◙✧◙ قوانين القرآن - قانون الإلتفاف والإنفضاض ◙✧◙
بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .. اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم .. ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أعزائي المشاهدين إخوتي المؤمنين .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولازلنا في "قوانين القرآن".
والقانون اليوم "قانون الالتفاف والانفضاض" الإنسان أيها الأخوة خلق لجنة عرضها السموات والأرض .. خلق ليسعد إلى أبد الآبدين خلق لينعم بالقرب من رب العالمين .. هذه الجنة لها ثمن ومن طلب الجنة بدون عمل فهذا ذنب من الذنوب ما ثمن الجنة أن يأتي الله بك إلى الدنيا وأن تتعرف إليه من خلال الكون الذي ينطق بوجود الله وبوحدانيته وكماله، بل إن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى فإذا تعرفت إلى الله وتعرفت على منهج الله واستقمت على أمره الله عز وجل يمنحك من كمالاته ودائما وأبدا أقول مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى .. فإذا أحب الله عبدا منحه خلقا حسن.
إذن الإنسان الذي آمن بالآخرة وآمن بأنه مخلوق للجنة ونقل اهتماماته إلى الدار الآخرة لابد له من عمل يصلح للعرض على الله لابد له من عمل صالح يكون وسيلة للقرب من الله .. لذلك الله عز وجل في قرآنه القرآن بنو البشر يرجح بعضهم بعضا بقيمة المال بقيمة القوة بقيمة الذكاء بقيمة الوسامة لكن الله سبحانه وتعالى جعل مرجحين اثنين لا ثالث لهما:
المرجح الأول: هو العلم فقال تعالى: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ }.
وقال أيضا: {يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
وقال أيضا: { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا }.. هذا القانون قانون الالتفاف والانفضاض، يعني من المؤمن الذي عرف الله وعرف منهجه وأراد أن يتقرب إليه أعظم عمل على الإطلاق من دون استثناء لقول الله عز وجل { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ }.. أي ليس في بني البشر إنسان أفضل عند الله ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين.
أيها الأخوة الكرام هذه الدعوة إلى الله هي فرض عين .. وفرض كفاية .. فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل.
فرض كفاية أن يتبحر الإنسان في العلم الشرعي وأن يتعمق فيه وأن يتفرغ له وأن يملك الحجج والبراهين ورد كل شبهات هذه الدعوة إلى الله بهذا المستوى فرض كفاية.. إذا قام بها البعض سقطت عن الكل.
ولكن الدعوة إلى الله التي هي فرض عين دعوة من نوع آخر، هو أن تدعوا إلى الله في حدود ما تعلم ومع من تعرف ليس غير ، هذه الدعوة تؤكدها الآية الكريمة { وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}.. فالتواصي بالحق بل ربع النجاة بل إن الله سبحانه وتعالى حينما يقول:{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي }.. فالذي لا يدعوا إلى الله على بصيرة وقالوا على بصيرة بالدليل والتعليل ليس متبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إذا لم يكن متبعا فهو لا يحب الله .. قل إن كنتم تحبون الله فتبعوني يحببكمم الله وييغفر لكم.
أيها الأخوة الكرام وصلنا إلى القانون الذي يحتاجه الدعاة إلى الله .. يحتاجه أي إنسان يحتل منصبا قياديا .. يحتاجه الأب .. يحتاجه الأم .. يحتاجه المعلم .. يحتاجه رئيس الدائرة .. يحتاجه مدير المستشفى .. يحتاجه رئيس الجامعة .. يحتاجه أي إنسان يحتل منصبا قياديا .. متى تنجح باختصاصك عندما يلتف الناس حولك حينما يحبونك متى تنجح في تحقيق أهدافك .. حينما يتطلع الناس إليك بعين المحبة والتقدير إذا متى يلتف الناس حولك ومتى ينفضون هذا هو محور هذا اللقاء الطيب بل محور القانون الذي نسميه قانون الالتفاف والانفضاض.
ما الذي يحكم هذا القانون؟
يحكم هذا القانون هذه الآية الكريمة .. قال تعالى: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ }.. أي بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد كنت لينا لهم أي أن الإنسان إذا اتصل بالله اكتسب منه الرحمة .. إن اتصلت بالرحيم تشتق منه الرحمة إن اتصلت بالحكيم تشتق منه الحكمة، إن اتصلت بالقوي تصبح قوي لا تلين ولا تتضعضع بل تكون قويا تأخذ حقك بشكل واضح صريح .. إذا اتصلت بالحكيم تكون حكيما .. بالرحيم تكون رحيما بالقوي تكون قويا .. بالعدل تكون منصفا .. فاي صلة بالله عز وجل من ثمار هذه الصلة اشتقاق الكمال .. فالآية التي هي قانون الالتفاف والانفضاض هي قوله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}... وهذه الباء عند النحاة باء السببية كقوله تعالى {فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ }.. هذه الباء باء السبب إذا فبما رحمة من الله لنت لهم، يعني يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك كنت لينا لهم هذه الرحمة التي كانت في القلب انعكست لينا في التعامل مع الآخرين .. هذا اللين في التعامل مع الآخرين سبب التفافهم حولك وإقبالهم عليك ومحبتهم لك وإخلاصهم لك ولذلك أكبر رأس مال يملكه الإنسان هو أن يحبه الناس وأن يثق به وأن يتفانوا فيه في تلبية دعوته التي يبتغي منها وجه الله.
فلذلك الدعاة إلى الله وأي إنسان يحتل منصبا قياديا يريد أن يحقق أهدافه وأن ينصاع الله له وأن يلتف حوله فعليه بهذه الآية {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}... اتصلت بنا فاشتققت منا الرحمة انعكست الرحمة لينا كان اللين سبب الفتاف الناس حولك عندئذ حققت الهدف من حياتك ورسالتك فاستعنت بهؤلاء الناس الذين أحبوك وقدروك ورفعوك، ماذا يقابل هذا القانون؟
قال: { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ }.. لو أن الإنسان انقطع عن الله عز وجل ليس في قلبه رحمة في قلبه قسوة فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله لا يرحم الآخرين يبني مجده على أنقاضهم يبني غناه على فقرهم .. يستغلهم يستعلى عليهم يؤذيهم ولو كنت فظا غليظ القلب يعني لو كان الإنسان منقطعا عن ربه فكان في غلظة ما بعدها غلظة هذه الغلظة انعكست نفورا من الناس فانفضوا من حولك .. سبحان الله!!
وكأن الآية معادلة رياضية:
اتصال ـــــ (رحمة .. ليـــن .. التفــاف).
انقطاع ـــــ ( قسوة .. غلظة .. انفضاض).
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ }.
أيها الأخوة الأحباب .. هناك فكرة دقيقة لعلي أختم بها هذا اللقاء الطيب الله عز وجل يخاطب سيد الخلق وحبيب الخلق وسيد ولد آدم والذي آتاه الله الوحي والقرآن والمعجزات أنت يا محمد مع كل هذه الخصائص ومع كل هذا الميزات .. ومع كل هذه الكمالات لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك .. فكيف بإنسان ليس معه وحي ولا معجزات ولا قرآن وليس فصيحا وليس جميل الصورة ومع ذلك هو فظ غليظ ولذلك من أمر بمعروف .. فليكن أمره بمعروف ومن نهى عن منكر فليكن نهيه بغير منكر.
هذا قانون "الالتفاف والانفضاض" الذي يحتاجه كل الدعاة إلى الله .. بل كل أب وأم بل كل معلم بل كل من يحتل منصبا قياديا .
أيها الأخوة الأحباب .. إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.