إن خير ما يتزود به العباد في هذه الدار الدنيا ليوم معادهم هو تقوى الله عز وجل ، كما قال تعالى : { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } [البقرة: 197] .. إنه الزاد الذي لا غنى للعبد عنه ليقدم على ربه آمنا وإلا ندم يوم لا ينفع الندم .
كان عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه : تعالو نزدد إيماناً .
وابن مسعود رضي الله عنه يقول : اجلسو بنا نزدد إيماناً . ويقول رضي الله عنه في دعائه : اللهم زدني إيماناً ويقيناً وفقهاً .
كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : " ما ندمتُ على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي ".
وقال رجل لداود الطائي أوصني ، فدمعت عيناه ، وقال : يا أخي إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة بعد مرحلة، حتى ينتهي ذلك إلى آخر سفرهم؛ فإن استطعت أن تقدم كل يوم زاداً لما بين يديك فافعل؛ فإن انقطاع السفر عن قريب، والأمر أعجل من ذلك؛ فتزود لنفسك، واقض ما أنت قاض؛ فكأنك بالأمر قد نعتك، إني لأقول لك هذا وما أعلم أحداً أشد تقصيراً منّي، ثم قام، وتركه " التبصرة لابن الجوزي.
وقال أيضاً : " ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم, أنا خلق جديد, وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني إذا قضيت لا أعود إلى يوم القيامة ".
وقال أيضاً : " قد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون لأن الفراغ يعقبه الشغل ، والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن إلا الهرم لكفى كما قيل: يسر الفتى طول السلامة والبقا *** فكيف ترى طول السلامة يَفعَلُ يُرَدُّ الفتى بعد اعتدال وصحة *** ينوء إذا رام القيام ويُحمل " فتح الباري لابن حجر.
قال الحسن : " أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم ".
وقال إبراهيم الحربي عن الإمام أحمد : ولقد صحبته عشرين سنة صيفاً وشتاءً وحراً وبرداً وليلاً ونهاراً فما لقيته في يوم إلا وهو زائد عليه بالأمس.
إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وقوةً في البدن، وسعةً في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وُظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وُبغضاً في قلوب الخلق.
قال حكيم: " لا تحقرن شيئاً من الخير وإن كان صغيراً؛ فإنك إذا رأيته سرك مكانه، ولاتحقرن شيئاً من الشر وإن كان صغيراً؛ فإنك إذا رأيته ساءك مكانه ".
الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
قال أيضاً: " أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها " الفوائد لابن القيم.
قال الشيخ ابن عثيمين: " الذي ينبغي للإنسان كلما طال به العمر أن يكثر من الأعمال الصالحة، كما أنه ينبغي للشباب أيضاً أن يكثر من الأعمال الصالحة؛ لأن الإنسان لا يدري متى يموت، قد يموت في شبابه، وقد يؤخر موته، لكن لا شك أن من تقدم به السن فهو إلى الموت أقرب من الشاب؛ لأنه أنهى العمر " شرح رياض الصالحين.
قال ابن القيم: " فالوقت منصرم بنفسه منقض بذاته؛ ولذا فمن غفل عن نفسه تصرمت أوقاته وعظمت حسراته واشتد فواته، والواردات سريعة الزوال تمر أسرع من السحاب وينقضي الوقت بما فيه فلا يعود عليك منه إلا أثره وحكمه، فاختر لنفسك ما يعود عليك من وقتك، فإنه عائد عليك لا محالة، لهذا يقال للسعداء في الجنة { كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } ، ويقال للأشقياء المعذبين في النار {ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ) " مدارج السالكين.
اعلم أن المدار على آخر العمر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) ، ولهذا كان من الدعاء المأثور : اللهم اجعل خير عمري آخره ,خير عملي خواتمه ، وصح عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام : أن ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا اله دخل الجنة ) .
فالذي ينبغي للإنسان كلما طال به العمر ؛ أن يكثر من الأعمال الصالحة ، كما أنه ينبغي للشباب أيضاً أن يكثر من الأعمال الصالحة ؛ لأن الإنسان لا يدري متى يموت ، قد يموت في شبابه ، وقد يؤخر موته ، لكن لا شك أن من تقدم به السن فهو إلى الموت أقرب من الشاب ؛ لأنه أنهى العمر .
اجتهد أبو موسى الأشعري قبل موته اجتهاداً شديداً فقيل له: لو أمسكت ورفقت بنفسك، قال: إن الخيلَ إذا أُرْسِلَت فقاربت رأس مجراه أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك.
قيل لنافع: ماذا كان يصنع ابن عمر في بيته؟ قال: لا تطيقونه، الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما.
قال قتادة: لما احتضر عامر بن عبد قيس فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل.