[ô♦ô] ذلة المسلمين وهوانهم [ô♦ô]
إن ما تشهده أمة الإسلام اليوم من تفرق وتشرذم وضعف وخور وجبن ما هو إلا مصداق لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم :" يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ ، قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعــن الله المهابة من صدور أعدائكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن ، قالوا : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت " ( رواه أبو داود وهو حديث صحيح ).
الذل لغة : مصدر قولهم : ذلّ يذلّ ذلّا، وهو مأخوذ من مادّة (ذ ل ل) الّتي تدلّ على الخضوع والاستكانة واللّين، فالذّلّ ضدّ العزّ. يقول ابن فارس: وهذه مقابلة في التّضادّ صحيحة تدلّ على الحكمة الّتي خصّت بها العرب؛ لأنّ العزّ من العزاز، وهي الأرض الصّلبة الشّديدة، والذّلّ خلاف الصّعوبة، وحكي عن بعضهم: بعض الذّلّ (بكسر الذّال) أبقى للأهل والمال، ومن هذا دابّة ذلول ويقال لما وطأ من الطّريق ذلّ، وذلّل القطف تذليلا إذا لان وتدلّى [مقاييس اللغة (2/ 345) ] .
وقال الرّاغب: الذّلّ ما كان عن قهر. يقال: ذلّ يذلّ ذلّا، والذّلّ (بالكسر) ما كان بعد تصعّب، وقول اللّه تعالى: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ (الإسراء/ 24) أي كن كالمقهور لهما، وقريء جَناحَ الذُّلِّ أي لن، وانقد لهما [المفردات (181) ] .
قال القرطبيّ: الذّلّ هو اللّين، وقال الطّبريّ: المعنى أن تلين لهما حتّى لا تمتنع من شيء أحبّاه [تفسير الطبري (8/ 61)، والقرطبي (10/ 159) ] .
وقال الجوهريّ: الذّلّ ضدّ العزّ. يقال: رجل ذليل بيّن الذّلّ والذّلّة والمذلّة من قوم أذلّاء وأذلّة. وتذلّل له: أي خضع، وأذلّ الرّجل أي صار أصحابه أذلّاء [الصحاح (4/ 1701، 1702) ] .
وقال ابن منظور: يقال ذلّ (الرّجل) يذلّ ذلّا وذلّة وذلالة ومذلّة، فهو ذليل بيّن الذّلّ والمذلّة، من قوم أذلّاء، وأذلّة وذلال، والذّلّ بالكسر اللّين، وهو ضدّ الصّعوبة. يقال: دابّة ذلول: بيّنة الذّلّ من دوابّ ذلل. وأذلّه هو وأذلّ الرّجل: صار أصحابه أذلّاء. وأذلّه: وجده ذليلا. واستذلّوه: رأوه ذليلا، ويجمع الذّليل من النّاس أذلّة وذلّانا. والذّلّ: الخسّة. وأذلّه واستذلّه كلّه بمعنى واحد. وتذلّل له أي خضع. وفي أسماء اللّه تعالى: المذلّ؛ هو الّذي يلحق الذّلّ بمن يشاء من عباده وينفي عنه أنواع العزّ جميعها. وفي التّنزيل العزيز: سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا (الأعراف/ 152) قيل: الذّلّة ما أمروا به من قتل أنفسهم [لسان العرب (11/ 256، 258)، وانظر: بصائر ذوي التمييز (3/ 17) ] .
وقيل الذّلّة هي الهوان لعقوبة اللّه إيّاهم على كفرهم بربّهم وذلك بقتل (اليهود) بعضهم بعضا [تفسير الطبري (6/ 71) ] .
الذل اصطلاحا : قال المناويّ: الذّلّ- بالضّمّ- ما كان عن قهر- وبالكسر- ما كان عن تصعّب بغير قهر [التوقيف على مهمات التعاريف (350) ] .
وقال الكفويّ: الذّلّ (بالكسر) في الدّابّة ضدّ الصّعوبة، وبالضّمّ في الإنسان ضدّ العزّ؛ لأنّ ما يلحق الإنسان أكثر قدرا ممّا يلحق الدّابّة، وقيل الذّلّ (بالضّمّ) ما كان عن قهر، (وبالكسر) ما كان عن تصعّب، والذّليل في النّاس هو الفقير الخاضع المهان [الكليات (462، 463) ] .
لقد أصبحت أمة الإسلام اليوم "غثاء" من الكتل البشرية الخاوية ، تعيش على ضفاف مجرى الحياة دويلات متناثرة متفرقة،تفصل بينها حدود جغرافية ونعرات مصطنعة ، تعلوها رايات" الوطنية والقومية " وتحكمها القـوانين العلمانية ، تدور بها "الـدوامـات" الـسـيـاسية فـلا تملك نفسها عن الدوران ، ولا تختار حتى المكان الذي تدور فيه!.
1- قول الله تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) [البقرة: 61] .
2- قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26] .
3- قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) [آل عمران: 110- 112] .
4- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) [الأعراف: 152] .
5- قوله تعالى: (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) [النمل: 34- 37] .
6- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة: 54] .
7- قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ * وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) [يونس: 26- 28] .
8- قوله تعالى: (وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى * قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى) [طه: 133- 135] .
9- قوله تعالى: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ * وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) [ الشورى: 44- 45] .
10- قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) [القلم: 42- 43] .
مـا من يوم تطلع فيه الشمس ، إلا ويزداد اليقين بأن هذه الأمة أُصيبت في مقتل ، وجوبهت مــن ضعف ، وتخاذلت عن صيحات التحذير ، وآيات النذير ، فالقرآن الكريم ، منـهجها الذي يجب أن تـتحاكم إليه ، يبين دواعي هلاك الأمم، والفتن وأسبابها ، وجاءت السنة النبوية محذرة من الوهن وأسبابه ، والضمور ومقدماته ولكنها لم تلتفت لذلك كله .
1- عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزّرع، وتركتم الجهاد سلّط اللّه عليكم ذلّا لا ينزعه حتّى ترجعوا إلى دينكم» [رواه أبو داود (3462)، وقال الألباني (2/ 663): صحيح. وصحّحه أيضا الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (11/ 765) ] .
2- عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «بعثت بين يدي السّاعة بالسّيف حتّى يعبد اللّه تعالى وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي وجعل الذّلّ والصّغار على من خالف أمري، ومن تشبّه بقوم فهو منهم» [رواه أحمد (2/ 92) واللفظ له، قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2831 في صحيح الجامع] .
3- عن المقداد بن الأسود الكنديّ- رضي اللّه عنه- يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: « ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بغز عزيز أو بذل ذليل عز يعر الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر » [ رواه أحمد ( 4 / 203 ) وابن بشران في الأمالي( 6 / 1) والطبراني في المعجم الكبير ( 1 / 126 / 1 ) وابن منده في كتاب الإيمان ( 102 / 1 ) والحافظ عبد الغني المقدسي في ذكر الإسلام ( 166 / 1 ) وقال : حديث حسن صحيح، والحاكم ( 4 / 430431 ) وقال : صحيح على شرك الشيخين ووافقه الذهبي قال الألباني وإنما هو على شرط مسلم فقط انظر تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ص 112] .
4- عن أبي أمامة الباهليّ- رضي اللّه عنه- قال: ورأى سكّة وشيئا من آلة الحرث فقال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «لا يدخل هذا بيت قوم إلّا أدخله اللّه الذّلّ» [رواه البخاري- الفتح 5 (2321) ] .
5- عن حذيفة- رضي اللّه عنه- قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه» قالوا: وكيف يذلّ نفسه؟ قال: «يتعرّض من البلاء لما لا يطيق» [رواه الترمذي (2255) واللفظ له وقال: حسن غريب، ابن ماجة (4016)، رواه أحمد (5/ 405) وانظر الصحيحة للشيخ الألباني (613) ] .
6- عن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة » [رواه ابن ماجة 3606 و حسنه الألباني ] .
7- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنهما- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «يحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذّرّ في صور الرّجال يغشاهم الذّلّ من كلّ مكان، فيساقون إلى سجن في جهنّم يسمّى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النّار طينة الخبال» [رواه الترمذي (2492) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وحسّنه الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (10/ 616) وقال الشيخ الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 8040 في صحيح الجامع] .
8- عن ثوبان- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» فقال قائل: ومن قلّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السّيل، ولينزعنّ اللّه من صدور عدوّكم المهابة منكم، وليقذفنّ اللّه في قلوبكم الوهن» فقال قائل: يا رسول اللّه، وما الوهن؟ قال: «حبّ الدّنيا، وكراهية الموت» [رواه أبو داود (4297)، أحمد (5/ 278) وقال مخرج جامع الأصول: سند حديث أحمد قوي (10/ 28)، وقال الألباني (3/ 810): صحيح ] .
لـقـد قـذف الله فـي قـلــوب المسلمين "الوهن" فأصبحوا أمة تخاف من تكاليف الشجاعة وتحجم عن مجابهة من ظلمها والانتصار لحقها ، وجبنت عن صد الغزاة فتداعت عليها الأمم ، وأحاط بها الأعداء إحاطة السوار بالمعصم وصارت قصعة مستباحة ينهشونها من كل جانب .
1- عن طارق قال: خرج عمر إلى الشّام- ومعنا أبو عبيدة- فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له، فنزل عنها وخلع خفّيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أأنت تخلع خفّيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرّني أنّ أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: أوّه لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمّة محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم. إنّا كنّا أذلّ قوم فأعزّنا اللّه بالإسلام، فمهما نطلب العزّ بغير ما أعزّنا اللّه به أذلّنا اللّه.[رواه الحاكم في المستدرك (1/ 62،61) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين لاحتجاجهما جميعا بأيوب بن عائذ الطائي وسائر رواته ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال الألباني وهما كما قالا] .
2- عن أبي فراس النّهديّ قال: خطب عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- فقال: يا أيّها النّاس، ألا إنّا إنّما كنّا نعرفكم إذ بين ظهرينا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وإذ ينزل الوحي، وإذ ينبّئنا اللّه من أخباركم ألا وإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد انطلق، وقد انقطع الوحي، وإنّما نعرفكم بما نقول لكم: من أظهر منكم خيرا ظننّا به خيرا وأحببناه عليه، ومن أظهر منكم لنا شرّا ظننّا به شرّا وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربّكم، ألا إنّه قد أتى عليّ حين وأنا أحسب أنّ من قرأ القرآن يريد اللّه وما عنده، فقد خيّل إليّ بآخرة ألا إنّ رجالا قد قرؤوه يريدون به ما عند النّاس، فأريدوا اللّه بقراءتكم، وأريدوه بأعمالكم، ألا إنّي واللّه ما أرسل عمّالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلّموكم دينكم وسنّتكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إليّ، فو الّذي نفسي بيده إذن لأقصّنّه منه. فوثب عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين، أو رأيت إن كان رجل من المسلمين على رعيّة فأدّب بعض رعيّته أئنّك لمقتصّه منه؟ قال:إي والّذي نفس عمر بيده، إذن لأقصّنّه منه، وقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقصّ من نفسه. ألا لا تضربوا المسلمين فتذلّوهم، ولا تجمّروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفّروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيّعوهم.[رواه أحمد (1/ 41) واللفظ له وهو عند أبي داود مختصرا (4537) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 278): إسناده حسن] .
3- قال الحسن البصريّ- رحمه اللّه تعالى-: أبى اللّه إلّا أن يذلّ أهل معصيته فمهما طقطقت بهم البغل وهملجت بهم البراذين فإنّ ذلّ المعصية في رقابهم.[الجواب الكافي (67) ] .
هذه الأمة لا تعاني من نقص فـي عدد ولا عدة ولا ثروة ولا مقومات فالمسلمون اليوم أكثر من خمس العالم ، وأراضيهم واسعة شاسعة والخيرات التي حباهم الله إياها كثيرة وفيرة ، لكنها برغم هذا في حالة لا تفرح صديقاً ولا تشمت حاسداً .أما الوزن الدولي فلا شيء فهي موزعة ما بين شرق أوسط وأقصى وأدنـى ، مصنفة تبعاً لموقعها الجغرافي .أما حقوقها وكرامتها فوضعها ووضع العالم منها يلخصه المثل العربي القديم : "أوسعتهم سباً وأودوا بالإبل"!.
وسبب ذلك كله أنها تخلت عن أسباب النصر والتمـكــين وأخلدت إلى الحياة الدنيا وزهرتها وركنت إلى ما حباها الله إياه من خزائن الأرض وخيراتها ، لم تحسن الاستفادة من سواعد رجالها وهمم أبطالها وتضحيات مجاهديها لتسترد حقوقها ، ولم تنتفع بما تدخره من عدد وأسلحة في مواجهة أعدائها ، ولم توظف أدمغة وعقول أبنائها في بناء مجدها ورفعتها .
ففي كل قطر من أقطارها لا يُسمع إلا الأنين والصراخ والعويل لمسلمين دم الواحد منهم أعظم عند الله من هدم الكعبة ، قال النبي صلى الله عليه و سلم : " لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على لله من أن يراق دم امرئ مسلم "وفي رواية " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم " (رواه الترمذي والنسائي) .
1- قال الشاعر:
لا تخضعنّ لمخلوق على طمع *** فإنّ ذلك نقص منك في الدّين
واسترزق اللّه ممّا في خزائنـه *** فأمر ربّك بين الكاف والنّـون
وعلى الرغم من غلاء هذا الدم الطاهر فإن المجازر باتت تقام للمسلمين في كل مكان وأصبح الدم المسلم رخيصاً لا يقام لإراقته وزن. وإن العالم كله من أقصاه إلى أقصاه لا يكاد يغمض عينيه على مذبحة للمسلمين في بلد ما حتى يفتحها على أخرى في بلد غيره . لقد كان من المتوقع أن الشعارات البراقة التي يرفعها الغرب الكافر مثل حقوق الإنسان، والشرعية الدولية، والنظام العالمي الجديد، والديمقراطية، سيكون جاداً في عدم تجاوز حدودها، لكن أحداث فلسطين الحالية والمذابح المرتكبة هناك، كشفت عورة الدول الغربية وأبانت زيف وعنصرية شعار حقوق الإنسان، وعُرف من هو الإنسان الذي تحفظ حقوقه: إنه كل أحد ما عدا المسلم.
قال الشيخ العـز بن عـبـد السلام رحمه الله : وللمصائب والمحن فوائد تختلف باختلاف رتب الناس :
أحدها: معرفة عز الربوبية وقهرها.
الثاني : معرفة ذل العبودية وانكسارهـــا ، وإليه الإشارة بقوله تعالى {الَذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ }، اعترفوا بأنهم ملكه وعبيده ، وأنهم راجعون إلى حكمه وتدبيره ، لا مفر لهم منه ولا محيد لهم عنه.
الثالثة : الإخلاص لله تعالى ، إذ لا مرجع في رفع الشدائد إلا إليه {وإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ } .
الرابعة : التضرع والدعاء { وإذَا مَسَّ الإنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا } .
الخامسة : تمحيصها للذنوب والخطـايــا :" ولا يصيب المؤمن وصب ولا نصب حتى الهم يهمه والشوكة يشاكها إلا كفر به من سيئاته" رواه مسلم.
السادسة : ما في طيها من الفوائد الخفية { فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } ، ولما أخذ الجبار سارة من إبراهيم عليه السلام كان في طــي تلك البلية أن أخدمها هاجر ، فولدت إسماعيل لإبراهيم عليهما السلام ، فكـان من ذرية إسماعيل خاتم النبيين ، فأعظم بذلك من خير كان في طي تلك البلية.
السابعة : إن المصائب والشدائد تمنع من الأشر والبطر والفخر والخيلاء والتكبر والتجبر.
ولهذه الفوائد الجليلة كان أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمـثـل، كالذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ، وتغربوا عن أوطانهم ، وتكاثر أعداؤهم ، ولم يشبع سيد الأولين من خبز مرتين وأوذي بأنواع الأذية وابتلي في آخر الأمر بمـسـيـلـمة وطليحة والعنسي .
الثامنة : الرضا الموجب لرضوان الله تعالـى فــإن الـمـصـائب تنزل بالبر والفاجر فمن سخطها فله السخط ومن رضيها فله الرضا أهـ.
إن سبب الذل المهيمن اليوم على المسلمين مع كثرتهم الكاثرة هو ترك الجهاد كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : " إذا تبايعتم بالعينة، وتركتم الجهاد، ورضيتم بالزرع، وأخذتم أذناب البقر سلّط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم" . (رواه أحمد وأبو داود وهو صحيح ) هذا الحديث وغيره يبين أهمية الجهاد في الإسلام، كيف لا وهو ذروة سنامه وبه قام الدين.
يقول محمد إقبال الشاعر المسلم:
مـن ذا الـذي رفع السـيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم فخارا
كنا جبـالاً في الجبال وربمـا سـرنا على مـوج البحـار بحـارا
لم نخـش طاغوتـا يحاربنـا ولو نصب المنايـا حولنـا أسـوارا
ورؤوسنا يا رب فـوق أكفنـا نرجــو ثوابـك مغنمـاً وجـوارا
ندعو جهارا لا إله سوى الـذي خلـق الوجـود وقـدر الأقــدارا
كنا نرى الأصنام من ذهــب فنهدمهــا ونهـدم فوقهـا الكفـارا
لو كان غير المسلمين لحازها ذهبـاً وصـاغ الحلـي والدينـارا
وكأن ظل السيف ظل حديقـة خضـراء تنبت حولهـا الأزهـارا
إن شواهد التاريخ الماضي والواقع الحي تدل على أنه لا يردع قوى الكفر والظـلم والفساد في الأرض مثل دم يهراق في سبيل الله تعالى. فكم هي الحاجة ماسة إلى كتائب مؤمنة تصدق مع الله وتمضي في سبيل إعزاز دينه ورفع كلمته ونشر العدل في الأرض ، وإذا علم الله تبارك وتعالى صدق النية، ومضاء العزيمة، وخلوص القصد، فإنه ينصرهم على عدوهم ويمكن لهم في الأرض { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } .
• ــ وينبغي أن يكون العلماء هم قادة الأمة :
فعلى أولي الأمر في بلاد المسلمين أن يقربوا إليهم العلماء الربانيين الذين يقضون بالحق وبه يعدلون ، ويتميزون بمنهجيتهم وموضوعيتهم في رؤية حقائق الواقع، ومواجهة تحديات العصر.
فالأمة التي يقودها ويتولى زمام أمورها فقهاء وعلماء أولو ألـبـاب تتقدم وتنتصر ، أما الأمة التي يقودها ويتولى زمام أمورها خطباء لا يحسنون إلا الـتلاعب بالمشاعر والعواطف ، فإنها ستظل تتلهى بـالأماني حتى إذا جابهت الأزمات لم يفقه حكامها من الخطباء ماذا يصنعون ؟ فيؤول أمرهم إلى أن يفشلوا ويحلوا أمتهم دار البوار .