الدليل من السنة: حديـث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((إن الله عَزَّ وجَلَّ يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك وسعديك (إلى أن قال فيه فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكـم رضواني؛ فلا أسخـط عليكــم بعـده أبداً))
السخط لغة:
مصدر قولهم: سخط يسخط سخطا وسخطا وهو مأخوذ من مادّة (س خ ط) الّتى تدلّ على الكراهية للشّيء والغضب منه وعدم الرّضا به، يقال: سخط فلان أي غضب فهو ساخط، وأسخطه أي أغضبه، ويقال: فلان مسخوط عليه أي مغضوب عليه، وتسخّط الرّجل تغضّب، يقال: البرّ مرضاة للرّبّ مسخطة للشّيطان أي يكرهه الشّيطان ولا يرضاه، والمسخوط: المنسوخ، والمساخط جمع مسخط وهو ما يحملك على السّخط، ويستعمل الفعل «سخط» لازما كما في قوله تعالى: (إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) [التوبة: 58] وقد يتعدّى بالهمزة كما في قوله سبحانه ذلِكَ (بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ) [محمد: 28]. وقد يعدّى بحرف الجرّ على، فيقال: سخط اللّه عليهم.
وقال ابن منظور: السّخط: الكراهة، وهو ضدّ الرّضا، والفعل منه سخط يسخط سخطا، وتسخّط وسخط الشّيء سخطا: كرهه. وسخط أي غضب، فهو ساخط. وأسخطه: أغضبه. تقول: أسخطني فلان فسخطت سخطا. وتسخّط عطاءه أي استقلّه ولم يقع موقعا. يقول: كلّما عملت له عملا تسخّطه أي لم يرضه. وفي حديث هرقل: «فهل يرجع أحد منهم عن دينه سخطة له؟» السّخط والسّخط: الكراهية للشّيء وعدم الرّضا به. ومنه الحديث: «إنّ اللّه يسخط لكم كذا». أي يكرهه لكم، ويمنعكم منه ويعاقبكم عليه [لسان العرب (7 (312، 313)، الصحاح (3/ 1130)، وتاج العروس (10/ 278)، والمفردات للراغب (227) ] .
واصطلاحا:
الغضب الشّديد المقتضي للعقوبة، وهو من اللّه (السّخط) صفة فعل اللّه عزّ وجلّ حقيقة على ما يليق بجلاله ومن لوازمه إنزال العذاب [انظر: التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (198)، والمفردات للرلاغب (227) ].
1- عن عوف بن مالك- رضي اللّه عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك- وهو في قبّة من أدم- فقال: «اعدد ستّا بين يدي السّاعة: موتي، ثمّ فتح بيت المقدس، ثمّ موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم ، ثمّ استفاضة المال حتّى يعطى الرّجل مائة دينار فيظلّ ساخطا، ثمّ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلّا دخلته، ثمّ هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفا» [البخاري- الفتح 6 (3176) ] .
2- عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللّه عنه- أنّ ناسا في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: يا رسول اللّه هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ ... الحديث، وفيه: «فيخرجون كاللّؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنّة.هؤلاء عتقاء اللّه الّذين أدخلهم اللّه الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثمّ يقول: ادخلوا الجنّة فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. فيقول: لكم عندي أفضل من هذا. فيقولون: يا ربّنا أيّ شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي. فلا أسخط عليكم بعده أبدا» [البخاري- الفتح 13 (7439). ومسلم (183) واللفظ له] .
3- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرّحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضيّا عنك، إلى روح اللّه وريحان، وربّ غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتّى إنّه ليناوله بعضهم بعضا، حتّى يأتون به باب السّماء، فيقولون: ما أطيب هذه الرّيح، الّتي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشدّ فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه، فإنّه كان في غمّ الدّنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمّه الهاوية. وإنّ الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك، إلى عذاب اللّه- عزّ وجلّ- فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتّى يأتون به باب الأرض فيقولون: ما أنتن هذه الرّيح، حتّى يأتون به أرواح الكفّار» [صحيح سنن النسائي (1729). والصحيحة للألباني (1309) ] .
4- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى. فأراد اللّه أن يبتليهم... الحديث، وفيه: «قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلّا باللّه ثمّ بك، أسألك، بالّذي ردّ عليك بصرك شاة أتبلّغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ اللّه إليّ بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فو اللّه لا أجهدك اليوم شيئا أخذته للّه. فقال: أمسك مالك. فإنّما ابتليتم.فقد رضي عنك، وسخط على صاحبيك» [البخاري- الفتح 6 (3464). ومسلم (2964) واللفظ له] .
5- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ قال: «إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من رضوان اللّه، لا يلقي لها بالا يرفعه اللّه بها درجات، وإنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من سخط اللّه لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنّم» [البخاري- الفتح 11 (6478) ] .
6- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّي لأعرف غضبك ورضاك» قالت: قلت: كيف تعرف ذاك يا رسول اللّه؟ قال: «إنّك إذا كنت راضية قلت: بلى وربّ محمّد، وإذا كنت ساخطة قلت: لا وربّ إبراهيم». قالت: قلت: أجل، لا أهجر إلّا اسمك. [البخاري- الفتح 10 (6078) ] .
7- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «تعس عبد الدّينار وعبد الدّرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش.طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل اللّه أشعث رأسه، مغبرّة قدماه، إن كان في الحراسة، كان في الحراسة، وإن كان في السّاقة كان في السّاقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفّع» [البخاري- الفتح 6 (2887) ] .
8- عن عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «رضا الرّبّ في رضا الوالد، وسخط الرّبّ في سخط الوالد» [الترمذي (1899) وصححه الألباني صحيح الترمذي (1549) والحاكم في المستدرك (4/ 152) واللفظ متفق عليه عندهما وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي] .
9- عن أسماء بنت يزيد- رضي اللّه عنها- قالت: لمّا توفّي ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إبراهيم، بكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له المعزّي: (إمّا أبو بكر وإمّا عمر): أنت أحقّ من عظّم اللّه حقّه، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرّبّ. لولا أنّه وعد صادق وموعود جامع، وأنّ الآخر تابع للأوّل لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل ممّا وجدنا. وإنّا بك لمحزونون» [مسلم (2315). وابن ماجة (1589) واللفظ له] .
10- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من التمس رضا اللّه بسخط النّاس كفاه اللّه مؤونة النّاس. ومن التمس رضا النّاس بسخط اللّه وكله اللّه إلى النّاس» [الترمذي (4/ 2414) وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي (1967) وهو في الصحيحة (2311). وحسّنه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «موارد الظمآن» رقم (1542) ] .
11- عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من أعان على خصومة بظلم (أو يعين على ظلم) لم يزل في سخط اللّه حتّى ينزع » [ابن ماجة (2320) واللفظ له. وأبو داود (3598). والألباني في صحيح أبي داود (3066) ] .
آثار
1- قال لقمان لابنه: أوصيك بخصال تقرّبك من اللّه وتباعدك من سخطه: أن تعبد اللّه لا تشرك به شيئا، وأن ترضى بقدر اللّه فيما أحببت وكرهت. [مدارج السالكين لابن القيم (2/ 229) ] .
2- عن الحسن البصريّ- رحمه اللّه- قال: الإيمان من خشي اللّه بالغيب، ورغب فيما رغب اللّه فيه، وزهد فيما أسخط اللّه. [الدر المنثور للسيوطي (7/ 20) ] .
3- قال العمريّ الزّاهد: إنّ من غفلتك عن نفسك، وإعراضك عن اللّه أن ترى ما يسخط اللّه فتتجاوزه ولا تأمر فيه، ولا تنهى عنه، خوفا ممّن لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا. [الجواب الكافي لابن القيم (ص 55) ] .
أشعار
1- قال عبد اللّه بن معاوية بن جعفر:
وعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة *** كما أنّ عين السّخط تبدي المساويا
2- وقال آخر:
لم أرض عن نفسي مخافة سخطها *** ورضا الفتى عن نفسه إغضابها ولوانّني عنها رضيت لقصّرت *** عمّا تزيد بمثله آدابها وتبيّنت آثار ذاك فأكثرت ***عذلي عليه فطال فيه عتابها [أدب الدنيا والدين للماوردي (230) ] .
3- قال الشاعر:
امنع جفونك أن تذوق مناما *** وذر الدموع على الخدود سجاما وأعلم بأنك ميَّتٌ ومحاسب *** يا من على سخط الجليل قد أقاما لله قومٌ أخلصوا في حبه *** فرضي بهم واختصهم خُداما قومٌ إذا جنَّ الظلام عليهم *** باتوا هنالك سُجدا وقياما [المنتخب من الشعر والبيان لأمير بن محمد المدري ص 87]
4- وقال آخر:
كن عن همومك معرضاً *** وكل الأمور إلى القضا وابشر بخـيرٍ عـاجـلٍ *** تنسى به ما قد مضـى فلربَّ أمرٍ مـسـخـطٍ *** لك في عواقبه الرِّضـا [المنتخب من الشعر والبيان لأمير بن محمد المدري ص 207]