الرؤية في البيع .
الخامس : أن يجعل الأجل معلوما إن كان مؤجلا فلا يؤجل إلى الحصاد ولا إلى إدراك انثمار بل إلى الأشهر والأيام فإن الإدراك قد يتقدم وقد يتأخر .
السادس : أن يكون المسلم فيه مما يقدر على تسليمه وقت المحل ويؤمن فيه وجوده غالبا فلا ينبغي أن يسلم في العنب إلى أجل لا يدرك فيه وكذا سائر الفواكه فإن كان الغالب وجوده وجاء المحل وعجز عن التسليم بسبب آفة فله أن يمهله إن شاء أو يفسخ ويرجع في رأس المال إن شاء.
السابع : أن يذكر مكان التسليم فيما يختلف الغرض به كي لا يثير ذلك نزاعا .
الثامن : أن لا يعلقه بمعين فيقول من حنطة هذا الزرع أو ثمرة هذا البستان فإن ذلك يبطل كونه دينا نعم لو أضاف إلى ثمرة بلد أو قرية كبيرة لم يضر ذلك .
التاسع : أن لا يسلم في شيء نفيس عزيز الوجود مثل درة موصوفة يعز وجود مثلها أو جارية حسناء معها ولدها أو غير ذلك مما لا يقدر عليه غالبا .
العاشر : أن لا يسلم في طعام مهما كان رأس المال طعاما سواء كان من جنسه أو لم يكن ولا يسلم في نقد إذا كان رأس المال نقدا وقد ذكرنا هذا في الربا .

العقد الرابع :
الإجارة وله . ركنان الأجرة والمنفعة .
فأما العاقد واللفظ : فيعتبر فيه ما ذكرناه في البيع والأجرة كالثمن فينبغي أن يكون معلوما وموصوفا بكل ما شرطناه في المبيع إن كان عينا فإن كان دينا فينبغي أن يكون معلوم الصفة والقدر وليحترز فيه عن أمور جرت العادة بها وذلك مثل كراء الدار بعمارتها فذلك باطل إذ قدر العمارة مجهول ولو قدر دراهم وشرط على المكترى أن يصرفها إلى العمارة لم يجز لأن عمله في الصرف إلى العمارة مجهول ومنها استئجار السلاخ على أن يأخذ الجلد بعد السلخ واستئجار حمال الجيف بجلد الجيفة واستئجار الطحان بالنخالة أو بعض الدقيق فهو باطل وكذلك كل ما يتوقف حصوله وانفصاله على عمل الأجير فلا يجوز أن يجعل أجرة ومنها أن يقدر في إجارة الدور والحوانيت مبلغ الأجر فلو قال لكل شهر دينار ولم يقدر أشهر الإجارة كانت المدة مجهولة ولم تنعقد الإجارة.
الركن الثاني : المنفعة المقصودة بالإجارة وهي العمل وحده إن كان عمل مباح معلوم يلحق العامل فيه كلفة ويتطوع به الغير عن الغير فيجوز الاستئجار عليه وجملة فروع الباب تندرج تحت هذه الرابطة ولكنا لا نطول بشرحها فقد طولنا القول فيها في الفقهيات وإنما نشير إلى ما تعم به البلوى فليراع في العمل المستأجر عليه خمسة أمور الأول أن يكون متقوما بأن يكون فيه كلفة وتعب فلو استأجر طعاما ليزين به الدكان أو أشجارا ليجفف عليها الثياب أو دراهم ليزين بها الدكان لم يجز فإن هذه المنافع تجري مجرى حبة سمسم وحبة بر من الأعيان وذلك لا يجوز بيعه وهي كالنظر في مرآة الغير والشرب من بئره والاستظلال بجداره والاقتباس من ناره ولهذا لو استأجر بياعا على أن يتكلم بكلمة يروج بها سلعته لم يجز وما يأخذه البياعون عوضا عن حشمتهم وجاههم وقبول قولهم في ترويج السلع فهو حرام إذ ليس يصدر منهم إلا كلمة لا تعب فيها ولا قيمة لها وإنما يحل لهم ذلك إذ تعبوا بكثرة التردد أو بكثرة الكلام في تأليف أمر المعاملة ثم لا يستحقون إلا أجرة المثل فأما ما تواطأ عليه الباعة فهو ظلم وليس مأخوذا بالحق الثاني أن لا تتضمن الإجارة استيفاء عين مقصودة فلا يجوز إجارة الكرم لارتفاقه ولا إجارة المواشي للبنها ولا إجارة البساتين لثمارها ويجوز استئجار المرضعة ويكون اللبن تابعا لأن إفراده غير ممكن وكذا يتسامح بحبر الورق وخيط الخياط لأنهما لا يقصدان على حيالهما .
الثالث : أن يكون العمل مقدورا على تسليمه حسا وشرعا فلا يصح استئجار الضعيف على عمل لا يقدر عليه ولا استئجار الأخرس على التعليم ونحوه وما يحرم فعله فالشرع يمنع من تسليمه كالاستئجار على قلع سن سليمة أو قطع عضو لا يرخص الشرع في قطعه أو استئجار الحائض على كنس المسجد أو المعلم على تعليم السحر أو الفحش أو استئجار زوجة الغير على الإرضاع دون إذن زوجها أو استئجار المصور على تصوير الحيوانات أو استئجار الصائغ على صيغة الأواني من الذهب والفضة فكل ذلك باطل .
الرابع : أن لا يكون العمل واجبا على الأجير أو لا يكون بحيث لا تجري النيابة فيه عن المستأجر فلا يجوز أخذ الأجرة على الجهاد ولا سائر العبادات التي لا نيابة فيها إذ لا يقع ذلك عن المستأجر ويجوز عن الحج وغسل الميت وحفر القبور ودفن الموتى وحمل الجنائز وفي أخذ الأجرة على إمامة صلاة التراويح وعلى الأذان وعلى التصدي للتدريس وإقراء القرآن خلاف أما الاستئجار على تعليم مسئلة بعينها أو تعليم سورة بعينها لشخص معين فصحيح .
الخامس : أن يكون العمل والمنفعة معلوما فالخياط يعرف عمله بالثوب والمعلم يعرف عمله بتعيين السورة ومقدارها وحمل الدواب يعرف بمقدار المحمول وبمقدار المسافة وكل ما يثير خصومة في العادة فلا يجوز إهماله وتفصيل ذلك يطول وإنما ذكرنا هذا القدر ليعرف به جليات الأحكام ويتفطن به لمواقع الإشكال فيسأل فإن الاستقصاء شأن المفتي لا شأن العوام .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 5:13 am


العقد الخامس :
القراض وليراع فيه ثلاثة أركان :
الركن الأول : رأس المال وشرطه أن يكون نقدا معلوما مسلما إلى العامل فلا يجوز القراض على الفلوس ولا على العروض فإن التجارة تضيق فيه ولا يجوز على صرة من الدراهم لأن قدر الربح لا يتبين فيه ولو شرط مالك اليد لنفسه لم يجز لأن فيه تضييق طريق التجارة .
الركن الثاني : الربح وليكن معلوما بالجزئية بأن يشترط له الثلث أو النصف أو ما شاء فلو قال على أن لك من الربح مائة والباقي لي لم يجز إذ ربما لا يكون الربح أكثر من مائة فلا يجوز تقديره بمقدار معين بل بمقدار شائع الثالث العمل الذي على العامل وشرطه أن يكون تجارة غير مضيقة عليه بتعيين وتأقيت فلو شرط أن يشتري بالمال ماشية ليطلب نسلها فيتقاسمان النسل أو حنطة فيخبزها ويتقاسمان الربح لم يصح لأن القراض مأذون فيه في التجارة وهو البيع والشراء وما يقع من ضرورتهما فقط وهذا حرف أعني الخبز ورعاية المواشي ولو ضيق عليه وشرط أن لا يشتري إلا من فلان أو لا يتجر إلا في الخز الأحمر أو شرط ما يضيق باب التجارة فسد العقد ثم مهما انعقد فالعامل وكيل فيتصرف بالغبطة تصرف الوكلاء ومهما أراد المالك الفسخ فله ذلك فإذا فسخ في حالة والمال كله فيها نقد لم يخف وجه القسمة وإن كان عروضا ولا ربح فيه رد عليه ولم يكن للمالك تكليفه أن يرده إلى النقد لأن العقد قد انفسخ وهو لم يلتزم شيئا وإن قال العامل أبيعه وأبى المالك فالمتبوع رأى المالك إلا إذا وجد العامل زبونا يظهر بسببه ربح على رأس المال ومهما كان ربح فعلى العامل بيع مقدار رأس المال بجنس رأس المال لا بنقد آخر حتى يتميز الفاضل ربحا فيشتركان فيه وليس عليهم بيع الفاضل على رأس المال ومهما كان رأس السنة فعليهم تعرف قيمة المال لأجل الزكاة فإذا كان قد ظهر من الربح شيء فالأقيس أن زكاة نصيب العامل على العامل وأنه يملك الربح بالظهور وليس للعامل أن يسافر بمال القراض دون إذن المالك فإن فعل صحت تصرفاته ولكنه إذا فعل ضمن الأعيان والأثمان جميعا لأن عدوانه بالنقل يتعدى إلى ثمن المنقول وإن سافر بالإذن جاز ونفقة النقل وحفظ المال على مال القراض كما أن نفقة الوزن والكيل والحمل الذي لا يعتاد التاجر مثله على رأس المال فأما نشر الثوب وطيه والعمل اليسير المعتاد فليس له أن يبذل عليه أجرة وعلى العامل نفقته وسكناه في البلد وليس عليه أجرة الحانوت ومهما تجرد في السفر لمال القراض فنفقته في السفر على مال القراض فإذا رجع فعليه أن يرد بقايا آلات السفر من المطهرة والسفرة وغيرها .

العقد السادس :
الشركة وهي أربعة أنواع : ثلاثة منها باطلة .
الأول : شركة المفاوضة وهو أن يقولا تفاوضنا لنشترك في كل مالنا وعلينا ومالاهما ممتازان فهي باطلة .
الثاني : شركة الأبدان وهو أن يتشارطا الاشتراك في أجرة العمل فهي باطلة .
الثالث : شركة الوجوه وهو أن يكون لأحدهما حشمة وقول مقبول فيكون من جهته التنفيل ومن جهة غيره العمل فهذا أيضا باطل وإنما الصحيح
العقد الرابع : المسمى شركة العنان وهو أن يختلط مالاهما بحيث يتعذر التمييز بينهما إلا بقسمه ويأذن كل منهما لصاحبه في التصرف ثم حكمهما توزيع الربح والخسران على قدر المالين ولا يجوز أن يغير ذلك بالشرط ثم بالعزل يمتنع التصرف عن المعزول وبالقسمة ينفصل الملك عن الملك والصحيح أنه يجوز عقد الشركة على العروض المشتراة ولا يشترط النقد بخلاف القراض فهذا القدر من علم الفقه يجب تعلمه على كل مكتسب وإلا اقتحم الحرام من حيث لا يدري وأما معاملة القصاب والخباز والبقال فلا يستغنى عنها المكتسب وغير المكتسب والخلل فيها من ثلاثة وجوه من إهمال شروط البيع أو إهمال شروط السلم أو الاقتصار على المعاطاة إذ العادات جارية بكتبه الخطوط على هؤلاء بحاجات كل يوم ثم المحاسبة في كل مدة ثم التقويم بحسب ما يقع عليه التراضي وذلك مما نرى القضاء بإباحته للحاجة ويحمل تسليمهم على إباحة التناول مع انتظار العوض فيحل أكله ولكن يجب الضمان بأكله وتلزم قيمته يوم الإتلاف فتجتمع في الذمة تلك القيم فإذا وقع التراضي على مقدار ما فينبغي أن يلتمس منهم الإبراء المطلق لا تبقى عليه عهدة إن تطرق إليه تفاوت في التقويم فهذا ما تجب القناعة به فإن تكليف وزن الثمن لكل حاجة من الحوائج في كل يوم وكل ساعة تكليف شطط وكذا تكليف الإيجاب والقبول وتقدير ثمن كل قدر يسير منه فيه عسر وإذا كثر كل نوع سهل تقويمه والله الموفق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 5:21 am


الباب الثالث

في بيان العدل واجتناب الظلم في المعاملة اعلم أن المعاملة قد تجري على وجه يحكم المفتي بصحتها وانعقادها ولكنها تشتمل على ظلم يتعرض به المعامل لسخط الله تعالى إذ ليس كل نهي يقتضي فساد العقد وهذا الظلم يعني به ما استضر به الغير وهو منقسم إلى ما يعم ضرره والى ما يخص المعامل .

القسم الأول : فيما يعم ضرره وهو أنواع :
النوع الأول : الاحتكار فبائع الطعام يدخر الطعام ينتظر به غلاء الأسعار وهو ظلم عام وصاحبه مذموم في الشرع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احتكر الطعام أربعين يوما ثم تصدق به لم تكن صدقته كفارة لاحتكاره حديث من احتكر الطعام أربعين يوما ثم تصدق به لم تكن صدقته كفارة لاحتكاره رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي والخطيب في التاريخ من حديث أنس بسندين ضعيفين وروى ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من احتكر الطعام أربعين يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه حديث ابن عمر من احتكر الطعام أربعين يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه رواه أحمد والحاكم بسند جيد وقال ابن عدي ليس بمحفوظ من حديث ابن عمر وقيل فكأنما قتل الناس جميعا وعن علي رضي الله عنه من احتكر الطعام أربعين يوما قسا قلبه وعنه أيضا أنه أحرق طعام محتكر بالنار وروي في فضل ترك الاحتكار عنه صلى الله عليه وسلم من جلب طعاما فباعه بسعر يومه فكأنما تصدق به وفي لفظ آخر فكأنما أعتق رقبة حديث من جلب طعاما فباعه بسعر يومه فكأنما تصدق به وفي لفظ آخر فكأنما أعتق رقبة أخرجه ابن مردويه في التفسير من حديث ابن مسعود بسند ضعيف ما من جالب يجلب طعاما إلى بلد من بلدان المسلمين فيبيعه بسعر يومه إلا كانت منزلته عند الله منزلة الشهيد وللحاكم من حديث اليسع بن المغيرة إن الجالب إلى سوقا كالمجاهد في سبيل الله وهو مرسل وقيل في قوله تعالى ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم إن الاحتكار من الظلم وداخل تحته في الوعيد وعن بعض السلف أنه كان بواسط فجهز سفينة حنطة إلى البصرة وكتب إلى وكيله بع هذا الطعام يوم يدخل البصرة ولا تؤخره إلى غد فوافق سعة في السعر فقال له التجار لو أخرته جمعة ربحت فيه أضعافه فأخره جمعة فربح فيه أمثاله وكتب إلى صاحبه بذلك فكتب إليه صاحب الطعام يا هذا إنا كنا قنعنا بربح يسير مع سلامة ديننا وإنك قد خالفت وما نحب أن نربح أضعافه بذهاب شيء من الدين فقد جنيت علينا جناية فإذا أتاك كتابي هذا فخذ المال كله فتصدق به على فقراء البصرة وليتني أنجو من إثم الاحتكار كفافا لا علي ولا لي واعلم أن النهي مطلق ويتعلق النظر به في الوقت والجنس أما الجنس فيطرد النهي في أجناس الأقوات أما ما ليس بقوت ولا هو معين على القوت كالأدوية والعقاقير والزعفران وأمثاله فلا يتعدى النهي إليه وإن كان مطعوما وأما ما يعين على القوت كاللحم والفواكه وما يسد مسدا يغني عن القوت في بعض الأحوال وإن كان لا يمكن المداومة عليه فهذا في محل النظر فمن العلماء من طرد التحريم في السمن والعسل والشيرج والجبن والزيت وما يجري مجراه وأما الوقت فيحتمل أيضا طرد النهي في جميع الأوقات وعليه تدل الحكاية التي ذكرنا في الطعام الذي صادف بالبصرة سعة في السعر ويحتمل أن يخصص بوقت قلة الأطعمة وحاجة الناس إليه حتى يكون في تأخير بيعه ضر ما فأما إذا اتسعت الأطعمة وكثرت واستغنى الناس عنها ولم يرغبوا فيها إلا بقيمة قليلة فانتظر صاحب الطعام ذلك ولم ينتظر قحطا فليس في هذا إضرار وإذا كان الزمان زمان قحط كان في ادخار العسل والسمن والشيرج وأمثالها إضرار فينبغي أن يقضي بتحريمه ويعول في نفي التحريم وإثباته على الضرار فإنه مفهوم قطعا من تخصيص الطعام وإذا لم يكن ضرار فلا يخلو احتكار الأقوات عن كراهية فإنه ينتظر مبادئ الضرار وهو ارتفاع الأسعار وانتظار مبادئ الضرار محذور كانتظار عين الضرار ولكنه دونه وانتظار عين الضرار أيضا هو دون الإضرار فبقدر درجات الإضرار تتفاوت درجات الكراهية والتحريم وبالجملة التجارة في الأقوات مما لا يستحب لأنه طلب ربح والأقوات أصول خلقت قواما والربح من المزايا فينبغي أن يطلب الربح فيما خلق من جملة المزايا التي لا ضرورة للخلق إليها ولذلك أوصى بعض التابعين رجلا وقال لا تسلم ولدك في بيعتين ولا في صنعتين بيع الطعام وبيع الأكفان فإنه يتمنى الغلاء وموت الناس والصنعتان أن يكون جزارا فإنها صنعة تقسي القلب أو صواغا فإنه يزخرف الدنيا بالذهب والفضة.

النوع الثاني : ترويج الزيف من الدراهم في أثناء النقد فهو ظلم إذ يستضر به المعامل إن لم يعرف وإن عرف فسيروجه على غيره فكذلك الثالث والرابع ولا يزال يتردد في الأيدي ويعمم الضرر ويتسع الفساد ويكون وزر الكل ووباله راجعا عليه فإنه هو الذي فتح هذا الباب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن سنة سيئة فعمل بها من بعده كان عليه وزرها ومثل وزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئا حديث من سن سنة سيئة فعمل بها من بعده كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيء أخرجه مسلم من حديث جرير بن عبد الله وقال بعضهم إنفاق درهم زيف أشد من سرقة مائة درهم لأن السرقة معصية واحدة وقد تمت وانقطعت وإنفاق الزيف بدعة أظهرها في الدين وسنة سيئة يعمل بها من بعده فيكون عليه وزرها بعد موته إلى مائة سنة أو مائتي سنة إلى أن يفنى ذلك الدرهم ويكون عليه ما فسد من أموال الناس بسنته وطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة ومائتي سنة أو أكثر يعذب بها في قبره ويسئل عنها إلى آخر انقراضها وقال تعالى ونكتب ما قدموا وآثارهم أي نكتب أيضا ما أخروه من آثار أعمالهم كما نكتب ما قدموه وفي مثله قوله تعالى ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر وإنما أخر آثار أعماله من سنة سيئة عمل بها غيره وليعلم أن في الزيف خمسة أمور : الأول : أنه إذا رد عليه شيء منه فينبغي أن يطرحه في بئر بحيث لا تمتد إليه اليد وإياه أن يروجه في بيع آخر وإن أفسده بحيث لا يمكن التعامل به جاز . الثاني : أنه يجب على التاجر تعلم النقد لا ليستقصي لنفسه ولكن لئلا يسلم إلى مسلم زيفا وهو لا يدري فيكون آثما بتقصيره في تعلم ذلك العلم فكل علم عمل به يتم نصح المسلمين فيجب تحصيله ولمثل هذا كان السلف يتعلمون علامات النقد نظرا لدينهم لا لدنياهم .الثالث : أنه إن سلم وعرف المعامل أنه زيف لم يخرج عن الإثم لأنه ليس يأخذه إلا ليروجه على غيره ولا يخبره ولو لم يعزم على ذلك لكان لا يرغب في أخذه أصلا فإنما يتخلص من إثم الضرر الذي يخص معامله فقط . الرابع : أن يأخذ الزيف ليعمل بقوله صلى الله عليه وسلم رحم الله امرأ سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء حديث رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء أخرجه البخاري من حديث جابر فهو داخل في بركة هذا الدعاء إن عزم على طرحه في بئر وإن كان عازما على أن يروجه في معاملة فهذا شر روجه الشيطان عليه في معرض الخير فلا يدخل تحت من تساهل في الاقتضاء . الخامس : أن الزيف نعني به ما لا نقرة فيه أصلا بل هو مموه أو ما لا ذهب فيه أعني في الدنانير أما ما فيه نقرة فإن كان مخلوطا بالنحاس وهو نقد البلد فقد اختلف العلماء في المعاملة عليه وجل رأينا الرخصة فيه إذا كان ذلك نقد البلد سواء علم مقدار النقرة أو لم يعلم وإن لم يكن هو نقد البلد لم يجز إلا إذا علم قدر النقرة فإن كان في ماله قطعة نقرتها ناقصة عن نقد البلد فعليه أن يخبر به معامله وأن لا يعامل به إلا من لا يستحل الترويج في جملة النقد بطريق التلبيس فأما من يستحل ذلك فتسليمه إليه تسليط له على الفساد فهو كبيع العنب ممن يعلم أنه يتخذه خمرا وذلك محظور وإعانة على الشر ومشاركة فيه وسلوك طريق الحق بمثال هذا في التجارة أشد من المواظبة على نوافل العبادات والتخلي لها ولذلك قال بعضهم التاجر الصدوق أفضل عند الله من المتعبد وقد كان السلف يحتاطون في مثل ذلك حتى روي عن بعض الغزاة في سبيل الله أنه قال حملت على فرسي لأقتل علجا فقصر بي فرسي فرجعت ثم دنا مني العلج فحملت ثانية فقصر فرسي فرجعت ثم حملت الثالثة فنفر مني فرسي وكنت لا أعتاد ذلك منه فرجعت حزينا وجلست منكس الرأس منكسر القلب لما فاتني من العلج وما ظهر لي من خلق الفرس فوضعت رأسي على عمود الفسطاط وفرسي قائم فرأيت في النوم كأن الفرس يخاطبني ويقول لي بالله عليك أردت أن تأخذ على العلج ثلاث مرات وأنت بالأمس اشتريت لي علفا ودفعت في ثمنه درهما زائفا لا يكون هذا أبدا قال فانتبهت فزعا فذهبت إلى العلاف وأبدلت ذلك الدرهم فهذا مثال ما يعم ضرره وليقس عليه أمثاله .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 5:30 am


القسم الثاني : ما يخص ضرره المعامل فكل ما يستضر به المعامل فهو ظلم وإنما العدل لا يضر بأخيه المسلم والضابط الكلي فيه أن لا يحب لأخيه إلا ما يحب لنفسه فكل ما لو عومل به شق عليه وثقل على قلبه فينبغي أن لا يعامل غيره به بل ينبغي أن يستوي عنده درهمه ودرهم غيره قال بعضهم من باع أخاه شيئا بدرهم وليس يصلح له لو اشتراه لنفسه إلا بخمسة دوانق فإنه قد ترك النصح المأمور به في المعاملة ولم يحب لأخيه ما يحب لنفسه هذه جملته فأما تفصيله ففي أربعة أمور:
أن لا يثني على السلعة بما ليس فيها
وأن لا يكتم من عيوبها وخفايا صفاتها شيئا أصلا
وأن لا يكتم في وزنها ومقدارها شيئا
وأن لا يكتم من سعرها ما لو عرفه المعامل لامتنع عنه .

أماالأول : فهو ترك الثناء فإن وصفه للسلعة إن كان بما ليس فيها فهو كذب فإن قبل المشتري ذلك فهو تلبيس وظلم مع كونه كذبا وإن لم يقبل فهو كذب وإسقاط مروءة إذ الكذب الذي لا يروج قد لا يقدح في ظاهر المروءة وإن أثنى على السلعة بما فيها فهو هذيان وتكلم بكلام لا يعنيه وهو محاسب على كل كلمة تصدر منه أنه لم تكلم بها قال الله تعالى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد إلا أن يثني على السلعة بما فيها مما لا يعرفه المشتري ما لم يذكره كما يصفه من خفى أخلاق العبيد والجواري والدواب فلا بأس بذكر القدر الموجود منه من غير مبالغة وإطناب وليكن قصده منه أن يعرفه أخوه المسلم فيرغب فيه وتنقضي بسببه حاجته ولا ينبغي أن يحلف عليه ألبتة فإنه إن كان كاذبا فقد جاء باليمين الغموس وهي من الكبائر التي تذر الديار بلاقع وإن كان صادقا فقد جعل الله تعالى عرضة لأيمانه وقد أساء فيه إذ الدنيا أخس من أن يقصد ترويجها بذكر اسم الله من غير ضرورة وفي الخبر ويل للتاجر من بلى والله ولا والله وويل للصانع من غد وبعد حديث ويل للتاجر من بلى والله ولا والله وويل للصانع من غد وبعد غد لم أقف له على أصل وذكر صاحب مسند الفردوس من حديث أنس بغير إسناد نحوه وفي الخبر اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للبركة حديث اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للبركة متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ الحلف وهو عند البيهقي بلفظ المصنف وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة عتل مستكبر ومنان بعطيته ومنفق سلعته بيمينه حديث أبي هريرة ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة عائل مستكبر ومنان بعطيته ومنفق سلعته بيمينه أخرجه مسلم من حديثه إلا أنه لم يذكر فيها إلا عائل مستكبر ولهما ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم رجل حلف على سلعة لقد أعطى فيها أكثر مما أعطى وهو كاذبالحديث ولمسلم من حديث أبي ذر المنان والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب فإذا كان الثناء على السلعة مع الصدق مكروها من حيث إنه فضول لا يزيد في الرزق فلا يخفى التغليظ في أمر اليمين وقد روى عن يونس بن عبيد وكان خزازا أنه طلب منه خز للشراء فأخرج غلامه سقط الخز ونشره ونظر إليه وقال اللهم ارزقنا الجنة فقال لغلامه رده إلى موضعه ولم يبعه وخاف أن يكون ذلك تعريضا بالثناء على السلعة فمثل هؤلاء الذين اتجروا في الدنيا ولم يضيعوا دينهم في تجاراتهم بل علموا أن ربح الآخرة أولى بالطلب من ربح الدنيا .
لثاني : أن يظهر جميع عيوب المبيع خفيها وجليها ولا يكتم منها شيئا فذلك واجب فإن أخفاه كان ظالما غاشا والغش حرام وكان تاركا للنصح في المعاملة والنصح واجب ومهما أظهر أحسن وجهي الثوب وأخفى الثاني كان غاشا وكذلك إذا عرض الثياب في المواضع المظلمة وكذلك إذا عرض أحسن فردي الخف أو النعل وأمثاله ويدل على تحريم الغش ما روي أنه مر صلى الله عليه وسلم برجل يبيع طعاما فأعجبه فأدخل يده فيه فرأى بللا فقال ما هذا قال أصابته السماء فقال فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس من غشنا فليس منا حديث مر برجل يبيع طعاما فأعجبه فأدخل يده فرأى بللا فقال ما هذاالحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ويدل على وجوب النصح بإظهار العيوب ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع جريرا على الإسلام ذهب لينصرف فجذب ثوبه واشترط عليه النصح لكل مسلم حديث جرير بن عبد الله بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم متفق عليه فكان جرير إذا قام إلى السلعة يبيعها بصر عيوبها ثم خيره وقال إن شئت فخذ وإن شئت فاترك فقيل له إنك إذا فعلت مثل هذا لم ينفذ لك بيع فقال إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم وكان واثلة بن الأسقع واقفا فباع رجل ناقة له بثلثمائة درهم فغفل واثلة وقد ذهب الرجل بالناقة فسعى وراءه وجعل يصيح به يا هذا اشتريتها للحم أو للظهر فقال بل للظهر فقال إن بخفها نقبا قد رأيته وإنها لا تتابع السير فعاد فردها فنقصها البائع مائة درهم وقال لواثلة رحمك الله أفسدت علي بيعي فقال إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لأحد يبيع بيعا إلا أن يبين آفته ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا تبيينه حديث واثلة لا يحل لأحد يبيع بيعا إلا بين ما فيه ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بينه أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد والبيهقي فقد فهموا من النصح أن لا يرضى لأخيه إلا ما يرضاه لنفسه ولم يعتقدوا أن ذلك من الفضائل وزيادة المقامات بل اعتقدوا انه من شروط الإسلام الداخلة تحت بيعتهم وهذا أمر يشق على أكثر الخلق فلذلك يختارون التخلي للعبادة والاعتزال عن الناس لأن القيام بحقوق الله مع المخالطة والمعاملة مجاهدة لا يقوم بها إلا الصديقون ولن يتيسر ذلك على العبد إلا بأن يعتقد أمرين أحدهما أن تلبيسه العيوب وترويجه السلع لا يزيد في رزقه بل يمحقه ويذهب ببركته وما يجمعه من مفرقات التلبيسات يهلكه الله دفعة واحدة فقد حكي أن واحدا كان له بقرة يحلبها ويخلط بلبنها الماء ويبيعه فجاء سيل فغرق البقرة فقال بعض أولاده إن تلك المياه المتفرقة التي صببناها في اللبن اجتمعت دفعة واحدة وأخذت البقرة كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما في بيعهما وإذا كتما وكذبا نزعت بركة بيعهما حديث البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما في بيعهماالحديث متفق عليه من حديث حكيم بن حزام وفي الحديث يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا فإذا تخاونا رفع يده عنهما حديث يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا فإذا تخاونا رفع يده عنهما رواه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح الإسناد فإذا لا يزيد مال من خيانة كما لا ينقص من صدقة من لا يعرف الزيادة والنقصان إلا بالميزان لم يصدق بهذا الحديث ومن عرف أن الدرهم الواحد قد يبارك فيه حتى يكون سببا لسعادة الإنسان في الدنيا والدين والآلاف المؤلفة قد ينزع الله البركة منها حتى تكون سببا لهلاك مالكها بحيث يتمنى الإفلاس منها ويراه أصلح له في بعض أحواله فيعرف معنى قولنا إن الخيانة لا تزيد في المال والصدقة لا تنقص منه والمعنى الثاني الذي لا بد من اعتقاده ليتم له النصح ويتيسر عليه أن يعلم أن ربح الآخرة وغناها خير من ربح الدنيا وأن فوائد أموال الدنيا تنقضي بانقضاء العمر وتبقى مظالمها وأوزارها فكيف يستجيز العاقل أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير والخير كله في سلامة الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن الخلق سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على آخرتهم حديث لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن الخلق سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على أخراهمالحديث رواه أبو يعلى والبيهقي في الشعب من حديث أنس بسند ضعيف وفي رواية للترمذي الحكيم في النوادر حتى إذا نزلوا بالمنزل الذي لا يبالون ما نقص من دينهم إذا سلمت لهم دنياهمالحديث وللطبراني في الأوسط نحوه من حديث عائشة وهو ضعيف أيضا وفي لفظ آخر ما لم يبالوا ما نقص من دنياهم بسلامة دينهم فإذا فعلوا ذلك وقالوا لا إله إلا الله قال الله تعالى كذبتم لستم بها صادقين وفي حديث آخر من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة قيل وما إخلاصه قال أن يحرزه عما حرم الله حديث من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة قيل وما إخلاصها قال تحجزه عما حرم الله أخرجه الطبراني من حديث زيد بن أرقم في معجمه الكبير والأوسط بإسناد حسن وقال أيضا ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ومن علم أن هذه الأمور قادحة في إيمانه وأن إيمانه رأس ماله في الآخرة لم يضيع رأس ماله المعد لعمر لا آخر له بسبب ربح ينتفع به أياما معدودة وعن بعض التابعين أنه قال لو دخلت الجامع ومع وهو غاص بأهله وقيل لي من خير هؤلاء لقلت من أنصحهم لهم فإذا قالوا هذا قلت هو خيرهم ولو قيل لي من شرهم قلت من أغشهم لهم فإذا قيل هذا قلت هو شرهم والغش حرام في البيوع والصنائع جميعا ولا ينبغي أن يتهاون الصانع بعمله على وجه لو عامله به غيره لما ارتضاه لنفسه بل ينبغي أن يحسن الصنعة ويحكمها ثم يبين عيبها إن كان فيها عيب فبذلك يتخلص وسأل رجل حداء بن سالم فقال كيف لي أن أسلم في بيع النعال فقال اجعل الوجهين سواء ولا تفضل اليمنى على الأخرى وجود الحشو وليكن شيئا واحدا تاما وقارب بين الخرز ولا تطبق إحدى النعلين على الأخرى ومن هذا الفن ما سئل عنه أحمد بن حنبل رحمه الله من الرفو بحيث لا يتبين قال لا يجوز لمن يبيعه أن يخفيه وإنما يحل للرفا إذا علم أنه يظهره أو أنه لا يريده للبيع فإن قلت فلا تتم المعاملة مهما وجب على الإنسان أن يذكر عيوب المبيع فأقول ليس كذلك إذ شرط التاجر أن لا يشتري للبيع إلا الجيد الذي يرتضيه لنفسه لو أمسكه ثم يقنع في بيعه بربح يسير فيبارك الله له فيه ولا يحتاج إلى تلبيس وإنما تعذر هذا لأنهم لا يقنعون بالربح اليسير وليس يسلم الكثير إلا بتلبيس فمن تعود هذا لم يشتر المعيب فإن وقع في يده معيب نادرا فليذكره وليقنع بقيمته باع ابن سيرين شاة فقال للمشتري أبرأ إليك من عيب فيها إنها تقلب العلف برجلها وباع الحسن بن صالح جارية فقال للمشتري إنها تنخمت مرة عندنا دما فهكذا كانت سيرة أهل الدين فمن لا يقدر عليه فليترك المعاملة أو ليوطن نفسه على عذاب الآخرة .
الثالث :إلا يكتم في المقدار شيئا وذلك بتعديل الميزان والاحتياط فيه وفي الكيل فينبغي أن يكيل كما يكتال قال الله تعالى ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ولا يخلص من هذا إلا بأن يرجع إذا أعطي وينقص إذا أخذ إذ العدل الحقيقي قلما يتصور فليستظهر بظهور الزيادة والنقصان فإن من استقصى حقه بكماله يوشك أن يتعداه وكان بعضهم يقول لا أشتري الويل من الله بحبة فكان إذا أخذ نقص نصف حبة وإذا أعطى زاد حبة وكان يقول ويل لمن باع بحبة جنة عرضها السموات والأرض وما أخسر من باع طوبى بويل وإنما بالغوا في الاحتراز من هذا وشبهه لأنها مظالم لا يمكن التوبة منها إذ لا يعرف أصحاب الحبات حتى يجمعهم ويؤدي حقوقهم ولذلك لما اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قال للوزان لما كان يزن ثمنه زن وأرجح حديث قال للوزان زن وأرجح رواه أصحاب السنن والحاكم من حديث سويد بن قيس قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ونظر فضيل إلى ابنه وهو يغسل دينارا يريد أن يصرفه ويزيل تكحيله وينقيه حتى لا يزيد وزنه بسبب ذلك فقال يا بني فعلك هذا أفضل من حجتين وعشرين عمرة وقال بعض السلف عجبت للتاجر والبائع كيف ينجو يزن ويحلف بالنهار وينام بالليل وقال سليمان عليه السلام لابنه يا بني كما تدخل الحبة بين الحجرين كذلك تدخل الخطيئة بين المتبايعين وصلى بعض الصالحين على مخنث فقيل له إنه كان فاسقا فسكت فأعيد عليه فقال كأنك قلت لي كان صاحب ميزانين يعطي بأحدهما ويأخذ بالآخر أشار به إلى أن فسقه مظلمة بينه وبين الله تعالى وهذا من مظالم العباد والمسامحة والعفو فيه أبعد والتشديد في أمر الميزان عظيم والخلاص منه يحصل بحبة ونصف حبة وفي قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن باللسان ولا تخسروا الميزان أي لسان الميزان فإن النقصان والرجحان يظهر بميله وبالجملة كل من ينتصف لنفسه من غيره ولو في كلمة ولا ينصف بمثل ما ينتصف فهو داخل تحت قوله تعالى ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون الآيات فإن تحريم ذلك في المكيل ليس لكونه مكيلا بل لكونه أمرا مقصودا ترك العدل والنصفة فيه فهو جار في جميع الأعمال فصاحب الميزان في خطر الويل وكل مكلف فهو صاحب موازين في أفعاله وأقواله وخطراته فالويل له إن عدل عن العدل ومال عن الاستقامة ولولا تعذر هذا واستحالته لما ورد قوله تعالى وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا فلا ينفك عبد ليس معصوما عن الميل عن الاستقامة إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتا عظيما فلذلك تتفاوت مدة مقامهم في النار إلى أوان الخلاص حتى لا يبقى بعضهم إلا بقدر تحلة القسم ويبقى بعضهم ألفا وألوف سنين فنسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل فإن الاشتداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه فإنه أدق من الشعرة وأحد من السيف ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار الذي من صفته أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف وبقدر الاستقامة على هذا الصراط المستقيم يخف العبد يوم القيامة على الصراط وكل من خلط بالطعام ترابا أو غيره ثم كاله فهو من المطففين في الكيل وكل قصاب وزن مع اللحم عظما لم تجر العادة بمثله فهو من المطففين في الوزن وقس على هذا سائر التقديرات حتى في الذرع الذي يتعاطاه البزاز فإنه إذا اشترى أرسل الثوب في وقت الذرع ولم يمده مدا وإذا باعه مده في الذرع ليظهر تفاوتا في القدر فكل ذلك من التطفيف المعرض صاحبه للويل .
الرابع : أن يصدق في سعر الوقت ولا يخفي منه شيئا فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان حديث النهي عن تلقي الركبان متفق عليه من حديث ابن عباس وأبي هريرة ونهى عن النجش حديث النهي عن النجش متفق عليه من حديث ابن عمر وأبي هريرة أما تلقي الركبان فهو أن يستقبل الرفقة ويتلقى المتاع ويكذب في سعر البلد فقد قال صلى الله عليه وسلم لا تتلقوا الركبان ومن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق وهذا الشراء منعقد ولكنه إن ظهر كذبه ثبت للبائع الخيار وإن كان صادقا ففي الخيار خلاف لتعارض عموم الخبر مع زوال التلبيس ونهى أيضا أن يبيع حاضر لباد حديث النهي عن بيع الحاضر للبادي متفق عليه من حديث ابن عباس وأبي هريرة وأنس وهو أن يقدم البدوي البلد ومعه قوت يريد أن يتسارع إلى بيعه فيقول له الحضري اتركه عندي حتى أغالي في ثمنه وأنتظر ارتفاع سعره وهذا في القوت محرم وفي سائر السلع خلاف والأظهر تحريمه لعموم النهي ولأنه تأخير للتضييق على الناس على الجملة من غير فائدة للفضولي المضيق ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش وهو أن يتقدم إلى البائع بين يدي الراغب المشتري ويطلب السلعة بزيادة وهو لا يريدها وإنما يريد تحريك رغبة المشتري فيها فهذا إن لم تجر مواطأة مع البائع فهو فعل حرام من صاحبه والبيع منعقد وإن جرى مواطأة ففي ثبوت الخيار خلاف والأولى إثبات الخيار لأنه تغرير بفعل يضاهي التغرير في المصراة وتلقي الركبان فهذه المناهي تدل على أنه لا يجوز أن يلبس على البائع والمشتري في سعر الوقت ويكتم منه أمرا لو علمه لما أقدم على العقد ففعل هذا من الغش الحرام المضاد للنصح الواجب فقد حكي عن رجل من التابعين أنه كان بالبصرة وله غلام بالسوس يجهز إليه السكر فكتب إليه غلامه إن قصب السكر قد أصابته آفة في هذه السنة فاشتر السكر قال فاشترى سكرا كثيرا فلما جاء وقته ربح فيه ثلاثين ألفا فانصرف إلى منزله فأفكر ليلته وقال ربحت ثلاثين ألفا وخسرت نصح رجل من المسلمين فلما أصبح غدا إلى بائع السكر فدفع إليه ثلاثين ألفا وقال بارك الله لك فيها فقال ومن أين صارت لي فقال إني كتمتك حقيقة الحال وكان السكر قد غلا في ذلك الوقت فقال رحمك الله قد أعلمتني الآن وقد طيبتها لك قال فرجع بها إلى منزله وتفكر وبات ساهرا وقال ما نصحته فلعله استحيا مني فتركها لي فبكر إليه من الغد وقال عافاك الله خذ مالك إليك فهو أطيب لقلبي فأخذ منه ثلاثين ألفا فهذه الأخبار في المناهي والحكايات تدل على أنه ليس له أن يغتنم فرصة وينتهز غفلة صاحب المتاع ويخفي من البائع غلاء السعر أو من المشتري تراجع الأسعار فإن فعل ذلك كان ظالما تاركا للعدل والنصح للمسلمين ومهما باع مرابحة بأن يقول بعت بما قام على أو بما اشتريته فعليه أن يصدق ثم يجب عليه أن يخبر بما حدث بعد العقد من عيب أو نقصان ولو اشترى إلى أجل وجب ذكره ولو اشترى مسامحة من صديقه أو ولده يجب ذكره لأن المعامل يعول على عادته في الاستقصاء أنه لا يترك النظر لنفسه فإذا تركه بسبب من الأسباب فيجب إخباره إذ الاعتماد فيه على أمانته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالخميس 12 يناير 2012, 5:31 am


الباب الرابع

في الإحسان في المعاملة وقد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان جميعا والعدل سبب النجاة فقط وهو يجري من التجارة مجرى رأس المال والإحسان سبب الفوز ونيل السعادة وهو يجري من التجارة مجرى الربح ولا يعد من الغفلاء من قنع في معاملات الدنيا برأس ماله فكذا في معاملات الآخرة فلا ينبغي للمتدين أن يقتصر على العدل واجتناب الظلم ويدع أبواب الإحسان وقد قال الله وأحسن كما أحسن الله إليك وقال عز وجل إن الله يأمر بالعدل والإحسان وقال سبحانه إن رحمت الله قريب من المحسنين ونعني بالإحسان فعل ما ينتفع به المعامل وهو غير واجب عليه ولكنه تفضل منه فإن الواجب يدخل في باب العدل وترك الظلم وقد ذكرناه وتنال رتبة الإحسان بواحد من ستة أمور الأول في المغابنة فينبغي أن لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة فأما أصل المغابنة فمأذون فيه لأن البيع للربح ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما ولكن يراعى فيه التقريب فإن بذل المشتري زيادة على الربح المعتاد إما لشدة رغبته أو لشدة حاجته في الحال إليه فينبغي أن يمتنع من قبوله فذلك من الإحسان ومهما لم يكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظلما وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغبن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار ولسنا نرى ذلك ولكن من الإحسان أن يحط ذلك الغبن يروى أنه كان عند يونس بن عبيد حلل مختلفة الأثمان ضرب قيمة كل حلة منها أربعمائة وضرب كل حلة قيمتها مائتان فمر إلى الصلاة وخلف ابن أخيه في الدكان فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين فاستحسنها ورضيها فاشتراها فمضى بها وهي على يديه فاستقبله يونس فعرف حلته فقال للأعرابي بكم اشتريت فقال بأربعمائة فقال لا تساوي أكثر من مائتين فارجع حتى تردها فقال هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها فقال له يونس انصرف فإن النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها ثم رده إلى الدكان ورد عليه مائتي درهم وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله وقال أما استحييت أما اتقيت الله تربح مثل الثمن وتترك النصح للمسلمين فقال والله ما أخذها إلا وهو راض بها قال فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك وهذا إن كان فيه إخفاء سعر وتلبيس فهو من باب الظلم وقد سبق وفي الحديث غبن المسترسل حرام حديث غبن المسترسل حرام أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة بسند ضعيف والبيهقي من حديث جابر بسند جيد وقال ربا بدل حرام وكان الزبير بن عدي يقول أدركت ثمانية عشر من الصحابة ما منهم أحد يحسن يشتري لحما بدرهم فغبن مثل هؤلاء المسترسلين ظلم إن كان من غير تلبيس فهو من ترك الإحسان وقلما يتم هذا إلا بنوع تلبيس وإخفاء سعر الوقت وإنما الإحسان المحض ما نقل عن السري السقطي أنه اشترى كر لوز بستين دينارا وكتب في روزنامجه ثلاثة دنانير ربحه وكأنه رأى أن يربح على العشرة نصف دينار فصار اللوز بتسعين فأتاه الدلال وطلب اللوز فقال خذه قال بكم فقال بثلاثة وستين فقال الدلال وكان من الصالحين فقد صار اللوز بتسعين فقال السرى قد عقدت عقدا لا أحله لست أبيعه إلا بثلاثة وستين فقال الدلال وأنا عقدت بيني وبين الله أن لا أغش مسلما لست آخذ منك إلا بتسعين قال فلا الدلال اشترى منه ولا السرى باعه فهذا محض الإحسان من الجانبين فإنه مع العلم بحقيقة الحال وروي عن محمد بن المنكدر أنه كان له شقق بعضها بخمسة وبعضها بعشرة فباع غلامه في غيبته شقة من الخمسيات بعشرة فلما عرف لم يزل يطلب ذلك الأعرابي المشتري طول النهار حتى وجده فقال له إن الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة فقال يا هذا قد رضيت فقال وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا فاختر إحدى ثلاث خصال إما أن تأخذ شقة من العشريات بدراهمك وإما أن نرد عليك خمسة وإما أن ترد شقتنا وتأخذ دراهمك فقال أعطني خمسة فرد عليه خمسة وانصرف الأعرابي يسأل ويقول من هذا الشيخ فقيل له هذا محمد بن المنكدر فقال لا إله إلا الله هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا فهذا إحسان في أن لا يربح على العشرة إلا نصفا أو واحد على ما جرت به العادة في مثل ذلك المتاع في ذلك المكان ومن قنع بربح قليل كثرت معاملاته واستفاد من تكررها ربحا كثيرا وبه تظهر البركة كان علي رضي الله عنه يدور في سوق الكوفة بالدرة ويقول معاشر التجار خذوا الحق تسلموا لا تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره قيل لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ما سبب يسارك قال ثلاث ما رددت ربحا قط ولا طلب مني حيوان فأخرت بيعه ولا بعت بنسيئة ويقال إنه باع ألف ناقة فما ربح إلا عقلها باع كل عقال بدرهم فربح فيها ألفا وربح من نفقته عليها ليومه ألفا الثاني في احتمال الغبن والمشتري إن اشترى طعاما من ضعيف أو شيئا من فقير فلا بأس أن يحتمل الغبن ويتساهل ويكون به محسنا وداخلا في قوله صلى الله عليه وسلم رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء فأما إذا اشترى من غني تاجر يطلب الربح زيادة على حاجته فاحتمال الغبن منه ليس محمودا بل هو تضييع مال من غير أجر ولا حمد فقد ورد في حديث من طريق أهل البيت المغبون في الشراء لا محمود ولا مأجور حديث المغبون في الشراء لا محمود ولا مأجور أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر من رواية عبيد الله بن الحسن عن أبيه عن جده ورواه أبو يعلى من حديث الحسين بن علي يرفعه قال الذهبي هو منكر وكان إياس ابن معاوية بن قرة قاضي البصرة وكان من عقلاء التابعين يقول لست بخب والخب لا يغبنني ولا يغبن ابن سيرين ولكن يغبن الحسن ويغبن أبي يعني معاوية بن قرة والكمال في أن لا يغبن ولا يغبن كما وصف بعضهم عمر رضي الله عنه فقال كان أكرم من أن يخدع وأعقل من أن يخدع وكان الحسن والحسين وغيرهما من خيار السلف يستقصون في الشراء ثم يهبون مع ذلك الجزيل من المال فقيل لبعضهم تستقصي في شرائك على اليسير ثم تهب الكثير ولا تبالي فقال إن الواهب يعطي فضله وإن المغبون يغبن عقله وقال بعضهم إنما أغبن عقلي وبصري فلا أمكن الغابن منه وإذا وهبت أعطى لله ولا أستكثر منه شيئا الثالث في استيفاء الثمن وسائر الديون والإحسان فيه مرة بالمسامحة وحط البعض ومرة بالإمهال والتأخير ومرة بالمساهلة في طلب جودة النقد وكل ذلك مندوب إليه ومحثوث عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء سهل الاقتضاء حديث رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء تقدم في الباب قبله فليغتنم دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم اسمح يسمح لك حديث اسمح يسمح لك أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس ورجاله ثقات وقال صلى الله عليه وسلم من أنظر معسرا أو ترك له حاسبه الله حسابا يسيرا وفي لفظ آخر أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله حديث من أنظر معسرا أو ترك له حاسبه الله حسابا يسيرا وفي لفظ آخر أظله الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله رواه مسلم باللفظ الثاني من حديث أبي اليسر كعب بن عمرو وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا كان مسرفا على نفسه حوسب فلم يوجد له حسنة فقيل له هل عملت خيرا قط فقال لا إلا أني كنت رجلا أداين الناس فأقول لفتياني سامحوا الموسر وأنظروا المعسر حديث ذكر رجلا كان مسرفا على نفسه حوسب فلم يوجد له حسنة فقيل له هل عملت خيرا قط فقال لا إلا أني كنت رجلا أداين الناس فأقول لفتياني سامحوا الموسرالحديث رواه مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري وهو متفق عليه بنحوه من حديث حذيفة وفي لفظ آخر وتجاوزوا عن المعسر فقال الله تعالى نحن أحق بذلك منه فتجاوز الله عنه وغفر له وقال صلى الله عليه وسلم من أقرض دينارا إلى أجل فله بكل يوم صدقة إلى أجله فإذا حل الأجل فأنظره بعده فله بكل يوم مثل ذلك الدين صدقة حديث من أقرض دينارا إلى أجل فله بكل يوم صدقة إلى أجله فإذا حل الأجل فأنظره بعده فله بكل يوم مثل ذلك الدين صدقة أخرجه ابن ماجة من حديث بريدة من أنظر معسرا كان له كل يوم صدقة ومن أنظره بعد أجله كان له مثله في كل يوم صدقة وسنده ضعيف ورواه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وقد كان من السلف من لا يحب أن يقضي غريمه الدين لأجل هذا الخبر حتى يكون كالمتصدق بجميعه في كل يوم وقال صلى الله عليه وسلم رأيت على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمان عشرة حديث رأيت على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمان عشرة أخرجه ابن ماجة من حديث أنس بإسناد ضعيف فقيل في معناه إن الصدقة تقع في يد المحتاج وغير المحتاج ولا يحتمل ذل الاستقراض إلا محتاج ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يلازم رجلا بدين فأومأ إلى صاحب الدين بيده أن ضع الشطر ففعل فقال للمديون قم فأعطه حديث أومأ إلى صاحب الدين بيده ضع الشطرالحديث متفق عليه من حديث كعب بن مالك وكل من باع شيئا وترك ثمنه في الحال ولم يرهق إلى طلبه فهو في معنى المقرض وروي أن الحسن البصري باع بغلة له بأربعمائة درهم فلما استوجب المال قال له المشتري اسمح يا أبا سعيد قال قد أسقطت عنك مائة قال له فأحسن يا أبا سعيد فقال قد وهبت لك مائة أخرى فقبض من حقه مائتي درهم فقيل له يا أبا سعيد هذا نصف الثمن فقال هكذا يكون الإحسان وإلا فلا وفي الخبر خذ حقك في كفاف وعفاف واف أو غير واف يحاسبك الله حسابا يسيرا حديث خذ حقك في عفافالحديث أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بإسناد حسن دون قوله يحاسبك الله حسابا يسيرا وله ولابن حبان والحاكم وصححه نحوه من حديث ابن عمر وعائشة الرابع في توفية الدين ومن الإحسان فيه حسن القضاء وذلك بأن يمشي إلى صاحب الحق ولا يكلفه أن يمشي إليه يتقاضاه فقد قال صلى الله عليه وسلم خيركم أحسنكم قضاء حديث خيركم أحسنكم قضاء متفق عليه من حديث أبي هريرة ومهما قدر على قضاء الدين فليبادر إليه ولو قبل وقته وليسلم أجود مما شرط عليه وأحسن وإن عجز فلينو قضاءه مهما قدر قال صلى الله عليه وسلم من أدان دينا وهو ينوي قضاءه وكل الله به ملائكة يحفظونه ويدعون له حتى يقضيه حديث من أدان دينا وهو ينوي قضاءه وكل به ملائكة يحفظونه ويدعون له حتى يقضيه أخرجه أحمد من حديث عائشة ما من عبد كانت له نية في أداء دينه إلا كان معه من الله عون وحافظ وفي رواية له لم يزل معه من الله حارس وفي رواية للطبراني في الأوسط إلا كان معه عون من الله عليه حتى يقضيه عنه وكان جماعة من السلف يستقرضون من غير حاجة لهذا الخبر ومهما كلمه صاحب الحق بكلام خشن فليحتمله وليقابله باللطف اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه صاحب الدين عند حلول الأجل ولم يكن قد اتفق قضاؤه فجعل الرجل يشدد الكلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم به أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا حديث دعوه فإن لصاحب الحق مقالا متفق عليه من حديث أبي هريرة ومهما دار الكلام بين المستقرض والمقرض فالإحسان أن يكون الميل الأكثر للمتوسطين إلى من عليه الدين فإن المقرض يقرض عن غنى والمستقرض يستقرض عن حاجة وكذلك ينبغي أن تكون الإعانة للمشتري أكثر فإن البائع راغب عن السلعة يبغي ترويجها والمشتري محتاج إليها هذا هو الأحسن إلا أن يتعدى من عليه الدين حده فعند ذلك نصرته في منعه عن تعد به وإعانة صاحبه إذ قال صلى الله عليه وسلم أنصر أخاك ظالما أو مظلوما فقيل كيف ننصره ظالما فقال منعك إياه من الظلم نصرة له حديث انصر أخاك ظالما أو مظلوماالحديث متفق عليه من حديث أنس الخامس أن يقيل من يستقيله فإنه لا يستقيل إلا متندم مستضر بالبيع ولا ينبغي أن يرضى لنفسه أن يكون سبب استضرار أخيه قال صلى الله عليه وسلم من أقال نادما صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة حديث من أقال نادما صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة وقال صحيح على شرط مسلم أو كما قال السادس أن يقصد في معاملته جماعة من الفقراء بالنسيئة وهو في الحال عازم على أن لا يطالبهم إن لم تظهر لهم ميسرة فقد كان في صالحي السلف من له دفتران للحساب أحدهما ترجمته مجهولة فيه أسماء من لا يعرفه من الضعفاء والفقراء وذلك أن الفقير كان يرى الطعام أو الفاكهة فيشتهيه فيقول أحتاج إلى خمسة أرطال مثلا من هذا وليس معي ثمنه فكان يقول خذه واقض ثمنه عند الميسرة ولم يكن يعد هذا من الخيار بل عد من الخيار من لم يكن يثبت اسمه في الدفتر أصلا ولا يجعله دينا لكن يقول خذ ما تريد فإن يسر لك فاقض وإلا فأنت في حل منه وسعة فهذه طرق تجارات السلف وقد اندرست والقائم به محي لهذه السنة وبالجملة التجارة محك الرجال وبها يمتحن دين الرجل وورعه ولذلك قيل لا يغرنك من المرء قميص رقعه أو إزارا فوق كعب الساق منه رفعه أو جبين لاح فيه أثر قد قلعه ولدى الدرهم فانظر غيه أو ورعه ولذلك قيل إذا أثنى على الرجل جيرانه في الحضر وأصحابه في السفر ومعاملوه في الأسواق فلا تشكوا في صلاحه وشهد عند عمر رضي الله عنه شاهد فقال ائتني بمن يعرفك فأتاه برجل فأثنى عليه خيرا فقال عمر أنت جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه قال لا فقال كنت رفيقه في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق فقال لا قال فعاملته بالدينار والدرهم الذي يستبين به ورع الرجل قال لا قال أظنك رأيته قائما في المسجد يهمهم بالقرآن يخفض رأسه طورا ويرفعه أخرى قال نعم فقال اذهب فلست تعرفه وقال للرجل اذهب فائتني بمن يعرفك الباب الخامس في شفقة التاجر على دينه فيما يخصه ويعم آخرته ولا ينبغي للتاجر أن يشغله معاشه عن معاده فيكون عمره ضائعا وصفقته خاسرة وما يفوته من الربح في الآخرة لا يفي به ما ينال في الدنيا فيكون اشترى الحياة الدنيا بالآخرة بل العاقل ينبغي أن يشفق على نفسه وشفقته على نفسه يحفظ رأس ماله ورأس ماله دينه وتجارته فيه قال بعض السلف أولى الأشياء بالعاقل أحوجه إليه في العاجل وأحوج شيء إليه في العاجل أحمده عاقبة في الآجل وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه في وصيته إنه لا بد لك من نصيبك في الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج فابدأ بنصيبك من الآخرة فخذه فإنك ستمر على نصيبك من الدنيا فتنظمه قال الله تعالى ولا تنس نصيبك من الدنيا أي لا تنس في الدنيا نصيبك منها للآخرة فإنها مزرعة الآخرة وفيها تكتسب الحسنات وإنما تتم شفقة التاجر على دينه بمراعاة سبعة أمور الأول حسن النية والعقيدة في ابتداء التجارة فلينو بها الاستعفاف عن السؤال وكف الطمع عن الناس استغناء بالحلال عنهم واستعانة بما يكسبه على الدين وقياما بكفاية العيال ليكون من جملة المجاهدين به ولينو النصح للمسلمين وأن يحب لسائر الخلق ما يحب لنفسه ولينو اتباع طريق العدل والإحسان في معاملته كما ذكرناه ولينو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل ما يراه في السوق فإذا أضمر هذه العقائد والنيات كان عاملا في طريق الآخرة فإن استفاد مالا فهو مزيد وإن خسر في الدنيا ربح في الآخرة الثاني أن يقصد القيام في صنعته أو تجارته بفرض من فروض الكفايات فإن الصناعات والتجارات لو تركت بطلت المعايش وهلك أكثر الخلق فانتظام أمر الكل بتعاون الكل وتكفل كل فريق بعمل ولو أقبل كلهم على صنعة واحدة لتعطلت البواقي وهلكوا وعلى هذا حمل بعض الناس قوله صلى الله عليه وسلم اختلاف أمتي رحمة حديث اختلاف أمتي رحمة تقدم في العلم أي اختلاف همهم في الصناعات والحرف ومن الصناعات ما هي مهمة ومنها ما يستغنى عنها لرجوعها إلى طلب النعم والتزين في الدنيا فليشتغل بصناعة مهمة ليكون في قيامه بها كافيا عن المسلمين مهما في الدين وليجتنب صناعة النقش والصياغة وتشييد البنيان بالجص وجميع ما تزخرف به الدنيا فكل ذلك كرهه ذوو الدين فأما عمل الملاهي والآلات التي يحرم استعمالها فاجتناب ذلك من قبيل ترك الظلم ومن جملة ذلك خياطة الخياط القباء من الإبر يسم للرجال وصياغة الصائغ مراكب الذهب أو خواتيم الذهب للرجال فكل ذلك من المعاصي والأجرة المأخوذة عليه حرام ولذلك أوجبنا الزكاة فيها وإن كنا لا نوجب الزكاة في الحلي لأنها إذا قصدت للرجال فهي محرمة وكونها مهيأة للنساء لا يلحقها بالحلي المباح ما لم يقصد ذلك بها فيكتسب حكمها من القصد وقد ذكرنا أن بيع الطعام وبيع الأكفان مكروه لأنه يوجب انتظار موت الناس وحاجتهم بغلاء السعر ويكره أن يكون جزارا لما فيه من قساوة القلب وأن يكون حجاما أو كناسا لما فيه من مخامرة النجاسة وكذا الدباغ وما في معناه وكره ابن سيرين الدلالة وكره قتادة أجرة الدلال ولعل السبب فيه قلة استغناء الدلال عن الكذب والإفراط في الثناء على السلعة لترويجها ولأن العمل فيه لا يتقدر فقد يقل وقد يكثر ولا ينظر في مقدار الأجرة إلى عمله بل إلى قدر قيمة الثوب هذا هو العادة وهو ظلم بل ينبغي أن ينظر إلى قدر التعب وكرهوا شراء الحيوان للتجارة لأن المشتري يكره قضاء الله فيه وهو الموت الذي بصدده لا محالة وحلوله وقيل بع الحيوان واشتر الموتان وكرهوا الصرف لأن الاحتراز فيه عن دقائق الربا عسير ولأنه طلب لدقائق الصفات فيما لا يقصد أعيانها وإنما يقصد رواجها وقلما يتم للصيرفي ربح إلا باعتماد جهالة معامله بدقائق النقد فقلما يسلم الصيرفي وإن احتاط ويكره للصيرفي وغيره كسر الصحيح والدنانير إلا عند الشك في جودته أو عند ضرورة قال أحمد بن حنبل رحمه الله ورد نهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث النهي عن كسر الدينار والدرهم رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم من رواية علقمة بن عبد الله عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس زاد الحاكم أن يكسر الدرهم فيجعل فضة ويكسر الدينار فيجعل ذهبا وضعفه ابن حبان وعن أصحابه في الصياغة من الصحاح وأنا أكره الكسر وقال يشتري بالدنانير دراهم ثم يشتري بالدرهم ذهبا ويصوغه واستحبوا تجارة البز قال سعيد بن المسيب ما من تجارة أحب إلي من البز ما لم يكن فيها أيمان وقد روي خير تجارتكم البز وخير صنائعكم الخرز حديث خير تجارتكم البز وخير صنائعكم الخرز لم أقف له على إسناد وذكره صاحب الفردوس من حديث علي بن أبي طالب وفي حديث آخر لو اتجر أهل الجنة لاتجروا في البز ولو اتجر أهل النار لاتجروا في الصرف حديث لو اتجر أهل الجنة لاتجروا في البز ولو اتجر أهل النار لاتجروا في الصرف رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي سعيد بسند ضعيف وروى أبو يعلى والعقيلي في الضعفاء الشطر الأول من حديث أبي بكر الصديق وقد كان غالب أعمال الأخيار من السلف عشر صنائع الخرز والتجارة والحمل والخياطة والحذو والقصارة وعمل الخفاف وعمل الحديد وعمل المغازل ومعالجة صيد البر والبحر والوراقة قال عبد الوهاب الوراق قال لي أحمد بن حنبل ما صنعتك قلت الوراقة قال كسب طيب ولو كنت صانعا بيدي لصنعت صنعتك ثم قال لي لا تكتب إلا مواسطة واستبق الحواشي وظهور الأجزاء وأربعة من الصناع موسومون عند الناس بضعف الرأي الحاكة والقطانون والمغازليون والمعلمون ولعل ذلك لأن أكثر مخالطتهم مع النساء والصبيان ومخالطة ضعفاء العقول تضعف العقل كما أن مخالطة العقلاء تزيد في العقل وعن مجاهد أن مريم عليها السلام مرت في طلبها لعيسى عليه السلام بحاكة فطلبت الطريق فأرشدوها غير الطريق فقالت اللهم انزع البركة من كسبهم وأمتهم فقراء وحقرهم في أعين الناس فاستجيب دعاؤها وكره السلف أخذ الأجرة على كل ما هو من قبيل العبادات وفروض الكفايات كغسل الموتى ودفنهم وكذا الأذان وصلاة التراويح وإن حكم بصحة الاستئجار عليه وكذا تعليم القرآن وتعليم علم الشرع فإن هذه أعمال حقها أن يتجر فيها للآخرة وأخذ الأجرة عليها استبدال بالدنيا عن الآخرة ولا يستحب ذلك الثالث أن يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة وأسواق الآخرة المساجد قال الله تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وقال الله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فينبغي أن يجعل أول النهار إلى وقت دخول السوق لآخرته فيلازم المسجد ويواظب على الأوراد كان عمر رضي الله عنه يقول للتجار اجعلوا أول نهاركم لآخرتكم وما بعده لدنياكم وكان صالحو السلف يجعلون أول النهار وآخره للآخرة والوسط للتجارة ولم يكن يبيع الهريسة والرءوس بكرة إلا الصبيان وأهل الذمة لأنهم كانوا في المساجد بعد وفي الخبر إن الملائكة إذا صعدت بصحيفة العبد وفيها في أول النهار وفي آخره ذكر الله وخير كفر الله عنهما ما بينهما من سيئ الأعمال حديث إن الملائكة إذا صعدت بصحيفة العبد وفي أول النهار وآخره ذكر وخير كفر الله ما بينهما من سيئ الأعمال أخرجه أبو يعلى من حديث أنس بسند ضعيف بمعناه وفي الخبر تلتقي ملائكة الليل والنهار عند طلوع الفجر وعند صلاة العصر فيقول الله تعالى وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهو يصلون وجئناهم وهم يصلون فيقول الله سبحانه وتعالى أشهدكم أني قد غفرت لهم حديث تلتقي ملائكة الليل وملائكة النهار عند طلوع الفجر وعند صلاة العصر فيقول الله وهو أعلم كيف تركتم عباديالحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الغداة وصلاة العصرالحديث ثم مهما سمع الأذان في وسط النهار للأولى والعصر فينبغي أن لا يعرج على شغل وينزعج عن مكانه ويدع كل ما كان فيه فما يفوته من فضيلة التكبيرة الأولى مع الإمام في أول الوقت لا توازيها الدنيا بما فيها ومهما لم يحضر الجماعة عصى عند بعض العلماء وقد كان السلف يبتدرون عند الأذان ويخلون الأسواق للصبيان وأهل الذمة وكانوا يستأجرون بالقراريط لحفظ الحوانيت في أوقات الصلوات وكان ذلك معيشة لهم وقد جاء في تفسير قوله تعالى لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله أنهم كانوا حدادين وخرازين فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الإشفى فسمع الأذان لم يخرج الإشفى من المغرز ولم يوقع المطرقة ورمى بها وقام إلى الصلاة الرابع أن لا يقتصر على هذا بل يلازم ذكر الله سبحانه في السوق ويشتغل بالتهليل والتسبيح فذكر الله في السوق بين الغافلين أفضل قال صلى الله عليه وسلم ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين وكالحي بين الأموات وفي لفظ آخر كالشجرة الخضراء بين الهشيم وقال صلى الله عليه وسلم من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة حديث من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك لهالحديث تقدم في الأذكار وكان ابن عمر وسالم بن عبد الله ومحمد بن واسع وغيرهم يدخلون السوق قاصدين لنيل فضيلة هذا الذكر وقال الحسن ذاكر الله في السوق يجيء يوم القيامة له ضوء كضوء القمر وبرهان كبرهان الشمس ومن استغفر الله في السوق غفر الله له بعدد أهلها وكان عمر رضي الله عنه إذا دخل السوق قال اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفسوق ومن شر ما أحاطت به السوق اللهم إني أعوذ بك من يمين فاجرة وصفقة خاسرة وقال أبو جعفر الفرغاني كنا يوما عند الجنيد فجرى ذكر ناس يجلسون في المساجد ويتشبهون بالصوفية ويقصرون عما يجب عليهم من حق الجلوس ويعيبون من يدخل السوق فقال الجنيد كم ممن هو في السوق حكمه أن يدخل المسجد ويأخذ بأذن بعض من فيه فيخرجه ويجلس مكانه وإني لأعرف رجلا يدخل السوق ورده كل يوم ثلثمائة ركعة وثلاثون ألف تسبيحة قال فسبق إلي وهمي أنه يعني نفسه فهكذا كانت تجارة من يتجر لطلب الكفاية لا للتنعم في الدنيا فإن من يطلب الدنيا للاستعانة بها على الآخرة كيف يدع ربح الآخرة والسوق والمسجد والبيت له حكم واحد وإنما النجاة بالتقوى قال صلى الله عليه وسلم اتق الله حيثما كنت حديث اتق الله حيثما كنت أخرجه الترمذي من حديث أبي ذر وصححه فوظيفة التقوى لا تنقطع عن المتجردين للدين كيفما تقلبت بهم الأحوال وبه تكون حياتهم وعيشتهم إذ فيه يرون تجارتهم وربحهم وقد قيل من أحب الآخرة عاش ومن أحب الدنيا طاش والأحمق يغدو ويروح في لاش والعاقل عن عيوب نفسه فتاش الخامس أن لا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة وذلك بأن يكون أول داخل وآخر خارج وبأن يركب البحر في التجارة فهما مكروهان يقال إن من ركب البحر فقد استقصى في طلب الرزق وفي الخبر لا يركب البحر إلا لحج أو عمرة أو غزو حديث لا تركب البحر إلا لحجة أو عمرة أو غزو أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو وقيل إنه منقطع وكان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول لا تكن أول داخل في السوق ولا آخر خارج منها فإن بها باض الشيطان وفرخ روي عن معاذ بن جبل وعبد الله بن عمر أن إبليس يقول لولده زلنبور سر بكتائبك فأت أصحاب الأسواق زين لهم الكذب والحلف والخديعة والمكر والخيانة وكن مع أول داخل وآخر خارج منها وفي الخبر شر البقاع الأسواق وشر أهلها أولهم دخولا وآخرهم خروجا حديث شر البقاع الأسواق وشر أهلها أولهم دخولا وآخرهم خروجا تقدم صدر الحديث في الباب السادس من العلم وروى أبو نعيم في كتاب حرمة المساجد من حديث ابن عباس أبغض البقاع إلى الله الأسواق وأبغض أهلها إلى الله أولهم دخولا وآخرهم خروجا وتمام هذا الاحتراز أن يراقب وقت كفايته فإذا حصل كفاية وقته انصرف واشتغل بتجارة الآخرة هكذا كان صالحو السلف فقد كان منهم من إذا ربح دانقا انصرف قناعة به وكان حماد بن سلمة يبيع الخز في سفط بين يديه فكان إذا ربح حبتين رفع سفطه وانصرف وقال إبراهيم بن بشار قلت لإبراهيم بن أدهم رحمه الله أمر اليوم أعمل في الطين فقال يا ابن بشار إنك طالب ومطلوب يطلبك من لا تفوته وتطلب ما قد كفيته أما رأيت حريصا محروما وضعيفا مرزوقا فقلت إن لي دانقا عند البقال فقال عز على بك تملك دانقا وتطلب العمل وقد كان فيهم من ينصرف بعد الظهر ومنهم بعد العصر ومنهم من لا يعمل في الأسبوع إلا يوما أو يومين وكانوا يكتفون به السادس أن لا يقتصر على اجتناب الحرام بل يتقي مواقع الشبهات ومظان الريب ولا ينظر إلى الفتاوي بل يستفتي قلبه فإذا وجد فيه حزازة اجتنبه وإذا حمل إليه سلعة رابه أمرها سأل عنها حتى يعرف وإلا أكل الشبهة وقد حمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لبن فقال من أين لكم هذا فقالوا من الشاة فقال ومن أين لكم هذه الشاة فقيل من موضع كذا فشرب منه ثم قال إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن لا نأكل إلا طيبا ولا نعمل إلا صالحا حديث سؤاله عن اللبن والشاة وقوله إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن لا نأكل إلا طيبا ولا نعمل إلا صالحا رواه الطبراني من حديث أم عبد الله أخت شداد بن أوس بسند ضعيف وقال إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم حديث إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أصل الشيء وأصل أصله ولم يزد لأن ما وراء ذلك يتعذر وسنبين في كتاب الحلال والحرام موضع وجوب هذا السؤال فإنه كان صلى الله عليه وسلم لا يسأل عن كل ما يحمل إليه حديث كان لا يسأل عن كل ما يحمل إليه رواه أحمد من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مروا بامرأة فذبحت لهم شاةالحديث فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمة فلم يستطع أن يسيغها فقال هذه شاة ذبحت بغير إذن أهلهاالحديث وله من حديث أبي هريرة كان إذا أتى بطعام من غير أهله سأل عنهالحديث وإسنادهما جيد وفي هذا أنه كان لا يسأل عما أتي به من عند أهله والله أعلم وإنما الواجب أن ينظر التاجر إلى من يعامله فكل منسوب إلى ظلم أو خيانة أو سرقة أو ربا فلا يعامله وكذا الأجناد والظلمة لا يعاملهم ألبتة ولا يعامل أصحابهم وأعوانهم لأنه معين بذلك على الظلم وحكي عن رجل أنه تولى عمارة سور لثغر من الثغور قال فوقع في نفسي من ذلك شيء وإن كان ذلك العمل من الخيرات بل من فرائض الإسلام ولكن كان الأمير الذي تولى في محلته من الظلمة قال فسألت سفيان رضي الله عنه فقال لا تكن عونا لهم على قليل ولا كثير فقلت هذا سور في سبيل الله للمسلمين فقال نعم ولكن أقل ما يدخل عليك أن تحب بقاءهم ليوفوك أجرك فتكون قد أحببت بقاء من يعصي الله وقد جاء في الخبر من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه حديث من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه لم أجده مرفوعا وإنما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت من قول الحسن وقد ذكره المصنف هكذا على الصواب في آفات اللسان وفي الحديث إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق حديث إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت وابن عدي في الكامل وأبو يعلى والبيهقي في الشعب من حديث أنس بسند ضعيف وفي حديث آخر من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام حديث من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام غريب بهذا اللفظ والمعروف من وقر صاحب بدعةالحديث رواه ابن عدي من حديث عائشة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية من حديث عبد الله بن يسر بأسانيد ضعيفة قال ابن الجوزي كلها موضوعة ودخل سفيان على المهدي وبيده درج أبيض فقال يا سفيان أعطني الدواة حتى أكتب فقال أخبرني أي شيء تكتب فإن كان حقا أعطيتك وطلب بعض الأمراء من بعض العلماء المحبوسين عنده أن يناوله طينا ليختم به الكتاب فقال ناولني الكتاب أولا حتى أنظر ما فيه فهكذا كانوا يحترزون عن معاونة الظلمة ومعاملتهم أشد أنواع الإعانة فينبغي أن يجتنبها ذوو الدين ما وجدوا إليه سبيلا وبالجملة فينبغي أن ينقسم الناس عنده إلى من يعامل ومن لا يعامل وليكن من يعامله أقل ممن لا يعامله في هذا الزمان قال بعضهم أتى على الناس زمان كان الرجل يدخل السوق ويقول من ترون لي أن أعامل من الناس فيقال له عامل من شئت ثم أتى زمان آخر كانوا يقولون عامل من شئت إلا فلانا وفلانا ثم أتى زمان آخر فكان يقال لا تعامل أحدا إلا فلانا وفلانا وأخشى أن يأتي زمان يذهب هذا أيضا وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون إنا لله وإنا إليه راجعون السابع ينبغي أن يراقب جميع مجاري معاملته مع واحد من معامليه فإنه مراقب ومحاسب فليعد الجواب ليوم الحساب والعقاب في كل فعلة وقولة إنه لم أقدم عليها ولأجل ماذا فإنه يقال إنه يوقف التاجر يوم القيامة مع كل رجل كان باعه شيئا وقفه ويحاسب عن كل واحد فهو محاسب على عدد من عامله قال بعضهم رأيت بعض التجار في النوم فقلت ماذا فعل الله بك فقال نشر على خمسين ألف صحيفة فقلت هذه كلها ذنوب فقال هذه معاملات الناس بعدد كل إنسان عاملته في الدنيا لكل إنسان صحيفة مفردة فيما بيني وبينه من أول معاملته إلى آخرها فهذا ما على المكتسب في عمله من العدل والإحسان والشفقة على الدين فإن اقتصر على العدل كان من الصالحين وإن أضاف إليه الإحسان كان من المقربين وإن راعى مع ذلك وظائف الدين كما ذكر في الباب الخامس كان من الصديقين والله أعلم بالصواب تم كتاب الكسب والمعيشة بحمد الله ومنه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالجمعة 13 يناير 2012, 4:29 am


كتاب الحلال والحرام
وهو الكتاب الرابع من ربع العادات من كتاب إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الإنسان من طين لازب وصلصال ثم ركب صورته في أحسن تقويم وأتم اعتدال ثم غذاه في أول نشوه بلبن استصفاه من بين فرث ودم سائغا كالماء الزلال ثم حماه بما آتاه من طيبات الرزق عن دواعي الضعف والانحلال ثم قيد شهوته المعادية له عن السطوة والصيال وقهرها بما افترضه عليه من طلب القوت الحلال وهزم بكسرها جند الشيطان المتشمر للإضلال ولقد كان يجري من ابن آدم مجرى الدم السيال فضيق عليه عزة الحلال المجرى والمجال إذ كان لا يبذرقه إلى أعماق العروق إلا الشهوة الماثلة إلى الغلبة والاسترسال فبقي لما زمت بزمام الحلال خائبا خاسرا ما له من ناصر ولا وال والصلاة على محمد الهادي من الضلال وعلى آله خير آل وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فقد قال صلى الله عليه وسلم طلب الحلال فريضة على كل مسلم حديث ابن مسعود طلب الحلال فريضة على كل مسلم تقدم في الزكاة دون قوله على كل مسلم وللطبراني في الأوسط من حديث أنس واجب على كل مسلم وإسناده ضعيف رواه ابن مسعود رضي الله عنه وهذه الفريضة من بين سائر الفرائض أعصاها على العقول فهما وأثقلها على الجوارح فعلا ولذلك اندرس بالكلية علما وعملا وصار غموض علمه سببا لاندراس عمله إذ ظن الجهال أن الحلال مفقود وأن السبيل دون الوصول إليه مسدود وأنه لم يبق من الطيبات إلا الماء الفرات والحشيش النابت في الموات وما عداه فقد أخبثته الأيدي العادية وأفسدته المعاملات الفاسدة وإذا تعذرت القناعة بالحشيش من النبات لم يبق وجه سوى الاتساع في المحرمات فرفضوا هذا القطب من الدين أصلا ولم يدركوا بين الأموال فرقا وفصلا وهيهات هيهات فالحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ولا تزال هذه الثلاثة مقترنات كيفما تقلبت الحالات ولما كانت هذه بدعة عم في الدين ضررها واستطار في الخلق شررها وجب كشف الغطاء عن فسادها بالإرشاد إلى مدرك الفرق بين الحلال والحرام والشبهة على وجه التحقيق والبيان ولا يخرجه التضييق عن حيز الإمكان ونحن نوضح ذلك في سبعة أبواب :
الباب الأول : في فضيلة طلب الحلال ومذمة الحرام ودرجات الحلال والحرام .
الباب الثاني : في مراتب الشبهات ومثاراتها وتمييزها عن الحلال والحرام .
الباب الثالث : في البحث والسؤال والهجوم والإهمال ومظانها في الحلال والحرام .
الباب الرابع : في كيفية خروج التائب عن المظالم المالية .
الباب الخامس : في إدرارات السلاطين وصلاتهم وما يحل منها وما يحرم .
الباب السادس : في الدخول على السلاطين ومخالطتهم .
الباب السابع : في مسائل متفرقة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالجمعة 13 يناير 2012, 4:31 am


الباب الأول

في فضيلة الحلال ومذمة الحرام وبيان أصناف الحلال ودرجاته وأصناف الحرام ودرجات الورع فيه فضيلة الحلال ومذمة الحرام .
قال الله تعالى " كلوا من الطيبات واعملوا صالحا " .. أمر بالأكل من الطيبات قبل العمل وقيل إن المراد به الحلال
وقال تعالى " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل "
وقال تعالى " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما " الآية
وقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين " ثم قال " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " ثم قال " وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم " ثم قال " ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " جعل آكل الربا أول الأمر مؤذنا بمحاربة الله وفي آخره متعرضا للنار .. والآيات الواردة في الحلال والحرام لا تحصى .
وروى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
( طلب الحلال فريضة على كل مسلم ) ولما قال صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم حديث طلب العلم فريضة على كل مسلم تقدم في العلم قال بعض العلماء أراد به طلب علم الحلال والحرام وجعل المراد بالحديثين واحدا
وقال صلى الله عليه وسلم ( من سعى على عياله من حله فهو كالمجاهد في سبيل الله ومن طلب الدنيا حلالا في عفاف كان في درجة الشهداء) حديث من سعى على عياله من حله فهو كالمجاهد في سبيل الله ومن طلب الدنيا في عفاف كان في درجة الشهداء أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة من سعى على عياله ففي سبيل الله ولأبي منصور في مسند الفردوس من طلب مكسبة من باب حلال يكف بها وجهه عن مسئلة الناس وولده وعياله جاء يوم القيامة مع النبيين والصديقين وإسنادهما ضعيف
وقال صلى الله عليه وسلم ( من أكل الحلال أربعين يوما نور الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ) حديث من أكل الحلال أربعين يوما نور الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أيوب من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ولابن عدي نحوه من حديث أبي موسى وقال حديث منكر وفي رواية زهده الله في الدنيا
وروي أن سعدا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل الله تعالى أن يجعله مجاب الدعوة فقال له أطب طعمتك تستجب دعوتك حديث أن سعدا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الله أن يجعله مجاب الدعوة فقال له أطب طعمتك تستجب دعوتك أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس وفيه من لا أعرفه
ولما ذكر صلى الله عليه وسلم الحريص على الدنيا قال ( رب أشعث أغبر مشرد في الأسفار مطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام يرفع يديه فيقول يا رب يا رب فأنى يستجاب لذلك ) حديث رب أشعث أغبر مشرد في الأسفار مطعمه حرام وملبسه حرامالحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبرالحديث
وفي حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إن لله ملكا على بيت المقدس ينادي كل ليلة من أكل حراما لم يقبل منه صرف ولا عدل ) حديث ابن عباس إن لله ملكا على بيت المقدس ينادي كل ليلة من أكل حراما لم يقبل منه صرف ولا عدل لم أقف له على أصل ولأبي منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن مسعود من أكل لقمة من حرام لم تقبل منه صلاة أربعين ليلةالحديث وهو منكر فقيل الصرف النافلة والعدل الفريضة
وقال صلى الله عليه وسلم ( من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفي ثمنه درهم حرام لم يقبل الله صلاته ما دام عليه منه شيء حديث من اشترى ثوبا بعشرة دراهم في ثمنه درهم حرام لم يقبل الله صلاته وعليه منه شيء ) رواه أحمد من حديث ابن عمر بسند ضعيف
وقال صلى الله عليه وسلم ( كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به حديث كل لحم نبت من الحرام فالنار أولى به ) أخرجه الترمذي من حديث كعب بن عجرة وحسنه وقد تقدم
وقال صلى الله عليه وسلم ( من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أين أدخله النار حديث من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله عز وجل من أين أدخله النار ) أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر قال ابن العربي في عارضة الأحوذى شرح الترمذي انه باطل لم يصح ولا يصح
و قال صلى الله عليه وسلم ( العبادة عشرة أجزاء تسعة منها في طلب الحلال حديث العبادة عشرة أجزاء فتسعة منها في طلب الحلال ) رواه أبو منصور الديلمي من حديث أنس إلا أنه قال تسعة منها في الصمت والعاشرة كسب اليد من الحلال وهو منكر روى هذا مرفوعا وموقوفا على بعض الصحابة أيضا
وقال صلى الله عليه وسلم ( من أمسى وانيا من طلب الحلال بات مغفورا له وأصبح و الله عنه راض ) حديث من أمسى وانيا من طلب الحلال بات مغفورا له وأصبح والله عنه راض أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس من أمسى كالا من عمل يديه أمسى مغفورا له وفيه ضعف
وقال صلى الله عليه وسلم ( من أصاب مالا من مأثم فوصل به رحما أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله جمع الله ذلك جميعا ثم قذفه في النار ) حديث من أصاب مالا من مأثم فوصل به رحما أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله جمع الله ذلك جميعا ثم قذفه في النار رواه أبو داود في المراسيل من رواية القاسم بن مخيمرة مرسلا
وقال عليه السلام ( خير دينكم الورع ) حديث خير دينكم الورع تقدم في العلم
وقال صلى الله عليه وسلم ( من لقى الله ورعا أعطاه الله ثواب الإسلام كله ) حديث من لقى الله ورعا أعطاه ثواب الإسلام كله لم أقف له على أصل ويروى أن الله تعالى قال في بعض كتبه وأما الورعون فأنا أستحي أن أحاسبهم
وقال صلى الله عليه وسلم ( درهم من ربا أشد عند الله من ثلاثين زنية في الإسلام ) حديث درهم من ربا أشد عند الله من ثلاثين زنية في الإسلام رواه أحمد والدارقطني من حديث عبد الله بن حنظلة وقال ستة وثلاثين ورجاله ثقات وقيل عن حنظلة الزاهد عن كعب مرفوعا وللطبراني في الصغير من حديث ابن عباس ثلاثة وثلاثين وسنده ضعيف
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المعدة حوض البدن و العروق إليها واردة فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة وإذا سقمت صدرت بالسقم حديث أبو هريرة المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط و العقيلي في الضعفاء وقال باطل لا أصل له ومثل الطعمة من الدين مثل الأساس من البنيان فإذا ثبت الأساس وقوي استقام البنيان وارتفع وإذا ضعف الأساس واعوج انهار البنيان ووقع و قال الله عز وجل أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله الآية وفي الحديث من اكتسب مالا من حرام فإن تصدق به لم يقبل منه وان تركه وراءه كان زاده إلى النار حديث من اكتسب مالا من حرام فإن تصدق به لم يقبل منه وان تركه وراءه كان زاده إلى النار رواه أحمد من حديث ابن مسعود بسند ضعيف ولأبن حبان من حديث أبي هريرة من جمع مالا من حرام ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر وكان إصره عليه وقد ذكرنا جملة من الأخبار في كتاب آداب الكسب تكشف عن فضيلة الكسب الحلال

وأما الآثار : فقد ورد أن الصديق رضي الله عنه شرب لبنا من كسب عبده ثم سأل عبده فقال تكهنت لقوم فأعطوني فأدخل أصابعه في فيه وجعل يقىء حتى ظننت أن نفسه ستخرج ثم قال اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء حديث إن أبا بكر شرب لبنا من كسب عبده ثم سأله فقال تكهنت لقوم فأعطوبي فأدخل إصبعه في فيه وجعل يقىء
وفي بعض الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما أخبر بذلك قال أو ما علمتم أن الصديق لا يدخل جوفه إلا طيبا رواه البخاري من حديث عائشة كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام أتدرى ما هذا فقال وما هو قال كنت تكهنت لأنسان في الجاهلية فذكره دون المرفوع عنه فلم أجده
وفي بعض الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال أو علمتم أن الصديق لا يدخل جوفه إلا طيبا
وكذلك شرب عمر رضي الله عنه من لبن إبل الصدقة غلطا فأدخل أصبعه وتقيأ
وقالت عائشة رضي الله عنها إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة هو الورع
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتار لم يقبل ذلك منكم إلا بورع حاجز
وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل جوفه
وقال الفضيل من عرف ما يدخل جوفه كتبه الله صديقا فانظر عند من تفطر يا مسكين
وقيل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله لم لا تشرب من ماء زمزم فقال لو كان لي دلو شربت منه
وقال سفيان الثوري رضي الله عنه من أنفق من الحرام في طاعة الله كان كمن طهر الثوب النجس بالبول و الثوب النجس لا يطهره إلا الماء و الذنب لا يكفره إلا الحلال
وقال يحيى بن معاذ الطاعة خزانة من خزائن الله إلا أن مفتاحها الدعاء وأسنانه لقم الحلال
وقال ابن عباس رضي الله عنهما لا يقبل الله صلاة امرىء في جوفه حرام
وقال سهل التسترى لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يكون فيه أربع خصال أداء الفرائض بالسنة وأكل الحلال بالورع واجتناب النهي من الظاهر و الباطن و الصبر على ذلك إلى الموت
و قال من أحب أن يكاشف بآيات الصديقين فلا يأكل إلا حلالا ولا يعمل إلا في سنة أو ضرورة
و يقال من أكل الشبهة أربعين يوما أظلم قلبه وهو تأويل قوله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون
وقال ابن المبارك رد درهم من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف درهم ومائة ألف ومائة ألف حتى بلغ إلى ستمائة ألف
و قال بعض السلف إن العبد يأكل أكله فيتقلب قلبه فينغل كما ينغل الأديم ولا يعود إلى حاله أبدا
وقال سهل رضي الله عنه من أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى علم أو لم يعلم ومن كانت طعمته حلالا أطاعته جوارحه ووفقت للخيرات و قال بعض السلف إن أول لقمة يأكلها العبد من حلال يغفر له ما سلف من ذنوبه ومن أقام نفسه مقام ذل في طلب الحلال تساقطت عنه ذنوبه كتساقط ورق الشجر
وروى في آثار السلف أن الواعظ كان إذا جلس للناس قال العلماء تفقدوا منه ثلاثا فإن كان معتقدا لبدعة فلا تجالسوه فإنه عن لسان الشيطان ينطق وإن كان سيء الطعمة فعن الهوى ينطق فإن لم يكن مكين العقل فإنه يفسد بكلامه أكثر مما يصلح فلا تجالسوه
وفي الأخبار المشهورة عن علي عليه السلام وغيره إن الدنيا حلالها حساب وحرامها عذاب وزاد آخرون وشبهتها عتاب
وروي أن بعض الصالحين دفع طعاما إلى بعض الأبدال فلم يأكل فسأله عن ذلك فقال نحن لا نأكل إلا حلالا فلذلك تستقيم قلوبنا ويدوم حالنا ونكاشف الملكوت ونشاهد الآخرة ولو أكلنا مما تأكلون ثلاثة أيام لما رجعنا إلى شيء من علم اليقين ولذهب الخوف والمشاهدة من قلوبنا فقال له الرجل فإني أصوم الدهر وأختم القرآن في كل شهر ثلاثين مرة فقال له البدل هذه الشربة التي رأيتني شربتها من الليل أحب إلى من ثلاثين ختمة في ثلثمائة ركعة من أعمالك وكانت شربته من لبن ظبية وحشية
وقد كان بين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين صحبة طويلة فهجره أحمد إذ سمعه يقول إني لا أسال أحدا شيئا ولو أعطاني الشيطان شيئا لأكلته حتى اعتذر يحيى و قال كنت أمزح فقال تمزح بالدين أما علمت أن الأكل من الدين قدمه الله تعالى على العمل الصالح فقال كلوا من الطيبات واعملوا صالحا
وفي الخبر أنه مكتوب في التوراة من لم يبال من أين مطعمه لم يبال الله من أي أبواب النيران أدخله
وعن علي رضي الله عنه أنه لم يأكل بعد قد قتل عثمان ونهب الدار طعاما إلا مختوما حذرا من الشبهة
واجتمع الفضيل بن عياض وابن عيينة وابن المبارك عند وهيب بن الورد بمكة فذكروا الرطب فقال وهيب هو من أحب الطعام إلي إلا أني لا آكله لاختلاط رطب مكة ببساتين زبيدة وغيرها فقال له ابن المبارك إن نظرت في مثل هذا ضاق عليك الخبز قال وما سببه قال إن أصول الضياع قد اختلط بالصوافي فغشى على وهيب فقال سفيان قتلت الرجل فقال ابن المبارك ما أردت إلا أن أهون عليه فلما أفاق قال لله علي أن لا آكل خبزا أبدا حتى ألقاه قال فكان يشرب اللبن قال فأتته أمه بلبن فسألها فقالت هو من شاة بني فلان فسأل عن ثمنها وأنه من أين كان لهم فذكرت فلما أدناه من فيه قال بقي أنها من أين كانت ترعى فسكتت فلم يشرب لأنها كانت ترعى من موضع فيه حق للمسلمين فقالت أمه اشرب فإن الله يغفر لك فقال ما أحب أن يغفر لي وقد شربته فأنال مغفرته بمعصيته
وكان بشر الحافي رحمه الله من الورعين فقيل له من أين تأكل فقال من حيث تأكلون ولكن ليس من يأكل وهو يبكي كمن يأكل وهو يضحك وقال يد أقصر من يد ولقمة أصغر من لقمة وهكذا كانوا يحترزون
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأنصاري

عضو فضي  عضو فضي
الأنصاري


الجنس : ذكر
العمر : 42
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 564

 ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: ۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩    ۩۞۩   كتاب إحياء علوم الدين  ۩۞۩ - صفحة 4 Icon_minitimeالجمعة 13 يناير 2012, 4:34 am


من الشبهات : أصناف الحلال ومداخله
اعلم أن تفصيل الحلال و الحرام إنما يتولى بيانه كتب الفقه ويستغني المريد عن تطويله بأن يكون له طعمة معينة يعرف بالفتوى حلها لا يأكل من غيرها فأما من يتوسع في الأكل من وجوه متفرقة فيفتقر إلى علم الحلال والحرام كله كما فصلناه في كتب الفقه ونحن الآن نشير إلى مجامعه في سياق تقسيم وهو أن المال إنما يحرم إما لمعنى في عينه أو لخلل في جهة اكتسابه

القسم الأول : الحرام لصفة في عينه كالخمر و الخنزير وغيرهما .
وتفصيله أن الأعيان المأكولة على وجه الأرض لا تعدو ثلاثة أقسام فإنها إما أن تكون من المعادن كالملح و الطين وغيرهما أو من النبات أو من الحيوانات .
أما المعادن : فهي أجزاء الأرض وجميع ما يخرج منها فلا يحرم أكله إلا من حيث أنه يضر بالآكل وفي بعضها ما يجري مجرى السم والخبز لو كان مضرا لحرم أكله و الطين الذي يعتاد أكله لا يحرم إلا من حيث الضرر وفائدة قولنا انه لا يحرم مع أنه لا يؤكل أنه لو وقع شيء منها في مرقة أو طعام مائع لم يصر به محرما .
وأما النبات : فلا يحرم منه إلا ما يزيل العقل أو يزيل الحياة أو الصحة فمزيل العقل البنج و الخمر وسائر المسكرات ومزيل الحياة السموم ومزيل الصحة الأدوية في غير وقتها وكأن مجموع هذا يرجع إلى الضرر إلا الخمر و المسكرات فإن الذي لا يسكر منها أيضا حرام مع قلته لعينه ولصفته وهي الشدة المطربة .
وأما السم : فإذا خرج عن كونه مضرا لقلته أو لعجنه بغيره فلا يحرم .
وأما الحيوانات : فتنقسم إلى ما يؤكل وإلى ما لا يؤكل وتفصيله في كتاب الأطعمة والنظر يطول في تفصيله لا سيما في الطيور الغريبة وحيوانات البر والبحر وما يحل أكله منها فإنما يحل إذا ذبح ذبحا شرعيا روعي فيه شروط الذابح والآلة والذبح وذلك مذكور في كتاب الصيد والذبائح وما لم يذبح ذبحا شرعيا أو مات فهو حرام ولا يحل إلا ميتتان السمك والجراد وفي معناهما ما يستحيل من الأطعمة كدود التفاح والخل والجبن فإن الاحتراز منهما غير ممكن فأما إذا أفردت وأكلت فحكمها حكم الذباب والخنفساء والعقرب وكل ما ليس له نفس سائلة لا سبب في تحريمها إلا الاستقذار ولو لم يكن لكان لا يكره فإن وجد شخص لا يستقذره لم يلتفت إلى خصوص طبعه فإنه التحق بالخبائث لعموم الاستقذار فيكره أكله كما لو جمع المخاط وشربه كره ذلك وليست الكراهة لنجاستها فإن الصحيح أنها لا تنجس بالموت إذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يمقل الذباب في الطعام إذا وقع فيه حديث الأمر بأن يمقل الذباب في الطعام إذا وقع فيه رواه البخاري من حديث أبي هريرة وربما يكون حارا ويكون ذلك سبب موته ولم تهرت نملة أو ذبابة في قدر لم يجب إراقتها إذ المستقذر هو جرمه إذا بقي له جرم ولم ينجس حتى يحرم بالنجاسة وهذا يدل على أن تحريمه للاستقذار ولذلك نقول لو وقع جزء من آدمي ميت في قدر ولو وزن دانق حرم الكل لا لنجاسته فإن الصحيح أن الآدمي لا ينجس بالموت ولكن لان أكله محرم احتراما لا استقذارا وأما الحيوانات المأكولة إذا ذبحت بشرط الشرع فلا تحل جميع أجزائها بل يحرم منها الدم والفرث وكل ما يقضي بنجاسته منها بل تناول النجاسة مطلقا محرم ولكن ليس في الأعيان شيء محرم نجس إلا من الحيوانات وأما من النبات فالمسكرات فقط دون ما يزيل العقل ولا يسكر كالبنج فإن نجاسة المسكر تغليظ للذجر عنه لكونه في مظنة التشوف ومهما وقعت قطرة من النجاسة أو جزء من نجاسة جامدة في مرقة أو طعام أو دهن حرم أكل جميعه ولا يحرم الانتفاع به لغير الأكل فيجوز الاستصباح بالدهن النجس وكذا طلاء السفن و الحيوانات وغيرها فهذه مجامع ما يحرم لصفة في ذاته .

القسم الثاني : ما يحرم لخلل في جهة إثبات اليد عليه .
وفيه يتسع النظر فنقول أخذ المال إما أن يكون باختيار المالك أو بغير اختياره فالذي يكون بغير اختياره كالإرث والذي يكون باختياره إما أن لا يكون من مالك كنيل المعادن أو يكون من مالك والذي أخذ من مالك فإما أن يؤخذ قهرا أو يؤخذ تراضيا و المأخوذ قهرا إما أن يكون لسقوط عصمة المالك كالغنائم أو لاستحقاق الأخذ كزكاة الممتنعين و النفقات الواجبة عليهم والمأخوذ تراضيا إما أن يؤخذ بعوض كالبيع و الصداق و الأجرة وإما أن يؤخذ بغير عوض كالهبة و الوصية فيحصل من هذا السياق ستة أقسام :
الأول : ما يؤخذ من غير مالك كنيل المعادن وإحياء الموات والاصطياد والاحتطاب والاستقاء من الأنهار والاحتشاش فهذا حلال بشرط أن لا يكون المأخوذ مختصا بذي حرمة من الآدميين فإذا انفك من الاختصاصات ملكها آخذها وتفصيل ذلك في كتاب إحياء الموات
الثاني : المأخوذة قهرا ممن لا حرمة له وهو الفيء والغنيمة و سائر أموال الكفار والمحاربين وذلك حلال للمسلمين إذا اخرجوا منها الخمس وقسموها بين المستحقين بالعدل ولم يأخذوها من كافر له حرمة وأمان وعهد وتفصيل هذه الشروط في كتاب السير من كتاب الفيء والغنيمة وكتاب الجزية
الثالث : ما يؤخذ قهرا باستحقاق عند امتناع من وجب عليه فيؤخذ دون رضاه وذلك حلال إذا تم سبب الاستحقاق وتم وصف المستحق الذي به استحقاقه واقتصر على القدر المستحق واستوفاه ممن يملك الاستيفاء من قاض أو سلطان أو مستحق وتفصيل ذلك في كتاب تفريق الصدقات وكتاب الوقف وكتاب النفقات إذ فيها النظر في صفة المستحقين للزكاة و الوقف و النفقة وغيرها من الحقوق فإذا استوفيت شرائطها كان المأخوذ حلالا
الرابع : ما يؤخذ تراضيا بمعاوضه وذلك حلال إذا روعي شرط العوضين وشرط العاقدين وشرط اللفظين اعني الإيجاب والقبول مع ما تعبد الشرع به من اجتناب الشروط المفسدة وبيان ذلك في كتاب البيع و السلم والإجارة والحوالة والضمان والقراض والشركة والمساقاة والشفعة والصلح والخلع والكتابة والصداق وسائر المعاوضات
الخامس : ما يؤخذ عن رضا من غير عوض وهو حلال إذا روعى فيه شرط المعقود عليه وشرط العاقدين وشرط العقد ولم يؤد إلى ضرر بوارث أو غيره وذلك مذكور في كتاب الهبات والوصايا والصدقات
السادس : ما يحصل بغير اختيار كالميراث وهو حلال إذا كان الموروث قد اكتسب المال من بعض الجهات الخمس على وجه حلال ثم كان ذلك بعد قضاء الدين وتنفيذ الوصايا وتعديل القسمة بين الورثة وإخراج الزكاة و الحج و الكفارة إن كان واجبا وذلك مذكور في كتاب الوصايا والفرائض فهذه مجامع مداخل الحلال والحرام أومأنا إلى جملتها ليعلم المريد أنه إن كانت طعمته متفرقة لا من جهة معينة فلا يستغنى عن علم هذه الأمور فكل ما يأكله من جهة من الجهات ينبغي أن يستفتى فيه أهل العلم ولا يقدم عليه بالجهل فإنه كما يقال للعالم لم خالفت علمك يقال للجاهل لم لازمت جهلك ولم تتعلم بعد أن قبل لك طلب فريضة على كل مسلم درجات الحلال والحرام اعلم أن الحرام كله خبيث لكن بعضه أخبث من بعض و الحلال كله طيب ولكن بعضه أطيب من بعض وأصفى من بعض وكما أن الطبيب يحكم على كل حلو بالحرارة ولكن يقول بعضها حار في الدرجة الأولى كالسكر وبعضها حار في الثانية كالفانيذ وبعضها حار في الثالثة كالدبس وبعضها حار في الرابعة كالعسل كذلك الحرام بعضه خبيث حار في الدرجة الأولى وبعضه الثانية أو الثالثة أو الرابعة وكذا الحلال تتفاوت درجات صفاته وطيبه فلنقتد بأهل الطب في الاصطلاح على أربع درجات تقريبا وإن كان التحقيق لا يوجب هذا الحصر إذ يتطرق إلى كل درجة من الدرجات أيضا تفاوت لا ينحصر فإن من السكر ما هو أشد حرارة من سكر آخر وكذا غيره فلذلك نقول الورع عن الحرام على أربع درجات الأولى ورع العدول وهو الذي يجب الفسق باقتحامه وتسقط العدالة به ويثبت اسم العصيان و التعرض للنار بسببه وهو الورع عن كل ما تحرمه فتاوى الفقهاء الثانية ورع الصالحين وهو الامتناع عما يتطرق إليه احتمال التحريم ولكن المفتى يرخص في التناول بناء على الظاهر فهو من مواقع الشبهة على الجملة فلنسم التحرج عن ذلك ورع الصالحين وهو في الدرجة الثانية الثالثة مالا تحرمه الفتوى ولا شبهة في حله ولكن يخاف منه أداؤه إلى محرم وهو ترك ما لا بأس به مخافة مما به بأس وهذا ورع المتيقن قال صلى الله عليه وسلم لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع مالا بأس به مخافة ما به بأس حديث لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع مالا بأس به مخافة ما به بأس رواه ابن ماجه وقد تقدم الرابعة ما لا بأس به أصلا ولا يخاف منه أن يؤدي إلى ما به بأس ولكنه يتناول لغير الله وعلى غير نية التقوى به على عبادة الله أو تتطرق إلى أسبابه المسهلة له كراهية أو معصية و الامتناع منه ورع الصديقين فهذه درجات الحلال جملة إلى أن نفصلها بالأمثلة و الشواهد وأما الحرام الذي ذكرناه في الدرجة الأولى هو الذي يشترط التورع عنه في العدالة واطراح سمة الفسق فهو أيضا على درجات في الخبث فالمأخوذ بعقد فاسد كالمعاطاة مثلا فيما لا يجوز فيه المعاطاة حرام ولكن ليس في درجة المغصوب على سبيل القهر بل المغصوب أغلظ إذ فيه ترك طريق الشرع في الاكتساب وإيذاء الغير وليس في المعاطاة إيذاء وإنما فيه ترك طريق التعبد فقط ثم ترك طريق التعبد بالمعاطاة أهون من تركه بالربا وهذا التفاوت يدرك بتشديد الشرع ووعيده وتأكيده في بعض المناهى على ما سيأتي في كتاب التوبة عند ذكر الفرق بين الكبيرة والصغيرة بل المأخوذ ظلما من فقير أو صالح أو من يتيم أخبث وأعظم من المأخوذ من قوي أو غني أو فاسق لأن درجات الإيذاء تختلف باختلاف درجات المؤذى فهذه دقائق في تفاصيل الخبائث لا ينبغي أن يذهل عنها فلولا اختلاف درجات العصاة لما اختلفت درجات النار وإذا عرفت مثارات التغليظ فلا حاجة إلى حصره في ثلاث درجات أو أربعة فإن ذلك جار مجرى التحكم والتشهي وهو طلب حصر فيما لا حاصر له ويدلك على اختلاف درجات الحرام في الخبث ما سيأتي في تعارض المحذورات وترجيح بعضها على بعض حتى إذا اضطر إلى أكل ميتة أو أكل طعام الغير أو أكل صيد الحرم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
۩۞۩ كتاب إحياء علوم الدين ۩۞۩
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 4 من اصل 11انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5 ... 9, 10, 11  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» .::][ آفة الدين الطمع .. والورعُ ملاكُ الدين ][::.
»  {؛« .»؛} " علوم و اختراعات " {؛«' .»؛}
» ۩۩ علوم القرآن ۩۩
» •l|۞|l علوم الحديث l|۞|l•
» ™¤¦ عجائب علوم الأحياء ¦¤™

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۞ منتديات كنوز الإبداع ۞ :: ۞ المنتديات الإسلامية ۞ ::  ۩ الإسلام .. دين السلام ۩-
انتقل الى: