[♦Җ♦] التواضع نعمة لا يفطن لها الحاسد [♦Җ♦]
التواضع مأخوذ من مادة (وضع)، التي تدل على الخفض للشيء وحطه، يقال: وضعته بالأرض وضعا، ووضعت المرأة ولدها.
وأما في الاصطلاح فهو: إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه.
وقيل: هو تعظيم من فوقه لفضله.
وفي (مدارج السالكين: 2/329): قال الجنيد بن محمد رحمه الله: "التواضع هو خفض الجناح ولين الجانب".
وفيه (2/329) : "سئل الفضيل بن عياض- رحمه الله عن التواضع؟ فقال: يخضع للحق، وينقاد له ويقبله ممن قاله، ولو سمعه من صبي قبله، ولو سمعه من أجهل الناس قبله. وقال أبو يزيد البسطامي: هو أن لا يرى لنفسه مقاما ولا حالا، ولا يرى في الخلق شرا منه. وقال ابن عطاء: هو قبول الحق".
وسئل الحسن البصري رحمه الله عن التواضع. فقال: "التواضع أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلما إلا رأيت له عليك فضلا" (الإحياء: 3/342).
1- قَالَ الله تَعَالَى : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 215].
2- قال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ } [المائدة:54].
3- قال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات:12].
4- قال تَعَالَى : { فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [النجم:32].
5- قال تَعَالَى : { وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عنكم جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } [الأعراف: 48-49].
عن عِيَاضِ بنِ حمارٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أحَدٌ عَلَى أحَدٍ، وَلاَ يَبْغِي أحَدٌ عَلَى أحَدٍ) رواه مسلم.
عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ،وَمَا زادَ اللهُ عَبْداً بعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ) رواه مسلم.
عن أنس رضي الله عنه: أنَّهُ مَرَّ عَلَى صبيَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وقال: كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يفعله. متفقٌ عَلَيْهِ.
وعنه، قَالَ: إن كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إمَاءِ المَدينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءتْ. رواه البخاري.
عن الأَسْوَدِ بن يَزيدَ، قَالَ: سُئِلَتْ عائشةُ رضي الله عنها مَا كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قالت: كَانَ يَكُون في مِهْنَةِ أهْلِهِ - يعني: خِدمَة أهلِه - فإذا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ. رواه البخاري.
عن أَبي رِفَاعَةَ تَميم بن أُسَيْدٍ رضي الله عنه، قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يخطب، فقلت: يَا رسول الله، رَجُلٌ غَريبٌ جَاءَ يَسْألُ عن دِينهِ لا يَدْرِي مَا دِينُهُ؟ فَأقْبَلَ عَليَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَيَّ، فَأُتِيَ بِكُرْسيٍّ، فَقَعَدَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأتَمَّ آخِرَهَا. رواه مسلم.
عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أكَلَ طَعَاماً، لَعِقَ أصَابِعَهُ الثَّلاَثَ. قَالَ: وقال: (إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِط عنها الأَذى، وليَأكُلْها وَلاَ يَدَعْها لِلشَّيْطان) وأمرَ أن تُسلَتَ القَصْعَةُ، قَالَ: (فإنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ في أيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَة) رواه مسلم.
عن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (مَا بَعَثَ الله نَبِيّاً إِلاَّ رَعَى الغَنَمَ) قَالَ أصْحَابُهُ: وَأنْتَ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ، كُنْتُ أرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ) رواه البخاري.
عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُراعٍ أَوْ ذِرَاعٍ لأَجَبْتُ، ولو أُهْدِيَ إِلَيَّ ذراعٌ أَوْ كُراعٌ لَقَبِلْتُ) رواه البخاري.
عن أنس رضي الله عنه، قَالَ: كَانَتْ ناقةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم العضْبَاءُ لاَ تُسْبَقُ، أَوْ لاَ تَكَادُ تُسْبَقُ، فَجَاءَ أعْرَابيٌّ عَلَى قَعودٍ لَهُ، فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ، فَقَالَ: (حَقٌّ عَلَى اللهِ أنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ) رواه البخاري.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ، فَلاَ يَرُدَّهُ، فَإنَّهُ خَفيفُ المَحْمِلِ، طَيِّبُ الرِّيحِ). رواه مسلم.
عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَرُدُّ الطِّيبَ. رواه البخاري.
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: " وجدنا الكرم في التقوى، والغنى في اليقين، والشرف في التواضع " إحياء علوم الدين.
قال عمر رضي الله عنه: " إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته " إحياء علوم الدين.
وقال رضي الله عنه: " انتعش رفعك الله، وإذا تكبر وعدا طوره رهصه الله في الأرض " إحياء علوم الدين.
وقال رضي الله عنه: " اخسأ خسأك الله؛ فهو في نفسه كبير، وفي أعين الناس حقير، حتى إنه لأحقر عندهم من الخنزير " إحياء علوم الدين.
قالت عائشة رضي الله عنها: " إنكم لتغفلون عن أفضل العبادات: التواضع " إحياء علوم الدين.
قال جرير بن عبد الله: انتهيت مرة إلى شجرة تحتها رجل نائم قد استظل بنطع له وقد جاوزت الشمس النطع فسويته عليه، ثم إن الرجل استيقظ فإذا هو سلمان الفارسي، فذكرت له ما صنعت فقال لي: " يا جرير تواضع لله في الدنيا فإنه من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة " إحياء علوم الدين.
قال عبدالله بن المبارك: " رأس التواضع: أن تضع نفسك عند من دونك في نعمة الدنيا؛ حتى تعلمه أنه ليس لك بدنياك عليه فضل، وأن ترفع نفسك عمن هو فوقك في الدنيا؛ حتى تعلمه أنه ليس له بدنياه فضل عليك " إحياء علوم الدين.
قال يوسف بن أسباط: " يجزئ قليل الورع من كثير العمل، ويجزى قليل التواضع من كثير الاجتهاد " إحياء علوم الدين.
قال الفضيل وقد سئل عن التواضع ما هو؟ فقال: " أن تخضع للحق وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبلته، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته " إحياء علوم الدين.
قال أيضاً: " من أحب الرياسة لم يفلح أبداً " إحياء علوم الدين.
قال قتادة: " من أعطى مالاً أو جمالاً أو ثياباً أو علماً، ثم لم يتواضع فيه - كان عليه وبالاً يوم القيامة " إحياء علوم الدين.
قال بشر بن الحارث: " ما رأيتُ أحسنَ من غنيّ جالسٍ بين يدَي فقير ".
قال كعب: " ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله، وتواضع بها لله - إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا، ورفع بها درجة في الآخرة، وما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فلم يشكرها، ولم يتواضع بها لله - إلا منعه الله نفعها في الدنيا، وفتح له طبقاً من النار؛ يعذبه إن شاء الله، أو يتجاوز عنه " إحياء علوم الدين.
قيل لعبد الملك بن مروان: أي الرجال أفضل؟ قال: " من تواضع عن قدرة وزهد عن رغبة وترك النصرة عن قوة " إحياء علوم الدين.
قال بعض السلف: " من تكبَّر بعلمه وترفَّع وضعه الله، ومن تواضع بعلمه رفعه الله به " أدب الدنيا والدين.
دخل ابن السماك على هارون فقال: " يا أمير المؤمنين إن تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك "، فقال: ما أحسن ما قلت! فقال: " يا أمير المؤمنين إن امرأ أتاه الله جمالاً في خلقته، وموضعاً في حسبه، وبسط له في ذات يده؛ فعف في جماله، وواسى من ماله، وتواضع في حسبه - كُتِب في ديوان الله من خالص أولياء الله، فدعا هارون بدواة وقرطاس وكتبه بيده " إحياء علوم الدين.
قال بعضهم: " كما تكره أن يراك الأغنياء في الثياب الدون فكذلك فاكره أن يراك الفقراء في الثياب المرتفعة " إحياء علوم الدين.
روي أنه خرج يونس وأيوب والحسن يتذاكرون في التواضع، فقال لهم الحسن: " أتدرون ما التواضع؟ التواضع: أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلماً إلا رأيت له عليك فضلاً " إحياء علوم الدين.
قال مجاهد: " إن الله تعالى لما أغرق قوم نوح عليه السلام شمخت الجبال وتطاولت وتواضع الجودي فرفعه الله فوق الجبال وجعل قرار السفينة عليه " إحياء علوم الدين.
قال يونس بن عبيد وقد انصرف من عرفات: " لم أشك في الرحمة لولا أني كنت معهم إني أخشى أنهم حرموا بسببي " إحياء علوم الدين.
يقال: " أرفع ما يكون المؤمن عند الله أوضع ما يكون عند نفسه، وأوضع ما يكون عند الله أرفع ما يكون عند نفسه " إحياء علوم الدين.
يقال: " من يرى لنفسه قيمة - فليس له من التواضع نصيب " إحياء علوم الدين.
قال الشافعي: " أرفعُ الناس قدرًا من لا يرى قدرَه، وأكبر النّاس فضلاً من لا يرى فضلَه " سير أعلام النبلاء.
قال رحمه الله: " إذا أنت خفت على عملك العجب – فانظر رضا من تطلب، وفي أي ثواب ترغب، ومن أي عقاب ترهب، وأي عافية تشكر، وأي بلاء تذكر؛ فإنك إذا تفكرت في واحدة من هذه الخصال، صغر في عينك عملك " إحياء علوم الدين.
قال زياد النمري: " الزاهد بغير تواضع كالشجرة التي لا تثمر " إحياء علوم الدين.
قال أبو حاتم: " الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر، ولو لم يكن في التواضع خصلة تحمله إلا أن المرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة لكان الواجب عليه أن لا يتزيا بغيره " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لأبي حاتم البستي.
قال الغزالي: " اعلم أن الثوب الجيد ليس من ضرورته التكبر في حق كل أحد في كل حال، كما أن الثوب الدون قد لا يكون من التواضع، وعلامة المتكبر أن يطلب التجمل إذا رآه الناس ولا يبالي إذا انفرد بنفسه كيف يكون، وعلامة طالب الجمال أن يحب الجمال في كل شيء حتى في خلوته وحتى في ستور داره " إحياء علوم الدين.
قال أبو علي الجوزجاني: " النفس معجونة بالكبر والحرص على الحسد، فمن أراد الله هلاكه منع منه التواضع والنصيحة والقناعة، وإذا أراد الله تعالى به خيراً لطف به في ذلك، فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التواضع من نصرة الله تعالى " إحياء علوم الدين.
قال عروة بن الزبير رضي الله عنهما: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ينبغي لك هذا. فقال: " لما أتاني الوفود سامعين مطيعين - القبائل بأمرائها وعظمائها - دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها ".
قال رجل لعمر رضي الله عنه: اتق الله، فقيل للرجل: كيف تقول لأمير المؤمنين اتق الله؟ فقال لهم عمر: دعوه والله لا خير فيكم إن لم تقولوها لنا، ولا خير فينا إن لم نقبلها منكم.
روى حماد بن زيد عن أيوب قال : قيل لعمر بن عبد العزيز : يا أمير المؤمنين لو أتيت المدينة ، فإن قضى الله موتا ، دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : والله لأن يعذبني الله بغير النار أحب إلي من أن يعلم من قلبي أني أراني لذلك أهلاً.
قال موسى بن القاسم: كانت عندنا زلزلة، وريح حمراء، فذهبت إلى محمد بن مقاتل، فقلت: يا أبا عبد الله أنت إمامنا، فادع الله عز وجل لنا، فبكى، ثم قال: ليتني لم أكن سبب هلاككم، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال: إن الله عز وجل رفع عنكم بدعاء محمد بن مقاتل.
كان عطاء السلمي إذا سمع صوت الرعد - قام وقعد، وأخذه بطنه؛ كأنه امرأة ماخض، وقال: هذا من أجلي يصيبكم؛ لو مات عطاء لاستراح الناس.
دعا رجل لعبد الله بن المبارك فقال أعطاك الله ما ترجوه، فقال: إن الرجاء يكون بعد المعرفة؛ فأين المعرفة؟!
أتى رجلٌ ميمون بن مهران فقال له: لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما كنتَ فيهم! قال: لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما اتقوا الله ".
تفاخرت قريش عند سلمان الفارسي رضي الله عنه يوماً، فقال سلمان: لكنني خلقت من نطفة قذرة، ثم أعود جيفة منتنة، ثم أتى الميزان؛ فإن ثقُل فأنا كريم، وإن خفَّ فأنا لئيم.
عن عمرو بن شيبة قال: كنت بمكة بين الصفا والمروة فرأيت رجلاً راكباً بغلة وبين يديه غلمان وإذا هم يعنفون الناس، قال: ثم عدت بعد حين فدخلت بغداد فكنت على الجسر، فإذا أنا برجل حاف حاسر طويل الشعر قال: فجعلت أنظر إليه وأتأمله فقال لي: مالك تنظر إلي؟ فقلت له: شبهتك برجل رأيته بمكة، ووصفت له الصفة، فقال له: أنا ذلك الرجل، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال إني ترفعت في موضع يتواضع فيه الناس فوضعني الله حيث يترفع الناس.
من تواضع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- أن المسؤولين أرادوا أن يستبدلوا سيارته الممنوحة من الدولة بأحدث منها فقال لهم: وما عِلَّتُها؟ فقالوا له: انتهت مدتها؛ فماذا تريدون بدلاً عنها يا سماحة الشيخ ؟ فيَسْأَل: وما أنواع السيارات ؟ فيذكر له الكاديلاك، والمرسيدس، والفورد، والبيوك، وغيرها فيقول: والكابرس ؟ فيقال له: لا يليق بمقامك، فيقول: لماذا ؟ أليس القبر واحداً ؟!
طُلب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- تغيير بيته الذي في الطائف؛ لأنه صغير، ومجلسه صغير، ويحتاج إلى زيادة منازل للضيوف ولموظفي مكتب البيت فلم يوافق على ذلك، وقال: فيه بركة.
في عرفة في حج عام 1418هـ كان جالساً في المصلى، ومئات الناس حوله، فجيء له بفاكهة مقطعة؛ لأن عادته في المشاعر في الحج أنه لا يأكل في الغالب إلا الفاكهة، والتمر، واللبن.
فلما وضع أمامه قال: أكُلُّ الحاضرين وضع لهم مثل هذا ؟ قالوا: لا، فقال: أبعدوه، وغضب.
اتصل شاب صغير بسماحة الشيخ، وقال: يا سماحة الشيخ ! الناس بأشد الحاجة إلى علماء يُفتُونهم، وأقترح على سماحتكم أن تجعلوا في كل مدينة مفتياً؛ ليسهل الاتصال.
فقال له سماحة الشيخ: ما شاء الله، أصلحك الله، كم عمرك ؟ فقال: ثلاثة عشر عاماً.
فَكُنْتُ كَمُهْـرِيقِ الذي فِي سِقَائِـهِ *** لِرَاقْـرَاقِ آلٍ فَـوْقَ رَابِيةٍ صَلْـدِ
[العُدَيل بْن الفَرْخ العِجْليّ]
دَلاَّهُـمُ بِغُـرُورٍ ثُـمَّ أَسْلَمَهُـمْ *** إِنَّ الْخَبِيـثَ لِمَـنْ وَالاهُ غَـرَّارُ
وَقَالَ: إِنِّي لَكُـمْ جَـارٌ فَأَوْرَدَهُـمْ *** شَرَّ الْمَوَارِدِ فِيهِ الْخِـزْيُ وَالْعَـارُ
[حسان بن ثابت]
يُعمَّرُ وَاحِـدٌ فَـيَـغُـرُّ قَـوْمًـا *** وَيُنْسَى مَـنْ يَمُوتُ مِنَ الشَّبَابِ
[........]
أَحْسَنْتَ ظَنَّكَ بِالأَيَّـامِ إِذْ حَسُنَتْ *** وَلَمْ تَخَفْ سُوءَ مَا يَأتِي بِهِ الْقَدَرُ
وَسَاعَـدَتْكَ اللَّيَالِي فَاغْتَـرَرْتَ بِهَا *** وَعِنْدَ صَفْوِ اللَّيَالِي يَحْدُثُ الْكَدَرُ
[الشافعي]
أَلا يَا طَوِيـلَ السَّهْوِ أَصْبَحْتَ سَاهيًا *** وَأَصْبَحْتَ مُغْتَرًّا وَأَصْبَحْتَ لاهِيَا
[أبو العتاهية]
لا يَـغُـرَّنْـكَ عِشَـاءٌ سَاكِـنٌ *** قَـدْ يُـوَافِي بِالْمَنيَّاتِ السَّحَـرْ
[........]
عِـشْ مـا بَـدَا لَكَ سَـالِـمًـا *** فِـي ظِـلِّ شَـاهِقَةِ الْقُصُـورِ
يُسْعَـى عَلَيْـكَ بِمَـا اشْتَهَيْـتَ *** لَـدَى الـرَّوَاحِ أَوِ الْبُـكُـورِ
فَـإِذَا النُّـفُـوسُ تَقَعْـقَـعَـتْ *** فِي ظِـلِّ حَشْـرَجَـةِ الصُّـدُورِ
فَهُـنَـاكَ تَـعَـلَـمُ مُـوقِـنًـا *** مَـا كُـنْـتَ إِلاَّ فِـي غُـرُورِ
[أبو العتاهية]
وَلا يَغُـرُّكَ مَـنْ يُبْدِي بَشَاشَتَـهُ *** إِلَيْكَ خَدْعًا فَإِنَّ السُّمَّ فِي الْعَسَلِ
[صلاح الدين الصفدي]
تَوَاضَعْ تَكُنْ كَالنَّجْـمِ لاحَ لِنَاظِـرٍ *** عَلَى صَفَحَاتِ الْمَـاءِ وَهُوَ رَفِيعُ
ولا تَكُ كَالدُّخَّـانِ يَعْلُـو بِنَفْسِـهِ *** إِلَى طَبَقَاتِ الْجَوِّ وَهْـوَ وَضِيـعُ
[.............]
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَزْدَادَ قَـدْرًا وَرِفْعَـةً *** فَلِنْ وَتَوَاضَعْ وَاتْرُكِ الْكِبْرَ وَالْعُجْبَا
[............]
وَكَفَى بِمُلْتَمِـسِ التَّوَاضُـعِ رِفْعَـةً *** وَكَفَى بِمُلْتَمِسِ الْعُلُـوِّ سَفَـالا
[يوسف بن أسباط]
تَواضَعْ لِرَبِّ الْعَـرْشِ عَلَّكَ تُرْفَـعُ *** فَمَا خَابَ عَبْدٌ لِلْمُهَيْمِنِ يَخْضَـعُ
[..............]
وَلا تَمْشِ فَوْقَ الأَرْضِ إِلاَّ تَـوَاضُعًا *** فَكَمْ تَحْتَهَا قَـوْمٌ هُمُ مِنْكَ أَرْفَعُ
فَإِنْ كُنْتَ فِي عِزٍّ وَحِـرْزٍ وَمَنْعَـةٍ *** فَكَمْ مَاتَ مِنْ قَوْمٍ هُمُ مِنْكَ أَمْنَعُ
[الكريزي]
تَوَاضَعْ إِذَا مَا نِلْتَ فِي النَّاسِ رِفْعَـةً *** فَإِنَّ رَفِيـعَ الْقَـوْمِ مَنْ يَتَواضَعُ
[..........]
الْكِبْرُ تُبْغِضُهُ الْكِـرَامُ وَكُـلُّ مَـنْ *** يُبْدِي تَوَاضُعَـهُ يُحَبُّ وَيُحْمَـدُ
خَيْرُ الدَّقِيـقِ مِـنَ الْمَنَاخِـلِ نَازِلٌ *** وَأَخَسُّهُ وَهْـي النًّخَالَـةُ تُعْصَـدُ
[فتيان الشاغوري]
كَـمْ جَـاهِـلٍ مُـتَـواضِــعٍ *** سَـتَـرَ التَّـوَاضُـعُ جَهْـلَـهُ
[أحمد بن محمد الواسطي]
1- من تطاول على الخلق قصر عند الخالق، ومن تعالى على العباد سقط من عين المعبود.
2- ما شمَّ رائحة المعرفة من افتخر بأبيه وأمه وخاله وعمه وماله ورجاله، ليس على الله شيئاً من رأى نفسه.
3- العلم نور، والتواضع سرور.
4- إن الزرع ينبت في السهل، ولا ينبت في الصفا، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع، ولا تعمر في قلب المتكبر.
5- من أثبت لنفسه تواضعاً – فهو المتكبر حقاًُ؛ إذ ليس التواضع إلا عن رفعة، فمتى أثبتَّ لنفسك تواضعاً – فأنت متكبر.
6- ليس المتواضع الذي إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع، ولكن المتواضع الذي إذا تواضع رأى الناس أنه دون ما صنع.
7- التواضع نعمة لا يفطن لها الحاسد.
8- كلما شعرت بأنك ترتفع وتكبر جاهاً أو مالاً أو سلطاناً تواضع، وخاصة لمن عرفوك قبلاً.
9- الإفراط في التواضع يجلب المذلة.
10- وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
11- على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
قال الله تبارك وتعالى : "أذلةً على المؤمنين".
وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : "واختفض جناحك للمؤمنين".
وقال قتادة في تفسير قوله تعالى: "وبشر المخبتين" قال: هم المتواضعون.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل على الأرض متواضعا.
وقال أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المريض ويتبع الجنائز ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار، ولقد رأيته يوم حنين على حمار، خطامه ليف.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن العفو لا يزيد البعد إلا عزا فاعفوا يعزكم الله، وإن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله، وإن الصدقة لا تزيد المال إلا نماء فتصدقوا يزدكم الله".
وقال عروة ابن الزبير: التواضع أحد مصايد الشرف، وفي لفظٍ "سلم الشرف".
وقال جعفر بن محمد: رأس الخير التواضع، فقيل له: وما التواضع؟ فقال: أن ترضى من المجلس بدون شرفك وأن تسلم على من لقيت، وأن تترك المراء وإن كنت محقاً.
وعن علي رضي الله عنه ولم يذكر المراء فيه وزاد فيه: وتكره الرياء والسمعة.
وقيل: ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة،
وقيل: التواضع نعمة لا يفطن لها الحاسد،
وقيل: التواضع كالوهدة يجتمع فيها قطرها وقطر غيرها.
وقال عبد الله بن المعتز: متواضع العلماء أكثرهم علما، كما أن المكان المنخفض أكثر الأماكن ماءً.
وكان يحيى بن خالد يقول: لست أرى أحدا تواضع في إمارة إلا وهو في نفسه أكبر مما نال من سلطانه.
ومن التواضع المأثور ما روي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر ويده على المعلى بن الجارود فلقيته امرأة من قريش، فقالت له: يا عمر، فوقف لها، فقالت له: كنا نعرفك مرة عميرا ثم صرت بعد عميرٍ عمر ثم صرت بعد عمر أمير المؤمنين فاتق الله يا بن الخطاب، فانظر في أمور الناس، فإنه من خاف الوعيد، قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت، خشي الفوت، فقال لها المعلى، إيهاً، إليك يا أمة الله لقد أبكيت أمير المؤمنين، فقال له عمر أتدري من هذه؟ ويحك! هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من سمائه، فعمر أحرى أن يسمع قولها ويقتدي به.
وقال عدي بن أرطاة لإياس بن معاوية: إنك لسريع المشية، قال: ذلك أبعد من الكبر وأسرع من الحاجة.
وقال عمر رضي الله عنه وقد قيل له مثل هذا: أنجح للحاجة وأبعد من الكبر. أما سمعت قوله عز وجل؟ واقصد في مشيك واغضض
من صوتك.
وقد مدح الشعراء أهل التواضع، فمن ذلك قول أبي تمام حبيب:
متبذلٌ في القوم وهو مبجلٌ متواضع في الحي وهو معظم
وقال آخر:
متواضع والنبل يحرس قدره وأخو النباهة بالنباهة ينبل
وقال البحتري:
دنوت تواضعا وعلوت مجدا فشأناك انحدارٌ وارتفاع
كذلك الشمس تبعد أن تسامي ويدنو الضوء منها والشعاع
وقال أبو محمد التيمي:
تواضع لما زاده الله رفعةً وكل رفيع قدره متواضع
وقال آخر:
دنوت تواضعا وعلوت قدرا ففيك تواضعٌ وعلو شان
ثمراته
للتواضع ثمار عديدة ، منها:
أن الله يحب أهله :
قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
ولم يمدح الذل في كتاب الله إلا في موضعين، الذل للمؤمنين، والذل للوالدين، قال تعالى : { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }
.
وهو سبيل إبقاء النعم :
قال كعب رضي الله عنه : "ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله وتواضع بها لله إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا، ورفع بها درجة في الآخرة " .
الإكرام في الآخرة :
في مسند أحمد وسنن الترمذي عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك اللباس تواضعا لله، وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها».
الرفعة :
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يقول الله تبارك وتعالى: من تواضع لي هكذا -وجعل يزيد باطن كفه إلى الأرض وأدناها- رفعته هكذا -وجعل باطن كفه إلى السماء ورفعها نحو السماء-» [رواه أحمد والبزار].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» [رواه مسلم].
وثبت عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلا فِي رَأْسِهِ حَكَمة بِيَدِ مَلَكٍ, فَإِذَا تَوَاضَعَ قِيلَ لِلْمَلَكِ: ارْفَعْ حَكَمَته, وَإِذَا تَكَبَّرَ قِيلَ لِلْمَلَكِ: ضَعْ حكمته» [الطبراني].
فكما يحسُن سير البعير إذا رفعت الحكمة عنه فكذلك من تواضع أسرع في سيره إلى ربه، والعكس بالعكس.
الجنة :
قال تعالى : { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ... أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا } . والغرفة: الجنة.
وقال : { تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }
"قال ابن جُرَيْج : { لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ} : تعظمًا وتجبرًا ، { وَلا فَسَادًا } : عملا بالمعاصي" [تفسير ابن كثير (6/258)].
وفي الصحيحين قولُ نبينا صلى الله عليه وسلم : «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ»؟ قَالُوا: بَلَى. فقَالَ: «كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ».
قال النووي رحمه الله: "ضَبَطُوا قَوْله «مُتَضَعَّف» بِفَتْحِ الْعَيْن وَكَسْرهَا، الْمَشْهُور الْفَتْح، وَلَمْ يَذْكُر الْأَكْثَرُونَ غَيْره، وَمَعْنَاهُ: يَسْتَضْعِفهُ النَّاس وَيَحْتَقِرُونَهُ وَيَتَجَبَّرُونَ عَلَيْهِ لِضَعْفِ حَاله فِي الدُّنْيَا، يُقَال: تَضَعَّفَه وَاسْتَضْعَفَهُ، وَأَمَّا رِوَايَة الْكَسْر فَمَعْنَاهَا: مُتَوَاضِع مُتَذَلِّل خَامِل وَاضِع مِنْ نَفْسه".
وعن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو بريء من الكبر، والغلول، والدين، دخل الجنة» [رواه الترمذي].