❂¤*~ القنوط واليأس سببه الغفلة عن عيوب النفس ~*¤❂
القنوط لغة:
مصدر قولهم: قنط يقنط إذا يئس يأسا شديدا وهو مأخوذ من مادّة (ق ن ط) الّتى تدلّ على اليأس من الشّيء، يقال: قنط يقنط قنوطا، مثل جلس يجلس جلوسا وكذلك قنط يقنط مثل قعد يقعد فهو قانط، وفيه لغة ثالثة، قنط يقنط قنطا مثل تعب يتعب تعبا، وقناطة فهو قنط. قال تعالى: (فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) [الحجر: 55] أي اليائسين من الولد. وكان إبراهيم (عليه السّلام)، قد يئس من الولد لفرط الكبر [تفسير القرطبى (10/ 25) ]، وأمّا قنط يقنط بالفتح فيهما وقنط يقنط بالكسر فيهما فإنّما هو على الجمع بين اللّغتين.
وقال ابن الأثير: القنوط هو أشدّ اليأس من الشّيء. وقيل القنوط: اليأس من الخير، وقيل: أشدّ اليأس من الشّيء وقيل. شرّ النّاس الّذين يقنّطون النّاس من رحمة اللّه أي يؤيّسونهم[مقاييس اللغة (5/ 32)، الصحاح (6/ 1155)، النهاية (4/ 113) ] .
واصطلاحا:
قال في فتح المجيد شرح كتاب التّوحيد: هو استبعاد الفرج واليأس منه، وهو يقابل الأمن من مكر اللّه، وكلاهما ذنب عظيم وينافيان كمال التّوحيد [فتح المجيد (359) ].
قال المناويّ: القنوط: هو اليأس من الرّحمة [التوقيف على مهمات التعاريف (276) ] .
وقال العزّ بن عبد السّلام: القنوط استصغار لسعة رحمة اللّه- عزّ وجلّ- ومغفرته، وذلك ذنب عظيم وتضييق لفضاء جوده تعالى [شجرة المعارف والأحوال- العز بن عبد السلام (120) ] .
1- قوله تعالى: (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ * وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ * قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر: 49- 56] .
2- قوله تعالى: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ * وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الروم: 31- 37] .
3- قوله تعالى: (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) [الزمر: 53- 59] .
4- قوله تعالى: (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ * وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ ) [فصلت: 49- 51] .
5- قوله تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ * وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ * وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ * وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ * وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ) [الشورى: 27- 34] .
1- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: «إنّ رجلا قال: يا رسول اللّه، ما الكبائر؟ قال: «الشّرك باللّه، والإياس من روح اللّه، والقنوط من رحمة اللّه» [ذكره الهيثمى فى المجمع، وقال: رواه البزار والطبراني ورجاله موثقون (1/ 104) ] .
2- عن فضالة بن عبيد- رضي اللّه عنه- أنّه قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدّنيا فتبرّجت بعده، فلا تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع اللّه- عزّ وجلّ- رداءه فإنّ رداءه الكبرياء وإزاره العزّة، ورجل شكّ في أمر اللّه، والقنوط من رحمة اللّه» [أحمد (6/ 19) واللفظ له. والأدب المفرد للبخارى (207) رقم (590). والحاكم في المستدرك (1/ 119) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى. وبعضه فى السنة لابن أبى عاصم رقم (89). والحديث عند البزار (1/ 61) رقم (84): وقال الهيثمى: ورواه البزار مطولا ويأتى فى باب الكبائر ورجاله ثقات. انظر مجمع الزوائد (1/ 99). وذكره الألبانى فى صحيح الجامع (1/ 587) رقم (3059). وكذا في الصحيحة (2/ 71) رقم (542) وعزاه أيضا لابن حبان وابن عساكر. ونقل قول ابن عساكر عنه: أنه حديث حسن غريب ورجال إسناده ثقات] .
1- قال عليّ- رضي اللّه عنه- الفقيه حقّ الفقيه: من لم يقنّط النّاس من رحمة اللّه ولم يرخّص لهم في معاصي اللّه، ولم يؤمّنهم من عذاب اللّه، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، إنّه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فهم فيه، ولا قراءة لا تدبّر فيها. [الدارمي (1/ 101) برقم (297) ] .
2- قال ابن مسعود- رضي اللّه عنه- الكبائر: الإشراك باللّه، والأمن من مكر اللّه، والقنوط من رحمة اللّه، واليأس من روح اللّه. وفي رواية: أكبر الكبائر. [مجمع الزوائد (1/ 104) وقال: إسناده حسن] .
1- قال الشّاعر:
باللّه أبلغ ما أسعى وأدركه *** لا بي ولا بشفيع لي من النّاس
إذا أيست وكاد اليأس يقطعني *** جاء الرّجا مسرعا من جانب الياس
[الفوائد لابن القيم (66) ] .
2- رحم الله من قال:
لا يأس يسكننا فإن كبر الأسى *** وبغي فإن يقين قلبي أكبر
في منهج الرحمن أمن مخاوفي *** وإليه في ليل الشدائد نجأر
وإن عرف التاريخ أوسًا وخزرجًا *** فلِلَّه أوس قادمون وخزرج
[كل منا ممتحن لعلي القرني ص8 ] .
3- ورحم الله من قال:
إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاقت لما به الصدر الرحيب
و أوطنت المكاره واطمأنت *** وأرست غي أماكنها الخطوب
ولم ترى لانكشاف الضر وجها *** ولا أغني بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث *** يجيء به القريب المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت *** فموصول بها الفرج القريب
[يا سامعا لكل شكوى ص29] .
متفرقات
1- قال الإمام ابن حجر: سوء الظّنّ باللّه تعالى والقنوط من رحمته من الكبائر. مستدلّا بقوله تعالى (في القنوط) (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر: 56]، وقال: عدّ سوء الظّنّ والقنوط كبيرتين مغايرتين لليأس هو ما ذهب إليه الجلال البلقينيّ وغيره ... والظّاهر أنّ القنوط أبلغ من اليأس، للتّرقّي إليه في قوله تعالى: (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) [فصلت: 49] وقد اتّفقوا على أنّ الشّخص الّذي يئس من وقوع شيء من الرّحمة له مع إسلامه فاليأس في حقّه كبيرة اتّفاقا، ثمّ هذا اليأس قد ينضمّ إليه حالة هي أشدّ منه، وهي التّصميم على عدم وقوع الرّحمة له وهو القنوط، ثمّ قد ينضمّ إلى ذلك أنّ اللّه يشدّد عقابه له كالكفّار وهذا هو المراد بسوء الظّنّ هنا. [الزواجر (114) بتصرف] .
2- قال الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ- رحمه اللّه تعالى: لا يجوز لمن خاف اللّه أن يقنط من رحمته، بل يكون خائفا راجيا يخاف ذنوبه، ويعمل بطاعته ويرجو رحمته. [فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (359) ] .
3- قال بعض أهل العلم: شرّ النّاس الّذين يقنّطون النّاس من رحمة اللّه: أي يؤيّسونهم من رحمة اللّه. [لسان العرب (6/ 3752) ] .