العلاقة الزوجية بين العمودية والأفقية
إن هذا العنوان يتراوح بين نوعين من العلاقة التي توجد بكثرة بين الزوجين في عصرنا الراهن، وهما علاقتان توصفان بالإفراط والتفريط، أو ذكورية وأنثوية – إن صح التعبير-.
فالعلاقة العمودية (الرأسية) بين الزوجين تعني بشكل غير مباشر الاستعباد، وهي عدم إعطاء المرأة حقوقها المشروعة، والنظر إليها نظرة دونية وتحتية، حيث يرى البعض أن المرأة عديمة الدور في المجتمع، بل يقتصر دورها في الإنجاب، فتمنع هذه المرأة المسكينة مما عدا ذلك، إلى درجة أن إرشاد الأولاد وتوجيههم لا يعتبران من مسؤولياتها، فنجد الأولاد يخافون آباءهم ويستمعون إليهم ويطيعون أوامرهم، أما إذا تجرأت المرأة وقامت بإحدى هذه المسؤوليات فنهت وأمرت، فإن صوتها لا يمثل لدى هؤلاء الأولاد إلا نبح كلب أو نئيم بوم أو نعيق غراب، والسبب وراء هذا يكمن في المعاملة التي يعامل بها الزوج زوجته أمام هؤلاء الأولاد، فالأب مرآة لأولاده، ومن المنطق أن تنعكس كل تصرفاته – سلبا أو إيجابا – عليهم.
ومما تسببه العلاقة العمودية بين الزوجين أيضا، منع المرأة من التعبير (حرية التعبير)، فالمرأة كطبيعتها رقيقة القلب وضعيفة النفس، لا تتحمل الغلظة والتصلب، كما تتضجر من التشدد والتحجر، فإذا أصبحت تنظر إلى زوجها نظرة مفرطة في العلو والفوقية، لا تعود تشاوره أو تشاركه في أي شيء من حياتهما الزوجية، فتصاب بالمرض النفسي، بسبب عدم إمكانية البوح بما امتلأ به قلبها.
أما العلاقة الأفقية بين الزوجين، فيمكن وصفها بالتفريط في العلاقة الزوجية، حيث يرى الرجل امرأته مساوية له في كل شيء، ويدعي بأن كل ما يمارسه الرجل تمارسه المرأة، بل قد تفوق الرجل في بعض هذه المهام. فإذا وصفنا العلاقة العمودية ذكورية محضة، لكون الرجل فيها صاحب صوت وكلمة، فإن هذه العلاقة الأفقية أيضا أنثوية محضة.
فمن الغريب جدا في هذه العلاقة أن نجد الرجل يستنير بعقل زوجته في الأمور كلها دون استثناء، وكأن الأمر الذي قلناه في العلاقة العمودية أصبح منعكسا، إذ لا يفكر الرجل إلا بعقل امرأته، فالمرأة –دون شك– شريكة لزوجها في الحياة، لكن يجب أن يكون لذلك حدود لا تخترقها المرأة. وفي ضوء هذه العلاقة الأفقية يكون زمام الأمور دائما تحت سيطرة المرأة، فتقرّر وتحسم، بل قد تنفق على أفراد أسرتها بما في ذلك الزوج، وكأنها المسؤولة عن كل شيء، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ (سورة النساء آية: 34).
بعد عرض هذين الصنفين من العلاقة الشائعة بين الزوجين، يسائل القارئ نفسه بالضرورة، كيف ينجو من هاتين الآفتين الاجتماعيتين، لكن الجواب هو أنه يجب على كل من الزوجين معرفة ما له وما عليه من حقوق، بدون إفراط أو تفريط، فالرجل راع وهو مسؤول عن رعيته، وكذلك المرأة راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، ولا يتم معرفة هذه الحقوق إلا عن طريق القرآن والسنة، فنجاح العلاقة الزوجية مرهون بهذين الشيئين، ومتى ما تخلت عنهما العلاقة الزوجية فشلت، كما قال صلى الله عليه وسلم: ) تركت فيكم شيئين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنة رسوله (.
فالأسرة المسلمة ينبغي أن تكون أسرة نموذجية ومثالية، وذلك أنها توفّق بين العلاقتين العمودية والأفقية، وكذلك لأنها محكومة بكتاب حفظ للإنسان –رجلا وامرأة– كرامته وإنسانيته، فلا ينبغي للزوج أن يكلّف زوجته بما لا تطيق –ماديا ومعنويا- وكذلك المرأة المسلمة ليست شخصية كسولة أو مهمّشة، بل لها أدوار في الأسرة بصفة خاصة، وفي المجتمع بصفة عامة، إلا أن ذلك كله بموافقة زوجها.
أرجو أن يكون هذا المقال ردا على الذين يتّهمون الأسرة المسلمة - أو المجتمع الإسلامي – بالذكورية بمعناها السلبي، فيقعون في ذنب أقبح من عذرهم، وهو الأنثوية، فرارا من الذكورية، فالعلاقة الزوجية الإسلامية ذكنثوية، أي علاقة تبادلية بين الاثنين، والأمة المسلمة أمة وسط، يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ (سورة البقرة آية: 143).