»|¤|« رأس الأدب حفظ السر »|¤|«
1- قَالَ الله تَعَالَى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) [الإسراء:34].
2- قال تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) [التحريم:3].
أحاديث
1- عن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مِنْ أشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى الْمَرْأةِ وتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا) رواه مسلم.
2- عن عبدِ الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ عمرَ رضي الله عنه حِيْنَ تأيَّمَتْ بِنْتُهُ حَفْصَةُ، قَالَ: لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رضي الله عنه، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: إنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ؟ قَالَ: سأنْظُرُ فِي أمْرِي. فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي، فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أنْ لاَ أتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه، فقلتُ: إنْ شِئْتَ أنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بنْتَ عُمَرَ، فَصَمتَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَلَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شَيْئاً ! فَكُنْتُ عَلَيْهِ أوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثَ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأنْكَحْتُهَا إيَّاهُ. فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِيْنَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئاً ؟ فقلتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أنْ أرْجِعَ إِلَيْك فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلاَّ أنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهَا، فَلَمْ أكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ تَرَكَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لَقَبِلْتُهَا. رواه البخاري.
(تَأَيَّمَتْ) أيْ: صَارَتْ بِلاَ زَوْجٍ، وَكَانَ زَوْجُهَا تُوُفِّيَ رضي الله عنه. (وَجَدْتَ): غَضِبْتَ.
3- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كُنَّ أزْوَاجُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ، فَأقْبَلَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تَمْشِي، مَا تُخْطِئُ مِشيتُها مِنْ مشْيَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم شَيْئاً، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا، وقال: (مَرْحَباً بابْنَتِي)، ثُمَّ أجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكتْ بُكَاءً شَديداً، فَلَمَّا رَأى جَزَعَهَا، سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ، فقلتُ لَهَا: خَصَّكِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بالسِّرَارِ، ثُمَّ أنْتِ تَبْكِينَ ! فَلَمَّا قَامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَألْتُهَا: مَا قَالَ لَكِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: مَا كُنْتُ لأُفْشِي عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ، لَمَا حَدَّثْتِنِي مَا قَالَ لَكِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالتْ: أمَّا الآن فَنَعَمْ، أمَّا حِيْنَ سَارَّنِي في المَرَّةِ الأُولَى فأخْبَرَنِي أنّ جِبْريلَ كَانَ يُعَارِضُهُ القُرآنَ في كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَأنَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ، وَإنِّي لا أُرَى الأجَلَ إِلاَّ قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي، فَإنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أنَا لَكِ، فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأيْتِ، فَلَمَّا رَأى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: (يَا فَاطِمَةُ، أمَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤُمِنِينَ، أَوْ سَيَّدَةَ نِساءِ هذِهِ الأُمَّةِ ؟) فَضَحِكتُ ضَحِكِي الَّذِي رَأيْتِ. متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ مسلم.
4- عن ثَابِتٍ، عن أنس رضي الله عنه، قَالَ: أتَى عَلَيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأنَا ألْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَسَلمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَني إِلَى حاجَةٍ، فَأبْطَأتُ عَلَى أُمِّي. فَلَمَّا جِئْتُ، قالت: مَا حَبَسَكَ ؟ فقلتُ: بَعَثَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِحَاجَةٍ، قالت: مَا حَاجَتُهُ ؟ قُلْتُ: إنَّهاَ سرٌّ. قالت: لا تُخْبِرَنَّ بِسرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحَداً، قَالَ أنَسٌ: وَاللهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أحَداً لَحَدَّثْتُكَ بِهِ يَا ثَابِتُ. رواه مسلم وروى البخاري بعضه مختصراً.
آثار
1- قال عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: " ما استودعت رجلاً سراً فأفشاه فلمته لأني كنت أضيق صدراً منه حيث استودعته إياه " الآداب الشرعية.
2- قال ابن عباس: قال لي أبي: إن عمر يدنيك فاحفظ عني ثلاثاً: " لا تفشين له سراً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا يجربن عليك كذباً " سير أعلام النبلاء.
3- كان المنصور يقول: " الملوك تحتمل كل شيء إلا ثلاثًا: إفشاء السر والتعرض للحرمة والقدح في الملك " المنتظم في التاريخ لابن الجوزي.
4- وكان يقول: " سرك من دمك فانظر من تملكه " المنتظم في التاريخ لابن الجوزي.
5- وكان يقول: " سرك لا تطلع عليه غيرك، وإن من أنفذ البصائر كتمان السر حتى يبرم المبروم " المحاسن والمساوئ لإبراهيم البيهقي.
6- يقال: " من حصَّن سره فله بتحصينه خصلتان: الظفر بحاجته؛ والسلامة من السطوات؛ وإظهار الرجل سرّ غيره أقبح من إظهار سر نفسه؛ لأنه يبوء بإحدى وصمتين: إما بالخيانة إن كان مؤتمنا؛ أو النميمة إن كان مستودعا " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان.
7- قال الحسن البصري: " إنما تُجالسون بالأمانة، كأنكم تظنون أن الخيانة ليست إلا في الدينار والدرهم، إن الخيانة أشد الخيانة أن يجالسنا الرجل، فنطمئن إلى جانبه، ثم ينطلق فيسعى بنا " إحياء علوم الدين.
8- قيل لمحمد بن كعب: أي خصال المؤمن أوضع له؟، فقال: " كثرة الكلام، وإفشاء السر، وقبول قول كل أحد " إحياء علوم الدين.
9- قال عمر بن عبد العزيز: " القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلُّ امرئ مفتاح سرِّه " شرح نهج البلاغة.
10- يقول الكفوي: " أوكد الودائع كتم الأسرار " الكليات لأبي البقاء.
11- قال بعضهم: " كتمانك سرك يعقبك السلامة، وإفشاؤك سرك يعقبك الندامة، والصبر على كتمان السر أيسر من الندم على إفشائه.
12- وقال بعضهم: " ما أقبح بالإنسان أن يخاف على ما في يده من اللصوص فيخفيه، ويمكن عدوه من نفسه بإظهاره ما في قلبه من سر نفسه وسر أخيه؛ ومن عجز عن تقويم أمره فلا يلومن إلا نفسه إن لم يستقم له ".
14- قال عبدالله بن داود: " ما كنتَ كاتِمَه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك " تاريخ واسط لأسلم الواسطي.
15- يقول الماوردي: " إن من الأسرار ما لا يُستغنى فيه عن مطالعة صديق مساهم، واستشارة ناصح مسالم، فليختر لسرّه أميناً، إن لم يجد إلى كتمه سبيلاً، وليتحر المرء في اختيار مَنْ يأتمنه عليه، ويستودعه إياه، فليس كل مَنْ كان أميناً على الأموال؛ كان على الأسرار مؤتمناً، والعفة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار؛ لأن الإنسان قد يذيع سر نفسه، بمبادرة لسانه، وسقط كلامه، ويشح باليسير من ماله، حفظاً لَهُ، وضناً به، ولا يرى ما أضاع من سرّه كبيراً، في جنب ما حفظه من يسير ماله، مع عِظَم الضرر الداخل عليه، فمن أجل ذلك كان أمناء الأسرار أشد تعذراً، وأقل وجوداً من أمناء الأموال، وكان حفظ المال أيسر من كتم الأسرار؛ لأن أحراز الأموال منيعة، وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق " تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك للماوردي.
16- يقول الجاحظ: " كتمان السر خُلُق مركب من الوقار والأمانة؛ فإن إخراج السر من فضول الكلام، وليس بِوَقُورٍ مَنْ تكلم بالفُضُول. وأيضاً فكما أنه من استودع مالاً فأخرجه إلى غير مودعه فقد خفر الأمانة؛ كذلك من استودع سراً فأخرجه إلى غير صاحبه فقد خفر الأمانة، وكتمان السر محمود من جميع الناس، وخاصة ممن يصحب السلطان؛ فإن إخراجه أسراره -مع أنه قبيح في نفسه- يؤدي إلى ضرر عظيم يدخل عليه من سلطانه ".
17- أجاب الراغب الأصفهاني عن سبب التفريط الشنيع في المحافظة على الأسرار بقوله: " إن للإنسان قوتين: آخذة، ومعطية، وكلتاهما تتشوف إلى الفعل المختص بها، ولولا أن الله -تعالى- وكَّل المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار مَنْ تزوده، فصارت هذه القوة تتشوف إلى فعلها الخاص بها، فعلى الإنسان أن يُمسكها ولا يُطلقها إلا حيثما يجب إطلاقها " شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
18- ذكر الماوردي بعض الخصال في صفات أمين السر، أن يكون: " ذا عقل صاد، ودين حاجز، ونصح مبذول، وود موفور، وكتوماً بالطبع " أدب الدنيا والدين للماوردي.
19- قال: (إذا حَدَّثَ الرَّجُلُ الحَديثَ ثم الْتَفَتَ فَهِي أَمَانَةٌ):
* قال المباركفوري في شرحه للحديث: " تَحْسُنُ المَجَالسُ، أو حُسْنُ المجَالسِ وشَرَفُها، بأَمَانة حَاضِريها على ما يقع فيها من قَول وفعل. فكأن المعنى: ليكن صاحب المجلس أميناً لما يسمعه ويراه " تحفة الأحوذي.
قصص
1- قال معاوية: " ما أفشيت سري إلى أحد إلا أعقبني طول الندم، وشدة الأسف، ولا أودعته جوانح صدري فحكمته بين أضلاعي، إلا أكسبني مجداً وذكراً، وسناء ورفعة "، فقيل: ولا ابن العاص؟، قال: " ولا ابن العاص ".
2- هذا حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- أمين سِرِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنافقين، وكان يقال له: صاحب السِّر الذي لا يعلمه أحدٌ غيره.
3- أراد رجل أن يطلق زوجته، فقيل له: ما يسوؤك منها ؟ قال: العاقل لا يهتك ستر زوجته. فلما طلقها قيل له: لِمَ طلّقتها؟ قال: ما لي وللكلام فيمن صارت أجنبية.
4- أسرَّ رجلٌ إلى رجلٍ سراً، فلما فرغ قال له: حفظتَ؟ قال: بل نسيتُ. أدب الدنيا والدين ص: (487) وهو بهذا يُكَنّي عن نفسه بعدم البوح لأي أحد.
5- قال رجل فضولي لصبي أرسلته أمه بطبق مغطى: ما الذي في الطبق يا صبي، فقال الصبي " يا أحمق: فلم غطته أمي!.
6- قال عبد الملك بن مروان للشعبي -لما دخل عليه-: جنبني خصالاً أربعاً: لا تطريني في وجهي، ولا تجرين علي كذبة، ولا تغتابن عندي أحداً، ولا تفشين لي سراً.
7- قيل لأبي مسلم: بأي شيء أدركت هذا الأمر؟ قال: ارتديت بالكتمان، واتزرت بالحزم،?وحالفت الصبر، وساعدت المقادير، فأدركت طلبتي، وحزت بغيتي. المحاسن والمساوئ (2/460).
8- لما مرض سليمان بدابق قال: يا رجاء ! أستخلف ابني؟ قال: ابنك غائب، قال: فالآخر؟ قال: هو صغير، قال: فمن ترى؟ قال: عمر بن عبد العزيز، قال: أتخوف بني عبد الملك أن لا يرضوا، قال: فوله، ومن بعده يزيد بن عبد الملك، وتكتب كتاباً وتختمه، وتدعوهم إلى بيعة مختوم عليها، قال: فكتب العهد وختمه، فخرج رجاء، وقال: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب، قالوا: ومن فيه؟ قال: مختوم، ولا تخبرون بمن فيه حتى يموت، فامتنعوا، فقال سليمان: انطلق إلى أصحاب الشرط، وناد الصلاة جامعة، ومرهم بالبيعة، فمن أبى، فاضرب عنقه، ففعل، فبايعوا، قال رجاء: فلما خرجوا، أتاني هشام في موكبه، فقال: قد علمت موقفك منا، وأنا أتخوف أن يكون أمير المؤمنين أزالها عني، فأعلمني ما دام في الأمر نفسٌ، قلت: سبحان الله! يستكتمني أمير المؤمنين، وأطلعك، لا يكون ذاك أبدا، فأدارني وألاصني، فأبيت عليه، فانصرف، فبينا أنا أسير إذ سمعت جلبة خلفي، فإذا عمر بن عبد العزيز، فقال: يا رجاء! قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل، أتخوف أن يكون جعلها إليَّ، ولست أقوم بهذا الشأن، فأعلمني ما دام في الأمر نفس لعلي أتخلص، قلت: سبحان الله! يستكتمني أمراً أطلعك عليه.
9- عن أبي سفيان الحميري، قال: أراد الوليد بن يزيد الحج، فاتعد فتية أن يفتكوا به في طريقه، وسألوا خالد القسري الدخول معهم فأبى، ثم أتى خالد فقال: يا أمير المؤمنين: دع الحج، قال: ومن تخاف سمهم، قال: قد نصحتك ولن أسميهم قال: إذاً أبعث بك إلى عدوك يوسف بن عمر، قال: وإن؛ فبعث به إليه، فعذبه حتى قتله.
10- قال أشرس الاسدي: أتى كتاب هشام يوسف فكتمنا، وقال: أريد العمرة، فخرج وأنا معه، فما كلم أحدا منا بكلمة، حتى أتى العذيب، فقال: ما هي بأيام عمرة، وسكت حتى أتى الحيرة، ثم استلقى على ظهره، وقال:
فما لبثتنا العيس أن قذفت بنا *** نوى غربة والعهد غير قديم
ثم دخل الكوفة فصلى الفجر، وكان فصيحا طيب الصوت.
11- ابن خلكان قال: لما أراد هشام عزل خالد عن العراق، وعنده رسول يوسف بن عمر من اليمن، قال: إن صاحبك قد تعدى طوره، وفعل وفعل، ثم أمر بتخريق ثيابه وضربه أسواطا، وقال: امض إلى صاحبك فعل الله به، ثم دعا بسالم كاتبه، وقال: اكتب إلى يوسف، سر إلى العراق واليا سرا، واشفني من ابن النصرانية وعماله، ثم أمسك الكتاب بيده، وجعله في طي كتاب آخر، ولم يشعر الرسول، فقدم اليمن، فقال يوسف: ما وراءك ؟ قال: الشر، ضربني أمير المؤمنين، وخرق ثيابي، ولم يكتب إليك، بل إلى صاحب ديوانك. ففض الكتاب وقرأه، ثم وجد الكتاب الصغير، فاستخلف على اليمن ابنه الصلت، وسار إلى العراق، وجاءت العيون إلى خالد، فأشار عليه نائبه طارق ائذن لي إلى أمير المؤمنين، وأضمن له مالي السنة مئة ألف ألف، وآتيك بعهدك، قال: ومن أين هذه الأموال ؟ قال: أتحمل أنا وسعيد بن راشد أربعين ألف ألف، وأبان والزينبي عشرين ألف ألف، ويفرق الباقي على باقي العمال، فقال: إني إذا للئيم أسوغهم شيئا، ثم أرجع فيه، قال: إنما نقيك، ونقي أنفسنا ببعض أموالنا، وتبقى النعمة علينا، فأبى، فودعه طارق، ووافى يوسف، فمات طارق في العذاب، ولقي خالد كل بلاء، ومات في العذاب جماعة من عماله بعد أن استخرج منهم يوسف تسعين ألف ألف درهم.
12- ابن إدريس، قال: سألت الأعمش عن حديث، فقال: لا أجيبك إلى الأضحى. فقلت: لا آتيك إلى الأضحى.
فمكثت حتى حان وقتي ووقته، ثم أتيت المسجد فلم أكلمه، وجلست ناحية، وحوله جماعة، وابنه يكتب في الأرض: سلوه عن كذا، سلوه عن كذا، فإذا دخل رجل لم يسلم، فإذا أراد أن يبزق خرج. فقلت: يا أبا محمد ما هذا الذي حدث في مجلسك ؟ فقال: ابن إدريس ؟ قلت: نعم. فسلم علي سلاما لم يكن ليسلمه على قبل ذلك، وساءلني مسألة لم يكن يسألني عنها. وكان يعجبه أن يكون للعربي مرارة.
13- وقيل: أسر العباس بن أحمد الوزير سراً إلى حماد بن إسحاق، فلما ولي قال: أوك وعاءك، وعم طريقك.
فقال: نسيت سقائي فكيف أوكيه، وضللت طريقه فكيف أعميه؟
14- كان المعتز يقول: ما رأيت أحدا أفضل من الحسن بن أبي الشوارب، ولا أحسن وفاء، ما حدثني قط فكذبني، ولا ائتمنته على سر أو غيره فخانني.
15- قيل: دخل أبو العتاهية على المهدي، وقد ذاع شعره في عتبة، فقال: ما أحسنت في حبك، ولا أجملت في إذاعة سرك، فقال:
من كان يزعم أن سيكتم حبه أو يستطيع الستر فهو كذوب
لحب أغلب للرجال بقهـره من أن يرى للسر فيه نصيب
وإذا بدا سر اللبيب فإنه لم يبد إلا والفتى مغـلـوب
إني لأحسد ذا هوىً مستحفظاً لم تتهمه أعين وقلوب
فاستحسن المهدي شعره وقال: قد عذرناك على إذاعة سرك، ووصلناك على حسن عذرك.
16-أراد رجل أن يطلق زوجته، فقيل له: ما يسوؤك منها؟ قال: العاقل لا يهتك ستر زوجته. فلما طلقها قيل له: لِمَ طلّقتها؟ قال: ما لي وللكلام فيمن صارت أجنبية.
أشعار
وَكُنْتُ إِذَا اسْتُـوْدِعْتُ سِرًّا كَتَمْتُهُ *** كَبَيْضِ أَنُـوقٍ لا يُنَـالُ لَهَا وَكْرُ
[.........]
لا تُذِعْ سراً إلى طالبه *** منك فالطالب للسر مذيع
[.........]
كَانَت إذا هَجَرَ الخَليل فِرَاشَهَا *** خَزْنَ الحَدِيثِ وعفَّت الأسرارِ
[جرير]
إذا أنت لم تجعلْ لسركَ جُنَّةً *** تعرَّضتَ أن تُرْوى عليكَ العَجَائِبُ
[عامر بن الطفيل]
وأمينٍ حَفَّظته سِرَّ نفسي *** فوعاهُ حِفْظَ الأمينِ الأمينَا
[حسان]
تقسمني أمران لم أفتتحهما *** بحزم ولم تعركهما لي الكراكر
وما ساور الأحشاء مثل دفينة *** من الهم ردتها إليك المعاذر
وقد علمت أفناء عدنان أنني *** على مثلها مقدامة متجاسر
[........]
صن السر بالكتمان يرضك غبـه *** فقد يظهر السر المضيع فـينـدم
ولا تفشين سراً إلى غير أهـلـه *** فيظهر خرق الشر من حيث يكتم
وما زلت في الكتمان حتى كأنني *** برجع جواب السائلي عنه أعجـم
لنسلم من قول الوشاة وتسلمي *** سلمت وهل حي على الدهر يسلم
[...]
أمني تخاف انتشار الحديث *** وحظي في ستره أوفـر
ولو لم أصنه لبقيا علـيك *** نظرت لنفسي كما تنظر
[...]
لا تفش أسرارك للناس *** وداو أحزانك بالكـاس
فإن إبليس على ما بـه *** أرأف بالناس من الناس
[أبو نواس]
لعمرك إن وشاة الرجال *** لا يتركون أديماً صحيحا
فلا تبد سرك إلا إلـيك *** فإن لكل نصيح نصيحا
[علي بن أبي طالب]
ولي صاحب سري المكتم عنده *** محاريق نيران بـلـيل تحرق
غدوت على أسراره فكسوتها ثياباً *** من الكتمان مـا تتخرق
فمن كانت الأسرار تطفو بصدره *** فأسرار صدري بالأحاديث تغـرق
فلا تودعن الدهر سرك أحـمـقـاً *** فإنك إن أودعته مـنـه أحمد
وحسبك في ستر الأحاديث واعظـاً *** من القول ما قال الأديب الموفـق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه *** فصدر الذي يستودع السر أضـيق
[العتبي]
لا يكتم السر إلا كل ذي خطر *** فالسر عند كرام الناس مكتوم
والسر عندي في بيت له غلـق *** قد ضاع مفتاحه والباب مردوم
[...]
أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت *** عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا
ما زلت أسعى عليهم في ديارهم *** والقوم في ملكهم بالشام قد رقدوا
[........]
حتى ضربتهم بالسيف فانتبهوا *** من نومة لم ينمها قبلهم أحد
ومن رعى غنماً في أرض مسبعة *** ونام عنها تولى رعيها الأسد
[أبو مسلم]
وَيَا خَبِيـرًا عَلَى الأَسْـرَارِ مُطَّلِعًـا *** اُصْمُتْ فَفِي الصَّمْتِ مَنْجَاةٌ مِنَ الزَّلَلِ
قَدْ رَشَّحُوكَ لأَمْـرٍ لَـوْ فَطِنْتَ لَـهُ *** فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تَرْعَى مَعَ الْهَمَلِ
[الَطُّفْرَائِيّ]
وَإِنْ أَرَدْتَ نَجَـاحًا فِي كُـلِّ آوِنَةٍ *** فَاكْتُمْ أُمُورَكَ عَنْ حَـافٍ وَمُنْتَعِلِ
[صَلاح الدِّينِ الصَّغدي]
إِذَا جَـاوَزَ الاثْنَيْـنِ سِـرٌّ فَإِنَّـهُ *** بِنَشْـرٍ وَإِفْشَـاءِ الْحَدِيثِ قَمِينُ
[قَيْس بن الْخَطِيم]
وَسِـرُّكَ مَا كَـانَ عِنْـدَ امْـرِئٍ *** وَسِـرُّ الثَّـلاثَةِ غَيْـرُ الْخَفِـي
[.........]
أَرْعَى الأَمَـانَةَ لِلأَميـنِ بِحَقِّـهَـا *** فَيبِيـنُ عَفًّـا سِـرُّهُ مَكْـتُـومُ
[الْمُتَوَكِّل اللَّيْثِيّ]
وَيُكَـاتِـمُ الأَسْـرَارَ حَـتَّى إِنَّـهُ *** لَيَصُونُهَا عَـنْ أَنْ تَمُـرَّ بِخَاطِرِه
[........]
إِذَا الـمَرْءُ أَفْشَى سِـرَّهُ بِلِسَـانِـهِ *** وَلامَ عَلَيْـهِ غَيْـرَهُ فَهُـو أَحْمَقُ
إِذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ *** فَصَدْرً الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَقُ
[الشافعي]
والسِّـرُّ فَاكْتُمْـهُ وَلا تَنْطِـقْ بِـهِ *** فَهْـوَ الأَسِيـرُ لَدَيْكَ إِذْ يُنْشَبُ
وَكَذَاكَ سِـرُّ الْمَـرْءِ إِنْ لَمْ يَطْـوِهِ *** نَشَرَتْهُ أَلْسِنَـةٌ تَزِيـدُ وتَكْـذِبُ
[عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ]
فَـلا تَنْطِـقْ بِسِـرِّكَ كُلُّ سِرٍّ *** إِذَا مَـا جَاوَزَ الاثْنَيْنِ فَـاشِ
[.......]
والسِّـرُّ عِنْـدِي في بَيْتٍ لَهُ غَلَـقٌ *** قَدْ ضَاعَ مِفْتَاحُهُ وَالْبَابُ مَـرْدُومُ
[........]
إِنَّ الْكَـرِيمَ الَّـذِي تَبْقَى مَـوَدَّتُهُ *** وَيَحْفَظُ السِّرَّ إِنْ صَافَى وَإِنْ صَرَمَا
لَيسَ الْكَريمُ الَّـذِي إِنْ زَلَّ صَاحِبُهُ *** أَفْشَى وَقَالَ عَلَيْهِ كَلَّ مَـا عَلِمَـا
[أبو بَكْرٍ بن عَيَّاشٍ]
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَحْفَظْ لِنَفْسِكَ سِرَّهَـا *** فَسِرُّكَ عِنْدَ النَّاسِ أَفْشَى وَأَضْيَـعُ
[........]
وَلا أَكْتُـمُ الأَسْرَارَ لَكِـنْ أُذِيعُهَـا *** وَلا أَتْرُكُ الأَسْرَارَ تَغْلِي عَلَى قَلْبِي
[سُحَيْم الفَقَعَسِيّ]
وَلا تُودِعِي الأَسْـرَارَ أُذِنـي فَإِنَّمَا *** تَصُبِّيـنَ مَـاءً فِي إِنَـاءٍ مُثَلَّـمِ
[........]
فَإِنَّـكَ كُلَّمَا اسْتَودَعْـتَ سِـرًّا *** أَنـمُّ مِـنَ النَّسِيمِ عَلَى الرِّيَاضِ
[السري الموصلي]
لا تفشِ سِرَّكَ إِلا عند ذي ثقةٍ *** أولا فأفضلُ ما استودَعْتَ أسرارا
صدراً رَحيبا وقالباً واسعاً صمتاً *** لم تخشَ منه لما استودَعْتَ إِظهارا
[كعب بن زهير]
واحفر لسرك في فؤادك ملحدا *** وادفنه في الأحشاء أي دفان
إن الصديق مع العدو كلاهما *** في السر عند أولى النهى شكلان
[القحطاني]
حكم
1- أَقْبَلَ النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: (هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ)؟ فَسَكَتْنَ فَجَثَتْ فَتَاةٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَتَحَدَّثُونَ وَإِنَّهُنَّ لَيَتَحَدَّثْنَهُ، فَقَالَ: (هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانَةٍ لَقِيَتْ شَيْطَانًا فِي السِّكَّةِ فَقَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ).
2- من كتم سره كان الخيار بيده.
3- السر في الكتمان.
4- السر أمانة وإفشاؤه خيانة.
5- سِرّك أسيرك فإذا أظهرته صرت أسيره.
6- سرك إن لم يسعه صدرك لا يسعه غيرك.
7- لا خير في إناء لا يحفظ الذخر، ولا صديق لا يكتم السر.
8- من كتم سره ملك أمره، وكان الخيار له.
9- صدرك أوسع لسرك.
10- السر أمانة.
11- سرك من دمك.
12- من كتم سِرَّه سَرَّه، وأمن الناس شره.
13- من كتم سره بلغ مراده.
14- من أفشى سره أفسد أمره.
15- حفظ المال أيسر من كتم الأسرار.
16- أوكد الودائع كتم السرائر.
17- قيل: قلوب العقلاء، حصون الأسرار.
18- استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمةٍ محسود.
19- لا تفش سرك إلى أمةٍ.
20- قلوب الأحرار قبور الأسرار.