█۞█◄ الحرز الصحيح ►█۞█
فإنَّ في القلوب حاجة لا يسدها إلا القرب من الله والتلذذ بمناجاته، وإنَّ في النفوس وحشة لا يزيلها إلا الأنس بكتابه، وإنَّ فيها قلقًا وخوفًا لا يؤمِّنها إلا السكون إلى ما بشَّر به عباده، وإنَّ فيها فاقةً لا يغنيها إلا التزود من حِكَم القرآن وأحكامه.
وقد أمر الله في كتابه بالتوكل عليه: وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [إبراهيم:11]. فالتوكل شعارُ أهلِ الإيمان، وتعظمُ بسببه صلتهم بالرحمن، وبه يتميزون، إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَـٰنًا وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2].
ولقد ضمن الله تعالى لمن توكل عليه القيامَ بأمره وكفاية همه فقال: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3]. وبالتوكل ينال العبد محبة الله تعالى، إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكّلِينَ [آل عمران:159].
أما حقيقة التوكل فأن يعلم العبدُ أنَّ الأمرَ كلَّه لله، وأنَّ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه هو النافع الضار المعطي المانع، وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، فبعد هذا العلم يعتمدُ بقلبه على ربه في جلب مصالح دينه ودنياه وفي دفع المضارِ، ويثق غاية الوثوقِ بربه في حصول مطلوبه، وهو مع هذا باذلٌ جهده في فعلِ الأسبابِ النافعة. فالتوكل اعتماد وعمل، فلا مجال للبَطَّالين وإن ادعوا التوكل بألسنتهم فهم متواكلون.
فعن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي فقال: أعقل ناقتي وأتوكلُ، أو أطلقها وأتوكل؟ فقال النبي : ((اعقلها وتوكل)) إسناده حسن.
إنَّ التوكل على الله مطلب يشغل به الإنسانُ قلبه في كلِّ وقتٍ، فهو باذل قدرته، مقدم ما يستطيعه من أسباب مادية، ثم بعد ذلك يكل أمره إلى ربِّه، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ [القصص:68]، فإن تم ما خطط له ووافق رغبته فهذا تيسير الله وفضله، وإن كان غيرُ ذلك علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَـٰنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ [التوبة:51].
ومع كون التوكل مطلبًا لا يفارق الإنسان إلا أنه يظهر في مجالاتٍ كثيرة وميادين واسعة. فمن أوسع ما يظهر فيه التوكل أن يعتقد الإنسان بقلبه أنَّه لا يجري في هذا الكون شيء إلا قد قدَّره الله، فلا تسلط لأحد على أحد إلا بإذن الله، وَمَا هُم بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ [البقرة:102]، وبهذا تزول الأوهام التي ركبت عقول كثير من الناس لا سيما عامتهم من النساء والصغار، فاستوحشوا من كل أحد، وتشاءموا من كل حدث، فعاد ضعفُ توكلهم قلقًا في حياتهم وحَيْرة في أفعالهم، فهم خائفون من لا شيء، يحذرون من كل شيء، فما أن يطرأ أي عارض في حياتهم إلا نسبوه إلى عين حاسد أو تلبس جنٍّ أو سحر ساحر. وإنَّ هذه كلَّها حق، ومنكرها مكذّبٌ لما يجب تصديقه مما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله ، ولكنَّ إعطاءها أكبر من حجمها دليل على ضعف علاقة الإنسان بربه وعدم ثقته بحفظه، والله تعالى يقول: لَهُ مُعَقّبَـٰتٌ مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ [الرعد:11] أي: للإنسان ملائكة يحفظونه بأمر الله من الجن والإنس والهوام ومن كل سوء، ويحفظون عليه أعماله.
فاطلبوا الحفظ ـ رحمكم الله ـ من الله بالأسباب الشرعية والوسائل المرعية، وقد قال النبي لابن عمه عبد الله بن عباس: ((احفظ الله يحفظك))، وقال الله تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ [الحج:38]. فمن طلب حفظ الله ومدافعته فليلزم الإيمان بالله، وليحافظ على تقواه في السرِّ والعلانية.
وقال النبي : ((من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فانظر ـ يا ابن آدم ـ لا يطلبنك الله من ذمته بشيء)) رواه مسلم. ((في ذمة الله)) أي: في حفظه وتسديده في خاصة نفسه وولده وأهله وماله.
ثم هو مواظب على ذكر الله في شأنه كله، فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطانُ: أدركتم المبيت والعشاء)) رواه مسلم.
ومما يشرع للإنسان أن يقولَه عند خروجه من منْزله: ((بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بَالله))، قال النبي : ((مَنْ قال ـ يعني إذا خرج من بيته ـ: بسم الله، توكلت على الله، لا حولَ ولا قوَّة إلا بالله يقال له: هديت وكفيت ووُقيت، وتَنَحَّى عنْه الشيطان)).
وإن الشيطانَ أبعدُ ما يكون من المتوكلين، فلا سلطانَ له عليهم، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل:99].
رزقنا الله وإياكم التوكل عليه، والثقة بما عنده.