©{« أهمية قوة الإرادة في طلب الحق »}©
قوة الإرادة
القوة لغة واصطلاحا: انظر مادة قوة وشدة .
أمّا الإرادة: فأصل الكلمة: رود (بفتحتين) بمعنى المشيئة والطّلب والاختيار. والرّود: المهلة في الشيء. وقالوا: رويدا أي مهلا.
والإرادة في الأصل: قوّة مركّبة من شهوة وحاجة وأمل، وجعل اسما لنزوع النّفس إلى الشّيء مع الحكم فيه بأنّه يفعل أو لا يفعل، وقد يستعمل مرّة في المبدإ، وهو نزوع النّفس إلى الشّيء، وتارة في المنتهى، وهو الحكم فيه بأنّه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل. وقد تكون بحسب القوّة التّسخيريّة والحسّيّة، وقد تكون بمعنى القوّة الاختياريّة، والإرادة قد تكون محبّة وغير محبّة [الصحاح (2/ 478). واللسان (3/ 1771- 1774). والمصباح المنير (245) ] .
الإرادة اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الإرادة: صفة توجب للحيّ حالا يقع منه الفعل على وجه دون وجه، ولا تتعلّق إلا بمعدوم فإنّها صفة تخصّص أمرا بحصوله ووجوده. وقيل: الإرادة: ميل يعقب اعتقاد النّفع [التعريفات (15)، وقارن ب «التوقيف» (44) ] .
قوة الإرادة اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات تعريفا محدّدا لهذا التّركيب الإضافيّ (قوّة الإرادة)، بيد أنّه يمكن من خلال تعريف كلّ من عنصري التّركيب (القوّة والإرادة) أن نستنبط تعريفا يجمع طرفيه فنقول: تهيّؤ القلب والعقل بشدّة وعزم لإحداث الفعل أو عدم إحداثه.
1- عن زيد بن ثابت- رضي اللّه عنه- قال: أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن أتعلّم له كتاب يهود قال: «إنّي واللّه ما آمن يهود على كتاب»، قال: فما مرّ بي نصف شهر حتّى تعلّمته له. قال: فلمّا تعلّمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم.[ذكره البخاري تعليقا 13 (7195)، والترمذي (2715) واللفظ له وقال: حسن صحيح. وأبو داود (3645) ] .
2- عن خبّاب بن الأرتّ- رضي اللّه عنه- قال: كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه، فقال لي: لن أقضيك حتّى تكفر بمحمّد. قال: فقلت له: إنّي لن أكفر بمحمّد حتّى تموت ثمّ تبعث. قال: وإنّي لمبعوث من بعد الموت؟ فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد. قال: فنزلت هذه الآية (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً) إلى قوله: (وَيَأْتِينا فَرْداً) [مريم:77- 80] . [مسلم (2795) ] .
3- عن سلمة بن الأكوع- رضي اللّه عنه- قال: قدمنا الحديبية مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة ... الحديث، وفيه: ثمّ إنّ المشركين راسلونا الصّلح. حتّى مشى بعضنا فى بعض. واصطلحنا. قال: وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد اللّه. أسقي فرسه، وأحسّه وأخدمه. وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي، مهاجرا إلى اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم. قال: فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها فاضطجعت فى أصلها. قال: فأتانى أربعة من المشركين من أهل مكّة. فجعلوا يقعون فى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فأبغضتهم. فتحوّلت إلى شجرة أخرى. وعلّقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي ثمّ شددت على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد، لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه. قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال: وجاء عمّى عامر برجل من العبلات يقال له مكرز. يقوده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. على فرس مجفّف في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه ». فعفا عنهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وأنزل اللّه: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) [الفتح: 24] الآية كلّها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون. فاستغفر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمن رقي هذا الجبل اللّيلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك اللّيلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة. فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بظهره مع رباح غلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة أندّيه مع الظّهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرّحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال: فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد اللّه. وأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنّبل. وأرتجز أقول: أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرّضّع فألحق رجلا منهم. فأصكّ سهما في رحله. حتّى خلص نصل السّهم إلى كتفه. قال: قلت: خذها: وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرّضّع قال: فو اللّه ما زلت أرميهم وأعقر بهم. فإذا رجع إليّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها. ثمّ رميته، فعقرت به. حتّى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه ، علوت الجبل. فجعلت أردّيهم بالحجارة. قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق اللّه من بعير من ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا خلّفته وراء ظهري. وخلّوا بيني وبينه. ثمّ اتّبعتهم أرميهم. حتّى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا. يستخفّون. ولا يطرحون شيئا إلّا جعلت عليه آراما من الحجارة. يعرفها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه. حتّى أتوا متضايقا من ثنيّة فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاريّ. فجلسوا يتضحّون (يعنى يتغدّون). وجلست على رأس قرن. قال الفزارىّ: ما هذا الّذى أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح. واللّه ما فارقنا منذ غلس. يرمينا حتّى انتزع كلّ شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إليّ منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام، قال: قلت: هل تعرفونى؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة بن الأكوع، والّذى كرّم وجه محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم لا أطلب رجلا منكم إلّا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظنّ. قال: فرجعوا، فما برحت مكاني حتّى رأيت فوارس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتخلّلون الشّجر. قال: فإذا أوّلهم الأخرم الأسديّ. على إثره أبو قتادة الأنصاريّ. وعلى إثره المقداد بن الأسود الكنديّ. قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: فولّوا مدبرين. قلت: يا أخرم! احذرهم. لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه. قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن باللّه واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حقّ، فلا تحل بيني وبين الشّهادة. قال: فخلّيته. فالتقى هو وعبد الرّحمن. قال: فعقر بعبد الرّحمن فرسه. وطعنه عبد الرّحمن فقتله. وتحوّل على فرسه، ولحق أبو قتادة- فارس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم- بعبد الرّحمن. فطعنه فقتله. فو الّذي كرّم وجه محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم لتبعتهم أعدو على رجليّ. حتّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم ولا غبارهم، شيئا. حتّى يعدلوا قبل غروب الشّمس إلى شعب فيه ماء. يقال له ذا قرد. ليشربوا منه وهم عطاش قال: فنظروا إليّ أعدو وراءهم. فحلّيتهم عنه (يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدّون في ثنيّة. قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكّه بسهم فى نغض كتفه. قال: قلت خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع قال: يا ثكلته أمّه، أكوعه بكرة ؟. قال: قلت: نعم. يا عدوّ نفسه! أكوعك بكرة. قال: وأردوا فرسين على ثنيّة. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء. فتوضّأت وشربت. ثمّ أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو على الماء الّذي حلّأتهم عنه. فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أخذ تلك الإبل وكلّ شيء استنقذته من المشركين وكلّ رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الّذي استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من كبدها وسنامها. قال: قلت: يا رسول اللّه! خلّني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلّا قتلته. قال: فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه فى ضوء النّار. فقال: «يا سلمة، أتراك كنت فاعلا؟». قلت: نعم. والّذى أكرمك، فقال: «إنّهم الآن ليقرون في أرض غطفان». قال: فجاء رجل من غطفان فقال: نحر لهم فلان جزورا. فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجّالتنا سلمة». قال: ثمّ أعطاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سهمين: سهم الفارس وسهم الرّاجل. فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وراءه على العضباء. راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا. قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه، قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: قلت: يا رسول اللّه، بأبي وأمّي، ذرني فلأ سابق الرّجل، قال: «إن شئت»، قال: قلت: اذهب إليك. وثنيت رجليّ فطفرت فعدوت. قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه. قال: فأصكّه بين كتفيه. قال: قلت: قد سبق واللّه! قال: أنا أظنّ. قال: فسبقته إلى المدينة ... الحديث. [مسلم (1807) ] .
1- نظر معاوية إلى عسكر عليّ- رضي اللّه عنه- يوم صفّين، فقال: من طلب عظيما خاطر بعظيمته، وأشار إلى رأسه. [العقد الفريد (3/ 18) ] .
2- من لم يركب الأهوال لم ينل الرّغائب، ومن ترك الأمر الّذي لعلّه أن ينال منه حاجته مخافة ما لعلّه يوقّاه فليس ببالغ جسيما، وإنّ الرّجل ذا المروءة ليكون خامل الذّكر خافض المنزلة، فتأبى مرؤته إلّا أن يستعلي ويرتفع، كالشّعلة من النّار الّتى يصونها صاحبها وتأبى إلّا ارتفاعا. [العقد الفريد (3/ 18) ] .
1- قال حبيب الطائيّ:
أعاذلتي ما أخشن اللّيل مركبا *** وأخشن منه في الملمّات راكبه
ذريني وأهوال الزّمان أقاسها *** فأهواله العظمى تليها رغائبه
[العقد الفريد (3/ 19) ] .
2- قال كعب بن زهير:
وليس لمن لم يركب الهول بغية *** وليس لرحل حطّه اللّه حامل
إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا *** أصبت حليما أو أصابك جاهل
[العقد الفريد (3/ 19) ] .
3- قال عليّ بن عبد العزيز القاضي رحمه اللّه تعالى:
يقولون لي فيك انقباض وإنّما *** رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما
ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما *** بدا طمع صيّرته لي سلّما
وما كلّ برق لاح لي يستفزّني *** ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما
[أدب الدنيا والدين (92) ] .
4- قال الشّاعر:
إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه *** ونكّب عن ذكر العواقب جانبا
ولم يستشر في أمره غير نفسه *** ولم يرض إلّا قائم السّيف صاحبا
[أسرار البلاغة (115) ] .