الجنس : العمر : 41 المدينة المنورة التسجيل : 16/01/2012عدد المساهمات : 33
موضوع: ║Җ║ التفرق .. عقوبة من عقوبات الله ║Җ║ السبت 17 مارس 2012, 8:39 pm
♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦
║Җ║ التفرق .. عقوبة من عقوبات الله ║Җ║
♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦
الإسلام دين جماعة ، لا دين تفرّق واختلاف ، فليس فيه تفرّق وأحزاب ، وجماعات وجمعيات متفرقة { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (سورة آل عمران ، 105) .
فالمطلوب من المسلمين أن يكونوا أمة واحدة ، على منهج واحد ، وعلى دين واحد ، وعلى ملة واحدة ، كالبنيان المرصوص ، يشد بعضه بعضاً ، وكالجسد إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، ولا يكون ذلك إلا بعقيدة التّوحيد ، أما التفرّق والاختلاف والتناحر والتهاجر والتباغض والتنابُذ بين الجماعات وبين الفرق ، فهذا ليس من دين الإسلام ، وهذا يكون مع فساد العقيدة : { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } (سورة الأنعام، 159) .
نعم قد يوجد الاختلاف في الاجتهاد ، ولكن هذا الاختلاف يحسم بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، فالمخطئ يرجع ، والمصيب يثبت ، قال تعالى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } (سورة النساء، 59).
1- عن معاوية بن أبي سفيان- رضي اللّه عنه- قال : قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، فقال : « ألا إنّ من قبلكم من أهل الكتاب ، افترقوا على ثنتين وسبعين ملّة ، وإنّ هذه الملّة ستفترق على ثلاث وسبعين : ثنتان وسبعون في النّار، وواحدة في الجنّة، وهي الجماعة ». زاد في رواية : « وإنّه سيخرج في أمّتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء ، كما يتجارى الكلب بصاحبه ، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلّا دخله » [أبو داود (4597) واللفظ له. وأحمد (4/ 102). برقم (16940) وقال محقق جامع الأصول (10/ 32): إسناده صحيح وقال الألباني (3/ 3843): حسن] .
2- عن عليّ- رضي اللّه عنه- قال : أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن أبيع أخوين من السّبي ، فبعتهما ، ثمّ أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته ببيعهما . فقال : « فرّقت بينهما ؟ » قلت : نعم، قال : « فارتجعهما ثمّ بعهما ولا تفرّق بينهما » [الترمذي (1284). وابن ماجة (2249). وأحمد (760) وقال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح. والهيثمي في المجمع (4/ 107) وقال : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. والحاكم في المستدرك (2/ 125) واللفظ له وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وله إسناد آخر عن الحكم بن عتيبة صحيح أيضا على شرطهما ] .
3- عن جابر- رضي اللّه عنه- قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : « إنّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثمّ يبعث سراياه. فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا. فيقول : ما صنعت شيئا. قال : ثمّ يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتّى فرّقت بينه وبين امرأته. قال : فيدنيه منه ويقول : نعم أنت » [مسلم (2813) ] .
4- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : « إنّ اللّه يرضى لكم ثلاثا ، ويكره لكم ثلاثا . فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا . وأن تعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرّقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السّؤال . وإضاعة المال » [مسلم (1715) ] .
5- عن عرفجة- رضي اللّه عنه- قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : « إنّه ستكون هنات وهنات . فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الأمّة ، وهي جميع، فاضربوه بالسّيف ، كائنا من كان » [مسلم (1852) ] .
6- عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال : خطّ لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطّا ثمّ قال : « هذا سبيل اللّه » ، ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله ثمّ قال : « هذه سبل »- قال يريد : متفرّقة- « على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه ، ثمّ قرأ: { وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }[الأنعام: 103]» [أحمد (435، 465) وصححه الشيخ أحمد شاكر (4142، 4437)، وابن حبان (1741) موارد الظمآن، والحاكم (2/ 318) وأقره الذهبي ] .
7- عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- قال : خطبنا عمر بالجابية فقال : يا أيّها النّاس إنّي قمت فيكم كمقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فينا فقال : « أوصيكم بأصحابي ، ثمّ الّذين يلونهم ، ثمّ الّذين يلونهم ، ثمّ يفشو الكذب حتّى يحلف الرّجل ولا يستحلف ، ويشهد الشّاهد ولا يستشهد ، ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان ، عليكم بالجماعة ، وإيّاكم والفرقة ، فإنّ الشّيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ، من أراد بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة ، من سرّته حسنته وساءته سيّئته فذلك المؤمن » [الترمذي (2165) وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقد رواه ابن المبارك عن محمد بن سوقة وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ] .
8- عن عبد الرّحمن بن غنم يبلغ به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «خيار عباد اللّه الّذين إذا رؤوا ذكر اللّه، وشرار عباد اللّه المشّاءون بالنّميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون للبرآء العنت » [أحمد (4/ 227) ونحوه عن أسماء بنت يزيد (6/ 459)، وفي سندهما شهر بن حوشب قال فيه الهيثم: قد وثقه غير واحد، وبقية رجالهما رجال الصحيح (مجمع الزوائد 8/ 93) ] .
9- عن أبي إدريس الخولانيّ يقول: سمعت حذيفة بن اليمان- رضي اللّه عنهما- يقول: كان النّاس يسألون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الخير، وكنت أسأله عن الشّرّ، مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول اللّه إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ، فجاءنا اللّه بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال: «نعم»، فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: «نعم، وفيه دخن » قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي، ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر». فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم. دعاة على أبواب جهنّم. من أجابهم إليها قذفوه فيها» فقلت: يا رسول اللّه! صفهم لنا. قال: «نعم، قوم من جلدتنا، ويتكلّمون بألسنتنا» قلت: يا رسول اللّه! فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها، ولو أن تعضّ على أصل شجرة، حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك» [البخاري- الفتح 6 (3606) ومسلم (1847) واللفظ له ] .
10- عن عبد اللّه- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يحلّ دم امرىء مسلم ، يشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّي رسول اللّه، إلّا بإحدى ثلاث: الثّيّب الزّاني والنّفس بالنّفس والتّارك لدينه ، المفارق للجماعة» [البخاري- الفتح 12 (6878) ومسلم (1676) واللفظ له ] .
11- عن عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما- عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «لا يحلّ لرجل أن يفرّق بين اثنين إلّا بإذنهما» [أبو داود (4845) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 918): حسن صحيح. وهو عند البخاري 2 (910) ] .
12- عن جابر- رضي اللّه عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّ الشّيطان قد أيس أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب، ولكن في التّحريش بينهم » [مسلم (2812) ] .
♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦
آثار عن الصحابة والسلف الصالح حول فهمهم للتفرق ومخاطره
1- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- في قوله تعالى : { وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }[الأنعام: 153 ] وفي قوله : { أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [الشورى: 13] ... قال : أمر اللّه المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتّفرقة. [تفسير ابن كثير (2/ 191) ] .
2- قال ابن كثير- رحمه اللّه-: قوله تعالى { وَلا تَفَرَّقُوا} أمرهم بالجماعة، ونهاهم عن التّفرقة. [تفسير ابن كثير (1/ 390) ] .
3- وقال أيضا : خيف عليهم الافتراق والاختلاف فقد وقع ذلك في هذه الأمّة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة : منها فرقة ناجية إلى الجنّة، ومسلّمة من عذاب النّار، وهم الّذين على ما كان عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه. [تفسير ابن كثير (1/ 390) ] .
1- قال بعضهم : وجدت مصيبات الزّمان جميعها *** سوى فرقة الأحباب هيّنة الخطب . [الإحياء (2/ 182) ] .
2- وقال آخر : إن اللبيب إذا تفرق أمره *** فتق الأمور مناظرا ومشاورا وأخو الجهالة يستبد برأيه *** فتراه يعتسف الأمور مخاطرا [المنتخب من الشعر والبيان لأمير بن محمد المدري ص46] .
♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦
طريق الخلاص من الفرقة والاختلاف
ومن المعلوم أن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هي الجماعة، والجماعة هم الذين يسيرون وفق منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، لا يعدلون عن ذلك ولا يحيدون عنه يمينًا أو شمالًا.
قال الشاطبي -رحمه الله- في الاعتصام : " إن الجماعة ما كان عليه النبي وأصحابه والتابعون لهم بإحسان " . فطريق الخلاص هو اتباع منهج أهل السنة والجماعة قولًا وعملًا واعتقادًا ، وعدم مخالفتهم أو الشذوذ عنهم . قال تعالى : { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } (سورة النساء، 115).
♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦
لزوم جماعة المسلمين من أجلّ المقاصد الشرعية
ومعلوم أن وحدة الأمة الإسلامية، ولزوم جماعة المسلمين، وعدم التفرق من أجلِّ المقاصد الإسلامية، وأسمى الغايات الدينية، قال الله تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } (سورة آل عمران، 103).
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: " إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تُشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيلَ وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال " .
قال النووي - رحمه الله-: " وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: ولا تفرقوا، فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين، وتأليف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام " .
وفي حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم ".
التفرق هو نقض لأساسٍ من أسس الشريعة ، فإن الشريعة جاءت بوحدة المسلمين ، ولهذا كان الخطاب في القرآن الكريم جماعيًّا ، وما لا يحصى من الآيات : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } (سورة البقرة، 104)، { وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (سورة العصر)، ومعظم أحكام الشريعة لا يمكن تنفيذها إلا من خلال وحدة واجتماع.
كيف تستطيع أن تطبق الأخلاق الإسلامية ، وتعرف إن كنت صبورًا ، أو كنت حليمًا ، أو كنت كريمًا ، أو كنت شجاعًا ، إلا من خلال الاختلاط بالناس ؟
كيف تستطيع أن تؤدي شعائرك ، فتصلي وتصوم ، أو تحج أو تعتمر إلا من خلال الاختلاط بالناس ؟
إذًا : التفرق اتباع لسنة أهل الكتاب ، ومخالفة لما تقتضيه العقول السليمة والبصائر المستقيمة ، وهو نقض لأساس من أسس الشريعة .
قال ابن كثير -رحمه اللّه-: قوله تعالى { وَلَا تَفَرَّقُوا } ( آل عمران: 103) أمرهم بالجماعة ، ونهاهم عن التّفرقة.
وقال أيضا : « خيف عليهم الافتراق والاختلاف، فقد وقع ذلك في هذه الأمّة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة : منها فرقة ناجية إلى الجنّة، ومسلّمة من عذاب النّار، وهم الّذين على ما كان عليه النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- وأصحابه».
(1) نهى اللّه عن التّفرّق في كلّ صوره؛ لأنّه يشلّ حركة المجتمع المسلم ويوهن المسلمين ويضعفهم. (2) الحذر من الكافرين؛ لأنّهم يفرّقون بين اللّه ورسله، ويؤمنون ببعض الرّسل ويكفرون ببعض. (3) سبيل اللّه واحدة، وسبل الشّيطان متفرّقة، فمن تبعها فقد ضلّ وغوى. (4) اتّباع الأهواء يفرّق، والحبّ والإخاء يجمّع، فلينظر كلّ واحد ماذا يعمل. (5) الاتّحاد قوّة، والتّفرّق وهن وضعف. (6) وهو دليل خبث النّفس وسوء الطّويّة. (7) طريق موصل إلى النّار وسخط الجبّار.
♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦
أسباب الفرقة والاختلاف
إنَّ المتأمل في أسباب الفرقة والاختلاف يجد أن أبرزها ثلاثة أسباب : الابتداع، واتِّباع الهوى، والتَّعصب والتَّجزُّب".
1- الابتداع.
والابتداع هو: ما خالف الكتاب والسُّنَّة أو إجماع سلف الأمَّة، من الاعتقادات والعبادات، وكلُّ من دان بشيءٍ لم يشرعه الله، فذاك بدعةٌ، وإن كان متأولُا فيه.
وإنَّ ممَّا لا شك فيه أنَّ للبدعة أثرًا كبيرًا في إلقاء العداوة، والبغضاء بين أهل الإسلام، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والبدعة مقرونةٌ بالفرقة، كما أنَّ السُّنَّة مقرونةٌ بالجماعة".
وزيادةٌ على أنَّ البدعة تورِّث العداوة والبغضاء بين النَّاس، فهي تورِّث أهلها الخزي في الدُّنيا، والعذاب في الآخرة، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- عند قوله -تعالى-: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [ آل عمران: 106]. قال: "تبيضُّ وجوه أهل السُّنَّة والجماعة، وتسودُّ وجوه أهل البدعة".
وفي الحديث الصَّحيح: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌّ» [متفقٌ عليه]. وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "الاقتصاد في السُّنَّة خيرٌ من الاجتهاد في البدعة".
ومن هنا يتبيَّن لنا أنَّ البدع هي سببُ كلِّ بلاءٍ، وعلَّةُ كلِّ فتنةٍ، فقد كان المسلمون أمَّةً واحدةً وجماعةً واحدةً، متآلفين على عقيدةٍ واحدةٍ، ومنهجٍ واحدٍ، على أيَّام رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ثمَّ في خلافة أبي بكر وعمر، وبعد مقتل الخليفة الثَّاني بدأت الفتنة تطلُّ برأسها، ولا زال أهل الشَّرِّ يسعون في الغواية حتَّى قُتل عثمان -رضي الله عنه- فتوالت الفتن، وتتابعت، وبدأت فرق الأهواء والبدع في الظِّهور، فتفرَّقت الكلمة، وبدأ الانشقاق عن جماعة المسلمين ولا حول ولا قوَّة إلا بالله!
2- اتباع الهوى
وهو في اللغة: "محبة الإنسان للشَّيء، وغلبته على قلبه". وفي الاصطلاح: "ميلان النَّفس إلى ما تستلذه من الشَّهوات من غير داعيةِ الشَّرع".
واتباع الهوى من أهم أسباب نشأة كثيرٍ من الفرق الضَّالَّة، والطَّوائف المنحرفة؛ لأنَّ أصحاب هذه الفرق قدموا أهواءهم على الشَّرع أولًا، ثمَّ حاولوا جاهدين أن يستدلوا بالشَّريعة على أهوائهم، وحرَّفوا النُّصوص والأدلَّة؛ لتوافق ما هُم عليه من البدع، فلم يأخذوا الأدلَّة الشَّرعيَّة مأخذ الافتقار إليها، بل اعتمدوا على آرائهم وعقولهم في تقرير ما هُم عليه، ثمَّ جعلوا الشَّريعة مصدرًا ثانويًّا، نظروا فيها بناءً على ما قرَّروه وأصَّلوه، ولأجل ذلك كان السَّلف يطلقون على أهل البدع، وفرق الضَّلالة لفظة: "أهل الأهواء".
وإنَّ جميع البدع والمعاصي الَّتي تنتشر في المجتمعات إنَّما تنشأ من تقديم هوى النُّفوس على ما في كتاب الله -تعالى- وسُنَّة رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم، ولذا جاء التَّحذير في الكتاب والسُّنَّة من اتباع الهوى، فقال -سبحانه-: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]، وقال -تعالى-: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].
وثبت في الحديث الصَّحيح: «اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء» [رواه التِّرمذي 3591 وصحَّحه الألباني]. وفي الحديث الآخر: «إنَّ ممَّا أخشى عليكم بعدي بطونكم وفروجكم ومضلَّات الأهواء» [صحَّحه الألباني 14 في تخريج كتاب السُّنَّة].
حقًّا إنَّ الهوى أصل كلِّ شرٍّ، وأساس كلِّ بلوى، وإحداثٌ في الدِّين على غير منهجٍ قويمٍ ولا طريقٍ مستقيم، ومن هنا يتبيَّن لنا أنَّ اتباع الهوى ممَّا يوقع في الفرقة والاختلاف والخروج عن الجماعة الَّتي أمر الإنسان بلزومها، وخاصَّةً فيما يتعلق باتباع الهوى في الدِّيانات، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "واتباع الأهواء في الدِّيانات أعظم من اتباع الهوى في الشَّهوات".
وكان اتباع الهوى موجبًا للفرق والاختلاف؛ لأنَّه خروجٌ عن الالتزام بالكتاب والسُّنَّة، واخراج المرء من اتباع الهوى من أعظم مقاصد الشَّريعة، "فإنَّ المقصد الشَّرعي من وضع الشَّريعة إخراج المكلَّف عن داعية هواه حتَّى يكون عبدًا لله اختيارًا كما هو عبد الله اضطرارًا" (الموافقات للشَّاطبي (2/128)).
3- التَّعصُّب والتَّخزُّب
وأعني بالتَّعصُّب أن يجعل العبد ما يصدر عن شخصٍ ما من الرَّأي والاجتهاد حجَّةً عليه وعلى سائر العباد. وأعني بالتَّخزُّب: التَّجمع لشخصٍ أو طائفةٍ أو نحوهما، والاعتقاد أنَّهم على حقٍّ وغيرهم على باطلٍ. والتَّعصُّب والتَّحزُّب شيمتان من شيم الضعف، وخلَّتان من خلل الجهل، يبتلى بهما الإنسان فتعميان بصره، وتغشيان على عقله، فلا يرى حسنًا إلا ما حسن في رأيه، ولا صوابًا إلا ما ذهب إليه، أو من يتعصَّب ويتحزَّب له.
ولهذا ذمَّ الله -تعالى- ورسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- هذه الخصلة، وحذَّرا منها أيما تحذير، قال -سبحانه-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170]، وقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة: 91].
وثبت في السُّنَّة الشَّريفة أنَّ عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: أتيت النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وفي عنقي صليبٌ من ذهبٍ، فقال لي: «اطرح عنك هذا الوثن»، قال: فطرحته. قال: وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة، وقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التَّوبة: 31]، قال: «أما إنَّهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنَّهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلُّوه، وإذا حرموا عليهم شيئًا حرموه» [رواه التِّرمذي 3095 وحسَّنه الألباني].
هذا وإن مما يؤلم القلوب، ويقطِّع الظُّهور هذا الخلاف الواقع بين كثيرٍ من المنتسبين للإسلام حين غرَّهم الشَّيطان، وضحك عليهم، فزيَّن لهم الاقتتال فيما بينهم بحربٍ كلاميَّةٍ، لا تزيدهم إلا تباغضًا وحقدًا، وأشغلهم عن النَّظر في أمور المسلمين، فلم تؤلمهم دماء الأبرياء من المسلمين، الَّتي تنزف تحت براثن القهر الكافر، ولم تقض مضاجعهم أعراض المسلمين الَّتي تنتهك تحت وطأة المجرمين، ولم يوجع قلوبهم تفشي الجهل في كثير من المنتسبين إلى الإسلام!
أقول: هذا الخلاف الواقع بين أولئك قد علا سهمه، وراج سوقه، ونفقت بضاعته، رغم أنَّه خلافٍ في مسائلَ اجتهاديَّةٍ، يعذر المخالف فيها.
ولقد وجد في زماننا هذا أناسًا قد غرَّهم الشَّيطان، وزيَّن لهم أعمالهم، فهم يعمهون!
أناسٌ سمُّوا أنفسهم بالسَّلفيِّين، ورموا غيرهم بالابتداع، ووصفوهم بالأوصاف السَّيِّئة، والخصال الشَّنيعة، ممن لا يصدق عليهم هذا الوصف مطلقًا، فنشأت عن ذلك حزبيَّةٌ ممقوتةٌ، وتعصُّبٌ مذمومٌ، لا تزال آثارها الموجعة، تعصف بأبناء الأمَّة إلى وقتنا هذا!
وكان ممَّا آلمني وأثار أشجاني وآلامي أنَّني قابلت أحد السَّالكين لهذا المسلك المشين، فحدَّثني، وحدَّثته، ولم أكن أعرف سلوكه هذا إلا بعد أن أنكر عليَّ أنِّي أحمل بين يدي كتابًا لداعيةٍ من أكبر دعاة الإسلام في هذا العصر، وكأنَّه مبتدع من أكبر مبتدعي هذا الزَّمان، ولم يكن إنكاره عليَّ لشيءٍ إلا لأنَّ شيوخه الَّذين يتسمون بالسَّلفيِّين لا يحبُّونه، ولا يقرؤون له، يفعل ذلك رغم أنَّ السَّلف حذَّروا من محاكاة الرِّجال في اعتقاداتهم وأقوالهم، وإن كانوا مشهورين.
ولابد من الإشارة هنا إلى أنَّه وإن وردت كلمة "السَّلفيَّة" في الآثار إلا أنَّها إذا استخدمت للتَّحزُّب والتَّعصُّب إلى فريقٍ معيَّنٍ؛ فإنَّها تكون ممقوتةً في الشَّرع، فقد جاء في السِّيرة في أحد مغازي النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه اقتتل غلامان: غلام من المهاجرين، وغلام من الأنصار، فنادى المهاجر: يا للمهاجرين، ونادى الأنصاري: يا للأنصار، فخرج رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: «ما بال دعوى جاهلية؟!.... دعوها فإنَّها منتنةٌ» [رواه البخاري 4905 ومسلم 2584] مع أنَّ هذين الاسمين (المهاجرين والأنصار) جاء بهما القرآن، وهما محبُّوبان لله -تعالى- ولرسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ولمَّا استخدما لنوعٍ من العصبية؛ صار ذلك من فعل الجاهلية، وأخبر -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّ هذه الدَّعوى منتنةٌ؛ لأنَّها تدعو إلى التَّفرِّق والتَّفكُّك.
وقريبٌ من هذا ما حصل لابن عباس -رضي الله عنهما- حين سُئِل: أأنت على ملَّة عليٍّ، أو على ملَّة عثمان؟ فقال: "لست على ملَّة علي ولا على ملَّة عثمان، بل أنا على ملَّة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-".
ولقد كان من آثار ذلك التَّحزُب الممقوت أنَّه نشأ فئامٌ من النَّاس، غلوا في طائفةٍ من العلماء، وأعرضوا بكليتهم عن جمع من العلماء والدُّعاة والمصلحين، من أولئك الرِّجال الَّذي يستنار بأقوالهم، ويستفاد من فهومهم، وما ذاك إلا من تلبيس الشَّيطان عليهم، ثمَّ إنَّ شيوخ هؤلاء لو كانوا عقلاء حقًّا لأنكروا عليهم هذا الفعل الذَّميم كما كان السَّلف يفعلون ذلك، فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول على المنبر: "إذا أصبت فأعينوني، وإذا أخطأت فقوموني"، فقال له رجل ٌمن بين النَّاس: "إذا أخطأت قومناك بسيوفنا"! يقول عمر ما قال، ويرضى بالرَّدِّ؛لأنَّه لا يرضى بتعبيد النَّاس للنَّاس، ومصادرة عقولهم، وتغييبهم عنِ السَّاحة، بل يطالبهم بالمشاركة، والنَّاس لا يرضون بالتَّبعيَّة والعجز، وهكذا تبنى الأمم.
- وإنَّ من المؤلم جدًّا أنَّه بلغ من جراء ذلك التَّحزُّب لطائفةٍ معيَّنةٍ أنَّ بعضهم قد ضحك الشَّيطان عليهم، فتركوا الاشتغال بعيوب أنفسهم، وصار همَّهم الأوحد، وشغلهم الشَّاغل أن ينصبوا شباكهم لرجالٍ من علماء الإسلام ودعاته، قد سخَّروا جهودهم وطاقاتهم لخدمة الإسلام وأهله، فأخذ هؤلاء يرمونهم بأبشع الألفاظ، وأخسِّ الأفعال، بل لقد بلغ بهم الخذلان من الله -تعالى- أنَّهم أخذوا يطلقون لفظ "الكفر" على هؤلاء العلماء والدُّعاة -عياذًا بالله تعالى-.
وهذا والله من أعظم البلاء الَّذي أُصيب به بعض النَّاس في هذا العصر، وإنَّ رمي الإنسان بالكفر -وهو منه براءٌ- جرمٌ عظيمٌ، وخطر ٌكبيرٌ، ذلك لأنّ من رمى أحدًا بالكفر وهو منه برئ -رجع عليه- ولربما خُتم له بالسُّوء، فمات كافرًا، نعوذ بالله -تعالى- من هذه الحال.
ومن هنا فإنَّه ينبغي أن يفهم جيدًا أنَّه ليس من حقِّ كلِّ أحدٍ أن يطلق التَّكفير أو يتكلم بالتَّكفير على الجماعات أو على الأفراد إذ هو من صلاحيات أهل العلم، الرَّاسخين فيه، الَّذين يعرفون الإسلام ونواقضه، ويدرسون واقع النَّاس والمجتمعات، هؤلاء هم أهل الحكم بالتَّكفير، أمَّا الجُهال وأفراد النَّاس وأنصاف المتعلمين؛ فلا يجوز لهم التَّكفير، وإن لم يتوبوا من هذا الفعل؛ فهم على خطرٍ عظيمٍ.
اللهمَّ ارزقنا والمسلمين العودة إليك وأعذنا يا رحمن من خزي الدُّنيا وعذاب الآخرة، وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمَّدٍ وآله وصحبه أجمعين.