۩◙۩ أهمية الطموح في حياة المسلم ۩◙۩
الطموح هو تلك الصفة الي تدفع المرء الى العمل والإبداع والتميز للوصول الى هدف معين والوصول للأفضل والأعلى .
إن الأنسان الناجح هو الذي لا يوجد حاجز بطريقة ولا مانع عن هدفه وهو الذي يسعى دائماً لتحقيق هدفة ومبتغاة بالطرق المشروعة
والمنافسة الشريفة والعمل الصادق .
فإن الطموح إلى الخير وعلو الهمة في نيل معالي الأمور من أعظم نعم الله جلّ وعلا على عبده، فهو طريقه إلى الفلاح، ودليله إلى العزة والنجاح.
والطموح إلى الخير خصلة نفسانية رفيعة لا يمتلكها إلا ذو العزيمة الصلبة والإرادة القوية، والصبر المستميت على مهمات الأمور لذلك كان أهله قلة بين الناس.
ولئن كان الكثير من الناس يمتلكون الطموح إلا أن القليل منهم من يملك الطموح النافع الذي يدله على سعادة الدارين.. لذلك كان هذا النوع من الطموح من نصيب قلة قليلة..
الطّموح لغة :
مصدر قولهم : طمح يطمح، وهو مأخوذ من مادّة (ط م ح) الّتي تدلّ على علوّ في الشّيء، يقال طمح ببصره إلى الشّيء: علا، وكلّ مرتفع مفرط في تكبّر طامح، ويقال في المصدر أيضا طماح مثل جماح، يقال: فرس فيه طماح، وطمحت المرأة مثل جمحت، فهي طامح أي تطمح إلى الرّجال، وفي حديث قيلة: كنت إذا رأيت رجلا ذا قشر طمح بصري إليه، أي امتدّ وعلا، ومنه أيضا الحديث الآخر: فخرّ إلى الأرض فطمحت عيناه إلى السّماء، ويقال أطمح فلان بصره أي رفعه، قال الجوهريّ: وقال بعضهم طمح، أي أبعد في الطّلب ورجل طمّاح: بعيد الطّرف، والطّماح أيضا: الكبر والفخر لارتفاع صاحبه [مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 423)، والصحاح للجوهري (1/ 388)، والنهاية لابن الأثير (3/ 129)، ولسان العرب لابن منظور (2/ 534) (ط. بيروت) ] .
الطّموح اصطلاحا: هو أن ينزع الإنسان إلى معالي الأمور ويعمل على تغيير حاله إلى ما هو أسمى وأنفع، وكلّما نال مرتبة نظر إلى ما فوقها، ولا يكون ذلك محمودا إلّا إذا وافق الشّرع الحنيف.
عن الحسن بن عليّ- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه- تعالى- يحبّ معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها» . [انظر صحيح الجامع للألباني (1886) وهو في الصحيحة (1388) ] .
عن سعد بن أبي وقّاص- رضي اللّه عنه- قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقّاص قبل أن يعرضنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدر يتوارى ، فقلت: ما لك يا أخي؟ قال: إنّي أخاف أن يراني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيستصغرني فيردّني، وأنا أحبّ الخروج لعلّ اللّه أن يرزقني الشّهادة. قال: فعرض على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فردّه، فبكى فأجازه. فكان سعد- رضي اللّه عنه- يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ستّ عشرة سنة. [الإصابة (5/ 36)، واللفظ له، وأخرجه البزار ورجاله ثقات، كما في المجمع (6/ 69)، وأسد الغابة (4/ 148) والحاكم ( 3/4864) و قال حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه و قال الذهبي قي التلخيص : يعقوب بن محمد الزهري ضعفوه] .
أن الحياة لا تستقيم بدون طموح فالطموح هو الأمل والنور الذي نسعى إليه حتى أذا وصلنا محطة أو مرحلة منه نخطط للوصول الى المرحلة أو الخطوه التي تليها والتي أعلى منها وهكذا .
عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- أنّ عمر- رضي اللّه عنه- قال يوم أحد لأخيه: خذ درعي يا أخي. قال: أريد من الشّهادة مثل الّذي تريد، فتركاها جميعا. [قال الهيثمي (5/ 298): رجاله رجال الصحيح. وأخرجه ابن سعد (3/ 275)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 367) نحوه ] .
عن سليمان بن بلال- رضي اللّه عنه-: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعا الخروج معه، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأمر أن يخرج أحدهما. فاستهما ، فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد- رضي اللّه عنهما-: إنّه لابدّ لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك، فقال سعد: لو كان غير الجنّة لآثرتك به، إنّي أرجو الشّهادة في وجهي هذا، فاستهما، فخرج سهم سعد؛ فخرج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بدر، فقتله عمرو بن عبد ودّ .[الإصابة (3/ 75) ] .
قال معاوية لعمرو بن العاص: من طلب عظيما خاطر بعظيمته . وكان عمرو يقول: عليكم بكلّ أمر مزلقة مهلكة. أي عليكم بجسام الأمور , [عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 335) ] .
عن دكين الرّاجز قال: أتيت عمر بن عبد العزيز بعد ما استخلف أستنجز منه وعدا كان وعدنيه وهو والي المدينة فقال لي: يا دكين، إنّ لي نفسا توّاقة ، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلمّا نلتها تاقت إلى الخلافة. فلمّا نلتها تاقت إلى الجنّة. [عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 334) ] .
عن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه- رضي اللّه عنهما- قالا: حدّثني أبي الّذي أرضعني- وكان أحد بني مرّة بن عوف- وكان في تلك الغزوة «غزوة مؤتة» قال: واللّه لكأنّي أنظر إلى جعفر- رضي اللّه عنه- حين اقتحم عن فرس له «شقراء» ثّمّ عقرها، ثمّ قاتل القوم حتّى قتل وهو يقول:
يا حبّذا الجنّة واقترابها *** طيّبة وبارد شرابها
والرّوم روم قد دنا عذابها *** كافرة بعيدة أنسابها
عليّ إذ لاقيتها ضرابها [البداية والنهاية (4/ 244)، والإصابة (1/ 238). وأبو نعيم في الحلية (1/ 118) ] .
6- قيل للعتّابيّ: فلان بعيد الهمّة، قال: إذن لا يكون له غاية دون الجنّة. [عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 337) ] .
7- نظر رجل إلى أبي دلف في مجلس المأمون فقال: إنّ همّته ترمي به وراء سنّه. [عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 332) ] .
الطموح إلى الجنة
ففيه والله يحمد السباق والاستباق، ولها والله يحق الاشتياق ! فهي دار الخلود.. وقرار النعيم الموعود ... فيها ما لا عين رأيت .. ولا أذن سمعت .. ولا خطر على قلب بشر.. فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ! .. بيد أن الطموح إلى نيلها مفتقد!
فعلى ما في الجنة من نعيم .. وثواب مقيم .. تجد طموح الناس قد اشتدَّ وطيسه لنيل الدنيا.. دار الفناء – وخفت نشاطه في الجنة دار البقاء .. { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } .
أخي: وها هو منادي الإيمان.. يخاطب فيك نخوة الإيمان.. وينفض غبار الاستثقال عن طموح فطرتك ... { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ، { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } ، { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } .
فإذاً لابد من الطموح المستميت لتحقيق التوقي متمثلة في مجاهدة النفس وكبح جموحها عن المعاصي والمحرمات.. والتفاني في آداء سائر الفرائض والواجبات.. والحرص على فضائل الأعمال والمبادرة إلى الخيرات تزكية للنفس وتخليصاً لها من قيود الهوى ونزغات الشيطان!
وقال تعالى : { وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى } .
وكان أحلى هاتيك النفوس التي غمرها طموح يُشعُّ منه إشراق الطاعة، فأنار لها الدرب إلى سعادة الدنيا.. وجنة الآخرة!
1- قال مالك بن عمارة اللّخميّ: كنت جالسا في ظلّ الكعبة أيّام الموسم عند عبد الملك بن مروان وقبيصة بن ذؤيب، وعروة بن الزّبير، وكنّا نخوض في الفقه مرّة، وفي المذاكرة مرّة، وفي أشعار العرب وأمثال النّاس مرّة، فكنت لا أجد عند أحد ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتّساع في المعرفة، والتّصرّف في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدّث، وحلاوة لفظه إذا حدّث، فخلوت معه ليلة فقلت له، واللّه إنّي لمسرور بك لما شاهدته من كثرة تصرّفك وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال: إن تعش قليلا فسترى العيون طامحة إليّ والأعناق نحوي متطاولة، فإذا صار الأمر إليّ فلعلّك أن تنقل إليّ ركابك، فلأملأنّ يديك. فلمّا أفضت إليه الخلافة توجّهت إليه فوافيته يوم الجمعة وهو يخطب على المنبر، فلمّا رآني أعرض عنّي فقلت: لعلّه لم يعرفني، أو عرفني وأظهر لي نكرة، فلمّا قضيت الصّلاة ودخل بيته لم ألبث أن خرج الحاجب، فقال: أين مالك بن عمارة. فقمت فأخذ بيدي وأدخلني عليه فمدّ إليّ يده وقال: إنّك تراءيت لي في موضع لا يجوز فيه إلّا ما رأيت، فأمّا الآن فمرحبا، وأهلا، كيف كنت بعدي، فأخبرته، فقال لي: أتذكر ما كنت قلت لك؟ قلت: نعم، فقال: واللّه ما هو بميراث وعيناه، ولا أثر رويناه، ولكنّي أخبرك بخصال منّي سمت بها نفسي إلى الموضع الّذي ترى. ما خنت ذا ودّ قطّ، ولا شمتّ بمصيبة عدوّ قطّ، ولا أعرضت عن محدّث حتّى ينتهي حديثه، ولا قصدت كبيرة من محارم اللّه تعالى متلذّذا بها. فكنت أؤمّل بهذه أن يرفع اللّه تعالى منزلتي، وقد فعل ثمّ دعا بغلام له، فقال: يا غلام بوّئه منزلا في الدّار، فأخذ الغلام بيدي، وأفرد لي منزلا حسنا، فكنت في ألذّ حال وأنعم بال، وكان يسمع كلامي، وأسمع كلامه، ثمّ أدخل عليه في وقت عشائه وغدائه فيرفع منزلتي، ويقبل عليّ ويحادثني ويسألني مرّة عن العراق، ومرّة عن الحجاز، حتّى مضت عشرون ليلة، فتغدّيت يوما عنده، فلمّا تفرّق النّاس نهضت قائما، فقال: على رسلك، فقعدت، فقال: أيّ الأمرين أحبّ إليك: المقام عندي مع النّصفة لك في المعاشرة، أو الرّجوع إلى أهلك ولك الكرامة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين فارقت أهلي وولدي على أنّي أزور أمير المؤمنين، وأعود إليهم فإن أمرني أمير المؤمنين اخترت رؤيته على الأهل والولد، فقال: لا بل أرى لك الرّجوع إليهم، والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار كسوة، وحملناك، أتراني قد ملأت يديك؟ فلا خير فيمن ينسى إذا وعد وعدا، وزرنا إذا شئت، صحبتك السّلامة.[ انظر المستطرف (1/ 291- 292) ] .
الطموح كنز لا يفنى
كم من الصدق في تلك العبارة ؟؟
وكم منا يؤمن بها؟
لا يسعى للنجاح من لا يملك طموحا ولذلك كان الطموح هو الكنز الذي لا يفنى ..فكن طموحا وانظر إلى المعالي ..
هذا عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين يقول معبرا عن طموحه : " إن لي نفسا تواقة ، تمنت الإمارة فنالتها، وتمنت الخلافة فنالتها ،وأنا الآن أتوق إلى الجنة وأرجو أن أنالها "
العطاء يساوي الأخذ : ( النجاح عمل وجد وتضحية وصبر ومن منح طموحه صبرا وعملا وجدا حصد نجاحا وثمارا .. فاعمل واجتهد وابذل الجهد لتحقق النجاح والطموح والهدف ..فمن جدّ وجد ومن زرع حصد.. )
قال الشّاعر:
رأيت عرابة الأوسيّ يسمو *** إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد *** تلقّاها عرابة باليمين
[انظر المستطرف (1/ 206).
2- قال القاضي عليّ بن عبد العزيز الجرجانيّ:
يقولون لي فيك انقباض وإنّما *** رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما
أرى النّاس من داناهم هان عندهم *** ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما
ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما *** بدا طمع صيّرته لي سلّما
وما كلّ برق لاح لي يستفزّني *** ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى *** ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما
أنهنهها عن بعض ما لا يشينها *** مخافة أقوال العدا فيم أولما؟
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي *** لأخدم من لاقيت، لكن لا أخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلّة *** إذن فاتّباع الجهل قد كان أحزما
ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم *** ولو عظّموه في النّفوس لعظّما
ولكن أهانوه فهان ودنّسوا *** محيّاه بالأطماع حتّى تجهّما
[انظر أدب الدنيا والدين للماوردي (92) ] .
3- قال الشّاعر:
وإذا كانت النّفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام
[صيد الخاطر لابن الجوزي (570) ] .
4- قال الشّاعر:
سافر إذا حاولت قدرا *** سار الهلال فصار بدرا
والماء يكسب ما جرى *** طيبا ويخبث ما استقرّا
وبنقلها الدّرر النّفيسة *** بدّلت بالبحر نحرا
[الفلاكة والمفلكون للإمام الدلجي (141) ] .
5- وقال آخر:
لا يدرك المجد من لا يركب الخطرا *** ولا ينال العلا من قدّم الحذرا
ومن أراد العلا صفوا بلا كدر *** قضى ولم يقض من إدراكه وطرا
وأحزم النّاس من لو مات من ظمأ *** لا يقرب الورد حتّى يعرف الصّدرا
[الفلاكة والمفلكون (140) ] .
من صور الطموح عند الشباب:
أ- تطلّعه لأن يكون العالم الرباني الذي يعيد للعلم مكانته.
ب- سعيه إلى أن يكون المجاهد الذي ينصر الله به دينه.
ت- حرصه على إعادة الأمة إلى صدارتها وإمامتها.
ث- هدايته الناس إلى الله تبارك وتعالى.
واعمَلوا على أن يكونَ الطموح إلى الرِّفعة باعثًا على التنافس في استباقِ الخيرات والتجافي عن السيّئات، وطريقًا إلى الارتقاء بالمجتمَعِ والنهضة بالأمّة، ودليلا بيِّنًا إلى بلوغ الحياة الطيبة الناشئة في رحاب الإيمان المهتدية بهدي القرآن الناعمةِ برضوانِ الرحمن ونزول رفيع الجنان.