◙✧◙ قوانين القرآن - قانون الشفاعة ◙✧◙
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أعزائي المشاهدين.. أخواتي المؤمنين.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لا زلنا في قوانين القرآن الكريم، والقانون اليوم قانون الشفاعة.
الأشياء وتر، وشفع.. الوتر منفرد.. الشفع مزدوج معني الشفاعة لا يلتقي اثنان لا يلتقي اثنان لا يتنافسوا.. اثنان لا يؤذي واحد الآخر.. أي حركة نحو الآخر إيجابية أو سلبية نوع من الشفاعة.
لذلك الآية الأصل في هذا الموضوع قول الله -عز وجل- { اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}..
أيها الإخوة هذه آية الكرسي، وهي أعظم آيات القرآن.. { اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ} يعني لا مسير في الكون إلا هو.. لا معطي، ولا مانع، ولا خافض، ولا رافع، ولا معز، ولا مذل هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
{ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} عنده في ملكه.. يعني في ملك الله في السماوات والأرض.. في الكون لا يمكن أن يتصل كائن بكائن.. أن ينفع كائن كائن.. أن يؤذي كائن { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} هذه الآية تعد أصلا في قانون الشفاعة.. فكل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
أيها الإخوة الأحباب كلنا يعلم أن لله أمر تكليفي، وأن لله أمر تكويني.. فالأمر التكويني { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} هذه الآية دقيقة جدا.. التي يمكن أن تنفي الحقد، والألم ،والألم الشديد كل وقع أراده الله؛ لأنه لا يليق أن يقع في ملكه ما لا يريد، ولا معنى أنه أراد أنه أمر أو رضي.. لكن سمح فقط لحكمة بالغة دامغة عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } كأمر تكويني { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}.
أما كأمر تكليفي متى يسمح لي أن أشفع لإنسان؟ متى يسمح لي أن ألتقي مع إنسان؟ متى يسمح لي أن أتعامل مع إنسان؟
هنا موضوع قانون الشفاعة كأمر تكليفي.
أما كأمر تكويني كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
الآن أيها الإخوة الأحباب الآية الأولى في الأمر التكليفي { مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} يعني أنت وفقت بين زوجين ثمار هذا الزواج في صحيفتك.. عمل صالح.. وفقت بين شريكين أنت دلل إنسان على طريق الهدي أي علاقة مع الآخر أي علاقة مع الآخر من دون استثناء للذي سبب هذه العلاقة الإيجابية أجر عند الله كبير.
ولذلك يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- مخاطب الإمام عليّ (رضي الله عنه) "يا على لأن يهدي الله بك رجل واحد خير لك مما طلعت عليه الشمس.. خير لك من حمر النعم.. خير لك من الدنيا وما فيها" يعني وفقت بين اثنين.. دللت إنسان على خير الدال على الخير كفاعله.. حذرت إنسان من شر فابتعد عن هذا الشر.. وفقت بين زوجين.. دللت إنسان على زوجة صالحة مؤمنة طاهرة.
فهذا الزواج المبارك الميمون كل نتائجه الإيجابية في صحيفة هذا الذي كان سبب هذا الزواج.
لذلك أفضل شفاعة أن تشفع بين اثنين في نكاح.. أفضل شفاعة أن توفق بين أم وولدها.. بين أخ وأخيه.. بين شريك وشريكه.. بين مسلم ومسلم.. هذه أفضل شفاعة كأمر تكليفي، ولكن بالمقابل أيها الإخوة في إيجابيات، وفي سلبيات، { وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} يتحمل إثما أي.. أي شر ظهر من هذه الشفاعة السلبية دللت إنسان على معصية فانغمس بها، ومات عاصي لله.. بعيد عن ربه.. استحق عذاب النار.. فهذا الذي دله على هذه المعصية.. سبب شقاء كبير.
لذلك ماذا فعل نوبل الذي اخترع البارود؟ جعل كل ثروته من أجل عمل إنساني؛ لأنه أدرك أن هذا البارود سوف يسبب للبشرية متاعب لا تنتهي.
لذلك { وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً}
أيها الإخوة الأحباب قضية الشفاعة قضية خطيرة جدا.. فالمؤمن لحرصه على طاعة الله، ولحبه للخير، ولحرصه الذي لا حدود له على خير البشرية لا يقبل أن يكون سبب لحصول مشكلة.. لا يقبل أن يبني مجده على أنقاض الآخرين.. لا يقبل أن يبني حياته على موتهم.. عزه على ذلهم.. أمنه على خوفهم.. غناه على فقرهم.. كل شفاعاته حسنة.. لا يدل إلا على الخير لا على الشر.
لذلك مثلا إنسان أفسد فتاة فكل أخطائها، وكل مستقبلها المظلم في صحيفة الذي أفسدها.. فشيء خطير جدا أن الله -عز وجل- يحاسب كل إنسان عن أثار عمله، وهذا في قوله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}.
إذا الأمر التكليفي الخطير في موضوع الشفاعة أن هناك شفاعة حسنة لمن سببها، ولمن كان وسيط بها.. هذا له نصيب منها.. له نصيب من الأجر.
لذلك هي حقيقة بالدين رائعة.. هذه تجارة مع الله.. أي عمل صالح دللت الناس عليه أو روجته في المجتمع أي عمل خيري أي مؤسسة خيرية أي مؤسسة دار أيتام مؤوي عجزة.. معهد شرعي.. جمعية خيرية أي عمل تقوم به ينطوي على شفاعة بين اثنين في صحيفتك إلى أبد الآبدين، وهذا من فضل الله -عز وجل- ومن كرمه هذه الشفاعة الحسنة لصاحبها نصيب منها.. لكن الشيء الخطير أن كل عمل سيء، وإن كل إضرار بالناس، وأن كل ترويج لمعصية، وأن كل زواج بني على الفساد، وأن كل كسب غير مشروع، وأن كل ضلالة راجت بين الناس، وأن كل وهم واجهه أناس من أجل مكاسب مادية الآثار السلبية التي نتجت عن هذا الترويج، وعن هذه الدلالة في صحيفة من سببها، ومن دل عليها إلى يوم القيامة، وهذا شيء مخيف جدا.
فنسأل الله جل جلاله أن يقينا من الآثار المدمرة للشفاعة السيئة.
أيها الإخوة.. الله -عز وجل- يقول: { ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء{24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} الكلمة الطيبة تطير في الهواء.. تطير في الآفاق.. قد ينتفع بها أناس كثيرون، والكلمة الخبيثة بالمقابل أيضا تطير في الهواء.. الضلالات تنتشر عبر وسائل الإعلام.. الضلالات تنتشر عبر المطبوعات.. عبر المقابلات.. عبر الندوات.. هذه الضلالات كل من روجها، وأشاعها بين الناس فانعكست فساد، وانحراف، ومعصية، وبعدا أصحابها هم مسئولون عن أعمالهم، وعن نتائج أعمالهم، وهذا تؤكده الآية الكريمة { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}.
أيها الإخوة في بعض الأحاديث الشريفة "من أعان ظالم ولو بشطر كلمة لقي الله يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله" بل من أعان ظالم سلطه الله عليه.. هذا الموضوع خطير جدا يجب أن نعد للمليون قبل أن نكون وسطاء في شفاعة سيئة، ويجب أن نبحث بكل ما نملك من جهد كي نوفق بين اثنين.. ندل على خير.. نشيع الخير في الناس.
هذه قضية متعلقة بقانون الشفاعة، والشفاعة كما قلت في هذا اللقاء الطيب شفاعة تكوينية { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} وشفاعة تكليفية من كان سبب في خير فله أجره إلى يوم القيامة.
أيها الإخوة الكرام إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.