.::][ البشاشة وطلاقة الوجه ][::.
البشاشة لغة : مصدر بشّ، وهو مأخوذ من مادّة (ب ش ش) الّتي تدلّ بحسب وضع اللّغة على معنى واحد هو اللّقاء الجميل والضّحك إلى الإنسان سرورا به، أنشد ابن دريد: لا يعدم السّائل منه وفرا *** وقبله بشاشة وبشرا
بشّ يبشّ بشّا وبشاشة والبشاشة: طلاقة الوجه. والبشّ: اللّطف في المسألة، والإقبال على الرّجل، وقيل: هو أن يضحك له، وقيل فرح الصّديق بالصّديق، ولقاؤه لقاء جميلا. ويقال: رجل هشّ بشّ: أي طلق الوجه طيّب. ويقال للوجه: البشيش، فيقال فلان مضيء البشيش. ويقال: تبشبش به أي آنسه وواصله [لسان العرب (288- 289)، والصحاح (3/ 996)، وتاج العروس (4/ 283)، ومقاييس اللغة ] .
والبشّ: اللّطف في المسألة والإقبال على الرّجل وقيل: هو أن يضحك له ويلقاه لقاء جميلا، والبشاشة طلاقة الوجه، وبشاشة اللّقاء: الفرح بالمرء والانبساط إليه والأنس به، ورجل هشّ بشّ وبشّاشّ: طلق الوجه طيّب، وقد بششت به (بالكسر) أبشّ بشّا وبشاشة [اللسان (مادة بشش وطلق) ] .
واصطلاحا: هي سرور يظهر في الوجه يدلّ به على ما في القلب من حبّ اللّقاء والفرح بالمقابلة.
آيات من القرآن الكريم
1- فقول الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)[القيامة: 22- 23].
2- قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ)[عبس: 38- 39].
3- قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ * لِسَعْيِها راضِيَةٌ)[الغاشية: 8- 9].
4- قوله تعالى: (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ)[المطففين: 24].
5- قوله تعالى: ( وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً)[الانشقاق: 9].
أحاديث من السنة النبوية الشريفة
1- عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي اللّه عنه- قال: رآني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعليّ بشاشة العرس.فقلت: تزوّجت امرأة من الأنصار. فقال: «كم أصدقتها؟» فقلت: نواة من ذهب.[رواه البخاري- الفتح 9 (5148). ومسلم (1427)].
2- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما توطّن رجل مسلم المساجد للصّلاة والذّكر إلّا تبشبش اللّه له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم»[رواه ابن ماجة (800) وقال في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وأحمد (2/ 307) رقم (8051) وقال شاكر (15/ 204): إسناده صحيح].
3- عن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّها قالت: إنّ رجلا استأذن على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فلمّا رآه قال:«بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة» . فلمّا جلس تطلّق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في وجهه وانبسط إليه. فلمّا انطلق الرّجل قالت له عائشة: يا رسول اللّه حين رأيت الرّجل قلت له كذا وكذا. ثمّ تطلّقت في وجهه وانبسطت إليه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «يا عائشة متى عهدتني فاحشا؟ إنّ شرّ النّاس عند اللّه منزلة يوم القيامة من تركه النّاس اتّقاء شرّه»[رواه البخاري- الفتح 10 (6032). ومسلم (2591)].
4- عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلّ معروف صدقة، وإنّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك»[رواه الترمذي (1970) وقال: حسن. وأصله عند البخاري. الفتح 10 (6021). ومسلم (1005)].
5- عن أبي ذرّ- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق»[رواه مسلم (2626)].
6- عن أبي جريّ جابر بن سليم، قال: رأيت رجلا يصدر النّاس عن رأيه، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قلت: عليك السّلام يا رسول اللّه، مرّتين، قال: « لا تقل عليك السّلام؛ فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت، قل: السّلام عليك». قال: قلت: أنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: «أنا رسول اللّه الّذي إذا أصابك ضرّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك». قلت: اعهد إليّ، قال: «لا تسبّنّ أحدا » قال: فما سببت بعده حرّا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة، قال: «ولا تحقرنّ شيئا من المعروف، وأن تكلّم أخاك، وأنت منبسط إليه وجهك إنّ ذلك من المعروف. وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار، فإنّها من المخيلة ، وإنّ اللّه لا يحبّ المخيلة. وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه، فإنّما وبال ذلك عليه».[رواه أبو داود (4084) وذكره الألباني في صحيح أبي داود (2/ 769) وقال: صحيح].
7- عن كعب بن مالك- رضي اللّه عنه- أنّه قال: لم أتخلّف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة غزاها إلّا في غزوة تبوك ... الحديث. وفيه: قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك». قال فقلت: أمن عندك يا رسول اللّه، أم من عند اللّه؟ فقال: «لا، بل من عند اللّه» وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال وكنّا نعرف ذلك. قال: فلمّا جلست بين يديه قلت ...الحديث).[رواه البخاري- الفتح 7 (4418). ومسلم (2769) واللفظ له].
8- عن بريدة الأسلميّ- رضي اللّه عنه- أنّه قال: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه. فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه. وإذا دخل قرية سأل عن اسمها. فإن أعجبه اسمها فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه. وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه.[رواه أبو داود (3920) وقال الألباني (2/ 742): صحيح وهو في الصحيحة (2/ 401) برقم (762)، وعزاه لابن حبان وتمام وغيرهما. وأحمد (5/ 347- 348)].
9- عن أبي طلحة الأنصاريّ- رضي اللّه عنه- أنّه قال: جاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوما وهو يرى البشر في وجهه، فقيل: يا رسول اللّه، إنّا نرى في وجهك بشرا لم نكن نراه؟ قال: «أجل إنّ ملكا أتاني فقال لي: يا محمّد إنّ ربّك يقول لك: أما يرضيك أن لا يصلّي عليك أحد من أمّتك إلّا صلّيت عليه عشرا، ولا يسلّم عليك إلّا سلّمت عليه عشرا .. قال: قلت: بلى»[رواه النسائي (3/ 44). وقال الألباني (1/ 272): حسن. والدارمي (2/ 408) رقم (2773) واللفظ له. وأحمد (3/ 332)].
10- عن سعد بن أبي وقّاص- رضي اللّه عنه- قال: استأذن عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ على صوت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا استأذن عمر تبادرن الحجاب، فأذن له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فدخل والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يضحك، فقال أضحك اللّه سنّك يا رسول اللّه، بأبي أنت وأمّي. فقال: «عجبت من هؤلاء اللّاتي كنّ عندي، لمّا سمعن صوتك تبادرن الحجاب». فقال: أنت أحقّ أن يهبن يا رسول اللّه. ثمّ أقبل عليهنّ فقال: يا عدوّات أنفسهنّ، أتهبنني ولم تهبن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقلن: إنّك أفظّ وأغلظ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إيه يا ابن الخطّاب، والّذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان سالكا فجّا إلّا سلك فجّا غير فجّك»[رواه البخاري- الفتح 10 (6085)].
11- عن جرير بن عبد اللّه البجليّ- رضي اللّه عنه- أنّه قال: ما حجبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلّا تبسّم في وجهي ولقد شكوت إليه أنّي لا أثبت على الخيل. فضرب بيده في صدري وقال: «اللّهمّ ثبّته واجعله هاديا مهديّا».[رواه البخاري- الفتح 6 (3035، 3036). ومسلم (2475)].
آثار من السلف الصالح
1- قال عليّ بن أبي طالب- رضي اللّه عنه-: «من الدّهاء حسن اللّقاء»[الآداب الشرعية (3/ 556)].
2- عن سعيد بن عبد الرّحمن الزّبيديّ، قال: يعجبني من القرّاء كلّ سهل طلق مضحاك: فأمّا من تلقاه ببشر ويلقاك بضرس، يمنّ عليك بعمله فلا كثّر اللّه في النّاس أمثال هؤلاء.[كتاب الإخوان لابن أبي الدنيا، ص 196].
أشعار
1- قال ابن وكيع- رحمه اللّه تعالى-:
لاق بالبشر من لقيت من النّاس... وعاشر بأحسن الإنصـاف
لا تخالف وإن أتوا بمحـــال ...تستفد ودّهم بترك الخلاف
[الآداب الشرعية (3/ 573)].
2- قال الشّاعر:
لا يعدم السّائل منه وفرا ... وقبله بشاشة وبشرا.
[لسان العرب (1/ 289)].
3- قال بعض الشّعراء:
أزور خليلي ما بدا لي هشّـه ... وقابلني منه البشاشة والبشــر
فإن لم يكن هشّ وبشّ تركته ... ولو كان في اللّقيا الولاية والبشر
وحقّ الّذي ينتاب داري زائرا ... طعام وبرّ قد تقدّمــه بشـر
[نضرة النعيم البشاشة]
حين تلقى إنساناً فيبتسم في وجهك ويتلطف في معاملتك فإنك لا شك تفرح وتأنس، أما إن كان يلقاك عابساً فإنك تنفر منه ولا تحب لقاءه حتى وإن كان في هذا اللقاء شيء من المنفعة .
ومن أجل ذلك ندب الشرع إلى البشر والبشاشة التي هي السرور الذي يظهر في الوجه بما يدل على حب اللقاء والفرح بالمقابلة .
وقد عد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقاء الإخوان بالبشاشة والفرح عده من المعروف :
" كل معروف صدقة ، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ...." الحديث ( رواه الترمذي وقال : حسن ) .
كما قال صلى الله عليه وسلم : " ولا تحقرن شيئاً من المعروف ، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف " (رواه أبو داود ، وصححه الألباني).
وإذا ما أتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وجدته مستبشراً بشوشاً حتى مع الجفاة الشداد .
فذاك رجل أعرابي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيجبذه بردائه جبذة شديدة تؤثر في عاتقه ، ثم يقول له في غلظة :يا محمد ، مر لي من مال الله الذي عندك ، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقابل هذه الغلظة والجفاء ببشاشة ورحابة صدر ثم يأمر له بعطاء .
إن هذه البشاشة التي يلقى بها المسلم إخوانه تزرع له في قلوبهم وداً ومحبة ، تجعلهم راغبين في لقائه والأنس به .
ولقد صدق والله القائل :
أزور خليلي ما بدا لي هشُّه
وقابلني منه البشاشة والبشرُ
فإن لم يكن هشٌ ، وبشٌ ، تركته
ولو كان في اللقيا الولاية والبشرُ
وحق الذي ينتاب داري زائراً
طعام وبر وقد تقدمه بشرُ
إننا - بلا شك - لا نستطيع أن نسع الناس بأموالنا، لكننا أيضا نستطيع أن نأسرهم ببسط الوجه والبشاشة وحسن الخلق.
وتزداد الحاجة إلى البشاشة وطلاقة والوجه إذا كان للناس حاجة وطلبوا قضاءها ، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوانى عن خدمة المسلمين وقضاء حوائجهم ببشاشة وسعة صدر ، وإنه لأحق الناس بقول الشاعر :
تعود بسط الكف حتى لو أنه
ثناها لقبض لم تطعه أنامله
تراه إذا ما جئته متهللاً
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والجود ساحله
ولو لم يكن في كفه غير روحه
لجاد بها .. فليتق الله سائله .
فكن أخي بشوشاً هيناً لينا طلق الوجه ولا تكن عابساً
لاقِ بالبشر من لقيت من النا س وعاشر بأحسن الإنصاف
لا تخالف وإن أتـوا بمحالٍ تستفد ودهم بترك الخلاف
قال ابن مفلح- رحمه اللّه تعالى-: على المسلم أن ينزّه نفسه عن كلّ وصف مذموم شرعا أو عقلا أو عرفا كغلّ وحقد وحسد ونكد وغضب وعجب وخيلاء ورياء وهوى وغرض سوء وقصد رديء ومكر وخديعة ومجانبة كلّ مكروه للّه تعالى، وإذا جلست مجلس علم أو غيره فاجلس بسكينة ووقار وتلقّ النّاس بالبشرى والاستبشار.[الآداب الشرعية (3/ 556)].