قال السعدي: يغضوا من أبصارهم عن النظر إلى العورات وإلى النساء الأجنبيات وإلى المُردان الذين يخاف بالنظر إليهم الفتنة٤٣ .
وقد عدّ الشارع النظر إلى النساء زنىً تمارسه العين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي : " إن الله كتب على بن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر...٤٤ " وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم غض البصر من حق الطريق الذي يحب أداؤه على كل من سلكه أو جلس على جانبه، فعن أ سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي قال: " إياكم والجلوس على الطرقات فقالوا ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها قال فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها قالوا وما حق الطريق قال غض البصر... ٤٥ ".
فوائد غض البصر
لغض البصر فوائد جليلة منها
أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية السعادة في الدنيا والآخرة.
تخليص القلب من ألم الحسرة.
أنه يقوي القلب ويكسبه نوراً يظهر في العين والوجه والجوارح.
أنه يسد باباً من أبواب الجحيم.
أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته٤٦ .
الاستئذان لدخول البيوت
الاستئذان في اللغة معناه طلب الإذن، والإذن: من أذن بالشيء إذناً بمعنى أباحه٤٧ . والاستئذان في الاصطلاح هو طلب إباحة دخول البيت للمستأذن٤٨ . يُعد الاستئذان من عوامل الحفاظ على الأسرة، فقد حرم الله عز وجل دخول بيوت الغير بدون إذن قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى النور:٢٧، والمراد بالاستئناس في الآية الاستئذان كما فسره ابن عباس رضي لله عنه٤٩ . ومن أبرز أسباب مشروعية الاستئذان الاحتراز من وقوع النظر إلى ما لا يريد صاحب البيت النظر إليه لو دخل بغير إذن قال عليه السلام: "إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر٥٠ ". وإذا كان الإسلام قد حرم الدخول إلا بإذن، فإنه أيضاً قد منع من مجرد الإطلاع على البيت من خارج، وأذن لأهل البيت أن يفقؤوا عينه، ولو فعلوا ذلك لما عوقبوا وعوتبوا، لأنهم فعلوا ما أذن به الشارع٥١ .
آداب الاستئذان من آداب الاستئذان ما يأتي:
أن يكون ثلاث مرات، ولا يزيد على ثلاث إن سمع أحد صوته، وإلا زاد حتى يعلم أو يظن أنه سمع. أن يكون الاستئذان بعد السلام. ألا يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر. أن يرجع إذا لم يؤذن له، وأن لا يجد غضاضة في نفسه عند ذلك. وإذا قيل له من أنت؟ أن يقول أنا فلان ويسمي نفسه٥٢ .
الخلوة
الخلوة في اللغة مكان الانفراد، من خلا المكان والشيء يخلو خلواً وخلاء٥٣ . وفي الاصطلاح: هي انفراد رجل بامرأة أجنبية عنه في مكان واحد من غير أن يكون مع المرأة مَحْرم٥٤ .
حكم الخلوة الأصل في الخلوة التحريم سداًّ لذريعة الفتنة، وحماية من دواعي الجريمة، وحفاظاً على سمعة المرأة، قال رسول الله : "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم٥٥ ".
قرار النساء في البيوت
قد جعل الله لكل من الرجل والمرأة ميداناً يؤدي فيه رسالته، وميدان المرأة هو رعاية شؤون البيت، والمحافظة على الأولاد وحسن رعايتهم، وتهيئة البيت من جميع الجوانب، ليجد الرجل عند عودته الراحة والسعادة٥٦ .
ولما كان في خروج المرأة من بيتها بلا حاجة تعريض لها للفتنة، أمر المولى النساء بالقرار في البيوت فقال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى الأحزاب:٣٣. قال ابن كثير أي اِلزَمْن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة. فلا تخرج المرأة من بيتها إلا برضا وليها ملتزمة بالحجاب٥٧ .
الغيرة على المحارم
الغيرة مصدر غار يغار، غار الرجل على امرأته: ثار من الحمية وكره شركة غيره في حقه٥٨ . والغيرة في الاصطلاح هي من الغرائز البشرية التي أودعها الله في الإنسان تبرز كلما أحس شركة الغير في حقه بلا اختيار منه٥٩ .
إن غيرة الرجل على محارمه من العوامل المهمة، والوسائل الناجعة في حماية الأسرة من الانحراف. والغيرة من صفات الرب جل وعلا، وهي أيضاً من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه بشدة الغيرة مثل عمر بن الخطاب وسعد بن عبادة.٦٠
والغيرة المحمودة هي التي تكون في الريبة، أما الغيرة من غير الريبة، فهو هوس وظن فاسد، وهي مذمومة والله تعالى يكرهها، قال رسول الله : " قال رسول الله : إن من الغيرة ما يحب الله ، و منها ما يبغض الله ، و من الخيلاء ما يحب الله ، و منها ما يبغض الله ، فالغيرة التي يحب الله ، الغيرة في الريب ، و الغيرة التي يبغض الله : الغيرة في غير ريبة ٦١ ".
عقوبة الزنا والقذف
يعد الزنا والقذف من أخطر الجرائم لما لهما من آثار عظيمة على الفرد والأسرة والمجتمع، فحماية للأسرة وتحقيقاً لسلامة المجتمع، وتأديباً للمجرمين، قد رتب الله عليهما عقوبات مغلظة فجعل سبحانه الرجم للزاني المحصن، وجلد مائة مع تغريب عام إن كان غير محصن، قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِين النور:٢.
وقال رسول الله (: " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ٦٢ "، وجعل حد القذف ثمانين جلدة قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون النور:٤.
فهذه العقوبات فيها غاية التأديب للفاعل، وفيها أيضاً ردع لكل من تسول له نفسه الوقوع في شيء من ذلك.٦٣
الخلاصة
الأسرة في اللغة هي عشيرة الرجل وأهل بيته. وفي الاصطلاح هي الجماعة المعتبرة نواة المجتمع، والتي تنشأ برابطة زوجية بين رجل وامرأة، ثم يتفرع عنها الأولاد، وتظل ذات صلة وثيقة بأصول الزوجين وبالحواشي وبالقرابة القريبة. تبرز أهمية الأسرة ومكانتها من خلال تحقيق النمو الجسدي والعاطفي، والسكن النفسي والطمأنينة، وهي الطريق الوحيد لإنجاب الأولاد الشرعيين، وتعد مؤسسة للتدريب على تحمل المسؤوليات، كما تُعدّ اللبنة الأساسية لبناء المجتمع. لم تكن للمرأة أية مكانة ولا أهمية لدى المجتمعات غير الإسلامية، بل كانوا ينظرون إليها بأنها من سقط المتاع، وكانت تعيش مسلوبة الحرية والحقوق الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، كما كانت تباع، بل في بعض الأحيان عند بعض المجتمعات يُحكم عليها بالموت إذا مات زوجها. لقد أنصف الإسلام المرأة وأعطاها حقوقها المختلفة، ورد لها اعتبارها، وحظيت بمكانة عظيمة لم تحظ بها في أي مجتمع غير مسلم سواء أكان قديماً أو حديثاً، ومن مظاهر هذا التكريم أقر الإسلام إنسانية المرأة، وأمر بإكرامها وجعلها أهلاً للتكليف، كما أعطاها حقوقها المالية بعد أن كانت محرمة منها. لقد تم تناول بعض الشبه التي أُثيرت حول المرأة في الإسلام والرد عليها رداًّ علمياً، وهذه الشبه هي عمل المرأة وشهادتها وديتها وتعدد الزوجات. الحجاب في اللغة مصدر حجب ويعني الستر، وأما في الاصطلاح هو لباس شرعي سائغ تستتر به المرأة المسلمة ليمنع الرجال الأجانب من رؤية شيء من جسدها، وقد ثبت وجوبه بالكتاب والسنة، وأما المقاصد التي من أجلها شرع الحجاب فكثيرة منها: طهارة قلوب العباد من الخواطر الشيطانية، وحفظ النساء من أن يتعرضن للأذى، والحجاب في الظاهر ترجمة لصلاح المرأة في الباطن. شرع المولى عز وجل أحكاماً وآداباً تتعلق بالأسرة المسلمة تُعدّ عوامل للحفاظ عليها من الانحراف، وأول هذه العوامل غض البصر عن النظر إلى العورات، وإلى النساء الأجنبيات، والعامل الثاني هو الاستئذان لدخول البيوت، فقد حرم الإسلام دخول مساكن وبيوت الغير إلا بإذن أهلها، وأما العامل الثالث فتحريم الخلوة، فلا يجوز للرجل أن يخلو بامرأة أجنبية، لأن ذلك مظنة لحصول الفتنة بينهما. وقرار النساء في البيوت هو العامل الرابع لحماية الأسرة من الانحراف، لأن خروجهن من بيوتهن بلا حاجة تعريض لهن للفتنة، وأما غير الرجل على محارمه فهو العامل الخامس من عوامل حماية الأسرة من النحراف، فالغيرة المحمودة هي التي تكون في الريبة، أما الغيرة من غير ريبة فهي هوس وظن فاسد يكرهها المولى عز وجل، والعامل السادس والأخير هو عقوبة الزنا والقذف، فحماية للأسرة وتحقيقاً لسلامة المجتمع جعل الله الرجم للزاني إن كان محصناً، وجلد مائة مع تغريب عام إن كان غير محصن، وجلد ثمانن للقاذف.