لقد اعتادت المجتمعات التقليدية على مر العصور على سلوكيات تمر بمراحل تطويرية طبيعية متدرجة حسب متطلبات الحياة بضرورياتها المعيشية و متغيرات علومها و أدواتها الحديثة ومعارفها الإنسانية " أدبيا و أخلاقيا .
وهذا من شأنه بطبيعة الحال أن ينعكس على تكوين الأسرة لتنتقل من الاهتمامات التقليدية الضيقة .." المتمركزة في دائرة العرق و الشكل و الوظيفة ..إلى دائرة أوسع أفق و أكثر تحضر و أقرب إنسانية , والمبنية على علم بمكونات النفس البشرية التي لا تغيرها الأدوات ولا تؤثر عليها التقلبات , بمفاهيمها الأدبية و معارفها الأخلاقية التي تلبي متطلبات الحياة الإنسانية المتزنة بين الدوافع والرغبات ...
فالعطاء المتبادل أساس العلاقة المطلقة بين الإنسان وغيره .. وبه تدوم العشرة و تتماسك الأسرة وتنمو و تزدهر في بيئة تكاملية يملئها الوئام النفسي و يحفها الانسجام العضوي و يعززها الاستقرار المعنوي بالتفاهم والهدوء . فيكون من أهم عطائها جيل صاعد و واعد بالإنتاج و الإبداع المعرفي .كما أن العلاقة الطبيعية لتلاقي و تعارف وتفاهم الجنسين في بيئة تتحقق معها الرقابة الاجتماعية المعتدلة , مهمة في بناء أسرة قابلة للاستمرار و الاستقرار بشكل يسوده التفاهم الثقافي و التناغم الوظيفي و الانسجام النفسي . كمؤشرات علمية ودلالات عملية لها عناصر رئيسية نوجزها فيما يلي :
1 – التكافؤ الوظيفي .." مشاركة عملية ومهام تربوية
2 – التقارب العضوي .." اعتدال الحجم و السن
3 - التوافق الثقافي .." تفاهم لغوي وحوار أدبي
وهذه العناصر تعد من أهم مقومات التكامل الأسري بين الجنسين , وذلك لتفاعلها مع مكونات النفس البشرية ( حسيا و عضويا ومعنويا ) .
التكافؤ الوظيفي :
هو القدرة العملية للمشاركة في الواجبات المعيشية و المهام التربوية التكاملية بين الزوجين , بمسئولياتها الاجتماعية والتزاماتها الأدبية . وذلك لتهيئة البيئة النفسية والمعنوية لبناء أسرة تحتاج إلى منزل له أدواته و متطلباته المعيشية و التنظيمية ( ما يفرض على الطرفين تأمين مصدر للمعيشة سواء كان بعمل وظيفي أو تجاري ) .
بالإضافة إلى المهام التربوية و التي تعد من أهم المسئوليات الأسرية ( ببعدها الإنساني و انعكاسها الاجتماعي ) ما يتطلب من الزوجين أن يكون لديهم إلمام كامل بفنون ومهارات التربية بمؤثراتها ومقوماتها . كما لا يصح أن ينفرد طرف بالقرار بمعزل عن التفاهم و الرضا بالقناعة من الطرف لآخر .." وهذا ينقلنا إلى التوافق الثقافي وما له من أهمية بالغة نحو التكامل بين الزوجين , وانعكاسه على الأبناء وتأثيره عليهم ( نفسيا ومعنويا ) .
التقارب العضوي :
إن لاعتدال البنيوي و التقارب العضوي ( من حيث الحجم والسن ) في التركيبة الجسدية بين الجنسين .." حسيا ومعنويا . يعد من الأمور الهامة و المؤثرة على استقرار ونمو العلاقة العاطفية " الحميمة بينهما .فلا يصح مثلا أن يكون العقل ناقص لا يستوعب الحياة العملية بمسئولياتها الاجتماعية و التزاماتها الأدبية بمقوماتها النفسية والمعنوية . أو يكون قاصر عن استيعاب العشرة الزوجية جسديا وما تقتضيه من نمو مبكر لا يتحمل او لا يستجيب للعلاقة العاطفية حسيا و عضويا ناهيك من أن يعيش متعتها ..؟!
ومن ذلك أن يكون بين الجنسين تفاوت كبير في العمر ( كأن تكون الزوجة صغيرة جدا في العمر أو الحجم و الزوج كبير جدا في الحجم أو العمر " والعكس ..؟ ) فان هذا وبلا شك له تأثيره السلبي نفسيا ومعنويا لكونه يتعارض مع الانسجام ألحميمي و الإشباع الغريزي .." بل انه قد يعد نوع من التعذيب الجسدي بآثاره النفسية والمعنوية .!!؟وهذا يقودنا إلى القهر التكويني للبنية الجسدية في العلاقات الحميمة حتى ولو كانت علاقة مشروعة عرفا ( إلا أنها تعد نوع من الفرض الجبري " القهري غير الاختياري ( إما لجهل أو تعنت ) !
التوافق الثقافي :
تعتبر الثقافة من المحركات الفاعلة في تحقيق الانجازات العلمية والعملية , بتراكمها المعرفي و مركبها العلمي الذي يضع للمعارف الإنسانية و القيم الأخلاقية تعريفها الأدبي ونظامها العملي . كما أن الوعي الثقافي يعبر عن حراك فكري وتفاعل عاطفي له اتصاله وعلاقته الوجدانية و الحميمة مع مكونات النفس البشرية الأخرى .
فكثير من الإشكاليات التي تعيق الاستقرار الأسري ونموها , هو ناتج في مجملها من التضارب بين المفاهيم المختزلة أو المكتسبة , فيحدث الخلاف و يتسع النزاع في أبسط الأمور لعدم وجود أرضية ثقافية معرفية مشتركة أو متقاربة سواء كانت ( ثقافة تقليدية أو مكتسبة ) . فإذا كان الطرفين لا ينتميان الى مستوى ثقافي متقارب فإن التفاهم بينهما لمواجهة تحديات الحياة بمشاكلها العارضة و ضروريات معيشتها الحتمية ومسئولياتها التربوية وغيرها ( ستصطدم بالفهم المختزل في الذهن ) . فيتباعد الوئام ويتسع الخلاف حتى في أبسط الأمور فيزداد الوضع تعقيدا ً. .." فيكون الزوجين أو احدهما بين خيارين كلاهما مر :
1 - إما الاستمرار في العلاقة على مضض " وهذا سيؤثر على كل شيء ويأتي على رأسها تربية الأبناء الذين سيفيقون و ينامون على تجاذبات نقاش حاد بين الزوجين ..؟!
2 - أو تكون النهاية الطبيعية أو الحتمية أو المتوقعة هي الانفصال .." ؟
ولكي لا يحدث هذا ومن اجل أن يتأكد الطرفين من تكاملهما وتقاربهما و توافقهما (( وليس مجرد ميول تدفعه رغبات عابرة أو إعجاب مؤقت لا يستطيع أن يقاوم متطلبات الحياة بشكل متكامل و متوازن )) فإنه لابد أن يحصل الطرفين على جرعات تثقيفية و توعية مناسبة , يؤسس لها جمعيات ومراكز فاعلة و متطورة .
بالإضافة إلى أهمية أن يلتقي الجنسين ليتعارفا ويتأكدا من حقيقة تكاملهما في ظروف خاضعة للرقابة الاجتماعية المعتدلة كعلاقة إنسانية طبيعية . ( فبالتكافؤ الوظيفي و التقارب العضوي و التوافق الثقافي يحدث التكامل الأسري ) .