۩۞۩ الإيمان بالملائكة ۩۞۩
ما منعك يا أبا جهل أن تقتل محمدًا؟!
دخل أبو جهل الكعبة ذات يوم فوجد الرسول ( ساجدًا لله يصلي، فغضب غضبًا شديدًا، وقال: واللات والعزى لو رأيت محمدًا يصلي عند الكعبة لأضعن وجهه في التراب ولأقتلنه. ولكن الرسول ( لم يعبأ بتهديدات أبي جهل، وعاود صلاته فأسرع أبو جهل لينفذ وعيده، ولكنه سرعان ما عاد، فتعجب مشركو قريش وسألوا أبا جهل: ما منعك يا أبا الحكم أن تقتل محمدًا؟! فيرتعد أبو جهل، ويقول: كلما اقتربت من محمد حال بينى وبينه خندق من نار وأجنحة وأهوال عظيمة. فقال ( : (والله لو دنا (اقترب) لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن بما أخبر الله -عز وجل- عن الملائكة وعن خلقهم ووظائفهم، وهو يتطلع إلى معرفة المزيد عن هذه المخلوقات الغيبية.
خلق الملائكة:
الملائكة خلق عظيم، وعددهم كثير لا يحصيه إلا الله، خلقهم الله من النور، وطبعهم على الخير، فهم لا يعرفون الشر ولا يفعلونه ولا يأمرون به، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولا يسأمون من عبادة الله - عز وجل-.
أخبر الرسول ( عن مادة خلقهم، فقال: (خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجانُّ من مارج من نار، وخُلق آدم مما وصف لكم) [مسلم]. والملائكة يتفاوتون في الخلق تفاوتًا كبيرًا؛ فقد صح أن جبريل -عليه السلام- له ستمائة جناح.
عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي ( قال: (أُذِن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) [أبو داود].
ومما يدل على عظم خلق الملائكة، ما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ( قال: (رأيت جبريل مهبطًا قد ملأ الخافقين (المشرق والمغرب)، عليه ثياب سندس، معلق بها اللؤلؤ والياقوت) [أحمد].
الملائكة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا:
الله -عز وجل- خلق الملائكة خلقًا خاصًا، فهم لا يوصفون بالذكورة ولا بالأنوثة، ولكنهم عباد مكرمون. قال الله -عز وجل- منددًا بالكافرين: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون} [الزخرف: 19].
وقال تعالى {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى. وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا}.
[النجم: 27- 28]. فالمسلم يؤمن أن الله خلق الملائكة خلقًا خاصًّا، وأن وصفهم بالأنوثة افتراء وكذبًا، لا يتفق مع ما يعتقده المسلم.
عصمة الملائكة:
الله -عز وجل- فطر الملائكة على الطاعة، فهم يسبحون بحمد الله، ويعبدونه دائمًا، ويذكرونه آناء الليل وأطراف النهار، يقول الله- عز وجل- عن الملائكة: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا سبحانه بل عباد مكرمون. لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} [الأنبياء: 26-27].
وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6].
قال تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} [البقرة: 30] فلم يكن سؤال الملائكة اعتراضًا، ولكنه سؤال واستفسار عمَّا خفي عليهم من الحكمة في ذلك، فيأتي الجواب من الله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون}.
الملائكة لها أشكال مختلفة:
كان جبريل -عليه السلام- يأتي إلى الرسول ( على صورة أعرابي، كما جاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله (، إذ دخل علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد.
وسأل الرسول ( عن الإسلام والإيمان والإحسان، وعن الساعة وأماراتها... إلى أن قال عمر: ثم انطلق، فلبثتُ مليًّا، ثم قال رسول الله ( : (يا عمر، أتدري من السائل؟). قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم) [متفق عليه].
وكان جبريل يتمثل للرسول ( ويوحى إليه كما جاء في حديث كيفية الوحي، قال رسول الله (: (وأحيانا يتمثل لي الملك، فيكلمني، فأعي ما يقول) [متفق عليه].
والملائكة الذين جاءوا إلى إبراهيم -عليه السلام- كانوا على هيئة بشر. قال تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين. إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا قالوا سلام قوم منكرون. فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين. فقربه إليهم قال ألا تأكلون. فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم} [الذاريات: 24-28].
*وعندما جاء جبريل -عليه السلام- إلى مريم جاءها في صورة بشر سويِّ الخلق كامل البنية، يبشرها بكلمة الله عيسى عليه السلام. قال تعالى: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرًا سويًا} [مريم: 17].
وفي حديث الثلاثة؛ الأبرص والأقرع والأعمى الذين أراد الله أن يختبرهم في شكرهم لنعمته أرسل الله إليهم ملكًا في صورة إنسان ؛ كما جاء في الحديث: (إن ثلاثة من بنى إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، أراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم
مَلَكًا -في صورة رجل- فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قذرني الناس (أي: تباعدوا عني وكرهوني بسببه). فمسحه، فذهب عنه قذره وأعطى لونًا حسنًا ...) [متفق عليه].
والله -عز وجل- جعل للملائكة القدرة على أن يتمثلوا في صورة البشر بإذنه، وذلك لأن البشر غير معتادين على رؤية الملائكة.
مسكن الملائكة:
عن أبي ذر- رضي الله عنه- أن النبي ( قال: (إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماء (أى: ظهر منها صوت) وحق لها أن تَئِطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله...)
[الترمذى وابن ماجه وأحمد].
وفي حديث المعراج، قال (: (... فرُفع لى البيت المعمور، فسألت جبريل، فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك) [متفق عليه].
صلاة الملائكة:
يقول الله تعالى: {والصافات صفًا. فالزاجرات زجرًا. فالتاليات ذكرًا. إن إلهكم لواحد} [الصافات: 1-4].
فالله -عز وجل- يقسم بالصافات؛ وهى الملائكة التي تصطفُّ للصلاة والعبادة بين يديه، والرسول ( يقول للصحابة: (ألا تُصفُّون كما تُصفُّ الملائكة عند ربها؟). قالوا: وكيف تُصف الملائكة عند ربها؟ قال: (يتمُّون الصفوف الأُوَلَ، ويتراصَّون في الصف) [مسلم]. والله -عز وجل- يقول على لسان الملائكة: {وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون}
[الصافات: 165- 166].
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا أُقيمت الصلاة، استقبل الناس بوجهه، ثم قال: أقيموا صفوفكم، واستووا قيامًا، يريد الله -تعالى- بكم هدى الملائكة، ثم يقول: وإنا لنحن الصافون. ثم يقول عمر -رضي الله عنه-: تأخر يا فلان، تقدم يا فلان ، ثم يتقدم- إمامًا - فيكبِّر.
خوف الملائكة:
الملائكة يخافون الله -عز وجل- خوف إجلال وتعظيم، فالخوف من الله يكون على قدر معرفة العبد لربه، فكلما كان العبد أقرب إلى الله تعالى كان أشد خوفًا منه.
قال الحارث المحاسبى- رحمه الله تعالى-: خوف المقربين- من الأنبياء والملائكة- خوف إجلال وإعظام، وإن كانوا آمنين من عذاب الله تعالى.
جاء جبريل -عليه السلام- إلى النبي ( ، فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: (من أفضل المسلمين). فقال جبريل: (وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة) [البخارى]. فالملائكة يتفاضلون فيما بينهم، فمن رؤساء الملائكة: جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت، ولكل منهم أعمال ووظائف، يقوم بها بأمر الله تعالى.
سُئِلت عائشة - رضي الله عنها-: بأي شيء كان رسول الله ( يفتتح الصلاة إذا قام الليل؟ قالت: إذا قام من الليل افتتح صلاته: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) [مسلم].
وفي هذه الأحاديث الشريفة دلالة على أفضلية هؤلاء الملائكة، وكرامتهم عند الله تبارك وتعالى، أما جبريل -عليه السلام-، ويُسَمَّى بروح القدس أيضًا، وصفه الله -عز وجل- بالقوة والأمانة فقال: {إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين} [التكوير: 19-21].
وخصَّه بأشرف وظيفة، وهى السفارة بينه -تعالى- وبين رسله -عليهم السلام-، فكان ينزل بالوحي عليهم كما قال تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. علي قلبك لتكون من المنذرين} [الشعراء: 192-194].
وصح عن النبي ( أن جبريل -عليه السلام- رافقه في أعظم رحلة تمت في الوجود؛ وهى إسراء النبي ( من مكة إلى المسجد الأقصى، ومعراجه منه إلى سدرة المنتهى بالملكوت الأعلى.
وأما ميكائيل -عليه السلام- فقد وكَّله الله -عز وجل- بالمطر الذي فيه حياة الأرض والنبات والإنسان والحيوان .
وأما إسرافيل - عليه السلام-، فقد وكَّله الله -عز وجل- بالنفخ في الصور؛ حيث يحيي الله -تعالى- الموتى حين ينفخ إسرافيل، فإذا هم قيام ينظرون. قال تعالى: {إذا نفخ في الصور نفخة واحدة. وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. فيومئذ وقعت الواقعة. وانشقت السماء فهي يومئذ واهية} [الحاقة: 13-16]. أما ملك الموت -عليه السلام- فهو الموكل بقبض الأرواح.
أصناف الملائكة:
الملائكة -عليهم السلام- أصناف، وكل صنف موكَّل بوظائف يقوم بها بأمر الله تعالى، قال سبحانه: {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} [الأنبياء: 27]. ومن أصنافهم ووظائفهم:
حملة العرش:
هناك ملائكة يحملون عرش الرحمن ويسبحون بحمده. قال الله تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا} [غافر: 7]. وقال عز وجل: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} [الحاقة: 17].
وهم يحملون عرش الرحمن عز وجل، والرسول ( أخبرنا بضخامة أجسامهم فقال: (أذن لى أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه (كتفه) مسيرة سبعمائة عام) [أبو داود].
الحافون من حول العرش:
ومن أصناف الملائكة الحافون من حول عرش الرحمن، وهؤلاء يسبحون بحمد الله، ويقدسونه، ويمجدونه آناء الليل وأطراف النهار، قال تعالى: {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم} [الزمر: 75].
ملائكة الجنة:
ومنهم خزنة الجنة، وهم الذين يخدمون المؤمنين في الجنة، ويهنئونهم بها، ويدخلون عليهم مُسَلِّمين، ويبشرونهم برضوان الله والخلود في النعيم.
قال تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} [الأنبياء: 103].
وقال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار} [الرعد: 23-24].
وفي الحديث الشريف أن الرسول ( قال: (آتى باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: مَنْ؟ فأقول: محمد. فيقول الخازن: بك أُمرت (أي: أمرني الله ألا أفتح لأحد قبلك) [مسلم وأحمد].
ملائكة النار:
ومنهم خزنة النار، وهم الزبانية، وهم تسعة عشر مَلَكًا وكَّلهم الله -تعالى- بالنار، يعذِّبون أهلها، ويُذيقونهم أشد العذاب، قال تعالى: {سأصليه سقر. وما أدراك ما سقر. لا تبقي ولا تذر. لواحة للبشر. عليها تسعة عشر. وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة} [المدثر: 26- 31]. ومن خزنة النار: مالك الذي يناديه أهل النار، ويستغيثون به ويتمنُّون أن يقضي الله عليهم بالموت فيجيبهم بعد زمن بعيد: إنكم ماكثون. قال تعالى: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} [التحريم: 6].
وقال تعالى: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب. قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} [غافر 49 -50].
الملائكة رسل الوحى:
الله -عز وجل- اختار من الملائكة رسلا، ليكونوا سفراء بينه وبين رسله، واختار من الناس رسلا ليبلغوا رسالته إلى الناس. قال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس} [الحج: 75].
وقال تعالى: {إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين} [التكوير: 19-21].
والرسول الكريم هو جبريل- عليه السلام- الذي وصفه الله -عز وجل- بالقوة والأمانة، وجعله سفيرًا بينه وبين أنبيائه، قال تعالى: {إنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين}
[الشعراء: 192-195].
الملائكة الموكلون بالأجنة:
عندما يستقر الإنسان في رحم أمه يكون أول ما يكون نطفة، فيوكِّل الله به ملائكة يطورون هذه النطفة وتصوير ما في الأرحام، ويكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد، وفي الحديث أن الرسول ( قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات:
يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب (أى: الذي كتب وهو في الرحم) فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) [البخارى ومسلم]
وفي الحديث: (وكَّل الله بالرحم مَلَكًا فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: أي رب ذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب ذلك في بطن أمه) [متفق عليه].
الملائكة الكرام الكاتبون:
ومهمتهم كتابة أعمال البشر، وإحصاؤها عليهم، فعن يمين كل إنسان ملك يكتب صالح أعماله ، وعن يساره ملك يكتب سيئات عمله. قال تعالى: {وإن عليكم لحافظين. كرامًا كاتبين. يعملون ما تفعلون} [الانفطار: 10-12]. وقال عز وجل: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}
[الزخرف: 80]. وإذا علم الإنسان أن له حافظًا من الملائكة موكَّلا به، يحفظ عليه أقواله وأفعاله في صحف تنشر يوم العرض الأكبر على الناس جميعًا، كان ذلك زاجرًا له (مانعًا) عن فعل المعاصي وحافزًا له لعمل الخيرات.
الملائكة الحفظة:
وهم موكَّلون بحفظ الإنسان من الشيطان، والعاهات والآفات ومن جميع الأشياء الضارة. قال تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظون من أمر الله} [الرعد: 11]. قال ابن عباس في تفسيرها: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. وقال مجاهد: يحفظونه في نومه وفي يقظته من الجن والإنس.
قرناء بني آدم من الملائكة:
والله جعل من الملائكة قرناء يصحبون الإنسان، وهدفهم هداية البشر وإسعادهم ومساعدتهم على عبادة الله، وعونهم على الهدى والصلاح، واجتناب الشر والضلال. ففي الحديث: (ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة). قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: (وإياي، إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير) [مسلم وأحمد].
وفي الحديث أيضًا: (إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة: فأما لمة الشيطان فإيعاز بالشر وتكذيب بالحق. وأما لمة الملك فإيعاز بالخير، وتصديق بالحق . فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} [البقرة: 268].
فعلى المسلم العاقل أن يصغي لنداء الملائكة فيفعل الخيرات ويبتعد عن المنكرات، وأن يحذر كل الحذر مما يلقيه الشيطان في روعه ويعوذ بالله منه.
الملائكة المسخرون بقبض الأرواح:
قال تعالى: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} [الأنعام: 61]. وقال عز وجل: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} [السجدة: 11]. وقال سبحانه: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 32].
فالله وكَّلهم بقبض أرواح عباده، فإذا كان العبد من المؤمنين جاءته الملائكة بيض الوجوه حتى يُجلسوه، ويُخرجوا روحه فيقولون: اخرجي أيتها النفس الطيبة إلى مغفرة من الله ورضوان. وإذا كان العبد من الكافرين جاءته ملائكة سُود الوجوه فيقولون: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سَخَط الله.
كما جاء في الحديث عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله ( في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر، ولما يُلحد، فجلس رسول الله ( وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير، وفي يده عود يَنْكُت به الأرض، فرفع رأسه فقال : (استعيذوا بالله من عذاب القبر). مرتين أو ثلاثًا. ثم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع عن الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه ،كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة ،حتى يجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان.. إلى أن يقول: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه الملائكة من السماء، سود الوجوه، معهم المسوح، فجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت، فيجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب ...) [أحمد].
وفي الحديث الشريف: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدلَّ على راهب (عابد) فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله، فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض. فدل على عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟! انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء.
فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلا إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط . فأتاهم ملك بصورة آدمي، فجعلوه بينهم (أى: جعلوه حكمًا بينهم، وقد أرسله الله تعالى ليحكم بينهم بحكم الله تعالى) فقال: قيسوا ما بين الأرضين (أي التي خرج منها، والتي قصدها) فإلى أيتهما كان أدنى (أى: أقرب) فهو لها فقاسوا، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة) [مسلم].