الجنس : العمر : 41 المدينة المنورة التسجيل : 16/01/2012عدد المساهمات : 33
موضوع: ™۩◙۩ أهمية التعارف في الإسلام ۩◙۩™ السبت 17 مارس 2012, 8:30 pm
™۩◙۩ أهمية التعارف في الإسلام ۩◙۩™
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد: فإن المؤمن بطبعه هين، لين، يألف، ويؤلف، يلقي السلام على من يعرف، ومن لا يعرف، وقد جاءت نصوص كثيرة ترسم هذه السمات النفسية لأهل الإيمان، وكان من نتيجة هذه السمة الحسنة انتشار الإسلام، وقبوله بين العالمين؛ من شتى الأعراق، واللغات، والبلدان، بالقدوة الحسنة، والمُثُل العليا التي كان يتحلى بها جيل الصحابة، والتابعين لهم بإحسان.
وقد كان تعرف المؤمنين على غيرهم تعرفاً واعياً، ولم يكن استكشافاً ساذجاً، فقد نبأهم الله من أخبارهم، وعرفهم بأحوالهم، فأدركوا الدور المناط بهم، والرسالة التي يحملونها للبشرية، فاستخدموا هذا المخزون المعرفي لدعوة الناس إلى الحق، ونقد ما هم عليه من انحراف.
التعارف لغة:
مصدر تعارف القوم أي عرف بعضهم بعضا وهو من مادّة (ع ر ف) الّتي تدلّ على السّكون والطّمأنينة، يقول ابن فارس: العين والرّاء والفاء أصلان صحيحان يدلّ أحدهما على تتابع الشّيء متّصلا بعضه ببعض، والاخر على السّكون والطّمأنينة .. ومن هذا المعرفة والعرفان تقول: عرف فلان فلانا عرفانا ومعرفة وهذا أمر معروف وهذا يدلّ على ما قلناه من سكونه إليه؛ لأنّ من أنكر شيئا توحّش منه ونبا عنه [مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (4/ 281) ] . والعرفان: العلم، عرفه يعرفه عرفة وعرفانا ومعرفة. وتعارف القوم عرف بعضهم بعضا [لسان العرب (9/ 236/ 237) ] .
التعارف اصطلاحا:
هو أن يعرف النّاس بعضهم بعضا بحسب انتسابهم جميعا إلى أب واحد وأمّ واحدة ثمّ بحسب الدّين والشّعوب والقبائل، بحيث يكون ذلك مدعاة للشّفقة والألفة والوئام لا إلى التّنافر والعصبيّة [أغفلت كتب التعريفات ذكر التعارف مصطلحا فاقتبسنا ذلك من جملة أقوال المفسرين] .
قال الله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ } [يونس: 45] .
عن أبي هريرة - رضي اللّه عنه - يرفعه قال : « النّاس معادن كمعادن الفضّة والذّهب خيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف »[رواه مسلم (2638). والقسم الأخير عند البخاري- الفتح 6 (3336) ] .
عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- في قوله تعالى : { وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا } [الحجرات: 13] قال: الشّعوب: القبائل العظام، والقبائل: البطون.[رواه البخاري- الفتح 6 (3489) ] .
قال مجاهد- رحمه اللّه- في قوله تعالى : { لِتَعارَفُوا } كما يقال فلان بن فلان من كذا وكذا أي من قبيلة كذا.[تفسير ابن كثير (4/ 232) ] .
قال مجاهد رحمه اللّه: قوله تعالى : { لِتَعارَفُوا} : أي ليعرف بعضكم بعضا بالنّسب يقول فلان ابن فلان وفلان ابن فلان.[فتح الباري (6/ 609) ] .
قال سفيان الثّوريّ في قوله عزّ وجلّ : { لِتَعارَفُوا } : كانت حمير ينتسبون إلى مخاليفها وكانت عرب الحجاز ينتسبون إلى قبائلها.[المنتقى من مكارم الأخلاق: (171) ] .
قال أبو نواس : يا قلب رفقاً أجِدّاً منك ذا الكلفُ *** ومن كلفتُ به جافٍ كما تصفُ وكانَ في الحقّ أن يهواك مجتـهـداً *** بذاك خبّـــَرَ منا الغابر السلـف إنَّ القلوب لأجــنادٌ مجنَّدةٌ *** لله في الأرض بالأهــواء تعـترف فما تناكر مـــنها فهو مختلـف *** وما تعــارفَ منها فهو مؤتـــــلف [الازدهار في ما عقده الشعراء من الأحاديث و الآثار للحافظ السيوطي ص1 ] .
قال ابن جرير الطّبريّ في قوله تعالى : { لِتَعارَفُوا } : يقول ليعرف بعضكم بعضا في النّسب يقول تعالى ذكره: إنّما جعلنا هذه الشّعوب والقبائل لكم أيّها النّاس ليعرف بعضكم بعضا في قرب ذي القرابة منه وبعده لا لفضيلة لكم في ذلك وقربة تقرّبكم إلى اللّه بل أكرمكم عند اللّه أتقاكم.[جامع البيان في تفسير القرآن: مج 11 ج 26 ص (89) ] .
قال الإمام النّيسابوريّ في قوله تعالى : { وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا } : أي ليقع التّعارف بينكم بسبب ذلك لا أن تتفاخروا بالأنساب.[حاشية جامع البيان: مج 11، ج 26، ص (94) ] .
قال ابن كثير- رحمه اللّه تعالى- في قوله تعالى : { وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا } : أي ليحصل التّعارف بينهم كلّ يرجع إلى قبيلته.[تفسير ابن كثير (4/ 232) ] .
روى الحكيم التّرمذيّ بسنده عن الحسن قال: بني الإسلام على عشرة أركان، الإخلاص للّه تعالى وهو الفطرة، والصّلاة وهي الملّة، والزّكاة وهي الطّهرة، والصّيام وهو الجنّة، والحجّ وهو الشّريعة، والجهاد وهو العزّة، والأمر بالمعروف وهو الحجّة، والنّهي عن المنكر وهو الوفيّة، والطّاعة وهي العصمة، والجماعة وهي الألفة.[شرح شأن الصلاة: الورقة الأخيرة شرح شأن الصلاة ومعالمها محمد بن علي الحكيم الترمذي، أبو عبد اللّه مخطوط بمركز إحياء التراث بجامعة أم القرى رقم (516) فقه عام ] .
قال الشّيخ أبو بكر الجزائريّ في تفسير قوله تعالى : { يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ...} : هذا نداء هو آخر نداءات اللّه تعالى عباده في هذه السّورة، وهو أعمّ من النّداء بعنوان الإيمان فقال : { يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى } من آدم وحوّاء باعتبار الأصل، كما أنّ كلّ آدميّ مخلوق من أبوين أحدهما ذكر والاخر أنثى { وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ } وبطون وأفخاذ وفصائل، كلّ هذا لحكمة التّعارف فلم يجعلكم كجنس الحيوان لا يعرف الحيوان الاخر، ولكن جعلكم شعوبا وقبائل وعائلات وأسرا لحكمة التّعارف المقتضي للتّعاون، إذ التّعاون بين الأفراد ضروريّ لقيام مجتمع صالح سعيد.فتعارفوا وتعاونوا ولا تتفرّقوا لأجل التّفاخر بالأنساب. فإنّه لا قيمة للحسب ولا للنّسب إذا كان المرء هابطا في نفسه وخلقه وفاسدا في سلوكه إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ.
إنّ الشّرف والكمال فيما عليه الإنسان من زكاة روحه وسلامة خلقه وإصابة رأيه وكثرة معارفه.[أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير (4/ 295) ] .