التعريف
الألفة لغة:
هي الاسم من الائتلاف وكلاهما مأخوذ من مادّة (أل ف) الّتي تدلّ على انضمام الشّيء إلى الشّيء، والأشياء الكثيرة أيضا، ومن ذلك الألف لأنّه اجتماع المئين، قال الخليل: ألفت الشّيء آلفه، والألفة مصدر الائتلاف، وإلفك وأليفك: الّذي تألفه، وكلّ شيء ضممت بعضه إلى بعض فقد ألّفته تأليفا، ويقال: ألف الشّيء إلفا فهو آلف، وآلفته وأنا مؤلف.
قال أبو زيد: أهل الحجاز يقولون: آلفت المكان والقوم، وآلفت غيري أيضا: حملته على أن يألف، وأوالف الطّير: الّتي بمكّة وغيرها. ويقال: آلفت الطّير موضع كذا، وهنّ مؤلفات لأنّها لا تبرح [مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (1/ 131) بتصرف يسير ] .
ويقال للمألوف: إلف وآلف، والمؤلّف: ما جمع من أجزاء مختلفة ورتّب ترتيبا قدّم فيه ما حقّه التّقديم، وأخّر فيه ما حقّه أن يؤخّر، وقول اللّه تعالى: (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) [قريش:1] مصدر من آلف، والمؤلّفة قلوبهم هم الّذين يتحرّى فيهم بتفقّدهم أن يصيروا من جملة من وصفهم اللّه بقوله: (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) [الأنفال: 63] وأوالف الطّير: ما ألفت الدّار، والألف: العدد المخصوص، وسمّي بذلك لكون الأعداد فيه مؤتلفة. وآلفت الدّراهم أي بلغت بها الألف [المفردات للراغب (20) ] .
وقال الجوهريّ يقال: ألفه يألفه (بالكسر) أعطاه ألفا، وآلفت القوم إيلافا، أي كمّلتهم ألفا، والإلف: الأليف، يقال: حنّت الإلف إلى الإلف، والجمع ألائف، والألّاف: جمع آلف، ويقال: فلان قد ألف هذا الموضع (بالكسر) يألفه إلفا (أي اعتاده) وآلفه إيّاه غيره، ويقال أيضا: آلفت الموضع إيلافا وكذلك آلفته مؤالفة وإلافا، ويقال: ألفت بين الشّيئين تأليفا فتألّفا وأتلفا، وتألّفته على الإسلام، ومن هذا المؤلّفة قلوبهم، وقول اللّه تعالى: (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ) [قريش: 1] معناه: أهلكت أصحاب الفيل لأولف قريشا مكّة، لتولف قريش رحلة الشّتاء والصّيف، أي تجمع بينهما [الصحاح للجوهري (4/ 1331، 1332) ] .
وقيل الإيلاف: العهد والذّمام، وفي حديث ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما-: قد علمت قريش أنّ أوّل من أخذ لها الإيلاف لهاشم، قال ابن الأثير: كان هاشم ابن عبد مناف أخذه من الملوك لقريش [النهاية (1/ 60) ] ، وأورد ابن منظور في: «لإيلاف قريش» ثلاثة أوجه:
لإيلاف، ولإلاف، ووجه ثالث لإلف قريش، فمن قرأ لإلافهم وإلفهم فهو من ألف يألف، ومن قرأ لإيلافهم، فهو من آلف يؤلف، يقال: ألف الشّيء وآلفه إلفا وإلافا وألفانا: لزمه، وآلفه إيّاه ألزمه، وفلان قد ألف هذا الموضع بالكسر (لا غير)، وقول اللّه- عزّ وجلّ- قال: (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) [الأنفال: 63]، قال فيها أبو منصور: نزلت في المتحابّين في اللّه، (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) [التوبة: 60] في آية الصّدقات قوم من سادات العرب أمر اللّه تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أوّل الإسلام بتألّفهم؛ أي بمقاربتهم وإعطائهم ليرغّبوا من وراءهم في الإسلام، فلا تحملهم الحميّة مع ضعف نيّاتهم على أن يكونوا إلبا مع الكفّار على المسلمين، وقد نفّلهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم حنين بمائتين من الإبل تألّفا لهم [لسان العرب (ألف) (1/ 108) ط. دار المعارف، وتهذيب اللغة للأزهري (15/ 378) ] .
الألفة اصطلاحا:
الألفة والإلف: اجتماع مع التئام ومحبّة [اقتبسنا هذا التعريف من قول الراغب (المفردات- 20) والإلف اجتماع مع التئام ومنه الألفة (أي ومن هذا المعنى)، أما قيد المحبة فقد أخذناه من قول أبي منصور الأزهري في تفسير قوله تعالى: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ حيث قال: إنها نزلت في «المتحابين في اللّه» ] .
أمّا التّألّف: فهو المداراة والإيناس لمن هم حديثو عهد بكفر ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إلى أيديهم من المال [النهاية لابن الأثير (1/ 60)، ولسان العرب (1/ 108) ط. دار المعارف ] .
وقال التّهانويّ: الألفة (بالضّمّ): هي ميلان القلب إلى المألوف [كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 114)، المناوي في التوقيف (60) ] .
وقال الجرجانيّ: الألفة اتّفاق الآراء في المعاونة على تدبير المعاش [التعريفات (35)، ويحتمل هنا أن يكون هذا التعريف للإلفة (بكسر الهمزة) وقد جزم بذلك ].
آيات
1- قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[ آل عمران: 103] .
2- قوله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[ الأنفال: 62- 63] .
أحاديث
1- عن عائشة - رضي اللّه عنها- قالت: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"[رواه البخارى- الفتح 6 (3336) ] .
2- عن جابر- رضي اللّه عنه- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " المؤمن يألف و يؤلف و لا خير فيمن لا يألف ، و لا يؤلف و خير الناس أنفعهم للناس "[ قال الألباني رواه الدارقطني في الأفراد و الضياء المقدسي في المختارة وقال في السلسلة الصحيحة (1/712) حسن ] .
3- عن أبي هريرة - رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " إنّ أحبّكم إليّ أحاسنكم أخلاقا، الموطّئون أكنافا ، الّذين يألفون ويؤلفون، وإنّ أبغضكم إليّ المشّاءون بالنّميمة المفرّقون بين الأحبّة الملتمسون للبراء العيب"[ حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب وقال رواه الطبراني في الصغير والأوسط] .
آثار
1- عن مجاهد قال: رأى ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- رجلا فقال: إنّ هذا ليحبّني، قالوا: وما علمك؟ قال: إنّي لأحبّه، والأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.[ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي (154) ] .
2- وعن قتادة في قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) [آل عمران: 103] إذ كنتم تذابحون فيها يأكل شديدكم ضعيفكم، حتّى جاء اللّه بالإسلام فآخى به بينكم، وألّف به بينكم. أما واللّه الّذي لا إله إلّا هو إنّ الألفة لرحمة، وإنّ الفرقة لعذاب.[ الدر المنثور (2/ 287). تفسير الطبري (3/ 381) ] .
3- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: النّعمة تكفر، والرّحم تقطع، وإنّ اللّه تعالى: إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء ثمّ تلا (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال: 63]،[ الدر المنثور (4/ 100) ] .
4- عن مجاهد- رضي اللّه عنه- قال: إذا لقي الرّجل أخاه فصافحه، تحاتّت الذّنوب بينهما كما ينثر الرّيح الورق، فقال رجل: إنّ هذا من العمل اليسير. فقال: ألم تسمع اللّه قال: (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الدر المنثور (4/ 100) ] .
5- عن الأوزاعيّ قال: كتب إليّ قتادة: إن يكن الدّهر فرّق بيننا فإنّ ألفة اللّه الّذي ألّف بين المسلمين قريب[الدر المنثور (4/ 101) ] .
أشعار
1- قال أحمد بن محمّد بن أبي بكر الأنباريّ:
إنّ القلوب لأجناد مجنّدة *** للّه في الأرض بالأهواء تعترف
فما تعارف منها فهو مؤتلف *** وما تناكر منها فهو مختلف
[روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (154)] .
2- وقال منصور بن محمّد الكريزيّ:
فما تبصر العينان والقلب آلف *** ولا القلب والعينان منطبقان
ولكن هما روحان تعرض ذي لذي *** فيعرف هذا ذي فيلتقيان
[روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (154)] .
3- وقال المنتصر بن بلال الأنصاريّ:
يزين الفتى في قومه ويشينه *** وفي غيرهم أخدانه ومداخله
لكلّ امريء شكل من النّاس مثله *** وكلّ امرئ يهوي إلى من يشاكله
[روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (155)] .
متفرقات
1- قال أبو حاتم- رضي اللّه عنه- سبب ائتلاف النّاس وافتراقهم- بعد القضاء السّابق- هو تعارف الرّوحين. وتناكر الرّوحين، فإذا تعارف الرّوحان وجدت الألفة بين نفسيهما، وإذا تناكر الرّوحان وجدت الفرقة بين جسميهما[روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي (154) ] .
2- قال أبو حاتم- رضي اللّه عنه- إنّ من النّاس من إذا رآه المرء يعجب به، فإذا ازداد به علما ازداد به عجبا، ومنهم من يبغض حين يراه، ثمّ لا يزداد به علما إلّا إذا ازداد له مقتا، فاتّفاقهما يكون باتّفاق الرّوحين قديما. وافتراقهما يكون بافتراقهما، وإذا ائتلفا ثمّ افترقا فراق حياة من غير بغض حادث، أو فراق ممات، فهنالك الموت الفظيع، والأسف الوجيع، ولا يكون موقف أطول غمّة، وأظهر حسرة وأدوم كآبة، وأشدّ تأسّفا، وأكثر تلهّفا من موقف الفراق بين المتواخيين، وما ذاق ذائق طعما أمرّ من فراق الخلّين، وانصرام القرينين [روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي (154) ] .