{}▒◄ الذكر في الكتاب والسنة ►▒{}
ذكر الله عز وجل أفضل ما يقوم به العبد للوصول لمولاه، وهو أساس معرفة الله عز وجل، والذاكر الكامل هو الذي يذكر الله بلسانه وقلبه.
ولقد أكد ربنا ونبّه على ضرورة الذكر، وجعل من علامة ذكر الله لعبده ذكر العبد لمولاه: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]، وبيّن سبحانه أن ذكر الله أكبر من كل قربة وعبادة فقال: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45].
وإذا نظرنا إلى جميع العبادات نجدها محصورة بوقت محصور وعدد محدود، أما إذا نظرنا إلى الأمر بالذكر فنجد المولى سبحانه يأمرنا بالإكثار منه في كل زمان ومكان، وبدون سأم وملل، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الأحزاب:41، 42]، وكان رسول الله يذكر الله تعالى على كل أحيانه، وقال : ((سبق المفرّدون))، قالوا: وما المفرّدون يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات))، وقال : ((أفضل الذكر: لا إله إلا الله)).
وهي أفضل وجوه الذكر فاشغل بها العمر تفز بالذخر
وشكا رجل لرسول الله كثرة أبواب الخير وحيرته فيما يختار لنفسه، فقال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبّث به، فقال : ((لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله)). فبيّن في هذا الحديث أن ذكر الله أفضل أعمال البر، بل جاء في حديث آخر أنه أفضل حتى من الجهاد، قال : ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟)) قالوا: بلى، قال: ((ذكر الله تعالى)).
عجبت لمن يقول: ذكرت ربي وهل أنسى فأذكر من نسيت؟!
فذكر الله ـ عباد الله ـ هو منشور الولاية، ولا يكون وليًا لله من لم يذكر الله بلسانه، ويذكره عند الحلال والحرام، تذكر الله عند الحرام باجتنابه، وعند الحلال بامتثاله. وبلسانك، أي: ترطّبه بالتسبيح والتحميد والتكبير وغيرها من أنواع الذكر.
شكا رجل لأحد الصالحين بقوله: نحن نذكر الله تعالى ولا نجد في قلوبنا حلاوة الذكر! فقال له ذلك الرجل الصالح: "احمدوا الله تعالى على أن زيّن جارحة من جوارحكم بطاعته".
ومن رحمة الله أن جعل الأجر العظيم والثواب الجزيل على الأعمال السهلة اليسيرة؛ لنبادر بعملها، فقال : ((كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))، وقال : ((لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس)).
ذكرتك لا أني نسيتك لمحة وأيسر ما في الذكر ذكر لساني
وخرج رسول الله يومًا إلى المسجد فوجد حلقة من أصحابه فقال: ((ما أجلسكم؟)) قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومَنّ به علينا، قال: ((آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟)) قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: ((أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة)).
إن المتتبع لسير أولياء الله الصالحين يجد من أول شمائلهم أنهم يذكرون الله ذكرًا كثيرًا، ومرّ بكم أن المصطفى كان يذكر الله على كل أحيانه. وجاء في الأثر أن أبا هريرة كان يسبّح في اليوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة، وقال الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة والحافظ الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام: إن سند هذا الأثر صحيح. وهو أن أبا هريرة كان يسبح في اليوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة.
وكان عمير بن هانئ يسبح في اليوم مائة ألف. وفي كتاب الكاشف للذهبي وحلية الأولياء لأبي نعيم أن الفقيه الكبير الثبت المهيب المخلص خالدًا الكلاعي كان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة، سوى ما يقرأ من القرآن. قال ابن الجوزي في كتابه صفة الصفوة: "فلما وضع ليغسّل عندما مات جعل يحرّك إصبعه بالتسبيح رضي الله عنه، ونفعنا الله بسيرته".
وكان بعض السلف يقول: تفَقّدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: الصلاة والذكر وقراءة القرآن، فإن وجدتم، وإلا فاعلموا أن الباب مغلق. إذا وجدتم الحلاوة في الصلاة والذكر وقراءة القرآن فاعلموا أن قلوبكم حية، وإلا فهي ميتة جامدة. فالقلب يموت بحب الدنيا والإصرار على الذنوب. وكان الأبرار يتواصون بثلاث: بسجن اللسان عن الباطل، وكثرة الاستغفار، والعزلة عن الأشرار.
اغتنم ركعتين زلفـى إلى الله إذا كنت فارغًا مستريحا
وإذا ما هممت بالقول في البا طل فاجعل مكانه تسبيحا
قال مالك بن دينار : "ما تنعّم المتنعّمون بمثل ذكر الله"، وقال ممشاد الدينوري : "ما أقبح الغفلة عن طاعة من لا يغفل عن برّك، وما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن ذكرك". وصاحب مخلدُ بن الحسين إبراهيمَ بن أدهم ، فكان مخلد بن الحسين ما ينبته من الليل إلا وجد ابن أدهم يذكر الله، قال: فأعزي نفسي بهذه الآية: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء [الحديد:21].
الذكر ذكران: ذكر الله عز وجل باللسان، وأن تذكر الله عز وجل عندما تشرف على معصية الله، ولا غنى لك عن أحدهما.
ذكر الله تعالى لا يتم إلا بتوفيق الله عز وجل، بأن يمتع القلب واللسان بذكر الرحيم الرحمن، والغفلة عن ذكر الله أشد من الغفلة في وجود ذكره، فلأن تذكره وأنت غافل خير من أن لا تذكره مطلقًا.