الجنس : العمر : 33 المدينة المنورة التسجيل : 31/01/2012عدد المساهمات : 23
موضوع: ◣▩▩◢ النية الصالحة ◣▩▩◢ الثلاثاء 28 فبراير 2012, 4:24 am
◣▩▩◢ النية الصالحة ◣▩▩◢
يقول الله-جلَّ جلاله-: { وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيّمَةِ }[البينة: 5]، ويقول جل جلاله: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَـٰلِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا } [الكهف: 110]. في هاتين الآيتين بيان لركني قبول العمل، وأن الله-جلَّ جلاله-لا يقبل عمل أي عامل إلا أن يكون هذا العمل خالصًا لله، يبتغي به عامله وجه الله والدار الآخرة، فإن يكن العمل رياءَ الناس ومحبة مديح الناس، وثناء الناس عليه، ولم يكن المقصود منه التقرب إلى الله؛ كان عملًا باطلًا. يقول-صلى الله عليه وسلم-: (قال الله-عزَّ وجل-: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه ( ، وفي لفظ: (وأنا منه بريء). والركن الثاني: كون هذا العمل على وفق ما دل عليه كتاب الله وسنة محمد-صلى الله عليه وسلم-، فكل عمل على خلاف كتاب الله وخلاف سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فإن الله لا يقبله من عامله، ولو أراد به التقرب إلى الله، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَـٰشِعَةٌ *عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ *تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 2 ـ 4]، عملٌ خالصٌ لكنه على خلاف شرع الله، قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَـٰلًا*ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103، 104]، وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [الفرقان: 23]، فلا بد أن يكون العمل على وِفْقَ ما دلَّ الكتاب والسنة عليه. وقد أنكر الله على من اهتدى بغير كتابه وسنة رسوله قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ ٱلدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ} [الشورى: 21]. وبين النبي-صلى الله عليه وسلم-في سنته ذلك، وأن العمل لا بد فيه من إخلاص واتباع للحق، فروى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه). هذا الحديث حديث عظيم له شأنه، وهو أحد الأحاديث التي بُنِيَت عليها شريعة الإسلام.
(إنما الأعمال) يبيِّن-صلى الله عليه وسلم-متى يُقْبل العمل، فقال: (إنما الأعمال) إنما صحة العمل، إنما صحته وفساده، وإنما يثاب أو يعاقب العبد عليه بالنية، فالنية هي التي تحدد قصده، هي التي يتحدد بها الثواب والعقاب، صحة العمل أو فساد العمل، يتحدد بها صحة العمل أو فساد العمل، (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) وما قصد من خير أو ضده. إن النية تصحب المسلم في كل أحواله، في عباداته، وفي معاملاته، وفي علاقته بأهله، وفي علاقته بالآخرين، إنها النية الدالة على ما يكون بالخلق من محبة الله وإخلاص العمل له. وإنَّ الله-جلَّ وعلا-يعلم سرنا وعلانيتنا، ولا يخفى عليه شيء من أحوالنا: {قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ} [آل عمران: 29]. والله تعالى لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أموالنا، ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، فنظر الله إنما هو لقلوبنا بما يكون فيها من إخلاص، وإلى أعمالنا هل وافقت شرع الله أو لا؟ والنية عمل قلبي لا يعلمه إلا الله، والناس فيه متفاوتون على قدر ما يقوم في قلوبهم من إخلاص لله. وإنَّ من فضل الله عليك أنَّ نيتك للخير تعطيك ثواب العاملين، إذا كان الحامل على عدم العمل العجزُ وعدمُ القدرة، يقول الله-جلَّ وعلا-: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـٰجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ} [النساء: 100]. فنيته الصالحة جعلته في عداد المهاجرين، وقد مات ولم يبلغ دار المهاجرين. عملك الصالح الذي كنت تعمله من صلاة، من صيام، من فعل خير، إذا عجزت عنه؛ فإن الله-جلَّ وعلا-يثيبك على النية الصالحة، يقول-صلى الله عليه وسلم-: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله صحيحًا مقيمًا). حتى أن المسلم من فضل الله يثاب على قصده الخير ولو كان متع وشهوات وملذات إذا أراد بها كفَّ نفسه عن الحرام، وكفَّ أهله عن الحرام، أثابه الله على هذه النية الصالحة، ولو كانت متعًا وملذات.
يقول-صلى الله عليه وسلم-لما عدَّ أنواع الوسائل التي يتحقق بها للمسلم الصدقة، قال: (وفي بُضع أحدكم صدقة)، أي فرجه، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: (أرأيتم لو وضعها في الحرام كان عليه وزر؟! فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)، فهذا من نعمة الله على المسلم، أن ملذاته ومتعه، تنقلب أعمالًا صالحة، ينال عليها الثواب إذا كانت النية خالصة لله. قال بعض السلف: "إن نوم المؤمن وأكله وشربه كل ذلك أعمال صالحة تجري عليه إذا أراد بها التقوي على طاعة الله"، فرقٌ بين المؤمن وبين غيره، غير المؤمن المتع والملذات هي المسيطرة على النفس، ولا صلة له بالله، وإنما شهوات وملذات، مآكل ومطاعم ومناكح، أما المسلم فخلاف ذلك، كل خطواته وأعماله يقصد بها التقرب إلى الله، فالنية الصالحة تصحبه في كل أحواله، فيرتقي بذلك إلى درجات الكمال.