العربي
عضو جديد
الجنس : العمر : 30 مكة المكرمة التسجيل : 12/03/2012 عدد المساهمات : 27
| موضوع: ¤ô۞ô¤ الشكر .. نصف الإيمان ¤ô۞ô¤ الجمعة 16 مارس 2012, 9:10 pm | |
|
◙◙◙◙◙◙◙◙◙◙
¤ô۞ô¤ الشكر .. نصف الإيمان ¤ô۞ô¤
◙◙◙◙◙◙◙◙◙◙ الحمد لله أهل الحمد والثناء، المنفرد برداء الكبرياء، المتوحد بصفات الجلال والإكرام، والعظمة والسلطان، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك، لك الحمد حتى ترضا، ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد إذا رضيت، نحمد حمد الذاكرين، ونشكرك شكراً عظيماً إلى يوم الدين، نحمدك على ما أوليت لنا من النعم، التي من أجلها وأعظمها أن أرسلت لنا البشير النذير المبعوث رحمة للعالمين، سيد الشاكرين، وإمام المتقين القائل وقد سأل عن قيامه بين يدي ربه وقد غفر له من تقدم من ذنبه وما تأخر فقال – صلى الله عليه وسلم:" أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا "(1) صلى الله عليه وسلم وعلى أله وصحبه أجمعين.
أعلم رحمك الله أن القلب هو محل نظر الخالق سبحانه " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" .
فهذا القلب الذي هو محل نظر الله له الأعمال المتعلقة به فالأعمال الصالحات كثيرة، منها أعمال الجوارح، ومنها أعمال القلوب من خوف ورجاء، وتوكل وإنابة، ويقين وورع، والتوبة والإخبات، والإخلاص والمراقبة، وغيرها من أعمال القلوب، وهناك من الأعمال ما هو من أعمال الجوارح، والقلوب منها الشكر الذي هو موضوع بحثنا، فالشكر باللسان هو الثناء على المنعم، وشكر القلب هو تصور النعمة، وشكر باقي الجوارح هو استعمالها فيما خلقت له كما سيأتي الحديث عنه إن شاء الله تعالى في ثنايا هذا البحث.
فالشكر من أهم الأعمال الصالحات التي يتقرب بها العبد المسلم إلى نيل رضا ربه سبحانه وتعالى، ومنزله في الدين عظمية فهو نصف الإيمان فالإيمان نصفان، الصبر نصف، والشكر نصف فعن أنس-رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أنس, الإيمان نصفان نصف شكر ونصف صبر" فلا شك أن له منزله عظيمة، وأنه من أهم أعمال القلوب.
يقول ابن القيم –رحمه الله تعالى- وهو يتحدث عن الشكر: منزلة الشكر هي من أعلى المنازل، وهو أي الشكر نصف الإيمان،فالإيمان نصفان: نصف شكر ونصف صبر، وقد أمر الله به، ونهى عن ضده، وأثنى على أهله، ووصف به خواص خلقه، وجعله غاية خلقه، وأمره ووعد أهله بأحسن جزائه، وجعله سببا للمزيد من فضله، وحارسا وحافظا لنعمته، وأخبر أن أهله هم المنتفعون بآياته، واشتق لهم اسما من أسمائه فإنه سبحانه هو الشكور وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكورا، وهو غاية الرب من عبده، وأهله هم القليل من عباده قال الله تعالى : ﴿ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾[البقرة: 172]، وقال سبحانه : ﴿ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة:152] .
وقبل الشروع في المقصود نعرج على تعريف الشكر عند أهل اللغة والاصطلاح.
✧✧✧✧✧
◙ تعريف الشكر في اللغة ◙
مادة[ ش ك ر] تدل في اللغة على الثناء على المحسن، والمجازاة، وعرفان الإحسان، يقال: شَكَرَهُ وشَكَرَ له يَشْكُرُ شُكْراً وشُكُوراً وشُكْراناً
فالشُّكْرُ بالضم: عِرْفانُ الإحسان ونَشْرُه أو لا يكونُ إلاَّ عن يَدٍ ومن اللَّهِ: المُجازاةُ والثَّناءُ الجميلُ شَكَرَهُ وله شُكْراً وشُكُوراً وشُكْراناً .
والشُّكْرُ الثناءُ على المُحْسِنِ بما أَوْلاكَهُ من المعروف يقال شَكَرْتُه وشَكَرْتُ له. يقال شكرت الله وشكرت لله وشَكَرْتُ بالله وكذلك شكرت نعمة الله وتَشَكَّرَ له بلاءَه كشَكَرَهُ وتَشَكَّرْتُ له مثل شَكَرْتُ له، وفي حديث يعقوب إِنه" كان لا يأْكل شُحُومَ الإِبل تَشَكُّراً لله -عز وجل-", وأَنشد أَبو علي:
وإِنِّي لآتِيكُمْ تَشَكُّرَ ما مَضَى من الأَمْرِ واسْتيجابَ ما كان في الغَدِ
أَي لِتَشَكُّرِ ما مضى وأَراد ما يكون فوضع الماضي موضع الآتي, ورجل شَكورٌ كثير الشُّكْرِ وفي التنزيل العزيز: ﴿ إِنه كان عَبْداً شَكُوراً ﴾ [الإسراء:3]، وفي الحديث حين رُؤيَ صلى الله عليه وسلم وقد جَهَدَ نَفْسَهُ بالعبادة فقيل له يا رسول الله أَتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأَخر ؟ أَنه قال عليه السلام:" أَفَلا أَكونُ عَبْداً شَكُوراً" ؟ وكذلك الأُنثى شكور بغير هاء.
والشُّكْرانُ خلاف الكُفْرانِ والشَّكُور من الدواب ما يكفيه العَلَفُ القليلُ، وقيل الشكور من الدواب الذي يسمن على قلة العلف كأَنه يَشْكُرُ وإِن كان ذلك الإِحسان قليلاً، وشُكْرُه ظهورُ نمائه وظُهُورُ العَلَفِ فيه. فأصل الشكر ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان، ظهورا بينا يقال: شكرت الدابة تشكر شكرا على وزن سمنت تسمن سمنا: إذا ظهر عليها أثر العلف ودابة شكور: إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تأكل وتعطى من العلف، وفي السنة: "حتى إن الدواب لتشكر من لحومهم أي لتسمن من كثرة ما تأكل منها" .
فمن خلال ما سبق يمكن القول أن الشكر على جملة من المعاني :
- بمعنى الثناء على المحسن بما قام به من المعروف.
- الرضا بالقليل ومنه الدواب الشكور التي يكفيها العلف القليل.
- ويأتي بمعنى الظهور يقال دابة شكور: إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تأكل وتعطى من العلف.
والشَّكُور: من صفات الله جل اسمه: معناه أَنه يزكو عنده القليل من أَعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء وشُكْرُه لعباده مغفرته لهم، وقيل: الشَّكُورُ في أسمائه هو مُعطي الثوابِ الجَزِيلِ بالعملِ القليلِ فالشَّكُورُ من أَبنية المبالغة.
وأَما الشَّكُورُ من عباد الله فهو الذي يجتهد في شكر ربه بطاعته وأَدائه ما وَظَّفَ عليه من عبادته وقد قال الله تعالى : ﴿ اعْمَلُوا آلَ داودَ شُكْراً وقليلٌ من عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾[ سبأ:13] .
يقول الجرجاني: والشكر اللغوي هو الوصف بالجميل على جهة التعظيم والتبجيل على النعمة من اللسان والجنان والأركان .
✧✧✧✧✧
◙ الشكر في الاصطلاح ◙
وسبق وذكرنا أن الشُّكْرُ هو الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف، وعبارات أهل العلم في تعريف الشكر كثيرة دارت معظمها بين الثناء والاعتراف والمشاهدة.
فقد قيل في تعريفه هو الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع.
وقيل: الثناءُ على المُحسن بذِكرِ إحسانه، فالعبد يشكر الله أي يثني عليه بذكر إحسانه الذي هو نعمة والله يشكر العبد أي يثني عليه بقبوله إحسانه الذي هو طاعته.
وقال بعضهم: هو عُكُوفُ القَلْبِ على محبةِ المنعمِ والجوارحِ على طاعتهِ وجَريانَ اللسانِ بذِكْره والثناء عليه، وهذا تعريف للشكر بضروبه الثلاثة كما سيأتي.
وقيل: هو مُشاهدةُ المِنةِ وحفظُ الحُرمةِ، وقال الجنيد: الشكر أن لا ترى نفسك أهلاً للنعمة.ومثله قول حمدون القصار في شكر النعمة: أن ترى نفسك فيها طُفَيْلياًّ.
وقيل: هو إضافةُ النعمِ إلى مَولاها، وقال بعضهم: الشُّكْرُ: اسْتِفْراغُ الطاقةِ يعني في الخدمةِ.
وقال الشبليّ: الشُّكْرُ رُؤيةُ المُنعمِ لا رؤيةُ النِّعْمَة، ومعنى ذلك: أن لايَحجبه رؤيةُ النِّعْمةِ ومُشاهدتها عن رؤيةِ المُنعمِ بها. وقيل: الشُّكْرُ قيدُ النِّعَمِ المَوجودةِ، وصيدُ النعمِ المَفقودةِ .
وقالوا: الشكر عبارة عن معروف يقابل النعمة سواء كان باللسان أو باليد أو بالقلب .
ويقول الجرجاني: والشكر العرفي هو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من السمع والبصر وغيرهما إلى ما خلق لأجله فبين الشكر اللغوي، والشكر العرفي عموم وخصوص مطلق كما أن بين الحمد العرفي والشكر العرفي أيضا كذلك .
✧✧✧✧✧
◙ الفرق بين الحمد والشكر ◙
وعند الحديث عن الشكر لابد من الحديث عن الحمد والفرق بينهما وقد أطال أهل العلم الحديث في ذلك، وفي بيان الفرق بينهما من جهة المدلول أو المتعلق أو غير ذلك.
فمن العلماء من قال الحمد الشكر فلم يفرق بينهما قاله اللحياني وقال الأخفش: الحمد لله الثناء.
وقال ثعلب: الحمد يكون عن يد وعن غير يد، والشكر لا يكون إِلا عن يد.
قال الأَزهري الشكر لا يكون إِلا ثناء ليد أَوليتها، والحمد قد يكون شكراً للصنيعة، ويكون ابتداء للثناء على الرجل فحمدُ الله الثناءُ عليه، ويكون شكراً لنعمه التي شملت الكل، والحمد أَعم من الشكر .
وفي لسان العرب: والحمد والشكر متقاربان والحمد أَعمهما لأَنك تحمد الإِنسان على صفاته الذاتية وعلى عطائه ولا تشكره على صفاته .
وقال بعضهم: والحمد والشكر في اللغة يفترقان فالحمد لله الثناء على الله تعالى بصفاته الحسنى والشكر أن يشكره على ما انعم به عليه، وقد يوضع الحمد موضع الشكر ولا يوضع الشكر موضع الحمد .
بمعنى أن الحمد أعم من الشكر قال ابن منظور: والشُّكْرُ مثل الحمد إِلا أَن الحمد أَعم منه فإِنك تَحْمَدُ الإِنسانَ على صفاته الجميلة وعلى معروفه ولا تشكره إِلا على معروفه دون صفاته، والشُّكْرُ مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية فيثني على المنعم بلسانه ويذيب نفسه في طاعته ويعتقد أَنه مُولِيها .
ومنه الحديث الحمد رأْس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده كما أَن كلمة الإِخلاص رأْس الإِيمان وإِنما كان رأْس الشكر لأَن فيه إِظهار النعمة والإِشادة بها ولأَنه أَعم منه فهو شكر وزيادة .
والى هذا ذهب الرازي في مختار الصحاح .
وفي تاج العروس: وقد تكلم الناس في الفرق بين الحمد والشكرِ أيهما أفضل ؟ والفرق بينهما أن الشُّكر أعم من جِهة أنواعه وأسبابه وأخص من جِهةُ مُتعلقاته، والحمد أعم من جهة المُتعلقات وأخص من جهة الأسباب، ومعنى هذا أنَّ الشُّكر يكون بالقلب خُضُوعاً واستكانةً وباللسانِ ثناءً واعترافاً، وبالجوارح طاعةً وانقياداً ومتعلقة المُنْعم دون الأوصاف ذاتية فلا يقال: شَكرنا اللهَ على حياته وسَمعه وبصره وعلمه، وهو المحمود بها كما هو محمود على إحسانه وعدله، والشُّكر يكون على الإحسانِ والنعمِ فكل ما يتعلقُ به الشُّكر يتعلق به الحمد من غير عكسٍ وكل ما يقع به الحمدُ يقع به الشُّكر من غير عكس فإن الشُّكر يقع بالجوارح والحمد باللسان .
فالفرق بينهما أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه وأخص من جهة متعلقاته، والحمد أعم من جهة المتعلقات وأخص من جهة الأسباب.
ومعنى هذا : أن الشكر يكون: بالقلب خضوعا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافا ، وبالجوارح طاعة وانقيادا وأما متعلق الشكر فهي: النعم دون الأوصاف الذاتية فلا يقال: شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه، وهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله، والشكر يكون على الإحسان والنعم فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس، وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس فإن الشكر يقع بالجوارح، والحمد يقع بالقلب واللسان .
✧✧✧✧✧
◙ أنواع الشكر ◙
والشكر على ثلاثة أنواع هي:
-شكر القلب: وهو تصور النعمة.
وشكر اللسان: وهو الثناء على المنعم، ومنه قوله –صلى الله عليه وسلم-: " أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمُد لله " ، ومن الشكر باللسان التحدث بنعمة الله تعالى عليك فعن النعمان بن بشير-رضي الله عنه- قال قال النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله -عز وجل- والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب" .
-وشكر الجوارح : وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه بمعنى استعمالها فيما خلقت له.
ومنه قوله تعالى : ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً ﴾ [سبأ:13], يقول القرطبي –رحمه الله - قال الزهري: اعملوا آل داود شكرا أي قولوا الحمد لله، وشكرا نصب على جهة المفعول أي اعملوا عملاً هو الشكر، وكأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي في نفسها الشكر إذا سدت مسده، فحقيقة الشكر الاعتراف بالنعمة للمنعم، واستعمالها في طاعته، والكفران استعمالها في المعصية، بمعنى أن العبادات وخاصة البدنية هي شكر الجوارح .
ويقول ابن القيم-رحمه الله-: وحقيقة الشكر في العبودية هي ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه: شهودا ومحبة، وعلى جوارحه: انقيادا وطاعة .
✧✧✧✧✧
◙ مبنى الشكر ◙
يبنى الشكر على خمسة قواعد يدور عليها الكلام في الشكر:
وأول هذه القواعد هي خضوع الشاكر للمشكور.
والثانية: الحب للمشكور.
والثالثة: اعتراف الشاكر بنعمة المشكور.
الرابعة: ثناء الشاكر عليه.
والخامسة: استعمال هذه النعم فيما يرضيه، وعدم استعمالها فيما يكره .
جاء في تاج العروس: الشكر مبني على خمس قواعد: خُضُوع الشاكرِ للمَشْكُورِ وحُبه له واعترافه بنعمتهِ والثناء عليه بها وأن لا يَسْتَعْمِلها فيما يكره هذه الخمسة هي أساسُ الشُّكْرِ وبناؤه عليها فإن عَدمَ منها واحدة اختلت قاعدةٌ من قواعد الشُّكرِ وكلّ من تكلمَ في الشُّكْرِ فإن كلامه إليها يَرجعُ وعليها يدورُ.
✧✧✧✧✧
◙ فضل الشكر ◙
من أسماء المولى -جل وعلا– فقد أشتق سبحانه لأهل الشكر أسماً من أسمائه فمن أسمائه سبحانه الشكور قال– عز وجل-: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر:34]، وقال سبحانه: ﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾[الشورى:23], ويقول سبحانه وتعالى: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً﴾[النساء:147].
يقول العلامة ابن القيم-رحمه الله-: وسمى نفسه شاكرا وشكورا وسمى الشاكرين بهذين الاسمين فأعطاهم من وصفه وسماهم باسمه وحسبك بهذا محبة للشاكرين وفضلا .
وقد أمر الله – عز وجل- به في كثير من الآيات في القرآن الكريم فقال سبحانه وتعالى : ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ﴾[البقرة:152], وقال –عز وجل-:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾[البقرة:172], وقال : ﴿ فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾[النحل:114], وقال سبحانه : ﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ ﴾[الزمر:66], وقال – عز وجل-:﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾[لقمان:12].
فمن أول ما أمر الله- عز وجل- لقمان هي شكره، مع ما أمتن الله به عليه من النعم الجزيلة والكثيرة فشكر الله –عز وجل- وهذا من الحكمة يقول ابن عاشور-رحمه الله-: وكان أول ما لُقنه لقمان من الحكمة هو الحكمة في نفسه بأن أمره الله بشكره على ما هو محفوف به من نعم الله التي منها نعمة الاصطفاء لإعطائه الحكمة وإعداده لذلك بقابليته لها، وهذا رأس الحكمة لتضمنه النظر في دلائل نفسه وحقيقته قبل النظر في حقائق الأشياء وقبل التصدي لإرشاد غيره، ويقول أيضاً وشكر الله من الحكمة ، إذ الحكمة تدعو إلى معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه لقصد العمل بمقتضى العلم ، فالحكيم يبث في الناس تلك الحقائق على حسب قابلياتهم بطريقة التشريع تارة والموعظة أخرى، مع حملهم على العمل بما علموه من ذلك، وذلك العمل من الشكر إذ الشكر قد عُرف بأنه صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من مواهب ونِعم فيما خلق لأجله؛ فكان شكر الله هو الأهم في الأعمال، فهو رأس الحكمة، الذي هي تقديم العلم بالأنفع على العلم بما هو دونه .
✧✧✧✧✧
◙ المنتفع الحقيقي ◙
صاحب الشكر هو المنتفع الحقيقي بالشكر، فلا ينتفع بالشكر إلا أهل الشكر قال سبحانه: ﴿ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾[لقمان:12].
فقد بين سبحانه وتعالى أن فوائد الشكر لا ينتفع بها إلا من شكر وكان من الشاكرين، فنفع الشكر راجع إليه، فهو المستفيد الحقيقي منه، ففي هذه الآية بين سبحانه: أن الشكر لا ينتفع به إلا الشاكر ، فقال:﴿ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ لأن نفع ذلك راجع إليه وفائدته حاصلة له؛ إذ به تستبقى النعمة، وبسببه يستجلب المزيد لها من الله سبحانه:﴿ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ أي من جعل كفر النعم مكان شكرها، فإن الله غنيّ عن شكره غير محتاج إليه .
فآثار شكر الله كمالات حاصلة للشاكر، ولا تنفع المشكور شيئاً لغناه سبحانه عن شكر الشاكرين، ولذلك جيء به في صورة الشرط لتحقيق التعلق بين مضمون الشرط ومضمون الجزاء ، فإن الشرط أدل على ذلك من الإخبار، وجيء بصيغة حصر نفع الشكر في الثبوت للشاكر بقوله : ﴿ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ أي ما يشكر إلا لفائدة نفسه، ولام التعليل مؤذنة بالفائدة، وزيد ذلك تبيناً بعطف ضده بقوله ﴿ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ لإفادة أن الإعراض عن الشكر بعد استشعاره كفر للنعمة وأن الله غنيّ عن شكره بخلاف شأن المخلوقات إذ يكسبهم الشكر فوائد بين بني جنسهم تجر إليهم منافع الطاعة أو الإعانة أو الإغناء أو غير ذلك من فوائد الشكر للمشكورين على تفاوت مقاماتهم .
✧✧✧✧✧
◙ من صفات الأنبياء الكرام ◙
والشكر قد وصف الله–عز وجل- به أنبيائه الكرام، الذين اصطفاهم من خلقه فقد قال سبحانه وتعالى عن نوح- عليه السلام-: ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ﴾[الإسراء:3], فقد قيل عن نوح - عليه السلام- أنه كان إذا أكل قال: الحمد لله الذي أطعمني، ولو شاء أجاعني . وإذا شرب قال: الحمد لله الذي سقاني، ولو شاء أظمأني، وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كساني ، ولو شاء أعراني، وإذا احتذى قال: الحمد لله الذي حذاني، ولو شاء أحفاني، وإذا قضى حاجته قال: الحمد لله الذي أخرج عني أذاه في عافية، ولو شاء حبسه، وقيل: أنه كان إذا أراد الإفطار عرض طعامه على من آمن به ، فإن وجده محتاجاً آثره به .
وقال عن خليله إبراهيم -عليه السلام-: ﴿ شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾[النحل:121], وقال سبحانه وتعالى : ﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾[سبأ:13], فآل داود عليه السلام كانوا قائمين بشكر الله – عز وجل- بالقول والفعل، فالآية تدل على حصول الشكر بالقول والفعل يقول الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا.
وقال أبو عبد الرحمن الحبلي: الصلاة شكر والصيام شكر وكل خير تعمله لله -عز وجل- شكر وأفضل الشكر الحمد .
وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على قيام آل داود عليه السلام بالشكر قولاً وعملاً ففي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وأحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما " .
وفي شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ذكرته لنا عائشة -رضي الله عنها-: أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقالت عائشة لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال: "أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا " .
وكان من دعائه- صلى الله عليه وسلم- كما روى ابن عباس –رضي الله عنه-: "رب اجعلني لك شكارا لك ذكارا لك رهابا لك مطواعا لك مخبتا إليك أواها منيبا..." .
✧✧✧✧✧
◙ من صفات أهل الإيمان ◙
فقد أثنى الله – عز وجل- على أهل الإيمان وهم أهل الشكر فسعيهم مشكور قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً ﴾[الإسراء:19], وقال– عز وجل-:﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ﴾[الفرقان:62]، وقال -سبحانه وتعالى-:﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً ﴾[الإنسان:22]، وأهل الإيمان هم أهل الذكر، عند النظر في آيات الله الباهرات هنا وهناك، وهم أهل الشكر لله على ما أنعم عليهم من النعم الكثيرة التي لا تحصى من جملتها تعاقب الليل والنهار قال الله– عز وجل-: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ﴾[الفرقان:62]، وأهل الإيمان هم أهل، وأهل الشكر هم القليل من عباده قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾[سبأ:13].
✧✧✧✧✧
◙ أهل الشكر هم المنتفعون من الآيات ◙
قال سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾[لقمان:31], وقال –عز وجل-: ﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾[سبأ:19], وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [إبراهيم:5], فهم أهل الانتفاع الحقيقي من هذه الآيات المبثوثة في أرجاء هذا الكون العظيم، لذلك تجدهم يلهثون بذكر الله، ويسبحون بحمده ويقدسون، ويشكرونه على ما أنعم عليهم بهذه النعم.
✧✧✧✧✧
◙ الجزاء الحسن ◙
فقد وعد الله– عز وجل- عليه بالجزاء الحسن، والزيادة منه سبحانه، والأجر الكبير والكثير، سبحانه ما أكرمه فقد قال عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾[آل عمران:145], وقال سبحانه: ﴿ وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾[آل عمران:144].
ومن الجزاء الحسن على الشكر الزيادة، فكلما حصل منك الشكر على النعمة حصلت لك الزيادة فيها فالشكر سبب الزيادة قال سبحانه وتعالى : ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾[إبراهيم:7].
فقوله : ﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ أي لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، ﴿ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ أي كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها ﴿ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها وقد جاء في الحديث: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" .
ويقول العلامة القرطبي-رحمه الله- بعد أن ذكر جمله من الأقوال في معنى الآية: والآية نص في أن الشكر سبب المزيد.
وقد قال على بن أبي طالب- رضي الله عنه- لرجل من همدان: إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قَرَن، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد.
ومن الجزاء الحسن الذي يلقه صاحب الشكر الأجر الكبير على شكره فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر".
قال أبو حاتم: شكر الطاعم الذي يقوم بإزاء أجر الصائم الصابر: هو أن يطعم المسلم ثم لا يعصي باريه يقويه ويتم شكره بإتيان طاعاته بجوارحه لأن الصائم قرن به الصبر لصبره عن المحظورات وكذلك قرن بالطاعم الشكر فيجب أن يكون هذا الشكر الذي يقوم بإزاء ذلك الصبر يقاربه أو يشاركه وهو ترك المحظورات على ما ذكرناه.
وقال الطيبي-رحمه الله-: ربما توهم متوهم أن ثواب الشكر يقصر عن ثواب الصبر فأزيل توهمه، أو وجه الشبه اشتراكهما في حبس النفس فالصابر يحبس نفسه على طاعة المنعم والشاكر يحبس نفسه على محبته , والحاصل هو حصول الأجر الكبير على الشكر، وفي الحديث الحث على شكر الله على جميع نعمه إذ لا يختص ذلك بالأكل وهو المقصود.
✧✧✧✧✧
◙ أهمية الشكر ◙
أحد أسس الدين:
مما يدل على أهمية الشكر أنه أحد الأسس التي بني عليها الدين يقول ابن القيم –رحمه الله-: مبنى الدين على قاعدتين الذكر والشكر ثم يدلل -رحمه الله- على ذلك بقوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ﴾[البقرة:152]، وبقوله-صلى الله عليه وسلم- لمعاذ- رضي الله عنه- والله إني لأحبك فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" ويقول: وليس المراد بالذكر مجرد الذكر اللسان بل الذكر القلبي واللساني وذكره يتضمن ذكر أسمائه وصفاته، وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه، وذلك يستلزم معرفته والإيمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثناء عليه بأنواع المدح وذلك لا يتم إلا بتوحيده فذكره الحقيقي يستلزم ذلك كله ويستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إلي خلقه.
ويقول –رحمه الله-:وأما الشكر فهو القيام بطاعته والتقرب إليه بأنواع محابه ظاهرا وباطنا وهذان الأمران هما جماع الدين فذكره مستلزم لمعرفته وشكره متضمن لطاعته وهذان هما الغاية التي خلق لأجلها الجن والإنس والسموات والأرض ووضع لأجلها الثواب والعقاب وأنزل الكتب وأرسل الرسل ....
يرضاه الله تعالى:
ومما يدل على أهمية الشكر أن الشكر من أهم الأسباب لحصول رضا الرب تبارك وتعالى، فالشكر يرضاه الله سبحانه وتعالى:﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر:7].
فالشكر يرضاه الله- عز وجل- لعباده لأن النفع حاصل لهم بالشكر، فقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ أي يرض الشكر لآجلكم ومنفعتكم لأنه سبب لفوزكم بسعادة الدارين لا لانتفاعه تعالى به، وإنما قيل لعباده لا لكم لتعميم الحكم .
الأمن من عذاب:
قال تعالى : ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً﴾[النساء:147].
فالشكر آمان من عذاب الله، فالشاكر يحصل له الآمان من عذاب الله تعالى بخلاف المنافق المعرض لعذاب الله-عز وجل-، يقول بن جرير-رحمه الله- في معنى الآية: ما يصنع الله أيها المنافقون بعذابكم إن أنتم تبتم إلى الله ورجعتم إلى الحق الواجب لله عليكم فشكرتموه على ما أنعم عليكم من نعمه في أنفسكم وأهاليكم وأولادكم بالإنابة إلى توحيده والاعتصام به وإخلاصكم أعمالكم لوجهه، والإيمان برسوله-صلى الله عليه وسلم- فإن أنتم شكرتم له على نعمه وأطعتموه في أمره ونهيه فلا حاجة به إلى تعذيبكم بل يشكر لكم ما يكون منكم من طاعة له، وشكر بمجازاتكم على ذلك بما تقصر عنه أمانيكم ولم تبلغه آمالكم .
أفضل الأموال:
والشكر من أفضل الأموال التي يحصل عليها المسلم في هذه الدنيا فعن ثوبان-رضي الله عنه: "قال: لما نزلت: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ﴾[التوبة:34] قال كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه أنزل في الذهب والفضة ما أنزل لو علمنا أي المال خير فنتخذه ؟ فقال: " أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه" .
فالشكر من أفضل ما يكتسبه الإنسان ففي وصية النبي - صلى الله عليه وسلم- لمعاذ-رضي الله عنه- ما رواه لنا أبو أمامة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل- رضي الله عنه-: "يا معاذ قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خير ما اكتسبه الناس" .
✧✧✧✧✧
◙ درجات الشكر ◙
والشكر على ثلاث درجات ذكرها العلامة ابن القيم –رحمه الله- نوجزها بما يلي:
- الدرجة الأولى: الشكر على المحاب، وهذا شكر تشاركت فيه المسلمون واليهود والنصارى والمجوس ومن سعة رحمة -الباري سبحانه-: أن عده شكرا ووعد عليه الزيادة وأوجب فيه
المثوبة،وحقيقة هذا الشكر: الاستعانة بنعم المنعم على طاعته ومرضاته:ومن خلال هذا تعلم أن هذه الدرجة من درجات الشكر أختص بها أهل الإسلام، وأن حقيقة الشكر على المحاب ليست لغيرهم.
نعم لغيرهم منها بعض أركانها وأجزائها كالاعتراف بالنعمة والثناء على المنعم بها فإن جميع الخلق في نعم الله، ولا شك أن كل من أقر بالله ربا، وتفرده بالخلق، والإحسان فإنه يضيف نعمته إليه، لكن الشأن في تمام حقيقة الشكر وهو الاستعانة بها على مرضاته، وهذا مما أختص به أهل الإسلام .
الدرجة الثانية: الشكر في المكاره:
وهذا الشكر أشد وأصعب من الشكر على المحاب، وهذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة، ولهذا كان فوقه في الدرجة، وهذا الشكر لا يكون إلا من أحد رجلين: إما رجل لا يميز بين الحالات بل يستوي عنده المكروه والمحبوب فشكر هذا : إظهار منه للرضى بما نزل به وهذا مقام الرضى.
الرجل الثاني: من يميز بين الأحوال فهو لا يحب المكروه ولا يرضى بنزوله به، فإذا نزل به مكروه شكر الله تعالى عليه فكان شكره كظما للغيظ الذي أصابه، وسترا للشكوى، ورعاية منه للأدب وسلوكا لمسلك العلم فإن العلم والأدب يأمران بشكر الله على السراء والضراء فهو يسلك بهذا الشكر مسلك العلم، فشكره لله شكر من رضي بقضائه كحال الذي قبله فالذي قبله أرفع منه.
وإنما كان هذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة : لأنه قابل المكاره التي يقابلها أكثر الناس بالجزع والسخط وأوساطهم بالصبر وخاصتهم بالرضى فقابلها هو بأعلى من ذلك كله وهو الشكر فكان أسبقهم دخولا إلى الجنة وأول من يدعى منهم إليها .
الدرجة الثالثة: أن لا يشهد العبد إلا المنعم.
فإذا شهد المنعم عبودية: استعظم منه النعمة، وإذا شهده حبا: استحلى منه الشدة، وإذا شهده تفريدا: لم يشهد منه نعمة ولا شدة، يستغرق صاحبها بشهود المنعم عن النعمة فلا يتسع شهوده للمنعم ولغيره،وهم على ثلاثة أقسام: أصحاب شهود العبودية: وهي مشاهدة العبد للسيد بحقيقة العبودية والملك له، وأصحاب شهود الحب، وأصحاب شهود التفريد، ولكل قسم من هذه الأقسام حكم وتفاصيل، تنظر في موطنها حتى لا يطول بنا المقام .
✧✧✧✧✧
◙ ثمار الشكر ◙
وثمار الشكر التي يجنيها الشاكر في الدنيا والآخرة كثيرة، ولعل من أهمها:
- الشكر من كمال الإيمان وحسن الإسلام فهو نصف الإيمان.
- الشكر اعتراف بالمنعم والنعمة.
- سبب من أسباب حفظ النعمة بل من الزيادة فيها.
- لا يكون الشكر باللسان فقط بل يكون بالجوارح والأركان.
- من أسباب كسب المؤمن رضا الرب تبارك وتعالى.
- فيه دليل على سمو النفس وعلوها.
- الشكور قرير العين، يحب الخير للآخرين، ولا يحسد من كان في نعمة .
ومن فوائد وثماره أيضاً:
- أن الشكر يجعل صاحبه من أهل خواص عباد الله وقليل ما هم.
- الجزاء الحسن على الشكر.
- الاعتبار بآيات الله، والانتفاع بها.
- حصول الآمان من عذاب الله-عز وجل-.
- الاقتداء بالأنبياء الكرام فهم أهل الشكر، وغير ذلك من الفوائد والثمار.
ومن خلال ما سبق بيانه نعلم أن الشكر من أهم أعمال القلوب، التي هي محل نظر الله تعالى، فالشكر عندما يملأ القلب، يجعل هذا القلب عامراً بالإيمان وعمل الصالحات، والله نسأل أن يجعلنا من الشاكرين الذاكرين الحامدين له سبحانه وتعالى، الفائزين في الدنيا والآخرة، والله نسأل أن يلهمنا الرشد والصواب والتوفيق والسداد أنه على ما يشاء قدير، والحمد لله رب العالمين، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة، وصلى الله وسلم على إمام القائمين، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ◙◙◙◙◙◙◙◙◙◙
| |
|