الجنس : العمر : 32 المدينة المنورة التسجيل : 11/03/2012عدد المساهمات : 24
موضوع: █◄ التسول بإسم الأخوة في الإسلام ►█ السبت 17 مارس 2012, 8:03 pm
█◄ التسول بإسم الأخوة في الإسلام ►█
تعتبر مسألة التسول إحدى المشكلات الاجتماعية في العالم, وتختلف نسبة المتسولين من بلد إلى آخر حسب عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية, ولا يختلف اثنان بأن التسول من العادات السيئة في أي مجتمع من المجتمعات، حتى إذا أردت أن تنعت شخصاً بأقبح الصفات فإن كلمة متسول تأتي ضمن الكلمات المعبرة. ان كثيراً من حالات التسول لا تعني في الحقيقة ان المتسول في حاجة إلى المال أو هو عاجز عن العمل بل هي نوع من الخداع والدجل والتضليل والكسب غير المشروع، كما ان ضعف نفوس بعض المتسولين قد دفعهم إلى هذا العمل المشين .
التسول في اللغة:
التّسوّل أصلها التّسؤّل وهي مأخوذة من مادّة (س أل)، والسّؤال ما يسأله الإنسان. وقرىء أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (طه/ 36) بالهمز، وبغير الهمز. وسألته الشّيء، وسألته عن الشّيء سؤالا ومسألة [الصحاح (5/ 1723) ] .
يقول الرّاغب: «السّؤل: الحاجة الّتي تحرص النّفس عليها، والتّسويل تزيين النّفس لما تحرص عليه، وتصوير القبيح منه بصورة الحسن، قال تعالى: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف: 18]، وقال أيضا: السّؤال: استدعاء معرفة أو ما يؤدّي إلى المعرفة واستدعاء مال، أو ما يؤدّي إلى المال، فاستدعاء المعرفة، جوابه على اللّسان، واليد خليفة له بالكتابة أو الإشارة، واستدعاء المال جوابه على اليد، واللّسان خليفة لها إمّا بوعد أو بردّ [المفردات (249، 250) ] .
ويقول الأزهريّ: وأصل السّؤال مهموز، غير أنّ العرب استثقلوا ضغطة الهمزة فيه فخفّفوا الهمزة، وسؤلة كهمزة: الكثير السّؤال من النّاس، بالهمز وبغير الهمز[التاج (4/ 324) ] . والسّول والسّولة بالضّمّ، المسألة، والفرق بينها وبين الأمنيّة [التاج (14/ 366) ] . أنّ السّولة فيما طلب، والأمنيّة فيما قدّر، وكأنّ السّولة تكون بعد الأمنيّة، والتّسوّل بمعناه الحاضر مولّد، فقد جاء في المعجم الوسيط «تسوّل» استعطى (مولّد) [المعجم الوسيط (1/ 465) ] .
التسول اصطلاحا:
لم تذكر كتب الاصطلاحات القديمة «التّسوّل» ضمن ما أوردته، وقد تكفّلت بذلك المعاجم الحديثة، فقال أحمد بدويّ: التّسوّل: طلب الصّدقة من الأفراد في الطّرق العامّة، والمتسوّل: الشّخص الّذي يتعيّش من التّسوّل ويجعل منه حرفة له ومصدرا وحيدا للرّزق [معجم مصطلحات الرعاية والتنمية الاجتماعية (29) ] .
ويعتبر التّسوّل في بعض البلاد جريمة يعاقب عليها، خاصّة إذا كان المتسوّل صحيح البدن، كما يكون التّسوّل محظورا، حيث توجد مؤسّسات خيريّة» ، وأضاف بعضهم: أو إذا هدّد المتسوّل أمن المجتمع؛ أو دخل في مسكن دون استئذان [معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (37) للدكتور أحمد زكي بدوي] .
ويقول تعالى : { لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [ البقرة: 273] .
ويقول تعالى : { وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } [ المعارج: 24- 25] .
ويقول تعالى : { وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ } [الضحى: 10] .
عن قبيصة بن مخارق الهلاليّ- رضي اللّه عنه- قال: تحمّلت حمالة فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أسأله فيها. فقال: «أقم حتّى تأتينا الصّدقة فنأمر لك بها» قال: ثمّ قال: «يا قبيصة! إنّ المسألة لا تحلّ إلّا لأحد ثلاثة: رجل تحمّل حمالة فحلّت له المسألة حتّى يصيبها ثمّ يمسك. ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتّى يصيب قواما من عيش (أو قال: سدادا من عيش). ورجل أصابته فاقة حتّى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة. فحلّت له المسألة حتّى يصيب قواما من عيش (أو قال سدادا من عيش) فما سواهنّ من المسألة، يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا» [رواه مسلم (1044) ].
عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي اللّه عنه- قال: إنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه» قال: «ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده اللّه عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح اللّه عليه باب فقر» أو كلمة نحوها «وأحدّثكم حديثا فاحفظوه» قال: «إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه اللّه مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه ويعلم للّه فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه اللّه علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته فأجرهما سواء. وعبد رزقه اللّه مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم:لا يتّقي فيه ربّه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم للّه فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه اللّه مالا ولا علما فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان. فهو نيّته فوزرهما سواء»[رواه الترمذي (2325) وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 10): وهو كما قال وقال الألباني صحيح، انظر صحيح وضعيف سنن الترمذي (2325)] .
عن حكيم بن حزام- رضي اللّه عنه- قال: سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: «إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك فيه وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السّفلى» [رواه مسلم (1035) ] .
عن سعد بن أبي وقّاص- رضي اللّه عنه- قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلّا ابنة لي، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: «لا». فقلت: بالشّطر؟ فقال: «لا».ثمّ قال: «الثّلث، والثّلث كبير- أو كثير-. إنّك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون النّاس ، وإنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللّه إلّا أجرت بها حتّى ما تجعل في في امرأتك» فقلت: يا رسول اللّه أخلّف بعد أصحابي؟ قال: «إنّك لن تخلّف ، فتعمل عملا صالحا إلّا ازددت به درجة ورفعة، ثمّ لعلّك أن تخلّف حتّى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون. اللّهمّ أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردّهم على أعقابهم» لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن مات بمكّة.[رواه البخاري- الفتح 3 (1295) واللفظ له. ومسلم (1628) ] .
عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي اللّه عنه- قال: كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة. فقال: «ألا تبايعون رسول اللّه؟» وكنّا حديث عهد ببيعة. فقلنا: قد بايعناك يا رسول اللّه ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول اللّه؟» فقلنا: قد بايعناك يا رسول اللّه. ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول اللّه؟» قال:فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول اللّه! فعلام نبايعك؟ قال: «على أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا، الصّلوات الخمس، وتطيعوا (وأسرّ كلمة خفيّة)، ولا تسألوا النّاس شيئا، فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدا يناوله إيّاه» [رواه مسلم (1043) ] .
عن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنهما- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتّى يلقى اللّه، وليس في وجهه مزعة لحم » [رواه البخاري- الفتح 3 (1474). ومسلم (1040) واللفظ له ] .
عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «ليس المسكين بهذا الطّوّاف الّذي يطوف على النّاس، فتردّه اللّقمة واللّقمتان، والتّمرة والتّمرتان». قالوا: فما المسكين يا رسول اللّه؟ قال: «الّذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدّق عليه، ولا يسأل النّاس شيئا» [الفتح 3 (1476). ومسلم (1039) واللفظ له ] .
عن ثوبان- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من يكفل لي أن لا يسأل النّاس شيئا وأتكفّل له بالجنّة؟» فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدا شيئا.[رواه أحمد في المسند (5/ 376). وأبو داود (1643) واللفظ له. والبغوي في شرح السنة (6/ 117) وقال محققه: إسناده صحيح، وقال الألباني إسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه الحاكم على شرط، صحيح سنن أبي داود (1450) ] .
سمع عمر- رضي اللّه عنه- سائلا يسأل بعد المغرب، فقال لواحد من قومه: عشّ الرّجل، فعشّاه، ثمّ سمعه ثانيا يسأل، فقال: ألم أقل لك عشّ الرّجل؟ قال: قد عشّيته. فنظر عمر، فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبزا فقال: لست سائلا ولكنّك تاجر.ثمّ أخذ المخلاة ونثرها بين يدي إبل الصّدقة، وضربه بالدّرّة وقال: لا تعد [إحياء علوم الدين، للامام أبي حامد الغزالي (4/ 224) ] .
أشعار
1- قال الشّاعر: لا تحسبنّ الموت موت البلى *** فإنّما الموت سؤال الرّجال كلاهما موت ولكــنّ ذا *** أشدّ من ذاك لذلّ السؤال [الآداب الشرعية، لابن مفلح: ج 3، ص 280] .
2- قال الشّاعر: من يسأل النّاس يحرموه *** وسائل اللّه لا يخيب
3- وقال آخر: ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى *** وإلى الّذي يهب الرّغائب فارغب [الآداب الشرعية، لابن مفلح: ج 3، ص 280] .
4- قال مؤنس: إنّ الوقوف على الأبواب حرمان *** والعجز أن يرجو الإنسان إنسان متى تؤمّل مخلوقا وتقصــده *** إن كان عندك بالرّحمن إيمان؟ ثق بالّذي هو يعطي ذا ويمنع ذا *** في كلّ يوم له في خلقه شـان [الآداب الشرعية، لابن مفلح: ج 3، ص 280] .
قال أبو حامد الغزاليّ- رحمه اللّه-: السّؤال حرام في الأصل، وإنّما يباح بضرورة أو حاجة مهمّة قريبة من الضّرورة ، وإنّما قلنا : إنّ الأصل فيه التّحريم لأنّه لا ينفكّ عن ثلاثة أمور محرّمة : الأوّل : إظهار الشّكوى من اللّه تعالى ، إذ السّؤال إظهار للفقر، وذكر لقصور نعمة اللّه تعالى عنه وهو عين الشّكوى.
الثّاني : أنّ فيه إذلال السّائل نفسه لغير اللّه تعالى وليس للمؤمن أن يذلّ نفسه لغير اللّه بل عليه أن يذلّ نفسه لمولاه ، فإنّ فيه عزّه . فأمّا سائر الخلق فإنّهم عباد أمثاله ، فلا ينبغي أن يذلّ لهم إلّا لضرورة ، وفي السّؤال ذلّ للسّائل بالإضافة إلى إيذاء المسئول.
الثّالث : أنّه لا ينفكّ عن إيذاء المسئول غالبا، لأنّه ربّما لا تسمح نفسه بالبذل عن طيب قلب منه فإن بذل حياء من السّائل، أو رياء فهو حرام على الآخذ ، وإن منع ربّما استحيا وتأذّى في نفسه بالمنع ، إذ يرى نفسه في صورة البخلاء ، ففي البذل نقصان ماله ، وفي المنع نقصان جاهه، وكلاهما مؤذيان ، والسّائل هو السّبب في الإيذاء ، والإيذاء حرام إلّا بضرورة . [ إحياء علوم الدين للامام أبي حامد الغزالي (4/ 223) ] .