الجنس : العمر : 41 المدينة المنورة التسجيل : 06/04/2012عدد المساهمات : 11
موضوع: ~*¤ô☸ô¤* ثمرات حسن الخلق وتهذيب الأخلاق *¤ô☸ô¤*~ الأحد 15 أبريل 2012, 12:17 am
~*¤ô☸ô¤* ثمرات حسن الخلق وتهذيب الأخلاق *¤ô☸ô¤*~
فضيلة حسن الخلق وذم سوء الخلق
أن الناس قد تكلموا في حسن الخلق متعرضين لثمرته لا لحقيقته، ولم يستوعبوا جميع ثمراته، بل ذكر كل منهم ما حضر في ذهنه، وكشف الحقيقةفي ذلك أن يقال: كثيراً ما يستعمل حسن الخلق مع الخلق فيقال: فلان حسن بالخَلق والخُلق. أي حسن الظاهر والباطن، فالمراد بالخَلق: الصورة الظاهرة، والمراد بالخُلق: الصورة الباطنة، وذلك أن الإنسان مركب من جسد ونفس.فالجسد مدرك بالبصر، والنفس مدركة بالبصيرة، ولكل واحدة منها هيئة وصورة إما جميلة وإما قبيحة،والنفس المدركة بالبصيرة أعظم قدراً من الجسد المدرك بالبصر، ولذلك عظم الله سبحانه وتعالى أمره فقال:{إني خالق بشراً من طين* فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} [ص: 71-72]، فنبه على أن الجسد منسوب إلى الطين، والروح منسوب إليه سبحانه وتعالى، فالخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الأفعال جميلة سميت خلقاً حسناً،وإن كانت قبيحة سميت خلقاً سيئاً.وقد زعم بعض من غلبت عليه البطالة فاستثقل الرياضة، أن الأخلاق لا يتصور تغييرها، كما لا يتصور تغيير صورة الظاهر. والجواب: أنه لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى، وكيف تنكر تغيير الأخلاق ونحن نرى الصيد الوحشي يستأنس، والكلب يعلم ترك الأكل، والفرس تعلم حسن المشي وجودة الانقياد، إلا أن بعض الطباع سريعة القبول للصلاح، وبعضها مستصعبة.وأما خيال من اعتقد أن ما في الجبلة لا يتغير، فاعلم أنه ليس المقصود قمع هذه الصفات بالكلية، وإنما المطلوب من الرياضة رد الشهوة إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط، وأما قمعها بالكلية فلا، كيف والشهوةإنما خلقت لفائدة ضرورية في الجبلة، ولو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإنسان، أو شهوةالوقاع لانقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية، لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه،وقد قال الله تعالى : {أشداء على الكفار}[الفتح: 29] ولا تصدر الشدةإلا عن الغضب، ولو بطل الغضب لامتنع جهاد الكفار، وقال تعالى :{والكاظمين الغيظ}[آل عمران: 134] ولم يقل : الفاقدين الغيظ. وكذلك المطلوب في شهوة الطعام الاعتدال دون الشره والتقلل: قال الله تعالى:{وكلوا واشربوا ولاتسرفوا}[ الأعراف: 31] إلا أن الشيخ المرشد للمريد إذا رأى له ميلاً إلى الغضب أو الشهوة، حسن أن يبالغ في ذمها على الطلاق ليرده إلى التوسط،ومما يدل على أن المراد من الرياضة الاعتدال أن السخاء خلق مطلوب شرعاً وهو وسط بينطرفي التقتير والتبذير وقد أثنى الله عليه بقوله :{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}[الفرقان: 67]. واعلم: أن هذا الاعتدال. تارة يحصل بكمال الفطرة منحة من الخلق،فكم من صبى يخلق صادقاً سخياً حليماً، وتارة يحصل بالاكتساب، وذلك بالرياضة، وهىحمل النفس على الأعمال الجالبة للخلق المطلوب ، فمن أراد تحصيل خلق الجود فليتكلف فعل الجود من البذل ليصير ذلك طبعاً له.وكذلك من أراد التواضع تكلف أفعالالم تواضعين، وكذلك جميع الأخلاق المحمودة فإن للعادة أثراً في ذلك، كما أن من أراد أن يكون كاتباً تعاطى فعل الكتابة، أو فقيهاً تعاطى فعل الفقهاء من التكرار، حتى ينعطف على قلبه صفة الفقه، إلا أنه لا ينبغي أن يطلب تأثير ذلك في يومين أو ثلاثة،وإنما يؤثر مع الدوام، كما لا يطلب في النمو علو القامة في يومين أو ثلاثة، وللدوام تأثير عظيم. وكما لا ينبغي أن يستهان بقليل الطاعات، فإن دوامها يؤثر، وكذلك لايستهان بقليل من الذنوب.كما أن تعاطى أسباب الفضائل يؤثر في النفس ويغير طبعها،فكذلك مساكنة الكسل أيضاً يصير عادة، فيحرم بسببه كل خير. وقد تكتسب الأخلاق الحسنة بمصاحبة أهل الخير، فإن الطبع لص يسرق الخير والشر.قلت: ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
الطريق إلى تهذيب الأخلاق
قد عرفت أن الاعتدال في الأخلاق هو الصحة في النفس، والميل عن الاعتدال سقم ومرض، فاعلم أن مثال النفس في علاجها كالبدن في علاجه، فكما أن البدن لا يخلق كاملاً، وإنما يكمل بالتربية والغذاء، كذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال،وإنما تكمل بالتزكيةوتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم.وكما أن البدن إذا كان صحيحاً، فشأن الطبيب العمل على حفظ الصحة، وإن كان مريضاً، فشأنه جلب الصحة إليه،كذلك النفس إذا كانت زكية طاهرة مهذبة الخلاق، فينبغي أن يسعى بحفظها وجلب مزيدالقوة إليها، وإن كانت عديمة الكمال، فينبغي أن يسعى بجلب ذلك إليه.وكما أن العلةالموجبة لمرض البدن لا تعالج إلا بضدها، إن كانت من حرارة فبالبرودة وإن كانت من البرودة فبالحرارة، فكذلك الأخلاق الرذيلة التي هي من مرض القلب، علاجها بضدها،فيعالج مرض الجهل بالعلم، ومرض البخل بالسخاء، ومرض الكبر بالتواضع، ومرض الشره بالكف عن المشتهى.وكما أنه لابد من احتمال مرارة الدواء، وشدة الصبر عن المشتهي اتلصلاح الأبدان المريضة، فكذلك لابد من احتمال المجاهدة، والصبر على مداومة مرضالقلب بل أولى، فإن مرض البدن يخلص منه بالموت، ومرض القلب عذاب يدوم بعد الموتأبداً وينبغى للذي يطبُّ نفوس المريدين أن لا يهجم عليهم بالرياضة في فن مخصوص، حتى يعرف أخلاقهم وأمراضهم، إذ ليس علاج كل مريض واحداً، فإذا رأى جاهلاً بالشرع علمه،وإذا رأى متكبراً حمله على ما يوجب التواضع، أو شديد الغضب ألزمه الحلم.وأشد حاجةالرائض لنفسه، قوة العزم، فمتى كان متردداً بعد فلاحه، ومتى أحس من نفسه ضعف العزم تصبر، فإذا انقضت عزيمتها عاقبها لئلا تعاود، كما قال رجل لنفسه: تتكلمين فيما لايعنيك ؟ لعاقبنك بصوم سنة.