الفارق العمري بين الزوجين وتأثيره على العلاقة الزوجية
يوجد لدى مجتمعاتنا العربية - وبالأخص الشرقية - عادات وتقاليد في الزواج ولا زالت حتى الآن، فهذه العادات تحمل عوامل رفض وقبول لشروط الزواج... ومن هذه العادات فارق السن بين الزوجين سواء أكان الزوج أكبر من الزوجة أو العكس أن تكون الزوجة أكبر من الزوج.
والأرجح الذي ليس مقبولا في عاداتنا أن تكون الزوجة أكبر من الزوج، والسن لم يكن شرطا من شروط الزواج في أي دين من الديانات السماوية، إلا أننا نجد أمثلة كثيرة، من تزوج زوجة أكبر منه، وخير من يستدل به سيد البشر محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - أنه تزوج خديجة وكان هو في العقد الثاني وكانت السيدة خديجة في العقد الرابع من العمر، ومع هذا كان يحبها حبا شديدا.
إذًا السن ليس عائقا في الحياة الزوجية.. ولكن في ظل معتقدات مجتمعاتنا هل يؤثر العمر على العلاقة الزوجية؟
إن الحياة الزوجية علاقة توافق وانسجام، روحان في جسد، التقاء للأفكار والأهداف والمفاهيم، ولذا فمن الأهمية بمكان أن يكون بينهما تكافؤ ينسجم مع علاقة الجسد الواحد الذي يجمعهما تحت جناح الحياة الزوجية، فالتكافؤ يمثل بين الأزواج اللبنة الأساسية التي يبنى عليها كل بيت يريد أن يعيش في سعادة، ويسعى لتكوين أسرة ناضجة ومتزنة وتعيش بسكون وسلام.
ولا نقصد بالتكافؤ المماثلة، بل المراد التقارب في المرحلة العمرية والمستوى التعليمي، والتوافق في الحياة الاجتماعية والثقافية، لتشكل هذه المرتكزات في مجموعها مقومات أساسية لإمكانية إقامة علاقة زوجية متوازنة وقابلة للحياة، ويعد التقارب بين الزوجين واندماجهما مع بعضهما البعض الخطوة الأولى لتأسيس زواج ناجح، وعند اختلافها الاختلاف الجوهري، فإن النتائج السلبية معنوية كانت أو نفسية، ستكون بوابة لحدوث الاختلاف، ونشوء المشاحنات والتناقضات الأمر الذي يمهد لفشل هذه العلاقة، أو عدم تحقيق أهدافها المثلى.
فارق السن ليس عائقًا أمام سعادة الزوجين في الشريعة الإسلامية:
لأن السعادة تأتي من تربية الوازع الديني عند الأزواج لأن الشريعة أوصت الزوجين بأن يرضي كل منهما ربه في الآخر، وهذه وصايا الرسول - عليه الصلاة والسلام - حيث يقول: ) إنما النساء شقائق الرجال (، ) ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم (، وأوصى المرأة بزوجها حيث قال - عليه الصلاة والسلام -: ) فإنما هو جنتك ونارك (، وقال لها: ) حسن التبعل يعدل الجهاد في سبيل الله (.
فحالات الزواج التي تربط بين زوجة أكبر من زوجها أكثر ندرة من تلك التي يكون فيها العكس، لكنه يحدث كما يصور لنا الواقع ذلك، وقبوله يرتبط بقناعة الطرفين أن الفارق لا يشكل عائقًا أمام السعادة في حياتهما الزوجية حتى لو تحفظ المجتمع على هذا الزواج.
فالزواج بعد المعاشرة والتجرد من الرغبات يتحول إلى مودة وذوبان للزوجين في قالب واحد، والرافض للفكرة من أساسها وأن المرأة من الظلم أن ترضى برجل يصغرها يتحجج أنها بطبيعة الحال يظهر عليها علامات الهرم قبل الرجل، والرجل غالبًا لا يرغب بظهور ذلك على زوجته قبله.
ونرى أحيانًا أن فارق السن الكبير بين الزوجين له عدة مخاطر مثلا:
أن يكون الزوج أكبر من الزوجة بكثير، فنجد رجل الستين من العمر قد تزوج بفتاة بالعشرين من العمر أو أقل.
وهذه الأمور باتت تحدث في مجتمعاتنا بشكل متكرر، وبتنا نسمع العديد من القصص المؤلمة التي تعيشها هذه الزوجة بعد فترة من زواجها، فالمشكلة هنا أن هذا الزوج المسن يبدأ بالتمسك بالحياة أكثر فأكثر ويبدأ بالبحث عن كل ما يسعده في هذه الدنيا، ويهمل زوجته الضحية التي قبلت على مضض بالعيش في ظل رجل يعاملها كعصفورة حبيسة في قفص الزوجية الذي هو أشبه بسجن، أسيرته بين جدران وحيدة لا أحد يفهمها أو يفهم متطلباتها.
وما زالت فتيات كثيرات وخاصة الصغيرات في السن لا يمتلكن اتخاذ القرار حول أهم مصير يتعلق بحياتهن، فأمور الزواج والموافقة على العريس ما زالت بيد أولياء أمرها (أبيها أو أخيها) ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على مصلحتها، فإذا كانت العائلة تعاني فقرًا وعجزًا عن الإنفاق على البنت يعمدون عندها لتزويجها لأول شاب يدق الباب، فإن كان أفقر عاشت في بؤس وإن كان غنيًّا عاشت بنعيم، أما إذا كان عجوزًا ويفوقها بعشرين سنة أو أكثر فهنا تقع الكارثة.
إن هذا الزواج لم يعد سوى صفقة تجارية مربحة نتجت عن بيع فلذة الأكباد إلى من يدفع أكثر، وقبض ثمن سعادتها مهرًا علقوا عليه آمالا عديدة، ولكن هل يعوض ذلك عمر الورد الذي ذبل قبل الأوان؟ والشباب الذي دفن مع رجل ملأ الشيب رأسه وتزاحمت الأمراض والضعف في جسده؟ وزوج انتهت مدة صلاحيته؟!
ففي الوقت الذي تبدأ فيه الفتاة مشوار شبابها وحيويتها ونضارتها يكون الزوج بدأ مشواره في البحث عن المنشطات والأدوية والمحميات الغذائية، فهذه الفتاة التي تزوجت لتحصل على حقها الطبيعي بالاستمتاع بنعيم الزواج تفاجأ بعد فترة قصيرة من الزواج أنها تحولت إلى ممرضة خاصة، فرض عليها الاعتناء بزوج يتداعى لولا رعايتها وإشرافها على مواعيد أدويته والاهتمام بصحته وإبعاده عن الإجهاد والتوتر.
خلاصة الحديث:
فارق السن بين الزوجين يجب أن يكون معقولا بأن لا تكون الزوجة أكبر من الزوج بعشرة سنوات أو ما فوق، والعكس من ذلك.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين