►๑◄ الصدع الحجازي العظيم ►๑◄
براكين الحجاز حقيقة واقعية تؤكدها السجلات الجيولوجية والسجلات الإنسانية، هذه الحقيقة تعيش بين ظهرانينا، رضينا أم أبينا، وهى تمتد في خط مستقيم يمتد من اليمن جنوبا وحتى بادية الشام شمالا
من السمات الواضحة لمعظم الظواهر الجيولوجية في جميع بقاع العالم أنها تحدث على فترات زمنية متباعدة قد تصل إلى مئات الألوف من السنين، ومعظم الظواهر الجيولوجية التي حدثت في العصور الغابرة وعصور ما قبل حضارة الإنسان؛ سجلتها الطبيعة في سجلات زمنية دقيقة بين طبقات الأرض، ومن خلال هذه السجلات الجيولوجية استطاع الإنسان الحديث معرفة تأريخ أرضه منذ بداية نشأتها من حوالي أكثر من 3000 مليون عام. السجلات الجيولوجية أيضاً أوضحت لنا بداية تاريخ نشأة البحر الأحمر، التي بدأت في عصر الأوليجوسين Oligocene منذ حوالي 30 مليون عام، السجلات الجيولوجية أيضاً توضح لنا نشأة حرات الحجاز الحديثة التي بدأ تكوينها منذ حوالي 10 ملايين سنة، وأنها مستمرة في أنشطتها حتى يومنا هذا.
مع بزوغ الحضارة الإنسانية استطاع الإنسان منذ حوالي 5000 ألف عام تسجيل وتدوين العديد من الظواهر الجيولوجية المختلفة التي عادة ما كان يشوبها البدع والخرافات، براكين الحجاز لم تدون إلا بعد قيام الدولة الإسلامية، أي منذ حوالي 1400 عام تقريباً, على أن هناك بعض الدلائل في الشعر والأدب الجاهلي تشير إلى حدوث مثل هذه البراكين قبل الإسلام، كما في قول الخنساء رضي الله عنها في رثاء أخيها صخر:
وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
براكين الحجاز حقيقة واقعية تؤكدها السجلات الجيولوجية والسجلات الإنسانية، هذه الحقيقة تعيش بين ظهرانينا رضينا أم أبينا، وهى تمتد في خط مستقيم يمتد من اليمن جنوبا وحتى بادية الشام شمالا.
ومن أشهر هذه الحرات Lava التي انبثقت من هذه البراكين في حجازنا الحبيب: حرة رهط وهي الأكبر وسط جميع حرات الحجاز، وتمتد على طول طريق الهجرة، وتبلغ مساحتها حوالي عشرين ألف كيلو متر مربع، أي ضعف مساحة لبنان، وبها حوالي 407 فوهات بركان بجميع أنواعها المختلفة، وقد لاحظت امتداد لافتها حتى سواحل مدينة رابغ. الحرة الثانية هي حرة خيبر، وإذا أضفنا لها حرة إثنين المندمجة معها من جهة الشمال تصل مساحتها حوالي عشرين ألفاً وخمسمائة كيلو متر مربع، وبها حوالي 400 فوهة بركان. البعض من هذه البراكين مازالت تتصاعد منها الأبخرة والغازات الحارة مما يؤكد على أنها مازالت براكين نشطة. الحرة الثالثة هي حرة كشب، وتقع إلى الشمال الشرقي لمدينة جدة وتبعد عنها حوالي 250 كيلو مترا وتبلغ مساحتها حوالي 6000 كيلو متر مربع، وبها أوسع فوهة بركان في جميع حرات الحجاز. الحرة الرابعة هي حرة العيص (Lunayyir) وهي أحدث الحرات في التاريخ الجيولوجي لحرات الحجاز، وبها حوالي 50 فوهة بركان، وهي من أصغر حرات الحجاز، وكان آخر انفجـار لبعض براكينها منذ حوالي ألف عام. وتشير الدلائل إلى أن براكين هذه الحرة قد تنفجر في أي لحظة، وما يؤكد ذلك الأصوات التي تصدر من فوهات هذه البراكين، والتي يسمعها بوضـوح سكان مدينة العيص، وهذه الأصوات ما هي إلا أصوات فوران الصهير أسفل القشرة الأرضية، وهنا أحب أن أوضح نقطة في غاية الأهمية وهي أن هذه الأصوات عادةً ما يصاحبها هزات زلزالية ضعيفـة تتراوح قوتها ما بين درجـة إلى درجتين على مقيـاس رختر، لا يشعر بها سكان العيص، وهذه الهـزات الخفيفة يطلق عليها خبراء علم البراكيـن والزلازل الهـزات الصامتة Silent Earthquakes وهذه الهزات الصامتة تدل دلالة قطعية على عدم استقرار المنطقة!!.
يعتقد البعض أن نشأة البراكين المتناثرة في حرات الحجاز ذات صلة بتكوين ونشأة البحر الأحمر, أي بالتوسع الذي يشهده البحر الأحمر نتيجة لتباعد الصفيحة العربية عن الصفيحة الأفريقية، وقد أشبعت هذه الموضوع شرحاً على صفحات هذه الصحيفة، وأعيد وأؤكد أن نشأة براكين الحجاز الحديثة ليس لها أي ارتباط بتوسع البحر الأحمر، وبتباعد الصفيحة العربية عن الصفيحة الأفريقية، فالبحر الأحمر بدأت نشأته في بداية عصر الأليجوسين Oligocene أي منذ حوالي 30 مليون عام، في حين أن بداية نشأة براكين الحجاز كانت في نهاية عصر البليوسين Pliocene أي منذ حوالي 10 ملايين عام، أي أن أقدم عمر جيولوجي لهذه الحرات هو أقل من 10 ملايين عام، وأحدثها لا يزيد عمرها عن ألف عام. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن واختلف فيه الكثير من خبراء الجيولوجيا هو عن كيفية نشأة براكين الحجاز. أنا أعتقد ـ وهذا رأيي الخاص والخاص جداً ـ أن نشأة وتكوين براكين الحجاز والتي تمتد من اليمن جنوباً وحتى الشام شمالاً؛ ما هي إلا امتداد للصدع الأفريقي الشرقي العظيم Easdt African Great Rift ، وقد أطلقت عليه اسم الصدع الحجازي العظيم،