°۞° نعمة الفَهْم الصحيح °۞°
ترغب النفس أَلْفَ شيء وشيء .. يصدُّ النَّفْسَ اللَّجُوجَ ضميـري
كثير من الناس يعاني من سقم الفهم للقضايا والأحداث والأشخاص، فيقع بسبب ذلك في أخطاء
الحُكم على الآخرين، أو التفسير للمواقف والأحداث. وإذا كان سوء الفهم سبباً في كثير من الأخطاء
والخلافات، فإن حسن الفهم، وصحته من أهم أسباب سلامة الموقف، والبُعد عن الخلافات.
إنّ فهم ما يقول غيرنا ضروري لتحديد الموقف الصحيح منهم، وهذا يحتاج إلى عمق التفكير وصدق
التأمل، وعدم التسرع في الحُكم على الأشياء. ولكم تمر بنا في تجاربنا اليومية مواقف محتدمة
لا سبب لاحتدامها إلا سوء الفهم للموقف، أو الرأي، أو الكلمة، مع ما يصحب ذلك ويتبعه من سوء الظن، وعدم سلامة الصدر.
إنَّ الفهم الصحيح نعمة عظيمة جليلة القدر تجعل الإنسان قادراً على اتخاذ الرأي المناسب،
والموقف الصحيح في اللحظات الحاسمة. ولكم حدث في نفسي شيء أحياناً نحو بعض أشخاص
بناءً على فهمٍ لما قالوا، ثم تبيَّن لي أنَّ فهمي كان مخالفاً لما أرادوا، وأن ما حدث في نفسي إنما بُني
على فهم غير صحيح، ولكم أصلحت بين أناسٍ متخاصمين كان سوء فهمهم لبعضهم سبباً - في الغالب -
لما حدث بينهم من خصومة، وكأني بالوسواس الخنَّاس، الشيطان الرجيم، نعوذ بالله منه،
متربِّصاً بالناس في هذا الجانب، بحيث يزيدهم إيغالاً في سواء الفهم، ليوقع بينهم العداوة والبغضاء.
الفهم الصحيح نعمة كبيرة لا يعرف قيمتها
إلاَّ مَنْ يرى الآثار السيئة للفهم السقيم في حياة البشر.
إن الفهم الصحيح يحول بين شياطين الإنس والجن وبين الإنسان؛ فما يستطيعون جَرَّه إلى مواقف
سيئةٍ، قد ينتج عنها من الأخطاء الكبيرة ما لا تحمد عقباه؛ ولذلك قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
لأبي موسى الأشعري حينما ولَّاه الإمارة: يا أبا موسى، الفَهْمَ الفَهْمَ فيما يرد إليك من الأمور مما ليس مذكوراً في قرآنٍ أو سنَّة.
ولعلَّ هذا التكرار للوصيِّة بالفهم يدلنا على ما للفهم الصحيح من دورٍ كبير في صلاح أمور العباد
والبلاد.. ومما يؤكد هذا المعنى ما ورد في القرآن الكريم من إشارة إلى نعمة الفهم الصحيح في قوله
تعالى عن نبيِّه سليمان عليه السلام: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}؛ لأن هذا الفَهْمَ جعل أحكامه - عليه السلام -
أحكاماً صائبةً في جميع القضايا التي كانت تُطرح عليه في مُلكه وقبل ذلك في مُلك أبيه داود عليه السلام.
وهنالك ضوابط يتحقق بها الفَهْمُ الصحيح، حينما يحرص عليها الإنسان سيكون قادراً على الإفادة
من هذه النعمة العظيمة في حياته، ومن تلك الضوابط :
1- التريُّث وعدم الاستعجال في تفسير ما يسمع المرء أو يقرأ من الأقوال.
2- التأمُّل فيما سمع أو قرأ حتى يتمكن من الوصول إلى المعنى المراد.
3- إعادة الاستماع أو القراءة أكثر من مرة حتى يتمكن الإنسان من الفهم الصحيح.
4- استخدام ميزان (حُسن الظنّ) و(سلامة الصدر) في الحُكم على الأقوال والأفعال.
5- مراقبة الله عزَّ وجلّ والخوف منه، وهذا ضابط مهم يكتنف الضوابط الأخرى ويوجِّهها.
هكذا يمكن أن نتخلَّص من آثار سوء الفهم السلبية في حياتنا،
وأن نبعد قلوبنا عن مشاعر البغضاء والحقد التي تؤدي إلى التنافر والعداء.
على الخير دائماً
نلتقي لنرتقي..