صقر طيبة
عضو مبدع
الجنس : العمر : 46 طيبة الطيبة التسجيل : 08/09/2011 عدد المساهمات : 242
| موضوع: ~¤¦¦۞¦¦ أركان الإيمان ¦¦۞¦¦¤~ الثلاثاء 29 نوفمبر 2011, 11:31 am | |
|
أركان الإيمان
أركان الإيمان:
أركان الإيمان هي: الإيمان بالله و ملائكته وكتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره, و لا يتم إيمان أحد إلا إذا آمن بها جميعا على الوجه الذي دل عليه كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و أما من جحد شيئا منها فقد خرج عن دائرة الإيمان و صار من الكافرين. و قد جاء ذكر هذه الأركان في الكتاب و السنة, و نذكر من ذلك الأمثلة التالية:
قوله عز و جل: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله, لا نفرق بين أحد من رسله, و قالوا سمعنا و أطعنا, غفرانك ربنا و إليك المصير" (البقرة, الآية 285).
و قوله صلى الله عليه و سلم عندما سئل عن الإيمان: "أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر, و تؤمن بالقدر خيره و شره" (رواه الإمام مسلم في صحيحه).
الإيمان بالله عز و جل:
يتضمن الإيمان بالله عز و جل توحيده في ربوبيته, و في ألوهيته, و في أسمائه و صفاته. و فيما يلي تلخيص لكل من أنواع التوحيد هذه:
1) توحيد الربوبية: معنى توحيد الربويية هو الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء و لا رب غيره. و الرب في اللغة هو المالك المدبر, و على هذا فإن ربوبية الله على جميع مخلوقاته تعني تفرده سبحانه و تعالى في خلقهم و ملكهم و تدبير أمورهم. فإن توحيد الربوبية معناه الإقرار بأن الله عز و جل هو الفاعل المطلق في الكون, لا يشاركه أحد في فعله سبحانه و تعالى. و على هذا فإن الله سبحانه و تعالى, خالق السماوات والأرض و ما فيهن, هو الوحيد المستحق للعبادة, و هو وحده الجدير بصفات الجلال و الكمال لأن هذه الصفات لا تكون إلا لرب العالمين.
و أما الذين يقرون بأن الله رب كل شيء, و لا يوحدونه في ألوهيته فيشركون معه غيره في العبادة, و لا يوحدونه في أسمائه و صفاته, فيعطلونها أو يشبهونها بصفات المخلوق أو يؤولونها تأويلات فاسدة لا وجه لها, فإن توحيد الربوبية لا ينفعهم. فإن المشركين كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء, و لكنهم ظلوا مشركين مع إقرارهم هذا, و عبدوا غيره سبحانه. و ذكر هذا المعنى في القرآن الكريم في قوله تعالى: "قل من يرزقكم من السماء و الأرض, أمن يملك السمع و الأبصار و من يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي و من يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون" (يونس, الآية 31). فإن أكثر العباد لا ينكرون الخالق و ربوبيته على الخلق, و لكن معظم كفرهم من عبادتهم غير الله عز و جل.
2) توحيد الألوهية: معنى توحيد الألوهية هو الاعتقاد الجازم بأن الله سبحانه و تعالى هو الإله الحق, و لا إله غيره, و إفراده سبحانه بالعبادة. و الإله هو المألوه, أي المعبود, و العبادة في اللغة هي الانقياد و التذلل و الخضوع. فلا يتحقق توحيد الألوهية إلا بإخلاص العبادة لله وحده في باطنها و ظاهرها, بحيث لا يكون شيء منها لغير الله سبحانه. و يقول ابن تيمية في توحيد الألوهية: "و هذا التوحيد هو الفارق بين الموحدين و المشركين, و عليه يقع الجزاء و الثواب في الأولى و الآخرة, فمن لم يأت به كان من المشركين" (رسالة الحسنة و السيئة لابن تيمية). و بهذا فإن توحيد الألوهية يستلزم أن نتوجه إلى الله وحده بجميع أنواع العبادة و أشكالها, و منها الأمور التالية:
1) إخلاص المحبة لله عز و جل, فلا يتخذ العبد من درن الله ندا يحبه كما يحب الله عز و جل.
2) إفراد الله عز و جل في الدعاء و التوكل و الرجاء فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه و تعالى.
3) إفراد الله عز و جل بالخوف منه, فلا يعتقد المؤمن أن بعض المخلوقات تضره بمشيئتها و قدرتها فيخاف منها فإن ذلك شرك بالله.
4) إفراد الله سبحانه بجميع أنواع العبادات البدنية مثل الصلاة و السجود و الصوم, و جميع العبادات القولية مثل النذر و الاستغفار.
3) توحيد الأسماء و الصفات: معنى توحيد الأسماء و الصفات هو الاعتقاد الجازم بأن الله عز و جل متصف بجميع صفات الكمال, و منزه عن جميع صفات النقص, و أنه متفرد عن جميع الكائنات. و يكون هذا بإثبات ما أثبته الله سبحانه لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه و سلم من الأسماء و الصفات الواردة في الكتاب و السنة من غير تحريف ألفاظها أو معانيها, و لا تعطيلها بنفيها أو نفي بعضها عن الله عز و جل, و لا تكييفها بتحديد كنهها و إثبات كيفية معينة لها, و لا تشبيهها بصفات المخلوقين. فيجب على المسلم أن لا يقع في التشبيه, أو التحريف و التغيير و التبديل, أو التعطيل, أو التكييف.
الإيمان بالملائكة:
الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان. و المقصود من الإيمان بالملائكة هو الاعتقاد الجازم بأن لله ملائكة موجودين مخلوقين من نور, و أنهم لا يعصون الله ما أمرهم, و أنهم قائمون بوظائفهم التي أمرهم الله القيام بها. فلا يصح الإيمان إلا بالإيمان بوجود الملائكة و بما ورد في حقهم من صفات و أعمال في كتاب الله سبحانه و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم من غير زيادة و لا نقصان و لا تحريف.
قال الله تعالى: "و من يكفر بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا" (النساء, الآية 136). و بهذا فإن وجود الملائكة ثابت بالدليل القطعي, فقد ورد ذكرها في الكثير من الآيات في القرآن الكريم, و لذلك فإن إنكار وجود الملائكة كفر بإجماع المسلمين و بنص القرآن الكريم كما جاء في الآية المذكورة سابقا.
و لقد عرفنا الله سبحانه و تعالى بالملائكة, و أوصافهم, و أعمالهم, و أحوالهم, بالقدر الذي ينفعنا في تطهير عقيدتنا و تصحيح أعمالنا. و أما حقيقة الملائكة, و كيف خلقهم و تفصيلات أحوالهم فقد استأثر الله سبحانه بهذا العلم. و المؤمن الصادق يقر بكل ما أخبر به الله سبحانه و تعالى, لا يزيد على ذلك و لا ينقص منه, و لا يتكلف البحث فيما لم يطلعنا عليه الله سبحانه و تعالى, و لا يخوض فيه.
صفات الملائكة الخِلقية:
أخبرنا الله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم بعض صفات الملائكة الخلقية, و منها:
1) أنهم خلقوا قبل آدم, و ذلك في قوله تعالى: "و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال إني إعلم ما لا تعلمون" (البقرة, الآية 30).
2) و أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الملائكة خلقوا من نور, و ذلك في قوله عليه السلام: "خلقت الملائكة من نور, و خلق الجان من مارج من نار, و خلق آدم مما وصف لكم" (أخرجه مسلم و أحمد في المسند).
3) و الملائكة لهم القدرة على أن يتمثلوا بصور البشر بإذن الله تعالى, و قد ذكر هذا في القرآن الكريم عن جبريل عليه السلام عندما جاء مريم في صورة بشرية, و أيضا في حديث جبريل المشهور عندما جاء يعلم الصحابة معنى الإسلام و الإيمان و الإحسان و أشراط الساعة.
4) و قد أخبرنا الله أن للملائكة أجنحة في قوله عز و جل: "الحمد لله فاطر السماوات والأرض, جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى و ثلاث و رباع, يزيد في الخلق ما يشاء, إن الله على كل شيء قدير" (فاطر, الآية 1).
عباد مكرومون:
و علاقة الملائكة بالله سبحانه و تعالى هي علاقة العبودية الخالصة, و الطاعة و الخضوع المطلق لأوامر الله سبحانه, فقد قال الله سبحانه و تعالى: "لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون" (التحريم, الآية 6). و بهذا فإنه من الشرك بالله أن يعبدوا أو يستعان بهم أو يعتقد أن لهم من الأمر شيئا.
علاقة الملائكة بالكون و الإنسان:
إن عبادة الملائكة لله سبحانه و تعالى لا تقتصر على تسبيحهم بحمد الله و تمجيدهم له, و إنما تشمل أيضا تنفيذ إرادته جل و علا بتدبير أمور الكون و رعايته بكل ما فيه من مخلوقات, و ما فيه من قوانين, و إنفاذ قدره وفق قضائه في هذه المخلوقات كلها, و تنفيذ إرادته سبحانه في مراقبة و تسجيل كا ما يحدث في الكون من حركات إرادية و غير إرادية. و للملائكة أعمالا أخرى في حياة الإنسان هدفها هداية البشر و إسعادهم و مساعدتهم على عبادة الله و اجتناب الشر و الفساد و الضلال. فإن الله اختار الملائكة لإنزال الوحي على الرسل, و الملك المختار هو جبريل, و ذلك لهداية الناس. و الملائكة يلازمون الإنسان في حياته كلها لإسعاده و هدايته و حثه على الحق و الخير. و قد أخبرنا الله سبحانه و تعالى أنه سخر الملائكة للدعاء للمؤمنين و الاستغفار لهم, في قوله تعالى: "الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يؤمنون به و يستغفرون للذين آمنوا, ربنا وسعت كل شيء رحمة و علما, فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك, و قهم عذاب الجحيم, ربنا و أدخلهم جنات عدن التي وعدتهم و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم, إنك أنت العزيز الحكيم, و قهم السيئات, و من تق السيئات يومئذ فقد رحمته و ذلك هو الفوز العظيم" (غافر, الآيات 7-9).
و الملائكة يثبتون العبد على العمل الصالح, و خاصة الجهاد في سبيل الله, كما قال تعالى: "إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا, سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق و اضربوا منهم كل بنان" (الأنفال, الآية 12).
عدد الملائكة:
لا يحصي عدد الملائكة إلا الله عز و جل, قال تعالى: "و ما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة و ما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا, ليستيقن الذين أتوا الكتاب و يزداد الذين آمنوا إيمانا, و لا يرتاب الذين أوتوا الكتاب و المؤمنون, و ليقول الذين في قلوبهم مرض و الكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا, كذلك يضل الله من يشاء و يهدي من يشاء, و ما يعلم جنود ربك إلا هو, و ما هي إلا ذكرى للبشر" (المدثر, الآية 31).
الإيمان بالملائكة تفصيلي و إجمالي:
يجب الإيمان بالملائكة التي وردت أسماؤهم في الكتاب أو في السنة بالتفصيل, و من هؤلاء ما يلي:
1) جبريل: و هو الملك الموكل بالوحي.
2) ميكائيل: و هو الملك الموكل بالقطر الذي به حياة الأرض و النبات و الحيوان.
3) إسرافيل: و هو الملك الموكل بالنفخ في الصور.
4) مالك: و هو خازن النار.
و أما الملائكة الذين لم يرد ذكرهم فيجب أن نؤمن بهم بصورة إجمالية, فمثلا نؤمن بالكرام الكاتبين الذين جعلهم الله علينا حافظين, و نؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين, و نؤمن بحملة العرش, و بالملائكة الموكلون بالنار, و الملائكة الموكلون بالجنان و غيرهم.
أثر الإيمان بالملائكة في حياة الإنسان:
من الآثار العظيمة للإيمان بالملائكة في حياة المؤمن:
1) أن الله جنبنا بما علمنا من أمر الملائكة الوقوع في الخرافات و الأوهام التي وقع فيها من لا يؤمنون بالغيب.
2) الإستقامة على أمر الله عز و جل, فإن من يؤمن برقابة الملائكة لأعماله و أقواله, و شهادتهم على كل ما يصدر منه, فإنه يتجنب مخالفة الله و معصيته في السر و في العلانية.
3) الصبر, و مواصلة الجهاد في سبيل الله, و عدم اليأس, و ذلك بمعرفة أن الملائكة جنود الله معه و أنه ليس وحده في الطريق.
الإيمان بالأنياء و المرسلين:
و من أركان الإيمان أيضا الإيمان بأنبياء الله و رسله, و هو الإيمان بمن سمى الله تعالى في كتابه من رسله و أنبيائه, و الإيمان بأن الله عز و جل أرسل رسلا سواهم, و أنبياء لا يعلم عددهم و أسماءهم إلا الله تعالى. و قد ذكر هذا المعنى في القرآن الكريم في قوله تعالى: "و لقد أرسلنا رسلا من قبلك, منهم من قصصنا عليك و منهم من لم نقصص عليك" ( غافر, الآية 78).
لقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم خمسة و عشرون من الأنبياء و الرسل و هم: آدم, نوح, ادريس, صالح, ابراهيم, هود, لوط, يونس, اسماعيل, اسحاق, يعقوب, يوسف, أيوب, شعيب, موسى, هارون, اليسع, ذو الكفل, داوود, زكريا, سليمان, إلياس, يحيى, عيسى, محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين. فهؤلاء الرسل و الأنبياء يجب الإيمان برسالتهم و نبوتهم تفصيلا, فمن أنكر نبوة واحد منهم أو أنكر رسالة من بعث منهم برسالة, كفر. و أما الأنبياء و الرسل الذين لم يقصصهم القرآن علينا, فقد أمرنا أن نؤمن بهم إجمالا. و ليس لنا أن نقول برسالة أحد من البشر أو نبوته مادام أن ذكره لم يأتي في القرآن أو من الرسول صلى الله عليه و سلم.
موضوع الرسالة:
قال تعالى: "و ما نرسل المرسلين إلا مبشرين و منذرين, فمن آمن و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون, و الذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون" (الأنعام, الآية 48-49). و على هذا فإنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله بعث رسله إلى الخلق لتبشيرهم و إنذارهم, و أن الله سبحانه بعث هؤلاء الرسل جميعا لتحقيق غرض واحد هو عبادة الله عز و جل و إقامة دينه و توحيده. قال تعالى: "و لقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله و اجتنبوا الطاغوت" (النحل, من الآية 36).
الواجب علينا نحو الرسل:
بعد الإيمان بأنبياء الله و رسله, يجب علينا تصديق رسل الله جميعا, و أن لا نفرق بينهم بأن نؤمن ببعض و نكفر ببعض, فقد قال سبحانه و تعالى: "إن الذين يكفرون بالله و رسله و يريدون أن يفرقوا بين الله و رسله و يقولون نؤمن ببعض و نكفر ببعض و يريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا ..." (النساء, الآيات 150-151). و يجب علينا أيضا أن نؤمن بأن كل رسول أرسله الله تعالى قد بلغ رسالته على الوجه الأكمل. و يجب علينا أن نطيع الرسل و لا نخالفهم لأن ذلك من طاعة الله, فقد قال الله عز و جل: "و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله" (النساء, الآية 64).
و مما يجب علينا أيضا في حق الأنبياء و الرسل أن نعتقد بأنهم أكمل الخلق علما و عملا, و أنهم كانوا جميعا رجالا من البشر كما جاء في قوله عز و جل: "و ما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم" (الأنبياء, الآية 7). و يجب علينا أيضا أن نؤمن بأنهم لا يملكون شيئا من خصائص الألوهية, و لا يملكون النفع أو الضرر, و لا يعلمون الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه. و يجب علينا أيضا أن نؤمن بأن الله سبحانه و تعالى أيدهم بالمعجزات الدالة في صدقهم. و أخيرا يجب أن نؤمن بأن الله فضل بعض الرسل على بعض, لقوله عز و جل: "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم كلم الله و رفع بعضهم درجات و آتينا عيسى ابن مريم البينات و أيدناه بروح القدس" (البقرة, الآية 253).
الإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم:
من الإيمان بالأنبياء و الرسل الإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم, و أنه لم يعبد صنما و لم يشرك بالله طرفة عين قط. و نؤمن بأنه خاتم الأنبياء, لقوله تعالى: "و لكن رسول الله و خاتم النبيين" (الأحزاب, من الآية 40) فلا نبوة بعده صلى الله عليه و سلم, و كل من ادعاها بعده فهو كذاب. و يجب علينا أن نؤمن بأنه صلى الله عليه و سلم إمام المتقين, و أنه وحده الجدير بالاقتداء و التأسي, و أنه حبيب الرحمن, و أنه مبعوث إلى عامة الجن و كافة الورى بالحق و الهدى, و إلى الناس جميعا كما قال الله سبحانه و تعالى: "و ما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا و نذيرا" (سبأ, الآية 28). و يجب علينا أن نقدم محبته على الوالد و الولد و النفس, كما جاء في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده و ولده و الناس أجمعين" (متفق عليه).
و أيضا فإن علينا أن نؤمن بأن الله جل و علا قد أيد محمد صلى الله عليه و سلم بالمعجزات الدالة على صدقه صلى الله عليه و سلم, و أن القرآن العظيم معجزته الباهرة, و أن الله أيده بالمعجزات الحسية المذكورة في الأحاديث مثل انشقاق القمر و غيرها. و نؤمن بأن الله تعالى حباه أخلاق القرآن كلها.
و كلمة أخيرة يجب علينا ذكرها أن الإيمان الصادق برسول الله يتضمن التصديق و الانقياد, التصديق بأنه رسول الله و الانقياد للشريعة التي أرسل لتبليغها, فلا يصح الإيمان بالتصديق فقط دون طاعة رسول الله و الامتثال لأوامره.
الإيمان بكتب الله عز و جل:
من أركان الإيمان أيضا الإيمان بكتب الله عز و جل. و معنى هذا أن نؤمن بالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه و رسله. و من هذه الكتب ما سماه الله تعالى في القرآن الكريم, و منها ما لم يسم, و نذكر فيما يلي الكتب التي سماها الله عز و جل في كتابه العزيز:
1) التوراة: و قد أنزلت على موسى عليه السلام.
2) الإنجيل: و قد أنزل على عيسى عليه السلام.
3) الزبور: الذي أنزل على إبراهيم و موسى.
و أما الكتب الأخرى التي نزلت على سائر الرسل, فلم يخبرنا الله تعالى عن أسمائها. و يجب علينا أن نؤمن بهذه الكتب إجمالا, و لا يجوز لنا أن ننسب كتابا إلى الله تعالى سوى ما نسبه إلى نفسه مما أخبرنا عنه في القرآن الكريم. كما يجب أن نؤمن بأن هذه الكتب جميعا نزلت بالحق و النور و الهدى, و توحيد الله عز و جل, و أن ما نسب إليها مما يخالف ذلك إنما هو تحريف البشر و صنعهم. و يجب علينا أيضا أن نؤمن بأن القرآن الكريم هو آخر كتاب نزل من عند الله تعالى, و أن الله اختصه بمزايا من أهمها:
1) أنه تضمن خلاصة التعاليم الإلهية, و جاء مؤيدا و مصدقا لما جاء في الكتب السابقة من التوحيد و وجوب عبادة الله و طاعته. و جمع كل ما كان متفرقا في تلك الكتب من الحسنات و الفضائل, و جاء مهيمنا و رقيبا, يقر ما فيها من حق, و يبين ما دخل عليها من تحريف و تغيير. و أن القرآن جاء بشريعة عامة للبشر فيها كل ما يلزمهم لسعادتهم في الدارين, و أنه نسخ جميع الشرائع الخاصة بالأقوام السابقة.
2) أن القرآن الكريم هو الكتاب الرباني الوحيد الذي تعهد الله بحفظه, فقد قال الله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون" (الحجر, الآية 9).
3) أن القرآن الكريم أنزله الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه و سلم للناس كافة و ليس خاصا بقوم معينين.
و قد أخبرنا الله عز و جل عن التحريف الذي أدخله اليهود و النصارى على الكتب التي أرسلت إليهم, و نذكر في هذا الشأن الآيات التالية:
- "و قالت اليهود عزير ابن الله و قالت النصارى المسيح ابن الله, ذلك قولهم بأفواههم, يضاهئون قول الذين كفروا من قبل, قاتلهم الله أنى يؤفكون" (التوبة, الآية 30).
- "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" (المائدة, الآية 72).
- "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة, و ما من إله إلا إله واحد" (المائدة, الآية 73).
- "و ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل و أمه صديقة كانا يأكلان الطعام, انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون" (المائدة, الآية 75).
و لهذا, فإنه لا يوجد اليوم كتاب علي ظهر الأرض تصلح نسبته إلى الله تبارك و تعالى سوى القرآن الكريم, و من الأدلة على ذلك ما يلي:
1) أن الكتب التي نزلت قبل القرآن, قد ضاعت نسخها الأصلية و لم يبق في أيدي الناس إلا تراجمها.
2) أن هذه الكتب قد اختلط فيها كلام الله بكلام الناس, من تفسير و سير الأنبياء و تلاميذهم, و استنباطات الفقهاء, فلا يعرف فيها كلام الله من كلام البشر.
3) أنه ليس لأي من تلك الكتب سند تاريخي موثوق لكي نستطيع أن ننسبها إلى الرسول الذي أرسلت إليه.
4) و من الأدلة على التحريف تعدد نسخ تلك الكتب و اختلافها فيما نقلته من الأقوال و الآراء.
5) ما تضمته تلك الكتب من العقائد الفاسدة و التصورات الباطلة عن الخالق سبحانه و عن رسله الكرام.
الإيمان باليوم الآخر:
و معناه الإيمان بكل ما أخبرنا به الله عز و جل و رسوله صلى الله عليه و سلم مما يكون بعد الموت من فتنة القبر و عذابه و نعيمه, و البعث و الحشر و الصحف و الحساب و الميزان و الحوض و الصراط و الشفاعة و الجنة و النار, و ما أعد الله لأهلما جميعا.
و للإيمان باليوم الآخر أثر عظيم في حياة الإنسان, و له أثر كبير في توجيه الإنسان و انضباطه و التزامه بالعمل الصالح و تقوى الله عز و جل. و ذلك لأن من يعتقد أنه سيحاسب على كل ما يفعله, و من آمن بأنه سيفوز بالجنة إذا أصلح العمل و سيعاقب بالنار إذا أساء, لا بد أن يحمله هذا الاعتقاد على أن يحسن العمل و يبتعد عن كل ما نهى عنه الله عز و جل و رسوله صلى الله عليه و سلم. و أما من لا يعتقد بأن هناك حساب و لا عقاب و لا ثواب, فإنه سيكون منفلتا من أي ضابط سوى هواه و شهوته. و قد بين الله لنا هذا في العديد من الآيات في القرآن الكريم بالربط بين الإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح, كما قال عز و جل: "أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم و لا يحض على طعام المسكين" (الماعون, الآيات 1-3), و قال: "لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله" (المجادلة, الآية 22).
و لقد دل على الإيمان باليوم الآخر كتاب الله, و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم, و العقل و الفطرة السليمة. و المنكرون للبعث ليس لهم دليل على إنكارهم, و ذلك لأنه أمر من أمور الغيب الذي لا يعلمه إلا الله, فلا سبيل لأحد في إثباتها أو إنكارها إلا سبيل واحد و هو إعلام الله عز و جل. و لقد أثار المنكرون بعض الشبهات و الشكوك حول البعث, كاستبعادهم العودة إلى الحياة بعد تحولهم إلى رفات و تراب. و لكن الله سبحانه و تعالى رد على شبهة هؤلاء, و من ذلك قوله تعالى: "و قالوا أءذا كنا عظاما و رفاتا أءنا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة, فسينغضون إليك رؤوسهم و يقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده و تظنون إن لبثتم إلا قليلا" (الإسراء, الآية 49-52).
1) فتنة القبر و سؤال الملكين:
لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم في الأحاديث الصحيحة أن الناس يمتحنون في قبورهم, فيقال للعبد: من ربك و ما دينك و من نبيك؟ فيقول المؤمن: ربي الله, و الإسلام ديني, و محمد صلى الله عليه و سلم نبيي, و أما المرتاب فيقول: لا أدري, سمعت الناس يقولون شيئا فقلته, فيضرب و يعذب.
2) عذاب القبر و نعيمه:
من الدلائل على عذاب القبر و نعيمه قوله سبحانه و تعالى: "و حاق بآل فرعون سوء العذاب, النار يعرضون عليها غدوا و عشيا, و يوم تقوم الساعة, أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" (غافر, الآية 45-46). ففي هذه الآية توعد الله سبحانه و تعالى آل فرعون بنوعين من العذاب, فإذا كان الثاني بعد قيام الساعة فلا بد أن يكون الأول واقعا بهم ما بين الموت و النشور, و هو عذاب القبر. الأحاديث الصحيحة المثبتة لعذاب القبر كثيرة جدا, تبلغ حد التواتر. و أما كيفية عذاب القبر و نعيمه, و كيفية عودة الروح إلى الميت, فلا يجوز فيه الزيادة على ما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم.
3) أشراط الساعة:
يجب علينا أيضا أن نؤمن أن الساعة آتية لا ريب فيها, و أن موعدها لا يعلمه إلا الله سبحانه و تعالى. و يجب علينا أن نؤمن بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من علامات و أشراط الساعة. و من علامات الساعة علامات صغرى, يدور معظمها حول فساد الناس في آخر الزمان و ظهور الفتن بينهم, و بعدهم عن هدى الله و طريق الرسل. و من علامات الساعة علامات كبرى, نذكرها مع شرح مختصر لكل منها فيما يلي:
أ – طلوع الشمس من المغرب: لقد ورد في بعض الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن هذه الآية تكون أول العلامات الكبرى ظهورا. و قد ورد في الحديث أيضا أن هذه الآية إذا ظهرت, و رآها الناس آمنوا أجمعون, و ذلك حين لا ينفع نفس إيمانها إذا لم تكن قد آمنت من قبل.
ب – خروج الدابة: و قد أشار الله سبحانه و تعالى إلى هذه الآية في قوله: "و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون" (النمل, الآية 82). و قد ورد ذكر خروج الدابة في أحاديث كثيرة.
ج – ظهور الدجال: و الدجال هو الكذاب شديد الدجل, و الدجل في اللغة التغطية, و سمي الكذاب دجالا لأنه يغطي الحق بباطله. و من أمارات الساعة الكبرى ظهور شخص سماه الرسول صلى الله عليه و سلم بالدجال لكثرة تدجيله و كذبه, يدعي الألوهية, و يحاول أن يفتن الناس عن دينهم بما يحدثه من خوارق العادات و عجائب الأمور بإذن الله سبحانه و تعالى, فيفتن بعض الناس, و يثبت الله الذين آمنوا, فلا ينخدعون بدجله و ضلاله, ثم يأذن الله بالقضاء على فتنته, فينزل عيسى عليه السلام فيقتله.
د – نزول عيسى عليه السلام: فقد دلت السنة و أجمعت الأمة على أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان قرب الساعة أثناء وجود الدجال فيقتله, و يحكم بشريعة الإسلام, ثم يمكث في الأرض ما شاء الله أن يمكث, ثم يموت, و يصلي عليه المسلمون و يدفن.
هـ - ظهور يأجوج و مأجوج: ورد ذكر هذه العلامة في القرآن, في قوله تعالى: "ثم أتبع سببا, حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا. قالوا: يا ذا القرنين إن يأجوج و مأجوج مفسدون في الأرض, فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا و بينهم سدا؟ ... " (الكهف, الآيات 92-98).
4) بداية اليوم الآخر:
و يبدأ اليوم الآخر بإحداث تغيير عام في هذا الكون, فتنشق السماء, و تتناثر النجوم, و تتصادم الكواكب, و تتفتت الأرض, و تغدو صعيدا جرزا, و تصبح الجبال كثيبا مهيلا, و يخرب كل شيء, و يدمر كل ما عرفه الناس في هذا الوجود, و يكون هذا على إثر الفخة الأولى, ينفخها إسرافيل بأمر ربه, فيصعق كل من في السموات و من في الأرض إلا ما شاء الله تعالى.
5) البعث:
و نؤمن بعدها أن الله سبحانه و تعالى يأمر بالنفخة الثانية, فتعود الحياة على أثرها إلى الأموات, و هذا هو يوم البعث و هو إعادة الإنسان روحا و جسدا كما كان في الدنيا, و قد ورد في الأحاديث الصحيحة أن محمد صلى الله عليه و سلم هو أول من يخرج من قبره.
6) الحشر:
و نؤمن أنه يكون الحشر بعد بعث الخلائق و إخراجهم من قبورهم. و الحشر هو سوقهم جميعا إلى الموقف, و هو المكان الذي يقفون فيه انتظارا لفصل القضاء بينهم, و يكونون في هذا الموقف كما خلقوا أول مرة, حفاة عراة غرلا. فإذا اشتد الأمر بالناس, و عظم الكرب في هذا الموقف العظيم, استشفعوا إلى الله عز و جل بالرسل و الأنبياء أن ينقذهم مما هم فيه, و يجعل لهم فصل القضاء و كل رسول يحيلهم على من بعده, حتى يأتون محمد صلى الله عليه و سلم فيشفع فيهم و يقبل الباري شفاعته, فينصرف الناس إلى فصل القضاء.
7) جزاء الأعمال:
و نؤمن بجزاء الأعمال يوم القيامة, فيجزى العباد على كل ما كسبوه في الحياة الدنيا من خير أو شر, قال تعالى: "يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق, و يعلمون أن الله هو الحق المبين" (النور, الآية 25).
العرض و الحساب:
و نؤمن بأن الجزاء يكون بعد محاكمة عادلة, يعرض فيها الناس على ربهم و تقام فيها الحجج عليهم و لهم, و يطلعون على أعمالهم, و يقرؤون صحفهم.
9) الحوض:
و يجب علينا أن نؤمن بما أخبر به المصطفى صلى الله عليه و سلم عن الحوض الذي تفضل الله يه عليه و على أمته, فإن الأحاديث الواردة في ذلك تبلغ حد التواتر. و يكون أول من يرده نبينا محمد صلى الله عليه و سلم, ثم ترده بعده أمته, و يطرد عنها الكفار, و طائفة من العصاة و أهل الكبائر. و ذلك بعد الإنتهاء من الموقف.
10) الميزان:
و يجب علينا أن نؤمن بما أخبر به الله عز و جل و رسوله صلى الله عليه و سلم ما أن أعمال العباد خيرها و شرها توزن يوم القيامة بميزان. و تدل الأخبار على أنه ميزان حقيقي, له كفتان, و أن الله سبحانه و تعالى يحول أعمال العباد إلى أجسام لها ثقل, فتوضع الحسنات في كفة و السيئات في كفة.
11) الصراط:
و نؤمن أنه يكون بعد الحساب و الميزان انصراف الناس من الموقف, ليمروا فوق الجسر المنصوب على جهنم, و هو الصراط. و المرور على الصراط عام لجميع الناس, و تكون سهولة مرورهم ذلك عليهم بقدر أعمالهم في الحياة الدنيا.
12) الجنة و النار:
و بعد ذلك كله نؤمن بوجود الجنة و النار, و أنهما مخلوقتان من مخلوقات الله عز و جل أعدهما الله للثواب و العقاب, و أنه سبحانه و تعالى خلقهما قبل الخلق, و أنهما موجودتان الآن, و أنهما باقيتان و لا تبيدان. و قد تكرر ذكر خلود المؤمنين في الجنة و الكافرين في النار في معظم المواقع التي ذكرت فيها الجنة و النار في القرآن الكريم.
الإيمان بقضاء الله و قدره:
و الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان, فمن كفر بقدر الله خرج من دين الله عز و جل.
تعريف القدر: علم الله تعالى بما تكون عليه المخلوقات في المستقبل.
تعريف القضاء: إيجاد الله تعالى الأشياء حسب علمه و إرادته.
الإيمان بالقدر يشتمل على أربعة مراتب و هي:
المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله القديم و أنه علم أعمال العباد قبل أن يعملوها, و الدليل على هذا قوله تعالى: "ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير" (الحديد, الآية 22).
المرتبة الثانية: كتابة ذلك في اللوح المحفوظ, و الدليل قوله تعالى: "ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء و الأرض, إن ذلك لفي كتاب, إن ذلك على الله يسير" (الحج, الآية 70). و الكتاب المذكور في الآية هو اللوح المحفوظ.
المرتبة الثالثة: مشيئة الله النافذة و قدرته الشاملة. قال تعالى: " قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدِير" (آل عمران, الآية 29).
المرتبة الرابعة: إيجاد الله لكل المخلوقات, و أنه الخالق و كل ما سواه مخلوق. قال تعالى: " ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل" (الأنعام, الآية 102).
و أهل السنة في الإيمان بالقدر بين طائفتين غاليتين هما: (1) المكذبين بالقدر (2) التاركين للعمل اتكالا على القدر.
1) فأما المكذبين بالقدر, المسمون بالقدرية: يزعمون أن الله يعلم بالموجودات بعد خلقها و ايجادها, و قد سماهم رسول الله صلى الله عليه و سلم مجوس الأمة. و منهم القدرية المتأخرة الذين يقرون بعلم الله أفعال العباد قبل وقوعها لكنهم زعموا بأن أفعال العباد واقعة منهم على وجه الاستقلال, و هذا مذهب باطل و لو أنه أخف من مذهب القدرية الأولى في بطلانه. و قد أراد القدرية بزعمهم تنزيه الله سبحانه و تعالى, فقالوا أن الله شاء الإيمان للكافر و لكن الكافر هو الذي شاء الكفر, و لكنهم وقعوا فيما هو أشد من ذلك بأنهم جعلوا مشيئة الكافر تتغلب على مشيئة الله سبحانه و تعالى.
2) و أما التاركين العمل اتكالا على القدر فهم بقولون: بما أن الله قدر كل شيء و علمه قبل وقوعه, فلماذا نعمل فلنترك الأمر للأقدار التي ستحصل شئنا أم أبينا. و أخذ هذا المذهب طوائف كثيرة كالمتصوفة, و أبطلوا به الأمر و النهي و أحدثوا في الأمة فسادا عظيما. و هم بذلك يزعمون أن العباد مجبرون على أعمالهم, و هم يسمون بالجبرية.
و أما أهل السنة فهم وسط بين هاتين الطائفتين الغاليتين. فما عليه أهل الحق هو أنه يجب الإيمان بالقدر, و لكن لا يجوز أن يحتج به في ترك العمل و لا أن يحتج به في مخالفة الشرع. فالقدر عندهم يتعزى به بعد وقوع المصائب, و لا يحتج به لتبرير الذنوب و المعاصي.
مذهب أهل السنة في الأسباب و علاقته بالتوكل: إن الإيمان بالقدر لا ينافي الأخذ بالأسباب, فإننا مأمورون بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله عز و جل, و الإيمان بأن الأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله سبحانه و تعالى. و يحرم على المسلم ترك الأخذ بالأسباب. و لذلك فإن مذهب أهل السنة هو وجوب الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله, فلا نترك الأخذ بالأسباب, و لا نترك التوكل على الله و الإيمان بأن كل شيء إنما يحصل بمشيئة الله سبحانه و تعالى
| |
|