{❦۩❦} عظم شأن لفظة : (الله أكبر) {❦۩❦}
لا يرتفع عن النفوس الشقاء ولا يزول عن العقول الاضطراب ولا ينزاح عن الصدور القلق إلا حين تُوقن البصائر وتُسلِّم العقول بأنه سبحانه الواحد الأحد، المتكبر الصمد، له الملك كله، وبيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله.
إن إسلام الوجه لله وإفراده بالعبادة يرتقي بالمؤمن في خُلُقه وتفكيره، يُنقذه من زيغ القلوب وانحراف الأهواء، وظلمات الجهل وأوهام الخرافة، ينقذه من الدجالين وأحبار السوء ورهبانه، يقيم المسلم عليه حياته، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162].
أيها المسلمون، كلمةٌ نرددها كل يوم وتمر على أسماعنا كل لحظة، لكننا لا نتأمل معناها ولا ندرك مغزاها، ولا نعمل بمقتضاها إلا من رحم الله. ليست كلمةً لا معنى لها، أو لفظةً لا مضمون لها، بل هي كلمة عظيمٌ شأنها رفيعٌ قدرها، تتضمّن المعاني الجليلة والمدلولات العميقة والمقاصد السامية الرفيعة. فالدين كله يعدّ تفصيلاً لها، يقوم المسلم بالطاعات جميعها والعبادات كلها إجلالاً لله وتعظيمًا لشأنه وقيامًا بحقه سبحانه، وهذا مما يبين عظمةَ هذه الكلمة وجلالَة قدرها. أتدرون ما هي؟ إنها: (الله أكبر)، هذا الحداء الذي تردد بين السماء و الأرض، ولم يلق لسان الزمان في أذن الدنيا حداءً مثله، حربيًا إن شئته للحرب، عاطفيًا إن شئته للقلب، دعويًا إن شئته للعبادة.
الله أكبر، هذا الهتاف الذي كان صرخة الحق من أفواه جند محمد ، أسمعوه بطون الأودية وقمم الجبال، سلكوها يجاهدون في سبيل الله، وكل أسوار قلعة لا تستطيع أن تحوم فوقها العقبان، فتحوها ليدخلوا إليها هدى الله، وكان أبدًا هزيجَ الفاتحين.
الله أكبر، تسري في هدأة الليل و بعض الناس غارقون في نشوة الملذات، وفي وضح النهار وهم منغمسون في غمرات التجارة، أو معامع المطامع والشهوات.
الله أكبر، تهبط عليهم جميعًا كما تهبط البركات من السماء، وتمشي في قلوبهم كما يمشي النور في الفضاء، يذكر الأقوياء بأن لا يتكبروا على الضعفاء، ويصرخ في آذان الذين غرتهم أنفسهم وأغواهم شيطانهم، فعبدوا المادة، ونسوا العبادة، وجحدوا المعاد. يذكرهم أن وراء الجسد روحًا، وأن بعد الدنيا آخرة، وأن في الوجود ربًا يمهل ولا يهمل، ويُنسي ولا ينسى.
الله أكبر، هي بإذن الله مفزعُ التائبين، وملجأُ الخائفين، ونورُ المتعبّدين، وبضاعةُ المتاجرين، تجلو صدأ القلوب بأنوارها، وتزيلُ حُجُب الغفلات بأذكارها، وتنيرُ الوجوهَ بأسرارها وآثارها.
الله أكبر من كل كبير، وأكبر من كل عظيم، وأكبر من كل قوي، وأكبر من كل غني، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد:9].
جعل الله التكبير عبادة وقربى، أمر المؤمنين بالتوجه إليه، لينالوا عنده منزلة رفيعة وزلفى، فكلهم يفزع في حاجته إليه، ويعول عند الحوادث عليه.
عباد الله، شأنُ التكبير عظيم، وحقيقتُه إظهارُ الافتقارِ إلى الرب الجليل، والتبرؤ من الحول والقوة إلا بالله، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذِلة، وفيه معنى الثناءِ على الله، وإضافةِ الجودِ والكرمِ إليه، يعيشُ بها المؤمنُ في ملاذٍ أمين، وقرارٍ مكين. ويأوي إلى ركن شديد، ينزل بالله حاجته، ويستعين به في كافة أموره، وبهذا يقطعُ الطمعَ مما في أيدي الخلق، فيتخلصُ من أسرهم ويتحررُ من رقهم ويسلمُ من منتهم، فيظلُ مهيبَ الجناب موفورَ الكرامة، وهذا رأسُ الفلاح وأسُ النجاح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكلما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته، لقضاء حاجته ودفع ضرورته، قويت عبوديتُه له وحريتُه مما سواه".
وقال شيخ رحمه الله تعالى: "وهذا كله يبين أن التكبير مشروع في المواضع الكبار لكثرة الجمع، أو لعظمة الفعل أو لقوة الحال أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة؛ ليبين أن الله أكبر، لتستولي كبرياؤه في القلوب على كبرياء ما سواه، ويكون له الشرف على كل شرف، كما في الحديث القدسي: ((العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منها عذبته)).
الله أكبر، يبدأ المسلمون بها يومهم الجديد، إنهم عباد الرحمن يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا، انتزعوا أنفسَهم من وثيرِ الفرش وهدوءِ المساكن وسكون الكون، غالبوا هواتف النوم وآثروا الأنس بالله، والرجاء في وعده والخوف من وعيده.
الله أكبر، مصاحبة للمسلم في عبادات عديدة وطاعات متنوعة، تتكرر عليه في الأذان والإقامة، وفي الصلوات الخمس المكتوبة، وفي السنن الرواتب والنوافل، تصاحبه في كل خفض ورفع، وفي أدبار الصلوات. التكبير عندما يكمل عدة الصيام، التكبير في الحج والعمرة، عند بداية كل شوط من الطواف، وعلى الصفا والمروة، التكبير عند الإفاضة من عرفات، وعند المشعر الحرام، وعند رمي الجمرات.
التكبير في أيام التشريق، وفي صلاتي العيدين والاستسقاء، التكبير عند ذبح الأضحية، وعند الكسوف والخسوف وعند الخوف، وعند ركوب الدابة، وعند ما يأوي المسلم للفراش.
التكبير عند القتال، الله أكبر إذا قرب لقاء العدو، وإذا رأى بشائر النصر في الجهاد، إظهارًا لعظمة الله عز وجل، واقتداء بسنة رسول ففي البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: صبح النبي خيبرًا، فلجؤوا إلى الحصن، فرفع النبي يديه وقال: ((الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحُ المنذَرين)).
عباد الله، ما كانت هذه الأدلة المتكاثرة والحجج المتضافرة والبراهين المتوافرة إلا لعظم الأمر وخطر شأن القضية.
فمتى نراها واقعًا عمليًا محسوسًا تتردد في الجنان، وينطق بها اللسان، وتعمل بمقتضاها الأركان؟ متى نسمعها تجلجل في الميدان، ويرتص بها البنيان، ويعلو بها الإيمان، وتكسر بها الصلبان، ويندحر بها الطغيان، ويولي الأدبارَ الأمريكان؟
متى نسعد بها تقتلع جذورهم، وتستأصل شأفتهم، وتفرق جمعهم، وتنزل الرعب في قلوبهم، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة: 214].
تلك المعاني التي تبعث في النفس التضحية، والاستعلاءَ عن الشهوات، وحبَّ الموت والشهادةِ في سبيل الله، والتطلعَ إلى معالي الأمور، والتنزهَ عن سفاسفها، والتزهدَ في الدنيا.
نعم وإنا لها، ما فقدنا عقيدتنا، ولا أضعنا إرثنا، نعم وإن في قلوبنا لَذلك الإيمان، وعلى ألسنتا لَذلك الهُتاف، وفي سواعدنا لَهاتيك العزائم، وإن أسلافنا الذين أطاحوا تيجان كسرى وقيصر قادرٌ أحفادُهم بإذن الله على أن يطيحوا بالصليب، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد:10].
أرى للفجرِ إرهاصا قريبًـا برغم الليلِ أوشك بالزهاء
سنأخذ ثأرَنا من كل بـاغٍ ونُطعِمـه مراراتِ البـلاء
سنرفع صـوتَنا الله أكبـر مدويةً بأكنـاف الفضـاء
ويرجعُ قدسُنا المنهوب منا ولو سالت سيولٌ من دماء