۞ منتديات كنوز الإبداع ۞
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

۞ منتديات كنوز الإبداع ۞


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 闦※闦 ثبات القلوب على الحق 闦※闦

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
إبن سينا

عضو مبدع  عضو مبدع
إبن سينا


الجنس : ذكر
العمر : 47
الموقع صفحات التاريخ
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 297

闦※闦 ثبات القلوب على الحق 闦※闦 Empty
مُساهمةموضوع: 闦※闦 ثبات القلوب على الحق 闦※闦   闦※闦 ثبات القلوب على الحق 闦※闦 Icon_minitimeالخميس 22 مارس 2012, 7:48 pm



闦※闦 ثبات القلوب على الحق 闦※闦


قال - تعالى -: { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ }[إبراهيم:27] وقدوتنا في ذلك هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد لاقى ما لاقى ومع ذلك كان أشد ثباتًا حتى بلغ رسالة ربه على أتم وجه.

إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف شاء فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)) رواه مسلم

وهذه أمُّ سلمة رضي الله عنها تحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: ((اللهم مقلبَ القلوب، ثبت قلبي على دينك))، قالت: قلت: يا رسول الله، وإنَّ القلوب لتتقلب؟! قال: ((نعم، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا إن قلبه بين إصبعين من أصابع الله، فإن شاء الله عز وجل أقامه، وإن شاء الله أزاغه)) أخرجه أحمد في مسنده الترمذي في جامعه بإسناد صحيح وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: ((يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك))، قال: فقلت: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، هل تخاف علينا؟ قال: ((نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلّبها كيف يشاء)) أخرجه الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه بإسناد صحيح

وما سمي الإنسان إلا لِنَسْيِهِ *** ولا القلب إلا أنه يتقلب

ومصداق هذا كله مشاهد ملموس في واقع الناس فكم من روضة أمست وزهرها يانع عميم أصبحت وزهرها يابس هشيم فبينا ترى الرجل من أهل الخير والصلاح ومن أرباب التقى والفلاح قلبه بطاعة ربه مشرق سليم إذا به انقلب على وجهه فترك الطاعة وتقاعس عن الهدى. وبينا ترى الرجل من أهل الخنا والفساد أو الكفر والإلحاد قلبه بمعصية الله مظلم سقيم إذا به أقبل على الطاعة والإحسان وسلك سبيل التقى والإيمان.

إن تذكر هذا الأمر لتطير له ألباب العقلاء وتنفطر منه قلوب الأتقياء وتنصدع له أكباد الأولياء كيف لا والخاتمة مغيّبة والعاقبة مستورة والله غالب على أمره والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: ((فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) متفق عليه،

أعلموا أنه على قدر ثبات العبد على الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار يكون ثباته على الصراط المنصوب على متن جهنم وعلى قدر سيره على هذا الصراط في الدنيا يكون سيره على ذلك الصراط فمنهم من يمر مر البرق ومنهم من يمر مر كالطرف ومنهم كالريح ومنهم من يمشي مشياًومنهم من يحبو حبواً ومنهم المخدوش ومنهم من يسقط في جهنّم وهل تجزون إلا ما كنتم تعملون ولذا نحن في اليوم مرات ومرات ندعو الله أن يثبّتنا على الصراط المستقيم ونقول { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7}}

يارب ثبّتنا على طريق الصالحين طريق الايمان طريق التقوى طريق التوحيد طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولائك رفيقاً

فيا عباد الله عليكم أن تجتهدوا في أخذ أسباب الثبات وأن تحتفوا بها علماً بأن المقام جد خطير والنتائج لا تخالف مقدماتها والمسببات مربوطة بأسبابها وسنن الله ثابتة لا تتغير، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

1- قَالَ الله تَعَالَى : { إنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِهِمْ } [الرعد: 11 ].
2- قال تَعَالَى : { وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أنْكَاثاً } [النحل:92]. وَ( الأنْكَاثُ): جَمْعُ نِكْثٍ، وَهُوَ الْغَزْلُ المَنْقُوضُ.
3- قال الله تعالى : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } [إبراهيم: 27] .

- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَا عبْدَ الله، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ) متفقٌ عَلَيْهِ.

قال د. محمد موسى معرفاً الثبات: " الاستقامة على الهدى، والتمسك بالتقى، وإلجام النفس، وقسرها على سلوك طريق الحق والخير، وعدم الالتفات إلى صوارف الهوى والشيطان، ونوازع النفس والطغيان، مع سرعة الأوبة والتوبة حال ملابسة الإثم أو الركون إلى الدنيا ". الثبات د. محمد موسى.

فمن أسباب حصول الثبات على الحق والهدى والدين والتقى :

أولاً : الشعور بالفقر إلى تثبيت الله - تعالى - وذلك أنه ليس بنا غنى عن تثبيته طرفة عين فإن لم يثبتنا الله وإلا زالت سماء إيماننا وأرضُه عن مكانها وقد قال مخاطباً خير خلقه وأكرمهم عليه : { وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } وقال - تعالى -: { إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يكثر من قوله : ((لا ومصرف القلوب)) كما روى ابن ماجه بسند جيد مما يؤكد أهمية استشعار هذا الأمر واستحضاره.

ثانيا ً: ومن أسباب الثبات على الخير والصلاح الإيمان بالله تعالى
قال عز وجل -: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة }[ إبراهيم: 27 ] والإيمان الذي وعد أهله وأصحابه بالتثبيت هو الذي يرسخ في القلب وينطق به اللسان وتصدقه الجوارح والأركان فليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل فالالتزام الصادق في الظاهر والباطن والمنشط والمكره هو أعظم أسباب التثبيت على الصالحات
قال الله تعالى -: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } . فالمثابرة على الطاعة المداوم عليها المبتغى وجه الله بها موعود عليها بالخير والتثبيت من الله مقلب القلوب ومصرفها.

ثالثاً : من أسباب الثبات على الطاعة والخير ترك المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها ظاهرها وباطنها فإن الذنوب من أسباب زيغ القلوب فقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه :
((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن))
وأما الصغائر فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه -قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم ومحقرات الذنوب كقوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه))
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى *** واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صـغـيرة إن الجبال من الحصى

رابعاً : من أسباب الثبات على الإسلام والإيمان الإقبال على كتاب الله تلاوة وتعلماً وعملاً وتدبراً فإن الله - سبحانه و تعالى - أخبر بأنه أنزل هذا الكتاب المجيد تثبيتاً للمؤمنين وهداية لهم وبشرى قال الله تعالى -:
{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } فكتاب الله هو الحبل المتين والصراط المستقيم والضياء المبين لمن تمسك به وعمل.

خامساً : ومن أسباب الثبات على الصالحات عدم الأمن من مكر الله
فإن الله - سبحانه و تعالى - قد حذر عباده مكره فقال عز وجل -:
{ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } وقد قطع خوف مكر الله - تعالى - ظهور المتقين المحسنين وغفل عنه الظالمون المسيئون كأنهم أخذوا من الله الجليل توقيعاً بالأمان وقال الله تعالى -: { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ` سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ }

يا آمناً معَ قبحِ الفعل منه *** هل أتاك توقيعُ أمن أنت تملكه
جمعت شيئين أمناً واتباع هوى *** هذا وإحداهما في المرء تهلكه

أما المحسنون من السلف والخلف فعلى جلالة أقدارهم وعمق إيمانهم ورسوخ علمهم وحسن أعمالهم فقد سلكوا درب المخاوف يخافون سلب الإيمان وانسلاخ القلب من تحكيم الوحي والقرآن حتى صاح حاديهم يقول:

والله ما أخشى الذنـوب فإنها *** لعلى سبيل العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب من *** تحكيم هذا الوحي والقرآن

فالحذر الحذر من الأمن والركون إلى النفس فإنه مادام نَفَسُك يتردد فإنك على خطر قال ابن القيم رحمه الله: ((إن العبد إذا علم أن الله - سبحانه و تعالى - مقلب القلوب وأنه يحول بين المرء وقلبه وأنه - تعالى - كل يوم هو في شأن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء فما يؤمّنه أن يقلب الله قلبه ويحول بينه وبينه ويزيغه بعد إقامته وقد أثنى الله على عباده المؤمنين بقوله : { رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} فلولا خوف الإزاغة لما سألوه أن لا يزيغ قلوبهم.

سادساً : من أسباب الثبات على الهدى والحق سؤال الله التثبيت
فإن الله هو الذي يثبتك ويهديك -: فألحوا على الله - تعالى - بالسؤال أن يربط على قلوبكم ويثبتكم على دينكم فالقلوب ضعيفة والشبهات خطافة والشيطان قاعد لك بالمرصاد ولك فيمن تقدمك من المؤمنين أسوة حسنة فإن من دعائهم: { رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }. وما ذكره الله - تعالى - عنهم: { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }. وقد كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))

قصة إبراهيم عليه السلام قال تعالى : { قالوا حرقوه وأنصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين }[ الأنبياء:68-70 ] قال ابن عباس: " كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل".

ذكر ابن عساكر تفصيلاً لقصته فقال: " وجَّه عمر بن الخطاب جيشًا إلى الروم، وفيه رجل يقال له عبد الله بن حذافة، من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأسره الروم، فذهبوا به إلى ملكهم، فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد، فقال له الطاغية: هل لك أن تتنصّر وأُشركك في ملكي وسلطاني؟، قال له عبد الله: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع مملكة العرب على أن أرجع عن دين محمد -صلى الله عليه وسلم- طرفة عين - ما فعلت، قال: إذاً أقتلك، قال: أنت وذاك، قال: فأَمر به فصُلب، وقال للرماة: ارموه قريبًا من يديه، قريبًا من رجليه، وهو يعرض عليه وهو يأبى، ثم أمر به فأُنزل، ثم دعا بقدر فصُب فيها ماء حتى احترقت، ثم دعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فأُلقي فيها، فلما ذهب به بكى، فقيل له: إنه قد بكى، فظن أنه جزع، فقال: ردوه، فعرض عليه النصرانية فأبى، قال: فما أبكاك إذاً؟ قال: أبكاني أني إن قُتلت فهي نفس واحدة تُلقى في هذا القدر فتذهب، فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعر جسدي أنفس تُلقى هكذا في الله، فقال له: قبِّل رأسي وأنا أخلّي عنك، فقال: وعن جميع أسرى المسلمين، قال عبد الله: فقلت في نفسي: عدو من أعداء الله أقبِّل رأسه يخلِّي عني، وعن أسرى المسلمين لا أبالي، فدنا منه فقبل رأسه، قال: فدفع إليه الأسرى، فقدِم بهم على عمر، فأُخبر عمر بخبره، فقال: حقُُّ على كل مسلم أن يقبِّل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ، فقام عمر فقبل رأسه، فكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمازحون عبد الله فيقولون: قبلت رأس عِلْجٍ، فيقول لهم: أطلق الله بتلك القبلة ثمانين من المسلمين". وفي حديث آخر قال الملك: اتركوه واجعلوه في بيت، ومعه لحم خنزير مشوي، وخمر وممزوج، فلم يأكل ولم يشرب، وأشفقوا أن يموت، فقال: أما إن الله -عز وجل- قد كان أحله لي، ولكن لم أكن لأُشمِّتك بالإسلام ".

في مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي: أن عفان بن مسلم المحدث رفض أن يجيب في محنة القول بخلق القرآن ، فقالوا له: يحبس عطاؤك -وكان في كل شهر ألف درهم- فقال: ( وفي السماء رزقكم وما توعدون)، وكان في داره نحو أربعين نفساً، فدقَّ عليه رجل الباب، وأعطاه كيساً فيه ألف درهم، وقال: هذا لك كل شهر، وثبتك الله كما ثبَّتَّ الدين.

لما تمكن العبيديون الملاحدة من بلاد المغرب ومصر فعلوا الأفاعيل في أهلها، لكن نفرًا من الصادقين ثبتوا، واحتسبوا، وانظر إلى ما يذكره الإمام الذهبي عن حال الإمام القدوة الشهيد " أبي بكر محمد بن أحمد الرميلي "، والمعروف بابن النابلسي حيث قال له "جوهر الصقلي" قائد العبيديين: " بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهمًا وفينا تسعة، قال: ما قلت هذا، بل قلت: إذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرميكم بتسعة، وأن يرمي العاشر فيكم أيضًا، فإنكم غيّرتم الملة وقتلتم الصالحين، وادعيتم نور الإلهية، فشوهه ثم ضربه، ثم أمر يهوديًا فسلخه وحُشيَ تبنًا، وصُلب ".

ذكر الإمام الذهبي أن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه، أربعة آلاف من عالم وعابد؛ ليردهم عن الترضي عن الصحابة فاختاروا الموت.

قال علي بن المديني: " أعز الله الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة ". وهذا لثباتهم على الحق.

هذا الطفل الصغير ابن عمر بن عبد العزيز الذي تربى على الإيمان حينما رأى أباه يبكي قال له: أبتاه ما الذي طأطأ بك رأسك وأبكاك، قال: يا بني -والله- ما من شيء إلا أني خشيت أن ينكسر قلبك يوم العيد بين أطفال الرَّعية، وأنت بهذه الهيئة وهم بتلك الهيئة، فردَّ ردَّ الرجال المؤمنين، قال: أبتاه إنما ينكسر قلب من عصى ربه ومولاه، وعقَّ أمه وأباه، أما أنا فلا والله.

هاهو الشاب القوي الحيِّي العالم، الذي يبلغ ثلاثين سنة؛ إنه الربيع بن خُثَيْم، يتمالى عليه فُسَّاق لإفساده، فيأتون بغانية جميلة، ويدفعون لها مبلغًا من المال قدره ألف دينار، فتقول: علام؟ قالوا: على قبلة واحدة من الربيع بن خثيم، قالت: ولكم فوق ذلك أن يزني؛ لأنه نقص عندها منسوب الإيمان، فما كان منها إلا أن تعرضت له في ساعة خلوة، وأبرزت مفاتنها له، فما كان منه إلا أن تقدم إليها يركض ويقول: يا أَمَة الله؛ كيف بك لو نزل ملك الموت فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك يوم يسألك منكر ونكير؟ أم كيف بك يوم تقفين بين يدَيْ الرب العظيم؟ أم كيف بك إن شقيتي يوم تُرْمَين في الجحيم؟ فصرخت وولَّت هاربة تائبة إلى الله، عابدة زاهدة حتى لقِّبت بعد ذلك بعابِدَة الكوفة، وكان يقول هؤلاء الفُسَّاق: لقد أفسدها علينا الربيع.

قال ابن القيم رحمه الله عن دور شيخه شيخ الإسلام في التثبيت : " وكنا إذا اشتد بنا الخوف ، وساءت بنا الظنون ، وضاقت بنا الأرض أتيناه ، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا ، وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، وآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها، والمسابقة إليها.
ويلقى في السجن فيثبت بإيمانه الراسخ، يقفل السجان الباب فيقول: (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) ينظر إلى السجناء ويقول: ما يفعل أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى رحت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ".
إنها جنة الإيمان واليقين.

يمرض -أي شيخ الإسلام-، فيثبت ثبات المؤمن في أوقات الشدائد، دخلوا عليه وهو مريض وما اشتكى، فيقولون له: ماذا تشتكي يا إمام؟ قال:
تموت النفوس بأوصابها *** ولم يدرِ عُوَّادها ما بها
وما أنصف مهجة تشتكي *** أذاها إلي غير أحبابها
ثم يختم المصحف في السجن بضع وثمانين مرة، حتى إذا بلغ قول الله -جل وعلا-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ).

عن أبي جعفر الأنباري قال : " لما حُمِل أحمد إلى المأمون أُخبرتُ، فعبرت الفرات، فإذا هو جالس في الخان فسلمت عليه، فقال: يا أبا جعفر تعنيت، فقلت: يا هذا، أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك؛ فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن خلقٌ، وإن لم تُجب ليمتنعن خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت، لا بد من الموت؛ فاتق الله ولا تجب. فجعل أحمد يبكي ويقول: ما شاء الله. ثم قال: يا أبا جعفر أعِد، فأعدت عليه وهو يقول : ما شاء الله ".

قال الإمام أحمد في سياق رحتله إلى المأمون: " صرنا إلى الرحبة منها في جوف الليل، فعرض لنا رجل، فقال: أيكم أحمد بن حنبل؟ فقيل له: هذا، فقال للجمال: على رسلك، ثم قال: " يا هذا ، ما عليك أن تُقتل ها هنا، وتدخل الجنة " ثم قال : أستودعك الله ، ومضى .
فسألت عنه ، فقيل لي هذا رجل من العرب من ربيعة يعمل الصوف في البادية يقال له: جابر بن عامر يُذكر بخير ".

يقول الإمام أحمد عن مرافقة الشاب محمد بن نوح الذي صمد معه في الفتنة: ما رأيت أحداً - على حداثة سنه، وقدر علمه - أقومَ بأمر الله من محمد بن نوح، إني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير.

قال لي ذات يوم : " يا أبا عبد الله ، الله الله ، إنك لست مثلي ، أنت رجل يُقتدى بك، قد مد الخلق أعناقهم إليك؛ لما يكون منك، فاتق الله، واثبت لأمر الله ". فمات وصليت عليه ودفنته .

أما الأول : أحمد ساموري توري : هذا بطل أفريقي اعتنق الإسلام عن يقظة وإيمان، ثم مضى ينشر عقيدته الخالدة في القبائل الوثنية في جنوب السنغال وجامبيا، وعلى شواطئ نهر النيجر الأعلى وروافده، حتى ألّف بحجته الباهرة ودليله المقنع أمة إسلامية مؤمنة تهيم بالإسلام عن دراسة واقتناع.
كافح الإمام في ميدان الدعوة حتى انتصر، ثم حمل السيف لينازل المستعمرين الفرنسيين حين أتوا إلى بلادهم يحملون الصواعق والقذائف، ويسلطون على الأبرياء الآمنين كوارث العدوان وفظائع الإرهاب، وجعل الإمام الأعزل يجمع الصفوف ويلهب العزائم، ويجمع الذخيرة مما ينهبه من سلاح المعتدين، حتى كتب في سجل النضال صحيفة ناصعة تعبق بأريج العزة، وتضيء بنور الإيمان.
لقد التحمت كتائب البطل الباسل بشراذم الفرنسيين في كفاح مرير ضاق به القائد الفرنسي "أرسيناد"، ومرت ست سنوات ولم يتقدم شبرًا واحدًا في ميدانه، ومن قبله قاسى الكولونيل "برني دي بوري" كُؤوس الهزيمة مترعة قاتلة، ورأى المعتدون أن القتال وحده لا يقضي إلى نصر سريع، فأعملوا الحيلة حتى اختطفوا نجل الإمام ليفُتّوا بذلك في عضد أبيه، ولكنه قال لمن ساوموه على افتدائه: إن ولدي لن يزيد عن مسلم عادي كهؤلاء الذين تحصدون أرواحهم دون حياء، فإذا كنتم تتوهمون أن اعتقاله سينهي الحرب فقد أسأتم التقدير، ثم واصل جهاده مستميتًا في الكفاح، ويئس الفرنسيون من النصر السريع فاحتالوا مرة ثانية على اكتسابه، وعمدوا إلى النجل الأسير فاستمالوه بلذائذ النعيم، وطرائف الرفاهية، وبعثوا به إلى باريس ليرى البهجة والنضارة، واللذة والعربدة فينتشي، بما زين الشيطان من إثم، ويستكين بما أبدع الباطل من خداع، حتى إذا قطع الشوط إلى نهايته ساوموه على مخالفة أبيه والعمل على إنهاء الحرب ليصبح الوالد ملكًا مشمولاً بالحماية الأجنبية، ثم ليكون الابن من بعده ولي العهد وحليف الاستعمار، ورجع الشاب المغرور متحمسًا للخيانة النكراء، وبدأ باستمالة الضعفاء لوجهته، فأدرك الإمام حقيقة ما كان، والتهبت في صدره عاطفة الأبوة ذات الحنان والسماح، عاطفة الإسلام ذات القمع للباطل والانتقام للحق، فآثر دينه ووطنه، ثم حكم على ابنه بالإعدام السريع جزاء خيانته ومروقه، وبادر فأوقع الجزاء على رؤوس الأشهاد في ثقة وإيمان.

أما المثال الثاني فهو: الشيخ المجاهد عمر المختار، الذي تربى في الزوايا السنوسية في ليبيا، ثم وقف نفسه لنصرة الإسلام والذبّ عن حياضه، خاصة بعد دخول الإيطاليين ليبيا سنة 1911م، حيث جاهد الشيخ الكفار جهادًا عظيمًا قرابة عشرين سنة لم يتوان ولم يتذبذب، بل ثبت ثباتًا عظيمًا مشرفًا، حيث إذا أُلقى القبض عليه سنة 1931م أظهر ثباتًا عظيمًا، لكن ثباته كان مضرب الأمثال، ولننظر كيف قُبِض عليه وما جرى بينه وبين الحاكم العسكري الإيطالي في ليبيا.
"ذهب - كعادته - في نفر قليل يُقدر بأربعين فارسًا يستكشف العدو، ويتفقد مراكز إخوانه المجاهدين، ومرَّ بوادٍ صعب المسالك كثير الغابات، وعلمت به القوات الإيطالية بواسطة جواسيسها!، فأمرت بتطويق الوادي، فما شعر المختار ومن معه إلا وهم وسط العدو، ودارت معركة، وعلى الرغم من كثرة عدد العدو واحتياطاته تمكن المجاهدون من خرق صفوفه، ففاجأتهم قوة إيطالية أخرى، وكانت ذخيرتهم على وشك النفاذ، فاشتبكوا في معركة جديدة قُتل فيها جميع من بقي مع المختار، وقُتل حصانه أيضًا ووقع عليه، فتمكن من التخلص من تحته، وظل يقاتل وحده إلى أن جرح في يده، ثم تكاثر عليه الأعداء، وغُلب على أمره، وأسروه وهم لا يعرفون من هو، ثم عُرف وأرسل إلى سوسة، ومنها أُركب الطراد "أوسيني" إلى بني غازي حيث أُودع السجن، وعزا المختار في حديثه عند قدومه إلى بنغازي سبب وقوعه في الأسر إلى نفاذ ذخيرته، وأكد للمتصرف الإيطالي أن وقوعه في الأسر لا يضعف من حدة المقاومة إذ أنه اتخذ التدابير ما يكفل انتقال القيادة من بعده إلى غيره.
وختم المختار قوله بكلمات خالدات لابد أن نلقنها لأبنائنا جيلاً بعد جيل؛ لتكون مثلهم الأعلى في التوكل على الله، والثبات على الحق فقال: "إن القبض عليّ ووقوعي في قبضة الطليان إنما حدث؛ تنفيذًا لإرادة المولى عز وجل، وإن كنت قد أصبحت الآن أسيرًا بأيدي الحكومة فالله وحده يتولى أمري"، ثم أشار إلى الطليان وقال: "وأما أنتم فلكم الآن -وقد أخذتموني- أن تفعلوا بي ما تشاءون، وليكن معلومًا أني ما كنت في يوم من الأيام لأسلم لكم طوعًا".
وحدث مرة أن خرج إلى القاهرة من برقة لغرض من أغراض الجهاد، فاجتمع إليه مشايخ من قبيلة في مصر- في قلوبهم ضعف العزيمة ويأس الشيوخ- وجعلوا يحاولون أن يثنوه عن عزمه وجهاده بسبب بلوغه سن الشيخوخة، فغضب وقال لهم: "إن كل من يقول لي هذا الكلام لا يريد خيرًا لي، لأن ما أسير فيه إنما هو طريق الخير، ولا ينبغي لأحد أن ينهاني عن سلوكه، وكل من يحاول ذلك فهو عدو لي".
ونختم بموقف جميل له أثناء التحقيق معه، إذ خاطبه "جرازياني"، قائد الحملة الصليبية الإيطالية في ليبيا وكان لعمر المختار آنذاك 73 سنة:
- هل سمعت ما ينُسب إليك من تهم خطيرة؟
- نعم، وسأجيب عنها كلها واحدة واحدة مهما كبرت وخطرت.
وانطلق المختار يقص مأساة ليبيا منذ الاحتلال، والمفاوضات التي دعاه إليها رجال الاحتلال، والوعود الكاذبة والنكث بها، وتكلم عن الظلم والطغيان والاغتصاب وانتهاك الحرمات وتحقير المقدسات..
- هل أنت قائد العصيان ضد إيطاليا؟
- نعم، أنا هو.
- هل حاربت الدولة الإيطالية؟
- نعم حاربتها.
- إني أكرر السؤال عليك فانتبه لنتائجه: هل حاربت الدولة الإيطالية، فتناولت السلاح في وجه قواتها، واشتركت في قتاله؟
- نعم، نعم، نعم.
- كم هو عدد المعارك التي اشتركت فيها من سنة: 1911 حتى اليوم؟
- لا أذكر عددها لأنها كثيرة لا تحصى.
- منذ كم سنة توليتَ قيادة العصيان؟
- منذ عشر سنوات.
وعلى هذا المنوال سارت المحاكمة كلها. وكان "جرازياني" قد عرض عليه عفوًا شاملاً مقابل أن يكتب للمجاهدين يدعوهم إلى وقف القتال وتسيلم أنفسهم وأسلحتهم للحكومة، فرفض المختار قائلاً "إن هذا العمل لا يُرضي ضميري وديني". وأُعدمَ، ثابتًا راسخًا مؤمنًا، رحمه الله تعالى ورضي عنه.

حكم

1- أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.
2- تقول العرب: " لفلان ذمام لا يبليه الزمان، ولا كُرور الأيام، ولا مرور الأعوام، وعهد لا يغيره تنقل الزمان وتكونه، ولا علل الدهر وحوادثه ".
3- وتذم العرب من كان ليس ثابتًا فتقول: " فلان لا ثبات لوده، ولا دوام لعهده، ولا بقاء لوصله، ولا وفاء لعقده ".
4- قال ابن رجب: "العاقل من تزيده نيران الأزمات لمعاناً".
5- قال رحمه الله: "الصاعقة لا تضرب إلا القمم".
6- قال ابن القيم: " من استطال الطريق ضعف مشيه ".
7- قال أحمد الرفاعي: " قف في باب الاستقامة، واسكن في باب المداومة، والزم الصبر على العمل، ومن طرق الباب بالخضوع - فتح له بالقبول ".


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الفيروزي

عضو ذهبي  عضو ذهبي
الفيروزي


الجنس : ذكر
العمر : 37
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 30/09/2011
عدد المساهمات : 706

闦※闦 ثبات القلوب على الحق 闦※闦 Empty
مُساهمةموضوع: رد: 闦※闦 ثبات القلوب على الحق 闦※闦   闦※闦 ثبات القلوب على الحق 闦※闦 Icon_minitimeالسبت 14 أبريل 2012, 12:47 am

۩۞۩ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ۩۞۩

ماشاء الله تبارك الله
مشاركة جميلة ومتميزة
نبارك هذا الجهد الرائع
ونتطلع لمزيد من الإبداع


۩ حفظكم الله ورعاكم ۩


♥♥ تقبلوا محبتي وتقديري ♥♥


₪₪₪₪₪₪₪
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
闦※闦 ثبات القلوب على الحق 闦※闦
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ~¤¦¦ↂ¦¦¤~ إستعذاب طريق الحق ~¤¦¦ↂ¦¦¤~
» {؛❖◙❖؛} سيل الحق وزبد الباطل {؛❖◙❖؛}
» ~*¤ô§ô¤*~ الصوارف عن الحق ~*¤ô§ô¤*~
» !~¤§¦ كيف يُعرَفُ الحق ؟؟ ¦§¤~!
» ©{« أهمية قوة الإرادة في طلب الحق »}©

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۞ منتديات كنوز الإبداع ۞ :: ۞ المنتديات الإسلامية ۞ ::  ۩ الإسلام .. دين السلام ۩-
انتقل الى: